00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة المائدة من ( آية 110 ـ آخر السورة) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن (الجزء الرابع)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

[47]

قوله تعالى: فان عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين(110)

آية بلاخلاف.

قرأ حفص والاعشى الا النفار والكسائي عن ابي بكر " استحق " بفتح التاء والحاء. الباقون - بضم التاء وكسر الحاء - والابتداء على الاول بكسر الهمزة.

وقرأ حمزة وأبوبكر إلا الاعشى - في غير رواية النفار - ويعقوب، وخلف (الاولين) بتشديد الواو، وكسر اللام وفتح النون على الجمع. والباقون بسكون الواو، وفتح اللام وكسر النون على التثنية.

وقد ذكرنا سبب نزول الاية عمن رويناه عنه فذكروا أنها نزلت في أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يستحلفوهما (والله ماقبضنا له غير هذا ولاكتمناه) ثم ظهر على إناء من فضة منقوش مذهب معهما، فقالوا: هذا عن متاعه، فقالا: اشتريناه منه، فارتفعوا إلى رسول الله فنزلت قوله تعالى: " فان عثر على انهما استحقا اثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق. " فامر رسول الله رجلين من أهل البيت أن يحلفا على ماكتما وغيبا، وفحلف عبدالله ابن عمر(1) والمطلب بن أبي وداعة(2) فاستحقا. ثم ان تميما اسلم وتابع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يقول: صدق الله، وبلغ رسول الله، أنا أخذت الاناء.

ومعنى (عثر) ظهر على، تقول: عثرت على خيانته وأعثرت غيري على خيانته أي أطلعته. ومنه قوله " وكذلك أعثرنا عليهم "(3) أي أطلعنا عليهم وأصله الوقوع بالشئ من قولهم: عثر الرجل يعثر عثورا اذا وقع اصبعه

___________________________________

(1) وقد روي فقام عمربن العاص ورجل آخر فحلفا.

(2) في بعض النسخ (ابن ابي رفاعة) بدل (ابن ابي وداعة).

(3) سورة 18 الكهف آية 21.

[48]

بشئ صدمته، وعثر الفرس عثارا قال الشاعر:

بذات لوث عفرناة اذا عثرت *** فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا(4)

وأعثر الرجل يعثر عثرا اذا أطلع على أمر كان خافيا عنه، لانه وقع عليه بعد خفائه، والعثير الغبار الساطع، ولانه يقع على الوجه وغيره، والعثير الاثر الخفي، لانه يوقع عليه من خفاء.

وقوله: " على انهما " يعني على أن الوصيين المذكورين أولا في قوله " اثنان " في قول سعيد بن جبير.

وقال ابن عباس: على أن الشاهدين استحقا اثما يعني خانا وظهر وعلم منهما ذلك " فآخران يقومان مقامهما " يعني من الورثة - في قول سعيد بن جبير وغيره - و " من الذين استحق عليهم والاوليان " قيل في قوله " الاوليان " ثلاثة أقوال: أحدها - قال سعيد بن جبير وابن زيد: الاوليان بالميت.

الثاني قال ابن عباس وشريح: الاوليان بالشهادة وهي شهادة الايمان.

الثالث قال الزجاج: الاوليان أن يحلفا غيرهما وهما النصرانيان.

ويقال هوالاولى ؟؟ ثم يحذف؟؟ فيقال: هوالاولى، وهذان الاوليان كما يقال هو الاكبر بمعنى الكبير وهذان الاكبران.

وفي رفع الاوليان ثلاثة أقوال: أحدها - بانه اسم مالم يسم فاعله والمعنى استحق عليه اثم الاولين أي استحق منهم، فحذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه.

الثاني - بانه بدل من الضمير " في يقومان " على معنى فليقم الاوليان من الذين استحق عليه الوصية وهواختيار الزجاج.

الثالث - بدل من قوله " آخران ".

وزعم بعض الكوفيين انه لايجوز إبداله من " آخرين " لتأخر العطف في (فيقسمان)، لانه يصير بمنزلة

___________________________________

(4) قائله الاعشى ديوانه: 3. (اللوث). القوة.

و (عفرنات - بفتح العين والفاء - يصف بها النا؟ بانها شبه المجنونة في السير.

و (التعس) العثور.

و (لعا) كلمة تقال للعاثر.

[49]

(مررت برجل قام زيد وقعد) قال الرماني: يجوز على العطف بالفاء جملة على جملة.

وقال أبوعلي الفارسي: ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء وقد أخر. وتقديره فالاوليان بأمر الميت آخران من أهله أو من أهل دينه يقومان مقام الخائنين اللذين عثر عليهما كقولك: تميمي أنا.

ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف، وتقديره فآخران يقومان مقامهما هما الاوليان.

واختار أبو الحسن الاخفش أن يكون الاوليان صفة لقوله " فآخران " لانه لما وصف اختص. فوصف لاجل الاختصاص بما توصف به المعارف.

واما الجمع فعلى اتباع " الذين " وموضعه الجر وتقديره من الاولين الذين استحق عليهم الايصاء والاثم. وانما قيل لهم الاولين من حيث كانوا أولين في الذكر ألا ترى أنه تقدم " ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم " وكذلك " اثنان ذوا عدل منكم " ذكرا في اللفظ، قيل قوله " أو آخران من غيركم " وحجتهم في ذلك أن قالوا: أرأيت ان كان الاوليان صغيرين أراد انهما اذا كانا صغيرين لم يقوما مقام الكبيرين في الشهادة ولم يكونا لصغرهما اولى بالميت، وان كانا لوكانا كبيرين كانا أولى به.

وانما قال " استحقا اثما " لان آخذه انما يأخذه آثم فسمي (اثما) كما يسمى مايؤخذ منك بغير حق مظلمة.

قال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك قهرا، وكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر.

وقيل: معناه استحقا عذاب إثم وحذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه كما قال " اني أريد أن تبوء باثمي وإثمك "(1) بعقاب اثمي وعقاب اثمك.

وقيل في معنى (عليهم) ثلاثة أقوال:

أحدها - ان تكون (على) بمعنى (من) كأنه. قال من الذين استحق منهم الاثم كما قال " اذا اكتالوا على الناس "(2) أي من الناس.

الثاني - ان يكون المعنى كما تقول: استحق على زيد مال بالشهادة أي

___________________________________

(1) سورة 5 المائدة آية 32.

(2) سورة 83 المطففين آية 2

[50]

لزمه ووجب عليه الخروج منه، لان الشاهدين لما عثر على خيانتهما استحق عليهما ماولياه من أمر الشهادة والقيام بها ووجب عليهما الخروج منها وترك الولاية لها فصار اخراجهما منها مستحقا عليهما كما يستحق على المحكوم عليه الخروج مما وجب عليه.

الثالث - أن يكون (على) بمنزلة (في) كأنه استحق فيهم، وقام (على) مقام (في) كماقام (في) مقام (على) في قوله " ولاصلبنكم في جذوع النخل "(3) والمعنى من الذين استحق عليهم بشهادة الاخرين اللذين هما من غيرنا.

