00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة يوسف من ( آية 92 ـ آخر السورة ) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء السادس )   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

قوله تعالى: (قال لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الرحمين(92))

آية بلاخلاف.

هذا اخبار من الله تعالى عما قال يوسف لاخوته حين اعترفوا بأن الله فضله عليهم، وانهم خطئوا فيما فعلوه، بأن قال " لاتثريب عليكم اليوم " ومعناه لابأس عليكم بماسلف له منكم، والتثريب تعليق الضرر بصاحبه من اجل جرم كان منه.

وقال سفيان: معنى لاتثريب لاتعيير.

وقيل: معناه لاتخليط بعائده مكروه.

وقيل: معناه لاتثريب مكروه بتوبيخ، ولاغيره.

وقوله " يغفر الله لكم " معناه يستر الله عليكم خطيئاتكم ولايعاقبكم عليها، وهوارحم الراحمين، فالرحمة النعمة على المحتاج، ومن الرحمة ماهوواجب وفيها ماليس بواجب، فالواجبة مالايجوز الاحلال بها، وان كان سببها تفضلا، كالثواب الذي سببه التكليف، وهوتفضل.

وقيل: في معنى قوله " يغفر الله لكم " قولان: احدهما - انه دعالهم بالمغفرة، ويكون الوقف عندقوله " لاتثريب عليكم اليوم " ثم ابتدأ، فقال " يغفر الله " وقد وقف بعضهم عند قوله " عليكم " والاول أجود. الثاني - لماكان ظلمهم له معلقا باحلاله أباهم منه حسن هذا القول، لان الله هو الآخذ له بحقه إلا ان يصفح.

قوله تعالى: (إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين(93))

آية بلاخلاف.

هذا اخبار من الله تعالى بأن يوسف أعطى اخوته قميصه. وقال: احملوه إلى أبي يعقوب واطرحوه على وجهه، فانه يرجع بصيرا، ويزول عنه العمى

[192]

وذلك معجز دال على نبوته، لانه - على قول المفسرين كالحسن والسدي وغيرهما - كان قد عمي، ولولا ان الله أعلمه انه يرجع اليه بصره لما إرسله اليه، وانما حمل اليه القميص، لان الله تعالى كان جعله علامة له إذا شمه شم منه رائحة يوسف، وبشارة له قبل لقائه.

وقوله " وأتوني بأهلكم اجمعين "، معناه احملوا أهاليكم أجمع إلى عندي وجيؤني بهم.

قوله تعالى: (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون(94))

آية بلاخلاف.

اخبرالله تعالى في هذه الآية انه حين انصرفت العير من عند يوسف.

قال: لهم أبوهم يعقوب اني لآجد ريح يوسف اي إني احس برائحته.

وقال ابن عباس جاء‌ت الريح برائحة يوسف من ثماني ليال.

وقال الحسن من مسيرة شهر وقيل إنه كان بينهم ثمانين فرسخا، لان يعقوب كان بوادي كنعان من ارض فلسطين.

وقيل إنه كان بأرض الجزيرة، ويوسف بمصر.

والفصل القطع بحاجز بين الشيئن.

ونقيضه الوصل، ومثله الفرق.

والعير قافله الحمير، وان كان فيها الجمال، وكل جماعة خرجت من بلد إلى بلد، فهم قافلة.

وقوله " لولا ان تفندون " قال ابن عباس: معناه لولا ان تسفهون.

وقال الحسن ومجاهد: لولاان تهرمون.

وقال ابن اسحاق: معناه تضعفون.

وقال الضحاك معناه تكذبون.

[193]

وانماقال يعقوب هذا القول لمن حضره من أهله وقرابته دون ولده، لانهم كانوا غيبا عنه لم يصلوا إليه. والتفنيد في اللغة هو تضعيف الرأي يقال فنده تفنيدا إذا نسبه إلى ضعف الرأي، قال الشاعر:

ياصاحبي دعا لومي وتفنيدي *** فليس مافات من امر بمردود(1)

وفنده الدهر اي أفسده، وقال ابن مقبل:

دع الدهر يفعل مايشاء فانه *** اذاكلف الانسان بالدهر افندا(2)

وروي (إذا كلف الافناد بالناس فندا).

قوله تعالى: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم(95))

آية بلاخلاف.

