00989338131045
 
 
 
 
 
 

  سورة الصافات 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء الثامن )   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

37 - سورة الصافات

مكية في قول مجاهد وقتادة والحسن وهي مئة واثنان وثمانون آية في المدنيين وإحدى وثمانون في البصري وليس فيها ناسخ ومنسوخ.

الآية: 1 - 60

بسم الله الرحمن الرحيم

(والصافات صفا(1) فالزاجرات زجرا(2) فالتاليات ذكرا(3) إن إلهكم لواحد(4) رب السموات والارض وما بينهما ورب المشارق(5) إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب(6) وحفظا من كل شيطان مارد(7) لا يسمعون إلى الملاء الاعلى ويقذفون من كل جانب(8) دحورا ولهم عذاب واصب(9) إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب(10))

عشر آيات بلا خلاف.

ادغم ابوعمرو - إذا أدرج - التاء في الصاد، والتاء في الزاي، والتاء في الذال في قوله * (والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا) * لقرب

[481]

مخرجهما إذا كانا من كلمتين، وافقه حمزة في جميع ذلك. الباقون بالاظهار لان قبل التاء حرفا ساكنا، وهو الالف، لان مخارجها متغايرة.

وقرأ ابن كثير ونافع وابوعمرو وابن عامر * (بزينة الكواكب) * ولذلك كان يجوز أن يقرأ برفع الكواكب غير أنه لم يقرأ به أحد، ولو قرئ به لجاز.

وقرأ ابوبكر عن عاصم * (بزينة) * منونا * (الكواكب) * نصبا على معنى تزييننا الكواكب. الباقون * (بزينة) * منونا * (الكواكب) * خفضا على البدل، وهو بدل الشئ من غيره، وهو بعينه، لان الزينة هي الكواكب، وهو بدل المعرفة من النكرة، ومثله قوله * (لنسفعا بالناصية ناصية) *(1) فابدل النكرة من المعرفة.

وقرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص عن عاصم * (لا يسمعون) * بالتشديد، وأصله لا يتسمعون، فأدغم التاء في السين. الباقون بالتخفيف لان معنى سمعت إلى فلان وتسمعت إلى فلان واحد. وإنما يقولون تسمعت فلانا بمعنى أدركت كلامه بغير (إلى). ومن شدد كرر، لئلا يشتبه.

قال ابن عباس: كانوا لا يتسمعون ولا يسمعون. هذه اقسام من الله تعالى بالاشياء التي ذكرها، وقد بينا أن له تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لخلقه أن يحلفوا إلا بالله. وقيل إنما جاز أن يقسم تعالى بهذه الاشياء، لانها تنبئ عن تعظيمه بما فيها من القدرة الدالة على ربها.

وقال قوم: التقدير: ورب الصافات، وحذف لما ثبت من أن التعظيم بالقسم لله. وجواب القسم قوله * (إن الهكم لواحد) * وقال مسروق وقتادة والسدي: إن الصافات هم الملائكة مصطفون في السماء يسبحون الله.

___________________________________

(1) سورة 96 العلق آية 15

[482]

وقيل: صفوف الملائكة في صلاتهم عند ربهم - ذكره الحسن - وقيل: هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله بما يريد، كما قال * (وإنا لنحن الصافون) *(1) وقال ابوعبيدة: كل شئ من السماء والارض لم يضم قطريه فهو صاف، ومنه قوله * (والطير صافات) *(2) إذا نشرت أجنحتها، والصافات جمع الجمع، لانه جمع صافة.

وقوله * (فالزاجرات زجرا) * قال السدي ومجاهد: هم الملائكة يزجرون الخلق عن المعاصي زجرا يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد، كما يوصل مفهوم اغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصح التكليف، وقيل: إنها تزجر السحاب في سوقها.

وقال قتادة: * (الزاجرات زجرا) * آيات القرآن تزجر عن معاصي الله تعالى، والزجر الصرف عن الشئ لخوف الذم والعقاب، وقد يكون الصرف عن الشئ بالذم فقط على معنى انه من فعله استحق الذم.

وقوله * (فالتاليات ذكرا) * قيل فيه ثلاثة اقوال: احدها - قال مجاهد والسدي: هم الملائكة تقرأ كتب الله.

وقال قتادة: هو ما يتلى في القرآن.

وقال قوم: يجوز أن يكون جماعة الذين يتلون القرآن.

وإنما قال * (فالتاليات ذكرا) * ولم يقل تلوا، كما قال * (فالزاجرات زجرا) * لان التالي قد يكون بمعنى التابع تقول: تلوت فلانا إذا تبعته بمعنى جئت بعده، ومنه قوله * (والقمر إذا تلاها) *(3) فلما كان مشتركا، بينه بما يزيل الابهام، وكل هذه اقسام على أن الآله الذي يستحق العبادة واحد لا شريك له.

___________________________________

(1) آية 165 من هذا السورة.

(2) سورة 24 النور آية 41.

(3) سورة 91 الشمس آية 2

[483]

وقوله * (رب السموات والارض وما بينهما ورب المشارق) * معناه إن إلهكم الذي يستحق العبادة واحد وهو الذي خلق السموات والارض وما بينهما من سائر الاجناس من الحيوان والنبات والجماد * (ورب المشارق) * ومعناه ويملك التصرف فيها، والمشارق هي مشارق الشمس، وهي مطالعها بعدد ايام السنة ثلاثمائة وستون مشرقا وثلاثمائة وستون مغربا، ذكره السدي.

ثم اخبر تعالى عن نفسه، فقال * (إنا زينا السماء الدنيا) * والتزبين التحسين للشئ وجعله صورة تميل اليها النفس، فالله تعالى زين السماء الدنيا على وجه يمتع الرائي لها، وفي ذلك النعمة على العباد مع ما لهم فيها من المنفعة بالفكر فيها والاستدلال على صانعها. والكواكب هي النجوم كالبدر والسماء بها زينة قال النابغة.

بانك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبق منهن كوكب

وقوله * (وحفظا من كل شيطان مارد) * معناه وحفظناها حفظا. والحفظ المنع من ذهاب الشئ، ومنه حفظ القرآن بالدرس المانع من ذهابه. والمارد الخارج إلى الفساد العظيم، وهو وصف للشياطين وهم المردة، واصله الانجراد، ومنه الامرد، والمارد المتجرد من الخير، وقوله * (لا يسمعون) * من شدد أراد لا يتسمعون وأدغم التاء في السين، ومن خفف أراد ايضا لا يتسمعون في المعنى * (إلى الملا الاعلى) * يعني الملائكة الذين هم في السماء وقوله * (ويقذفون من كل جانب) * معناه يرمون بالشهب من كل جانب إذا ارادوا الصعود إلى السماء للاستماع * (دحورا) * أي دفعا لهم بعنف، يقال: دحرته دحرا ودحورا، وانما جاز أن يريدوا استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون، وانهم يحرقون بالشهب، لانهم تارة يسلمون إذا لم يكن من

[484]

الملائكة هناك شئ لا يجوز أن يقفوا عليه، وتارة يهلكون كراكب البحر في وقت يطمع في السلامة.

وقوله * (ولهم عذاب واصب) * قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: معناه إن لهم مع ذلك ايضا عذابا دائما يوم القيامة، ومنه قوله تعالى * (وله الدين واصبا) *(1) أي دائما قال ابوالاسود:

لا ابتغي الحمد القليل بقاؤه * يوما بذم الدهر اجمع واصبا(2)

اي دائما.

وقوله * (إلا من خطف الخطفة) * لما اخبر الله تعالى أن الشياطين لا يستمعون إلى الملا الاعلى ولا يصغون اليهم أخبر انهم متى راموا رموا من كل جانب دفعا لهم على اشد الوجوه.

ثم قال * (إلا من خطف الخطفة) * أي استلب السماع استلابا، والخطفة الاستلاب بسرعة، فمتى فعل أحدهم ذلك * (اتبعه شهاب ثاقب) * قال قتادة: والشهاب كالعمود من نار، وثاقب مضى كأنه يثقب بضوئه يقال أثقب نارك واستثقبت النار إذا استوقدت وأضاء‌ت، ومنه قولهم: حسب ثاقب أي مضى شريف، قال ابوالاسود:

أذاع به في الناس حتى كأنه * بعلياء نار اوقدت بثقوب(3)

أي بحيث يضئ ويعلو.

___________________________________

(1) سورة 16 النحل آية 52.

(2) مر في 6 / 390.

(3) مجاز القرآن 1 / 133 و 2 / 167

[485]

قوله تعالى: (فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب(11) بل عجبت ويسخرون(12) وإذا ذكروا لا يذكرون(13) وإذا رأوا آية يستسخرون(4) وقالوا إن هذا إلا سحر مبين(15) أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون(16) أو آباؤنا الاولون(17) قل نعم وأنتم داخرون(18) فانما هي زجرة واحدة فاذا هم ينظرون(19) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين(20))

عشر آيات بلا خلاف.

قرأ اهل الكوفة إلا عاصما * (بل عجبت) * بضم التاء. الباقون بفتحها.

قال ابوعلي: من فتح التاء أراد: بل عجبت يا محمد من إنكارهم البعث او من نزول الوحي على قلبك وهم يسخرون، ومن ضم قال: معناه إن إنكار البعث مع بيان القدرة على الابتداء وظهور ذلك من غير استدلال عجيب عندك.

وقال قوم: إن ذلك اخبار من الله عن نفسه بأنه عجيب، وذلك كما قال * (وإن تعجب فعجب قولهم) *(1). وهذا غير صحيح، لان الله تعالى عالم بالاشياء كلها على تفاصيلها، وإنما يعجب من خفي عليه اسباب الاشياء، وقوله * (فعجب قولهم) * معناه عندكم.

وقرأ ابن عامر * (إذا) * على الخبر. الباقون على الاستفهام على أصولهم في التحقيق والتخفيف والفصل وقرأ * (إنا) * على الخبر اهل المدينة والكسائي ويعقوب.

وقرأ الباقون بهمزتين على أصولهم في التحقيق والتليين والفصل. وقرأ اهل المدينة وابن

___________________________________

(1) سورة 13 الرعد آية 5

[486]

عامر * (او آباؤنا) * بسكون الواو - هنا وفي الواقعة - إلا أن ورشا على اصله في إلقاء حركة الهمزة على الواو. الباقون بفتح الواو. وهذا خطاب من الله تعالى لنبيه يأمره بأن يستفتي هؤلاء الكفار وهو أن يسألهم أن يحكموا بما تقتضيه عقولهم، ويعدلوا عن الهوى واتباعه، فالاستفتاء طلب الحكم * (أهم اشد خلقا ام من خلقنا) * يعني من قبلهم من الامم الماضية والقرون الخالية، فانه تعالى قد أهلك الامم الماضية الذين هم اشد خلقا منهم لكفرهم، ولهم مثل ذلك إن أقاموا على الكفر.

وقيل: المعنى أهم اشد خلقا منهم بكفرهم، وهم مثل ذلك أم من خلقنا من الملائكة والسموات والارضين، فقال: أم من خلقنا، لان الملائكة تعقل، فغلب ذلك على مالا يعقل من السموات، والشدة قوة الفتل وهو بخلاف القدرة والقوة. وكل شدة قوة، وليس كل قوة شدة، واشد خلقا ما كان فيه قوة يمنع بها فتله إلى المراد به. ثم اخبر تعالى انه خلقهم من طين لازب. والمراد انه خلق آدم من طين، وإن هؤلاء نسله وذريته، فكأنهم خلقوا من طين، ومعنى * (لازب) * لازم فأبدلت الميم باء، لانها من مخرجها، يقولون: طين لازب وطين لازم قال النابغة:

ولا يحسبون الخير لا شر بعده * ولا يحسبون الشر ضربة لازب(1)

وبعض بني عقيل يبدلون من الزاي تاء.

فيقولون: لاتب، ويقولون: لزب، ولتب، ويقال: لزب يلزب لزوبا.

وقال ابن عباس: اللازب الملتصق من الطين الحر الجيد.

وقال قتادة: هو الذي يلزق باليد.

وقال مجاهد: معناه لازق: وقيل:

___________________________________

(1) مجاز القرآن 2 / 167 القرطبى 15 / 69

[487]

معناه من طين علك خلق آدم منه ونسب ولده اليه.

وقوله * (بل عجبت ويسخرون) * فمن ضم التاء اراد أن النبي صلى الله عليه واله أمره الله أن يخبر عن نفسه انه عجب من هذا القرآن حين أعطيه، وسخر منه أهل الضلالة.

قال المبرد: وتقديره قل بل عجبت. ومن فتح التاء أراد ان الله تعالى خاطبه بذلك. والعجب تغير النفس بما خفي فيه السبب في: ما لم تجر به العادة، يقال: عجب يعجب عجبا وتعجب تعجبا.

والمعنى في الضم على ما روي عن علي عليه السلام وابن مسعود ليس على انه بعجيب كما يعجب، لان الله تعالى عالم بالاشياء على حقائقها، وإنما المعنى انه يجازي على العجب كما قال * (فيسخرون منهم سخر الله منهم) *(1) (ومكروا ومكر الله) *(2) ويجوز أن يكون المعنى قد حلوا محل من يعجب منهم. والفتح على عجب النبي صلى الله عليه واله * (ويسخرون) * معناه يهزؤن بدعائك إياهم إلى الله. والنظر في دلائله وآياته.

