00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة ق 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء التاسع )   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

50 - سورة ق

مكية بلا خلاف: وهي خمس وأربعون آية بلا خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

(ق والقرآن المجيد(1) بل عجبوا أن جاء‌هم منذر منهم فقال الكافرون هذا شئ عجيب(2) ء‌إذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد(3) قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ(4) بل كذبوا بالحق لما جاء‌هم فهم في أمر مريج(5))

لم يعد أحد (ق) آية، وكذلك نظائره مثل (ن) وصلى الله عليه وآله لانه من المفرد، وكل مفرد فانه لا يعد لعبده عن شبه الجملة. وأما المركب فما اشبه الجملة ووافق رؤس الآي، فانه يعد مثل (طه) و (حم) و (ألم) وما أشبه ذلك. و (قاف) قيل هو اسم للجبل المحيط بالارض. وقيل: هو اسم من اسماء السورة ومفتاحها على ما بيناه في حروف المعجم. وهو الاقوى. وقيل: (ق) من قضى الامر و (حم) من حم أي دنا.

وقوله " والقرآن " قسم من الله تعالى بالقرآن. وجواب القسم محذوف، وتقديره لحق الامر الذي وعدتم به انكم لمبعوثون، تعجبوا فقالوا " أئذا متنا

[357]

وكنا ترابا " ! وقيل: تقديره، ورب القرآن. واستدل بذلك على حدوثه، وهو خلاف الظاهر. والمجيد العظيم الكرم. ووصف القرآن وبعثه بأنه مجيد معناه انه عظيم القدر عالي الذكر.

ويقال مجد الرجل ومجد مجدا وهما لغتان إذا عظم كرمه وأمجد كرمت فعاله، والمجيد في اسم الله تعالى العظيم الكرم، ومجده خلقه: عظموه بكرمه، ورجل ماجد عظيم الكرم. وتماجد القوم تماجدا، وذلك إذا تفاخروا باظهار مجدهم. والمجد مأخوذ من قولهم: مجدت الابل مجودا، وذلك إذا عظمت بطونها لكثرة أكلها من كلا الربيع. وأمجد القوم ابلهم وذلك في الربيع، كأنهم أصابوا أكلا عظيما كريما قال الشاعر:

رفعت مجد تميم باهلال لها *** رفع الطراف على العلياء بالعمد(1)

وقوله " بل عجبوا أن جاء‌هم منذر منهم فقال الكافرون هذا شئ عجيب " اخبار منه تعالى عن حال الكافرين الذين بعث الله اليهم النبي صلى الله عليه واله من كفار قريش وغيرهم مخوفا لهم من معاصيه وترك طاعاته باستحقاق العقاب على ذلك وانه تعالى سيبعثهم ويجازيهم على ذلك بعد الموت، فقال الكافرون جوابا لهذا القول: هذا شئ عجيب، والتعجب بثير النفس تعظيم الامر الخارج عن العادة الذي لا يقع بسببه معرفة، يقال عجب عجبا وتعجب تعجبا، فالذي يتعجب منه عجب.

وقيل: العجب هو كل مالا يعرف علته ولا سببه، وأفحش العجب التعجب مما ليس بعجب على طريق الانكار للحق، لانه يجتمع فيه سببا القبيح، فهؤلاء تعجبوا من مجئ النذير من الله تعالى اليهم فقد فحشوا غاية التفحش، مع انه مما يعظم ضرر الجهل به. ثم قالوا أيضا في الجواب عن ذلك ائذا متنا وخرجنا من كوننا أحياء وكنا ترابا يبعثنا الله !؟ وحذف لدلالة الكلام عليه. ثم قالوا " ذلك رجع بعيد "

___________________________________

(1) مر في 6 / 34

[358]

أي يبعد عندنا أن نبعث بعد الموت، لان ذلك غير ممكن، فقال الله تعالى " قد علمنا ما تنقص الارض منهم " أي علمنا الذي تأكل الارض من لحومهم، لا يخفى علينا شئ منه " وعندنا كتاب حفيظ " أي ممتنع الذهاب بالبلى والدروس، كل ذلك ثابت فيه ولا يخفى منه شئ وهو اللوح المحفوظ ثم قال " بل كذبوا بالحق لما جاء‌هم " يعني بالنبي والقرآن الذي جاء به دالا على صدقه، وبالبعث والنشور، الذي أنذرهم به فهم في أمر مريج أي مختلط ملتبس واصله ارسال الشئ مع غيره في المرج من قولهم: مرج الخيل الذكور مع الاناث وهو مرج بالخيل أي المسرح الذي يمرج فيه، و " مرج البحرين " ارسلهما في مرج " يلتقيان " ولا يختلطان.

قوله " من مارج من نار " أي مرسل الشعاع بانتشاره.

قال ابوذؤيب

فحالت فالتمست به حشاها *** فخر كانه غصن مريج(1)

أي قد التبس بكثرة تشعبه ومرجت عهودهم وأمرجوها أي خلطوها، ولم يفوا بها.

وقال ابوعبيدة: مرج أمر الناس إذا اختلط، قال ابوذؤيب (فخر كأنه خوط مريج) أي سهم مختلط الامر باضطرابه، فهؤلاء الكفار حصلوا في أمر مختلط ملتبس من أمر النبي صلى الله عليه واله، فقالوا تارة هو مجنون وأخرى هو كاهن وأخرى هو شاعر، فلم يثبتوا على شئ واحد، فلذلك كانوا في أمر مريج.

