00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الأعراف 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير شبر   ||   تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

سورة الأعراف

(7) سورة الأعراف مائتان وست آيات (206) مكية

إلا ثمان آيات من واسألهم عن القرية - إلى قوله - وإذ نتقنا سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم

(المص) روي معناه أنا الله المقتدر الصادق .

(كتاب) خبر محذوف أو المص (أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه) ضيق من تبليغه أو شك (لتنذر به) متعلق بأنزل (وذكرى للمؤمنين) عطف على كتاب أو محل لتنذر .

(اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم) من القرآن والسنة (ولا تتبعوا

[170 ]

من دونه) ولا تتخذوا غير الله (أولياء) تطيعونهم في معصيته تعالى (قليلا ما تذكرون) أي تذكرا قليلا تتذكرون .

(وكم من قرية) أي أهلها (أهلكناها) أردنا إهلاكها أو خذلناها (فجاءها بأسنا) عذابنا (بياتا) حال كونهم بائتين (أو هم قائلون) عطف عليه وحذفت واو الحال استثقالا والقيلولة استراحة نصف النهار وخص الوقتان مبالغة في غفلتهم ولأن مجيء العذاب فيهما أفظع .

(فما كان دعواهم) دعاؤهم (إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) إلا إقرارهم بظلمهم .

(فلنسألن الذين أرسل إليهم) أي الأمم عن إجابتهم الرسل (ولنسألن المرسلين) عن تأدية ما حملوا من الرسالة .

(فلنقصن عليهم) على الرسل والمرسل إليهم أحوالهم (بعلم) عالمين بها أو بمعلومنا منها (وما كنا غائبين) عنها فتخفى علينا .

(والوزن) أي القضاء أو العدل أو وزن الأعمال بعد تجسيمها أو صحائفها بميزان له لسان وكفتان يراه الخلق إظهارا للعدل وقطعا للعذر (يومئذ) خبر الوزن أي يوم السؤال (الحق) العدل صفة الوزن (فمن ثقلت موازينه) حسناته أو ميزانها جمع موزون أو ميزان وجمع باعتبار تعدد الحسنات أو تعدد الميزان للعقائد والأعمال والأخلاق (فأولئك هم المفلحون) الفائزون بالثواب .

(ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم) بتعريضها للعقاب (بما كانوا بآياتنا يظلمون) يكذبون .

(ولقد مكناكم في الأرض) في التصرف فيها (وجعلنا لكم فيها معايش) أسبأبا تعيشون بها جمع معيشة (قليلا ما تشكرون) على ذلك .

(ولقد خلقناكم) أنشأناكم أو أباكم آدم غير مصور (ثم صورناكم) أفضنا على مواد خلقكم هذه الصورة (ثم قلنا) بعد خلق آدم وتصويره (للملائكة اسجدوا لآدم) تكرمة له (فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) .

(قال ما منعك ألا تسجد) لا زائدة أو أريد ما حملك على أن لا تسجد إذ الممنوع من شيء محمول على خلافه (إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) قاس ما بين النار والطين ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين .

(قال فاهبط منها) من الجنة أو السماء أو من المنزلة الرفيعة هبوطا معنويا (فما يكون لك أن تتكبر فيها) إذ لا يسكنها متكبر (فاخرج إنك من الصاغرين) الأذلاء فالتواضع رفعة والتكبر ضعة .

(قال أنظرني إلى يوم يبعثون) أمهلني إلى النفخة الثانية .

(قال إنك من المنظرين) وبين غاية الإنظار في الآية الأخرى بقوله إلى يوم الوقت المعلوم .

(قال فبما أغويتني) دل على أنه أشعري أو جبري حيث إنه نسب الإغواء إليه تعالى (لأقعدن لهم) لبني آدم (صراطك المستقيم) طريق الحق .

(ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) أي من جهاتهم الأربع فأضلهم عن سلوكهم ولم يقل من فوقهم لنزول الرحمة منه ولا من تحتهم لإيحاش الإتيان منه وقيل من بين أيديهم من قبل الآخرة ومن خلفهم من قبل الدنيا والآخران من

[171 ]

جهة حسناتهم وسيئاتهم ومجيء من في الأولين لتوجهه منها إليهم ومن في الآخرين لانحراف الآتي منها إليهم (ولا تجد أكثرهم شاكرين) مؤمنين .

