00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة النساء : من آية 82 ـ 131 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول)   ||   تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني »


(82) أفلا يتدبرون القرآن يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه ولو كان من عند غير الله من كلام البشر كما زعموه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا من تناقض المعاني وتفاوت النظم وخروج بعضه عن الفصاحة وعن مطابقة الواقع إلى غير ذلك .
(83) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف مما يوجب الأمن أو الخوف أذاعوا به أفشوه قيل كان قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا (1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أخبرهم الرسول بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوه وكانت اذاعتهم مفسدة ولو ردوه ردوا ذلك الأمر إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم قيل أي يستخرجون تدبيره بتجاربهم وأنظارهم .
في الجوامع عن الباقر عليه السلام هم الأئمة المعصومون عليهم السلام .
والعياشي عن الرضا عليه السلام يعني آل محمد صلوات الله عليهم وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم حجة الله على خلقه .
وفي الإكمال عن الباقر عليه السلام من وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله في غير أهل الصفوة من بيوتات الانبياء فقد خالف أمر الله عز وجل وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدىً وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فكذبوا على الله وزاغوا عن وصية الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا اتباعهم فلا تكون لهم يوم القيامة حجة ولولا فضل الله عليكم ورحمته بارسال الرسل وانزال الكتب .
في الجوامع عنهم عليهم السلام فضل الله ورحمته النبي وعلي صلوات الله عليهما .
والعياشي عن الباقر عليه السلام فضل الله رسوله ورحمته الأئمة .
____________
(1) وفي الحديث فبعث سرية هي بفتح السين فعيلة فاعلة بمعنى القطعة من الجيش من خمس أنفس إلى ثلثمأة وأربعمأة توجه مقدم الجيش إلى العدو ، والجمع سرايا وسرايات مثل عطية وعطيا وعطايات ، قيل سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم أو من الشيء السري النفيس وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا أو خفية قال في النهاية وليس بالوجه لأن لام السر راء وهذه ياء ( مجمع ) .

( 475 )

وعن الكاظم عليه السلام الرحمة رسول الله والفضل علي بن أبي طالب عليه السلام لا تبعتم الشيطان بالكفر والضلال إلا قليلا وهم أهل البصائر النافذة .
(84) فقاتل في سبيل الله إن تركوك وحدك لا تكلف إلا نفسك فتقدم إلى الجهاد وان لم يساعدك أحد فان الله ينصرك لا الجنود .
في الكافي عن الصادق عليه السلام ان الله كلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يكلف أحدا من خلقه كلفه ان يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه ان لم يجد فئة تقاتل معه ولم يكلف هذا أحدا من خلقه قبله ولا بعده ثم تلا هذه الآية .
والعياشي ما في معناه . روي أن أبا سفيان يوم أُحد لما رجع واعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موسم بدر الصغرى فكره الناس وتثاقلوا حين بلغ الميعاد فنزلت فخرج النبي وما معه إلا سبعون ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده وحرض المؤمنين إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا وهم قريش وقد كف بأسهم بأن بدا لأبي سفيان وقال هذا عام مجدب وانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمن معه سالمين والله أشد بأسا من قريش وأشد تنكيلا تعذيبا تهديد وتقريع (1) لمن لم يتبعه .
(85) من يشفع شفاعة حسنة راعى بها حق مسلم إما بدفع شر عنه أو جلب خير إليه ابتغاء لوجه الله . ومنها الدعاء للمسلم يكن له نصيب منها ثوابا لها ومن يشفع شفاعة سيئة وهي ما كان خلاف ذلك ومنها الدعاء للمؤمن يكن له كفل منها نصيب من وزرها مساو لها في القدر فان الكفل النصيب والمثل وكان الله على كل شيء مُقيتاً (2) مقتدرا وحفيظا يعطي على قدر الحاجة فان المقيت جاء بالمعنيين .
في الخصال عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم الصلاة والسلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء أو دل عليه أو أشار به فهو شريك .
____________
(1) التقريع : التعنيف عنفه تعنيفا أي لامه وعتب عليه والتعنيف التعبير واللوم (م) .
(2) قيل المقيت المقتدر المعطى أقوات الخلائق من اقاته أعطاه قوته وهي لغة في قاته والمقيت من اسمائه تعالى وهو المقتدر والحافظ والشاهد ( مجمع ) .


( 476 )

وفي الجوامع عنه عليه السلام من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثلاه في ذلك النصيب .
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب ويذكره بخير قالوا نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بخير قد أعطاك الله تعالى مثلي ما سألت له وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه ولك الفضل عليه وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا بئس الأخ أنت لأخيك كفّ أيها المستّر على ذنوبه وعورته وأربع (1) على نفسك واحمد الله الذي ستر عليك واعلم ان الله أعلم بعبده منك .
أقول : أربع على نفسك أي قف وامسك ولا تتعب نفسك من ربع كمنع .
(86) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها .
القمي قال السلام وغيره من البر .
وفي الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام إذا عطس أحدكم قولوا يرحمكم الله ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية الآية .
وفي المناقب جاءت جارية للحسن عليه السلام بطاق ريحان فقال عليه السلام أنت حرة لوجه الله فقيل له في ذلك فقال أدبنا الله تعالى فقال وإذا حييتم بتحية الآية وكان أحسن منها إعتاقها .
وفي الكافي عن الصادق عليه الصلاة والسلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلام تطوع والرد فريضة .
وعنه عليه السلام إذا سلم من القوم واحد اجزأ عنهم وإذا رد واحد اجزأ عنهم .
وعنه عليه السلام القليل يبدؤون الكثير بالسلام والراكب يبدأ الماشيء ، وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال . وفي رواية يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد وفي أخرى إذا لقيت
____________
(1) ربع كمنع وقف (ق) .

( 477 )

جماعة جماعة يسلم الأقل على الأكثر وإذا لقي واحد جماعة يسلم الواحد على الجماعة .
وعنه عليه السلام ومن التواضع أن تسلم على من لقيت وقال البخيل من بخل بالسلام .
وعنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام .
وعن الباقر عليه السلام ان الله يحب افشاء السلام .
أقول : الإفشاء أن يسلم على من لقي كائنا من كان .
وعن الصادق عليه السلام ثلاثة يرد عليهم رد الجماعة وان كان واحدا عند العطاس يقال يرحمكم الله وان لم يكن معه غيره والرجل يسلم على الرجل فيقول السلام عليكم والرجل يدعو للرجل فيقول عافاكم الله وان كان واحدا فان معه غيره .
أقول : أراد بالرد ما يشمل الإبتداء وبالغير في آخر الحديث الملائكة والرد بالأحسن في السلام أن يضيف ورحمة الله فان قالها المسلم أضاف وبركاته وهي النهاية فيرد بالمثل .
ففي الكافي عن الباقر عليه السلام قال مر أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا ابراهيم عليه السلام انما قالوا ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . وروي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلام عليك فقال وعليك السلام ورحمة الله ، وقال آخر السلام عليك ورحمة الله فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال وعليك فقال الرجل نقصتني فأين ما قال الله وتلا الآية فقال إنك لم تترك لي فضلا ورددت عليك مثله .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام من قال السلام عليكم فهي عشر حسنات

( 478 )

ومن قال السلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة ومن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة .
وعنه عليه السلام من تمام التحية للمقيم المصافحة (1) وتمام التسليم على المسافر المعانقة (2) .
وعنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم .
وعن الصادق عليه السلام ثلاثة لا يسلمون الماشي إلى الجمعة وفي بيت الخلاء وفي حمام .
وفي الخصال عنه عن أبيه عليه السلام لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث (3) ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على المصلي وذلك أن المصلي لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد عليه فريضة ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام ولا على الفاسق المعلن بفسقه إن الله كان على كل شيء حسيبا يحاسبكم على التحية وغيرها .
(87) الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا إنكار .
(88) فما لكم في المنافقين فئتين فما لكم تفرقتم فيهم فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام نزلت في قوم قدموا من مكة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك ثم سافروا إلى اليمامة فاختلف المسلمون
____________
(1) المصافحة الأخذ باليد كالتصافح ( قاموس ) .
(2) المعانقة هو أن يضع كل من الشخصين يده على عنق صاحبه ويضمه إليه (م) .
(3) المخنث بفتح النون والتشديد وهو من يوطأ في دبره لما فيه من الانخناث وهو التكسر والتثني (م) .


