00989338131045
 
 
 
 
 
 

 النور 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الامثال في القرآن   ||   تأليف : العلامة المحقق جعفر سبحاني

( 205 )

النور
35

التمثيل الخامس والثلاثون



(اللهُ نُورُ السَّمواتِ وَالاََرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكوة فِيها مِصْباحٌ المِصْباحٌ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِيّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرة مُبارَكةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الاََمْثالَ لِلنّاسِ وَاللهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيم ). (1)
تفسير الآية
المشكاة: كوّة غير نافذة، وتُتخذ في جدار البيت لوضع بعض الاَثاث ومنها المصباح وغيره، وربما تكون الكوّة مشرفة على ساحة الدار وتجعل بينها زجاجة، لتحفظ المصباح من الرياح، ولتضيء الساحة والغرفة معاً.
ومنه حافظة المصباح، وهي ما تصنع على شكل مخروطي توضع على المصباح لتحفظه من الرياح، وفي أعلاها ثقب يخرج منه الدخان.
"المصباح" : السراج، وهو آلة يتألف من أُمور أربعة:
أ: وعاء للزيت، ب: فتيل يشتعل بالزيت، ج: زجاجة منصوبة عليه، د: آلة التحكم بالفتيل.

____________
1 ـ النور:35.

===============

( 206 )

ثمّ إنّ أفخر أنواع الزيوت هو المأخوذ من شجرة الزيتون المغروسة في مكان تشرق عليه الشمس من كل الجوانب حيث تكون في غاية الصفاء وسريعة الاشتعال، بخلاف المغروسة في جانب الشرق أو جانب الغرب، فانّها لا تتعرض للشمس إلاّ في أوقات معينة .
قال العلاّمة الطباطبائي:
والمراد بكون الشجرة لا شرقية ولا غربية، انّها ليست نابتة في الجانب الشرقي، ولا في الجانب الغربي حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار، ويضيء الظل عليها في الطرف الآخر، فلا تنضج ثمرتها، فلا يصفو الدهن المأخوذ منها، فلا تجود الاِضاءة. (1)
إلى هنا تمَّ ما يرجع إلى مفردات الآية، فعلى ذلك فالمشبه به عبارة عن مشكاة فيها مصباح و عليها زجاجة، يوقد المصباح من زيت شجرة الزيتون المغروسة المتعرضة للشمس طول النهار على وجه يكاد زيتها يضىء و لو لم تمسسه نار، لاَنّ الزيت إذا كان خالصاً صافياً يرى من بعيد كأنّ له شعاعاً فإذا مسّتْهُ النار ازداد ضوءاً على ضوء.
فالمشبه به هو النور المشرق من زجاجة مصباح، موقد من زيت جيد صافٍ موضوع على مشكاة، فانّ نور المصباح تجمعه المشكاة وتعكسه فيزداد إشراقاً.
وأمّا قوله في آخر الآية: (نور على نور ) بمعنى تضاعف النور وأنّ نور الزجاجة مستمد من نور المصباح في إنارتها.
قال العلاّمة الطباطبائي:

____________
1 ـ الميزان: 15|124.

===============

( 207 )

فأخذ المشكاة، لاَجل الدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلى جوِّ البيت.
واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية للدلالة على صفاء الدهن و جودته الموَثر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله.
وجودة الضياءعلى ما يدل عليه كون زيته يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار.
واعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو كون نور الزجاجة مستمد من نور المصباح. (1)
هذا هو حال المشبه به، و إنّّما الكلام في المشبه أو الممثل له، فقد طبقت كلّ طائفة ذلك الممثل على ما ترومه، وإليك الاَقوال:
القول الاَوّل: المشبه به هداية الله ، إذ قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات وصارت بمنزلة المشكاة التي تكون فيها زجاجة صافية وفي الزجاجة مصباح يتّقد بزيت بلغ النهاية في الصفاء.
وأمّا عدم تشبيهها بضوء الشمس مع أنّه أبلغ، فلاَجل انّ المراد وصف الضوء الكامل وسط الظلمة، لاَنّ الغالب على أوهام الخلق وخيالاتهم إنّما هي الشبهات التي هي كالظلمات، وهداية الله تعالى فيما بينها كالضوء الكامل الذي يظهر فيما بين الظلمات.
القول الثاني: المراد من النور: القرآن، و يدل عليه قوله تعالى: (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبين ). (2)

