00989338131045
 
 
 
 
 
 

  سورة البلد 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء العاشر)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

90 - سورة البلد

مكية في قول ابن عباس وقال الضحاك، انزلت حين افتتحت مكة وهي عشرون آية بلا خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

(لا أقسم بهذا البلد(1) وأنت حل بهذا البلد(2) ووالد وما ولد(3) لقد خلقنا الانسان في كبد(4) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد(5) يقول أهلكت مالا لبدا(6) أيحسب أن لم يره أحد(7) ألم نجعل له عينين(8) ولسانا وشفتين(9) وهديناه النجدين(10))

عشر آيات.

قرأ ابوجعفر (لبدا) بتشديد الباء. الباقون بالتخفيف.

قوله (لااقسم) معناه أقسم، ولا صلة، كما قال الشاعر: ولا ألوم البيض ان لا تسخرا(1) أي ان تسخر.

وقيل: هي ردا لكلام على طريق الجواب، لمن قد ظهر منه

___________________________________

(1) مر في 1 / 45

[350]

الخلاف أى ليس الامر على ما يتوهم. وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى. فاذا أثبت انه اقسم، فلا ينافي قوله (وهذا البلد الامين) لان هذا قسم آخر مثله. وإنما يكون مناقضة لو أراد نفي القسم بقوله (لا اقسم) فأما إذا كان الامر على ما بيناه فلا تنافي بينهما.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: يعني بالبلد مكة.

وقوله (وانت حل بهذا البلد) فمعناه في قول ابن عباس أنه حلال لك به قتل من رأيت حين أمر بالقتال، فقتل ابن حنظل صبرا، وهو آخذ باستار الكعبة ولم يحل لاحد بعده. وبه قال مجاهد وابن زيد والضحاك.

وقال عطاء: لم يحل إلا لنبيكم ساعة من النهار.

وقال الحسن: معناه وأنت فيه محسن وأنا عنك راض.

وقيل: معناه أنت حل بهذا البلد أي انت فيه مقيم، وهو محلل.

والمعنى بذلك التنبيه على شرف البلد بشرف من حل فيه من الرسول الداعي إلى تعظيم الله وإخلاص عبادته المبشر بالثواب والمنذر بالعقاب، ويقال: رجل حل أي حلال وقالوا: حل معناه حال. أي ساكن.

وقوله (ووالد وما ولد) قسم آخر بالوالد وما ولد، قال ابن عباس وعكرمة: المعني بذلك كل والد وما ولد يعني العاقل.

وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وسفيان وابوصالح: يعني آدم وولده.

وقال ابوعمران الحوبي: يعني به إبراهيم عليه السلام وولده.

وقوله (لقد خلقنا الانسان في كبد) جواب القسم، ومعنى كبد قال ابن عباس والحسن: في شدة.

وقال قتادة: معناه يكابد الدنيا والاخرة.

قال مجاهد وابو صالح وإبراهيم النخعي وعبدالله بن شداد: معناه في إنتصاب قامة، فكأنه في شدة قوام مخصوص بذلك من سائر الحيوان، قال لبيد:

[351]

يا عين هلا بكيت أربد إذ * قمنا وقام الخصوم في كبد(1)

أي في شدة نصب، فالكبد في اللغة شدة الامر يقال: تكبد اللبن إذا غلظ واشتد، ومنه الكبد، كأنه دم يغلظ ويشتد، وتكبد الدم إذا صار كالكبد، والانسان مخلوق في شدة أمر بكونه في الرحم. ثم في القماط والرباط. ثم على خطر عظيم عند بلوغه حال التكليف، فينبغي له أن يعلم ان الدنيا دار كد ومشقة، وأن الجنة هي دار الراحة والنعمة.

وقوله (ايحسب أن لن يقدر عليه أحد) معناه أيظن هذا الانسان أن لن يقدر على عقابه أحد إذا عصى الله تعالى وارتكب معاصيه فبئس الظن ذلك.