فان قيل: هل يجوز أن يسند (استحق فيه) إلى الاوليان؟ قلنا لايجوز ذلك لان المستحق انما يكون الوصية أو شئ منها، ولا يجوز أن يستحق الاوليان وهما الاوليان بالميت، والاوليان بالميت لايجوز أن يستحقا فيسند (استحق) اليهما.

وقوله " فيقسمان بالله " أي يحلفان بالله.

وقوله " لشهادتنا أحق من شهادتهما " جواب القسم في قوله " فيقسمان بالله "

وقوله " وما اعتدينا " يعني فيما قلنا من أن شهادتنا أحق من شهادتهما " إنا اذا لمن الظالمين " تقديره إنا ان اعتدينا لمن الظالمين لنفوسنا.

قال الزجاج: هذه الاية أصعب آية في القرآن اعرابا.

فان قيل: كيف يجوز أن يقف أولياء الميت على كذب الشاهدين أو خيانتهما حتى حل لهما أن يحلفا؟ قيل: يجوز ذلك بوجوه: أحدها - أن يسمعا اقرارهما بالخيانة من حيث لايعلمان أو يشهد عندهم شهود عدول بأنهم سمعوهما يقر - ان بأنهما كذبا أو خانا؟ أو تقوم البينة عندهما على أنه أوصى بغير ذلك أوعلى أن هذين لم يحضرا الوصية أويعرفان بغير ذلك من الاسباب.

___________________________________

(3) سورة 20 طه آية 71.

[51]

قوله تعالى: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن تردأيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لايهدي القوم الفاسقين(107)

آية بلاخلاف.

قوله " ذلك أدنى " معناه ذلك الاحلاف والاقسام او ذلك الحكم أقرب إلى ان يأتوا بالشهادة على وجهها أي حقا وصدقها، لان اليمين يردع عن أمور كثيرة لايرتدع عنها مع عدم اليمين. واختلفوا في ان اليمين هل تجب على كل شاهدين أم لا؟ فقال ابن عباس: انما هي على الكافر خاصة وهوالصحيح.

وقال غيره: هي على كل شاهدين وصيين اذاارتيب بهما.

واختلفوا في نسخ حكم الايتين المتقدمتين مع هذه على قولين: فقال ابن عباس وابراهيم وأبوعلي الجبائي: هي منسوخة الحكم.

وقال الحسن وغيره: هي غير منسوخة. وهوالذي يقتضيه مذهبنا واخبارنا.

وقال البلخي: أكثرأهل العلم على أنه غير منسوخ، لانه لم ينسخ من سورة المائدة شئ، لانها آخر مانزلت.

ووجه قول من قال: هي منسوخة أن اليمين لايجب اليوم على الشاهدين بالحقوق. وانما كان قبل الامر باشهاد العدول في قوله " واشهدوا ذوي عدل منكم "(1) فنسخت هذه الاية ودلت على أن شهادة الذمي لاتقبل إلا على الذمي اذا ارتفعا إلى حكام المسلمين لان الذمي ليس بعدل ولاممن يرضى من الشهداء، وهوقول أبي علي الجبائي. ومن ذهب إلى انها منسوخة جعلها بمعنى شهادة الايمان على الوصيين فاذا ظهروا على خيانة منهما مما وجد في أيديهما صارا مدعيين وصار

___________________________________

(1) سورة 65 الطلاق آية 2.

[52]

الورثة في معنى المنكر فوجبت عليهما اليمين من حيث صارا مدعيين.

وقوله " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " يعني أهل الذمة يخافوا أن ترد أيمان على أولياء الميت فيحلفوا على خيانتهم فيفتضحوا ويغرموا وينكشف بذلك للناس بطلان شهادتهم ويسترد منهم ماأخذوه بغير حق، حينئذ يؤدوا الشهادة على وجهها ويحذروا من الكذب.

وقوله " واتقوا الله واسمعوا " يعني اجتنبوا معاصيه واحذروا ان تحلفوا ايمانا كاذبة أوتخونوا أمانة واسمعوا مواعظ الله " والله لايهدي القوم الفاسقين " يعني لايهدي الفاسقين - الذين خرجوا من طاعة الله إلى معصيته - إلى الجنة‌ء وقيل ان معنى " لايهدي " لايحكم للفاسقين بانهم مهتدين ولايجري عليهم مثل هذه الصفة لانها صفة مدح.

قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لاعلم لنا إنك أنت علام الغيوب(108)

آية واحدة.

في ماينتصب به قوله " يوم "؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها - انه انتصب بمحذوف تقديره احذروا " يوم يجمع الله الرسل الثاني - اذكروا يوم يجمع الله.

الثالث - قال الزجاج: ينتصب بقوله " اتقوا الله ".

وقال المغربي: يتعلق بقوله " لايهدي القوم الفاسقين " إلى الجنة " يوم يجمع الله " ولا يجوز أن ينتصب على الظرف بهذا الفعل، لانهم لم يؤمروا بالتقوى في ذلك اليوم، لكن انتصب على انه مفعول به. واليوم لايتقى ولايحذر، وانما يتقى مايكون فيه من العقاب والمحاسبة والمناقشة كأنه قال اتقوا عقاب يوم، وحذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه.

[53]

وقوله " ماذا أجبتم " تقرير للرسل في صورة الاستفهام على وجه التوبيخ للمنافقين عند اظهار فضيحتهم وهتك أستارهم على رؤوس الاشهاد.

وقول الرسل " لاعلم لنا " قيل فيه ثلاثة أقوال: أولها - قال الحسن والسدي ومجاهد أنهم قالوا ذلك لذهولهم من هول ذلك المقام. فان قيل كيف يجوز ذهولهم مع انهم آمنون لايخافون؟ كماقال " لايحزنهم الفزع الاكبر "(1) وقال " لاخوف عليهم ولاهم يحزنون "(2) قيل ان الفزع الاكبر دخول جهنم.

وقوله " ولاخوف عليهم " هو كقولك للمريض لاخوف عليك، ولابأس عليك، مما يدل على النجاة من تلك الحال، وخالف أبوعلي في هذا ولم يجز الاما نحكيه عنه.

الثاني - قال ابن عباس، ومجاهد - في رواية أخرى - ان معناه لاعلم لنا إلا ماعلمتنا فحذف لدلالة الكلام عليه.

الثالث - قال الحسن في رواية أخرى وابوعلي الجبائي: ان معناه لاعلم لنا بباطن ماأجاب به أممنا لن ذلك هو الذي يقع عليه الجزاء.

وقال بعضهم معناه لاعلم لنا مع علمك أي ليس عندنا شئ مما نعلمه الا وانت عالم به وبكل ماغاب وحضر بدلالة قوله " إنك أنت علام الغيوب " وقيل في معنى قوله " انك أنت علام الغيوب " انه قال علام للبالغة هاهنا لاللتكثير المعلوم.