____________
1 ـ لميزان: 15|125.
2 ـ المائدة:15.

===============

( 208 )

القول الثالث: المراد هو الرسول، لاَنّه المرشد، ولاَنّه تعالى قال في وصفه: (وسِراجاً مُنِيراً ). (1) ولعلّ مرجع القولين الاَخيرين هو الاَوّل، لاَنّ القرآن والرسول من شعب هداية الله سبحانه.
القول الرابع: إنّ المراد ما في قلب الموَمنين من معرفة الشرائع، ويدل عليه انّه تعالى وصف الاِيمان بأنّه نور والكفر بأنّه ظلمة، فقال: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للاِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبّهِ ). (2)
وقال تعالى: (لِتُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّور ) (3). وحاصله انّ إيمان الموَمن قد بلغ في الصفاء عن الشبهات و الامتياز عن ظلمات الضلالات مبلغ السراج المذكور.
وعلى هذا فالتمثيل مفرداً وهو تشبيه الهداية وما يقرب منها بنور السراج، ولا يجب أن يكون في مقابل كل ما للمشبه به من الاَُمور موجود في المشبه بخلاف الوجه التالى.
القول الخامس: إنّ المراد هو القوى المدركة ومراتبها الخمس، وهي: القوة الحسّاسة، القوة الخيالية، القوة العقلية، القوة الفكرية، القوة القدسية.
وإليها أشارت الآية الكريمة: (وَكَذلِكَ أَوحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنتَ تَدري ما الكِتابُ وَلا الاِِيمانُ ولكِن جعلناهُ نُوراً نهدِي بِهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادنا).(4)
فإذا عرفت هذه القوى فهي بجملتها أنوار ، إذ بها تظهر أصناف
____________
1 ـ الاَحزاب:46.
2 ـ الزمر:22.
3 ـ إبراهيم:1.
4 ـ الشورى: 52.

===============

( 209 )

الموجودات، و هذه المراتب الخمس يمكن تشبيهها بالاَُمور الخمسة التي ذكرها الله تعالى، و هي: المشكاة، والزجاجة، والمصباح، والشجرة، والزيت.
وعلى هذا فالتمثيل مركباً نظير القول الآتى:
القول السادس: إنّ النفس الاِنسانية قابلة للمعارف والاِدراكات المجردة، ثمّ إنّه في أوّل الاَمر تكون خالية عن جميع هذه المعارف، فهناك تسمى عقلاً هيولانياً، وهي المشكاة.
وفي المرتبة الثانية يحصل فيها العلوم البديهية التي يمكن التوصل بتركيباتها إلى اكتساب العلوم النظرية. ثم إن أمكنه الانتقال إن كانت ضعيفة فهي الشجرة، وإن كانت أقوى من ذلك فهي الزيت، وإن كانت شديدة القوة فهي الزجاجة التي كأنّها الكوكب الدرّي، وإن كانت في النهاية القصوى وهي النفس القدسية التي للاَنبياء فهي التي (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ).
وفي المرتبة الثالثة يكتسب من العلوم الضرورية العلوم النظرية، إلاّ أنّها لا تكون حاضرة بالفعل، ولكنها تكون بحيث متى شاء صاحبها استحضارها قدر عليه، وهذا يسمّى عقلاً بالفعل وهو المصباح.
وفي المرتبة الرابعة أن تكون تلك المعارف حاصلة بالفعل، وهذا يسمّى عقلاً مستفاداً، وهو نور على نور، لاَنّ الحكمة ملكة نور و حصول ما عليه الملكة نور آخر. ثم إنّ هذه العلوم التي تحصل في الاَرواح البشرية، إنّما تحصل من جوهر روحاني يسمى بالعقل الفعال وهو مدبر ما تحت كرة القمر وهو النار.
القول السابع: إنّه سبحانه شبّه الصدر بالمشكاة، والقلب بالزجاجة، والمعرفة بالمصباح، وهذا المصباح إنّما يوقد من شجرة مباركة وهي إلهامات الملائكة. وإنّما شبّه الملائكة بالشجرة المباركة لكثرة منافعهم، ولكنّه وصفها