( 479 )

في غزوهم لاختلافهم في اسلامهم وشركهم والله أركسهم (1) ردهم في الكفر بأن خذلهم فارتكسوا بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله أن تجعلوه من المهتدين ومن يضلل الله فلن له سبيلا إلى الهدى .
(89) ودوا لو تكفرون كما كفروا تمنوا أن تكفروا ككفرهم فتكونون سواء في الضلال .
في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث وان لشياطين الانس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون ان استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النصرة في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله ارادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فلا تتولوهم وان آمنوا حتى يهاجروا هجرة صحيحة هي لله لا لغرض من أغراض الدنيا فإن تولوا عن الإيمان المصاحب للهجرة المستقيمة فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم كسائر الكفرة ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا أي جانبوهم رأسا ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة .
(90) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق استثناء من قوله فخذوهم واقتلوهم أي الا الذين ينتهون إلى قوم عاهدوكم عهدا ويفارقون محاربتكم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام هو هلال بن عويم الأسلمي واثق عن قومه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال في موادعته على أن لا نحيف (2) يا محمد من أتانا ولا تحيف من أتاك فنهى الله سبحانه أن يعرض لأحد عهد إليهم أو جاؤُوكُمْ حصرت صدورهم ضاقت .
____________
(1) والله أركسهم بما كسبوا أي ردهم إلى كفرهم بأعمالهم من الركس وهو رد الشيء مقلوبا وأركسته بالألف رددته على رأسه وركسه واركسه بمعنى وركست الشيء ركسا من باب قتل أي قلبته ورددت أوله على آخره وارتكس فلان في أمر قد نجا منه (م) .
(2) في الحديث انا معاشر الأنبياء لا نشهد على الحيف يعني على الظلم والجور كان يشهد على من ينحل بعض أولاده دون بعض أو على من يطلق لغير السنة وعلى الرباء ونحو ذلك والحائف في حكمه الجائر فيه وقد حاف بحيف أي جارو منه الحيف في الوصية من الكبائر وقد فسر بالوصية بالثلث ولعله يريد المبالغة ( مجمع ) .


( 480 )

العياشي عن الصادق عليه السلام هو الضيق أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم .
في الكافي عن الصادق عليه السلام نزلت في بني مدلج جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا انا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلسنا معك ولا مع قومنا عليك فواعدهم إلى أن يفرغ من العرب ثم يدعوهم فإن أجابوا والا قاتلهم .
القمي في قوله عز وجل ودوا لو تكفرون كما كفروا إلى آخر الآية نزلت في أشجع (1) وبني ضمرة (2) وكان خبرهم أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر لموعد مر قريبا من بلادهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صادر (3) بني ضمرة ووادعهم (4) قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله هذا بنو ضمرة قريبا منا ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا فلو بدأنا بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلا إنهم أبر العرب بالوالدين وأوصلهم للرحم وأوفاهم بالعهد وكان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة وهم بطن من كنانة وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف بالمراعاة والأمان فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بني ضمرة فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسيرهم إلى بني ضمرة تهيأ للمصير إلى أشجع فيغزوهم للموادعة التي كانت بينه وبين بني ضمرة فأنزل الله ودوا لو تكفرون كما كفروا الآية . ثم استثنى بأشجع فقال الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم الآية . وكانت أشجع محالها البيضاء والجبل والمستباح وقد كانوا قربوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهابوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث إليهم من يغزوهم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا فهم بالمسير إليهم فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رحيلة وهم
____________
(1) اشجع بن ريث بن غطفان أبو قبيلة (ق) .
(2) بنو ضمرة رهط عمرو بن أمية الضمري (ق) .
(3) صادره على كذا : طالبه به (ق) .
(4) وادعهم : صالحهم وتوادعا تصالحا (ق) .


( 481 )

سبعمائة فنزلوا شعب سلع (1) وذلك في شهر ربيع سنة ست فدعا رسول الله أُسيد بن حصين فقال له اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع فخرج أُسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم فقال ما أقدمكم فقام إليه مسعود بن رحيلة وهو رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه وقالوا جئنا لنوادع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فرجع أُسيد الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم ثم بعث إليهم بعشرة أجمال تمر فقدمها أمامه ثم قال نعم الشيء الهدية امام الحاجة ثم أتاهم فقال يا معشر أشجع ما أقدمكم قالوا قربت دارنا منك وليس في قومنا أقل عددا منا فضقنا لحربك لقرب دارنا وضقنا لحرب قومنا لقلتنا فيهم فجئنا لنوادعك فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك منهم وأودعهم فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم وفيهم نزلت هذه الآية الا الذين يصلوا الآية ولو شاء الله لسلطهم عليكم بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم فلقاتلوكم ولم يكفوا عنكم فإذا اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فان لم يتعرضوا لكم وألقوا إليكم السلم الاستسلام والإنقياد فما جعل الله لكم عليهم سبيلا فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم .
القمي عن الصادق عليه السلام كانت السيرة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول سورة البراءة ألا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب إلا من حاربه وأراده وقد كان نزل في ذلك من الله سبحانه فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقاتل أحدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة براءة وأمر بقتل المشر كين من اعتزله ومن لم يعتزله الا الذين قد كان عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إلى مدة منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحديث طويل وهو مذكور بتمامه في سورة براءة .
(91) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم قيل كانوا يظهرون
____________
(1) سلع جبل بالمدينة وقول الجوهري السلع خطأ لأنه علم وجبل لهذيل وحصن بوادي موسى من عمل الشويك (ق) .

( 482 )

الإسلام ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا .
في المجمع ، عن الصادق عليه السلام نزلت في عيينة بن حصين الفزاري أجدبت بلادهم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووادعه على أن يقيم ببطن (1) نخل ولا يتعرض له وكان منافقا ملعونا وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأحمق المطاع .
والقمي مثله كلما ردوا إلى الفتنة دعوا إلى الكفر وإلى قتال المسلمين أركسوا فيها عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فان لم يعتزل هؤلاء قتالكم ولم يستسلموا لكم ولم يكفوا أيديهم عن قتالكم فخذوهم فأسروهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم حيث تمكنتم منهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا تسلطا ظاهرا وحجة واضحة في التعرض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم وكفرهم وغدرهم .
(92) وما كان لمؤمن وما صح لمؤمن ولا استقام له وما لاق بحاله أن يقتل مؤمنا بغير حق إلا خطئا لأنه في عرضة الخطأ .
والقمي يعني ولا خطأ .
في المجمع ، عن الباقر عليه الصلاة والسلام نزلت في عياش (2) بن أبي ربيعة المخزومي أخي ابي جهل لأنه كان أسلم وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما وهو لم يعلم باسلامه وكان المقتول الحارث بن يزيد أبو بنيشة (3) العامري قتله بالحرة (4) بعد الهجرة وكان أحد من رده عن الهجرة وكان يعذب عياشا مع أبي جهل ومن قتل مؤمنا
____________
(1) بطن نخل بين مكة والطائف ( مجمع ) .
(2) عياش بن ابي ربيعة صحابي ( قاموس ) .
(3) وبنيشة الخير وهوذة بن بنيشة صحابيان ( قاموس ) .
(4) الحرة بالفتح والتشديد أرض ذات حجارة ومنه حرة المدينة والجمع حرار مثل كلبة وكلاب ويوم الحرة معروف وهو يوم قاتل عسكر يزيد بن معاوية لعنه الله أهل المدينة ونهبهم وكان المتأمر عليهم مسلم بن عقبة وعقيبها هلاك يزيد ، قتل فيه خلق كثير من المهاجرين والأنصار ( مجمع ) .


