00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الانشقاق 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء العاشر)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

84 - سورة الانشقاق

مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي خمس وعشرون آية في الكوفي والمدنيين وثلاث في البصري.

بسم الله الرحمن الرحيم

(إذا السماء انشقت(1) وأذنت لربها وحقت(2) وإذا الارض مدت(3) وألقت ما فيها وتخلت(4) وأذنت لربها وحقت(5) يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه(6) فأما من أوتي كتابه بيمينه(7) فسوف يحاسب حسابا يسيرا(8) وينقلب إلى أهله مسرورا(9))

تسع آيات.

يقول الله تعالى لنبيه وهو متوجه إلى جميع المكلفين على وجه الوعيد لهم والتخويف من عقابه والتنبيه لهم على قرب أو ان مجيئه (إذا السماء انشقت) وتقديره إذكر إذا السماء انشقت، ومعناه إذا انفطرت السماء وتصدعت وانفرجت، فالانشقاق افتراق إمتداد عن إلتئام، فكل انشقاق افتراق وليس كل افتراق انشقاقا وقيل: الانشقاق الانفطار، والانصداع الانفراج.

[308]

وقوله (وأذنت لربها وحقت) قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة: معناه سمعت وأطاعت أي كأنها سمعت بأذن وأطاعت بانقياد لتدبير الله. تقول العرب أذن لك هذا الامر أذنا بمعنى أسمع لك قال عدي بن زيد: ايها القلب تعلل بددن، إن همي في سماع وأذن وقال آخر:

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم اذنوا(1)

أي سمعوا وقال عدي بن زيد:

في سماع يأذن الشيخ له * وحديث مثل ما ذي مشار 2)

وقيل إن معنى و (حقت) حق لها أن تأذن بالانقياد لامر ربها، يقال: حق له أن يكون على هذا الامر بمعنى جعل ذلك حقا.

وقوله (وإذا الارض مدت روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (تمد الارض يوم القيامة مثل الاديم) ومعنى (مدت) بسطت إن الله تعالى يأمر بأن تمد مد الاديم العكاظي حتى يزيد في سعتها. وقيل معناه إنها تبسط باندكاك جبالها وآكامها حتى تصير كالصحيفة الملساء.

وقوله (والقت ما فيها وتخلت) معناه القت ما فيها من المعادن وغيرها، وتخلت منها، وذلك مما يؤذن بعظم الامر كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة وقال قتادة ومجاهد: أخرجت الارض أثقالها.

وقوله (وأذنت لربها وحقت) قد فسرناه وليس هذا على وجه التكرار، لان الاول في صفة السماء والثاني في صفة الارض فليس بتكرار وهذا كله من أشراط الساعة وجلائل الامور التى تكون فيها. وجواب (إذا السماء انشقت) محذوف وتقديره إذا كانت هذه الاشياء التي ذكرها وعددها رأى الانسان ما قدم من خير اوشر، وقيل جوابه في (إنك كادح) قال ابن خالويه الفاء مقدرة

___________________________________

(1) مر في 5 / 44.

(2) مر في 5 / 287

[309]

والتقدير إذا السماء انشقت إلى قوله (وحقت) فيا أيها الانسان إنك كادح.

وقال البلخي: الواو زائدة وجواب قوله (أذنت لربها) (وحقت) وهو كقوله (حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها) والاول هو الوجه.

وقوله (يا أيها الانسان) خطاب لجميع المكلفين من البشر من ولد آدم يقول الله لهم ولكل واحد منهم (يا أيها الانسان إنك كادح) والكدح السعي الشديد في الامر يقال: كدح الانسان في أمره يكدح، وفيه كدوح وخدوش أي آثار من شدة السعي في الامر، ومعنى (كادح إلى ربك كدحا) ايها الانسان إنك في امرك بشدة ومشقة إلى أن تلقى جزاء عملك من ربك، فانت لا تخلو في الدنيا من مشقة، فلا تعمل لها، واعمل لغيرها فيما تصير به إلى الراحة من الكدح، فالغني والفقير كل واحد منهما يكدح ما يقتضيه حاله.

