00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الغاشية 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء العاشر)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

88 - سورة الغاشية

مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ست وعشرون آية بلا خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

(هل أتيك حديث الغاشية(1) وجوه يومئذ خاشعة(2) عاملة ناصبة(3) تصلى نارا حامية(4) تسقى من عين آنية(5) ليس لهم طعام إلا من ضريع(6) لا يسمن ولا يغني من جوع(7) وجوه يومئذ ناعمة(8) لسعيها راضية(9) في جنة عالية(10))

عشر آيات.

[334]

قرأ اهل البصرة وأبوبكر عن عاصم (تصلى) بضم التاء على مالم يسم فاعله يعني تصلى الوجوه (نارا حامية) الباقون بفتح التاء على أن تكون الوجوه هي الفاعلة هذا خطاب من الله تعالى للنبي صلى الله عليه واله يقول له هل أتاك يامحمد ومعناه قد أتاك (حديث الغاشية) قال ابن عباس والحسن وقتادة: الغاشية يوم القيامة تغشى الناس بالاهوال.

وقال سعيد بن جبير: الغاشية النار تغشى وجوه الكفار بالعذاب والشواظ.

والغاشية المجللة لجميع الجملة، غشيت تغش غشيانا فهي غاشية، وأغشاها غيرها إغشاء إذا جعلها تغشى. وغشاها تغشية، وتغشى بها تغشيا.

وقوله (وجوه يومئذ خاشعة) معناه إن وجوه العصاة والكفار في ذلك ذليلة خاضعة من ذلك المعاصي التي فعلتها في دار الدنيا. والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه وإنما ذكر الوجوه، لان الذل والخضوع يظهر فيها.

وقوله (عاملة ناصبة) قال الحسن وقتادة: معناه لم تعمل لله في الدنيا، فاعمالها في النار.

وقال قوم: معناه عاملة ناصبة في دار الدنيا بما يؤديها إلى النار، وهو مما اتصلت صفتهم في الدنيا بصفتهم في الاخرة.

ومعنى الناصبة والنصبة التعبة وهي التي اضعفها الانتصاب للعمل يقال: نصب الرجل ينصب نصبا إذا تعب في العمل ثم بين تعالى ما يعمل بمن وصفه من ذوي الوجوه، فقال (تصلى نارا حامية). أي تلزم الاحراق بالنار الحامية التي في غاية الحرارة و (تسقى) أيضا (من عين آنية) قال ابن عباس وقتادة: آنية بالغة النهاية في شدة الحر.

وقوله (ليس لهم طعام الا من ضريع) فالضريع نبات تأكله الابل يضر ولا ينفع كما وصفه الله (لا يسمن ولا يغني من رجوع) وإنما يشتبه الامر عليهم فيتوهموا انه كغيره من النبت الذى ينفع، لان المضارعة المشابهة، ومنه أخذ الضرع وقيل: الضريع الشرق.

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: هو سم.

[335]

وقال الحسن: لا أدري ما الضريع لم أسمع من اصحاب محمد صلى الله عليه واله فيه شيئا.

وقال قوم: ضريع بمعنى مضرع أي يضرعهم يذلهم.

وقيل: من ضريع يضرع آكله في الاعفاء منه لخشونته وشدة كراهته.

ثم بين وجوه المطيعين المؤمنين الذين عملوا الطاعات فقال (وجوه يومئذ ناعمة) أي منعمة في أنواع اللذات (لسعيها راضية) بما أداها اليه من الثواب والجزاء والكرامة جزاء لطاعاته التى عملها في الدنيا.

وقوله (في جنة عالية) أي في بستان أجنه الشجر على الشرف والجلالة وعلو المكان والمنزلة، بمعنى أنها مشرفة على غيرها من البساتين وهي انزه ما يكون.

قوله تعالى: (لا تسمع فيها لاغية(11) فيها عين جارية(12) فيها سرر مرفوعة(13) وأكواب موضوعة(14) ونمارق مصفوفة(15) وزرابي مبثوثة(16) أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت(17) وإلى السماء كيف رفعت(18) وإلى الجبال كيف نصبت(19) وإلى الارض كيف سطحت(20))

عشر آيات.