___________________________________

(1) سورة 21 الانبياء آية 103(2) سورة 3 آل عمران آية 70

[54]

قوله تعالى: إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتورية والانجيل وإذ تخلق من الطين كيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني وتبرئ الاكمه والابرص باذني وإذ تخرج الموتى باذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم وإن هذا إلا سحر مبين(113)

آية بلاخلاف.

قرأ حمزة والكسائي وخلف " ساحر " بألف هاهنا وفي أول سورة يونس، وفي هود، وفي الصف.

وأفقهم ابن عامر وعاصم في يونس. وجه اتصال هذه الاية بماقبلها أنه من صعفة يوم القيامة كما ان ما قبله من صفتها ومن خطاب الرسل بالمسألة والتذكير بالنعمة لتوبيخ من يستحق التوبيخ من اممهم وتبشير من يستحق البشارة منهم.

العامل في (إذ) يحتمل أحد أمرين: أحدهما - الابتداء عطفا على قوله " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " قال وذلك " اذ قال " فيكون موضعه رفعا كما يقول القائل كأنك بنا قد وردنا بلد كذا فصنعنا فيه وفعلنا اذ صاح بك صائح فاجبته وتركتني. الثاني - اذكر اذ قال الله. وقال بعضهم ان معناه ماذا أجبتم على عهد عيسى.

قال الرماني: هذا غلط، لانه من صفة (يوم القيامة) وعندي لايمتنع أن يكون المراد بذلك اخبار النبي صلى الله عليه وآله اذ قال الله لعيسى بن مريم إذكر، أي أخبر قومك ماأنعمت به عليك وعلى أمك، واشكر ذلك اذ أيدتك بروح القدس.

وروح القدس هو جبرائيل وحسن قوله " اذ قال " ولم يقل (يقول) لانه عطف على ماقبله لانه قدم ذكر الوقت. وتأييد الله هو ماقواه به وأعانه على أمور دينه، وعلى رفع ظلم اليهود والكافرين عنه.

ووزن " أيدتك " فعلتك من الايد على وزن قربتك.

وقال الزجاج: يجوز أن يكون فاعلتك من الايد.

وقرأ مجاهد: أيدتك على وزن أفعلتك من الايد.

[55]

وروح القدس جبرائيل قال الحسن والقدس هوالله.

وقوله " تكلم الناس في المهد " أي انك تكلم الناس في حال ماكنت صبيا في المهد - والمهد حجر أمه، في قول الحسن - وفي حال ماكنت كهلا.

قال أبوعلي فكان كلم الناس في هذين الوقتين بتبليغه إياهم ماأرسله الله به إلى عباده، ومايدعوهم اليه من طاعة الله وتصديق رسله، لانه كان بين لهم عند كلامه في المهد " اني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا "(1) فبين لهم في هذا وفي وقت ماصار كهلا ان الله بعثه نبيا ولم يتكلم أحد من الانبياء في المهد سواه ولم يبعث أحد عندما ولد غيره، فذكره هذه النعمة التي خصه بها ليشكره على ذلك.

ونصب قوله " كهلا " يحتمل أمرين: أحدهما - على ان يكون عطفا على موضع تكلم أي أيدتك صغيرا وكهلا. الثاني - أن يكون عطفا على موضع في المهد، أي وتكلمهم كهلا بالرسالة.

وقوله " واذ علمتك الكتاب " يعني واذكر " اذ ". وقيل في معنى (الكتاب) قولان: أحدهما - انه اراد الخط الكتابة. الثاني - الكتب فيكون على طريق الجنس ثم فصله بذكر التوراة والانجيل.

وقوله " والحكمة " يعني العلم بما في تلك الكتب.

وقوله " واذ تخلق من الطين كهيئة الطير " أي واذكر ذلك أيضا كل ذلك تذكير له بنعمه عليه والخلق هوالفعل المقدر على مقدار يعرفه الفاعل، فعلى هذا جميع أفعاله تعالى توصف بأنها مخلوقة، لانه ليس فيها شئ على وجه السهو والغفلة، ولا على سبيل المجازفة. ومعنى ذلك أنه خلق من الطين كهيئة الطير أي تصور الطين بصورة الطير الذي تريد. وسماه خلقا لانه كان يقدره.

___________________________________

(1) سورة 19 مريم آية 30 - 32.

[56]

وقوله " باذني " أي تفعل ذلك باذني وأمري.

وقوله " فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني " معناه انه نفخ فيها الروح، لان الروح جسم ويجوز أن ينفخها المسيح بامر الله.

والطير يؤنث ويذكر فمن أنث أراد الجمع ومن ذكر فعلى اللفظ.

والطير واحده طائر مثل ضائن وضأن وراكب وركب.

وقد قالوا (أطيار) مثل صاحب وأصحاب وشاهد وأشهاد، ويمكن أن يكون (أطيار) جمع طير مثل ثبت واثبات وبيت وابيات.

قال أبوعلي وقد ينفخها في الجسم على ماأخبر الله به جبرائيل، وعلى ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه يبعث اليه ملكا عند تمام مئة وعشرين يوما فينفخ فيه الروح ويكتب أجله ورزقه وشقي هو أم سعيد، وبين بقوله " فيكون طيرا باذني " أنه اذا نفخ المسيح (ع) فيها الروح قلبها الله لحما ودما، وخلق فيها الحياة فصارت طائرا باذن الله وإرادته لابفعل المسيح (ع) فلذلك قال " فيكون طيرا باذني ".

وقوله " وتبرئ الاكمه والابرص باذني " معناه إنك تدعوني حتى أبرئ الاكمه، وهوالذي خلق أعمى.

وقال الخليل: يكون الذي عمي بعد ان كان بصيرا والاصل الاول. والابرص معروف ونسب ذلك إلى المسيح لماكان بدعائه وسؤاله.

وقوله " وإذ تخرج الموتى باذني " أي اذكر اذ تدعوني فأحيي الموتى عند دعائك وأخرجهم من القبور حتى يشادهم الناس أحياء. وانما نسبه إلى عيسى لما بينا من أنه كان بدعائه.

وقوله " واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات " أي اذكر إذ كففت هؤلاء عن قتلك وإذ أيدتك حين جئتهم بالبينات مع كفرهم وعتوهم مع قولهم ان ماجئت به من الايات سحر مبين.

ويجوز أن يكون كفهم بألطافه التي لايقدر عليها غيره، ويجوز أن يكون كفهم بالمنع والقهر كما منع من أراد

[57]

قتل نبينا صلى الله عليه وآله وقيل لانه ألقى شبهه على غيره حتى قتلوه ونجا.

ومن قرأ (ساحر) أراد أن عيسى ساحر مبين أي ظاهر بين. والسحر هوالباطل المموه بالحق.

وقوله في أول الاية " اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك " إي اخبر بها قومك الذين كذبوا عليك ليكون حجة عليهم، لانهم ادعوا عليه أنه إله وأنه لم يكن عبدا منعما عليه، ثم عدد النعم نعمة نعمة على مابينا.