* (وإذا ذكروا) * بآيات الله وحججه وخوفوا بها * (لا يذكرون) * أي لا يتفكرون، ولا ينتفعون بها * (وإذا رأوا آية) * من آيات الله تعالى * (يستسخرون) * أي يسخرون وهما لغتان.

وقيل: معناه يطلب بعضهم من بعض أن يسخروا ويهزؤا بآيات الله، فيقولون ليس هذا الذي تدعونا اليه من القرآن وتدعيه أنه من عند الله * (إلا سحر مبين) * أي ظاهر بين. وحكى انهم يقولون ايضا * (آئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) * بعد ذلك ومحشورون ومجازون؟ ! * (او آباؤنا الاولون) * الذين تقدمونا بهاه الصفة، واللفظ لفظ الاستفهام والمراد بذلك التهزي والاستبعاد لان يكون هذا حقيقة وصحيحا.

___________________________________

(1) سورة 9 التوبة آية 80.

(2) سورة 3 آل عمران آية 54

[488]

فمن فتح الواو فلانها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله * (قل) * لهم * (نعم) * الامر على ذلك، فانكم تحشرون وتسألون وتجازون على اعمالكم من الطاعات بالجنة والثواب، وعلى المعاصي بالنار والعقاب فيها * (وانتم داخرون) * أي صاغرون أذلاء - وهو قول الحسن وقتادة والسدي - وقيل: الداخر الصاغر الذليل اشد الصغر والصاغر الذليل لصغر قدره.

ثم قال ايضا وقل لهم * (فانما هي زجرة واحدة) * فقال الحسن: يعني النفخة الثانية. والزجرة الصرفة عن الشئ بالمخافة، فكأنهم زجروا عن الحال التي هم عليها إلى المصير إلى الموقف للجزاء والحساب * (فاذا هم ينظرون) * أي يشاهدون ذلك ويرونه.

وقيل: معناه فاذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه، ويقولون معترفين على نفوسهم بالعصيان * (يا ويلنا هذا يوم الدين) * اي يوم الجزاء والحساب.

و (الويل) كلمة يقولها القائل إذا وقع في الهلكة، ومثله يا ويلنى، ويا حسرتى، ويا عجبا.

وقال الزجاج: والمعنى في جميع ذلك ان هذه الاشياء حسن نداؤها على وجه التنبيه والتعظيم على عظم الحال، والمعني يا عجب اقبل ويا حسرة اقبلي فانه من اوانك واوقاتك، ومثله قوله * (يا ويلتى الد وانا عجوز) *(1) وقوله * (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) *(2).

___________________________________

(1) سورة 11 هود آية 72.

(2) سورة 39 الزمر آية 56

[489]

قوله تعالى: (هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون(21) أحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون(22) من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم(23) وقفوهم إنهم مسؤلون(24) ما لكم لا تناصرون(25) بل هم اليوم مستسلمون(26) وأقبل بعضهم على بعض يتساء‌لون(27) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين(28) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين(29) وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين(30))

عشر آيات في الكوفي والمدنيين عدوا قوله * (وما كانوا يعبدون) * رأس آية. والبصريون لم يعدوها، فهي عندهم تسع آيات.

لما اخبر الله تعالى عن الكفار انهم إذا حشروا وشاهدوا القيامة وقالوا * (يا ويلنا هذا يوم الدين) * يعني الجزاء حكى ما يقول الله لهم فانه تعالى يقول لهم * (هذا يوم الفصل) * بين الخلائق والحكم وتميز الحق من الباطل على وجه يظهر لجميعهم الحال فيه. وانه تعالى يدخل المطيعين الجنة على وجه الاكرام والاعظام، ويدخل العصاة النار على وجه الاهانة والاذلال * (هذا هو يوم الفصل) * وهو اليوم * (الذي كنتم) * معاشر الكفار * (به تكذبون) * وتجحدونه وتقابلون من اخبر عنه بالتكذيب وتنسبونه إلى ضد الصدق ثم حكى ما يقول الله للملائكة المتولين لسوق الكفار إلى النار، فانه

[490]

يقول لهم " أحشروا الذين ظلموا " انفسهم بارتكاب المعاصي بمعنى اجمعوهم من كل جهة، فالكفار يحشرون من قبورهم إلى أرض الموقف للجزاء والحساب، ثم يساق الظالمون مع ما كانوا يعبدون من الاوثان والطواغيت إلى النار وكذلك أزواجهم الذين كانوا على مثل حالهم من الكفر والضلال وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد: معنى " وازواجهم " اشباههم، وهو من قوله " وكنتم أزواجا ثلاثة "(1) أي اشكالا واشباها.

وقال قتادة: معناه وأشياعهم من الكفار. وقيل: من الاتباع.

وقال الحسن: يعني " وأزواجهم " المشركات.

وقيل: اتباعهم على الكفر من نسائهم.

وقوله " فاهدوهم إلى صراط الجحيم " إنما عبر عن ذلك بالهداية من حيث كان بدلا من الهداية إلى الجنة، كما قال " فبشرهم بعذاب اليم "(2) لهذه العلة من حيث ان البشارة بالعذاب الاليم وقعت لهم بدلا من البشارة بالنعيم، يقال: هديته الطريق أي دللته عليها وأهديت الهدية.

ثم حكى الله تعالى ما يقوله للملائكة الموكلين بهم فانه يقول لهم " وقفوهم " أي قفوا هؤلاء الكفار أي احبسوهم " انهم مسؤلون " عما كلفهم الله في الدنيا من عمل الطاعات واجتناب المعاصي هل فعلوا ما أمروا به أم لا؟ على وجه التقرير لهم والتبكيت دون الاستعلام، يقال: وقفت انا ووقفت الدابة بغير الف.

وبعض بني تميم يقولون: اوقفت الدابة والدار.

وزعم الكسائي انه سمع ما اوقفك ههنا، وانشد الفراء:

ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا * وإن نحن اومأنا إلى الناس اوقفوا

بالف.

ويقال لهم ايضا على وجه التبكيت " ما لكم " معاشر الكفار

___________________________________

(1) سورة 56 الواقعة آية 7.

(2) سورة 3 آل عمران آية 21

[491]

" لا تناصرون " بمعنى لا تتناصرون، ولذلك شدد بعضهم التاء، ومن لم يشدد حذف إحداهما، والمعنى لم لا يدفع بعضكم عن بعض ان قدرتم عليه.

ثم قال تعالى انهم لا يقدرون على التناصر والتدافع لكن " هم اليوم مستسلمون " ومعنا مسترسلون مستحدثون يقال: استسلم استسلاما إذا القي بيده غير منازع في ما يراد منه.

وقيل: معناه مسترسلون لما لا يستطيعون له دفعا ولا منه امتناعا.

وقوله " واقبل بعضهم على بعض يتساء‌لون " اخبار منه تعالى إن كل واحد من الكفار يقبل على صاحبه الذي اغواه على وجه التأنيب والتضعيف له يسأله لم غررتني؟ ويقول ذاك لم قبلت مني.

وقوله " قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين " حكاية ما يقول الكفار لمن قبلوا منهم إنكم: كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن والبركة، فلذلك اغتررنا بكم والعرب تتيمن بما جاء من جهة اليمين.

وقال الفراء: معناه إنكم كنتم تأتوننا من قبل اليمين، فتخدعوننا من اقوى الوجوه. واليمين القوة ومنه قوله " فراغ عليهم ضربا باليمين "(1) أي بالقوة ثم حكى ما يقول اولئك لهم في جواب ذلك: ليس الامر على ما قلتم بل لم تكونوا مصدقين بالله ولم يكن لنا عليكم في ترك الحق من سلطان ولا قدرة فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم فانه لازم لكم ولا حق بكم.

وقال قتادة: أقبل الانس على الجن يتساء‌لون بأن كنتم أنتم معاشر الكفار قوما طاغين أي باغين، تجاوزتم الحد إلى افحش الظلم، واصله تجاوز الحد في العظم ومنه قوله " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية "(2) وطغيانهم كفرهم بالله، لانهم تجاوزوا في ذلك الحد.

___________________________________

(1) آية 93 من هذه السورة.

(2) سورة 69 الحاقة آية 11

[492]

إلى أعظم المعاصي، وقال الزجاج: معنى لا تناصرون ما لكم غير متناصرين فهو نصب بانه حال.

قوله تعالى: (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون(31) فأغويناكم إنا كنا غاوين(32) فانهم يومئذ في العذاب مشتركون(33) إنا كذلك نفعل بالمجرمين(34) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون(35) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون(36) بل جاء بالحق وصدق المرسلين(37) إنكم لذائقوا العذاب الاليم(38) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون(39) إلا عباد الله المخلصين(40))

عشر آيات.

هذا تمام ما حكى الله عن المغاوين للكفار يوم القيامة بأنهم إذا قالوا لهم لم يكن لنا عليكم من سلطان، وإنما أنتم كنتم قوما طاغين، اخبروا أيضا وقالوا " فحق علينا " أي وجب علينا " قول ربنا " بأنا لا نؤمن، ونموت على الكفر او وجب علينا قول ربنا بالعذاب الذى يستحق على الكفر والاغواء " إنا لذائقون " العذاب يعني إنا ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق، ثم يعترفون على انفسهم بأنهم كانوا غاوين، أي دعوناكم إلى الغي وقيل: معناه خيبناكم طرق الرشاد فغوينا نحن ايضا وخيبنا، فالاغواء الدعاء

[493]

إلى الغي، والغي نقيض الرشد، وأصله الخيبة من قول الشاعر:

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما(1)

ويكون (أغوى) بمعنى خيب، ومنه قوله " رب بما أغويتني "(2) أي خيبتني. ثم اخبر تعالى انهم في ذلك اليوم مشتركون في العذاب، ومعنى اشتراكهم اجتماعهم في العذاب الذي هو يجمعهم.

ثم اخبر تعالى فقال إن مثل فعلنا بهؤلاء نفعل بجميع المجرمين، وبين أنه إنما فعل بهم ذلك، لانهم " كانوا إذا قيل لا إله " معبود يستحق العبادة " إلا الله يستكبرون " عن قبول ذلك، وطلبوا التكبر، وهذه لفظة ذم من حيث استكبروا عن قول الحق.

وحكى ما كانوا يقولون إذا دعوا إلى عبادة الله وحده فانهم كانوا " يقولون أإنا لتاركوا آلهتنا " ومعنى ذلك إنا نترك عبادة آلهتنا " لشاعر مجنون " يدعونا إلى خلافه، يعنون بذلك النبي صلى الله عليه واله يرمونه بالجنون تارة وبالشعر أخرى - وهو قول الحسن وقتادة - لفرط جهلهم حتى قالوا هذا القول الفاحش الذي يفضح قائله، لان المعلوم انه صلى الله عليه واله كان بخلاف هذا الوصف، والجنون آفة تغطي على العقل حتى يظهر التخليط في فعله، وأصله تغطية الشئ: جن عليه الليل إذا غطاه، ومنه المجن لانه يستر صاحبه، ومنه الجنان الروح، لانها مستورة بالبدن، ومنه الجنة لانها تحت الشجر.

ثم اخبر تعالى تكذيبا لهم بأن قال ليس الامر على ما قالوه " بل "

___________________________________

(1) مر في 2 / 312 و 4 / 391 و 5 / 548 و 6 / 336 و 7 / 136، 218 و 8 / 36.

(2) سورة 15 الحجر آية 39

[494]

النبي صلى الله عليه واله " جاء بالحق " من عند الله وهو ما يجب العمل به " وصدق " مع ذلك " المرسلين " جميع من أرسله الله قبله، ثم خاطب الكفار، فقال " إنكم لذائقوا العذاب الاليم " يعني المؤلم الموجع جزاء على تكذيبكم بآياتنا وليس " تجزون إلا " على قدر " ما كنتم تعملون " من المعاصي ثم استثنى من جملة المخاطبين " عباد الله المخلصين " وهم الذين أخلصوا العبادة لله واطاعوه في كل ما أمرهم به، فانهم لا يذوقون العذاب وإنما ينالون الثواب الجزيل.

قوله تعالى: (أولئك لهم رزق معلوم(41) فواكه وهم مكرمون(42) في جنات النعيم(43) على سرر متقابلين(44) يطاف عليهم بكأس من معين(45) بيضاء لذة للشاربين(46) لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون(47) وعندهم قاصرات الطرف عين(48) كأنهن بيض مكنون(49) فأقبل بعضهم على بعض يتساء‌لون(50))

عشر آيات.

قرأ حمزة والكسائي وخلف " ينزفون " بكسر الزاي على اسناد الفعل اليهم الباقون بفتح الزاي - على ما لم يسم فاعله - ومن فتح فانه مأخوذ من نزف الرجل، فهو منزوف ونزيف، إذا ذهب عقله بالسكر، وانزف فهو منزف به إذا فنيت خمره، ويقال أنزف أيضا إذا سكر لما استثنى الله تعالى من جملة من يعاقبهم من الكفار المخلصين الذين

[495]

أخلصوا عبادتهم لله وحده، بين ما اعد لهم من انواع الثواب، فقال " اولئك لهم رزق معلوم " يعني عطاء جعل لهم التصرف فيه وحكم لهم به في الاوقات المستأنفة في كل وقت شيئا معلوما مقدرا.