وقوله (فملاقيه) تفخيم لشأن الامر الذي يلقى من جهته، فجعل لذلك لقاء جزائه، لقاء‌ه وهذا من المعاني العجيبة والحكمة البالغة والهاء في (فملاقيه) يحتمل أمرين: أن تكون كناية عن الله، وتقديره فملاقي ربك أي تلاقى جزاء ربك، ويحتمل أن تكون كناية عن الكدح، وتقديره فملاقي كدحك الذي هو عملك.

وقال تميم بن مقبل:

وما الدهر إلا تارتان فمنهما * أموت واخرى ابتغى العيش اكدح(1)

أي ادؤب وأسعى في طلب العيش.

ثم قسم تعالى أحوال الخلق يوم القيامة فقال (فأما من أوتي كتابه بيمينه) يعني من أعطي كتابه الذي فيه ثبت أعماله من طاعة او معصية بيده اليمنى (فسوف يحاسب حسابا يسيرا) أي يواقف على ما عمل من الحسنات وماله عليها من الثواب، وماحط عنه من الاوزار إما بالتوبة أو المغفرة، فالحساب اليسير التجاوز عن السيئات، والاحتساب بالحسنات.

___________________________________

(1) مر في 3 / 212 و 4 / 77 و 8 / 243

[310]

ومن نوقش بالحساب هلك، روي عن النبي صلى الله عليه واله، وقوله (وينقلب إلى أهله مسرورا أي فرحا مستبشرا.

وقيل المراد بالاهل - ههنا - هم الذين أعد الله لهم من الحور العين، ويجوز أن يكون المراد أقاربه إذا كانوا من أهل الجنة والسرور هو الاعتقاد أو العلم بوصول نفع اليه في المستقبل أو دفع ضرر عنه وقال قوم: هو معنى في القلب يلتذ لاجله بنيل المشتهى يقال: سر بكذا من مال أو ولد أو بلوغ أمل يسر سرورا.

قوله تعالى: (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره(10) فسوف يدعو ثبورا(11) ويصلي سعيرا(12) إنه كان في أهله مسرورا(13) إنه ظن أن لن يحور(14) بلى إن ربه كان به بصيرا(15))

ست آيات.

قرأ نافع وابن عامر وابن كثير والكسائي (يصلى) بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام. الباقون بفتح الياء وإسكان الصاد خفيفة. وأماله أهل الكوفة إلا عاصما.

لما ذكر الله تعالى حكم من يعطى كتابه بيمينه من المؤمنين وأهل الطاعات وما أعدلهم من أنواع النعيم وإنقلابه إلى أهله مسرورا، ذكر حكم الكفار الذين يعطون كتاب أعمالهم وراء ظهورهم، وروي أنه يخرج شماله من ظهره، ويعطي كتابه فيه.

والوجه في ذلك ما قدمناه من كون ذلك امارة للملاكة والخلائق أنه من أهل النار كما أن إعطاء الكتاب باليمين علامة على أنه من أهل الجنة.

ثم حكى ما يحل به فقال (فسوف يدعو ثبورا) فالثبور الهلاك أى يقول واهلاكاه. والمثبور الهالك. وقيل: إنه يقول واثبوراه.

[311]

وقال الضحاك يدعو بالهلاك.

وأصل الثبور الهلاك يقال: ثبره الله يثبره ثبرا إذا أهلكه.

ومثبر الناقة الموضع الذى تطرح ولدها فيه، لانها تشفي به على الهلاك، وثبر البحر إذا جزر لهلاكه بانقطاع مائه، يقال: تثابرت الرجال في الحرب إذا تواثبت، لاشفائها على الهلاك بالمواثبة.