( 483 )

خطئا فتحرير رقبة فعليه تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله كذا عن الصادق عليه السلام رواه العياشي .
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل فان الله عز وجل يقول فتحرير رقبة مؤمنة يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث (1).
والعياشي عن الكاظم عليه السلام سئل كيف تعرف المؤمنة قال على الفطرة (2) ودية مسلمة إلى أهله مؤداة إلى أولياء المقتول إلا أن يصدقوا يتصدقوا عليه بالدية سمى العفو عن الدية صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله .
وفي الحديث كل معروف صدقة .
العياشي سئل الصادق عليه السلام عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة وهو الرجل يضرب الرجل ولا يتعمد قتله قال نعم قيل فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا قال ذلك الخطأ الذي لا شك فيه وعليه الكفارة والدية فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام في رجل مسلم في أرض الشرك فقتله المسلمون ثم علم به الإمام بعد فقال يعتق مكانه رقبة مؤمنة وذلك قول الله عز وجل فان كان من قوم عدو لكم الآية ، وزاد العياشي وليس عليه دية وأن كان من قوم كفرة بينكم وبينهم ميثاق عهد فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة يلزم قاتله كفارة لقتله كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام فمن لم يجد رقبة بأن لا يملكها ولا ما يتوصل به إليها فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما بحاله حكيما فيما أمر في شأنه .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول فان عليه أن يعيد الصيام وإن صام الشهر الأول وصام
____________
(1) الحنث بكسر الحاء الذنب وقيل الشرك وقيل الإثم ومنه حنث في يمينه يقال حنث في يمينه حنثا إذا لم يف بموجبها فهو حانث قال في النهاية وكأنه من الحنث الإثم والمعصية وغلام لم يدرك الحنث أي لم يجر عليه القلم ( مجمع ) .
(2) الظاهر ان المراد بالخبر الأول في غير المتولد من المسلم والثاني فيه فلا تنافي بينهما .


( 484 )

من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ماله فيه عذر فعليه أن يقضي .
أقول : يعني يقضي ما بقي عليه .
(93) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا أله توبة فقال ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له وان كان قتله لغضب أو لسبب شيء من أشياء الدنيا فإن توبته أن يقاد منه وان لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية واعتق نسمة وصام شهرين متتابعين واطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عز وجل .
وعنه عليه السلام لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ، وقال لا يوفق قاتل المؤمن متعمدا للتوبة .
وفيه وفي المعاني والعياشي عنه عليه السلام من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل في كتابه ، وأعد له عذابا عظيما ، قيل والرجل يقع بين الرجل وبينه شيء فيضربه بالسيف فيقتله قال ليس ذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل فجزاؤه جهنم .
وفي المعاني في قوله تعالى فجزاؤه (1) جهنم خالدا فيها قال ان جازاه .
(94) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله سافرتم للغزو فتبينوا فاطلبوا بيان الأمر وميزوا بين الكافر والمؤمن وقرئ فتثبتوا في الموضعين أي توقفوا وتأنوا حتى تعلموا من يستحق القتل والمعنيان متقاربان يعني لا تعجلوا في القتل لمن اظهر اسلامه ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لمن حياكم بتحية السلام وقرئ ، السلم بغير الف وهما بمعنى الإستسلام والإنقياد وفسر السلام بتحية الإسلام أيضا .
____________
(1) وعلى هذا فجزاؤه جواب .

( 485 )

والعياشي نسب قراءة السلام إلى الصادق عليه السلام لست مؤمنا وانما فعلت ذلك خوفا من القتل تبتغون عرض الحياة الدنيا تطلبون ماله الذي هو حطام سريع الزوال وهو الذي يبعثكم على العجلة وترك التثبت فعند الله مغانم كثيرة تغنيكم عن قتل أمثاله لماله كذلك كنتم من قبل أول ما دخلتم في الإسلام وتفوهتم بكلمتي الشهادة فتحصنت بها دماؤكم وأموالكم من غير أن تعلم مواطاة قلوبكم السنتكم فمن الله عليكم بالإشتهار بالإيمان والاستقامة في الدين فتبينوا وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل الله بكم ولا تبادروا إلى قتلهم ظنا بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفا وتكريرها تأكيد لتعظيم الأمر وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم إن الله كان بما تعملون خبيرا عالما به وبالغرض منه فلا تتهافتوا (1) في القتل واحتاطوا فيه .
القمي نزلت لما رجع رسول الله من غزوة خيبر وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام وكان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى فلما أحس بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع ماله وأهله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله فلما رجع الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله فقال يا رسول الله انما قالها تعوذا من القتل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفلا شققت الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه علمت فحلف أسامة بعد ذلك أن لا يقتل أحدا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتخلف عن أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه وأنزل الله في ذلك ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام الآية .
أقول : في هذا الخبر ما يدل على نفاق أسامة وابتغائه عرض الحياة الدنيا وكفى في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ما كان في نفسه علمت عذرا
____________
(1) التهافت التساقط والتتابع ، والتهافت التساقط شيئا فشيئا (م) والمراد لا ترتكبوا القتل من غير روية .

( 486 )

لأمير المؤمنين عليه السلام في حروبه فانه كان قد علم ذلك من الله ومن رسوله على أن طاعة الإمام عليه السلام واجبة فلا عذر لأسامة في تخلفه عنه . وفي رواية العامة أن مرداسا أضاف الى الكلمتين السلم عليكم وهي تؤيد قراءة السلام وتفسيره بتحية الإسلام .
(95) لا يستوي القاعدون عن الحرب من المؤمنين غير أول الضرر الأصحاء وقرئ منصوبا أي حال خلوهم عن الضرر المانع من الخروج .
في المجمع نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن امية من بني واقف تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم تبوك (1) وعذر الله اولي الضرر وهو عبد الله بن أم مكتوم قال رواه أبو حمزة الثمالي في تفسيره .
وفي العوالي روى زيد بن ثابت أنه لم يكن في آية نفي المساواة بين المجاهدين والقاعدين استثناء غير اولي الضرر فجاء ابن أم مكتوم وكان أعمى وهو يبكي فقال يا رسول الله كيف بمن لا يستطيع الجهاد فغشيه الوحي ثانيا ثم سرى (2) عنه عليه السلام .
فقال اقرأ غير أولي الضرر فالحقتها والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع (3) في الكتف (4) والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وانفسهم ترغيب للقاعد في الجهاد فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا
____________
(1) تبوك كرسول موضع بالشام منه إلى المدينة أربع عشرة مرحلة والى دمشق احدى عشرة ومنه غزوة تبوك (م) .
(2) سرى عنه : انكشف (ق) .
(3) الصدع : الكسر والشق والقطع والتفرق والإجتماع الشديد بحيث كاد أن ينقطع المجتمع من شدة الإجتماع والإبانة والإظهار وايضاح الأمر بحيث لا يخالطه ريب وكل محتمل في المقام فتأمل جيدا .
(4) المراد بالكتف عظم الكتب فانه ربما تكتب الآيات وقت نزولها على كتف مكان القرطاس ثم يثبت في مكان آخر ويصدع الكتف كعبه وهو محل إبانته وبالملحق بفتح الحاء مع فتح الميم وضمها محل اللحوق والالحاق يعني لما امتلأ الكتف بصفحة من الآيات السابقة فلم يكن محل لالحاق هذه الآية الا عند صدع الكتف وهو كعبه فالحقتها بها ثابتة فيه .