وقيل: إنها نزلت في رجل يقال له أبوالاسدين كان من القوة بحيث يقف على أديم عكاظي فيجري العسرة من تحته، فتنقطع ولا يبرح من عليه فقال الله تعالى (أيحسب) لشدته وقوته (أن لن يقدر عليه احد) ثم حكى ما يقول هذا الانسان من قوله (أهلكت مالا لبدا) قال الحسن: معناه يقول أهلكت مالا كثيرا، فمن يحاسبني عليه، حميق ألم يعلم ان الله قادر على محاسبته، اللبد الكثير الذي قد تراكب بعضه على بعض، ومنه تلبد القطن والصوف إذا تراكب بعضه على بعض، وكذلك الشعر ومنه اللبد ومن قرأ (لبدا) بتشديد الباء، فهو جمع لابد.

وقوله (ايحسب أن لم يره احد) ايظن هذا الانسان انه لم يبصره أحد فيطالبه من اين كسب هذا المال، وفي أي شئ أنفقه - ذكره قتادة - وقيل: معنا ايظن أن لم يره أحد في انفاقه، لانه كاذب..

وقال الحسن: يقول: أنفقت مالا كثيرا فمن يحاسبني عليه.

وقيل الايه نزلت في رجل من بني جمح يكنى أبا الاسدين، وكان قويا شديدا.

___________________________________

(1) ديوانه 1 / 19 ومجاز القرآن 2 / 299

[352]

ثم نبهه تعالى على وجوه النعمة التي أنعم بها عليه ليستدل بها على توحيده وخلع الانداد دونه بقوله (ألم نجعل له عينين) ليبصر بهما (ولسانا وشفتين) لينطق بهما (وهديناه النجدين) ليستدل بهما. وفي ذلك دليل واضح على أنه صادر من مختار لهذه الافعال التي فعلها بهذه الوجوه، فأحكمها لهذه الامور، فالمحكم المتقن لا يكون إلا من عالم، وتعليقه بالمعاني لا يكون إلا من مختار، لانه لا يعلق الفعل بالمعاني إلا في الارادة.

وقال ابن مسعود: وابن عباس: معنى هديناه النجدين: نجد الخير والشر، وبه قال الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة، وفي رواية عن ابن عباس أنهما الثديان، والنجدان الطريقان للخير والشر. وأصل النجد للعلو ونجد بلد سمي نجد العلوة عن انجفاض تهامة، وكل عال من الارض نجد، والجمع نجود، ورجل نجد بين النجدة إذا كان جلدا قويا، لاستعلائه على قوته، واستنجدت فلانا فانجدني أي استعنته على خصمي فأعانني، والنجد الكرب والغم، والنجاد ما على العاتق من حمالة السيف، وشبه طريق الخير والشر بالطريقين العاليين لظهوره فيهما.

قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة(11) وما أدريك ما العقبة(12) فك رقبة(13) أو إطعام في يوم ذي مسغبة(14) يتيما ذا مقربة(15) أو مسكينا ذا متربة(16) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة(17) أولئك أصحاب الميمنة(18) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة(19) عليهم نار مؤصدة(20))

عشر ايات.

[353]

قرأ ابن كثير وابوعمرو والكسائي (فك رقبة أو اطعم في يوم ذي مسغبة) بغير الف على انه فعل ماض. الباقون (فك رقبة) على الاضافة ويكون الاضافة إلى مفعول (او إطعام) فوجه الاول قوله (فلا أقتحم العقبة فك رقبة) الثاني أنه على جواب و (ما أدراك ما العقبة) فيكون الجواب بالاسم وتلخيصه هلا اقتحم العقبة ولا يجوز الصراط إلا من كان بهذه الصفة يفك رقبة او يطعم يتيما في يوم ذي مسغبة مجاعة، فلا اقتحم بمعنى لم، كما قال (فلا صدق ولاصلى)(1) ومعناه لم يصدق ولم يصل، وإنما لم يكرر (لا) لان معنا (ثم كان من الذين آمنوا) يدل على انه لم يقتحم ولم يؤمن، وقرأ ابوعمرو وحمزة وحفص وخلف (مؤصدة) بالهمز. الباقون بغير همز وهما لغتان، يقال: أصدت الباب او صده إيصادا فهو مؤصد بالهمز، وأوصدته فهو موصد بغير همز. والوصيد الباب من أوصدت.