هذا حكاية مااجاب به من خاطبه يعقوب من اهله " اني لاجد ريح يوسف " فانهم قالوا له " تالله انك لفي ضلالك القديم " والضلال هو الذهاب عن جهة الصواب فيه، وانما قالوا لنبي الله " انك لفي ضلالك القديم " لانهم قالوا كلمة غليظة لم يجز أن يقولوها لنبي الله، فحق الامر فيها أنهم قالوها اشفاقا عليه من شدد محبته ليوسف - في قول قتادة - وقال الحسن كان عندهم ان يوسف مات، فكان في لهوجه في تذكره ذاهبا عن الصواب في امره، والقديم في اللغة هو كل شئ متقدم الوجود، وفي عرف المتكلمين عبارة عن الموجود لم يزل، وانما جعلوا الضلال قديما على وجه المبالغة في الصفة ومثله " كالعرجون القديم "(3) ويقال بناء قديم، ولايجوز قياسا على ذلك ان يقال: هذا جسم قديم، لمافيه من الايهام.

___________________________________

(1) تفسير الطبري (الطبعة الاولى) 13: 34 ومجاز القرآن 1: 318.

(2) تفسير القرطبي 9: 261 والطبري 13: 34.

(3) سورة يس آية 39

[194]

قوله تعالى: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون(96))

آية بلاخلاف.

اخبر الله تعالى إنه لماجاء المبشر بيوسف إلى يعقوب ألقى القميص على وجهه فرجع بصيرا، والبشير الذي يأتي بالبشارة العظيمة. وجاء على لفظ (فعيل) لمافيه من المبالغة يقال بشره تبشيرا، ومعنى أبشرته: قلت له: استبشر، كقوله " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون "(1) وقال الحسن، ومجاهد، والضحاك: كان البشير يهوذ بن يعقوب، والالقاء إيقاع الشئ على الشئ، ويكون بمعنى ايجاد الشئ.

وقوله " فارتد بصيرا " فالارتداد انقلاب الشئ إلى حال، قدكان عليها، وهو والرجوع بمعنى واحد. والبصير من كان على صفة يجب لاجلها ان يبصر المبصرات إذا وجدت، و (ان) بعد قوله " فلما " زائدة للتوكيد، كماقال " ولما ان جاء‌ت رسلنا "(2) ولاموضع لها من الاعراب وهي تزاد مع (لما) و (حتى) على وجه الصلة تأكيدا، تقول: قد كان ذاك حتى كان كذا وكذا، وحتى ان كان كذا.

وقوله " اني اعلم من الله مالاتعلمون ". قيل في معناه قولان: احدهما - إني اعلم من صحة رؤيا يوسف، وإن تأويلها سيكون على مارأى " مالاتعلمون " من تأويل الرؤيا. والثاني " اني اعلم " من بلوى الانبياء بالشدائد والمحن التي يصيرون منها إلى وقت الفرج " مالاتعلمون "، ذكره الجبائي.

قوله تعالى: (قالوا ياأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين(97))

آية بلاخلاف.

___________________________________

(1) سورة حم السجدة آية 30.

(2) سورة العنكبوت آية 33.

[195]

في الكلام حذف، لان تقديره إن اخوة يوسف وصلوا إلى أبيهم بعدان جاء البشير وألقوا قميصه على وجهه ورد الله بصره عليه، فلما رأوه قالواله " ياأبانا استغفر لنا ذنوبنا " أي سل الله تعالى ان يستر علينا ذنوبنا، ولايعاقبنا عليها، فانا " كنا خاطئين " فيما فعلناه بيوسف.

ومتى قيل: كيف سألوه الاستغفار من مع انهم كانوا تابوا والتوبة تسقط العقاب؟ قلنا أماعلى مذهبنافلان التوبة لاتسقط العقاب وجوبا، وانما يسقطه الله تعالى عندها تفضلا وأما علي مذهب مخالفنا، فانهم سألوه ذلك، لاجل المظلمة المتعلقة بصفح المظلوم، وسؤال صاحبه ان لايأخذ بظلمه، لابد انه توبة خاصة منه ووجه آخر، وهوان يبلغه منزلة بدعائه يصير بمنزلة عالية لمكان سؤاله.

قوله تعالى: (قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم(98))

آية بلاخلاف.

هذاحكاية ماأجاب به يعقوب حين قالوا له " استغفر لنا ذنوبنا " فانه قال في جواب ذلك سوف استغفر لكم ربي، والمعنى إني أفعل ذلك في المستقبل، ولم يستغفر لهم في الحال.

وروي عن ابي جعفر (ع) انه قال: أخرهم إلى ليلة الجمعة.

وقال ابن مسعود وابراهيم التيمي، وابن جريج وعمروبن قيس: انه اخرهم إلى السحر، لانه اقرب إلى اجابة الدعاء وقال الجبائي: وجه ذلك أنهم سألوه ان يستغفر لهم دائما في دعائه، فوعدهم بذلك في المستقبل.

وقوله " انه هو الغفور الرحيم " اخبار من يعقوب واعتراف منه بأن الله هو الذي يستر على عباده معاصيهم، ويعفو لهم عن عقابها رحمة منه بعباده ورأفة منه بخلقه.