ثم فسر ذلك الرزق، فقال ذلك الرزق " فواكه " وهي جمع فاكهة وهي تكون رطبا ويابسا يتفكهون. بها وينتفعون بالتصرف فيها " وهم " مع ذلك " مكرمون " أي معظمون مبجلون، وضد الاكرام الاهانة وهي الانتقام وهم مع ذلك " في جنات النعيم " أي بساتين فيها انواع النعيم التي يتنعمون بها " على سرر " وهو جمع سرير " متقابلين " يستمتع بعضهم بالنظر إلى وجوه بعض " يطاف عليهم بكأس من معين " أي بكأس من خمر جارية في أنهار ظاهرة للعيون - في قول الحسن وقتادة والضحاك والسدي - والكأس اناء فيه شراب.

وقيل: لا يسمى كأسا إلا إذا كان فيه شراب وإلا فهو اناء.

وقوله " معين " يحتمل ان يكون (فعيلا) من العين، وهو الماء الشديد الجري من أمعن في الامر إذا اشتد دخوله فيه ويحتمل ان يكون وزله (مفعولا) من عين الماء لانه يجري ظاهرا للعين. ثم وصف الخمر الذي في الكأس، فقال " بيضاء " ووصفها بالبياض لانها تجري في انهار كاشرف الشراب. وهي خمر فيها اللذة والامتاع فترى بيضاء صافية في نهاية الرقة واللطافة مع النورية التي لها والشفافة، لانها على احسن منظر. مخبر.

وقال قوم: بيضاء صفة للكأس، وهي مؤنثة. واللذة نيل المشتهى بوجود ما يكون به صاحبه ملتذا. والشراب مأخوذ من الشرب.

وقوله " لا فيها غول " معناه لا يكون في ذلك الشراب غول أي فساد يلحق العقل خفيا، يقال: اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره، ومنه الغيلة

[496]

وهي القتل سرا.

وقال ابن عباس " لا فيها غول " معناه لا يكون فيها صداع ولا أذى، كما يكون في خمر الدنيا، وقال الشاعر:

وما زالت الكأس تغتالنا * ونذهب بالاول الاول(1)

هذا من الغيلة أي نصرع واحد بعد واحد " ولا هم عنها ينزفون " أي لا يسكرون والنزيف السكران، لانه ينزف عقله، قال الابرد الرياحي:

لعمري لئن انزفتم او ضحوتم * لبئس التداني كنتم آل ابحرا(2)

فالبيت يدل على ان أنزف لغة في نزف إذا سكر، لانه جعله في مقابلة الصحو.

ومن قرأ بالسكر فعلى معنى: إنهم لا ينزفون خمرهم أي لا يفنى عندهم.

وقوله " وعندهم قاصرات الطرف عين " معنى قاصرات الطرف تقصر طرفهن على أزواجهن - في قول الحسن وغيره - وقال بعضهم: معنى قاصرات راضيات من قولهم: اقتصرت على كذا، ومعنى " عين " الشديدة كبياض العين الشديدة سوادها - في قول الحسن - والعين النجل وهي الواسعة العين.

وقوله " كأنهن بيض مكنون " شبههن ببيض النعام يكن بالريش من الريح والغبار - في قول الحسن وابن زيد - وقال سعيد بن جبير والسدي: شبههن ببطن البيض قبل ان يقشر وقبل أن تمسه الايدي، والمكنون المصون يقال: كننت الشئ إذا صنته، واكننته إذا سترته من كل شئ قال الشاعر:

وهي زهراء مثل لؤلوة الغ‍ * واص ميزت من جوهر مكنون(3)

___________________________________

(1) مجاز القرآن 2 / 169.

(2) اللسان (نزف) وتفسير القرطبى 15 / 79 والطبرى 23 / 31 ومجاز القرآن 2 / 169.

(3) مجاز القران 2 / 170 وتفسير القرطبى 15 / 81 والطبري 23 / 34

[497]

ثم قال " فأقبل بعضهم على بعض يتساء‌لون " يعني ان اهل الجنة يقبل بعضهم على بعض يتساء‌لون عن احوالهم وما تفضل الله عليهم من انواع الكرامات.

قوله تعالى: (قال قائل منهم إني كان لي قرين(51) يقول أإنك لمن المصدقين(52) أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون(53) قال هل أنتم مطلعون(54) فاطلع فرآه في سواء الجحيم(55) قال تالله إن كدت لتردين(56) ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين(57) أفما نحن بميتين(58) إلا موتتنا الاولى وما نحن بمعذبين(59) إن هذا لهو الفوز العظيم(60))

عشر آيات

لما حكى الله تعالى أن اهل الجنة يقبل بعضهم على بعض يتساء‌لون عن اخبارهم وأحوالهم، ذكر أن قائلا منهم يقول " إني كان لي قرين " في دار الدنيا أي صاحب يختص بي إما من الانس - على ما قال ابن عباس - او من الجن - على ما قال مجاهد - " يقول " لي على وجه الانكار علي والتهجين لفعلي " ائنك لمن المصدقين " بيوم الدين بان الله يبعث الخلق بعد أن يصيروا ترابا وعظاما وانهم يحشرون بعد ذلك ويحاسبون ويجازون إن هذا لبعيد، فألف الاستفهام دخلت - ههنا - على وجه الانكار، وإنما دخلت ألف الاستفهام للانكار من حيث أنه لا جواب لقائله إلا ما يفتضح به، وهؤلاء

[498]

الكفار غلطوا في هذه الانكار وتوهموا أن من يقول في جواب ذلك نعم يأتي بقبيح من القول.

وقوله " أئنا لمدينون " معناه لمجزيون مشتق من قولهم: كما تدين تدان. أي كما تجزي تجزى، والدين الجزاء، والدين الحساب، ومنه الدين، لان جزاء‌ه القضاء، وقال ابن عباس: القرين الذي كان له شريكا من الناس.

وقال مجاهد: كان شيطانا.

ثم حكى انه يقال لهذا القائل على وجه العرض عليه " هل أنتم مطلعون " أي يؤمرون أن يروا مكان هذا القرين في النار، فيقول: نعم، فيقال له: اطلع في النار، فيطلع في الجحيم فيراه في سوائه أي وسطه - في قول ابن عباس والحسن وقتادة - وإنما قيل للوسط: سواء لاستوائه في مكانه بأن صار بدلا منه، وقد كثر حتى صار بمعنى غير، وروى حسين عن أبي عمرو " مطلعوني فاطلع " بكسر النون وقطع الالف، وهو شاذ، لان الاسم إذا أضيف حذفت منه النون، كقولك: مطلعي، وإنما يجوز في الفعل على حذف احدى النونين، وقد انشد الفراء على شذوذه قول الشاعر:

وما أدرى وظني كل ظن * أسلمني إلى قوم شراح(1)

يريد شراحل، وانشده المبرد (أأسلمني) وانشد الزجاج:

هم القائلون الخير والامر دونه * إذا ما خشوا من محدث الامر معظما(2)

وقيل: ان لاهل الجنة في توبيخ أهل النار لذة وسرورا.

وقال الحسن: الجنة في السماء والنارفي الارض، فلذلك صح منهم، الاطلاع.

ثم حكى تعالى ما يقوله المؤمن إذا اطلع عليه ورآه في وسط الجحيم

___________________________________

(1) تفسير الطبري 23 / 36.

(2) تفسير القرطبي 15 / 83

[499]

فانه يقول " تالله إن كدت لتردين " ومعنى (تالله) القسم على وجه التعجب وإنما كان كذلك، لان التاء بدل من الواو في القسم على وجه النادر، ولذلك اختصت باسم الله ليدل على المعنى النادر.

وقوله " إن كدت لتردين " وهي التي في قوله " إن كل نفس لما عليها حافظ "(1) إلا أنها دخلت في هذا على (فعل) ومعنى " لتردين " لتهلكني كهلاك المتردي من شاهق، ومنه قوله " وما يغني عنه ماله إذا تردى "(2) في النار، وتقول ردي يردى إذا هلك وأرداه غيره إرداء إذا أهلكه ثم يقول " فلو لا نعمة ربي " علي ورحمته لي بأن لطف لي في ترك متابعتك والقبول منك " لكنت " أنا ايضا " من المحضرين " معك في النار فالاحضار الاتيان بالشئ إلى حضرة غيره، وقال الشاعر:

افي الطوف خفت علي الردى * وكم من رد أهله ولم يرم(3)

أي من هالك، وقوله " أفما نحن بميتين إلا موتتنا الاولى وما نحن بمعذبين " هذا تقريع لهم وتوبيخ، لان هذا الكافر كان يقول كثيرا ذلك في دار الدنيا، ومثله قول الشاعر:

قالت له ويضيق ضنك * لا تكثري لومي اخلي عنك

ومعناه إنها كانت تلومه على الانفاق، فكان يقول لا تكثري لومي فاطلقك فلما انفق عيرته بذلك ووبخته وحكت ما كان يقول عند توبيخها وعذلها.

وقال الجبائي: هذا يقوله المؤمن على وجه الاخبار بأنه لا يموت بعد هذا النعيم لكن الموتة الاولى قد مضت، فتلخيص معنى الآية قولان:

___________________________________

(1) سورة 86 الطارق آية 4.

(2) سورة 92 الليل آية 11.

(3) الطبرى 23 / 36

[500]

أحدهما - انه يقوله المؤمن على وجه السرور بنعم الله في أنه لا يموت ولا يعذب.

الثاني - أن المؤمن يقوله على وجه التوبيخ لقرينة بما كان ينكره.

وقوله " إن هذا لهو الفوز العظيم " إخبار منه تعالى بأن هذا الثواب الذي حصل له لهو الفلاح العظيم.

الآية: 61 - 122

قوله تعالى: (لمثل هذا فليعمل العاملون(61) أذ لك خير نزلا أم شجرة الزقوم(62) إنا جعلناها فتنة للظالمين(63) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم(64) طلعها كأنه رؤس الشياطين(65) فانهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون(66) ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم(67) ثم إن مرجعهم لالى الجحيم(68) إنهم ألفوا آباء‌هم ضالين(69) فهم على آثارهم يهرعون(70))

عشر آيات.

يقول الله تعالى في تمام الحكاية عن قول المؤمن للكافر " لمثل هذا " يعني لمثل ثواب الجنة ونعيمها " فليعمل العاملون " في دار التكليف، ويحسن من العامل أن يعمل العمل للثواب إذا أوقعه على الوجه الذي تدعو اليه الحكمة من وجوب او ندب، قال الرماني: ألا ترى أنه لو عمل القبيح ليثاب على ما تدعو اليه الحكمة لاستحق الثواب إذا خلص من الاحباط. وهذا الذي

[501]

ذكره غير صحيح، لان القبيح لا يجوز أن يستحق عليه الثواب على وجه وإن عرض في القبيح وجوه كثيرة من وجوه الحسن، فانه لا يعتد بها، فان علمنا في ما ظاهره القبيح أنه وقع على وجه يستحق فيه الثواب، علمنا انه خرج من كونه قبيحا. ومثال ذلك إظهار كلمة الكفر عند الاكراه عليها او الانكار لكون نبي بحضرته لمن يظلبه ليقتله فان هذا وإن كان كذبا في الظاهر فلابد أن يوري المظهر بما يخرجه عن كونه كاذبا، ومتى لم يحسن التورية منع الله من إكراهه عليه.

وفي الناس من يقول: يجب عليه الصبر على القتل، ولا يحسن منه الكذب، ومتى كان من يحسن التورية، ولم يور كان القول منه كذبا وقبيحا ولا يستحق به الثواب، فاما الاكراه على أخذ مال الغير وإدخال ضرر عليه دون القتل، متى كان قد علمنا بالشرع وجوب فعل ذلك عند الاكراه أو حسنه علمنا انه خرج بذلك عن كونه قبيحا وإن الله تعالى ضمن من العوض عليه ما يخرجه عن كونه قبيحا، كما تقول: في ذبح البهائم، ومتى لم يعلم بالشرع ذلك، فانه يقبح إدخال الضرر على الغير واخذ ماله، فأما إدخال الضرر على الغير ونفسه ببذل مال او تحمل خراج ليدفع بذلك عن نفسه ضررا أعظم منه، فانه يحسن، لانه وجه يقع على الاثم فيصير حسنا، وهذا باب احكمناه في كتاب الاصول. لا يحتمل هذا الموضع أكثر من هذا.

وقوله " أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم " إنما جاز ذلك مع انه لا خير في شجرة الزقوم لامرين: أحدهما - على الحذف بتقدير أسبب هذا الذي أدى اليه خير أم سبب أدى. لى النار، كأنهم قالوا هو فيه خير، لما عملوا ما أدى اليه. والنزل الفضل طعام له نزل، ونزل أي فضل وريع.

[502]

وقيل: معناه خير نزلا من الانزال التي تقيم الابدان وتبقى عليها الارواح و (الزقوم) قيل: هو ثمر شجرة منكرة جدا من قولهم يزقم هذا الطعام إذا تناوله على تكره ومشقة شديدة. وقيل: شجرة الزقوم ثمرة مرة خشنة منتنة الرائحة.

وقوله " إنا جعلناها فتنة لظالمين " معناه إنا جعلنا شجرة الزقوم محنة لشدة التعبد، وقال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال المشركون: النار تحرق الشجرة، وكيف تنبت هذه في النار، فكان ذلك تغليظا للمحنة، لانه يحتاج إلى الاستدلال على انه قادر لا يمتنع عليه أن يمنع النار من احراقها حتى تنبت الشجرة فيها. وقيل: معناه إنها عذاب للظالمين من قوله " يومهم على النار يفتنون "(1) أي يعذبون، وقيل: هو قول أبي جهل في التمر والزبد انه يتزقمه. روى أنه لما سمع هذه الآية دعا الكفار واحضر التمر والزبد وقال تعالوا نتزقم هذا بخلاف ما يهددنا به محمد.