(قال اخرج منها مذءوما) مذموما (مدحورا) مطرودا (لمن تبعك منهم) لام الابتداء موطئة للام القسم في (لأملأن جهنم منكم أجمعين) منك ومن ذريتك ومنهم غلب الحاضر .

(ويا ءادم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) بالأكل (فتكونا من الظالمين) فسر في البقرة .

(فوسوس لهما الشيطان) أوهمهما النصيحة لهما (ليبدي لهما) اللام للعاقبة أو للغرض أي ليظهر لهما (ما ووري) ستر (عنهما من سوءاتهما) عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا) كراهة (أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) في الجنة .

(وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) أي أقسم لهما بالله على ذلك أخذ من فاعل مبالغة وقيل أقسما له بالقبول .

(فدلاهما) أي جعلهما عن درجتهما العالية إلى رتبة سافلة (بغرور) بأن غرهما بقسمه لظنهما أن أحدا لا يقسم بالله كذبا (فلما ذاقا الشجرة) أي ابتدءا بالأكل منها (بدت لهما سوءاتهما) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر (وطفقا يخصفان) أي أخذا يرقعان ورقة على ورقة (عليهما من ورق الجنة) وهو ورق التين ليستترا به (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلك الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) عتاب على مخالفة النهي وإن كان نهي تنزيه .

(قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) بترك الأولى (وإن لم تغفر لنا) تستر علينا (وترحمنا لنكونن من الخاسرين) بتضييع حظنا .

(قال اهبطوا) خطاب لهما ولذريتهما أو لهما ولإبليس (بعضكم لبعض عدو) أي متعادين (ولكم في الأرض مستقر) مصدر أو اسم مكان (ومتاع إلى حين) إلى انقضاء آجالكم .

(قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) بالبعث وقرىء بالبناء للفاعل .

(يا بني ءادم قد أنزلنا عليكم لباسا) خلقناه لكم بأسبأب سماوية ومثله وأنزلنا الحديد (يواري) يستر (سوءاتكم وريشا) جمالا أي ما يتجملون به أو مالا يقال تريش أي تمول (ولباس التقوى) خشية الله أو الإيمان أو العمل الصالح أو لباس الحرب (ذلك خير) لهم (ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) فيؤمنون ويشكرون .

(يا بني ءادم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) بفتنته (ينزع) حال من الفاعل أو المفعول (عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله) جنوده (من حيث لا ترونهم) للطافة أجسامهم أو شفافيتها وهذا لا يمنع تمثلهم لنا أحيانا (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) أي مكناهم من خذلانهم باختيارهم ترك الإيمان أو حكمنا بذلك

[172 ]

لتناصرهم على الباطل .

(وإذا فعلوا فاحشة) ما يتناهى قبحا كالشرك أو طوافهم عراة فنهوا عنهما (قالوا) معتذرين (وجدنا عليها ءاباءنا) فقلدناهم (والله أمرنا بها) ولو كره الله ما نحن عليه لنقلنا عنه فهم مجبرة (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) إنكار لافترائهم على الله .

(قل أمر ربي بالقسط) بالعدل في كل الأمور (وأقيموا وجوهكم) نحو القبلة أو استقيموا متوجهين إلى عبادته (عند كل مسجد) وقت سجود أو مكانه أي في كل صلاة أو في أي مسجد أدركتم صلاته ولا تؤخروها لمسجدكم (وادعوه) اعبدوه (مخلصين له الدين) العبادة فإنكم ملاقوه (كما بدأكم) خلقكم ابتداء (تعودون) أي يعيدكم أحياء للجزاء أو كما بدأكم من التراب تعودون إليه .

(فريقا هدى) لطف بهم فآمنوا (وفريقا) نصب بخذل الدال عليه الكلام (حق) وجب (عليهم الضلالة) الخذلان (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء) يطيعونهم (من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) .

(يا بني آدم خذوا زينتكم) لباسكم لستر عورتكم وللتجمل (عند كل مسجد) لصلاة أو طواف ويفيد وجوب ستر العورة فيهما، وروي أجود ثيابكم في كل صلاة وروي التمشط عند كل صلاة، وروي الغسل عند لقاء الإمام (وكلوا واشربوا) ما طاب وأحل لكم (ولا تسرفوا) لا تتعدوا بتحريم حلال وبالعكس في المأكل والمشرب والملبس أو بالشره في الطعام جمع الله الطب في نصف آية كلوا واشربوا ولا تسرفوا (إنه لا يحب المسرفين) .