===============

( 210 )

بأنّها لا شرقية ولا غربية لاَنّها روحانية، ووصفهم بقوله: (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) لكثرة علومهم وشدة اطّلاعهم على أسرار ملكوت الله تعالى.
القول الثامن: إنّ المراد من (مثل نوره ) ، أي مثل نور الاِيمان في قلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كمشكاة فيها مصباح، فالمشكاة نظير صلب عبد الله ، والزجاجة نظير جسد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، و المصباح نظير الاِيمان في قلب محمد أو نظير النبوة في قلبه.
القول التاسع: إن"المشكاة" نظير إبراهيم (عليه السلام ) ،والزجاجة نظير إسماعيل (عليه السلام ) ، والمصباح نظير جسد محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، والشجرة النبوة والرسالة.
القول العاشر: إنّ قوله: (مثل نوره ) يرجع إلى الموَمن. (1)
إنّ المشبه هو نور الله المشرق على قلوب الموَمنين، والمشبه به النور المشرق من زجاجة، وقوله سبحانه: (يَهدي الله لنوره من يشاء ) استئناف يعلّل به اختصاص الموَمنين بنور الاِيمان والمعرفة وحرمان غيرهم، ومن المعلوم من السياق انّ المراد بقوله: (من يشاء ) هم الذين يذكرهم الله سبحانه بقوله بعد هذه الآية : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله ) (2) فالمراد بمن يشاء الموَمنون بوصف كمال إيمانهم.والمعنى انّ الله إنّما هدى المتلبسين بكمال الاِيمان إلى نوره دون المتلبسين بالكفر. (3)
وقوله : (يضرب الله الاَمثال للناس والله بكلّ شيء عليم ) إشارة إلى أنّ المثل المضروب تحته طور من العلم، وإنّما اختير المثل لكونه أسهل الطرق لتبين الحقائق والدقائق، ويشترك فيه العالم والعامي فيأخذ منه كلّ ما قسم له، قال تعالى: (وَتِلْكَ الاََمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاّ العالِمُون ). (4)

____________
1 ـ تفسير الفخر الرازى: 23|231ـ 235.
2 ـ النور:37.
3 ـ الميزان: 18|125ـ 126.
4 ـ العنكبوت:43.

 

( 211 )

النور
36

التمثيل السادس والثلاثون


(وَالّذينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَمآنُ ماءً حَتّى إذَا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوفّاهُ حِسَابَهُ وَالله سَرِيعُ الحِسَابِ ). (1)
تفسير الآية
"السراب": ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الاَرض كأنّه ماء يجري، و"القيعة": بمعنى القاع أو جمع قاع، وهو المنبسط المستوي من الاَرض، والظمآن هو العطشان.
يشبه سبحانه أعمال الكفار تارة بالسراب كما في هذه الآية، وأُخرى بالظلمات كما في التمثيل الآتي، ولعلّ المشبه في الاَوّل هو حسناتهم، وفي الثاني قبائح أعمالهم.
وإليك توضيح التمثيل الوارد في الآية:
قال سبحانه: (وَالّذِينَ كَفَرُوا أَعمالهم ) أي ما يعملون من الطاعات ويقدمون من قرابين وأذكار يتقربون بها إلى آلهتهم، مثلها كـ (سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء).