( 487 )

من القاعدين والمجاهدين وعد الله الحسنى المثوبة الحسنى وهي الجنة ، لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم .
في الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وهوت أفئدتهم إلى الجهاد وقد منعهم من المسير ضرراً أو غيره وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما .
(96) درجات منه ومغفرة ورحمة
في المجمع جاء في الحديث أن الله سبحانه فضل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة بين كل درجتين مسيرة سبعين خريفا (1) للفرس الجواد المضمر (2) قيل كرر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه اجمالا وتفصيلا تعظيما للجهاد وترغيبا فيه وقيل الأول : ما خولهم (3) في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر والثاني ما جعل لهم في الآخرة وقيل الدرجة ارتفاع منزلتهم عند الله والدرجات منازلهم في الجنة .
وقيل القاعدون الأول هم الأضراء (4) والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم . وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من
____________
(1) في الحديث فقراء امتي يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا الخريف الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء وهو بحساب المنجمين أحد وتسعون يوما وثمن وهو نصف آب وايلول وتشرين الأول ونصف تشرين الثاني قيل والمراد من قوله ( عليه السلام ) بأربعين خريفا أربعون سنة لأن الخريف لا يكون في السنة الا مرة واحدة فإذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة وفي معاني الأخبار الخريف سبعون سنة . ومنه ما روى من رئيس المحدثين باسناده إلى أبي جعفر (ع) قال قال ان عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة انتهى . وفي مواضع من كتب الحديث الخريف الف عام والعام الف سنة . وفي بعض الروايات قلت وما الخريف جعلت فداك قال زاوية في الجنة يسير الراكب فيها اربعين عاما ( مجمع ) .
(2) قال في القاموس ضمر الخيل تضميرا علفها القوت بعد السمن كأضمرها . وفي المجمع تضمير الخيل أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا يعلف الا قوتا لتخف وذلك في مدة أربعين يوما إلى أن قال وقيل أن نشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب هزالها ويشد لحمها انتهى . ولعل المراد الفرس القوي السريع السير كثير العدو .
(3) خول الله الشيء أي ملكه اياه وخوله نعمة أعطاه نعمة (م) .
(4) الضرير الذاهب البصر والجمع اضراء والمريض المهزول وه يبهاء (ق) .


( 488 )

جاهد نفسه كما ورد في الحديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .
أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالأول قوما وبالآخر آخرين فان ما بين المجاهد والمجاهد لما بين السماء والأرض وكان الله غفورا رحيما يغفر لما عسى أن يفرّط منهم ويرحمهم باعطاء الثواب .
(97) إن الذين توفاهم الملائكة يحتمل الماضي والمضارع وقرئ توفتهم ظالمي أنفسهم في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة .
في الإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن قول الله تعالى ألله يتوفى الأنفس حين موتها وقوله قل يتوفاكم ملك الموت وقوله عز وجل توفته رسلنا وقوله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ومرة للرسل ومرة للملائكة فقال ان الله تعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم بأمره يعملون فاصطفى من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال الله فيهم الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يأتونه منسوب إليه فإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ففعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء وان فعل أمنائه فعله كما قال وما تشاؤون إلا أن يشاء الله .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن ذلك فقال ان الله تعالى جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة (1) له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه فيتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ويتوفاها الله تعالى من ملك الموت .
وفي التوحيد سئل أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه عن ذلك فقال ان الله
____________
(1) الشرطة واحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة (م) وهم شرطي كتركي وجهني سموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (ق) .

( 489 )

تعالى يدبر الامور كيف يشاء ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء أما ملك الموت فان الله يوكله بخاصة من يشاء ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه والملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه وان الله تبارك وتعالى يدبر الامور كيف يشاء وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس لأن منهم القوي والضعيف ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلا من يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه وانما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت وأنه يتوفى الانفس على يد من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم .
أقول : ولغموض هذه المسألة قال عليه السلام ما قال والسر فيه أن قابض روح النبات ومتوفيه ورافعه الى سماء الحيوانية هي النفس المختصة بالحيوان وهي من أعوان الملائكة الموكلة باذن الله لهذا الفعل باستخدام القوى الحساسة والمحركة وكذلك قابض روح الحيوان ومتوفيه ورافعه الى سماء الدرجة الإنسانية هي النفس المختصة بالإنسان وهي كلمة الله المسماة بالروح القدس الذي شأنه إخراج النفوس من القوة الهيولانية إلى العقل المستفاد بأمر الله وإيصال الأرواح إلى جوار الله وعالم الملكوت الأخروي وهم المرادون بالملائكة والرسل وأما الإنسان بما هو انسان فقابض روحه ملك الموت قل يتوفاكم ملك الموت وأما المرتبة العقلية فقابضها وهو الله سبحانه الله يتوفى الأنفس ، يا عيسى اني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قالوا أي الملائكة توبيخا لهم فيم كنتم في أي شيء كنتم من أمر دينكم قالوا كنا مستضعفين في الأرض يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم ويمنعوننا من الايمان بالله واتباع رسوله واعتذروا مما وبخوا به بضعفهم وعجزهم عن الهجرة أو عن إظهار الدين وإعلاء كلمته قالوا أي الملائكة تكذيبا لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فتخرجوا من أرضكم ودوركم وتفارقوا من يمنعكم من الايمان الى قطر آخر كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا قيل نزلت في أناس من مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة .
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام هم قيس بن الفاكهة بن المغيرة

( 490 )

والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن امية ابن خلف .
والقمي نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين عليه السلام ولم يقاتلوا معه فقالت الملائكة لهم عند الموت فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض أي لم نعلم مع من الحق فقال الله الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها اي دين الله وكتاب الله واسع فتنظروا فيه .
أقول : لا منافاة بين الخبرين لأن الأول تفسير والثاني تأويل والآية تشملهما .
وفي نهج البلاغة قال عليه السلام ولا يقع اسم الإستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه ووعاها قلبه .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل ما تقول في المستضعفين فقال شبيها بالفزع فتركتم احدا يكون مستضعفا وأين المستضعفون فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق (1) إلى العواتق في خدورهن وتحدثت به السقاءات في طرق المدينة .
وعن الكاظم عليه السلام أنه سئل عن الضعفاء فكتب الضعيف من لم ترفع له حجة ولم يعرف الإختلاف فإذا عرف الإختلاف فليس بضعيف .
أقول : وفي الآية دلالة على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من اقامة دينه وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فر بدينه من ارض إلى أرض وان كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق ابراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
(98) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان استثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا .
في الكافي عن الباقر عليه السلام هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر
____________
(1) قال في المجمع العواتق من النساء جمع عاتق وهي الشابة أول ما تدرك وقيل التي لم تبن من والدتها ولم تتزوج وأدركت وشبت أنتهى . والمشار إليه بهذا أمر الولاية والسقاءات النساء اللاتي يسقين الزوار والحجاج ماء ولبنا من أهل البوادي فانه ان وجد استضعاف فهن أولى بالإتصاف به من كل أحد .