___________________________________

(1) الطبري 26 / 86 وروايته (فحط كأنه حوط مريج)

[359]

قوله تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج(6) والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل زوج بهيج(7) تبصرة وذكرى لكل عبد منيب(8) ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد(9) والنخل باسقات لها طلع نضيد(10) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج(11))

ست آيات.

لما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم كذبوا بالحق الذي هو القرآن وجحدوا البعث والنشور والثواب والعقاب، وتعجبوا من ذلك نبههم الله تعالى على ذلك وبين لهم الطريق الذي إذا نظروا فيه علموا صحته، فقال " أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها " ومعناه أفلم يفكروا في بناء هذه السماء وعظمها، وحسن تزيينها فيعلموا أن لها بانيا بناها وصانعا صنعها وانه لابد أن يكون قادرا عليها، وانه لا يعجزه شئ، لانه لا يقدر على مثل ذلك إلا القادر لنفسه الذي لا يجوز عليه العجز ويعلمه، لانه عالم بما يرون من إحكام الصنعة فيها وانه الذي لا يخفى عليه خافيه وقوله " وزيناها " يعني حسنا صورتها بما خلقنا فيها من النجوم الثاقبة والشمس والقمر، وانه " مالها من فروج " أي ليس فيها فتوق يمكن السلوك فيها وإنما يسلكها الملائكة بأن يفتح لها أبواب السماء إذا عرجت اليها.

ثم قال " والارض مددناها " أي بسطناها، وتقديره ومددنا الارض مددناها، كما قال " والقمر قدرناه "(1) فيمن نصب ولو رفع كان جائزا، والنصب أحسن - ههنا - لكونه معطوفا على بنيناها، فعطف الفعل على الفعل احسن.

ثم قال " والقينا فيها رواسي " أي طرحنا جبالا تمنعها من الحركة ليتمكن استقرار الحيوان عليها " وانبتنا فيها من كل زوج بهيج " قال ابن زيد: البهيج الحسن المنظر والبهجة الحسن الذي له روعة عند الرؤية، كالزهرة والاشجار الملتفة

___________________________________

(1) سورة 36 يس آية 39

[360]

والرياض الخضرة في الانواع المتشاكلة والمباري المصطفة خلالها الانهار الجارية.

وقوله " تبصرة وذكرى لكل عبد منيب " أي فعلنا ذلك وخلقناه على ما وصفناه ليتبصر به ويتفكر به كل مكلف كامل العقل يريد الرجوع إلى الله والانابة اليه.

ثم قال " ونزلنا من السماء ماء مباركا " يعني مطرا وغيثا " فانبتنا به " بذلك الماء " جنات " أي بساتين فيها أشجار تجنها " وحب الحصيد " يعني البر والشعير، وكل ما يحصد - في قول قتادة - لان من شأنه ان يحصد، والحب هو الحصيد، وإنما أضافه إلى نفسه، كما قال " لحق اليقين "(1) وكما قالوا: مسجد الجامع وغير ذلك.

وقوله " والنخل " عطف على (جنات) فلذلك نصبه و " باسقات " أي عاليات يقال: بسقت النخلة بسوقا قال ابن نوفل لابن هبيرة:

يابن الذين بفضلهم *** بسقت على قيس فزاره(2)

وقال ابن عباس " باسقات " طوال النخل، وبه قال مجاهد وقتادة " لها طلع نضيد " أي لهذه النخل التي وصفها بالعلو " طلع نضيد " نضد بعضه على بعض - في قول مجاهد وقتادة - وقوله " رزقا للعباد " أي خلقنا ما ذكرنا من حب الحصيد والطلع النضيد رزقا للعباد وغذاء لهم، وهو نصب على المصدر أي رزقناهم رزقا، ويجوز أن يكون مفعولا له أي لرزق العباد والرزق هو ما للحي الانتفاع به على وجه ليس لغيره منعه منه، والحرام ليس برزق، لان الله تعالى منع منه بالنهي والحظر وكل رزق فهو من الله تعالى إما بأن يفعله او يفعل سببه، لانه مما يريده. وقد يرزق الواحد منا غيره، كما يقال: رزق السلطان الجند.

وقوله " واحيينا به بلدة ميتا " أي احيينا بذلك الماء الذي انزلنا من السماء

___________________________________

(1) سورة 69 الحاقة آية 51.

(2) تفسير الطبرى 26 / 87

[361]

بلدة ميتا أي جدبا قحطا، لا تنبت شيئا، فأنبتت وعاشت ثم قال " كذلك الخروج " أي مثل ما أحيينا هذه الارض الميتة بالماء، مثل ذلك نحيي الموتى يوم القيامة فيخرجون من قبورهم لان من قدر على أحدهما قدر على الآخر، وإنما دخلت على القوم شبهة من حيث انهم رأوا العادة جارية باحياء الارض الموات بنزول المطر عليها، ولم يروا إحياء الاموات، فظنوا انه يخالف ذلك، ولو انعموا النظر لعلموا ان القادر على احدهما قادر على الآخر.

قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود(12) وعاد وفرعون وإخوان لوط(13) وأصحاب الايكة وقوم اتبع كل كذب الرسل فحق وعيد(14) أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد(15))

أربع آيات.

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله تسلية له عن كفر قومه وتركهم الايمان به مهددا لكفار قومه أنه كما كذبوك يا محمد هؤلاء وجحدوا نبوتك مثل ذلك كذب قبلهم من الامم الماضية قوم نوح فأهلكهم الله واغرقهم واصحاب الرس وهم اصحاب البئر الذين قتلوا نبيهم ورسوه فيها - في قول عكرمة - وقال الضحاك: الرس بئر قتل فيها صاحب ياسين.

وقيل: الرس بئر لم يطو بحجر ولا غيره.

قال الجعدي: تنابلة يحفرون الرساسا(1)

___________________________________

(1) مر في 7 / 490

[362]

و " ثمود " هم قوم صالح حيث كذبوه ونحروا ناقة الله التي اخرجها آية له من الجبل " وعاد " وهم قوم هود، فكذبوه فأهلكهم الله " وفرعون واخوان لوط " أي كذب فرعون موسى، وقوم لوط لوطا، وسماهم اخوته لكونهم من نسبه " واصحاب الايكة " وهم قوم شعيب، والايكة الغيظة " وقوم تبع " روي في الحديث لا تلعنوا تبعا، فانه كان اسلم، وإنما ذم الله قومه.

ثم اخبر تعالى عنهم كلهم فقال " كل كذب الرسل " المبعوثة اليهم، وجحدوا نبوتهم " فحق وعيد " فاستحقوا بما وعدهم به من العقاب، فاذا كانت منازل الامم الخيالية إذا كذبوا الرسل الهلاك والدمار، وأنتم معاشر الكفار قد سلكتم مسلكهم في التكذيب فحالكم كحالهم في استحقاق مثل ذلك.

ثم قال الله تعالى على وجه الانكار عليهم، بلفظ الاستفهام " أفعيينا بالخلق الاول " قال الحسن الخلق الاول آدم وقد يكون ذلك المراد لاقرارهم به وأنهم ولده يقال: عييت بالامر إذا لم يعرف وجهه واعييت إذا تعبت، وكل ذلك من التعب في الطلب.

والمعنى إنا كما لم نعي بالخلق الاول لا نعيا بخلقهم على وجه الاعادة، والعي عجز بانقلاب المعنى على النفس، ثم قال " بل هم في لبس من خلق " فاللبس منع من إدراك المعنى بما هو كالستر له " من خلق جديد " وهو القريب الانشاء، يقال: بناء جديد وثوب جديد، وخلق جديد وأصله القريب العهد، بالقطع للبس لانه من جددته أجده جدا إذا قطعته فهو كفرت العهد بالقطع للبس.

[363]

قوله تعالى: (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد(16) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد(17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد(18) وجاء‌ت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد(19) ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد(20))

خمس آيات.

يقول الله تعالى مقسما إنه خلق الانسان أي اخترعه وانشأه مقدرا. والخلق الفعل الواقع على تقدير وترتيب. والمعنى إنه يوجده على ما تقتضيه الحكمة من غير زيادة ولا نقصان. وأخبر انه يعلم ما يوسوس به صدر الانسان. فالوسوسة حديث النفس بالشئ في خفى، ومنه قوله " فوسوس اليه الشيطان "(1) ومنه الواسوس كثرة حديث النفس بالشئ من غير تحصيل قال رؤبة: وسوس يدعو مخلصا رب الفلق(2) ثم اخبر تعالى انه اقرب إلى الانسان من حبل الوريد.

قال ابن عباس ومجاهد: الوريد عرق في الحلق وهما وريدان في العنق: من عن يمين وشمال، وكأنه العرق الذي يرد اليه ما ينصب من الرأس، فسبحان الله الخلاق العليم الذي احسن الخلق والتدبير، وجعل حبل الوريد العاتق، وهو يتصل من الحلق إلى العاتق هذا العرق الممتد للانسان من ناحيتي حلقه إلى عاتقه، وهو الموضع الذي يقع الرداء عليه لانه يطلق الرداء من موضعه.

قال رؤبة: كان وريديه رشاخلب أي ليف.

وقال الحسن: الوريد الوتين: وهو عرق معلق به القلب، فالله تعالى أقرب إلى المرء من قلبه.

وقيل: المعنى ونحن أقرب اليه ممن كان بمنزلة حبل

___________________________________

(1) سورة 20 طه آية 120.

(2) مرفي 4 / 397

[364]

الوريد في القرب في أني أعلم به.

وقيل: معناه اقرب اليه بما يدركه من حبل الوريد لو كان مدركا.

وقيل: ونحن أملك به من حبل الوريد في الاستيلاء عليه، وذلك أن حبل الوريد في حيز غير حيزه. والله تعالى مدرك له بنفسه ومالك له بنفسه.