[196]

قوله تعالى: (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين(99))

آية بلاخلاف.

في الكلام حذف، لان تقديره ان يعقوب وبنيه واهلهم رحلوا إلى يوسف، فلما وصلوا اليه ودخلوا عليه " آوى اليه أبويه " يعنى أباه يعقوب وأمه، فثني على لفظ الاب تغليبا للذكر على الانثى، ولم يثن على لفظ الام، كماغلب المفرد على المضاف في قولهم: سنة العمرين.

ومثله قوله " وورثه ابواه "(1) يعني أباه وامه.

قال الحسن وابن اسحاق والجبائي: كانت امه بحق، وقال السدي كانت امه ماتت وتزوج يعقوب اختها، وهي خالة يوسف، فاقامها مقام الام، والاول حقيقة والثاني مجاز.

والايواء ضم القريب بالمحبة لصاحبه كضم المأوى بجمع شمله، وانما قال لهم " ادخلوا مصر " بعد دخولهم عليه، لاميرين: احدهما - قال السدي وفرقد السحي: ان يوسف خرج يستقبل يعقوب وخرج معه أهل البلد، فلما رجع قال " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " وقال آخرون أراد " ادخلوا مصر " مقيمين " ان شاء الله آمنين " والمشيئة هي الارادة، والامن سكون النفس إلى الامر والخوف انزعاج النفس من الامر.

والامن التام الامن من كل جهة، فاما الامن من جهة دون جهة، فهو أمن ناقص.

وفي الناس من قال: ان قوله " ان شاء الله " متعلق بقوله " سأستغفر لكم " ان شاء الله، لانه كان قاطعا على انهم يدخلون مصر آمين، وليس يحتاج إلى ذلك لانه مطابق لقوله " ولاتقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله "(2)

___________________________________

(1) سورة النساء آية 11.

(2) سورة الكهف آية 23

[197]

قوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رء‌ياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء‌ بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لمايشاء إنه هو العليم الحكيم(100))

آية بلاخلاف.

اخبر لله تعالى عن يوسف انه حين حضر عنده أبواه وأخوته، ورفع أبويه على العرش، والرفع النقل إلى جهة العلو. ومثله الاعلاء والاصعاد، وضده الوضع، والعرش السرير الرفيع وأصله الرفع من قوله " خاوية على عروشها "(1) اي على ماارتفع من أبنيتها، وعرش الكرم إذا رفعه، وعمل عريشا اذا عمل مجلسا رفيعا.

وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتاده: العرش السرير.

وقوله " وخروا له سجدا " معناه انحطوا على وجوههم والخر الانحطاط على الوجه، ومنه " خر من السماء فتخطفه الطير "(2) والسجود في الشرع خضوع بوضع الوجه على الارض وأصله الذل، كما قال الشاعر: ترى الاكم فيها سجدا للحوافر(3) وقيل في وجه سجودهم قولان: قال قوم: إن الهاء في قوله " له " راجعة إلى الله، فكأنه قال فخروا لله سجدا شكرا على ماأنعم به عليهم من الاجتماع.

___________________________________

(1) سورة البقرة آية 259 والكهف 43 والحج 45.

(2) سورة الحج آية 31.

(3) مر هذاالبيت في 1: 8: 1، 163، 311 و 4: 233. 383

[198]

الثاني انهم سجدوا إلى جهة يوسف على وجه القربة إلى الله، كما يسجد إلى الكعبة على وجه القربة إلى الله.

وقيل انه كانت تحية الملوك السجود، قال اعشى بني ثعلبة:

فلما اتانا بعيد الكرى *** سجدنا له ورفعنا العمارا(1)

وقوله " ياابت هذا تأويل رؤياي من قبل " حكاية ماقال يوسف لابيه بأن هذا تفسير رؤياي من قبل وماتؤول اليه، وهوماذكره في أول السورة " اني رأيت أحد عشر كوكبا " يعني أخوته " والشمس والقمر " يعني أبويه سجدوا له، كمارآه في المنام.

والرؤيا تصور مايتوهم انه يرى لغمور النوم، ومتى قيل إذا كانت رؤيا الانبياء لاتكون الاصادقة، فهلا تسلى يعقوب بأن تأويل الرؤيا سيكون؟ قلنا عنه جوابان: احدهما - انه قيل: انه رآها وهو صبي فلذلك لم يثق بها. والآخر - ان طول الغيبة مع شدة المحنة يوجب الحزن كما يوجبه مع الثقة بالالتقاء في الآخرة.

" وقد احسن بي اذ أخرجني من السجن " بأن لطف وسهل الي الخروج منه " وجاء‌بكم من البدو " اي اتي بكم من أرض فلسطين، لان مسكن يعقوب وولده فيما ذكر كان هناك.