ثم قال تعالى " إنها شجرة " يعني الزقوم " تخرج في أصل الجحيم " أي تنبت في قعر جهنم " طلعها كأنه رؤس الشياطين " قيل: في تشبيه ذلك برؤس الشياطين مع أن رؤس الشياطين لم ترقط ثلاثة أقوال: أحدها - ان قبح صورة الشياطين متصور في النفس ولذلك يقولون لشئ يستقبحونه جدا كأنه شيطان.

وقال امرؤ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب اغوال(2)

فشبه النصول بأنياب الاغوال، وهي لم تر، ويقولون: كأنه رأس شيطان وانقلب علي كأنه شيطان.

___________________________________

(1) سورة 51 الذاريات آية 13.

(2) ديوانه 162 وتفسير القرطبي 15 / 86

[503]

الثاني - انه شبه برأس حية يسميها العرب شيطانا، قال الراجز:

منجرد يحلف حين أحلف * كمثل شيطان الحماط أعرف(1)

الثالث - انه شبه بنبت معروف برؤس الشياطين.

وقيل: قد دل الله أنه يشوه خلق الشياطين في النار حتى لو رآهم راء من العباد لاستوحش منهم غاية الاستيحاش، فلذلك يشبه برؤسهم.

ثم أخبر تعالى أن اهل النار ليأكلون من تلك الشجرة ويملئون بطونهم منها لشدة ما يلحقهم من ألم الجوع، والملا الطرح في الوعاء مالا يحتمل الزيادة عليه، فهؤلاء حشيت بطونهم من الزقوم بمالا يحتمل زيادة عليه. ثم قال " إن لهم عليها " يعني الزيادة على شجرة الزقوم " لشوبا من حميم " فالشوب خلط الشئ بما ليس منه مما هو شر منه، ويقال هذا الطعام مشوب، وقد شابه شئ من الفساد، والحميم إذا شاب الزقوم اجتمعت المكاره فيه من المرارة والخشونة ونتن الرائحة، والحرارة المحرقة - نعوذ بالله منها - والحميم الحار الذي له من الاحراق المهلك أدناه قال الشاعر:

احم الله ذلك من لقاء * أحاد أحاد في الشهر الحلال(2)

أي ادناه وحمم ريش الفرخ إذا نبت، حتى يدنو من الطيران والمحموم المقترب من حال الاحراق.

وقال ابن عباس: يشربون الحميم المشروب من الزقوم أي قد شيب مع حرارته بما يشتد تكرهه. والحميم الصديق القريب أي الداني من القلب.

وقوله " ثم ان مرجعهم لالى الجحيم " معناه أنهم يردون بعد ذلك إلى النار الموقدة. وفي ذلك دلالة على أنهم في وقت ما يطعمون للزقوم

___________________________________

(1) تفسير القرطبى 15 / 87.

(2) اللسان (حمم)

[504]

بمعزل عنها، كما قال " يطوفون بينها وبين حميم آن "(1) ثم حكى تعالى ان هؤلاء الكفار " الفوا " يعني صادفوا " آباء‌هم ضالين " عن الطريق المستقيم الذي هو طريق الحق " فهم على آثارهم يهرعون " في الضلال أي يقلدونهم ويتبعونهم، قال ابوعبيدة: معنى يهرعون يستحثون من خلفهم.

وقيل: معناه يزعجون إلى الاسراع، هرع وأهرع لغتان.

قوله تعالى: (ولقد ضل قبلهم أكثر الاولين(71) ولقد أرسلنا فيهم منذرين(72) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين(73) إلا عباد الله المخلصين(74) ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون(75) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم(76) وجعلنا ذريته هم الباقين(77) وتركنا عليه في الآخرين(78) سلام على نوح في العالمين(79) إن كذلك نجزي المحسنين(80))

عشر آيات.

اقسم الله تعالى انه " لقد ضل قبلهم " قبل هؤلاء الكفار الذين هم في عصر النبي صلى الله عليه واله عن طريق الحق واتباع الهدى " أكثر الاولين " من كان قبلهم لان اللام في (لقد) هي لام القسم وتدخل على الجواب لقولك: والله لقد كان كذا، وقد تدخل للتأكيد. والضلال الذهاب عن الحق إلي طريق الباطل، تقول: ضل عن الحق يضل ضلالا. والاضلال قد يكون

___________________________________

(1) سورة 55 الرحمن آية 44

[505]

بمعنى الذم بالضلال والحكم عليه به، وقد يكون بمعنى الامر به والاغراء كقوله " وأضلهم السامري "(1). والاكثر هو الاعظم في العدد، والاول الكائن قبل غيره. وأول كل شئ هو الله تعالى، لان كل ما سواه فهو موجود بعده. ثم أقسم انه أرسل فيهم منذرين من الانبياء والرسل يخوفونهم بالله ويحذرونهم معاصيه.

ثم قال " فانظر " يا محمد " كيف كان عاقبة المنذرين " والتقدير ان الانبياء المرسلين لما خوفوا قومهم فعصوهم ولم يقبلوا منهم أهلكهم وأنزل عليهم العذاب، فانظر كيف كان عاقبتهم. ثم استثنى من المنذرين في الاهلاك عباده المخلصين الذين قبلوا من الانبياء، وأخلصوا عبادتهم لله تعالى، فان الله تعالى خلصهم من ذلك العذاب ووعدهم بالثواب. ثم أخبر ان نوحا نادى الله ودعاه واستنصره على قومه، وأنه تعالى أجابه، وانه - عزوجل نعم المجيب لمن دعاه وتقديره فلنعم المجيبون نحن له ولما أجابه نجاه وخلصه وأهله من الكرب العظيم، فالنجاة هي الرفع من الهلاك واصله الرفع، فمنه النجوة المرتفع من المكان ومنه النجا النجا كقولهم الوحا الوحا. والاستنجاء رفع الحدث. والكرب الحزن الثقيل على القلب، قال الشاعر:

عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراء‌ه فرج قريب(2)

والكرب تحرير الارض باصلاحها للزراعة. والكرب هو الذي يحمي قلب النخلة باحاطته بها وصيانته لها. والعظيم الذي يصغر مقدار غيره عنه. وقد

___________________________________

(1) سورة 20 طه آية 85.

(2) مر في 6 / 283

[506]

يكون التعظيم في الخير والعظم في الشر والعظم في النفس.

وقال السدي: معناه نجيناه وأهله من الغرق.

وقال غيره: بل نجاهم من الاذى والمكروه الذي كان ينزل بهم من قومه، لانه بذلك دعا ربه فأجابه.

وقيل: الذين نجوا مع نوح شيعته.

وقوله * (وجعلنا ذريته هم الباقين) * قال ابن عباس وقتادة: الناس كلهم من ذرية نوح بعد نوح.

وقال قوم: العجم والعرب أولاد سام بن نوح والترك والصقالبة والخزر أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام ابن نوح.

وقوله * (وتركنا عليه في الآخرين) * قيل في معناه قولان: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: * (وتركنا عليه في الآخرين) * يعني ذكرا جميلا، وأثنينا عليه في أمة محمد. ومعنى * (تركنا) * أبقينا، فحذف، فيكون * (سلام على نوح في العالمين) * من قول الله على غير جهة الحكاية. الثاني - قال الفراء: تركنا عليه قولا هو أن يقال في آخر الامم: سلام على نوح في العالمين.

ثم قال * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * كما فعلنا بنوح من الثناء الجميل، مثل ذلك نجزى من احسن أفعاله وتجنب المعاصي.

[507]

قوله تعالى: (إنه من عبادنا المؤمنين(81) ثم أغرقنا الآخرين(82) وإن من شيعته لابرهيم(83) إذ جاء ربه بقلب سليم(84) إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون(85) أئفكا آلهة دون الله تريدون(86) فما ظنكم برب العالمين(87) فنظر نظرة في النجوم(88) فقال إني سقيم(89) فتولوا عنه مدبرين(90))

عشر آيات.

هذا رجوع من الله تعالى إلى ذكر وصف نوح بأنه كان * (من عبادنا المؤمنين) * الذين يصدقون بتوحيد الله ووعده ووعيده وجميع أخباره. والعباد جمع عبد، وهو الذليل لملكه بالعبودية. والخلق كلهم عباد الله فمنهم عابد له ومنهم عابد لغيره تضييعا منهم لحق نعمه وجهلا بما يجب له عليهم. والمؤمن هو المصدق بجميع ما اوجب الله عليه او ندبه اليه.

وقال قوم: هو العامل بجميع ما أوجب الله عليه العامل بما يؤمنه من العقاب. ثم اخبر تعالى انه أغرق الباقين من قوم نوح بعد إخلاصه نوحا وأهله المؤمنين.

ثم قال * (وإن من شيعته لابراهيم) * فالشيعة الجماعة التابعة لرئيس لهم، وصاروا بالعرف عبارة عن شيعة علي عليه السلام الذين معه على اعدائه. وقيل من شيعة نوح إبراهيم يعني إنه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق.

وقال الفراء: معناه وإن من شيعة محمد صلى الله عليه واله لابراهيم، كما قال * (أنا حملنا ذريتهم) *(1) أي ذرية من هو أب لهم، فجعلهم ذرية لهم وقد سبقوهم، وقال الحسن: معناه على دينه وشريعته ومنهاجه، قال الرماني: هذا لا يجوز، لانه لم يجر لمحمد ذكر، فهو ترك الظاهر، وقد روي عن اهل

___________________________________

(1) سورة 36 يس آية 41

[508]

البيت عليهم السلام إن من شيعته علي لابراهيم.

وهذا جائز إن صح الخبر المروي في هذا الباب، لان الكناية عمن لم يجر له ذكر جائزة إذا اقترن بذلك دليل، كما قال * (حتى توارث بالحجاب) *(1) ولم يجر للشمس ذكر ويكون المعنى انه على منهاجه وطريقته في اتباع الحق والعدول عن الباطل، وكان ابراهيم وعلي عليهما السلام بهذه المنزلة.

وقوله * (إذ جاء ربه بقلب سليم) * معناه حين جاء إلى الموضع الذي أمره الله بالرجوع اليه بقلب سليم عن الشرك برئ من المعاصي في الوقت الذي قال لابيه وقومه حين رآهم يعبدون الاصنام من دون الله على وجه التهجين لفعلهم والتقريع لهم * (ماذا تعبدون) * أي اي شئ تعبدون من هذه الاصنام التي لا تنفع ولا تضر، وقال لهم * (أئفكا آلهة دون الله تريدون) * فالافك هو اشنع الكذب وأفظعه، والافك قلب الشئ عن جهته التي هي له، فلذلك كان الافك كذبا، وإنما جمع الآلهة مع أنه لا إله إلا إله واحد. على اعتقادهم في الالهية. وإن كان توهمهم فاسدا، لما اعتقدوا أنها تستحق العبادة، وكان المشركون قد اوغروا باتخاذ الآلهة إلى ان جاء دين الاسلام وبين الحق فيه وعظم الزجر.

وقوله * (دون الله تريدون) * معناه إنكم أتربدون عبادة آلهة دون عبادة الله، فخذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه، كما قال * (واسأل القرية) *(2) أي أهلها، لان الارادة لا تتعلق إلا بما يصح حدوثه. وهذه الاجسام ليست مما يحدث، فلا يصح إرادتها.

وقوله * (فما ظنكم برب العالمين) * قيل: معناه أي شئ ظنكم به أسوء

___________________________________

(1) سورة 38 ص آية 32.

(2) سورة 12 يوسف آية 82

[509]

ظن؟ ! وقيل معنى * (فنظر نظرة في النجوم) * أي انه استدل بها على وقت حمى كانت تعتاده * (فقال أني سقيم) * ومن أشرف على شئ جاز أن يقال انه فيه، كما قال تعالى * (إنك ميت وإنهم ميتون) *(1) ولم يكن نظره في النجوم على حسب المنجمين طلبا للاحكام، لان ذلك فاسد، ومثله قول الشاعر:

اسهري ما سهرت أم حكيم * واقعدي مرة لذاك وقومي

وافتحي الباب فانظري في النجوم * كم علينا من قطع ليل بهيم

وقال الزجاج نظره في النجوم كنظرهم، لانهم كانوا يتعاطون علم النجوم فتوهموا هم أنه يقول مثل قولهم، فقال عند ذلك * (إني سقيم) * فتركوه ظنا منهم أن نجمه يدل على سقمه.

وقال ابومسلم: معناه إنه نظر فيها نظر مفكر فاستدل بها على أنها ليست آلهة له، كما قال تعالى في سورة الانعام * (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي....) * تمام الآيات(2) وكان هذا منه في زمان مهلة النظر.

وهذا الذي ذكره يمنع منه سياق الآية، لان الله تعالى حكى عن ابراهيم أنه * (جاء ربه بقلب سليم) * يعني سليم من الشرك، وذلك لا يليق بزمان مهلة النظر.

ثم أنه قال لقومه على وجه التقبيح لفعلهم * (ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون. فما ظنكم برب العالمين) * وهذا كلام عارف بالله مستبصر، وكيف يحمل على زمان مهلة النظر.

وقيل: في معنى قوله * (إني سقيم) * إني سقيم القلب مما أرى من أحوالكم القبيحة من عبادة غير الله وعدو لكم عن عبادته مع وضوح الادلة الدالة على توحيده واستحقاقه للعبادة منفردا بها. وقيل: إنه كان عرضت له علة في الحال، وكان صادقا في ذلك.

___________________________________

(1) سورة 39 المزمل آية 30.