وقوله " إذ يتلقى المتلقيان " (إذ) متعلقة بقوله " ونحن اقرب اليه " حين يتلقى المتلقيان، يعني الملكين الموكلين بالانسان " عن اليمين وعن الشمال قعيد " أي عن يمينه وعن شماله. وإنما وحد " قعيد " لاحد وجهين: احدهما - إنه حذف من الاول لدلالة الثاني عليه، كما قال الشاعر:

نحن بما عندنا وانت بما *** عندك راض والرأى مختلف(1)

أي نحن بما عندنا راضون، فتقدير الآية عن اليمين قعيد، وعن الشماء قعيد الثاني - إنه يكون القعيد على لفظ الواحد، ويصلح للاثنين والجمع كالرسول لانه من صفات المبالغة، وفيه معنى المصدر، كأنه قيل: ذو المراقبة.

وقال مجاهد: القعيد الرصيد.

وقيل: عن اليمين ملك يكتب الحسنات، وعن الشمال ملك يكتب السيئات - في قول الحسن ومجاهد - وقال الحسن: حتى إذا مات طويت صحيفة عمله وقيل له يوم القيامة " إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا "(2) فقد عدل - والله - عليه من جعله حسيب نفسه.

وقال الحسن: الحفظة أربعة: ملكان بالنهار وملكان بالليل.

وقوله " ما يلفظ من قول الالديه رقيب عتيد " أي لا يتكلم بشئ من القول إلا وعنده حافظ يحفظ عليه، فالرقيب الحافظ والعتيد المعد المزوم الامر.

وقوله " وجاء‌ت سكرة الموت بالحق " قيل في معناه قولان: احدهما - جاء‌ت السكرة بالحق من أمر الآخرة حتى عرفه صاحبه واضطر اليه

___________________________________

(1) مر في 1 / 172، 203، 263 و 5 / 246، 289 و 8 / 457.

(2) سورة 17 الاسرى آية 14

[365]

والآخر - وجاء‌ت سكرة الموت بالحق الذي هو الموت.

وروي ان أبا بكروابن مسعود كانا يقرآن " وجاء‌ت سكرة الحق بالموت " وهي قراء‌ة اهل البيت عليهم السلام و (سكرة الموت) غمرة الموت التي تأخذه عند نزع روحه فيصير بمنزلة السكران.

وقوله " ذلك ما كنت منه تحيد " أي يقال له عند ذلك هذا الذى كنت منه تعرب وتروغ.

وقوله " ونفخ في الصور " قيل فيه وجهان: احدهما - إنه جمع صورة ينفخ الله في الصور بأن يحييها يوم القيامة. الثاني - ان الصور قرن ينفخ اسرافيل فيه النفخة الاولى فيموت الخلق، والنفخة الثانية فيحيون يوم القيامة، وهو يوم الوعيد الذي وعد الله أن يعاقب فيه من يكفر به ويعصى أمره، ويثيب من يؤمن به ويمتثل.

قوله تعالى: وجاء‌ت كل نفس معها سائق وشهيد(21) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاء‌ك فبصرك اليوم حديد(22) وقال قرينه هذا ما لدي عتيد(23) ألقيا في جهنم كل كفار عنيد(24) مناع للخير معتد مريب(25))

خمس آيات.

يقول الله تعالى إن يوم الوعيد الذي بينه تجئ كل نفس من المكلفين " معها سائق " يسوقها " وشهيد " يشهد عليها، وهما ملكان احدهما يسوقه ويحثه على السير، والآخر يشهد عليه بما يعلمه من حاله ويشاهده منه وكتبه عليه، فهو يشهد بذلك على مابينه الله ودبره.

[366]

وقوله " لقد كنت في غفلة " أي يقال له " لقد كنت في غفلة " أي في سهو ونسيان " من هذا " اليوم، فالغفلة ذهاب المعنى عن النفس، وضده اليقظة.

وقوله " فكشفنا عنك غطاء‌ك " أي أزلنا الغطاء عنك حتى ظهر لك الامر، وإنما تظهر الامور في الآخرة بما يخلق الله فيهم من العلوم الضرورية، فيصير بمنزلة كشف الغطاء عما يرى، والمراد به جميع المكلفين: برهم وفاجرهم، لان معارب الجميع ضرورية، وقوله " فبصرك اليوم جديد " معناه إن عينك حادة النظر لا يدخل عليها شك ولا شبهة.

وقيل: المعنى فعلمك بما كنت فيه من أحوال الدنيا نافذ ليس يراد به بصر العين، كما يقال: فلان بصير بالنحو أو بالفقه.

وقال الرماني: حديد مشتق من الحد، ومعناه منيع من الادخال في الشئ ما ليس منه والاخراج عنه ما هو منه، وذلك في صفة رؤيته للاشياء في الآخرة، وقوله " وقال قرينه " قال الحسن وقتادة وابن زيد: يعني الملك الشهيد عليه.

وقال بعضهم: قرينه من الشياطين.

والاول الوجه " هذا مالدي عتيد " أي معد محفوظ " ألقيا في جهنم كل كفار عنيد " إنما قيل: ألقيا، لان المأمور به إلقاا كل كافر في النار إثنان من الملائكة. وقيل: يجوز ان يكون على لفظ الاثنين والمأمور واحد، لانه بمنزلة إلقاء اثنين في شدته، كما قال الشاعر:

فان تزجراني يابن عفان انزجر *** وإن تدعاني احم عرضا ممنعا(1)

والاول اظهر، وحكى الزجاج عن بعض النحويين: ان العرب تأمر الواحد بلفظ الاثنين تقول: قوما، واقعدا، قال الحجاج: (يا حرسي إضربا عنقه) وإنما قالوا ذلك، لان اكثر ما يتكلم به العرب فيمن تأمر به بلفظ الاثنين نحو، خليلي مرابى على أم جندب(2)

___________________________________

(1) تفسير القرطبي 17 / 16.