والبدو: البرية العظيمة مأخوذ من بدا يبدوا بدوا.

ويقال: بدو، وحضر.

وقوله " من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي " والنزغ التحريش بين الاثنين، وهو مس بسوء يغضب، ومنه قوله " واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله "(2) وقوله " ان ربي لطيف لمايشاء " معنا لطيف التدبير، واللطف مايدعو إلي فعل الواجب ويصرف عن القبيح.

___________________________________

(1) ديوانه 83 (دار بيروت) وروايته (عمارا).

(2) سورة الاعراف آية 199 وحم السجدة آية 36

[199]

وقال الحسن: كان بين الرؤيا وتأويلها ثمانين سنة.

وقال سلمان، وعبدالله بن سداد: كانت أربعين سنة.

وقال ابن اسحاق: ثماني عشرة سنة.

وقوله " انه هو العليم الحكيم " معناه إنه تعالى عالم بأحوال الخلق، وما يصلحهم ومايفسدهم " حكيم " في افعاله لايضع الشئ الا في موضعه.

وقال بعضهم: غاب يوسف عن أبيه وله سبع عشرة سنة، وبقي بعد الاجتماع معهم في الملك ثلاثا وعشرين سنة، ومات، وله مئة وعشرون سنة.

قوله تعالى: (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين(101))

آية بلاخلاف.

هذا حكاية ماقال يوسف حين اجتمع مع أبويه وأخوته وأهل بيته، وانه قال يا " رب آتيتني من الملك " وحذف حرف النداء للدلالة عليه. وعلى وجه الاعتراف بأنواع نعمة الله عليه، وان من جملتها أنه اعطاه الملك والسياسة والتدبير بين الخلق، وأنه مع ذلك علمه، وفهمه أنواع العلوم، ونصب له الدلالة على علوم كثيرة.

وقد يقال: علمه تعليما إذا بين له الدليل المفضي إلى العلم. والاعلام هو إيجاب العلم بايجاده والتعريض له.

والمعنى فهمتني تأويل الاحاديث التي تؤدي إلى العلم بما احتاج إليه.

والاحاديث الاخبار عن حوادث الزمان.

وقوله " فاطر السموات والارض " فالفطر الشق عن أمر باختراعه عند انشقاقه، ففطر السموات والارض: اختراعهما بماهو كائن كالشق عما يظهر فيه. ومنه تفطر الشجر بالورق.

[200]

ونصبه يحتمل أمرين: احدهما - أن يكون صفة لقوله " رب قد آتيتني من الملك "، لانه مضاف، كما يقال: يقول يازيد ذي الجمة. والثاني - ان يكون على النداء بتقدير يافاطر.

وقوله " أنت وليي " أي ناصري، والولي النصير بمايتولى من المعاونة، فاذا وصف تعالى بانه ولي المؤمن، فلانه ينصره بمايتولى من معونته وحياطته، واذا وصف المؤمن بأنه ولي الله، فلان الله ينصره بمعونته، فتجري الصفة على هذا المعنى.

وقوله " توفني مسلما " معناه اقبضني اليك إذا امتني وأنا مسلم اي الطف لي بماأموت معه على الاسلام " والحقني بالصالحين " من آبائي اسحاق وابراهيم اي اجعلني من جملتهم و (من) في قوله " من الملك " وقوله " من تأويل الاحاديث " دخلتا للتبعيض لانه لم يؤته الله جميع الملك، ولاعلمه جميع الاشياء، ويحتمل ان تكون دخلت لتبيين الصفة، كماقال " اجتنبوا الرجس من الاوثان "(1)

قوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وماكنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون(102))

آية بلاخلاف.

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم انه قال له " ذلك " يعنى الذي أخبرناك به من أخبار مايعظم شأنه، لان الانباء هي الاخبار بماله شأن. ومنه قولهم: لهذانبأ اي شأن عظيم.

و (الغيب) ذهاب الشئ عن الحس، ومنه " عالم الغيب والشهادة "(2) اي عالم بما غاب عن الحواس، وبما حضرها " نوحيه اليك " اي نلقيه.

___________________________________

(1) سورة الحج آية 30.

(2) سورة الانعام آية 73، والتوبة آية 94، 105 والرعد 10 والمؤمنون 93 والم السجدة 6 والزمر 46 والحشر 22 التغابن 18

[201]

والايحاء إنهاء المعنى إلى النفس، فقد أفهم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم تلك المعاني بانزال الملك بها عليه.