وقال الطبري: انما عدد الله تعالى هذه النعم على عيسى (ع) حين رفعه اليه فلذلك قال " إذ قال الله ".

قوله تعالى: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون(109)

آية.

التقدير واذكر إذ أوحيت إلى الحواريين.

وفي معنى " أوحيت " قولان: أحدهما - أن معناه الهمتهم كما قال " وأوحى ربك إلى النحل "(1) أي ألهمهاه وقيل أمرتهم. الثاني - القيت اليهم بالايات التي أريتهم إياها كما قال الشاعر:

الحمدلله الذي استقلت *** باذنه السماء واطمأنت

أوحى لها القرار فاستقرت(2) أي القى اليها ويروى وحى لها.

والفرق بين أوحى ووحى من وجهين: أحدهما - أن أوحى بمعنى جعلها على صفة كقولك جعلها مستقرة، ووحى جعل فيها معنى الصفة، لان أفعل أصله التعدية.

وقال قوم: هما لغتان.

وقال البلخي معنى " أوحيت إلى الحواريين " أي أوحيت اليك أن تبلغهم أو إلى رسول متقدم.

وقوله (أوحيت اليهم) يعني أوحيت إلى الرسول الذي جاء‌هم. وفي معنى الاية قولان:

___________________________________

(1) سورة 16 النحل آية 68.

(2) انظر 2 / 59

[58]

أحدهما - قال أبوعلي إذكر نعمتي عليك اذ أوحيت إلى الحواريين الذين هم أنصارك.

الثاني - اذكر نعمتي على الحواريين لما في ذلك من العلم بنعم الله خاصة وعامة.

وانما حسن الحذف في التذكير بالنعمة للشهرة وعظم المنزلة باجلال النعمة ولذلك يحسن الحذف في الافتخار كقول الاعشى:

إن محلا وان مرتحلا *** وإن في السفر اذ مضوا مهلا(3)

أي لنا محلا.

و (الحواريون) قال الحسن هم أنصار عيسى.

وقيل: هم وزراؤه على أمره.

وقيل: هم خاصة الرجل وخلصائه.

ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله للزبير أنه حواري، ومعناه خالصتي من الناس، والرفيق الحواري، لانه أخلص اليه من كل مايشوبه، وأصله الخلوص، ومنه حار يحور أي رجع إلى حال الخلوص، ثم كثر حتى قيل صار لكل راجع وقيل: انهم كانوا قصارين.

قوله تعالى: إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين(110)

آية بلاخلاف.

قرأ الكسائي والاعشى إلا النفار " هل تستطيع " بالتاء " ربك " بنصب الباء. الباقون بالياء وضم الباء. وأدغم الكسائي اللام في التاء.

قيل في العامل في (إذ) قولان: أحدهما - أوحيت. الثاني - اذكر إذ قال الحواريون. وكلاهما يحتمل.

وقيل في معنى قوله " هل يستطيع ربك " ثلاثة أقوال:

___________________________________

(3) ديوانه القصيدة: 35 صفحة 155.

[59]

أحدها - هل يقدر وكان هذا في ابتداء أمرهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله تعالى، ومايجوز عليه ومالايجوز من الصفات، ولذلك أنكر عليهم نبيهم، فقال " اتقوا الله ان كنتم مؤمنين "، لانه لم يستكمل ايمانهم في ذلك الوقت.

الثاني - هل يفعل ذلك قاله الحسن، كما يقول القائل: هل تستطيع أن تنهض أي هل تفعل، لان المانع من جهة الحكمة أو الشهوة قد يجعل بمنزلة المنافي للاستطاعة.

الثالث - هل يستجيب لك ربك.

قال السدي هل يطيعك ربك ان سألته، فهذا على معنى استطاع وأطاع كقولهم استجاب بمعنى أجاب، وانما حكى سيبويه استطاع بمعنى أطاع على زيادة السين.

ومعنى قراء‌ة الكسائي " هل تستطيع " ان تستدعي اجابة ربك. وأصله هل تستدعي طاعته فيما قبله من هذا - هذا قول الزجاج وفيه وجه آخر وهو هل تقدر أن تسأل ربك.

والفرق بين الاستطاعة والقدرة أن الاستطاعة انطياع الجوارح للفعل والقدرة هي ماأوجبت كون القادر قادرا ولذلك يوصف تعالى بأنه قادر، ولايوصف بانه مستطيع.

والمائدة الخوان لانها تميد بماعليها أي تحركه.

قال أبوعبيدة: هي (مفعولة) في المعنى ولفظها (فاعلة) كقوله " عيشة راضية "(1) أي مرضية واصل المائدة الحركة من قولهم ماد يميد ميدا اذا تحرك، عن الزجاج. ومنه المائد المدار به في البحر مايميد ميدا. وماده اذا أعطاه ومنه قول رؤبة:

نهدي رؤوس المترفين الانداد *** إلى أمير المؤمنين الممتاد(2)

أي المستعطي ومادهم يميدهم ميدا اذا اطعمهم على المائدة ثم كثر حتى قيل لكل مطعم.

___________________________________

(1) سورة 69 الحاقة آية 21 وسورة 101 القارعة آية 7.

(2) ديوانه: 40 ومجاز القرآن 1: 183، واللسان (ميد).

[60]

وقوله " قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " معناه اتقوا معاصيه وكثرة سؤال الايات، لانكم ان كنتم مؤمنين بالله وبصحة نبوة عيسى، فقد أغناكم ما عرفتموه عن الايات واتقوا سؤال نزول المائدة، فانكم لاتعلمون مايفعل الله بكم عند هذا السؤال.

قوله تعالى: قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين(111)

آية.

قبل في معنى (الارادة) هاهنا قولان: أحدهما - ان يكون بمعنى المحبة التي هي ميل الطباع. الثاني - ان تكون الارادة التي هي من أفعال القلوب، ويكون التقدير فيه نريد بسؤالنا هذا، كأنهم قالوا: نريد السؤال من أجل هذا الذي ذكرنا، وهذه الارادة وان تقدمت المراد بأوقات لاتوصف بأنه عزم، لانها متعلقة بفعل الغير وقوله " تطمئن قلوبنا " يجوز أن يكونوا قالوه وهم مستبصرون في دينهم مؤمنون كما قال ابراهيم (ع) " أرني كيف تحيي الموتي قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي "(1) تحقيقه لنزداد طمأنانية إلى ما نحن عليه من المعرفة، وان كانت المعرفة لاتكون إلا مع الثقة التامة، فان الدلائل كلما كثرت مكنت في النفس المعرفة.

وقوله " ونعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين " يعني الشاهدين له بتوحيده بالدليل الذي نراه في المائدة والشهادة لك بالنبوة من جهة ذلك الدليل. والصدق هو الاخبار بالشئ على ماهو به والكذب هو الاخبار بالشئ لاعلى ما هوبه.

___________________________________

(1) سورة 2 البقرة آية 260

[61]

قوله تعالى: قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين(112)

آية بلاخلاف.