( 491 )


ولا يهتدي سبيلا إلى الايمان لا يستطيع ان يؤمن ولا يكفر قال الصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان .
وعنه عليه السلام انه سئل من هم قال نساؤكم واولادكم ثم قال أرأيت ام ايمن فاني اشهد انها من اهل الجنة وما كانت تعرف ما انتم عليه .
وفي المعاني والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب من الحديث الأول وفي آخره مرفوع عنهم القلم .
وعن الصادق عليه السلام لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون ولا يهتدون سبيلا إلى الحق فيدخلون فيه هؤلاء يدخلون الجنة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم التي نهى الله عنها ولا ينالون منازل الأبرار .
والعياشي عن الباقر عليه السلام انه سئل عن المستضعفين فقال البلهاء (1) في خدرها (2) والخادم تقول لها صلي فتصلي لا تدري الا ما قلت لها والجليب الذي لا يدري إلا ما قلت له والكبير الفاني (3) والصغير .
أقول : الجليب الذي يجلب من بلد إلى آخر .
(99) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ذا صفح عن ذنوب عباده سائرا عليهم ذنوبهم .
(100) ومن يهاجر يفارق أهل الشرك ويهرب بدينه من وطنه إلى أرض الإسلام في سبيل الله في منهاج دينه يجد في الأرض مراغما كثيرا متحولا من الرغام وهو التراب ومخلصا من الضلال وسعة في الرزق واظهار الدين فيرغم بذلك انوف من ضيق عليه من قومه ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما .
____________
(1) في الحديث عليك بالبلهاء قلت وما البلهاء قال (ع) ذوات الخدور العفائف (م) .
(2) الخدر بالكسر ستر اعد للجارية البكر في ناحية البيت والجمع خدور وجارية مخدرة إذا لزمت الخدر (م) .
(3) يقال للشيخ الكبير فان على المجاز لقربه ودنوه الى الفناء ( مجمع ) .


في المجمع عن أبي حمزة الثمالي لما نزلت آية الهجرة سمعها رجل من المسلمين وهو جندع أو جندب بن ضمرة وكان بمكة فقال والله ما انا ممن استثنى الله إني لأجد قوة واني لعالم بالطريق وكان مريضا شديد المرض فقال لبنيه والله لا ابيت بمكة حتى اخرج منها فاني اخاف ان اموت فيها فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا بلغ التنعيم مات فنزلت الآية .
والعياشي عن محمد بن ابي عمير قال وجه زرارة بن اعين ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر ابي الحسن موسى بن جعفر وعبد الله الأفطس فمات قبل ان يرجع إليه عبيد الله قال محمد بن ابي عمير حدثني محمد بن حكيم قال ذكرت لأبي الحسن عليه السلام زرارة وتوجيهه عبيدا إلى المدينة فقال اني لأرجو ان يكون زرارة ممن قال الله : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ( الآية ) .
(101) وإذا ضربتم في الأرض سافرتم فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة بتنصيف الرباعيات لما امر الله بالجهاد والهجرة بين صلاة السفر والخوف قيل كأنهم ألفوا الأتمام وكان مظنة لأن يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا في التقصير فرفع عنهم الجناح لتطيب نفوسهم بالقصر ويطمأنوا إليه .
وفي الفقيه والعياشي عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي فقال ان الله عز وجل يقول وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر قالا قلنا انما قال الله تعالى فليس عليكم جناح ولم يقل افعلوا كيف اوجب ذلك كما اوجب التمام في الحضر فقال اوليس قد قال الله عز وجل ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ألا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لأن الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكره الله تعالى في كتابه قالا قلنا له فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا قال ان كان قد قرأت عليه آية التقصير وفسرت له وصلى اربعا اعاد وان لم

( 493 )


يكن قرأت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه والصلوات كلها في السفر الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب فانها ثلاث ليس فيها تقصير وتركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر والحضر ثلاث ركعات وزاد في الفقيه وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان اربعة وعشرون ميلا فقصر وافطر فصارت سنة وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما صاموا حين أفطر العصاة إلى يوم القيامة وانا لنعرف ابناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض المسافر ركعتان غير قصر .
أقول : وأقل سفر يقصر فيه ثمانية فراسخ ذاهبا وجائيا كما يستفاد من الأخبار المعصومية وأكثر أصحابنا قد خفي عليهم ذلك حيث زعموا ان هذه المسافة معتبرة في الذهاب خاصة وقد حققنا ذلك في كتابنا الموسوم بالوافي وغيره أن يفتنكم الذين كفروا في أنفسكم أو دينكم وهذا الشرط باعتبار الغالب في ذلك الوقت فان القصر ثابت في حال الامن ايضا .
وفي الكافي والفقيه والتهذيب عن الصادق عليه السلام في هذه الآية أنها في الركعتين تنقص منهما واحدة يعني في حال الخوف إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ظاهر العداوة .
(102) وإذا كنت فيهم في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم ان يغزوهم فأقمت لهم الصلاة بأن تؤمهم فلتقم طائفة منهم من أصحابك معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم يحرسونكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم تحذرهم وتيقظهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة تمنوا ان ينالوا منكم غرة في صلواتكم فيحملون عليكم حملة واحدة وهو بيان ما لأجله امروا بأخذ السلاح ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم اخذها بسبب مطر أو مرض وخذوا

( 494 )


حذركم كيلا يهجم عليكم العدو إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا مذلا .
القمي نزلت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية يريد مكة فلما رفع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مائة فارس ليستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يعارض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجبال فكلما كان في بعض الطريق وحضرت صلاة الظهر اذّن بلال وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس وقال خالد بن الوليد لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم فانهم لا يقطعون الصلاة ولكن تجيء لهم الآن صلاة اخرى هي احب إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم فنزل جبرئيل بصلاة الخوف بهذه الآية ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فرقتين ووقف بعضهم تجاه العدو وقد أخذوا سلاحهم وفرقة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما ومروا فوقفوا موقف أصحابهم وجاء أولئك الذين لم يصلوا فصلى بهم رسول الله الثانية ولهم الاولى وقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقاموا أصحابه فصلوا هم الركعة الثانية وسلم عليهم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام صلى رسول الله بأصحابه في غزوة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتين أقام فرقة بازاء العدو وفرقة خلفه فكبر وكبروا فقرأ وانصتوا فركع وركعوا فسجد وسجدوا ثم استمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بازاء العدو وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض .
وعنه عليه السلام أنه سئل عن صلاة الخوف قال يقوم الإمام وتجيء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بازاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجئ الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي بهم

( 495 )


الركعة الثانية ثم يجلس الإمام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه قال وفي المغرب مثل ذلك يقوم الإمام وتجيء طائفة فيقومون خلفه ثم يصلي بهم ركعة ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين فيتشهدون ويسلم بعضهم على بعض ثم ينصرفون فيقومون في مواقف أصحابهم ويجيء الآخرون ويقومون في مواقف أصحابهم خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس فيتشهد ثم يقوم ويقومون معه ويصلي بهم ركعة أخرى ثم يجلس ويقومون هم فيتمون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم .
(103) فإذا قضيتم الصلاة فإذا فرغتم من صلاتكم وأنتم محاربوا عدوكم فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ادعوا الله في هذه الأحوال لعله ينصركم على عدوكم ويظفركم به مثل قوله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون فإذا اطمأننتم فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم فأقيموا الصلاة فأتموا الصلاة التي أذن لكم في قصرها وتخفيفها في حال السفر والخوف واتموا حدودها إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا .
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام يعني مفروضا وليس يعني وقت فوتها إذا جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاته هذه مؤداة ولو كان كذلك لهلك سليمان بن داود حين صلاها لغير وقتها ولكن متى ما ذكرها صلاها .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام موقوتا أي ثابتا وليس ان عجلت قليلا وأخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضع تلك الإضاعة فان الله عز وجل يقول لقوم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا .
(104) ولاتهنوا في ابتغاء القوم لا تضعفوا في طلب القوم الذين هم أعداء الله وأعداؤكم إن تكونوا تألمون مما ينالكم من الجراح منهم فإنهم يألمون أيضا مما ينالهم من ذلك كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون من اظهار الدين واستحقاق الثواب فأنتم أولى وأحرى على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وكان الله عليما بمصالح خلقه حكيما في تدبيره إياهم .