(2) سورة 6 الانعام آية 76

[510]

وقيل: معناه إن عاقبتي الموت، ومن كان عاقبته الموت جاز أن يعبر عن حال حياته بأنه مريض.

وقيل: معناه إني سأسقم في المستقبل، وقيل: إنه أراد بقوله: سقيم مطعون، فلذلك تركوه خوفا من أن يتعدى اليهم الطاعون.

فأما من قال: إنه لم يكن سقيما وإنما كذب فيه ليتأخر عن الخروج معهم إلى عيدهم لتكسير أصنامهم وانه يجوز الكذب في المكيدة والتقية، فقوله باطل، لان الكذب قبيح لا يحسن على وجه.

فأما ما يرونه من أن النبي صلى الله عليه واله قال (ما كذب أبي إبراهيم الا ثلاث كذبات يحاجز بها عن ربه: قوله إني سقيم ولم يكن كذلك، وقوله * (بل فعله كبيرهم هذا) * وقوله في سارة انها أختى وكانت زوجته) *. فأول ما فيه أنه خبر واحد لا يعول عليه. والنبي صلى الله عليه واله أعرف بما يجوز على الانبياء ومالا يجوز من كل واحد، وقد دلت الادلة العقلية على أن الانبياء لا يجوز أن يكذبوا في ما يؤدونه عن الله من حيث أنه كان يؤدي إلى ان لا يوثق بشئ من اخبارهم وإلى أن لا ينزاح علة المكلفين، ولا في غير ما يؤدونه عن الله من حبث أن تجويز ذلك ينفر عن قبول قولهم، فاذا يجب ان يقطع على ان الخبر لا أصل له. ولو سلم لجاز أن يكون المعنى مع ظاهره مظاهر للكذب، وإن لم يكن في الحقيقة كذلك، لان قوله * (إني سقيم) * قد بينا الوجه فيه.

وقوله * (بل فعله كبيرهم) * بيناه في موضعه. وقوله في سارة إنها اختي معناه إنها اختي في الدين، وقد قال الله تعالى إنما المؤمنون أخوة، وإن لم يكونوا بني أب واحد.

[511]

وقوله * (فتولوا عنه مدبرين) * اخبار منه تعالى أنه حين قال لهم إني سقيم أعرضوا عنه وتركوه وخرجوا إلى عيدهم وهو متخلف عنهم.

قوله تعالى: (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون(91) مالكم لا تنطقون(92) فراغ عليهم ضربا باليمين(93) فأقبلوا إليه يزفون(94) قال أتعبدون ما تنحتون(95) والله خلقكم وما تعملون(96) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم(97) فأرادوا به كيدا فجعلناهم الاسفلين(98) وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين(99) رب هب لي من الصالحين(100) فبشرناه بغلام حليم(101))

احدى عشر آية.

قرأ حمزة والمفضل عن عاصم * (يزفون) * بضم الياء. الباقون بفتحها، وهما لغتان. وزففت اكثر. ويجوز أن يكون المراد زف الرجل في نفسه وأزف غيره، والتقدير فأقبلوا اليه يزفون أنفسهم.

قوله * (فراغ إلى آلهتهم) * معناه مال إليها بحدة، تقول: راغ يروغ روغا وروغانا مثل حاد يحيد حيدا وحيدانا، والرواغ الحياد، قال عدي ابن زيد: حين لا ينفع الرواغ ولا * ينفع إلا الصادق النحرير(1).

___________________________________

(1) تفسير الطبرى 23 / 41

[512]

وإنما مال اليها بحدة غضبا على عابديها، وقوله * (إلى آلهتهم) * معناه إلى ما يدعون أنها آلهتهم أي إلى ما اتخذوها آلهة لهم، كما تقول.

للمبطل: هات حجتك مع علمك انه لا حجة له.

وقوله * (فقال ألا تأكلون) * إنما جاز ان يخاطب الجماد بذلك تهجينا لعابديها وتنبيها على أن من لا يتكلم ولا يقدر على الجواب كيف تصح عبادتها، فاجراها مجرى من يفهم الكلام ويحسن ذكر الجواب استظهارا في الحجة وإيضاحا للبرهان، لكل من سمع ذلك ويبلغه.

وقوله * (مالكم لا تنطقون) * معناه تهجينا لعابديها كأنهم حاضرون بها.

وقوله * (فراغ عليهم ضربا باليمين) * قيل في معناه قولان: احدهما - انه مال عليهم بيده اليمنى، لانها اقوى على العمل من الشمال. الثاني - بالقسم ليكسرنها، لانه كان قال * (وتالله لاكيدن أصنامكم) *(1) وقال الفراء: اليمين القوة، ومنه قول الشاعر:

[ إذ ما راية رفعت لمجد ] * تلقاها عرابة باليمين(2)

أي بالقوة.

وقوله * (فاقبلوا اليه يزفون) * قال ابن زيد: معناه يسرعون.

وقال السدي: يمشون.

وقيل: يتسللون بحال بين المشي والعدو، ومنه زفت النعامة، وذلك أول عدوها، وهو بين العدو والمشي، وقال الفرزدق:

وجاء فزيع الشول قبل أوانها * تزف وجاء‌ت خلفه وهي زفف(3)

ومنه زففت العروس إلى زوجها، ومعنى يزفون يمشون على مهل، قال الفراء: لم أسمع إلا زففت، قال ولعل من قرأ بالضم اراد من قولهم طردت الرجل إذا أخسأته

___________________________________

(1) سورة 21 الانبياء آية 57.

(2) تفسير القرطبى 15 / 75.

(3) تفسير الطبري 23 / 42 والقرطبي 15 / 95

[513]

واطردته جعلته طريدا. وقرأ بعضهم (يزفون) يفتح الياء وتخفيف الفاء من (وزف، يزف) قال الكسائي والفراء: لا اعرف هذه إلا أن يكون احدهم سمعها.

فلما رآهم ابراهيم صلى الله عليه واله اقبلوا عليه قال لهم على وجه الانكار عليهم والتبكيت لهم بفعلهم * (اتعبدون ما تنحتون) * فالالف ألف الاستفهام ومعناها الانكار ووجه التوبيخ انه كيف يصح أن يعبد الانسان ما يعمله بيده ! فانهم كانوا ينحتون الاصنام بأيديهم، فكيف تصح عبادة من هذه حاله مضافا إلى كونها جمادا !. ثم نبهم فقال * (والله) * تعالى هو الذي * (خلقكم) * وخلق الذي * (تعملون) * فيه من الاصنام، لانها اجسام والله تعالى هو المحدث لها، وليس للمجبرة أن تتعلق بقوله * (والله خلقكم وما تعملون) * فتقول: ذلك يدل على ان الله خالق لافعالنا، لامور: احدها - ان موضوع كلام ابراهيم لهم بني على التقريع لهم لعبادتهم الاصنام، ولو كان ذلك من فعله تعالى لما توجه عليهم العيب، بل كان لهم ان يقولوا: لم توبخنا على عبادتنا للاصنام والله الفاعل لذلك، فكانت تكون الحجة لهم لا عليهم. الثاني - انه قال لهم * (اتعبدون ما تنحتون) * ونحن نعلم أنهم لم يكونوا يعبدون نحتهم الذي هو فعلهم، وإنما كانوا يعبدون الاصنام التي هي الاجسام وهي فعل الله بلا شك. فقال لهم * (والله خلقكم) * وخلق هذه الاجسام. ومثله قوله * (فاذا هي تلقف ما يأفكون) *(1) ومثله قوله * (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا) *(2) وعصا موسى لم تكن تلقف افكهم، وإنما كانت تتلقف الاجسام التي هي العصا والحبال.

___________________________________

(1) سورة 7 الاعراف آية 116.

(2) سورة 20 طه آية 69

[514]

ومنها ان (ما) في قوله * (وما تعملون) * لا يخلو من ان تكون بمعنى (الذي) او تقع مع بعدها بمنزلة المصدر، فان كانت بمعنى (الذي) ف‍ (تعملون) صلتها، ولابد لها من عائد يعود اليها، فليس لهم أن يقدروا فيها ضميرا لها ليصح ما قالوه، لان لنا أن نقدر ضميرا فيه فيصح ما نقوله، ويكون التقدير: وما يعملون فيه، والذي يعملون فيه هي الاجسام وإن كانت مصدرية فانه يكون تقديره: والله خلقكم وعملكم، ونفس العمل يعبر به عن المعمول فيه بل لا يفهم في العرف إلا ذلك، يقال فلان يعمل الخوص، وفلان يعمل السروج، وهذا الباب من عمل النجار، والخاتم من عمل الصانع، ويريدون بذلك كله ما يعملون فيه، فعلى هذا تكون الاوثان عملا لهم بما يحدثون فيها من النحت والنجر، على أنه تعالى اضاف العمل اليهم بقوله * (وما تعملون) * فكيف يكون ما هو مضاف اليهم مضافا إلى الله تعالى وهل يكون ذلك إلا متناقضا. ومنها أن الخلق في أصل اللغة هو التقدير للشئ وترتيبه، فعلى هذا لا يمتنع أن نقول: إن الله خالق افعالنا بمعنى أنه قدرها للثواب والعقاب، فلا تعلق للقوم على حال.

ثم حكى تعالى ما قال قوم ابراهيم بعضهم لبعض فانهم * (قالوا إبنوا له بنيانا) * قيل: انهم بنوا له شبه الحظيرة. وقيل مثل التنور وأججوا نارا ليلقوه فيها. والبناء وضع الشئ على غيره على وجه مخصوص، ويقال لمن رد الفرع إلى الاصل بناه عليه.

* (فالقوه في الجحيم) * بمعنى اطرحوه في النار التي اججوها له. والجحيم عند العرب النار التي تجتمع بعضها على بعض.

[515]

ثم اخبر تعالى ان كفار قوم ابراهيم انهم * (ارادوا به كيدا) * وحيلة وهو وما ارادوا من إحراقه بالنار * (فجعلناهم الاسفلين) * بأن اهلكهم الله ونجا ابراهيم وقيل منع الله - عزوجل - النار منه بل صرفها في خلاف جهته، فلما أشرفوا على ذلك علموا انهم لا طاقة لهم به.

ثم حكى ما قال ابراهيم حين ارادوا كيده، فانه قال * (إني ذاهب إلى ربي) * ومعناه إلي مرضات الله ربي بالمصير إلى المكان الذي أمرني ربي بالذهاب اليه. وقيل: إلى الارض المقدسة وقيل إلى ارض الشام. وقال قتادة: معناه * (إني ذاهب إلى ربي) * أي بعملي ونيتي، ومعنى * (سيهدين) * يعني يهديني في ما بعد إلى الطريق الذى امرني بالمصير اليه أو إلى الجنة بطاعتي إياه.

ثم دعا ابراهيم ربه فقال * (ربي هب لي من الصالحين) * يعني ولدا صالحا من الصالحين، كما تقول: اكلت من الطعام، وحذف لدلالة الكلام عليه، فأجابه الله تعالى إلى ذلك وبشره بغلام حليم اي حليما لا يعجل في الامور قبل وقتها، وفي ذلك بشارة له على بقاء الغلام حتى يصير حليما.

وقال قوم: المبشر به اسحاق وقال آخرون اسماعيل، ونذكر خلافهم في ذلك في ما بعد.

[516]

قوله تعالى: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين(102) فلما أسلما وتله للجبين(103) وناديناه أن يا إبراهيم(104) قد صدقت الرء‌يا إنا كذلك نجزي المحسنين(105) إن هذا لهو البلاؤا المبين(106) وفديناه بذبح عظيم(107) وتركنا عليه في الآخرين(108) سلام على إبراهيم(109) كذلك نجزي المحسنين(110) إنه من عبادنا المؤمنين(111))

عشر آيات.

قرأ اهل الكوفة إلا عاصما * (ماذا ترى) * بضم التاء وكسر الراء. الباقون بفتح التاء.

من ضم التاء اراد ماذا تشير، وقال الفراء: يجوز ان يكون المراد ماذا ترى من صبرك وجلدك، لانه لا يستشيره في أمر الله. واصله ترئي فنقلوا كسرة الهمزة إلى الراء، وحذفت الهمزة لسكونها وسكون الياء. ومن فتح جعله من الرأى والرؤية، لا من المشورة.

لما اخبر الله تعالى انه اجاب دعوة إبراهيم في طلب الولد وبشره بولد حليم اخبر ان من وعده به ولد له وكبر وترعرع، فلما بلغ مع ابيه السعي يعني في طاعة الله، قال الحسن سعى للعمل الذي تقوم به الحجة. وقال مجاهد: بلغ معه السعي. معناه أطاق ان يسعى معه ويعينه على أموره، وهو قول الفراء قال: وكان له ثلاث عشرة سنة، وقال ابن زيد: السعي في العبادة * (قال يا بني اني أرى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى) * وكان الله تعالى أوحى إلى ابراهيم في حال اليقظة، وتعبده أن يمضي ما يأمره في حال نومه من حيث ان منامات الانبياء لا تكون إلا صحيحة، ولو لم يأمره

[517]

به في اليقظة لما جاز أن يعمل على المنامات، أحب ان يعلم حال ابنه في صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته. فلذلك قال له ماذا ترى، وإلا فلا يجوز أن يوآمر في المضي في امر الله ابنه، لانه واجب على كل حال. ولا يمتنع ايضا أن يكون فعل ذلك بأمر الله ايضا، فوجده عند ذلك صابرا مسلما لامر الله.