أخبر الله تعالى عن عيسى (ع) أنه سأل ربه أن ينزل عليه مائدة من السماء تكون عيدا لهم لاولهم وآخرهم على مايقترحه قومه. ورفع (تكون) لانه صفة للمائدة كما قال " فهب لي من لدنك وليا يرثني "(2) في قراء‌ة من رفعه لانه جعله صفة. وفيه محذوف، لان تقديره عيدا لنا ولاولنا وآخرنا لتصح الفائدة في تكرير اللام في أولنا وآخرنا، وقيل في معناه قولان: أحدهما - نتخذ اليوم الذي تنزل فيه عيدا نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا - في قول السدي وقتادة وابن جريج - وهوقول أبي علي. الثاني - يكون ذلك عائدة فضل من الله ونعمة منه تعالى.

والاول هو وجه الكلام.

وقيل: إنها نزلت يوم الاحد.

وقوله " وآية منك " فالاية هي الدلالة العظيمة الشأن في إزعاج قلوب العباد إلى الاقرار بمدلولها، والاعتراف بالحق الذي يشهد به ظاهرها، فهي دلالة على توحيدك وصحة نبوة نبيك.

وقيل في طعام المائدة ثلاثة أقوال: أولها - قال ابن عباس وأبو عبدالرحمن: هو خبز وسمك، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) قال عطية كانوا يجدون في السمك طيب كل طعام.

___________________________________

(2) سورة 19 مريم آية 4 - 5

[62]

الثاني - قال عمار بن ياسر: كانا ثمرا من ثمار الجنة.

الثالث - قال زادان وابوميسرة: كان عليها من كل طعام إلا اللحم.

وقوله: " وارزقنا " قيل في معناه - قولان: أحدهما - واجعل ذلك رزقا لنا. الثاني - وارزقنا الشكر عليها - ذكرهما الجبائي - وانما يكون الشكر رزقا منه لنا لانه لطف فيه ووفق له وإعانة عليه كما يكون المال رزقا لنا اذا ملكنا إياه لا بخلقه له. وفي الاية دلالة على أن العباد يرزق بعضهم بعضا بدلالة قوله " وأنت خير الرازقين " لانه لو لم يصح ذلك لم يجز (خير الرازقين) كما أنه لما لم يجز أن يكونوا آلهة لم يصح أن يقول أنت خير الالهة، وصح " أرحم الراحمين "(2) و " أحكم الحاكمين "(3) و " أسرع الحاسبين "(4). و " أحسن الخالقين "(5).

قوله تعالى: قال الله إني منزّلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين(113)

آية بلاخلاف.

قرأ " منزلها " بالتشديد أهل المدينة وابن عامر، وعاصم. الباقون بالتخفيف.

___________________________________

(2) سورة 7 الاعراف آية 150 وسورة 21 الانبياء آية 83 وسورة 12 يوسف آية 64 و 92.

(3) سورة 11 هود آية 45 وسورة 95 التين آية 8.

(4) سورة 6 الانعام آية 62.

(5) سورة 23 المؤمنون آية 14 وسورة 37 الصافات آية 125

[63]

من خفف طابق بينه وبين قوله " أنزل علينا " ومن ثقل، فلان نزل وأنزل بمعنى قال تعالى " تبارك الذي نزل الفرقان "(1). وقال " الحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب "(2) لما سئل الله عيسى (ع) أن ينزل عليه المائدة تكون عيدا لاولهم وآخرهم، قال تعالى مجيبا له إلى ما التمسه " اني منزلها عليكم " يعني المائدة " فمن يكفر بعد منكم " يعني بعد إنزالها عليكم " فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " وقيل في معناه ثلاثة أقوال: أحدها - قال قتادة: مسخوا قردة وخنازير، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ولم يمسخ أحد خنازير سواهم.

الثاني - أنه أراد به من عالمي زمانهم.

الثالث - أنه أراد به جنسا من العذاب لايعذب به أحداغيرهم.

وانما استحقوا هذا النوع من العذاب بعد نزول المائدة(3) لانهم كفروا بعدما رؤا الاية التي هي من أزجر الايات عن الكفر لم يرها غيرهم بعد سؤالهم لها وتعلق سببهم بها فاقتضت الحكمة اختصاصهم بضرب من العذاب عظيم الموقع. كما اختصت آيتهم بضرب من الزجر في عظيم الموقع.

وقال الحسن ومجاهد: ان المائدة لم تنزل عليهم، لانهم استعفوا من نزولها لما سمعوا الوعيد المقرون بها.

وقال قوم: هذا غلط من قائله، لانه تعالى وعد بانزالها ولاخلاف لقوله وأكثر أهل العلم على أنها أنزلت: منهم ابن عمر، وعمار بن ياسر وأبو عبدالرحمن السلمي، وقتادة والسدي، وهو ظاهر القرآن. وأيضا فلايجوز أن يسأل نبي على رؤوس الملا آية لايجاب اليها، لان ذلك ينفر عنه.

___________________________________

(1) سورة 25 الفرقان آية 1.

(2) سورة 18 الكهف آية 1.

(3) يقصد بعد نزول المائدة على بنى اسرائيل (الطعام) لانزول سورة المائدة.

[64]

وقال الحسن: انما كان الوعد من الله بانزال المائدة بشرط أن يكون بتقديراني منزلها عليكم ان تقبلتم الوعيد فيها " فمن يكفر بعد منكم.. " الاية، وهذا الشرط الذي ذكره لادليل عليه. والمطلق لايحمل على المقيد الا بقرينة وقال قوم: انها لو نزلت فكفروا لعذبوا وأنزل ذلك في القرآن ولو لم يكفروا لكانت المائدة قائمة للمسلمين إلى يوم القيامة. وهذا ليس بصحيح لانه يجوز أن يكون عنى بالعذاب مايفعله بالاخرة.

ويجوز أن يكون عنى عذاب الدنيا ولم يذكره، لانه ليس بواجب أن يكون كل من اختصه بضرب من العذاب لابد أن يخبرنا عنه في القرآن، لانه يكون تجويز ذلك على منازل عظيمة في الجملة أهول وأملا للصدر من ذكره بالتصريح على تفصيل أمره. وأما بقاؤها إلى يوم القيامة فلا يلزم لان وجه السؤال أن يكون يوم نزولها عيدا لهم ولمن بعدهم ممن كان على شريعتهم.

قوله تعالى: وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك مايكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولاأعلم مافي نفسك إنك أنت علام الغيوب(116)

آية بلاخلاف

قوله " واذ كففت بني اسرائيل عنك اذ جئتهم بالبينات " أي اذكر ويحتمل ثلاثة أوجه: أولها - أن يكون معطوفا على ماقبله، كأنه قال " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " ثم قال: وذلك؟ يقول ياعيسى اذكر نعمتي واذ يقول له أأنت قلت للناس.

[65]

الثاني - قال البلخي: يمكن أن يكون لما رفع الله عيسى اليه قال له ذلك، فيكون المقال ماضيا.