لما نبه الله تعالى الانسان على وحدانيته وإخلاص عبادته بقوله (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين) وما فيهما من الدلالة على قدرته وعلمه وانه هدى الانسان طريق الخير والشر ورغبه في اتباع الخير وزجره عن إتباع الشر، قال حاثا له على فعل الخير بقوله (فلا أقتحم العقبة) قال الحسن: عقبة - والله شديدة - مجاهدة الانسان نفسه وهواه وعدوه والشيطان، ولم يكرر (لا) في اللفظ، وهي بمنزلة المكرر في المعنى كأنه قال: أفلا اقتحم العقبة وحذف الاستفهام، والمراد به التنبيه، والاقتحام الدخول على الشدة يقال اقتحم اقتحاما، واقحم إقحاما تقحم تقحما وقحم تقحيما ونظيره الادخال والايلاج. والمعنى هلا دخل في البر على صعوبة كصعوبة اقتحام العقبة، والعقبة الطريقة التي ترتقى على صعوبة. ويحتاج فيها إلى معاقبة الشدة بالتضييق

___________________________________

(1) سورة 75 القيامة آية 31

[354]

والمخاطرة، وقيل: العقبة الننئة الضيقة في رأس الجبل يتعاقبها الناس، فشبهت بها العقبة في وجوه البر التى ذكرها الله تعالى. وعاقب الرجل صاحبه إذا صار في موضعه بدلا منه.

وقال قتادة: فلا اقتحم العقبة إنها قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة الله.

وقال أبوعبيدة: معناه فلم يقتحم في الدنيا.

ثم فسر العقبة فقال (وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذي مسغبة) وتقديره إقتحام العقبة فك رقبة، لان العقبة جثة والفك حدث، فلا يكون خبرا عن جثة.

قال ابوعلي و (لا) إذا كانت بمعنى (لم) لم يلزم تكرارها.

ثم بين تعالى ما به يكون اقتحام العقبة فقال (فك رقبة) فالفك فرق يزيل المنع، ويمكن معه أمر لم يكن ممكنا قبل، كفك القيد والغل، لانه يزول به المنع، ويمكن به تصرف في الارض لم يكن قبل، ففك الرقبة فرق بينها وبين حال الرق بايجاب الحرية وإبطال العبودية.

وقوله (او إطعام في يوم ذي مسغبة) فالمسغبة المجاعة سغب يسغب سغبا إذاجاع، فهو ساغب قال جرير:

تعلل وهي ساغبة بنيها * بأنفاس من الشبم القراح(1)

وقوله (يتيما) نصب ب‍ (إطعام) في قراء‌ة من نون نصبه بالمصدر.

ومن قرأ على الفعل الماضي نصبه به، فهو مفعول به في الحالين، واليتيم الصبي الذي قد مات ابوه وأمه، والاغلب في اليتيم من الاب في الناس.

وقوله (ذا مقربة) معناه ذا قرابة، ولا يقال: فلان قرابتي وإنما يقال ذو قرابتي، لانه مصدر، كما قال الشاعر:

يبكي الغريب عليه حين يعرفه * وذو قرابته في الناس مسرور

وقوله (او مسكينا) عطف على يتيما. و (ذا متربة) معناه ذا حاجة شديدة

___________________________________

(1) اللسان (قرح)

[355]

من قولهم: ترب الرجل إذا افتقر - في قول ابن عباس - أيضا ومجاهد، يقال: أترب الرجل إذا استغنى، وترب إذا افتقر.

وقوله (ثم كان من الذين آمنوا) معناه كان الانسان من جملة المؤمنين إذا فعل ذلك وعقد الايمان، ثم أقام على إيمانه (وتواصوا) أي وصى بعضهم بعضا (بالصبر) على الشدائد والمحن والمصائب (وتواصوا) أيضا (بالمرحمة) أي وصى بعضهم بعضا بأن يرحموا الفقراء وذوي المسكنة.

وقوله (أولئك اصحاب الميمنة) معناه إنهم متى فعلوا ذلك كانوا أصحاب الميمنة الذين يعطون كتابهم بأيمانهم أو يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، والميمنة اليمن والبركة، والمرحمة حال الرحمة.

وقوله (والذين كفروا بآياتنا) معناه إن الذين يجحدون نعم الله ويكذبون أنبياء‌ه (هم اصحاب المشأمة) أي ذات الشمال فيؤخذ بهم إلى النار، ويعطون كتابهم بشمالهم، واشتقاقه من الشؤم خلاف البركة (عليهم نار مؤصدة) قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: معناه عليهم نار مطبقة.

[356]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21402842

  • التاريخ : 19/04/2024 - 17:24

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net