* (وقال يا ابت افعل ما تؤمر) * اي ما امرت به * (ستجدني انشاء الله من الصابرين) * ممن يصبر على الشدائد في حب الله ويسلم أمره اليه * (فلما اسلما) * يعني ابراهيم وابنه اي استسلما لامر الله ورضيا به اخذ ابنه * (وتله للجبين) * معنى تله صرعه. والجبين ما عن يمين الجبهة او شمالها وللوجه جبينان الجبهة بينهما.

وقال الحسن: معنى وتله اضجعه للجبين. ومنه التل من التراب وجمعه تلول. والتليل العنق، لانه يتل له، * (وناديناه ان يا ابراهيم) * و (ناديناه) هو جواب (فلما) قال الفراء: العرب تدخل الواو في جواب (فلما) و (حتى) و (إذا) كما قال * (حتى إذا جاؤها فتحت ابوابها) *(1) وفي موضع آخر * (وفتحت) *(2) وفي قراء‌ة عبدالله * (فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية) *(3) وفي المصاحف (جعل) بلا واو وموضع ان نصب بوقوع النداء عليه وتقديره وناديناه بأن يا ابراهيم أي هذا الضرب من القول فلما حذف الباء نصب. وعند الخليل انه في موضع الجر * (قد صدقت الرؤيا) * ومعناه فعلت ما امرت به في الرؤيا واختلفوا في الذبيح.

فقال ابن عباس وعبدالله بن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد ابن المسيب والحسن في احدى الروايتين عنه والشعبي: انه كان اسماعيل وهو الظاهر في روايات اصحابنا ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها

___________________________________

(1، 2) سورة 39 الزمر آية 71، 73.

(3) سورة 12 يوسف آية 70

[518]

* (وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين) * فدل على ان الذبيح كان اسماعيل.

ومن قال: إنه بشر بنبوة اسحاق دون مولده، فقد ترك الظاهر لان الظاهر يقتضي البشارة باسحاق دون نبوته، ويدل ايضا عليه قوله * (فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب) * ولم يذكر اسماعيل، فدل على انه كان مولودا قبله وايضا فانه بشره باسحاق وانه سيولد له يعقوب، فكيف يأمره بذبحه مع ذلك. واجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل إن يعقوب يكون من ولد اسحاق.

وقالوا ايضا يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب، والاول هو الاقوى على ما بيناه.

وقد روى عن النبي صلى الله عليه واله انه قال: انا ابن الذبيحين، ولا خلاف انه كان من ولد اسماعيل والذبيح الآخر عبدالله ابوه.

وروي عن ابن عباس وعلي وابن مسعود وكعب الاحبار انه كان اسحاق. وروي ذلك ايضا في اخبارنا. وفى الناس من استدل بهذه الآية على جواز النسخ قبل وقت فعله من حيث ان الله تعالى كان قد امره بذبح ولده ثم نسخ عنه قبل ان يفعله، ولا يمكننا ان نقول ان الوقت كان قد مضى، لانه لو أخره عن الوقت الذي امره به فيه لكان عاصيا، ولا خلاف أن ابراهيم لم يعص بذلك. فدل على انه نسخ عنه قبل وقت فعله. ومن لم يجز النسخ قبل وقت فعله اجاب عن ذلك بثلاثة أجوبة:

احدها - ان الله تعالى أمر ابراهيم ان يقعد منه مقعد الذابح ويشد يديه ورجليه ويأخذ المدية ويتركها على حلقه وينتظر الامر بامضاء الذبح على ما رأى في منامه وكل ذلك فعله، ولم يكن أمره بالذبح، وإنما سمي مقدمات الذبح بالذبح لقربه منه وغلبة الظن انه سيؤمر بذلك على ضرب من المجاز.

[519]

الثاني - انه إنما أمره بالذبح وذبح، وكل ما فرى جزء من حلقه وصله الله بلا فصل حتى انتهى إلى آخره فاتصل به، وصله الله تعالى، فقد فعل ما أمر به ولم يبن الرأس ولا انتفى الروح.

الثالث - انه امر بالذبح بشرط التخلية والتمكين، فكان كما روي انه كلما أعمد بالشفرة انقلبت وجعل على حلقه صفحة من نحاس، وهذا الوجه ضعيف، لان الله تعالى لا يجوز ان يأمر بشرط، لانه عالم بالعواقب، وإنما يأمر الواحد منا بشرط ذلك لانه لا يعلم العواقب، ولان فيه انه أمر بما منع منه وهذا عيب فاما قول من قال: انه فداه بذبح، فدل ذلك على انه كان مأمورا بالذبح على الحقيقة، اعتراضا على الوجه الاول، لان من شأن الفداء أن يكون من جنس المفدي، فليس بشئ، لانه لا يلزم ذلك الا ترى ان من حلق رأسه وهو محرم يلزمه ذلك، وكذلك إذا لبس ثوبا مخيطا او شم طيبا او جامع. وإن لم يكن جميع ذلك من جنس المفدي.

وقوله * (إنا كذلك نجزي المحسنين) * معناه إنا جازينا ابراهيم على فعله بأحسن الجزاء. ومثل ذلك نجزي كل من فعل طاعة، فانا نجازيه على فعله بأحسن الجزاء. ثم اخبر تعالى بأن هذا الذي تعبد به إبراهيم هو البلاء المبين أي الاختبار الظاهر وقيل: هو النعمة البينة الظاهرة، وتسمى النعمة بلاء والنقمة ايضا بلاء من حيث انها سميت بسببها المؤدي اليها، كما يقال لاسباب الموت هو الموت بعينه * (والمبين) * هو البين في نفسه الظاهر، ويكون بمعنى الظاهر، ويكون بمعنى المظهر ما في الامر من خير او شر.

ثم قال تعالى * (وفديناه) * يعني ولد إبراهيم * (بذبح عظيم) * فالفداء جعل

[520]

الشئ مكان غيره لدفع الضرر عنه، ومنه فداء المسلمين بالمشركين لدفع ضرر الاشد عنهم، فكذلك فداء الله ولد إبراهيم بالكبش لدفع ضرر الذبح عنه. والعظيم هو الكبير.

وقيل: لان الكبش الذي فدي به يصغر مقدار غيره من الكباش عنه بالاضافة اليه.

وقال ابن عباس: فدي بكبش من الغنم.

وهو قول مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير.

وقال الحسن: فدي بوعل أهبط به عليه جبرائيل.

وقيل: إنه لا خلاف انه لم يكن من الماشية التي كانت لابراهيم او غيره في الدنيا.

وقيل: إنه رعى في الجنة أربعين خريفا.

وقال مجاهد: وصفه بأنه عظيم، لانه متقبل.

والذبح بكسر الذال المهيأ، لان يذبح. وبفتح الذال المصدر.

وقوله * (وتركنا عليه في الآخرين) * يعني على إبراهيم في الآخرين يعني اثبتنا عليه الثناء الحسن في أمة محمد لانهم آخهر الامم بأن قلنا * (سلام على إبراهيم) * وقد بينا ما في ذلك ثم قال مثل ذلك نجزي كل محسن، فاعل لما أمر الله به كما جازينا ابراهيم صلى الله عليه واله. ثم أخبر تعالى ان إبراهيم كان من جملة عباده الذين يصدقون بتوحيد الله وبجميع ما اواجبه عليهم، ومن جملة المصدقين بوعد الله ووعيده والبعث والنشور والجنة والنار. وانما قال * (انه من عبادنا المؤمنين) * مع انه افضل المؤمنين ترغيبا في الايمان بأن مدح مثله في جلالته بأنه من المؤمنين، كما يقال هو من الكرماء وكذلك قوله * (ونبيا من الصالحين) *(1) وإذا مدح بأنه يصلح وحده فلانه لا يقوم غيره مقامه ويستغنى به عنه.

___________________________________

(1) سورة 3 آل عمران آية 39

[521]

قوله تعالى: (وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين(112) وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين(113) ولقد مننا على موسى وهرون(114) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم(115) ونصرناهم فكانوا هم الغالبين(116) وآتيناهما الكتاب المستبين(117) وهديناهما الصراط المستقيم(118) وتركنا عليهما في الآخرين(119) سلام على موسى وهرون(120) إنا كذلك نجزي المحسنين(121) إنهما من عبادنا المؤمنين(122))

احدى عشرة آية.

يقول الله تعالى بعد ان ذكر قصة ابراهيم وولده الذى اخبر الله بذبحه على ما فسرناه، بشره باسحاق ولدا له آخر، نعمة عليه مجددة لما فعل من المسارعة إلى ما أمره الله به وصبره على احتمال المشقة فيه، وبين انه نبيا من الصالحين، وأنه بارك عليه يعني على يعقوب وعلى إسحاق وخلق من ذريتهما الخلق الكثير، فمنهم محسن بفعل الطاعات ومنهم ظالم لنفسه بارتكاب المعاصي بسوء أختياره، مبين أي بين ظاهر. ثم اقسم تعالى بأنه من على موسى وهارون أي انعم عليهما نعمة قطعث عنهما

[522]

كل اذبة، فأصل المن القطع من قوله * (فلهم أجر غير ممنون) *(1) أي غير مقطوع، وحل منين متقطع والمنية الموت، لانها قاطعة عن تصرف الحي والبركة ثبوت الخير النامي على مرور الاوقات فبركته على إبراهيم واسحاق باللطف في دعائهما إلى الحق، وبالخبر عن أحوال جليلة في التمسك بطاعة الله * (ونجيناهما وقومهما) * ومعناه إنا خلصنا موسى وهارون، ومن كان آمن بهما * (من الكرب العظيم) * أي الاذى الذي كان يؤذونهم بأن أهلك الله فرعون وقومه وغرقهم * (ونصرناهم) * يعني موسى وهارون وقومهما، * (فكانوا هم الغالبين) * لاعدائهم بالحجج الظاهرة وبالقهر، من حيث أن الله غرق أعداء‌هم * (وآتيناهما) * يعني موسى وهارون * (الكتاب المستبين) * يعني التوراة الداعى إلى ما فيه من البيان بالمحاسن التي تظهر منه في الاستماع، فكل كتاب لله بهذه الصفة من ظهور الحكمة فيه * (وهديناهما الصراط المستقيم) * يعني أرسلنا موسى وهارون ودللناهما على الطريق المؤدي إلى الحق الموصل إلى الجنة باخلاص الطاعة لله تعالى.

وقال قتادة: الطريق المستقيم الاسلام * (وتركنا عليهما في الآخرين) * أي الثناء الجميل. بأن قلنا * (سلام على موسى وهارون) * كما قلنا * (سلام على نوح في العالمين) *(2).

ثم اخبر تعالى ان مثل ما فعل لهما يفعل بالمحسنين المطيعين ويجزيهم بمثل ذلك على طاعاتهم، ودل ذلك على ان ما ذكره الله كان على وجه الثواب على الطاعات لموسى وهارون ومن تقدم ذكره، لان لفظ الجزاء يفيد ذلك. ثم اخبر ان موسى من جملة عباده المصدقين بجميع ما اوجبه الله عليهم العالمين بذلك.

___________________________________

(1) سورة 95 التين آية 6.

(2) آية 79 من هذه السورة

 

الآية: 123 - 182

قوله تعالى: (وإن إلياس لمن المرسلين(123) إذ قال لقومه ألا تتقون(124) أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين(125) الله ربكم ورب آبائكم الاولين(126) فكذبوه فانهم لمحضرون(127) إلا عباد الله المخلصين(128) وتركنا عليه في الآخرين(129) سلام على إل ياسين(130) إنا كذلك نجزي المحسنين(131) إنه من عبادنا المؤمنين(132))

عشر آيات.

قرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر * (الله ربكم ورب آبائكم) * نصبا. الباقون بالرفع.

من نصب جعله بدلا من قوله * (أحسن الخالقين) * ومن رفع استأنف الكلام، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب * (سلام على آل ياسين) * على إضافة (آل) إلى (ياسين). الباقون * (على ألياسين) * موصولة. من أضاف اراد به على آل محمد صلى الله عليه واله لان (يس) اسم من اسماء محمد على ما حكيناه.

وقال بعضهم: أراد آل الياس عليه السلام.

وقال الجبائي اراد أهل القرآن، ومن لم يضف أراد الياس.

وقال: الياسين، لان العرب تغير الاسماء العجمية بالزيادة كما يقولون: ميكائيل وميكائين، وميكال وميكائل، وفي أسماعيل اسماعين قال الشاعر:

يقول اهل السوق لماجينا * هذا ورب البيت اسرائينا(1)

___________________________________

(1) تفسير الطبري 23 / 55

[524]

وفي قراء‌ة عبدالله * (وإن إدريس لمن المرسلين سلام على إدراسين) * وقيل أيضا إنه جمع، لانه اراد الياس ومن آمن معه من قومه، وقال الشاعر: قدني من نصر الخبيبين قدي(1) فجعل ابن الزبير أبا خبيبا ومن كان على رأيه عددا ولم يضفهم بالياء فيقول: خبيبين، فخفف في الشعر مثل الاشعرين، وكما قالوا: سيرة العمرين وخير الزهدمين، وإنما أحدهما زهدم والآخر كردم.

وقال قوم: تقديره على * (آل ياسين) * فخفف، لانه أراد الياسا وقومه، كما قالوا: الاشعرون والمهليون.

قال الشاعر: انا ابن سعد اكرم السعدينا.