والثالث - ذكره أيضا البلخي أن (إذ) استعملت بمعنى) إذا فيصح حينئذ أن يكون القول من الله يوم القيامة، ومثله " ولو ترى اذفزعوا فلا فوت "(1) كأنه قال اذ يفزعون، وقال " ولو ترى اذ الظالمون موقوفون "(2) كأنه قال اذا وقفوا لان هذا لم يقع بعد، وقال أبوالنجم:

ثم جزاه الله عنا اذ جزا *** جنات عدن في العلالي العلا(3)

والمعنى اذا جرى، وقال الاسود (أعشى بني نهشل)

فالان اذ هازلتهن قائما *** يقلن ألا لم يذهب المرء مذهبا(4)

وقال أوس:

الحافظ الناس في تحوط اذا *** لم يرسلوا تحت مائذ ربعا

وهبت الشامل البليل واذ *** بات كميع الفتاة ملتفعا(5)

يقال (اذا) و (اذ) بمعنى واحد، وقال بعض أهل اليمن:

وندمان يزيد الكأس طيبا *** سقيت اذا تغورت النجوم(6)

فقال (اذا) والمعنى (اذ) لانه انما يخبر عما مضى.

وقال أبوعبيدة (اذ) صلة. والمعنى قال الله: ياعيسى.

وقد بينا فساد هذا القول فيما مضى فأما لفظ (قال) في معنى يقول فمستعمل كثيرا وان كان مجازا، قال الله تعالى

___________________________________

(1) سورة 34 سبأ آية 51.

(2) سورة 34 سبأ آية 31.

(3) اللسان (اذ)، (طها). والاضداد لابن الانباري: 102 وتفسير القرطبي 6: 375 وتفسير الطبري 11: 235.

(4) ديوان الاعشيين / 293 والاضداد لابن الانباري 101.

(5) اللسان (اذ).

(6) اللسان (ندم). قائله البرج بن مسهر اليمني.

[66]

" ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار "(1) والمراد ينادي. وقد استعمل المستقبل بمعنى الماضي، قال زياد الاعجم في المغيرة بن المهلب يرثيه بعد موته:

فاذا مررت بقبره فانحر به *** خوص الركاب وكل طرف سابح

وانضج جوانب قبره بدمائها *** فلقد يكون أخادم وذبائح(2)

فقال (يكون) ومعناه (كان) لدلالة الكلام عليه، لانه في مرثية له بعد موته.

وقوله " ياعيسى بن مريم " يحتمل عيسى أن يكون منصوبا مثل ماتقول: يازيد بن عبدالله، وهوالاكثر في كلام العرب. وانما يجوز ذلك اذا وقع الابن بين علمين، فأما اذا قلت يازيد ابن الرجل لم يجز في زيد إلا الضم. ويحتمل أن يكون عيسى في موضع الضم ويكون نداء (ابن) كأنه قال ياعيسى ياابن مريم.

وقوله " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " تقريع في صورة الاستفهام والمراد بذلك تقريع وتهديد من ادعى ذلك، لانه تعالى كان عالما بذلك هل أو لم يكن.

ويحتمل وجها آخر - ذكره البلخي ان الله تعالى أراد أن يعلم عيسى أن قومه اعتقدوا فيه وفي أمه أنهما إلهان كما أن الواحد منا اذا أرسل رسولا إلى قوم أن يفعلوا فعلا فأدى الرسالة وانصرف فخالفوا ذلك وعلم المرسل ولم يعلم الرسول جاز أن يقول المرسل للرسول: أأنت أمرتهم بذلك؟ وغرضه أن يعلمه أنهم خالفوه. وانما قال (إلهين) تغليبا للذكر على الانثى.

والغرض بالكلام أن النصارى يعتقدون في المسيح أنه صادق لايكذب وأنه الذي أمرهم بأن يتخذوه وأمه إلهين، فاذا كذبهم الصادق عندهم الذي ينسبون الامر به اليه كان ذلك آكد في الحجة عليهم وأبلغ في التوبيخ لهم والتوبيخ ضرب من العقوبة.

___________________________________

(1) سورة 7 الاعراف آية 43.

(2) الاغاني 15: 308 ورواية البيت الاول:

فاذا مررت بقبره فاعقربه *** كوم الهجان وكل طرف سابح

[67]

وقيل في قوله تعالى " الهين " ثلاثة أوجه: أحدها - أنهم لما عظموهما تعظيم الالهة أطلق ذلك عليهما كماقال " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله "(1) وانما أراد تقريعهم على معصيتهم.

والثاني - انهم جعلوه إلها وجعلوا مريم والدة له ميزوها من جميع البشر تمييزا شابهت الالهية وأطلق ذلك، لانه مستخرج من قصدهم. وان لم يكن صريح ألفاظهم، على طريقة الالزام لهم.

الثالث - انهم لما سموه إلها وعظموها هي، وكانا مجتمعين سماهما إلهين على طريقة العرب كقولهم: القمران للشمس والقمر، والعمران لابي بكر وعمر قال الشاعر:

جزاني الزهدمان جزاء سوء *** وكنت المرء يجزى بالكرامة(2)

يريد زهدما وقيسا ابني حزن القيسين، وهذا كثير، وذكر لي بعض النصارى الذي قرأ كتب النصارى عن جاثليق لهم لم يكن في زمانة مثله: أنه سأله عن هذا فقال: كنت شاكا في ذلك إلى أن قرأت في كتاب ذكره أن فيما مضى كان قوم يقال لهم المريمية كانوا يعتقدون في مريم أنها آلهة، فعلى هذا القول أقرب.

وورد كماقلناه افي الحكاية عن اليهود أنهم قالوا: عزير ابن الله. وقد ذكرناه في سورة التوبة.

وقوله " سبحانك مايكون لي أن أقول ماليس لي بحق " معناه أنزهك أن يكون معك الهة وأن يكون للاشياء إله غيرك، واعترف بأنه لم يكن لي أن أقول هذا القول.

وقوله " إن كنت قلته فقد علمته " أي لم أقله لاني لو كنت قلته لماخفي عليك إذ كنت علام الغيوب.

وقوله " تعلم مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك " أي تعلم غيبي ولاأعلم غيبك، لان مافي نفس عيسى وما

___________________________________

(1) سورة 9 التوبة آية 33.

(2) اللسان (زهدم) نسبة إلى قيس بن زهير.

[68]

في قلبه هو مايغيبه عن الخلق، وانما يعلمه الله، وسمي مايختص الله بعلمه بأنه في نفسه على طريق الازدواج في الكلام كما قال " ومكروا ومكر الله "(1) " والله يستهزئ بهم "(2) ويخادعون الله وهو خادعهم "(3) " وجزاء سيئة سيئة مثلها "(4) " وان عاقبتم فعاقبوا "(5) وكل ذلك وجه ازدواج الكلام، ويقوى هذا التأويل قوله " إنك أنت علام الغيوب " لانه علل أنه انما يعلم مافي نفس عيسى، لانه علام الغيوب، وعيسى ليس كذلك، فلذلك لم يعلم مايختص الله بعلمه.