(قل من حرم زينة الله) من الثياب وسائر ما يتجمل به (التي أخرج) من الأرض (لعباده والطيبات من الرزق) المستلذات من المآكل والمشارب (قل هي للذين ءامنوا في الحيوة الدنيا) بالاستحقاق وإن شاركهم الكفرة فيها (خالصة لهم يوم القيامة) مختصة بهم (كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون) نبين الأحكام كذلك البيان .

(قل إنما حرم ربي الفواحش) الكبائر أو الزنا (ما ظهر منها وما بطن) جهرها وسرها (والإثم) الذنب أو الخمر (والبغي) الظلم والكبر (بغير الحق) تأكيد للبغي (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به) بإشراكه (سلطانا) حجة (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) بالافتراء عليه ومنه الفتوى بغير علم .

(ولكل أمة أجل) مدة أو وقت لاستئصالهم (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) لا يتأخرون ولا يتقدمون أو لا يطلبون التقدم والتأخر لدهشتهم .

(يا بني ءادم إما) إن الشرطية أدغمت في ما الزائدة (يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتي فمن اتقى) التكذيب (وأصلح) عمله (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في الآخرة .

(والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها) تكبروا عن قبولها (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .

(فمن) أي لا أحد (أظلم

[173 ]

ممن افترى على الله كذبا) بنسبة ما لم يقله إليه (أو كذب بآياته) بالقرآن (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) مما كتب لهم من الرزق والأجل (حتى إذا جاءتهم رسلنا) الملائكة (يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون) تعبدون (من دون الله) من الآلهة (قالوا ضلوا) غابوا (عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) اعترفوا عند الموت بكفرهم .

(قال ادخلوا في أمم قد خلت) مضت على الكفر (من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة) في النار (لعنت أختها) التي خلت باتباعها (حتى إذا اداركوا) تداركوا وتلاحقوا (فيها جميعا قالت أخراهم) دخولا وهم الأتباع (لأولاهم) لأجلهم وهم القادة (ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا) مضاعفا (من النار) إذ ضلوا وأضلوا (قال لكل) من الفريقين (ضعف) عذاب مضاعف لاجتماع الكل على الكفر (ولكن لا تعلمون) ما لكل فريق وقرىء بالياء .

(وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل) بل تساوينا في استحقاق الضعف (فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) من قولهم أو قول الله .

(إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها) فلم يؤمنوا بها (لا تفتح لهم أبواب السماء) لرفع أعمالهم أو لأرواحهم (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) يدخل البعير في ثقب الإبرة وهو مما لا يكون فكذا دخولهم (وكذلك) الجزاء (نجزي المجرمين) .

(لهم من جهنم مهاد) فراش (ومن فوقهم غواش) أغطية منها وتنوينه عوض عن الياء المحذوفة وقيل للصرف (وكذلك نجزي الظالمين) .

(والذين ءامنوا وعملوا الصالحات) وعد بعد الوعيد (لا نكلف نفسا إلا وسعها) ما دون طاقتهما من العمل (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) .

(ونزعنا ما في صدورهم من غل) أخرجنا من قلوبهم الغش والحقد حتى لا يكون بينهم إلا التوادد وعبر بالماضي لتحققه (تجري من تحتهم) تحت أبنيتهم (الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا) المنزل أو لما هذا ثوابه (وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله) حذف جواب لو لا لدلالة ما قبله عليه (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) فاهتدينا بهم (ونودوا

[174 ]

أن تلكم الجنة) إذا رأوها أو دخلوها وأن مفسرة أو مخففة وكذا الأربع الآتية (أورثتموها بما كنتم تعملون) .

(ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) تفريعا وتقريرا لهم (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) من العذاب (قالوا نعم فأذن مؤذن) فنادى مناد (بينهم) بين الفريقين (أن لعنة الله على الظالمين) .

(الذين يصدون) الناس (عن سبيل الله) دينه (ويبغونها عوجا) يطلبون السبل معوجة أو يبغون لها العوج (وهم بالآخرة كافرون) .