وكلهم قرأ * (وإن الياس) * بقطع الهمزة إلا ان أبا عامر، فانه فصل الهمزة وأسقطها في الدرج، فاذا ابتدأ فتحها، قال ابوعلي النحوي: يجوز أن يكون حذف الهمزة حذفا، كما حذفها ابوجعفر في قوله * (إنها لاحدى الكبر) *(2) ويحتمل أن تكون الهمزة التي تصحب لام التعريف، وهي تسقط في الدرج، وأصله (ياس).

اخبر الله تعالى أن الياس من جملة من أرسله الله إلى خلقه نبيا داعيا إلى توحيده وطاعته حين * (قال لقومه ألا تتقون) * الله بترك معاصيه وفعل طاعاته، فاللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الانكار، كما يقول القائل ألا تتقي الله يا فلان في أن تظلم او تزني، وما اشبه ذلك، وإنما يريد بذلك الانكار.

ثم قال لهم * (أتدعون بعلا) * قال الحسن والضحاك وابن زيد: المراد بالبعل - ههنا - صنم كانوا يعبدونه، والبعل في لغة اهل اليمن هو

___________________________________

(1) تفسير القرطبي 15 / 118.

(2) سورة 74 المدثر آية 35

[525]

الرب، يقولون من بعل هذا الثوب أي من ربه - وهو قول عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي - ويقولون: هو بعل هذه الدابة أي ربها، كما يقولون: رب الدار ورب الفرس، وزوج المرأة بعلها، والنخل والزرع إذا استقى بماء السماء فهو بعل، وهو العذي، خلاف السقي. والاصل في الرب المالك فالزوج رب البضع، لانه مالكه. ومعنى الآية أتدعون بالالهية صنما عادلين عن أحسن الخالقين، وهذا إنكار عليهم أن يعتقدوا أن غير الله إله او يقولون لغيره يا إلهي.

وقال قتادة: الياس وهو إدريس، وقال ابن اسحاق: هو من ولد هارون، وهو اسم نبي وهو أعجمي، فلذلك لم ينصرف، ولو جعل (افعالا) من الاليس وهو الشجاع الجرئ لجاز.

ثم بين لهم الذي هو أحسن الخالقين، فقال * (الله ربكم الذي خلقكم ورب آبائكم) * أي الذي دبركم وخلقكم، وخلق آباء‌كم * (الاولين) * يعني من مضى من آبائكم وأجدادكم. ثم حكى ان قومه كذبوه ولم يصدقوه، وأن الله أهلكهم وأنهم لمحضرون عذاب النار. ثم استثنى من جملتهم عباده الذين اخلصوا عبادتهم لله وبين انه أثنى عليهم في آخر الامم بأن قال * (سلام على ألياسين) * وآل محمد صلى الله عليه واله هم كل من آل اليه بحسب او بقرابة، وقال قوم: آل محمد كل من كان على دينه، ولا خلاف بين النحويين أن اصل (آل) اهل فغلبوا الهاء همزة وجعلوها مدة لئلا يجتمع ساكنان، ألا ترى أنك اذا صغرت قلت أهيل ولا يجوز أويل، لانه رد إلى الاصل لا إلى اللفظ.

[526]

وقوله * (افلا تعقلون) * معناه تتدبرون وتتفكرون في ما نزل بهؤلاء القوم وتعتبرون به لتجتنبوا ما كانوا يفعلونه من الكفر والضلال.

وفي قوله * (لمحضرون) * حذف، لان تقديره فانهم لمحضرون العقاب واليم العذاب لتكذيبهم والجزاء بما تقتضيه الحكمة فيهم. وهذا الابهام تغليظ في الوعيد بالعذاب، لانه لعظمه معلوم لا يخفى أمره، ووجه الحجة عليهم في قوله * (ورب آبائكم الاولين) * انه اذا كان الرب واحدا وجب اخلاص العبادة لواحد، لانه الذي يملك الضر والنفع في جميع الامور، وذلك يبطل عبادة الاوثان. ثم قال كما جازينا هؤلاء بهذا الجزاء وهو ان أثنينا عليهم في آخر الامم مثل ذلك نجزي من فعل الطاعات واجتنب المعاصي. ثم اخبر ان الياس كان جملة عباده المصدقين بجميع ما اخبر الله به من وعد ووعيد وغير ذلك، العاملين بما اوجب الله عليهم.

قوله تعالى: (وإن لوطا لمن المرسلين(133) إذ نجيناه وأهله أجمعين(134) إلا عجوزا في الغابرين(135) ثم دمرنا الآخرين(136) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين(137) وبالليل أفلا تعقلون(138) وإن يونس لمن المرسلين(139) إذ أبق إلى الفلك المشحون(140) فساهم فكان من المدحضين(141) فالتقمه الحوت وهو مليم(142) فلولا أنه كان من المسبحين(143) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون(144) فنبذناه بالعراء وهو سقيم(145) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين(146) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون(147) فآمنوا فمتعناهم إلى حين(148))

ست عشرة آية.

[527]

أخبر الله تعالى أن لوطا كان من جملة من أرسله الله نبيا إلى خلقه داعيا لهم إلى طاعة الله ومنبها لهم على وجه وحدانيته، وإن قومه كذبوه وجحدوا نبوته فأهلكهم الله ونجا لوطا وأهله اجمعين، واستثنى من جملة اهله الناجين (عجوزا) أهلكها الله، لكونها على مثل ما كان قومه عليه * (في الغابرين) * أي في الباقين الذين اهلكوا، فالغابر الباقي قليلا بعد ما مضى، ومنه الغبار، لانه يبقى بعد ذهاب التراب قليلا. والتغبير التلحين لانه يبقى الصوت فيه بالترديد قليلا، ومنه قول الشاعر: به غبر من دأبه وهو صالح ثم انه لما نجى لوطا وأهله وخلصهم، دمر الآخرين من قومه. والتدمير الاهلاك على وجه التنكيل دمر عليهم إذا غير حالهم إلى حال التشويه، فالله تعالى اهلك قوم لوط بما أرسل عليهم من الحجارة، وبما فعل بهم من انقلاب قراهم.

وقوله * (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون) * توبيخ من الله للكفار الذين عاصروا النبي صلى الله عليه واله وتعنيف لهم على ترك اعتبارهم وإيقاظهم بمواضع هؤلاء الذين أهلكهم الله ودمر عليهم مع كثرة مرورهم

[528]

عليها صباحا ومساء وليلا ونهارا. وفي كل وقت. ومن كثر مرورهم بمواضع العبرة فلم يعتبر كان الوم ممن قل ذلك منه.

وقوله * (أفلا تعقلون) * معناه أفلا تتدبرون فتتفكرون في ما نزل بهؤلاء القوم من الكفر والضلال.

وقيل: وجه القصص وتكريرها، كتشويق إلى مثل ما كانوا عليه من مكارم الاخلاق ومحاسن الافعال وصرف الناس عن مساوي الاخلاق وقبائح الافعال قال الشاعر:

تلك المكارم لاقعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد ابوالا

ثم قال تعالى مخبرا عن يونس عليه السلام انه كان من جملة من أرسل الله إلى خلقه وجعله نبيا يدعو إلى توحيده وخلع الانداد دونه.

وقوله * (إذ أبق إلى الفلك المشحون) * معناه حين هرب إلى السفن المملوء‌ة، فالاباق الفرار، فالآبق الفار إلى حيث لا يهتدي اليه طالبه يقال: أبق العبد يأبق أباقا فهو آبق إذا فر من مولاه. والآبق والهارب والفار واحد.

قال الحسن: فر من قومه * (إلى الفلك المسثحون) * أي المحمل الموقر.

وقوله * (فساهم) * قال ابن عباس معناه قارع، وهو قول السدي * (فكان من المدحضين) * قال مجاهد: يعني من المسهومين، والمساهمة المقارعة، فلما ساهم يونس قومه وقع السهم عليه، فالقي في البحر، فالتقمه الحوت، فكان من المدحضين، قال الحسن كان من المقروعين.

وقيل: معناه فكان من الملقين في البحر، والدحض الزلق لانه يسقط عنه المار فيه.

ومنه قوله * (حجتهم داحضة) *(1) أي ساقطة، ودحض يدحض دحضا فهو داحض، وأدحضته ادحاضا، وقيل: كان يونس عليه السلام قد توعدهم بالعذاب ان أقاموا على ما هم عليه، فلما رأوا مخايل العذاب واماراته دعوا الله أن يكشف عنهم وتابوا اليه، فكشفه.

___________________________________

(1) سورة 42 الشوري آية 16

[529]

وكان يونس قد خرج قبل ان يأمره الله - عزوجل - بالخروج من بين قومه استظهارا، فلما كشف الله عنهم لام نفسه على الخروج ومضى على وجهه إلى ان ركب البحر.

وقيل: إنما تساهموا لانهم أشرفوا على الغرق فرأوا ان طرح واحد أيسر من غرق الجميع.

وقيل: لا بل لما رأوا الحوت قد تعرضت لهم، قالوا فينا مذنب مطلوب فتقارعوا فلما خرج على يونس رموا به في البحر فالتقمه الحوت.

ومعناه ابتلعه يقال التقمه التقاما ولقم يلقم لقما وتلقم تلقما.

وقوله * (وهو مليم؟ معناه أتى بما يلام عليه، وإن وقع مكفرا عند من قال بتجويز الصغائر على الانبياء، وعندنا قد يلام على ترك الندب، يقال ألام الرجل إلامة فهو مليم، وقال مجاهد وابن زيد: المليم المذنب قال لبيد:

سفها عذلت ولمت غير مليم * وهداك قبل اليوم غير حكيم(1)

ثم قال * (فلولا أنه كان من المسبحين) * قال قتادة: كان من المصلين في حال الرخاء فنجاه الله من البلاء.

وقال سعيد بن جبير: كان يقول لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين، والتسبيح التنزيه عما لا يليق ولا يجوز في صفته، ويقال: سبح الله يسبح تسبيحا إذا قال: سبحان الله معظما له بما هو عليه من صفات التعظيم نافيا عنه مالا يليق به ولا يجوز عليه من صفات المخلوقين والمحتاجين.

___________________________________

(1) مجاز القرآن 2 / 174 واللسان (لوم)

[530]

وقوله * (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) * إخبار منه تعالى انه لو لا تسبيح يونس لتركه اليه أي كان يبقى في بطنه إلى يوم القيامة الذي يحشر الله فيه الخلائق، وقوله * (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) * إخبار منه تعالى انه لما اراد تخليصه طرحه بالعراء وهو الفضاء الذي لا يواريه شجر ولا غيره.

قال الشاعر:

فرفعت رجلا لا اخاف عثارها * ونبذت بالبلد العراء ثيابي(1)

وقال السدي: لبث في بطن الحوت اربعين يوما * (وهو سقيم) * أي هو مريض حين القاه الحوت.

ثم اخبر تعالى انه انبت عليه شجرة من يقطين تكنه من حر الشمس. اليقطين كل شجرة ليس لها ساق يبقى من الشتاء إلى الصيف، فهي يقطين وقال ابن عباس وقتادة: هو القرع.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير كل شجر لا يقوم على ساق كالبطيخ والدبا والقرع فهو يقطين. وهو تفعيل من قطن بالمكان إذا اقام إقامة زائل لا إقامة راسخ كالنخل والزيتون ونحوه والقطاني من الحبوب التي تقيم في البيت، قال أمية بن ابي الصلت.

فانبت يقطينا عليه برحمة * من الله لولا الله القى ضاحيا(2)

وروي عن ابن عباس ان اليقطين كل شجرة لها ورق عريض.

وقوله * (وأرسلناه إلى مئة الف او يزيدون) * قيل: أرسل الله يونس إلى أهل نينوى من أرض الموصل - في قول قتادة - وقال ابن عباس: كانت رسالته بعدما نبذه الحوت، فيجوز على هذا انه أرسل إلى قوم بعد قوم ويجوز أن يكون ارسل إلى الاولين بشريعة فآمنوا بها.

وقيل: إن قوم يونس لما رأوا إمارات العذاب ولم يكونوا قد بلغوا حد الاجبار واليأس من البقاء

___________________________________

(1) مجاز القرآن 2 / 175 واللسان (عمرا).

(2) تفسير الطبرى 23 / 59

[531]

آمنوا، وقبل الله إيمانهم، لانهم لو كانوا حصلوا في العذاب لكانوا ملجئين ولما صح إيمانهم على وجه يستحق به الثواب.

وقوله * (او يزيدون) * قيل في معنى * (او) * ثلاثة اقوال: احدها - ان تكون بمعنى الواو، وتقديره إلى مئة الف وزيادة عليهم.

الثاني - ان تكون بمعنى (بل) على ما قال ابن عباس.

الثالث - ان تكون بمعنى الابهام على المخاطبين، كأنه قال أرسلناه إلى احدى العدتين.

ثم حكى تعالى عنهم أنهم آمنوا بالله وأقروا له بالوحدانية وراجعوا التوبة، وكشف الله عنهم العذاب ومتعهم إلى وقت فناء آجالهم، فالتمتيع والامتاع هو التعريض للمنافع الحاصلة كالامتاع بالبساتين والرياض وشهي الطعام والشراب.

قوله تعالى: (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون(149) أم خلقنا الملئكة إناثا وهم شاهدون(150) ألا إنهم من إفكهم ليقولون(151) ولد الله وإنهم لكاذبون(152) أصطفى البنات على البنين(153) مالكم كيف تحكمون(154) أفلا تذكرون(155) أم لكم سلطان مبين(156) فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين(157) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون(158) سبحان الله عما يصفون(159) إلا عباد الله المخلصين(160))

اثنتا عشرة آية.