( 496 )


القمي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من وقعة أحد ودخل المدينة نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديا ينادي يا معشر المهاجرين والانصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونهم فأنزل الله على نبيه ولا تهنوا ( الآية ) وقال عز وجل إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله إلى قوله شهداء فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح .
(105) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله بما عرفك وأوحى به إليك .
في الكافي عن الصادق عليه السلام والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الأئمة قال الله عز وجل إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله وهي جارية في الأوصياء .
وفي الاحتجاج عنه عليه السلام إنه قال لأبي حنيفة وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوابا ومن دونه خطأ لأن الله قال فاحكم بينهم بما أراك الله ولم يقل ذلك لغيره ولا تكن للخائنين لأجلهم والذب عنهم خصيما للبراء .
(106) واستغفر الله مما هممت به إن الله كان غفورا رحيما لمن يستغفره .
القمي كان سبب نزولها أن قوما من الأنصار من بني أبيرق اخوة ثلاثة كانوا منافقين بشير ومبشر وبشر فنقبوا على عم قتادة بن النعمان وكان قتادة بدريا واخرجوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا ودرعا فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يارسول الله ان قوما نقبوا على عمي وأخذوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا ودرعا وهم أهل بيت سوء وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له لبيد بن سهل فقال بنو ابيرق لقتادة هذا عمل لبيد بن سهل فبلغ ذلك لبيدا فأخذ سيفه وخرج عليهم فقال يا بني ابيرق اترمونني بالسرق وأنتم أولى به مني وأنتم المنافقون تهجون رسول الله

( 497 )


وتنسبونه إلى قريش لتبينن ذلك أو لأملأن سيفي منكم فداروه فقالوا له ارجع رحمك الله فانك بريء من ذلك فمشى بنو ابيرق إلى رجل من رهطهم يقال له أسيد بن عروة وكان منطيقا بليغا فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ان قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا أهل شرف وحسب ونسب فرماهم بالسرق وأتاهم بما ليس فيهم فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك وجاء إليه قتادة فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له عمدت إلى أهل بيت شرف وحسب ونسب فرميتهم بالسرقة فعاتبه عتابا شديدا فاغتم قتادة من ذلك ورجع إلى عمه وقال ياليتني مت ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كلمني بما كرهته فقال عمه : الله المستعان فأنزل الله في ذلك على نبيه إنا أنزلنا اليك الكتاب ( الآيات ) .
وفي المجمع ما يقرب منه قال وكان بشير يكنى أبا طعمة وكان يقول الشعر ويهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقول قاله فلان .
وفي الجوامع يروى أن أبا طعمة بن ابيرق سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان وخباها عند رجل من اليهود فأخذ الدرع من منزل اليهودي فقال دفعها إليّ أبو طعمة فجاء بنو ابيرق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلموا أن يجادلوا عن صاحبهم وقالوا أن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفل وأن يعاقب اليهودي فنزلت وفي معناه ما روته العامة مع زيادات .
(107) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم جعل المعصية خيانة لها كما جعلت ظلما عليها لأن وبالها يعود عليها إن الله لا يحب من كان خوانا مبالغا في الخيانة مصرا عليها أثيما منهمكا فيه .
(108) يستخفون من الناس يستترون منهم حياء وخوفا ولا يستخفون من الله ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيى منه ويخاف وهو معهم إذ يبيتون يدبرون ويزورون بالليل ما لا يرضى من القول من رمي البريء .

( 498 )


القمي يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل وكان الله بما يعملون محيطا لا يفوت عنه شيء .
(109) ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا محاميا عنهم يحميهم من عذاب الله .
(110) ومن يعمل سوء قبيحا يسوء به غيره أو يظلم نفسه بما يختص به ولا يتعداه ثم يستغفر الله بالتوبة يجد الله غفورا لذنوبه رحيما متفضلا عليه .
في نهج البلاغة من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة ثم تلا الآية .
(111) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه لا يتعداه وباله وكان الله عليما حكيما وهو عالم بفعله حكيم في مجازاته .
(112) ومن يكسب خطيئة ذنبا على غير عمد أو إثما ذنبا تعمده كبشير ثم يرم به بريئا كما رمى بشير لبيدا أو اليهودي فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا بسبب رمي البريء وتنزيه النفس الخاطئة .
(113) ولولا فضل الله عليك ورحمته باعلام ماهم عليه بالوحي لهمت طائفة منهم أن يضلوك عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال وليس القصد فيه إلى نفي همهم بل إلى نفي تأثيره فيه وما يضلون إلا أنفسهم لأن وباله عليهم وما يضرونك من شيء فان الله عاصمك وناصرك ومؤيدك وما خطر ببالك كان اعتمادا منك على ظاهر الأمر لا ميلا في الحكم وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم من خفيات الامور وكان فضل الله عليك عظيما إذ لا فضل أعظم من النبوة .
القمي عن الباقر عليه السلام قال ان اناسا من رهط بشير الأدنين قالوا انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكلمه في صاحبنا ونعذره فان صاحبنا بريء فلما انزل الله يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إلى قوله وكيلا فأقبلت رهط بشير فقالت يا بشير استغفر الله وتب من الذنب فقال والذي أحلف به ما سرقها إلا لبيد فنزلت ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا

( 499 )


واثما مبينا ثم ان بشيرا كفر ولحق بمكة وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعذروه ولولا فضل الله عليك ورحمته ( الآية ) ونزل في بشير وهو بمكة ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام في قوله تعالى إذ يبيتون ما لا يرضى من القول يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة الجراح .
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وقد بين الله قصص المغيرين بقوله إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود (1) باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه .
(114) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أمر جميل أو إصلاح بين الناس تأليف بينهم بالمودة .
في الكافي والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام يعني بالمعروف القرض .
والقمي عنه عليه السلام ان (2) الله فرض التمحل (3) في القرآن فسئل وما التمحل قال أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له وهو قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام ان الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم .
____________
(1) الأود العوج واود الشيء بالكسر يأود اودا أي أعوج وتأود تعوج (م) .
(2) قوله (ع) ان الله فرض : أقول قد نقل في مجمع البيان هذه الرواية بلفظ التحمل في مكان التمحل في المواضع الثلاثة منها ولا يخفى أنه أنسب .
(3) التمحل الإحتيال والمراد هنا أن تصرف وجهك عن وجه أخيك لما بينك وبينه من الكدرة وضيق خلقك عنه ، ثم تذكرت أمر الله ووصيته فصرفت وجهك إليه ببشر وفرح وبهجة وتحية ابتغاء لمرضاته تعالى وقد يكون سبب الإعراض غير هذا كهم وغم وألم وشغل أهم أو مصلحة دينية أو دنيوية .


( 500 )


وفي الكافي عن الصادق عليه السلام الكلام ثلاثة صدق وكذب واصلاح بين الناس وفسر الإصلاح بأن تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث (1) نفسه فتلقاه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعت منه .
وفي الخصال عنه عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك أي الامور الثلاثة أو الأمر بها ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما وقرئ بالياء .
(115) ومن يشاقق الرسول يخالفه من بعد ما تبين له الهدى أي ظهر له الحق ويتبع غير سبيل المؤمنين ما هم عليه من الدين الحنيفي نوله ما تولى نجعله واليا لما تولى من الضلال بأن نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره ونصله جهنم وساءت مصيرا .
القمي نزلت في بشير كما مر .
(116) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء تكريره اما للتأكيد أو لقصة بشير ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق .
(117) إن يدعون من دونه ما يدعو هؤلاء المشركون وما يعبدون من دون الله إلا إناثا يعني اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى وأساف ونائلة كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه انثى بني فلان كذا قيل .
وفي المجمع عن تفسير ابي حمزة الثمالي قال كان في كل واحدة منهن شيطانة انثى تتراءى للسدنة (2) وتكلمهم وذلك من صنيع ابليس وهو الشيطان الذي ذكره الله تعالى ولعنه وإن يدعون أن يعبدون بعبادتها إلا شيطانا مريدا لأنه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها فكان طاعتهم في ذلك عبادة له والمريد الخارج عن الطاعة الذي لا يعلق بخير .
____________
(1) خبث الشيء خبثا من باب قرب وخباثة ضد طاب فهو خبيث (م) .
(2) سدن سدنا وسدانة خدمة الكعبة أو بيت الصنم (ث) .