وقوله " وماكنت لديهم اذ أجمعوا أمرهم " اي لم تحضرهم حين عزموا على أمورهم. وإجماع الامر هو اجتماع الرأي على الامر بالعزم عليه والمكر: فتل الحيل عن الامر، واصل المكر من قولهم: ساق ممكورة اي مفتولة ومثله الخديعة، وكان مكرهم بيوسف إلقاؤهم إياه في غيابت الجب - في قول ابن عباس والحسن وقتادة وقال الجبائي: كان مكرهم احتيالهم في امر يوسف حين القوه في الجب.

وانما قال ذلك لنبيه، لانه لم يكن ممن قرأ الكتب ولاخالط أهلها وإنما اعلمه الله تعالى ذلك بوحي من جهته ليدل بذلك على نبوته، وانه صادق على الله تعالى.

قوله تعالى: (وماأكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين(103))

آية بلا خلاف.

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على وجه التسلية بقلة من آمن به بأن الناس كثيرون، وان حرصت على ان يكونوا مؤمنين فانهم قليلون.

والاكثر القسم الآخر من الجملة، ونقيضه الاقل.

والناس جماعة الانسان، وهو من ناس ينوس نوسا إذا تحرك يمينا وشمالا، من نفسه لابمحرك.

والحرص طلب الشئ في اصابته، حرص عليه يحرص حرصا، فهو حريص على الدنيا إذا اشتد طبله لها والتقدير: ومااكثر الناس بمؤمنين، ولوحرصت على هدايتهم.

قوله تعالى: (وماتسئلهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين(104))

آية بلاخلاف.

[202]

هذا اخبار من الله تعالى وخطاب لنبيه صلى الله عليه وسلم انك يامحمد لست تسألهم يعني أمته الذين بعث اليهم على مايعرفهم به من اخبار الماضين اجرا، ولاجزاء في مقابلته. وليس ذلك إلا ذكر للعالمين. والسؤال قول القائل لمن هو فوقه (افعل) اذاكان سؤال طلب ودعاء، وان كان سؤال استخبار، فهو طلب الاخبار بادلته، والاجر جزاء العمل بالخير يقال: آجره الله يآجره أجرا إذا جازاه بالخير، ويدعابه، يقال: آجرك الله.

والذكر حضور المعنى للنفس، وهوضد السهو. وقد يقال للقول الذي يحضر المعنى للنفس ذكر.

و (العالم) جماعة الحيوان الكثيرة التي من شأنها ان تعلم، لانه مأخوذ من العلم، ومنه معنى التكثير، وفي عرف المتكلمين عبارة عن الفلك وماحواه عن طريق التبع للحيوان الذي ينتفع به، وهو مجعول لاجله.

ومعنى الآية إنك لست تسألهم على ابلاغك إياهم مااوحى الله به اليك، ولاعلى ماتدعوهم اليه من الايمان اجرا، فيكون تركهم لذلك إشفاقا من إعطاء الاجر، بل هم يزهدون في الحق مع أمنهم من اعطاء الاجر، وليس ماتؤديه اليهم من القرآن، وجميع ماينزله الله من الاحكام " إلا ذكر للعالمين " اي طريق إلى العلم بما أوجب الله عليهم، فذكر الدليل طريق إلى العلم بالمدلول عليه.

والفكر سبب مولد له، فالذكر سبب مؤد، والفكر سبب مولد ويحتمل ان يكون المراد ليس هذا القرآن الا شرفا للعالمين لو قبلوه وعملوا بمافيه.

قوله تعالى: (وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون(105))

آية بلاخلاف.

معنى (كأين) كم والاصل فيها (أي) فدخلت عليها الكاف للتفخيم بالابها م، وتقديره كالعدد، فهو أبهم من نفس العدد، لمافيه من التكثير والتفخيم، وغلبت على (كاين) (من) دون (كم) لان (كأين) أشد إبهاما، فاحتاجت إلى (من) لتدل على ان مايذكر بعدها تفسيرلها.

[203]

اخبرالله تعالى ان في خلق السموات والارض آيات، ودلالات كثيرة تدل على ان لها صانعا صنعها، ومدبرا دبرها، وعلى صفاته، وعلمه، وحكمته، وأنه لايشبه شيئا، ولايشبهه شئ، وهومافيها من تدبير الشمس والقمر والنجوم والجماد والحيوان، ومابينهما من الاشجار والنبات، وغير ذلك من الامور الظاهرة للحواس المدركة بالعيان.

وقال الحسن: من الآيات اهلاك من اهلك من الامم الماضية، يعرضون عن الاستدلال بها عليه وعلى مايدلهم عليه من توحيده وحكمته، مع مشاهدتهم لها ومرورهم عليها.

قوله تعالى: (ومايؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون(106))

آية بلا خلاف.

قيل في معنى هذه الآية قولان: احدهما - قال الحسن: الآية في اهل الكتاب، لان معهم إيمانا وشركا.