(2) قائله امرؤ القيس ديوانمه 27 القصيدة 2

[367]

وقوله: قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل(1) وقال المبرد هذا فعل مبني للتأكيد، كأنه قال: ألق ألق، والعنيد الذاهب عن الحق وسبيل الرشد " مناع للخير " الذي أمر الله به من بذل المال في وجوهه من الزكاة وغيرها، لانه صفة ذم تعم منع الخير الذي يجب بذله. ويدخل فيه الاول على وجهه التبع " معتد " أي متجاوز للحق في قوله وفعله (مريب) أي آت من المنكر بما يشكك في أمره.

قوله تعالى: (ألذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد(26) قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد(27) قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد(28) ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد(29) يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد(30))

خمس آيات.

قرأ نافع وابوبكر عن عاصم (يوم يقول) بالياء بمعنى يقول الله تعالى (لجهنم) الباقون بالنون على وجه الاخبار من الله عن نفسه و (يوم) متعلق بقوله (ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) وقيل: إنه متعلق بمحذوف بتقدير (إذكر) يا محمد يوم، وقوله (الذي جعل) موضعه الجر، لانه من صفة (كفار عنيد مناع للخير معتد مريب.. الذى جعل مع الله إلها آخر) أى اتخذ مع الله معبودا آخر من الاصنام والاوثان، ووجه قرباته اليه. والجعل تكوين الشئ على

___________________________________

(1) قائله امرؤ القيس ديوانه 43، قصيدة 53

[368]

غير ما كان بقادر عليه فمن جعل مع الله إله آخر فقد صير ذلك الشئ على غير ما كان عليه باعتقاده انه إله آخر مع الله وذلك جعل منه عظيم وذهاب عن الصواب بعيد، فيقول الله للملكين الموكلين به يوم القيامة (ألقياه) أى الرحاه (في العذاب الشديد) والالقاء الرمي بالشئ إلى جهة السفل، وقولهم: ألقي عليه مسألة بمعنى طرحها عليه مشبه بذلك. واصل إللقاء المماسة، والالتقاء من هذا ففي الالقاء طلب مماسة الشئ الارض بالرمي (قال قرينه ربنا ما اطغيته) قال ابن عباس: قرينه - ههنا - شيطانه. وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك. وسمي قرينه لانه يقرن به في العذاب، وهو غير قرينه الذى معه يشهد عليه، والقرين نظير الشئ من جهة مصيره بازائه.

حكى الله عن شيطانه الذي أغواه انه يقول " ماأطغيته " فالاطغاء الاخراج إلى الطغيان، وهو تجاوز الحد في الفساد أطغاء وطغى يطغى طغيانا، فهو طاغ. والاول مطغى.

وقال الحسن: ما اطغيته باستكراه، وهو من دعاه إلى الطغيان.

والمعنى لم أجعله طاغيا " ولكن كان " هو بسوء اختياره " في ضلال " عن الايمان " بعيد " عن إتباعه. ومثله قوله " وما كان لي عليكم من سلطان إلا ان دعوتكم فاستجبتم لي "(1) فيقول الله تعالى لهم " لا تختصموا لدي " أي لا يخاصم بعضكم بعضا عندي (وقد قدمت اليكم بالوعيد) في دار التكيف، فلم تنزجروا وخالفتم امري (ما يبدل القول لدي) معناه إن الذي قدمته اليكم في الدنيا من أني أعاقب من جحدني وكذب برسلي وخالفتي في أمري لا يبدل بغيره، ولا يكون خلافه (وما أنا بظلام للعبيد) أي لست بظالم لاحد في عقابي لمن استحقه بل هو الظلام لنفسه بارتكاب المعاصي التي استحق بها ذلك. وإنما قال: بظلام للعبيد على وجه المبالغة ردا لقول من أضاف جميع الظلم اليه - تعالى الله عن ذلك -.

___________________________________

(1) سورة 14 ابراهيم آية 22

[369]

وقوله (يوم نقول لجهنم) من قرأ بالنون فعلى وجه الاخبار من الله عن نفسه. ومن قرأ - بالياء - وهو نافع وابوبكر، فعلى تقدير يقول الله لجهنم (هل امتلات) من كثرة من ألقي فيك من العصاة (فتقول) جهنم (هل من مزيد) أي ما من مزيد؟ أي ليس يسعني اكثر من ذلك.

وقال قوم: هذا خطاب من الله لخزنة جهنم على وجه التقريع والتقرير لهم هل امتلات جهنم، فتقول الخزنة هل من مزيد؟ وقال قوم: وهو الاظهر إن الكلام خرج مخرج المثل أي ان جهنم من سعتها وعظمها في ما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة التي إذا قيل لها هل امتلات فتقول هل من مزيد أي لم امتلئ اي في سعه كثرة، ومثله قول الشاعر:

امتلا الحوض وقال قطني *** مهلا رويدا قد ملات بطني(1)

والحوض لم يقل شيئا، وإنما أخبر عن امتلائها وانها لو كانت ممن تنطق لقالت قطني مهلا رويدا قد ملات بطني. وكذلك القول في الآية.