( 501 )


(118) لعنه الله ابعده عن الخير وقال أي الشيطان لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا قدر لي وفرض قاله عداوة وبغضا .
في المجمع عن تفسير الثمالي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية من بني آدم تسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة ، وفي رواية أخرى من كل ألف واحد لله وسائرهم للنار ولإبليس .
(119) ولأضلنهم عن الحق ولأمنينهم الأماني الباطلة كطول العمر وان لا بعث ولا عقاب ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام قيل كانوا يشقون اذانها إذا ولدت خمسة أبطن والخامس ذكر وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ليقطعن الأذن من أصلها ولآمرنهم فليغيرن خلق الله عنه عليه السلام يريد دين الله وأمره .
وفيه ويؤيده قوله سبحانه فطرة الله التي فَطَرَ الناس عليها لا تبديل لخلق الله .
أقول : ويزيده تأييدا قوله عز وجل عقيب ذلك الدين القيم وتفسيرهم عليهم السلام فطرة الله بالإسلام ولعله يندرج فيه كل تغيير لخلق الله عن وجهه صورة أو صفة من دون اذن من الله كفقئهم (1) عين الفحل الذي طال مكثه عندهم واعفاؤه عن الركوب وخصأ العبيد وكل مثلة ولا ينافيه التفسير بالدين والأمر لأن ذلك كله داخل فيهما ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله بأن يؤثر طاعته على طاعة الله عز وجل فقد خسر خسرانا مبينا إذ ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار .
(120) يعدهم ما لا ينجز ويمنيهم ما لا ينالون وما يعدهم الشيطان إلا غرورا وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد اما بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه .
في المجالس عن الصادق عليه السلام لما نزلت هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم صعد ابليس جبلا بمكة يقال له
____________
(1) السقؤ بالهمزة الشق يقال فقأت مينه أفقؤها أي شققتها (م) .

( 502 )


ثور فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لم دعوتنا قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها قال بماذا فقال له بكذا وكذا قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها قال بماذا قال أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا أوقعوا الخطيئة انسيتهم الإستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة .
(121) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا معدلا ومهربا .
(122) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا تأكيد بليغ .
(123) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب .
القمي ليس ما تتمنون أنتم ولا أهل الكتاب أي أن لا تعذبوا بأفعالكم من يعمل سوءا يجز به عاجلا أو آجلا .
في العيون أن اسماعيل قال للصادق عليه السلام ياابتاه ما تقول في المذنب منا ومن غيرنا فقال ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به .
وفي المجمع عن أبي هريرة قال لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء فقال أما والذي نفسي بيده انها لكما نزلت ، ولكن ابشروا وقاربوا وسددوا أنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة الا كفر الله بها خطيئته حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه .
أقول : معنى قاربوا وسددوا اقتصدوا في أموركم واطلبوا بأعمالكم السداد والإستقامة من غير غلو ولا تقصير .
وفي معنى هذا الحديث أخبار كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام .
فالعياشي عن الباقر عليه السلام لما نزلت هذه الآية من يعمل سوء يجز به قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أشدها من آية فقال لهم رسول

( 503 )


الله صلى الله عليه وآله وسلم اما تبتلون في أنفسكم وأموالكم وذراريكم قالوا بلى قال هذا مما يكتب الله لكم به الحسنات ويمحو به السيئات .
وفي الكافي عنه عليه السلام ان الله تعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالحاجة فان لم يفعل ذلك به شدد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب ( الحديث ) . ولا يجد له لنفسه من دون الله وليا من يواليه ولا نصيرا يدفع عنه العذاب .
(124) ومن يعمل من الصالحات بعضها من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة وقرئ بضم الياء وفتح الخاء ولا يظلمون نقيرا بنقص شيء من الثواب ، النقير النقطة التي في النواة .
(125) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله أخلص نفسه لله وهو محسن آت بالحسنات .
وفي الحديث النبوي الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك واتبع ملة إبراهيم التي هي دين الإسلام والمتفق على صحتها يعني اقتدى بدينه وبسيرته وطريقته حنيفا مائلا عن سائر الأديان واتخذ الله إبراهيم خليلا اصطفاه وخصصه بكرامة الخلة .
في الكافي عنهما عليهما السلام ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا وان الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا وان الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما .
وفيه والعياشي عن الباقر عليه السلام لما اتخذ الله عز وجل ابراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلة فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء ودهنا فدخل ابراهيم الدار فاستقبله خارجا من الدار وكان ابراهيم رجلا غيورا وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون الرجال فأخذه بيده وقال يا عبد الله من أدخلك داري فقال ربها ادخلنيها فقال ربها أحق بها مني فمن أنت قال ملك الموت ففزع ابراهيم عليه السلام

( 504 )


وقال جئتني لتسلبني روحي قال لا ولكن اتخذ الله عبدا خليلا فجئت لبشارته قال فمن هو لعلي اخدمه حتى أموت قال أنت هو فدخل على سارة فقال لها ان الله تعالى اتخذني خليلا .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن ابراهيم كان أبا أضياف وكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف وأنه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال يا عبد الله باذن من دخلت هذه الدار فقال دخلتها باذن ربها يردد ذلك ثلاث مرات فعرف ابراهيم عليه السلام أنه جبرئيل فحمد ربه ثم قال أرسلني ربك إلى عبد من عبيده يتخذه خليلا قال ابراهيم عليه السلام اعلمني من هو أخدمه حتى أموت قال فأنت قال وبم ذلك قال لأنك لم تسأل أحدا شيئا قط ولم تسأل شيئا قط فقلت لا .
والقمي عنه عليه السلام ان ابراهيم عليه السلام هو أول من حول له الرمل دقيقا وذلك أنه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام فلم يجده في منزله فكره أن يرجع بالحمار خاليا فملأ جرابه رملا فلما دخل منزله خلا بين الحمار وبين سارة استحياء ودخل البيت ونام ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا فقال ابراهيم عليه السلام من أين لك هذا فقالت من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري فقال ابراهيم اما إنه خليلي وليس بمصري فلذلك أعطى الخلة فشكره الله وحمده وأكل .
وفي الاحتجاج عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قولنا إن ابراهيم عليه السلام خليل الله فانما هو مشتق من الخلة (1) والخلة انما معناها الفقر والفاقة فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا إليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا وذلك أنه لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله إلى جبرئيل فقال له أدرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء فقال كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال بل حسبي الله ونعم الوكيل اني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه فسماه خليله أي فقيره
____________
(1) الخلة : الحاجة والفقر والخصاصة (ق) .