وقال ابن عباس، ومجاهد وقتادة: المعنى " ومايؤمن اكثرهم بالله " في اقراره بأن الله خلقه وخلق السموات والارض إلا وهو مشرك بعبادة الاوثان، وهذا هوالاولى، لان التقدير مايصدقون بعبادة الله إلا وهم يشركون الاوثان معه في العبادة.

وقال الرماني: الآية دالة على ان اليهودي معه إيمان بموسى، وكفر بمحمد، لانها دلت على انه قدجمع الكفر والايمان، وانه لاينافي ان يؤمنوا بالله من وجه ويكفروا به من وجه آخر، كماقال " افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب "(1).

___________________________________

(1) سورة البقرة آية 85.

[204]

وعلى مذهب من قال بالموافاة من المرجئة لايصح ذلك، لان الاحباط عنده باطل، فمن آمن بالله لابد ان يوافي به.

والجواب على مذهبه ان يقال تأويل الآية انه لايؤمن أكثرهم بالله ويصدق رسله في الظاهر الاوهو مشرك في باطنه، فتكون الآية في المنافقين خاصة - يعنى هذه الآية - وقد ذكره البلخي ايضا.

قوله تعالى: (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لايشعرون(107))

آية بلاخلاف.

هذا خطاب لهؤلاء الكفار الذين ذكرهم بأنهم لايؤمنون إلا وهم مشركون، وتوبيخ لهم وتعنيف، وان كان متوجها إلى غيرهم، فهم المعنون به، يقول: أفامن هؤلاء الكفاران تجيأهم غاشية من عذاب، وهو مايتغشاهم من عذابه.

والغاشية مايتجلل الشئ بانبساطها عليه، يقال: غشيه يغشاه، فهو غاش، وهي غاشية أو: تجيأهم القيامة بغتة أي فجأة.

والبغتة والفجأة والغفلة نظائر، وهي مجئ الشئ من غير تقدمة.

قال يزيد بن مقسم الثقفي:

ولكنهم باتوا ولم ادر بغتة *** وافظع شئ حين يفجؤك البغت(1)

والساعة مقدار من الزمان معروف، وسمي به القيامة لتعجيل أمرها، كتعجيل الساعة.

وقوله " وهم لايشعرون " معناه لايعلمون بمجيئه، فلذلك كان بغتة. والشعور إدراك الشئ بما يلطف، كدقة الشعر يقال: شعر به يشعر شعورا واشعره بالامر اشعارا، ومنه اشتقاق الشاعر لدقة فكره.

___________________________________

(1) مرهذا البيت في 4: 122، 507.

[205]

قوله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وماأنا من المشركين(108))

آية بلاخلاف.

هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى ان يقول لهؤلاء الكفار " هذه سبيلي " يعني دينه الذي دعا إليه من توحيد الله وعدله وتوجيه العبادة اليه والعمل بشرعه " ادعو " الناس " إلى " توحيد " الله " والى طاعته، واتباع سبيله على معرفة مني بذلك، وحجة معي اليه، ومن تابعني على ذلك، فهو يدعو الناس إلى مثل ما أدعو اليه من التوحيد وخلع الانداد والعمل بشرع الاسلام " وسبحانه الله " اي تتزيها لله من ان يعبد معه إله غيره، وان يضاف اليه مالايليق به ولست أنامن المشركين الذين يشركون مع الله في عبادته سواه والسبيل هوالطريق، وهو يذكر ويؤنث قال الشاعر:

ولاتبعد فكل فتى اناس *** سيصبح سالكا تلك السبيلا(1)

والدعاء طلب الفعل من الغير، وسمي الاسلام سبيلا، لانه طريق إلى الثواب لمن عمل به.

و (البصيرة) المعرفة التي يميز بها بين الحق والباطل في الدين والدنيا، يقال: فلان على بصيرة من أمره اي كأنه يبصره بعينه.

قوله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون(109))

آية واحدة بلاخلاف.

___________________________________

(1) مجمع البيان 3: 268، ومجاز القرآن 1: 319.

[206]

قرأ ابوبكر " يوحى " بالياء وفتح الحاء.

وقرأ حفص بالنون وكسر الحاء.

قال ابوعلي الفارسي: وجه القراء‌ة بالنون قوله " إنا اوحينا اليك كما اوحينا إلى نوح "(1) ومن قرأ بالياء، فلقوله " واوحي إلى نوح "(2) وقوله " قل اوحي الي "(3) فأما في " حم عسق كذلك يوحي اليك "(4)، فلان الفعل مسند إلى اسم الله تعالى، فارتفع الاسم بأنه فاعل يوحي، ولو قرئ يوحى اليك، والى الذين واسند الفعل إلى الجار والمجرور، لكان جائزا، وكان يكون قوله " الله العزيز الحكيم " مبتدء‌ا وخبرا، والاول احسن، لان قوله " العزيز الحكيم " ان يكون صفة احسن من ان يكون خبر المبتدأ.