(وبينهما حجاب) بين الفريقين أو أهل الجنة والنار سور حاجز (وعلى الأعراف) هو الحجاب أو أعرافه أي شرفه جمع عرف وهو ما ارتفع من الشيء (رجال يعرفون كلا) من أهل الجنة والنار (بسيماهم) بعلامتهم، روي الأعراف كثبان بين الجنة والنار يوقف عليها كل نبي مع المذنبين من أهل زمانه كما يقف صاحب الجيش مع ضعفاء جيشه وقد سبق المحسنون إلى الجنة (ونادوا) يعني هؤلاء المذنبين (أصحاب الجنة) أي الذين سبقوا إليها (أن سلام عليكم) أي إذا نظروا إليهم سلموا عليهم (لم يدخلوها وهم يطمعون) دخولها بشفاعة النبي والإمام .

(وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) في النار .

(ونادى أصحاب الأعراف) هم الأنبياء والخلفاء (رجالا يعرفونهم بسيماهم) من رؤساء الكفار (قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) في الدنيا (وما كنتم تستكبرون) واستكباركم .

(أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) إشارة إلى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستضعفونهم ويحلفون أن لا يدخلهم الله الجنة (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) .

(ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا) أصبوا (علينا من الماء أو مما رزقكم الله) من الطعام (قالوا إن الله حرمهما على الكافرين) منعهما عنهم .

(الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا) فحرموا وأحلوا ما شاءوا بشهواتهم (وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم) نتركهم في النار فعل الناسي (كما نسوا لقاء يومهم هذا) فلم يعملوا ولم يتأهبوا له (وما كانوا بآياتنا يجحدون) وكما جحدوها.

(ولقد جئناهم بكتاب) هو القرآن (فصلناه) بيناه عقائد وأحكاما ومواعظ (على علم) حال من الفاعل أي عالمين بتفصيله أو من المفعول أي مشتمل على علم (هدى

[175 ]

ورحمة لقوم يؤمنون) حال من الهاء .

(هل ينظرون) ما ينتظرون (إلا تأويله) ما يئول إليه أمره (يوم يأتي تأويله) وهو يوم القيامة (يقول الذين نسوه من قبل) تركوه كالمنسي (قد جاءت رسل ربنا بالحق) فليتنا لم نكذبهم (فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد) إلى الدنيا (فنعمل غير الذي كنا نعمل) جواب أو نرد (قد خسروا أنفسهم) أهلكوها بالعذاب (وضل) غاب (عنهم ما كانوا يفترون) من دعوى الشركاء وشفاعتهم .

(إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) في مقدارها إذ لا شمس حينئذ ولا زمان والخلق التدريجي مع القدرة على الدفعي أعظم دليل على الاختيار (ثم استوى) من كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء أو استقام أمره أو استولى (على العرش) الجسم المحيط بسائر الأجسام (يغشي الليل النهار) يغطيه بظلامه وحذف عكسه للعلم به وقرىء بتشديد يغشي (يطلبه) يعقبه كالطالب له (حثيثا) سريعا صفة مصدر أو حال من الفاعل أو المفعول (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) مذللات بتصرفه ونصب عطفا على السموات ومسخرات حال وقرىء برفع الجميع على الابتداء والخبر (ألا له) وحده (الخلق والأمر) يخلق ما يشاء ويحكم ما يريد (تبارك الله) تعالى أو تكاثر خيره (رب العالمين) .

(ادعوا ربكم تضرعا وخفية) تذللا وسرا (إنه لا يحب المعتدين) للحد في الدعاء كطلب منزلة النبي والإمام أو الصباح أو في كل أمر .

(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) بالرسل والكتب (وادعوه خوفا) خائفين من رده أو عقابه أو عدله (وطمعا) في إجابته أو عفوه أو فضله (إن رحمة الله قريب من المحسنين) تقوية للطمع وذكر قريب لإضافة الرحمة إلى الله أو لأنها بمعنى الرحم .

(وهو الذي يرسل الرياح) وقرىء الريح (بشرا) بالنون جمع نشور كرسول وبالباء جمع بشير (بين يدي رحمته) قدام المطر (حتى إذا أقلت) حملت (سحابا ثقالا) بالماء جمع للمعنى أي سحائب (سقناه) أفرد الضمير للفظ (لبلد ميت) لا نبات فيه أي لإحيائه (فأنزلنا به الماء) بالبلد أو السحاب (فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك) الإخراج (نخرج الموتى) من قبورهم بالإحياء (لعلكم تذكرون) فتوقنون بالصانع والبعث .