والنفس في اللغة على ضروب: أحدها - نفس الانسان التي بهاحياته، يقولون خرجت نفسه أي روحه وفي نفسى أن افعل أي في روعي. وثانيها أن نفس الشئ ذات الشئ يقولون: قتل فلان نفسه أي ذاته، وعلى هذا حمل قوله " ويحذركم الله نفسه "(6) أي ذاته وقيل عذابه.

والنفس الهم بالشئ كمايحكى أن سائلا سأل الحسن فقال: ان لي نفسين احداهما تقول لي حج، والاخر تزوج، فقال الحسن: النفس واحدة وانما لك هما هم بكذا وهم بكذا والنفس الانفة كقولهم: ليس لفلان نفس أي لاأنفة له، والنفس الارادة يقولون نفس فلان في كذا أي ارادته قال الشاعر:

فنفساي نفس قالت ائت ابن بحدل *** تجد فرجا من كل غمى تهابها

ونفس تقول أجهد نجاء‌ك ولاتكن *** كخاضبة لم يغن عنها خضابها(7)

والنفس أيضا العين التي تصيب الانسان يقال أصابت فلانا نفس أي عين ومنه قوله صلى الله عليه وآله في رقيا (بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل عاهة فيك من كل عين عاين ونفس نافس وحسد حاسد) وقال عبيدالله بن قيس الرقيات:

___________________________________

(1) سورة 3 آل عمران آية 54.

(2) سورة 2 البقرة آية 15.

(3) سورة 4 النساء آية 141.

(3) سورة 42 الشورى آية 40.

(5) سورة 16 النحل آية 126.

(6) سورة 3 آل عمران آية 28، 30.

(7) اللسان (نفس).

[69]

تنقي نفسها النفوس عليها *** فعلى نحرها الرقى والتميم

وقال ابن الاعرابي: النفوس التي تصيب الناس بالنفس، والنفس أيضا من الدباغ مقدار الدبغة.

قوله تعالى: ماقلت لهم إلا ماأمرتنى به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد(117)

آية بلاخلاف هذا اخبار عن عيسى (ع) أنه يقول لله تعالى لله تعالى في جواب ماقرره عليه اني لم أقل للناس الا ما أمرتني به، من الاقرار لك بالعبودية وأنك ربي وربهم وإلهي والههم، وأمرتهم بأن يعبدوك وحدك ولايشركوا معك في العبادة.

وقال: اني كنت شهيدا أي شاهدا عليهم مادمت فيهم بما شاهدته منهم وعلمته وبما بلغتهم من رسالتك التي حملتنيها وأمرتني بأدائها اليهم مادمت حيا بينهم " فلما توفيتني " أي قبضتني اليك وأمتني " كنت أنت الرقيب عليهم " والرقيب هوالذي يشاهد القوم ويرقب مايعملون ويعرف ذلك، ثم اعترف بأنه تعالى " على كل شئ شهيد " لانه عالم بجميع الاشياء لايخفى عليه خافية ولايغيب عنه شئ فهو يشهد على العباد بكل مايعملونه. وفي اخباره تعالى عن المسيح أنه نفى القول الذي أدعوه عليه تأكيد لتبكيت النصارى وتكذيب لهم وتوبيخ على ما ادعوه من ذلك عليه.

قال الجبائي وفي الاية دلالة على انه تعالى أمات عيسى (ع) وتوفاه عندما رفعه، لانه بين انه كان شهيدا عليهم. وتوفيه اياه بعدان كان بينهم انما كان عند رفعه اياه إلى السماء عندما أرادوا قتله. وعندي أن الذي ذكره لايدل على أنه أماته، لان التوفي هوالقبض اليه ولايستفاد منه الموت الابشاهد الحال. ولذلك قال تعالي " الله يتوفي الانفس حين موتها

[70]

والتي لم تمت في منامها "(1) فبين انه يتوفى التي لم تمت فنفس التوفي لايفيد الموت بحال.

وقوله " أن اعبدوا الله " يجوز أن تكون (أن) بمعنى (أي) مفسرة في قول سيبويه، كما قال " وانطلق الملا منهم أن أمشوا(2) أي أمشوا، لانها مفسرة لما قبلها. والمعنى ماقلت لهم إلا ماأمرتني به أن أعبدوا الله. ويجوز أن تكون (أن) في موضع خفض على البدل من الهاء وتكون (أن) موصولة ب‍ (أعبدوا الله). ومعناه الا ماأمرتني به بأن يعبدوا الله، ويجوز أن تكون موضعها نصبا على البدل من (ما) والمعنى ماقلت لهم شيئا الا أن أعبدوا الله، أي ماذكرت لهم إلاعبادة الله.

وقوله " أن اعبدوا الله ربي وربكم " شاهد بلفظ الانجيل فانه ذكر في الفصل الرابع من انجيل لوقا، قال المسيح:، مكتوب أن اسجد لله ربك وإياه وحده فأعبد، وهذا لفظه وهو صريح التوحيد.

قوله تعالى: إن تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم(118)

آية بلاخلاف.

ظاهر هذه الاية يدل على أن عيسى لم يكن أعلمه الله أن الشرك لايغفر على كل حال، فلذلك قال " ان تعذبهم فانهم عبادك " الذين كفروا بك وجحدوا إلهيتك وكذبوا رسلك " وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم ".

وقال البلخي: ان عيسى (ع) أخبر أنه لاعلم له بما صنعوا بعده من الكفر به حتى قيل له: ماذا أجبت؟ قال لاعلم لي، ثم قال: ان كانوا كفروا فعذبتهم فهم عبادك وان كانوا ثبتوا على ما دعوتهم اليه أو تابوا من كفرهم

___________________________________

(1) سورة 39 الزمر آية 42.

(2) سورة 38 ص آية 6.

[71]

فغفرت لهم فأنت العزيز الحكيم. ومن ذهب إلى أن قول الله " ياعيسى بن مريم أأنت قلت للناس " إخبار عما مضى وأن الله قال ذلك عندما رفعه اليه، قال: انما عنى عيسى ان تعذبهم بمقامهم على معصيتك فانهم عبادك وان تغفر لهم بتوبة تكون منهم، لان القوم كانوا في الدنيا لان عيسى لم يشك في الاخرة أنهم مشركون. وقد أنطقعت التوبة، وانما قال ذلك في الدنيا وجعل قول الله تعالى " هذا يوم ينفغ الصادقين صدقهم " جوابا للرسل حين سألهم ماذا أجبتم " قالوا لاعلم لنا " فصدقهم الله في ذلك.

ومثل ذلك قال عمرو ابن عبيد والجبائي والزجاج وكلهم شرط التوبة.

وهذا الذي ذكروه ترك للظاهر وزيادة شرط في ظاهرها ليس عليه دليل.