معنى الآية الاخبار من الله أني ماأرسلت قبلك من الانبياء والمرسلين إلى عبادي إلا رجالا يوحى اليهم بكتبي واحكامي، " من اهل القرى " أي لم أرسل عليهم ملكا ولاجنيا، بل رجالا أمثالك، لقول جهال قريش ان الله لو شاء ان يرسل الينا أحدا، لارسل إلينا ملكا، فبين ههنا انه لم يرسل فيما مضى الا رجالا، مثل محمد، من البشر، " أفلم يسيروا في الارض " معناه أفليس قد ساروا في الارض وسمعوا اخبار من ارسله الله من الانبياء المبعوثين إلى خلقه مثل ابراهيم وموسى وعيسى، فيعرفوا بذلك كيف كان عاقبة من كذب هؤلاء الرسل من قبلهم، ومانزل بهم من العذاب لكفرهم ثم أخبر ان دار الاخرة خير للذين اتقوا واجتنوا معاصيه خيرلهم من الدنيا، أفلا يعقلون ان الامر على ما أخبرنابه، وان ذلك خير من دار الدنيا التي فيها تنغيص وتكدير، وفنون الآلام.

وقال قتادة معنى " من أهل القرى " يريد به الامصار دون البوادي، لانهم اعلم وأحكم.

وقال الحسن مابعث الله نبيا من اهل البادية قط، ولامن الجن ولا من النساء.

وقوله " ولدار الآخرة " على الاضافة وفي موضع آخر وللدار الآخرة على الصفة.

فمن اضافه قال تقديره ولدار الحال الآخرة، لان للناس حالين حال لدنيا وحال الآخرة.

___________________________________

(1) سورة النساء آية 162.

(2) سورة هودآية 36.

(3) سورة الجن آية 1.

(4) سورة الشورى آية 1.

[207]

ومثله صلاة الاولى والصلاة الاولى، فمن اضافه قدر صلاة الفريضة الاولى، ومن لم يضف جعله صفة، ومثله ساعة الاولى، والساعة لاولى، ذكره الزجاج.

وقال الفراء قد يضاف الشئ ء إلى نفسه إذا اختلف لفظهما مثل " حق اليقين ". ومثل بارحة الاولى والبارحة الاولى ومسجد الجامع، والمسجد الجامع.

قوله تعالى: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاء‌هم نصرنا فنجي من نشاء ولايرد بأسنا عن القوم المجرمين(110))

آية بلاخلاف.

قرأ " كذبوا " خفيفة بضم الكاف أهل الكوفة. الباقون مشددة بضم الكاف.

وقرأعاصم وابن عامر " فنجي من نشاء " بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء.

الباقون بنونين على الاستقبال، وهي في المصحف بنون واحدة.

من قرأ " كذبوا " خفيفة، فالمعنى إن الامم ظنت ان الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله اياهم واهلاك اعدائهم، ومثله قراء‌ة من قرأ، وان كان شاذا " كذبوا " يعنى ان قومهم ظنوا ان الرسل كذبت فيما أخبرت به، وهوقول ابن عباس وابن مسعود وسعيدبن جبير ومجاهد وابن زيد والضحاك.

ومن قرأ بالتشديد حمل الظن على العلم، والمعنى أيقن الرسل ان الامم كذبوهم تكذيبا عمهم حتى لايفلح احدمنهم، وهوقول الحسن وقتادة وعائشة قال الشاعر:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج *** سراتهم في الفارسي المسرد(1)

معناه ايقنوا، فان قيل على الوجه الاول كيف يجوز ان يحمل الضمير على انه للمرسل اليهم والذين تقدم ذكرهم الرسل دون المرسل اليهم، قيل ان ذلك

___________________________________

(1) مر هذا البيت في 1: 205، 2: 296، 4: 373 وقد روي (المشدد) بدل (المسرد).

[208]

لايمتنع لان ذكر الرسل يدل على المرسل اليهم وقد قال الشاعر:

امنك البرق ارقبه فهاجا *** فبت أخاله دهما خلاجا(1)

اي بت اخال الرعد صوت دهم، فاضمر الرعد ولم يجرله ذكر لدلالة البرق عليه وان قلت قد جرى لهم ذكر في قوله " افلم يسيروا في الارض فينظروا " فيكون الضمير للذين من قبلهم من مكذبي الرسل كان جيدا، ذكره ابوعلي.