(والبلد الطيب) الأرض العذبة التراب (يخرج نباته) زاكيا (بإذن ربه) بأمره وتيسيره (والذي خبث) ترابه كالسبخة (لا يخرج) نباته (إلا نكدا) قليلا بلا نفع (كذلك) البيان (نصرف الآيات) نبينها (لقوم يشكرون) نعم الله فيؤمنون به والآية مثل لمن اتعظ بالآيات ومن أعرض عنها .

(لقد أرسلنا نوحا إلى قومه) وهو ابن أربعين أو أكثر (فقال يا قوم اعبدوا الله) وحده (ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم)

[176 ]

إن عبدتم غيره (عذاب يوم عظيم) هو يوم القيامة .

(قال الملأ من قومه) الأشراف الذين يملئون الصدر هيبة (إنا لنراك في ضلال) عن الحق (مبين) بين .

(قال يا قوم ليس بي ضلالة) مبالغة في النفي وتعريض بهم (ولكني رسول من رب العالمين) .

(أبلغكم رسالات ربي) من العقائد والأحكام والمواعظ (وأنصح لكم وأعلم من الله) بالوحي (ما لا تعلمون) .

(أوعجبتم) إنكار عطف على محذوف أي أكذبتم وعجبتم من (أن جاءكم ذكر) رسالة (من ربكم على) لسان (رجل منكم) من جنسكم (لينذركم) وبال الكفر (ولتتقوا) الله (ولعلكم ترحمون) بالتقوى .

(فكذبوه فأنجيناه والذين معه) ممن آمن به (في الفلك) السفينة (وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا) بالطوفان (إنهم كانوا قوما عمين) عمي القلوب عن الحق .

(وإلى عاد) أي أرسلنا إليهم (أخاهم) أي من هو منهم (هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون) نقمته .

(قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك) منغمسا (في سفاهة) خفة عقل (وإنا لنظنك من الكاذبين) .

(قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) كما عرفتموني بذلك .

(أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) في الأرض ما بين عمان إلى حضرموت ذكرهم نعمة الله بعد تخويفهم نقمته (وزادكم في الخلق بسطة) قوة وطولا من ستين إلى مائة (واذكروا ءالاء الله) نعمة عليكم (لعلكم تفلحون) إذا ذكرتموها وشكرتم .

(قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد ءاباؤنا) من الأصنام (فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) فيه .

(قال قد وقع) وجب أو حق فهو كالواقع (عليكم من ربكم رجس) عذاب (وغضب أتجادلونني في أسماء) أصنام (سميتموها أنتم وءاباؤكم) آلهة (ما نزل الله بها

[177 ]

من سلطان) حجة (فانتظروا) حلول العذاب (إني معكم من المنتظرين) لحلوله بكم .

(فأنجيناه والذين معه) في الدين (برحمة منا) عليهم (وقطعنا دابر) القوم (الذين كذبوا بآياتنا) أي استأصلناهم (وما كانوا مؤمنين).

(وإلى ثمود) قبيلة من العرب أبوهم ثمود بن عامر بن آدم من سام بن نوح أرسلنا (أخاهم صالحا) ولدا ثمود (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم) معجزة على صدقي (هذه ناقة الله لكم آية) حال عاملها الإشارة وإضافتها إلى الله للشرف والتعظيم كبيت الله (فذروها تأكل في أرض الله) الكلأ (ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم).

(واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم) أسكنكم (في الأرض تتخذون من سهولها) يبنون في سهولها (قصورا وتنحتون الجبال بيوتا) حال مقدرة أو مفعول بتقدير من الجبال (فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين).

(قال الملأ الذين استكبروا من قومه) من الإيمان به (للذين استضعفوا) أي استذلوهم (لمن ءامن منهم) بدل من الذين استضعفوا (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون).

(قال الذين استكبروا إنا بالذي ءامنتم به كافرون) لعلهم لم يقولوا بما أرسل به حذروا أن يفوهوا برسالته .

(فعقروا الناقة) أسند فعل البعض إلى الكل لرضاهم به (وعتوا عن أمر ربهم) استكبروا عن امتثاله (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من المرسلين).

(فأخذتهم الرجفة) صيحة من السماء وزلزلة فهلكوا (فأصبحوا في دارهم جاثمين) صرعى على وجوههم .

(فتولي) أعرض صالح (عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين).

(ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة) السيئة العظيمة القبح أي إتيان الذكران (ما سبقكم بها من أحد من العالمين).

