00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة العلق 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء العاشر)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

 96 - سورة العلق

مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي تسع عشرة آية في الكوفي والبصري وعشرون في المدنيين

بسم الله الرحمن الرحيم

(إقرأ باسم ربك الذي خلق(1) خلق الانسان من علق(2) إقرأ وربك الاكرم(3) الذي علم بالقلم(4) علم الانسان مالم يعلم(5) كلا إن الانسان ليطغى(6) أن رءاه استغنى(7) إن إلى ربك الرجعى(8) أرأيت الذي ينهى(9) عبدا إذا صلى(10))

عشر آيات.

روي عن عائشة ومجاهد وعطاء وابن سيار: ان أول آية نزلت قوله (إقرأ باسم ربك الذي خلق) وهو قول أكثر المفسرين.

وقال قوم: أول ما نزل قوله (ياايها المدثر) وقد ذكرناه فيما مضى.

هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله ان يقرأ باسم ربه الذي خلق الخلق، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى. وفى تعظيم الاسم تعظيم المسمى، لان الاسم وصف ليذكر به المسمى بما لا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه، فلهذا لايعظم اسم الله حق

[379]

تعظيمه إلا من هو عارف به ومعتقد العبادة ربه فهو معتقد بتعظيم المسمى لاوجه له يعتد به إلا تعظيم المسمى، ولهذا قال الله تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الاسماء الحسنى)(1) وقال (فسبح باسم ربك)(2) وقال الله تعالى (تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام)(3) والباء زائدة، وتقديره اقرأ إسم ربك.

وقوله (الذي خلق) في موضع جر، نعت ل‍ (ربك) الذي خلق الخلائق وأخرجهم من العدم إلى الوجود.

وقوله (خلق الانسان من علق) تخصيص لبعض ما ذكره بقوله (الذي خلق) لانه يشتمل على الانسان وغيره، وإنما أفرد الانسان بالذكر تشريفا له وتنبيها على ما خصه الله به من سائر الحيوان، وبين أنه مع ذلك خلقه الله من علق، وهو القطعة الجامدة من الدم، وإنما قال (علق) وهو جمع علقة لان المراد بالانسان الجمع، لانه إسم جنس، وسمي به قطع العدم التي تعلق لرطوبتها بما تمر به، فاذا جفت لا تسمى علقا، وواحدها (علقة) مثل شجرة وشجر. وعلق في معنى الجمع، لان الانسان جمع على طريق الجنس، والنطقة تستحيل في الرحم علقة ثم مضغة ويسمى ضرب من الدود الاسود العلق، لانه يعلق على الشفتين لداء يصيبها فيمتص الدم. وفي خلق الانسان من علق دليل على ما يصح أن ينقلب اليه الجوهر.

وقوله (اقرأ وربك الاكرم) معناه اقرأ القرآن وربك الاكرم ومعنى الاكرم: الاعظم كرما وفي صفة الله تعالى معناه الاعظم كرما بما لا يبلغه كرم، الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه، لانه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره، فكل نعمة من جهته تعالى، إما بأن اخترعها أو سيبها وسهل الطريق اليها.

___________________________________

(1) سورة 17 الاسرى آية 110.

(2) سورة 69 الحاقة آية 52.

(3) سورة 55 الرحمن آية 78

[380]

وقوله (الذي علم بالقلم) (الذي) في موضع رفع، لانه نعت لقوله (وربك) والمعنى إنه تعالى امتن على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما في ذلك من كثرة الانتفاع لخلقه، فقد نوه الله بذكر القلم إذ ذكره في كتابه، وقد وصف بعض الشعراء القلم فقال:

لعاب الافانمي القاتلات لعابه * وأري الجنا اشتارته أيد عواسل

وقوله (علم الانسان ما لم يعلم) امتنان من الله تعالى على خلقه بأن علمهم ما لم يكونوا عالمين به إما بخلق العلوم في قلوبهم من الضروريات أو بنصب الادلة لهم على الوصول اليها فيما لم يعلموه ضرورة، وذلك من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، وفي ذلك دلالة على انه تعالى عالم لان العلم لا يقع إلا من عالم.

وقوله (كلا) ردع وزجر وتقديره ارتدعوا وانزجروا معاشر المكلفين، ثم اخبر (إن الانسان ليطغي) ويحتمل أن يكون بمعنى حقا على وجه القسم بأن الانسان ليطغى أي ليجاوزا الحد في العصيان والخروج عن الطاعة (أن رآه استغنى) أي إذا كثر ماله واستغنى بطر وطغى، وخرج عن الحد الحدود له، ويجوز أن يقال: زيد رآه استغنى من الرؤية بمعنى العلم، ولا يجوز من رؤية العين، زيد (رآه) حتى تقول رأى نفسه، لان الذي يحتاج إلى خبر جاز فيه الضمير المتصل لطول الكلام بلزوم المفعول الثاني.

وقرأ ابوعمرو (رآه) بفتح الراء وكسر الهمزة. وقرأ نافع وحفص عن عاصم بالفتح فيهما. الباقون بفتح الراء وبعد الهمزة الف على وزن (وعاه) على أمالة الفتحة، وابوعمرو يميل الالف.