وقوله " ان الله لايغفر ان يشرك به "(1) انما هو اخبارلامة نبينا بأن لايغفر الشرك ولانعلم ان مثل ذلك أخبر به الامم الماضية فلا متعلق بذلك. ويمكن أن يكون الوجه في الاية مع تسليم ان كان عارفا بأن الله لايغفر أن يشرك به وانه أراد بذلك تفويض الامر إلى مالكه وتسليمه إلى مدبره والتبري من أن يكون له شى ء من أمر قومه، كما يقول الواحد منا اذا تبرء من تدبير أمر من الامور ويريد تفويضه إلى غيره: هذا الامر لامدخل لي فيه فان شئت أن تفعله وان شئت ان تتركه مع علمه ان أحدهما لايكون منه.

وقوله " فانك أنت العزيز الحكيم " معناه انك القادر الذي لايغالب وأنت حكيم في جميع أفعالك فيما تفعله بعبادك و وقيل معناه " انك أنت العزيز " القدير الذي لايفوتك مذنب ولايمتنع من سطوتك مجرم " الحكيم " فلا تضع العقاب والعفو الا موضعهما.

ولو قال: الغفور الرحيم كان فيه معنى الدعاء لهم والتذكير برحمته، على أن العذاب والعفو قد يكونان غير صواب ولاحكمة فالاطلاق لايدل على الحكمة والحسن. والوصف بالعزيز الحكيم يشتمل على العذاب والرحمة اذا كانا صوابين.

___________________________________

(1) سورة النساء آية 47، 151.

[72]

وقال الحسين بن علي المغربي رأيت على باب بمصر في موضع يقال له (بيطار بلال) معروف لوحا قديما من ساج عليه هذا العشر وفيه (فانك أنت الغفور الرحيم) وتأريخ الدار سنة سبعين من الهجرة أو نحوها ولعلها باقية إلى اليوم.

فان قيل قول عيسى ان تعذبهم فأنهم عبادك يدل على ان الله تعالى له أن يعاقب عبيده من غير جرم كان منهم لانه علل حسن ذلك بكونهم عبيدا لا بكونهم عصاة، وذلك خلاف ماتذهبون اليه؟ قلنا: لايجوز ان يريد عيسى (ع) بكلامه مايدل على أن الفعل على كونه غير جائز عليه تعالى. ولايحسن منه تعالى أيضا أن يترك انكار ذلك فلما عملنا أن الله تعالى لايجوز ان يعاقب خلقه من غير معصية سبقت منهم من حيث كانا ذلك ظلما محضا، علمنا ان عيسى أراد بقوله ذلك " ان تعذبهم فانهم عبادك " الجاحدون لك المتخذون معك إلها غيرك لان ماتقدم من الكلام دل عليه فلم يحتج ان يذكره في اللفظ فبطل ماتوهموه.

قوله تعالى: قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم(119) لله ملك السموات والارض وما فيهن وهو على كل شئ قدير(120)

آيتان بلاخلاف.

قرأ " يوم ينفع " بفتح الميم نافع. الباقون بضمها.

من رفع (يوما) جعله خبر المبتدأ الذي هو (هذا) وأضاف (يوما) إلى (ينفع).

والجملة التي هي من المبتدأ والخبر في موضع نصب بأنه مفعول القول، كما تقول: قال زيد عمر أخوك.

[73]

ومن نصب احتمل أمرين: أحدهما - ان يكون مفعول قال وتقديره قال الله هذا القصص، وهذا الكلام " يوم ينفع الصادقين " فيوم ظرف للقول (وهذا) اشارة إلى ماتقدم ذكره من قوله: " اذ قال الله ياعيسى بن مريم " وجاء على لفظ الماضى وان كان المراد به المستقبل، كما قال " ونادى أصحاب الجنة اصحاب النار "(1) ونحو ذلك على مابيناه. وليس ما بعد (قال) حكاية في هذا الوجه كما كان إياها في الوجه الاخر.

ويجوز ان يكون المعنى على الحكاية وتقديره قال الله تعالى " هذا يوم ينفع " أي هذا الذي أقتصصنا. به يقع أو يحدث يوم ينفع، ف‍ " يوم " خبر المبتدأ الذي هو (هذا) الامرإشارة إلى حدث. وظروف الزمان تكون اخبارا عن الاحداث. والجملة في موضع نصب بأنها في موضع مفعول، قال الفراء: (يوم) منصوب لانه مضاف إلى الفعل وهو في موضع رفع بمنزلة (يومئذ) مبني على الفتح في كل حال، قال الشاعر:

على حين عاتبت المشيب على الصبا *** فقلت ألما تصح والشيب وازع(2)

قال الزجاج هذا خطأ عند البصريين، لانهم لايجيزون هذا يوم آتيتك، يريدون هذا يوم اتيانك، لان (آتيتك) فعل مضارع فالاضافة اليه لايزيل الاعراب عن جهته، ولكنهم يجيزون (ذلك يوم يقع زيد أصدقه) لان الفعل الماضي غير مضارع للمتمكن فهي اضافة إلى غير متمكن والى غير ماضارع المتمكن ويجوز (هذا يوم) منونا (ينفع الصادقين) على إضمار هذا يوم ينفع

___________________________________

(1) سورة الاعراف آية 43.

(2) قائله النابغة. ديوانه: 38 ومعاني القرآن 1: 327، وسيبويه 1: 369 فيه الصادقين صدقهم كقوله: " وأتقوا يوما لاتجزي نفس عن نفس شيئا " والمعني لاتجزي فيه، وقال الشاعر:

[74]

وماالدهر الا تارتانا فمنهما *** أموت وأخرى ابتغي العيش اكدح(1)

والمعنى فمنهما تارة أموت فيها.

وقوله " قال الله هذا يوم ينفع الصادقين " يعني يوم القيامة، ودل على أن قول الله للمسيح " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمى إلهين من دون الله " يكون يوم القيامة، ثم بين ان الصادقين ينفعهم صدقهم وهو ماصدقوا فيه في دار التكليف، لان يوم القيامة لا تكليف فيه على أحد، ولايخبر أحد فيه الا بالصدق، ولاينفع الكفار صدقهم الذي يقولونه يوم القيامة اذا أقروا على أنفسهم بسوء أعمالهم، ثم بين ان " لهم جنات تجري من تحتها الانهار "، وأنهم " خالدون فيها أبدا " في نعيم مقيم لايزول، وان الله قد " رضى عنهم ورضوا " هم عن الله وبين ان ذلك " هوالفوز العظيم " وهو مايحصلون فيه من الثواب والنجاة من النار، ثم قال تعالى: " لله ملك السماوات والارض وما فيهن " يعني ان ملك السماوات والارض ومابينهما له بالقدرة على التصرف فيهما وفيما بينهما على وجه ليس لاحد منعه منه ولامعارضته فيه خاصة، ثم بين انه تعالى: " على كل شئ قدير " مما كان ويكون مما يصح ان يكون مقدورا له.

___________________________________

(1) قائله ابن مقبل. اللسان " كدح ".




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21399994

  • التاريخ : 18/04/2024 - 18:55

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net