وقال الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء: معنى هل من مزيد ما من مزيد، وانه بمعنى لا مزيد وانكروا أن يكون طلبا للزيادة، لقوله (لاملان جهنم من الجنة والناس اجمعين)(2) وقال بعضهم: هذا ليس بمنكر من وجهين: احدهما - أن يكون ذلك حكاية عن الحال التي قبل دخول جميع اهل النار فيها ولم تمتلا بعد وان امتلات في ما بعد. والآخر - ان يكون طلب الزيادة بشرط ان يزاد في سعتها.

وقال قوم: هل من مزيد بمنزلة قول النبي صلى الله عليه واله يوم فتح مكة وقد قيل له ألا تنزل دارك، فقال (وهل ترك لنا عقيل من ربع) لانه كل قد باع دور بني هاشم لما خرجوا إلى المدينة، وإنما أراد ان يقول: لم يترك لنا دارا.

___________________________________

(1) مر في 1 / 431 و 8 / 85، 369، 471.

(2) سورة(11) هود آية 119

[370]

وقال انس بن مالك: هل من مزيد طلبا للزيادة.

وقال مجاهد: هو بمعنى الكفاية.

قوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد(31) هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ(32) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب(33) ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود(34) لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد(35))

خمس آيات.

لما حكى الله تعالى ما أعده للكافرين والعصاة من جهنم وعظم موضعها وسعتها أخبر عما اعده للمتقين المجتنبين لمعاصيه الفاغلين لطاعاته فقال (وأزلفت الجنة للمتقين) والازلاف التقريب إلى الخير، ومنه الزلفة، والزلفى. ويقولون: أزدلف اليه أي اقترب والمزدلفة قريب من الموقف. وهو المشعر وجمع، ومنه قول الراجز:

ناج طواه الاين مما وجفا *** طي الليالي زلفا فزلفا

سماؤه الهلال حتى احقوقفا(1)

والجنة التي وعد الله المتقين بها هي البستان الذي يجمع من اللذة ارفع كل نوع في الزينة من الابنية الفاخرة بالياقوت والزمرد وفاخر الجوهر، ومن الانهار والاشجار وطيب الثمار ومن الازواج الكرام والحور الحسان وكريم الخدم من الولدان الذين هم زينة لكل ناظر ومتعة لكل مبصر، قد أمن اهلها العلة وانواع

___________________________________

(1) مر في 6 / 79 و 8 / 29

[371]

الاذى من فضول الاطعمة والاشربة، نسال الله حسن الاستعداد لها بالعمل الصالح المقرب منها الموجب لرضوان مالكها.

وقوله (غير بعيد) أي ليس ببعيد مجئ ذلك، لان كل آت قريب، ولذلك قال الحسن: كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل. ثم قال (هذا ما توعدون) من قرأ بالتاء فعلى الخطاب أي هذا الذي ذكرناه هو ما وعدتم به من الثواب (لكل أواب) أي رجاع إلى الله تائب اليه (حفيظ) لما أمر الله به يتحفظ من الخروج إلى مالا يجوز من سيئة تدنسه او خطيئة تحط منه وتشينه. وقال ابن زيد: الاواب التواب، وهو من آب يؤب اوبا إذا رجع.

وقوله (من خشى الرحمن بالغيب) فالخشية انزعاج القلب عند ذكر السيئة وداعي الشهوة حتى يكون في اعظم حال من طلبه سبع يفترسه او عدو يأتي على نفسه او طعام مسموم يدعى إلى اكله هذه خشية الرحمن التي تنفعه والتي دعا اليها ربه ومعنى (بالغيب) أي في باطنه وسريرته (وجاء بقلب منيب) أي راجع إلى الله من اناب ينيب إنابة، وموضع (من) يحتلم وجهين من الاعراب: احدهما - الجر على البدن من (كل) كأنه قيل لمن خشى. والثاني - الرفع على الاستئناف كأنه قال (من خشى الرحمن بالغيب) يقال لهم (ادخلوها بسلام) أي بأمان من كل مكروه ويحيون بذلك على وجه الاكرام.

وقوله (ذلك يوم الخلود) أي الوقت الذي يبقون فيه في النعيم مؤبدين لا إلى غاية.

وقوله (لهم ما يشاؤن فيها) أي ما يريدونه ويشتهونه يجعل لهم فيها (ولدينا مزيد) من نعم الله الذي يعطيهم زيادة على مقدار استحقاقهم بعملهم.

[372]

قوله تعالى: (وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص(36) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد(37) ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب(38) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب(39) ومن الليل فسبحه وأدبار السجود(40))

خمس آيات

قرأ (وإدبار) بكسر الالف ابن كثير ونافع واهل الحجاز وحمزة على المصدر من أدبر إدبارا، وتقديره وقت إدبار السجود. والمصادر تجعل ظرفا على إرادة اضافة اسماء الزمان اليها وحذفها، كقولهم جئتك مقدم الحاج وخلوق النجم ونحو ذلك يريدون في ذلك كله وقت كذا وكذا فحذفوه.