[532]

كلهم قرأ * (أصطفى) * بفتح الهمزة إلا ورشا واسماعيل عن نافع، فانهما وصلاه على الخبر. وبه قرأ ابوجعفر قال ابوعلي الفارسي: يجوز أن يكون على تقدير لكاذبون في قولهم قالوا: اصطفى، ويجوز ان يكون اصطفى النبات على ما يقولونه، والوجه قطع الهمزة، لانه على وجه التقريع، ويقويه قوله * (أم اتخذ مما يخلق بنات) * قال قتادة والسدي: ان قريشا كانت تقول: الملائكة بنات الله تعالى، فأمر الله نبيه صلى الله عليه واله أن يستفتهم بمعنى ان يطلب الحكم منهم في هذه القضية على وجه التقريع لهم والتوبيخ على قولهم بأن يقول لهم ألربكم البنات؟ ! يعني كيف يقولوا لربك البنات يا محمد ولهم البنون؟ ومن أين علموا ان الملائكة إناثا اشاهدوا خلق الله لهم؟ ! فرأوهم اناثا؟ فانهم لا يمكنهم ادعاء ذلك.

ثم اخبر تعالى فقال * (ألا انهم من إفكهم) * أي من كذبهم - في قول قتادة والسدي - هذا القول.، وهو ان يقولوا * (ولد الله. وإنهم لكاذبون) * في هذا القول.

ثم قال * (آصطفى البنات على البنين) * من قطع الهمزة أراد الانكار بلفظ الاستفهام، والمعنى كيف يكون هذا، وكيف يختار البنات على البنين، ومن وصل الهمزة اراد الاخبار بذلك، فالاصطفاء إخراج الصفوة من الشئ، وهي خالصه. وإنما يصطفي الله تعالى افضل الاشياء، ومن اصطفى الادون على الافضل مع القدرة على الاعلى كان ناقصا.

والله تعالى لا يليق بصفات النقص في اصطفاء النبات على البنين مع استحالة اتخاذ الولد عليه، لما في ذلك من معنى التشبيه، لانه إنما يتخذ

[533]

الولد من يجوز أن يكون مثل ذلك ولد له، ولذلك لا يجوز أن يتخذ الشاب شيخا ولدا، ولا أن يتخذ الانسان بعض البهائم ولدا، لما لم يكن ذلك ممكنا، فاذا أستحال الولد عليه تعالى، فما هو مشبه به أولى بأن يستحيل عليه.

وأصل (اصطفى) (اصتفى) فقلبت التاء طاء لتعدل الحروف في الاطباق والاستعلاء بما هو من مخرج التاء، فالطاء وسط بين الحرفين لمناسبتها التاء بالمخرج، والصاد بالاستعلاء والاطباق.

قوله * (مالكم كيف تحكمون) * تهجين لهم بوضعهم الشئ في غير موضعه لانهم وضعوه موضع الحكمة، وليس الامر كذلك إذ انتم على فاحش الخطأ الذي يدعو اليه الجهل.

وقوله * (أم لكم سلطان مبين) * معناه هل لكم حجة ظاهرة وبرهان بين في ما تدعونه وتحكمون به. وسمي البرهان سلطانا، لانه يتسلط به على الانكار لمخالفة الحق والصواب. والبيان إظهار المعنى للنفس.

ثم قال على وجه الانكار عليهم * (فأتوا بكتابكم) * إن كان معكم حجة من كتاب انزله الله اليكم فهاتوه * (إن كنتم صادقين) * في هذا القول، فانهم لا يقدرون على ذلك ابدا. ثم اخبر تعالى عن هؤلاء الكفار أنهم * (جعلوا بينه وبين الجنة نسبا) * قال الحسن: اشركوا الشيطان في عبادة الله، فهو النسب الذي جعلوه.

وقال قوم: بل لانهم قالوا: إنه تعالى تزوج من الجن - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وقيل: سميت الملائكة جنة لاستتارهم عن العيون. ومعنى الآية أن هؤلاء الكفار بجعلهم الملائكة بنات الله جعلوا بينه وبينهم نسبا، وهو قول مجاهد وقتادة.

ثم قال تعالى على وجه الرد عليهم * (ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون) *

[534]

وقال مجاهد وقتادة: قال ذلك لانهم علموا أنهم يحضرون الحساب.

وقال السدي: علموا أن قائل هذا القول يحضر الحساب والعذاب.

ثم نزه تعالى نفسه عن قولهم وصفتهم، فقال * (سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) * استثنى عباده الذين أخلصوا نفوسهم فوجهوا العبادة اليه تعالى ووصفوه بما يليق به من جملة الكفار القائلين بمالا يليق به.

قوله تعالى: (فانكم وما تعبدون(161) ما أنتم عليه بفاتنين(162) إلا من هو صال الجحيم(163) وما منا إلا له مقام معلوم(164) وإنا لنحن الصافون(165) وإنا لنحن المسبحون(166) وإن كانوا ليقولون(167) لو أن عندنا ذكرا من الاولين(168) لكنا عباد الله المخلصين(169) فكفروا به فسوف يعلمون(170))

عشر آيات.

قرأ الحسن * (صائل الجحيم) * بالرفع وهي تحتمل شيئين: احدهما. الجمع. والثاني - القلب، كقولهم: شاك، وشائك في السلاح، وهار وهائر. الباقون * (صال) * بكسر اللام على وزن (فاعل).

هذا خطاب من الله تعالى للكفار الذين كانوا يعبدون الاصنام بأن قال لهم * (فانكم وما تعبدون) * فموضع (ما) نصب عطفا على الكاف والميم، وهو في موضع نصب ب‍ (أن) والتقدير إنكم يا معشر الكفار والذين تعبدونه

[535]

* (ما انتم عليه بفاتنين) * وقال الفراء: تقديره، وإنكم وآلهتكم ما أنتم عليه بفاتنين أي بمفتنين * (وما انتم عليه) * أي وما أنتم على ذلك الدين بمصلين عليه وبه وله سواء في المعنى.

وأهل نجد يقولون: أفتنت، وأهل الحجاز فتنت أي لستم عليه بفاتنين، والفاتن الداعي إلى الضلالة بتزيينه له، فكل من دعا إلى عبادة غير الله بالاغواء والتزيين فاتن، لانه يخرجه إلى الهلاك، وأصل الفتنة من قولهم: فتنت الذهب بالنار إذا أخرجته إلى حال الخلاص * (وفتناك فتونا) *(1) أي أخرجناك بالامر الحق إلى حال الخلاص.

وقوله * (إلا من هو صال الجحيم) * أي لستم تفتنون إلا من يصلى الجحيم، ومعناه إلا من يلزم النار ويحترق بها، ومنه المصطلي، وهو المستدفئ بالنار، ومنه الصلاة للزوم الدعاء فيها، والمصلي الذي يجئ بعد السابق للزومه أثره.

والمعنى ان من يقبل من هذا الفاتن وينقاد له، فهو يصلى الجحيم وقوله * (وما منا إلا له مقام معلوم) * معناه ما منا ملك إلا له مقام، فحذف ومعناه لا يتجاوز ما أمر به ورتب له، كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الذي حد له، فكيف يجوز ان يعبد من هو بهذه الصفة، وهو عبد مربوب ووصف المقام بأنه معلوم، لانه معلوم لله على ما تقتضيه الحكمة، وهو محدود لا يتجاوز ما علم منه ولا يخرج منه.

وقوله * (وإنا لنحن الصافون) * قيل: صافون حول العرش ينتظرون الامر والنهي من الله تعالى، وقيل: الصافون في الصلاة: وقوله * (وإنا لنحن المسبحون) * معناه المصلون من قولهم: فرغت من سبحتي أي من

___________________________________

(1) سورة 20 طه آية 40

[536]

صلاتي، وسميت الصلاة تسبيحا لما فيها من تسبيح الله وتعظيم عبادته.

و (المسبحون) القائلون سبحان الله على وجه التعظيم له تعظيم العبادة، وقوله * (وإن كانوا ليقولون) * ف‍ (إن) هذه المخففة من الثقيلة بدلالة دخول اللام في خبرها، كما قال * (وإن ربك ليحكم بينهم) *(1) ويلزمها هذه اللام ليفرق بين (إن) الثقيلة والخفيفة التي للجحد في مثل قوله * (إن الكافرون إلا في غرور) *(2) والمعنى إن هؤلاء الكفار كانوا يقولون * (لو ان عندنا ذكرا) * أي كتابا فيه ذكر من كتب الاولين الذي أنزله على انبيائه.

وقيل: يعني علما يسمى العلم ذكرا، لان الذكر من اسبابه، فسمى بأسمه * (من الاولين) * الذين تقدمونا وما فعل الله بهم * (لكنا) * نحن ايضا من * (عباد الله المخلصين) * الذين أخلصوا العبادة له، فجعلوا العذر في امتناعهم من الايمان أنهم لا يعرفون اخبار من تقدمهم، وهل حصلوا في جنة او نار، فقال الله تعالى * (فكفروا به) * يعني بالذكر، لانهم طلبوا كتابا كما للاولين التوراة دالا على توحيد الله، فلما جاء‌هم القرآن كفروا به، وبمن جاء بالقرآن - في قول ابن عباس والسدي - فهددهم الله على هذا، الكفر فقال * (فسوف يعلمون) * في ما بعد إذا عاقبناهم بعقاب النيران.

___________________________________

(1) سورة 16 النحل آية 124.

(2) سورة 67 الملك آية 20

[537]

قوله تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين(171) إنهم لهم المنصورون(172) وإن جندنا لهم الغالبون(173) فتول عنهم حتى حين(174) وأبصرهم فسوف يبصرون(175) أفبعذابنا يستعجلون(176) فاذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين(177) وتول عنهم حتى حين(178) وأبصر فسوف يبصرون(179) سبحان ربك رب العزة عما يصفون(180) وسلام على المرسلين(181) والحمد لله رب العالمين(182))

اثنتا عشرة آية بلا خلاف.

اقسم الله تعالى، لان هذه اللام لام القسم بأنه * (سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) * الذين بعثهم الله إلى خلقه * (أنهم هم المنصرون) * سينصرون بنصرهم على أقوامهم بالحجج وإنما قدم الله تعالى الكلمة للمرسلين بأنهم سينصرون، لما في ذلك من اللطائف للملائكة والسامعين لها، وسميت جملة من الكلام بانها كلمة لانعقاد بعض معانيه ببعض حتى صار يلحقه صفة التوحيد كخبر واحد وقضية واحدة.

وقال السدي: النصر للمرسلين بالحجة لان منهم من قتل.

وقال الحسن: ما غلب نبي في حرب، ولا قتل قط.

ثم اخبر تعالى أن جنود الله للكفار لغالبون أي يقهرونهم تارة بالحجة واخرى بالقتل.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله * (فتول عنهم) * يعني اعرض عن هؤلاء الكفار * (حتى حين) * إلى ان آمرك بقتالهم، يعني يوم بدر - في قول السدي - وقال قتادة: إلى الموت.

وقال قوم: إلى يوم القيامة.

وقال قوم: إلى انقضاء مدة الامهال.

[538]

وقوله * (وابصرهم فسوف يبصرون) معناه انظرهم فسوف يرون العذاب - في قول ابن زيد - وقال غيره أبصر حالهم بقليل.

وقيل: ابصرهم في وقت البصر، وفي الآية دلالة على المعجز، لانه تعالى وعد نبيه بالنصر، فكان الامر على ما قال.

وقوله * (أفبعذابنا يستعجلون) * معناه الانكار عليهم بأنهم يطلبون العذاب عاجلا قبل وقته.

ثم قال * (فاذا نزل) * يعني العذاب * (بساحتهم) * أي بفنائهم فساء صباح المنذرين أي بئس الصباح صباح من خوف وحذر، فلم يحذر، ولم يخف، فالساحة ناحية الدار، وهو فناؤها، وهو الفناء الواسع فلذلك وصف بأنه نازل به العذاب لعظمه ولا يسعه إلا الساحة ذات الفناء الواسع.

وقال السدي: نزل بساحتهم أي بدارهم وساء إذا كانت بمعنى بئس لا تتصرف مثل هذه.

ومثل قوله * (ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا) *(1) ولو كان بمعنى الاخبار المحض لجاز أن يقال: ساء‌ه يسوء‌ه سوء‌ا أي اوقع به ما يسوء‌ه.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله * (فتول عنهم حتى حين) * أي اعرض عنهم إلى حين وقد فسرناه.

و * (ابصر فسوف يبصرون) * وقد مضى معناه، وإنما كرر لانهما عذابان عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فكأنه قال وابصرهم في عذاب الآخرة وابصرهم في عذاب الدنيا.

ثم قال " سبحان ربك رب الغرة عما يصفون " أي التنزيه لربك عما لا يليق به من الصفات، ربك الذي خلقك ويملك التصرف فيك رب العزة يعني العزة التي يعز الله بها الانبياء والمرسلين، رهي صفة القادر الذي

___________________________________

(1) سورة 7 الاعراف آية 176

[539]

لا يضام ولا يرام، فالعزة لله - جل عز - وهو ربها، لانه القادر الذي لا يعجزه شئ منها، ولا من غيرها جل وعلا " عما يصفون " يعني ما يصفه به الكفار من اتخاذ الاولاد واتخاذ الشريك " وسلام على المرسلين " الذين أرسلهم الله إلى عباده " والحمد لله رب العالمين " أي والشكر والحمدلله الذي خلق جميع العالم وملك التصرف فيهم.

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338292

  • التاريخ : 29/03/2024 - 09:54

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net