ثم قال على وجه التهديد لهم (ان إلى ربك الرجعي) فالرجعي والمرجع والرجوع واحد أى مصيرهم ومرجعهم إلى الله فيجازيهم الله على أفعالهم على الطاعات بالثواب، وعلى المعاصي بالعقاب.

[381]

وقوله (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) تقرير للنبي صلى الله عليه واله وإعلام له ما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة.

وقيل: إن الايات نزلت في أبي جهل بن هشام، والمراد بالعبد في الاية النبي صلى الله عليه واله فان أبا جهل كان ينهى النبي صلى الله عليه واله عن الصلاة وكان النبي صلى الله عليه واله لما قال ابوجهل: ألم انهك عن الصلاة انتهره واغلظ له، فقال أبوجهل، أنا اكثر أهل هذا الوادي ناديا - ذكره ابن عباس وقتادة - والمعنى أرأيت يامحمد صلى الله عليه واله من فعل ما ذكرناه من منع الصلاة، وينهى المصلين عنها؟ ماذا يكون جزاؤه؟ وما يكون حاله عند الله؟ وما الذى يستحقه من العقاب؟

قوله تعالى: (أرأيت إن كان على الهدى(11) أوأمر بالتقوى(12) أرأيت إن كذب وتولى(13) ألم يعلم بأن الله يرى(14) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية(15) ناصية كاذبة خاطئة(16) فليدع ناديه(17) سندع الزبانية(18) كلا لا تطعه واسجد واقترب(19))

تسع آيات.

لما قال للنبي صلى الله عليه واله (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) بين ما ينبغي أن يقال له فانه يقال له (أرايت إن كان) هذا الذي صلى (على الهدى) والطريقة الصحيحة (أرأمر بالتقوى) أي بأن يتقي معاصي الله كيف يكون حال من ينهاه عن الصلاة ويزجره عنها؟ ! ثم قال للنبي صلى الله عليه واله (أرايت إن كذب وتولى) بما يقال له وأعرض عن قبوله.

والاصغاء اليه (ألم يعلم بأن الله يرى) أي يعلم ما يفعله ويدرك ما يصنعه، فالهدى البيان عن الطريق المؤدي إلى الغرض الحكمي يقال:

[382]

هداه إلى الحق في الدين يهديه هدى، والعمل بالبيان عن طريق الرشد هدى، وكذلك باللطف فيه. والتقوى تجنب ما يؤدي إلى الردى، اتقاه اتقاء وتقوى والاصل وقيا. فابدلت الواو تاء، والياء واوا، لان التاء أحسن أولا من الواو مع مناسبتها بالقرب وإمتناع المخرج، والتقدير أرايت الذي فعل هذا الفعل ما الذي يستحق بذلك من الله من العقاب.

ثم قال على وجه التهديد (كلا لئن لم ينته) عن هذا الفعل والقول (لنسفعا بالناصية) أي لنغيرن بها إلى حال تشويه، يقال: سفعته النار والشمس إذا غيرت وجهه إلى حال تشويه، وقيل: هو أن يجر بناصيته إلى النار، والناصية شعر مقدم الرأس. وهو من ناصى يناصي مناصاة إذا واصل قال الراجز: قي يناصيها بلاد قي(1) فالناصية متصلة بشعر الرأس.

وقوله (ناصية) بدل من (الناصية) بدل النكرة من المعرفة ووصفها بأنها (كاذبة خاطئة) ومنعاه أن صاحبها كاذب في اقواله خاطئ في أفعاله وأضاف الفعل اليها لما ذكر الخبر بها، وقوله (فليدع ناديه) وعيد للذي قال: أنا اكثر هذا الوادي ناديا بأن قيل له (فليدع ناديه) إذا حل عقاب الله به.

وقال ابوعبيدة: تقديره، فليدع أهل ناديه، كقوله (واسأل القرية)(2) والنادى الفناء ومنه قوله (وتأتون في ناديكم المنكر)(3) ثم قال (سندع) نحن (الزبانية) يعني الملائكة الموكلين بالنار - في قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك - وقال ابوعبيدة: واحد الزبانية زبينة، وقال الكسائي واحدهم زبني. وقال الاخفش: واحدهم زابن. وقيل: زبنية. ويجوز أن يكون اسما للجمع مثل

___________________________________

(1) مر في 6 / 11 و 9 / 477، 508.

(2) سورة 12 يوسف آية 82.

(3) سورة 29 العنكبوت آية 29

[383]

ابابيل، والزبن الدفع، والناقة تزبن الحالب أى تركضه برجلها، وقال الشاعر:

ومستعجب مما يرى من أناتنا * ولو زبنته الحرب لم يترمرم

ثم قال (كلا) أى ارتدع وانزجر (فلا تطعه) أى لا تطع هذا الكافر، فانه ليس الامر على ما يظن هذا الكافر وهو أبوجهل الذى نزلت الايات فيه (واسجد) لله تعالى وأطعه (واقترب) من ثوابه بطاعته.

وقيل: معناه تقرب اليه بطاعته دون الرياء والسمعة.

والسجود - هنا - فرض وهو من العزائم، وهي أربعة مواضع: ألم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك. وما عداها في جميع القرآن مسنون ليس بمفروض. وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف.

[384]

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21402948

  • التاريخ : 19/04/2024 - 18:31

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net