( 505 )


ومحتاجه والمنقطع إليه عما سواه قال وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأموره ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا يعلمه بأسراره لم يكن خليله .
وفي العيون عن الصادق عليه السلام انما اتخذ الله ابراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا قط غير الله .
وفي العلل عنه عليه السلام لكثرة سجوده على الأرض .
وعن الهادي عليه السلام لكثرة صلواته على محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاطعامه الطعام وصلاته بالليل والناس نيام .
أقول : لا تنافي بين هذه الأخبار لأنها كلها مشترك في معنى انقطاعه إلى الله واستغنائه عما سواه وانه الموجب لاتخاذ الله إياه خليلا ومما يدل على هذا المعنى ما ورد في بعض الروايات أن الملائكة قال بعضهم لبعض اتخذ ربنا من نطفة خليلا وقد أعطاه ملكا عظيما جزيلا فأوحى الله تعالى إلى الملائكة اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم فوقع الاتفاق على جبرئيل وميكائيل فنزلا إلى ابراهيم في يوم جمع غنمه وكان لابراهيم عليه السلام أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كل كلب طوق وزن من من ذهب أحمر وأربعون الف غنمة حلابة وما شاء الله من الخيل والجمال فوقف الملكان في طرفي الجمع فقال أحدهما بلذاذة (1) صوت سبوح قدوس فجاوبه الثاني رب الملائكة والروح فقال أعيداهما ولكما نصف مالي ثم قال أعيداهما ولكما مالي وولدي وجسدي فنادت ملائكة السموات هذا هو الكرم هذا هو الكرم فسمعوا مناديا من العرش يقول الخليل موافق لخليله .
(126) ولله ما في السموات وما في الأرض خلقا وأمرا وملكا فهو مستغن عن
____________
(1) اللذة نقيض الألم ج لذات لذه وبه لذاذا ولذاذة والتذه وبه واستلذه وجده لذيذا (ق) .

( 506 )


جميع خلقه وجميع خلقه محتاجون إليه وكان الله بكل شيء محيطا علما وقدرة .
(127) ويستفتونك ويسألونك الفتوى أي تبيين الحكم في النساء في ميراثهن .
القمي عن الباقر عليه السلام سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النساء ما لهن من الميراث فأنزل الله الربع والثمن قل الله يفتيكم فيهن يبين لكم ما سألتم في شأنهن وما يتلى عليكم في الكتاب أي ويبين لكم أيضا ما يقرأ عليكم القرآن في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن لا تعطونهن ما كتب لهن من الميراث كان أهل الجاهلية لا يورثون الصغير ولا المرأة وكانوا يقولون لا نورث إلا من قاتل ودفع عن الحريم فأنزل الله تعالى آيات الفرائض التي في أول السورة وهو معنى قوله لا تؤتونهن ما كتب لهن كذا في المجمع عن الباقر عليه السلام .
وزاد القمي وكانوا يرون ذلك في دينهم حسنا فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا (1) من ذلك وجدا شديدا فقالوا انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر ذلك له لعله يدعه أو يغيره فأتوه فقالوا يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها ويعطى الصبي الصغير الميراث وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يحوز (2) الغنيمة ولا يقاتل العدو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك أمرت وترغبون أن تنكحوهن عن نكاحهن .
القمي ان الرجل كان في حجره اليتيمة فتكون دميمة (3) وساقطة يعني حمقاء فيرغب الرجل أن يتزوجها ولا يعطيها مالها فينكحها غيره من أجل مالها ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها فنهى الله عن ذلك والمستضعفين ويفتيكم في
____________
(1) وجد في الحزن وجدا بالفتح وتوجدت لفلان حزنت له ( مجمع ) .
(2) الحوز الجمع وكل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه يحوزه حوزا أو حيازة (ص) .
(3) الدميمة القبيحة المنظر والساقطة من لا رتبة لها والحمقاء تفسير للساقطة وهي من قل عقلها وحاصل المراد أن القبيحة لما لم يكن لها حسن ولا رتبة ورشد فكان الرجل يرغب عن نكاحها لكن يريد مالها لا يخليها تتزوج حتى تموت فيرثها .


( 507 )


المستضعفين من الولدان من الصبيان الصغار أن تعطوهم حقوقهم لأن فيما يتلى عليكم وآتوا اليتامى أموالهم كما مضى وأن تقوموا لليتامى بالقسط ويفتيكم في أن تقوموا لليتامى بالقسط في أنفسهم وأموالهم وما تفعلوا من خير في أمر النساء واليتامى وغير ذلك فإن الله كان به عليما وعد لمن آثر الخير في ذلك .
(128) وإن امرأة خافت من بعلها توقعت لما ظهر لها من المخايل نشوزا تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها وكراهة لها ومنعا لحقوقها أو إعراضا بأن يقل مجالستها ومحادثتها فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام وهي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها اريد أن اطلقك فتقول له لا تفعل اني أكره أن يشمت بي ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شيء فهو (1) لك ودعني على حالتي وهو قوله تعالى فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا هذا هو الصلح .
والقمي ما في معناه مع ذكر سبب النزول والصلح خير من الفرقة وسوء العشرة وأحضرت الأنفس الشح لكونها مطبوعة عليه فلا تكاد المرأة تسمح باعراض الزوج عنها وتقصيره في حقها ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها .
القمي قال واحضرت الأنفس الشح فمنها من اختارته ومنها من لم تختره وإن تُحسنوا في العشرة وتتقوا النشوز والإعراض ونقص الحق فإن الله كان بما تعملون من الإحسان والخصومة خبيرا فيجازيكم عليه .
(129) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء أن تسووا بينهن في المحبة والمودة بالقلب كما مضى في أوائل السورة من الكافي .
ورواه العياشي والقمي عن الصادق عليه السلام .
____________
(1) والحاصل أنها تصالح زوجها على إباحة حقوقها من جهة الزوجية والمضاجعة والنفقة والمهر ونحوها جميعا أو بعضا على ما تراضيا عليه .

( 508 )


وفي المجمع عنهما عليهما السلام أن معناه التسوية في كل الامور من جميع الوجوه ولو حرصتم على ذلك كل الحرص فان ذلك ليس اليكم ولا تملكونه ولا تكلفونه ولا تؤاخذون به .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقسم بين نسائه ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك فلا تميلوا كل الميل بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها فان ما لا يدرك كله لا يترك كله فتذروها كالمعلقة التي ليست ذات بعل ولا أيما .
في المجمع عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهن ، قال وروي أن عليا عليه الصلاة والسلام كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاخرى وإن تصلحوا ما تفسدون من أمورهن وتتقوا فيما يستقبل فإن الله كان غفورا رحيما يغفر لكم ما مضى من قبلكم .
(130) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته قيل يعني إذا أبى كل واحد منهما مصالحة الآخر ويتفرقا بالطلاق يغن الله كلا منهما عن الآخر ببدلٍ أو سلوٍ من غناه وقدرته ويرزقه من فضله وكان الله واسعا حكيما .
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه شكا رجل إليه الحاجة فأمره بالتزويج فاشتد به الحاجة فأمره بالمفارقة فأثرى (1) وحسن حاله فقال له أمرتك بأمرين أمر الله بهما قال تعالى وأنكحوا الأيامى إلى قوله إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وقال وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته .
(131) ولله ما في السموات وما في الأرض لا يتعذر عليه الاغناء بعد الفرقة والإيناس بعد الوحشة تنبيه على كمال قدرته وسعة ملكه ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم وإياكم أن اتقوا الله .
____________
(1) أثرى الرجل إذا كثرت أمواله (ص) .

 في مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام في هذه الآية قد جمع الله ما يتواصى (1) به المتواصون من الأولين والآخرين في خصلة واحدة وهي التقوى وفيه جماع كل عبادة صالحة وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض مالك الملك كله لا يتضرر بكفرانكم وعصيانكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وانما وصاكم لرحمته لا لحاجته وكان الله غنيا عن الخلق وعباداتهم حميدا في ذاته حمد أو لم يحمد .




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22258826

  • التاريخ : 11/02/2025 - 22:43

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net