قرأ (لا يسمع) بالياء المضمومة (فيها لاغية) رفعا على ما لم يسم فاعله لان التأنيث ليس بحقيقي وقد فصل بينهما ب‍ (فيها) ابن كثير وأب وعمرو وريس. وقرأ نافع وحده (لا تسمع) بالتاء مضمومة (لاغية) مرفوعة، لان اللفظ لفظ التأنيث. الباقون بفتح التاء على الخطاب (لاغية) منصوبة، لانها مفعول بها.

[336]

لما ذكر الله تعالى ان المؤمنين يحصلون في جنة عالية في الشرف والمكان بين انه (لا يسمع فيها) في تلك الجنة (لاغية) وهي كلمة لا فائدة فيها قال الشاعر: عن اللغا ورفث التكلم(1) واللغو واللغا بمنزلة واحدة، ولغي يلغي، ولغا يلغو، والغاه الغاه.

وقيل (لاغية) بمعنى ذات لغو، كقولهم نابل ودارع أي ذو نبل ودرع، وتامر ذو تمر قال الحطيئة:

وغررتني وزعمت إنك * لابن باليضف تامر(2)

وقيل: إنها المصدر مثل العاقية.

ويجوز أن يكون نعتا، وتقديره لا يسمع فيها كلمة لاغية والاول أصح، لقوله (لا لغو فيها ولا تأثيم)(3) وإنم انفى اللاغية عن الجنة، لان في سماع ما لا فائدة فيه ثقلا على النفس، ثم بين أن فيها أيضا أي في تلك الجنة عينا من الماء جارية، لان في العين الجارية متعة ليس في الواقف.

وقوله (فيها سرر مرفوعة) ليرى المؤمن بجلوسه عليها جميع ما حوله من الملك.

وقوله (واكواب موضوعة) أي على حافة العين الجارية، كلما أراد شربها وجدها مملوء‌ة، فالاكواب جمع ركوب، وهي الاباريق التى ليس لها خراطيم، فهي للشراب من الذهب والفضة والجوهر يتمتعون بالنظر اليها بين أيديهم ويشربون بها ما يشتهون من لذيذ الشراب، وهي كأفخر الاكواز التى توضع بين يدي الملوك.

وقيل: الاكواب كالا باريق لاعرى لها ولا خراطيم وهي آنية تتخذ للشراب فاخرة حسنة الصورة.

وقوله (ونمارق مصفوفة) قال قتادة: النمارق الوسائد واحدها نمرقة وهي الوسادة، وهي تصلح للراحة، ورفع المنزلة.

وقوله (وزرابي مبثوثة) فالزرابي البسط الفاخرة واحد هما زربية. وقيل قد سمع (نمرقة) بضم النون والراء وكسرهما

___________________________________

(1) مر في 2 / 132، 164، 230 و 7 / 38 و 8 / 193 و 9 / 120.

(2) مر في 8 / 468.

(3) سورة 52 الطور آية 23

[337]

ثم نبه تعالى على الادلة التي يستدل بها على توحيده ووجوب إخلاص العبادة له فقال (أفلا ينظرون) أي أفلا يتفكرون بنظرهم (إلى الابل كيف خلقت) ويعتبرون بما خلقه الله عليه من عجيب الخلق، ومع عظمه وقوته يذلله الصبي الصغير فينقاد له بتسخير الله ويبركه ويحمل عليه ثم يقوم، وليس ذلك في شئ من الحيوان، بتسخير الله لعباده ونعمته به على خلقه (وإلى السماء) أى وينظرون إلى السماء (كيف رفعت) رفعها فوق الارض وجعل بينهما هذا الفضاء الذي به قوام الخلق وحياتهم.

ثم ما خلقه فيه من عجائب الخلق من النجوم والشمس والقمر والليل والنهار الذي بجميع ذلك ينتفع الخلق وبه يتم عيشهم ونفعهم (والى الجبال كيف نصبت) * أي ويفكرون في خلق الله تعالى الجبال اوتاد الارض ومسكه لها ولولاها لمادت الارض بأهلها، ولما صح من الخلق التصرف عليها (وإلى الارض كيف سطحت) أى وينظرون إلى الارض كيف بسطها الله وسطحها ووسعها ولولا ذلك لما صح الانتفاع بها والاستقرار عليها، وهذه نعم من الله تعالى على خلقه لا يوازيها نعمة منعم، ولا يقاربها إحسان محسن فيجب أن يقابل ذلك باعظم الشكر.