ومن قرأ " فننجي " بنونين، فعلى انه حكاية حال، لان القصة كانت فيما مضى، فانما حكى فعل الحال على ماكانت، كماقال " وإن ربك ليحكم بينهم "(2) حكاية الحال الكائنة، ومثله " وكلبهم باسط ذراعيه "(3) فلو لم يكن على الحال لم يعمل اسم الفاعل، لانه إذا مضى اختص، وصار معهودا، فخرج بذلك من شبه الفعل.

واما النون الثانية من (ننجي) فهم مخفاة مع الجيم، وكذلك النون مع جميع حروف الفم، لاتكون الا مخفاة، قال ابوعثمان المازني وتبيينها معها لحن.

قال وللنون مع الحروف ثلاثة احوال: الادغام، والاخفاء، والبيان، فهي تدغم مع ما يقارنها كما تدغم سائر المتقارنة.

والاخفاء فيها مع حروف الفم التي لاتقارنها والبيان منها مع حروف الحلق، وحذف النون الثانية من الخط يشبه ان يكون لكراهة اجتماع المثلين فيه.

ومن ذهب إلى ان الثانية مدغمة في الجيم، فقد غلط، لانها ليست بمثل للجيم، ولامقارنة له.

ووجه قراء‌ة عاصم انه اتى به على لفط الماضي، لان القصة ما ضية.

وما رواه هبيرة عن عاصم بنونين، وفتح الياء، فهو غلط من الراوي، كما قال ابن مجاهد، وروى نصر بن علي عن أبيه عن ابي عمرو " فنجي " بنون واحدة ساكنة الياء خفيفة الجيم، فهذا غلط، لانا قد بينا ان النون، لا تدغم في الجيم، لما بيناه.

___________________________________

(1) قائله ابوذؤيب الهذلي، ديوان الهذليين 1: 164، واللسان (دهم) وامالي السيد المرتضى 1: 616.

(2) سورة النحل آية 124.

(3) سورة الكهف آية 18

[209]

اخبر الله تعالى ان الرسل لما يئسوا من فلاح القوم وعلموا ان القوم لقوهم بالتكذيب ونسبوهم إلى الكذب، لان التكذيب نسبة القائل إلى الكذب، وضده التصديق والاستيئاس واليأس انقطاع الطمع " جاء‌هم نصرنا " اي أتاهم نصر الله باهلاك من كذبهم ولايرد بأسنا فالبأس شدة الامر على النفس يقال له بأس في الحرب والبئيس الشجاع لشدة أمره.

ومنه البؤس الفقر والبائس الفقير " عن القوم المجرمين " يعني المخطئين الذين اقترفوا السيآت.

قوله تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لاولى الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون(111))

آية بلا خلاف.

أخبر الله تعالى ان في قصص الامم الماضين التي ذكرها دلالة لذوي العقول على تصديق الرسل وان ما أخبرناك به لم يكن حديثا كذبا. والحديث الاخبار عن حوادث الزمان وتسميته بأنه حديث يدل على انه حادث، لان القديم لايكون حديثا، والافتراء القطع بالمعنى على خلاف ما هو به وأصله القطع من قولهم قريت الاديم فريا إذا قطعته، ووجه الاعتبار بتلك القصص ان الذي قدر على إعزاز يوسف بعد القائه في الجب واعلائه بعد حبسه في السجن وتمليكه مصر بعد ان كان كبعض أهلها في حكم العبيد وجمعه بينه وبين والديه وإخوته على ما أحبوا بعد مدة طويلة وشقة بعيدة لقادر ان يعز محمد صلى الله عليه وسلم، ويعلي كلمته وينصره على من عاداه.

وقوله " ولكن تصديق الذي بين يديه " معناه تصديق الكتب التي قبله من التوارة، والانجيل وغيرهما من كتب الله في قول الحسن وقتادة. وانما قيل لما

[210]

قبله: بين يديه، لانه قد وجد فكأنه حاضر له، وقيل بين يديه، لانه قريب منه كقرب ما كان بين يدي الانسان. وإنما قال " وتفصيل كل شئ " على وجه المبالغة من حيث كان فيه تفصيل كل شئ يحتاج اليه في أمور الدين من الحلال والحرام والحجاج والاعتبار والوعظ والازجار، أما جملة او تفصيلا.

و " هدى ورحمة " فالهداية الدلالة " لقوم يؤمنون " اي يصدقون بها وينتفعون بالنظر فيها وخص المؤمنين بالهداية وإن كانت هداية لغيرهم من حيث انهم انتفعوا هم بها دون غيرهم، ونصب تصديق على تقدير، ولكن كان تصديق الذي باضمار كان على قول الزجاج.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338784

  • التاريخ : 29/03/2024 - 11:51

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net