الباقون بفتح الالف على انه جمع (دبر): يقول الله تعالى مخبرا (وكم أهلكنا) ومعناه وكثيرا أهلكنا وذلك أن (كم) تكون إستفهاما تارة في معنى الخبر للتكثير وإنما خرجت عن الاستفهام إلى التكثير لتكون نقيضة (رب) في التقليل وكانت احق به، لانها (اسم) مع إحتمالها للتقليل، فأما رب في الكلام، فهي حرف يجري مجرى حرف النفي، لان التقليل أقرب إلى النفي، وإنما وجب ل‍ (كم) صدر الكلام في الخبر إعلاما بأنها خرجت عن الاستفهام مع انها نقيضة (رب) التي هي بمنزلة حروف النفي، ودخلت (من) على مفسر (كم) في الخبر بمنزلة عدد يفسر بالمضاف كقولك عشر أثواب، وعشرة من الاثواب. فجاز حرف الاضافة

[373]

كما جازت الاضافة، وليس كذلك عشرون درهما، وجاز ان يفسر في الخبر بالواحد وبالجمع: والقرن المقدار من الزمان الذي يقترون بالبقاء فيه أهله على مجرى العادة.

وقال قوم: هو مئة وعشرون سنة.

وقيل: ثمانون سنة وقال آخرون: هو سبعون سنة.

وقال قوم: أربعون سنة. وقيل ثلاثون سنة.

وقيل: عشر سنين " هم اشد منهم بطشا " أى الذين أهلكناهم مثل هؤلاء الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء واكثر عدة كقوم عاد وغيرهم فلم يتعذر علينا ذلك، فما الذي يؤمن هؤلاء من مثل ذلك.

وقوله (فنقبوا في البلاد) أى فتحوا مسالك في البلاد بشدة بطشهم فالتنقيب التفتيح بما يصلح للسلوك من نقض البنية، ومنه النقب الفتح الذى يصلح للمسلك وقد يفتح الله على العباد في الرزق بأن يوسع عليهم في رزقهم، ولا يصلح فيه النقب. وكل نقب فتح. وليس كل فتح نقبا، فالنقب نقض موضع بما يصلح للسلوك.

وقال مجاهد: نقبوا في البلاد أى ضربوا في الارض ضرب جاعل المسالك بالنقب، قال امرؤ القيس:

لقد نقبت في الافاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالآياب(1)

وقوله (هل من محيص) أى هل من محيد، وهو الذهاب في ناحية عن الامر للهرب منه، حاص يحيص حيصا فهو حايص مثل حاد يحيد حيدا فهو حايد والمعنى إن أولئك الكفار الذى وصفهم بشدة البطش لما نزل بهم عذاب الله لم يكن لهم مهرب ولا محيص عنه. وقيل هل من محيد من الموت، ومنجا من الهلاك.

قال الزجاج: هؤلاء الكفار طوفوا في البلاد، فلم يجدوا مخلصا من الموت.

وقوله (إن في ذلك لذكرى) يعني في ما أخبرته وقصصته لك لذكرى أى

___________________________________

(1) ديوانه 48 ومجاز القرآن 2 / 224 الشاهد 836

[374]

ما يتفكر فيه ويعتبر به (لمن كان له قلب) قيل معنى القلب - ههنا - العقل من قولهم اين ذهب قلبك، وفلان ذاهب القلب، وفلان قلبه معه، وإنما قال (لمن كان له قلب) لان من لا يعيي الذكر لا يعتد بماله من القلب.

وقوله (او القى السمع وهو شهيد) قال ابن عباس: معناه استمع ولم يشغل قلبه بغير ما يستمع، فهو شهيد لما يسمع ويفقهه غير غافل عنه، وهو قول مجاهد والضحاك وسفيان، يقال ألق إلي سمعك أى استمع. وقال قتادة: وهو شهيد على صفة النبي صلى الله عليه واله في الكتب السالفة، وهذا في أهل الكتاب. والاول اظهر.

ثم أقسم الله تعالى فقال (ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام) وقد مضى تفسير مثله في غير موضع(1) (وما مسنا من لغوب) أى من نصب وتعب - في قول ابن عباس ومجاهد - واللغوب الاعياء.

قال قتادة: أكذب الله تعالى بذلك اليهود، فانهم قالوا: استراح الله يوم السبت، فهو عندهم يوم الراحة.

وقيل: إنما خلق الله السموات والارض وما بينهما في ستة أيام مع قدرته على ان يخلفهما في وقت، لان في ذلك لطفا للملائكة حين شاهدوه يظهر حالا بعد حال وقيل: لان في الخبر بذلك لطفا للمكلفين في ما بعد إذا تصوروا أن ذلك يوجد شيئا بعد شئ مع أدب النفس به في ترك الاستعجال إذا جرى في فعل الله لضروب من التدبير.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله (فاصبر) يامحمد (على ما يقولون) من قولهم: هو ساحر، وكذاب، ومجنون، واحتمل ذلك حتى يأتي الله بالفرج (وسبح بحمد ربك) أى نزهه عما لا يليق به (قبل طلوع الشمس) صلاة الفجر (وقبل الغروب) صلاة العصر - في قول قتادة وابن زيد - (ومن الليل) يعني صلاة الليل يدخل فيه صلاة المغرب والعتمة.