(إنكم) بالاستفهام والإخبار (لتأتون

[178 ]

الرجال) في أدبارهم (شهوة) مفعول له أو حال (من دون النساء) المخلوقة لكم (بل أنتم قوم مسرفون) أضرب عن الإنكار إلى الإخبار بأنهم مجاوزون الحلال إلى الحرام .

(وما كان جواب قومه إلا أن قالوا) لم يجيبوا نصحه إلا بالمقابلة بالسفه بقولهم (أخرجوهم من قريتكم) أي لوطا ومن اتبعه (إنهم أناس يتطهرون) يتنزهون عن أدبار الرجال .

(فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) الباقين في العذاب .

(وأمطرنا عليهم مطرا) فظيعا وقد بين بقوله وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل (فانظر كيف كان عاقبة المجرمين).

(وإلى مدين) أي وأرسلنا إليهم وهو أولاد مدين بن إبراهيم (أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم) معجزة على صدقي (فأوفوا الكيل) المكيال (والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لا تنقصوهم حقوقهم (ولا تفسدوا في الأرض) بالكفر والمعاصي (بعد إصلاحها) بالرسل والشرائع (ذلكم) المذكور (خير لكم إن كنتم مؤمنين) مريدين الإيمان فاعملوا .

(ولا تقعدوا بكل صراط) طريق من طرق الدين أي شعبة من أصوله وفروعه (توعدون) تخوفونهم بالقتل وتمنعونهم عن الإيمان به وهو حال (وتصدون عن سبيل الله) دينه (من ءامن به) بالله (وتبغونها عوجا) وتطلبون السبل معوجة بإلقاء الشبه كقولكم هذا كذب ونحوه (واذكروا إذ كنتم قليلا) عددا أو عدة (فكثركم) بالنسل أو المال (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) من قبلكم واعتبروا بهم .

(وإن كان طائفة منكم ءامنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا) فانتظروا (حتى يحكم الله بيننا) أي بين الفريقين بإنجاء المحق وإهلاك المبطل (وهو خير الحاكمين) إذ لا جور في حكمه .

(قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) غلبوا الجمع على الواحد في الخطاب إذ لم يكن شعيب في ملتهم قط (قال) إنكارا (أولو) أي أنعود ولو (كنا كارهين) لها .

(قد افترينا) اختلفنا (على الله كذبا إن عدنا في ملتكم) بأن نشرك بالله (بعد إذ نجينا الله منها) بتوفيقه والحجج الموضحة للحق (وما يكون) يصح (لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) حسم لطمعهم في العود بتعليقه على الممتنع وهو مشيئة الكفر (وسع

[179 ]

ربنا كل شيء علما) أحاط علمه بكل شيء فيعلم حالنا وحالكم (على الله توكلنا) في كل أمورنا (ربنا افتح) احكم أو اكشف الأمر (بيننا وبين قومنا بالحق) ليتميز المحق والمبطل (وأنت خير الفاتحين).

(وقال الملأ الذين كفروا من قومه) قال بعضهم لبعض (لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون).

(فأخذتهم الرجفة) الزلزلة وفي هود الصيحة ولا منافاة (فأصبحوا في دارهم جاثمين) صرعى على وجوههم .

(الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين) الدارين .

(فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم) فلم تصدقوني (فكيف ءاسى) أحزن (على قوم كافرين) وضع موضع عليكم للتعليل والاستفهام لمعنى النفي .

(وما أرسلنا في قرية من نبي) فلم تؤمنوا به (إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء) بالفقر والمرض (لعلهم يضرعون) كي يتذللوا .

(ثم بدلنا) أعطيناهم (مكان السيئة) البلاء (الحسنة) النقمة (حتى عفوا) كثروا عددا أو عدة وأصله الترك أي تركوا حتى كثروا ومنه إعفاء اللحى (وقالوا) كفرا للنعمة (قد مس آباءنا الضراء والسراء) كما مسنا فهذه عادة الدهر بنا وبهم فلم يدعوا دينهم فنحن مثلهم (فأخذناهم) بالعذاب (بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بنزوله .

(ولو أن أهل القرى) التي أهلكناها أو مطلقا (ءامنوا) بالله ورسله (واتقوا) المعاصي (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) أي من كل جانب أو المطر والنبات (ولكن كذبوا) الرسل (فأخذناهم) بالقحط والشدة (بما كانوا يكسبون) من الكفر والمعاصي .