____________
1 ـ النور:39.

===============

( 212 )

فقد وصف الظمآن بصفات عديدة:
الاَُولى: حسبان السراب ماءً ،كما قال سبحانه: (كَسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء).
الثانية: إذا وصل إلى السراب لم يجده شيئاً نافعاً، كما قال سبحانه (حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ) وإنّما خصّ الظمآن به مع أنّ السراب يتراءى ماء لكلّ راءٍ، لاَن المقصود هو مجيء الرائي إلى السراب، ولا يجيئه إلاّ الظمآن ليرتوي ويرفع عطشه.
الثالثة: عند ما يشرف على السراب لا يجد فيه ماءً، ولكن يجد الله سبحانه عنده، كما قال سبحانه: (وَوَجد الله عنده ).
وهذا خبر عن الظمآن، ولكن المقصود منه في هذه الجملة هو الكافر، والمعنى وجد أمر الله ووجد جزاء الله ، وذلك عند حلول أجله واشرافه على الآخرة.
فالكافر يتصوّر أنّ ما يقدم من قرابين وأذكار سوف ينفعه عند موته و بعده، وسوف تقوم الآلهة بالشفاعة له، ولكن يتجلّـى له خلاف ذلك وانّ الاَمر أمر الله لا أمر غيره فلا يجدون أثراً من ألوهية آلهتهم.
فعند ذلك يجدون جزاء أعمالهم، كما يقول سبحانه: (فَوَفّاهُمُ اللهُ حسابهم ).
ثمّ إنّه سبحانه يصف نفسه بقوله: (وَاللهُ سريع الحساب ).
وبذلك تبين انّ الآية المباركة لبيان حال الظمآن الحقيقى إلى قوله: (لم يجده شيئاً )، كما أنّها من قوله (ووجد... ) يرجع إلى الظمآن لكن بالمعنى المجازي وهو الكافر.

===============

( 213 )

وحاصل التمثيل هو انّ الطاعة والعبادة والقربات كلها لله تبارك وتعالى، فمن قدمها إليه و قام بها لاَجله فقد بذر بذرة في أرض خصبة سوف ينتفع بها في لقائه سبحانه.
وأمّا من عبد غيره و قدم إليه القربات راجياً الانتفاع به، فهو كرجاء الظمآن الذي يتصوّر السراب ماءً فيجيئه لينتفع به ولكنّه سرعان ما يرجع خائباً.
إلى هنا تمَّ ما يشترك فيه الظمآن والكافر، أي المشبه به والمشبه، ولكن المشبه، أعني: الكافر الذي شبه بالظمآن فهو يختص بأُمور أُخرى.
أولاً: انّه عند مجيئه إلى الانتفاع بأعماله يجد الله هو المجازي لا غير.
وثانياً: انّه سبحانه يجزيه بأعماله.
وثالثاً: فيوفيه حسابه.
وما ذلك إلاّ لاَنّ الله سريع الحساب.
وعلى ضوء ما ذكرنا فقد أُريد من الظمآن الاسم الظاهر الظمآن الحقيقي، وأُريد من الضمائر الثلاثة في "وجد" "وفّاه " "حسابه" الظمآن المجازي أعني الكافر الخائب.

===============

( 214 )

النور
37

التمثيل السابع والثلاثون



(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاها وَمَنْ لَمْ يَجعلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ). (1)
تفسير الآية
"اللجيّ": منسوب إلى اللجّة، وهي في اللغة البحر الواسع العميق، ولكنّه استخدم في لازم معناه وهو تردد أمواجه، فانّ البحر كلما كان عميقاً وواسعاً تزداد أمواجه، وعلى ذلك فيكون المراد من قوله (بحرٍ لجيّ ) أي بحر متلاطم.
و "السحاب": عبارة عن الغيوم الممطرة، بخلاف الغيم فهو أعم، وانّمااستخدم كلمة السحاب ليكون سبباً لازدياد الظلم.
هذا ما يرجع إلى تفسير مفردات الآية، وأمّا المقصود فهو كالتالي.
انّه سبحانه شبه في الآية السابقة أعمال الكافرين، لاَجل عدم الانتفاع بها بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء، ولكنّه تعالى شبّه أعمالهم في هذه الآية بالظلمة وخلوّها من نور الحق ببحر لجيّ فوقه سحابة سوداء ممطرةويعلو ماءه
____________
1 ـ النور:40.