قوله تعالى: (فذكر إنما أنت مذكر(21) لست عليهم بمصيطر(22) إلا من تولى وكفر(23) فيعذبه الله العذاب الاكبر(24) إن إلينا إيابهم(25) ثم إن علينا حسابهم(26))

ست آيات.

قرأ ابوعمرو والكسائي بمسيطر بالسين باختلاف عنهما. الباقون بالصاد إلا حمزة، فانه اشم الصاد زايا.

[338]

لما بين الله تعالى الدلالة على وحدانيته ونبه على الاستدلال بها، قال لنبيه محمد صلى الله عليه وا له (فذكر) يامحمد (إنما أنت مذكر) فالتذكير التعريف للذكر بالبيان الذي يقع به الفهم، والنفع بالتذكير عظيم، لانه طريق للعلم بالامور التي نحتاج اليها وملين القلب للعمل بها، ومذكر يعني بنعم الله تعالى عندهم وما يجب عليهم في مقابلتها من الشكر والعبادة فقد أوضح الله تعالى طريق الحجج في الدين وأكده غاية التأكيد بما لا يسع فيه التقليد بقوله (إنما أنت مذكر) وقوله (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)(1) وقوله (إن في ذلك لاية لقوم يعقلون)(2) و (آية لقوم يتفكرون)(3) و (آية لقوم يذكرون)(4) و (لايات لاولى الالباب)(5) وقوله (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)(6) وقوله (وجادلهم بالتي هي احسن)(7) ومحاجة إبراهيم عليه السلام للكافر بربه(8) وقوله (فاعتبروا يااولى الابصار)(9) وقوله (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها)(10)

وقوله (لست عليهم بمسيطر) فالمسيطر المسلط على غيره بالقهر له يقال تسيطر فلان على فلان، وسيطر إذا تسلط، وعلى وزن مسيطر مبيطر.

وقال ابوعبيدة: لا ثالث لهما من كلام العرب، وقيل: كان هذا قبل فرض الجهاد، ثم نسخ،

___________________________________

(1) سورة 51 الذاريات آية 55.

(2) سورة 16 النحل آية 67.

(3) سورة 16 النحل آية 11، 69.

(4) سورة 16 النحل آية 13.

(5) سورة 3 آل عمران آية 190.

(6) سورة 2 البقرة آية 111 وسورة 27 النمل آية 64.

(7) سورة 16 النحل آية 25.

(8) انظر 2 / 316 من هذا الكتاب.

(9) سورة 59 الحشر آية 2.

(10) سورة 47 محمد آية 24

[339]

ويجوز أن يكون غير منسوخ، لان الجهاد ليس باكراه القلوب.

وقوله (إلا من تولى وكفر) قيل في هذا الاستثناء قولان: احدهما - انه منقطع وتقديره، لكن من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر الثاني - إلا من تولى فانك مسلط عليه بالجهاد، فالله يعذبه العذاب الاكبر.

وقال الحسن المعنى: إلامن تولى وكفر، فكله إلى الله.

وقيل معناه إلامن تولى وكفر فلست له بمذكر، لانه لا يقبل منك، فكذلك لست تذكرة.

وقوله (إن الينا إيابهم) فالاياب الرجوع، آب يؤب أوبا وإيابا وتأوب تأوبا وأوب يؤوب تأويبا، ويقال: أيب إيابا على (فيعل، فيعالا) من الاوب وعلى هذا قرئ في الشواذ (أيابهم) بالتشديد، قال عبيد:

وكل ذي غيبة يؤوب * وغائب الموت لا يؤوب(1)

والمعنى ان مرجع الخلق يوم القيامة - إلى الله فيحاسبهم ويجازي كل واحد منهم على قدر عمله، فحساب الكفار مقدار ما لهم وعليهم من استحقاق العقاب، وحساب المؤمن بيان ما له وعليه حتى يظهر استحقاق الثواب.

___________________________________

(1) مر في 6 / 468

[340]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21395222

  • التاريخ : 16/04/2024 - 20:32

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net