والمثابر على الشئ المواظب عليه لحمله نفسه على الهلاك بشدة المواظبة.

وثبير جبل معروف والمثبرة تراب شبيه بالنورة إذا وصل عرق النخل اليه وقف، لانه يهلكه، وإنما يقول: واويلاه والهفاه واهلاكاه، لانه ينزل به من المكروه لاجله مثل ما ينزل بالمتفجع عليه.

وقوله (ويصلى سعيرا) معناه إن من هذه صفته يلزم الكون في السعير، وهي النار المتوقدة على وجه التأبيد.

وقوله (إنه كان في أهله مسرورا) معناه إنه اقتطعه السرور بأهله عما يلزمه أن يقدمه. فهو ذم له بهذا المعنى، ولو لم يكن إلا السرور بأهله لم يذم عليه وقيل: معناه إنه كان في أهله مسرورا بمعاصي الله ثم اخبر عنه (إنه ظن) في دار التكليف (أن لن يحور) أى لن يبعثه الله للجزاء، ولا يرجع حيا بعد أن يصير ميتا يقال: حار يحور حورا إذا رجع، وتقول: كلمته فما أحار جوابا أى مارد جوابا.

وفى المثل (نعوذ بالله من الحور بعد الكور) أى من الرجوع إلى النقصان بعدالتمام، وحوره إذا رده إلى البياض والمحور البكرة، لانه يدور حتى يرجع إلى مكانه، والمعنى إنه ظن ان لن يرجع إلى حال الحياة في الاخرة، فلذلك كان يرتكب المآثم وينتهك المحارم. فقال الله ردا عليه ليس الامر على ما ظنه (بلى) إنه يرجع حيا ويجازي على أفعاله.

وقوله (إنه كان به بصيرا) معناه إنه يخبر عن أنه لن يجوز، بلى ويقطع الله عليه بأنه يجوز على انه بصير به وبجميع الامور.

[312]

قوله تعالى: (فلا أقسم بالشفق(16) والليل وما وسق(17) والقمر إذا اتسق(18) لتركبن طبقا عن طبق(19) فمالهم لا يؤمنون(20) وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون(21) بل الذين كفروا يكذبون(22) والله أعلم بما يوعون(23) فبشرهم بعذاب أليم(24) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون(25))

عشر ايات.

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح الباء من (لتركبن) ومعناه لتركبن أنت يا محمد. الباقون بضم الباء على أن يكون خطابا للجميع.

يقول الله تعالى مقسما بالشفق، وقد بينا أن (لا) صلة في مثل هذا، والتقدير أقسم، وقد بينا أن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لاحد أن يقسم إلا بالله.

وقال بعضهم: أقسم برب الشفق، والشفق هو الحمرة التي تبقى عند المغرب في الافق، وقال الحسن وقتادة: الشفق الحمرة بين المغرب والعشاء الاخرة. وقال قوم: هو البياض.

والصحيح أن الشفق هو الحمرة الرقيقة في المغرب بعد مغيب الشمس وأصله الشفق في العمل، وهو الرقة على خلل فيه، وأشفق على كذا إذا رق عليه وخاف هلاكه. واشفق إذا رق بالخوف من وقوعه.

قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: علي ثوب كأنه الشفق يريد حمرة. والاعتبار بالشفق أنه علامة لوقت بعينه لا يختلف اقتضى اثبات علم به.

وقوله (والليل وما وسق) قسم آخر بالليل وإتساقه. وقيل: معنى وسق

[313]

جمع إلى مسكنه ما كان منتشرا بالنهار في تصرفه، يقال: وسقته أسقه وسقا إذا جمعته، وطعام موسوق أى مجموع في الغرائر والاوعية. والوسق الطعام المجتمع وقدره ستون صاعا.

وقوله (والقمر إذا اتسق) قسم آخر بالقمر واتساقه أى اجتماعه على تمام وهو افتعال من الوسق، فاذا تم نور القمر واستمر في ضيائه، فذلك الاتساق له.