===============

( 215 )

موج فوق موج، فراكب هذا البحر تغمره ظلمة دامسة لا يرى أمامه شيئاً حتى لو أخرج يده فانّه لا يراها مع قربها منه.
هذا هو المشبه به، و أمّا المشبه فالاَعمال التي يقوم بها الكافر باطلة محضة ليس فيها من الحقّ شيء مثل هذا البحر اللجي المحيط به عتمة الظلام الذي ليس فيه نور.
ثمّ إنّ الآية تشير إلى ظـلمات ثلاث.
الاَُولى: ظلمة البحر المحجوب من النور.
الثانية: ظلمة الاَمواج المتلاطمة.
الثالثة: السحاب الاَسود الممطر.
فتراكم هذه الظلمات يحجب كلّ نور من الوصول، وهكذا الحال في الكافر ففي أعماله ظلمات ثلاث يمكن بيانها بأنحاء مختلفة:
النحو الاَوّل: ظلمة الاعتقاد، ظلمة القول، ظلمة العمل.
النحو الثاني: ظلمة القلب، ظلمة البصر، ظـلمة السمع.
النحو الثالث: ظلمة الجهل، ظلمة الجهل بالجهل، ظلمة تصوّر الجهل علماً. (1).
ويمكن أن تكون هذه الظلمات المتراكمة إشارة إلى أمر آخر وهو إصرار الكافر المتزايد على كفره وقبائح أعماله.
ولذلك يصفه سبحانه بقوله: (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ).

____________
1 ـ انظر تفسير الفخر الرازى: 24|8 ـ 9.

===============

( 216 )

إيقاظ
ثمّ إنّ بعض الموَلفين في أمثال القرآن ذكروا الآية التالية واعتبروها من الاَمثال، قال سبحانه: (وَقَالُوا ما لِهذا الرَّسُول يَأْكُلُ الطَّعام وَيَمْشي فِي الاََسْواقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاََمْثال فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ). (1)
ولكن الآية رغم ما جاء فيها من لفظ الاَمثال ليست من قبيل التمثيل، وإنّما هي بصدد نقل ما وصف به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في لسان الكفّار ، حيث وصفوه بأنّه يأكل الطعام، ويمشي في الاَسواق، فلا يصلح للرسالة.
ثمّ نقموا منه بأنّا سلمنا انّه رسول، ولكنّه لماذا لا ينزل إليه ملك فيكون معه نذيراً ليتصل إنذاره بالغيب بتوسط الملك؟
ثمّ نقموا منه أيضاً بأنّه لماذا لم يُلقَ إليه كنز من السماء حتى يصرفه في حوائجه المادية، أو لماذا لا تكون له جنّة يأكل منها، ثمّ في الختام وصفوه بأنّه مسحور.
فقال سبحانه اعتراضاً وتنديداً بوصفهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إيجاباً وسلباً بقوله (انظر كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاََمْثال ) أي انظر كيف وصفوك تارة بأنّك تأكل وتمشي في الاَسواق، وأُخرى بعدم اقترانك بملك، وثالثة بالفقر ، ورابعة بكونك مسحوراً بتخيّل انّه رسول يأتيه ملك الوحي بالرسالة والكتاب.
وليس هاهنا مشبه ولا مشبه به ولا تمثيل ليبين موقف الرسول، ولاَجل ذلك صرّحنا في المقدمة انّه ليس من الاَمثال القرآنية.

____________
1 ـ الفرقان:7 ـ 9.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21399059

  • التاريخ : 18/04/2024 - 10:38

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net