00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الانشراح 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء العاشر)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

94 - سورة الانشراح

مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ثمان آيات بلا خلاف

بسم الله الرحمن الرحيم

(ألم نشرح لك صدرك(1) ووضعنا عنك وزرك(2) الذي أنقض ظهرك(3) ورفعنا لك ذكرك(4) فإن مع العسر يسرا(5) إن مع العسر يسرا(6) فاذا فرغت فانصب(7) وإلى ربك فارغب(8))

ثمان آيات.

روى اصحابنا ان ألم نشرح من الضحى سورة واحدة لتعلق بعضها ببعض ولم يفصلوا بينهما ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) وأوجبوا قراء‌تهما في الفرائض في ركعة وألا يفصل بينهما. ومثله قالوا في سورة (ألم ترك كيف) و (الايلاف) وفى المصحف هما سورتان فصل بينهما ببسم الله. والمعني بهذه الايات تعداد نعم الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله في الامتنان بها عليه فقال (ألم نشرح لك صدرك) فالشرح فتح الشئ باذهاب ما يصد عن إدراكه فالله تعالى قد فتح صدر نبيه باذهاب الشواغل التي تصد عن إدراك الحق وتعظيمه بما يجب له.

ومنه قول القائل: أشرح صدري لهذا الامر. وشرح فلان كتاب كذا، ومنه تشريح اللحم إذا فتحه ورققه، ومنه قوله (أفمن شرح الله صدره

[372]

للاسلام)(1) وقال البلخي: كان النبي صلى الله عليه واله ضاق صدره بمغاضبة الجن والانس له فآتاه الله من آياته ووعده ما اتسع قلبه لكل ما حمله الله وأمره به.

وقال الجبائي: شرح الله صدره بأن فعل له لطفا بسنن منه إلى ما كلفه الله وسهل عليه، وكان ذلك ثوابا على طاعاته لا يجوز فعله بالكفار.

وعكسه ضيق الصدر كما قيل في قوله (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون)(2) والصدر الموضع الارفع الذي فيه القلب، ومنه أخذ صدر المجلس تشبيها بصدر الانسان. وصدرته بكذا إذا جعلته في أول كلامك. والصدر لان الاوامر تصدر عنه. وصادره إذا اخذ ما يصدر عنه والاصل الانصراف عن الشئ.

وقوله (ووضعنا عنك وزرك) قال الحسن: يعني بالوزر الذي كان عليه في الجاهلية قبل النبوة.

وقال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد: يعني ذنبك.

قالوا: وإنما وصفت ذنوب الانبياء بهذا الثقل مع انها صغائر مكفرة لشدة اغتمامهم بها وتحسرهم على وقوعها مع ندمهم عليها.

وهذان التأويلان لا يصحان على مذهبنا، لان الانبياء عليهم السلام لا يفعلون شيئا من القبائح لا قبل النبوة ولا بعدها ولا صغيرة ولا كبيرة، فاذا ثبت هذا، فمعنى الاية هو أن الله تعالى لما بعث نبيه وأوحى اليه وانتشر أمره وظهر حكمه كان ما كان من كفار قومه وتتبعهم لاصحابه باذاهم له وتعرضهم إياهم ما كان يغمه ويسؤه ويضيق صدره ويثقل عليه، فازال الله ذلك بأن أعلى كلمته وأظهر دعوته وقهر عدوه.

وانجز وعده ونصره على قومه، فكان ذلك من اعظم المنن وأجزل النعم.

فاذا قيل: السورة مكية، وكان ما ذكرتموه بعد الهجرة؟ !

___________________________________

(1) سورة 39 الزمر آية 22.

(2) سورة 6 الانعام آية 125

[373]

قيل: ليس يمنع أن يكون الله أخبره بأن ذلك سيكون فيما بعد ليبشره به ويسليه عما هو عليه فجاء بلفظ الماضي وأراد الاستقبال، كما قال (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار)(1) وكما قال (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك)(2) والوزر الثفل في اللغة، ومنه اشتق اسم الوزير لتحمله أثقال الملك. وإنما سميت الذنوب أوزارا لما فيها من العقاب العظيم.

وقوله (الذي انقض ظهرك) نعت الوزر، ووصفه بأنه انقض ظهره بمعنى أثقله، والانقاض الاثقال الذي ينتقض به ما حمل عليه. أنقض ينقض انقاضا والنقض والهدم واحد، ونقض المذهب إبطاله بما يفسده.

وقال الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد: معنى انقض أثقل، وبعير نقض سفر إذا أثقله السفر.

وقوله (ورفعنا لك ذكرك) قال الحسن ومجاهد وقتادة: معناه إني لا اذكر إلا ذكرت معي يعني ب‍ (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه واله).

وقوله (فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا) يدل على أن التأويل في قوله (ووضعنا عنك وزرك) ما قلناه، لان الله بشره أنه يكون مع العسر يسرا وروي عن ابن عباس أنه قال: لن يغلب عسر واحد يسرين، لانه حمل العسر في الايتين على انه واحد لكونها بالالف واللام، واليسر منكر في تثنية الفائدة، والثاني غير الاول، والعسر صعوبة الامر وشدته، واليسر سهولته.

ثم قال له (فاذا فرغت فانصب) قال ابن عباس: معناه فاذا فرغت من فرضك فانصب إلى ما رغبك الله فيه من العمل.

وقال قتادة: معناه فاذا فرغت من صلاتك فانصب إلى ربك في الدعاء.

وقال مجاهد: معناه فاذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى عبادة ربك.

ومعنى (فانصب) ناصب يقال: ناله هم ناصب أي ذو نصب.

___________________________________

(1) سورة 7 الاعراف آية 43.

(2) سورة 43 الزخرف آية 77

[374]

ويقال: أنصبني الهم فهو منصب قال الشاعر: تعناك هم من أميمة منصب(1) وقال النابغة: كليني لهم يا اميمه ناصب(2) أي فيه نصب كقوله (عيشة راضية)(3) أي ذات رضى.

والخطاب وإن كان متوجها إلى النبي صلى الله عليه واله فالمراد به جميع المكلفين من أمته، والفراغ انتفاء كون الشئ المضاد لكون غيره في المحل. ونقيضه الشغل، وهو كون الشئ المضاد في المحل ومنه أخذ شغل الافعال، ولهذا لا يوصف تعالى بأنه يشغله شئ عن شئ، لانه تعالى يخترع ما شاء من الافعال.

وقوله (وإلى ربك فارغب) حث له على الرغبة في الطلب من الله تعالى دون غيره.

___________________________________

(1) مر في 8 / 567.

(2) مر في 5 / 368 و 6 / 95 329 و 8 / 122، 567.

(3) سورة 69 الحاقة آية 21 وسورة 101 القارعة آية 7

[375]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335671

  • التاريخ : 28/03/2024 - 16:46

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net