___________________________________

(1) انظر 4 / 451 و 5 / 385، 517 و 7 / 500 و 8 / 293 و 9 / 9 1

[375]

وقال ابن زيد: هو صلاة العتمة (وأدبار السجود) الركعتان بعد المغرب - في قول الحسن بن علي عليهما السلام ومجاهد والشعبي وابراهيم.

وقال الحسن (وقبل الغروب) صلاة الظهر والعصر.

وقال الركعتان بعد المغرب تطوعا.

وقيل: التسبيح بعد الصلاة - عن ابن عباس ومجاهد - وقيل: النوافل - عن ابن زيد - وأصل التسبيح التنزيه لله عن كل ما لا يجوز في صفة، وسميت الصلاة تسبيحا لما فيها من التسبيح، يقال: سبحان ربي العظيم، وروي ايضا أراد ب‍ (ادبار السجود) الركعتان بعد المغرب، وأدبار النجوم الركعتان قبل طلوع الفجر. وروي في الشواذ عن أبي عمر وأنه قرأ " فنقبوا " بتخفيف القاف، وهي لغة في التشديد. ورجل نقاب أى حاذق فظن عالم كان ابن عباس نقابا، والنقبة الحرب ونقب خف البعير إذا انتقب وقرئ على لفظ الامر وهو شاذ.

قوله تعالى: (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب(41) يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج(42) إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير(43) يوم تشقق الارض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير(44) نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد(45))

خمس آيات.

قرأ ابن كثير (يوم تشقق) مشددة الشين على معنى تتشقق وحذف احدى التائين: والتشقق التفطير. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله والمراد به جميع المكلفين (واستمع) أي اصغ إلى النداء وتوقعه (يوم ينادي المنادي) فالنداء الدعاء بطريقة

[376]

يا فلان، وكأن الناس يدعون فيقال لهم: يا معشر الناس قوموا إلى الموقف للجزاء والحساب، وقيل: ينادي المنادي من الصخرة التي في بيت المقدس، فلذلك قال (من مكان قريب) فيقول: يا أيها العظام البالية قومي لفصل القضاء وما اعد من الجزاء - في قول قتادة - (من مكان قريب) أي يسمع الخلق كلهم على حد واحد، فلا يخفى على احد لا قريب ولا بعيد وقوله (يوم يسمعون الصيحة بالحق) فالصيحة المرة الواحدة من الصوت الشديد ونقيضها الخدة تقول صاح يصيح صياحا وصيحة، فهو صائح، وتصايح وتصايحوا في الامر تصايحا، وصيح تصييحا وصايحه مصايحة، وهذه الصيحة هي النفخة الثانية للحشر إلى أرض الموقف (ذلك يوم الخروج).

وقوله (إنا نحن نحيي ونميت والينا المصير) اخبار منه تعالى عن نفسه بأنه هو الذي يحيي الخلق بعد ان كانوا جمادا أمواتا. ثم يميتهم بعد أن كانوا أحياء ثم يحييهم يوم القيامة وإلى الله يصيرون ويرجعون يوم القيامة (يوم تشقق الارض عنهم سراعا) أي الينا المصير في اليوم الذي تشقق الارض عن الاموات (سراعا) أي بسرعة لا تأخير فيها ثم قال (ذلك حشر علينا يسير) أي سهل علينا غير شاق. والحشر الجمع بالسوق من كل جهة.

ثم قال (نحن اعلم بما يقولون) يعني هؤلاء الكفار من حجدهم نبوتك وإنكارهم البعث والنشور، لا يخفى علينا من أمرهم شئ (وما أنت عليهم) يامحمد (بجبار) قال الحسن: ما أنت عليهم برب تجازيهم بأعمالهم. وإنما أنا المجازي لهم. وقيل: وما انت عليهم بفظ في دعائهم إلى توحيدالله وإخلاص عبادته.

والجبار العالي السلطان بأنه قادر على اذلال جميع العصاة بحسب الاستحقاق وهذه الصفة لا تصح إلا لله تعالى وحده، فان وصف بها الانسان كان ذما، لانه جعل

[377]

لنفسه من المقدرة ما ليس لها، وانشد الفضل:

عصينا حرمة الجبار حتى *** صبحنا الخوف الفا معلمينا(1)

وقيل (وما أنت بجبار) أي لا تتجبر عليهم، قال الفراء: يجوز ان يكون لا يجبرهم على الاسلام يقال: جبرته على الامر واجبرته بمعنى واحد.

وقال غيره: لم يسمع (فعال) من (أفعلت) إلا (دراك) من (أدركت) ويكون الجبار العالي السلطان على كل سلطان باستحقاق، ويكون العالي السلطان بادعاء.

ا ثم قال (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) إنما خص بالتذكير من يخاف وعيد الله، لانه الذي ينتفع به وإن كان تذكيره متوجها إلى جميع المكلفين.

قال الزجاج: إنما قال الله للنبي صلى الله عليه واله ذلك قبل ان يأمره بالقتال.

___________________________________

(1) تفسير الطبرى 26 / 103




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21400517

  • التاريخ : 18/04/2024 - 23:16

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net