وقال قتادة: معناه إذا استدار.

وقال مجاهد: إذا استوى.

وقوله (لتركبن طبقا عن طبق) جواب القسم، ومعناه منزلة عن منزلة وطبقة عن طبقة وذلك أن من كان على صلاح دعاه إلى صلاح فوقه، ومن كان على فساد دعاه إلى فساد فوقه، لان كل شئ يحن إلى شكله.

وقيل: معنى (طبقا عن طبق) جزاء عن عمل.

وقيل: معناه شدة عن شدة.

وقيل: طبقات السماء بعروج الارواح.

وقيل: معناه حالا عن حال من أحياء وإماتة، ثم أحياء.

وقيل: معناه لتصيرن إلى الاخرة عن الدنيا.

وقال ابوعبيدة: معناه لتركبن سنة الاولين ومن كان قبلكم.

ثم قال على وجه التبكيت لهم والتفريع (فما لهم لا يؤمنون) أى أى شئ لهم لاجله لا يصدقون بالله واليوم الاخر ولا يعترفون بالثواب والعقاب.

وقيل: معناه ما لهم لا يؤمنون أى ما وجه الارتياب الذى يصرفهم عن الايمان.

وقوله (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) عطف على قوله (لا يؤمنون) والمعنى ما الذى يصرفهم عن الايمان وعن السجود لله والخضوع له والاعتراف بوحدانيته إذا بلي عليهم القرآن الذى أنزلته على محمد صلى الله عليه واله الذى يلين القلب للعمل من الوعظ والوعد والوعيد يميز به بين الحق والباطل، وهو مع ذلك معتذر عليهم الاتيان بمثله، فهو معجز له صلى الله عليه واله.

[314]

ثم قال تعالى (بل الذين كفروا يكذبون) معناه إن الذى يمنعهم من السجود عند تلاوة القرآن تكذيبهم جهلا بما عليهم وعدولا عن الحق. وفي ذلك التحذير من الجهل والحث على طلب العلم.

وقيل: معناه ما لهم لا يؤمنون، ولا بد من الجزاء على الاعمال ثم قال: تكذيبهم عن جهل منهم يصرفهم عن ذلك.

وقوله (والله اعلم بما يوعون) قال قتادة ومجاهد: معناه بما يوعون في صدورهم وإنما قال: يوعون، لانهم يحملون الاثام في قلوبهم، فشبه ذلك بالوعاء، يقال: أوعيت المتاع ووعيت العلم، قال الفراء: الاصل جعل الشئ في وعاء، والقلوب شبه أوعية لما يحصل فيها من معرفة او جهل.

ثم قال للنبي صلى الله عليه واله (فبشرهم) يا محمد جزاء على كفرهم (بعذاب اليم) أي مؤلم. ثم استثنى من جملة من يخاطبه فقال (إلا الذين آمنوا) بالله (وعملوا) الاعمال (الصالحات لهم أجرا غير ممنون) أي غير منقوص، في قول ابن عباس وقال غيره: غير مقطوع، وقيل: غير منغص بالمن الذى يؤذي. وإنما قيل له: من، لانه قطع له عن شكر النعمة.

قال الزجاج: تقول العرب: مننت الحبل إذا قطعته قال لبيد:

لمعفر قهد تنازع شلوه * غبس كواسب ما يمن طعامها(1)

أى ما ينقص، وقيل ما يكدر، وكان ابن مجاهد ومحمد بن القاسم الانبارى يقفان على قوله (فبشرهم بعذاب اليم) ويبتدؤن بقوله (إلا الذين آمنوا) قال ابن خالويه: فسألتهما عن ذلك فقالا: الاستثناء منقطع ومعناه (لكن).

___________________________________

(1) مر في 1 / 322

[315]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338862

  • التاريخ : 29/03/2024 - 12:11

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net