(أفأمن أهل القرى) المكذبون، الهمزة للتوبيخ والفاء للعطف وكذا في الثلاثة الآتية بالواو والفاء (أن يأتيهم بأسنا) عذابنا (بياتا) ليلا (وهم نائمون) في فرشهم .

(أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى) نهارا عند ارتفاع الشمس (وهم يلعبون) يلهون فيما لا ينفعهم .

(أفأمنوا مكر الله) استدراجه إياهم بالنعم وأخذهم بغتة (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) بالكفر وترك النظر .

(أولم يهد) بين (للذين يرثون الأرض من بعد أهلها) أي يخلفونهم في ديارهم بعد هلاكهم (أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) أي بجزائهم كما أصبنا من قبلهم (ونطبع) ونحن نختم (على قلوبهم) وإسناده إليه تعالى كناية من تمكن الكفر في قلوبهم أو إسناد إلى السبب أو مجاز عن ترك قسرهم على الإيمان (فهم لا يسمعون) الوعظ سماع قبول .

[180 ]

(تلك القرى) المذكورة (نقص عليك من أنبائها) بعض أخبار أهلها (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) بالمعجزات (فما كانوا ليؤمنوا) عند مجيئهم (بما كذبوا من قبل) بما كفروا به قبل مجيئهم بل استمروا على كفرهم (كذلك) الطبع (يطبع الله على قلوب الكافرين) يخليهم وشأنهم من رسوخ الكفر في قلوبهم .

(وما وجدنا لأكثرهم) لأكثر الناس والآية اعتراض أو لأكثر المهلكين (من عهد) من وفاء بما عهده الله إليهم في الإيمان بنصب الحجج أو عهدوه إليه حين يقعوا في بلية أن يؤمنوا (وإن) مخففة (وجدنا أكثرهم لفاسقين) اللام فارقة وقيل بمعنى إلا وإن نافية .

(ثم بعثنا من بعدهم) بعد الرسل والأمم (موسى بآياتنا) المعجزات (إلى فرعون وملئه) أي أشراف قومه (فظلموا بها) بوضعها غير موضعها فأبدلوا الإيمان بها بالكفر (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) بالكفر من إهلاكهم .

(وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين) إليك .

(حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق) أي بأن لا أقول (قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل) أطلقهم من أسر العبودية وخل بيني وبينهم .

(قال فرعون إن كنت جئت بآية) تصدق دعواك (فأت بها إن كنت من الصادقين) فيها .

(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) حية عظيمة بينة لا يشك فيها .

(ونزع يده) أخرجها من جيبه (فإذا هي بيضاء) ذات شعاع يغلب نور الشمس (للناظرين) خلاف نورها من الأدمة .

(قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم) حاذق بالسحر .

(يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون) تشيرون في أمره .

(قالوا أرجه وأخاه) أخر أمرهما (وأرسل في المدائن حاشرين) جامعين .

(يأتوك بكل ساحر عليم) وقرىء سحار فحشروا .

(وجاء السحرة فرعون) وهم سبعون أو أكثر (قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين) وقرىء على الإخبار .

(قال نعم وإنكم لمن المقربين) أنعم عليهم بالأجر وزاد عليه .

(قالوا يا موسى إما أن تلقي) ما معك (وإما أن نكون نحن الملقين) ما معنا خيروه تجلدا أو تأديا ولكن لحرصهم على الإلقاء قبله غيروا الأسلوب إلى الأبلغ بتعريف الخبر وتوسيط الفصل .

(قال ألقوا) كرما وتوثقا بأمره (فلما ألقوا) حبالا طوالا وخشبا غلاظا (سحروا أعين الناس) صرفوها عن حقيقة إدراكها (واسترهبوهم) أرهبوهم بالتخييل إليهم أنها حيات ملأت الوادي (وجاءوا بسحر عظيم) عند الناس.

[181 ]

(وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك) فألقاها فصارت حية (فإذا هي تلقف ما يأفكون) ما يقلبونه عن وجهه بالتمويه .

(فوقع الحق) ظهر وثبت (وبطل ما كانوا يعملون) من السحر .

(فغلبوا) أي فرعون وقومه (هنالك وانقلبوا صاغرين) صاروا أذلاء مبهوتين .

(وألقي السحرة ساجدين) ألقاهم ما يبهرهم من الحق حتى يتمالكوا أنفسهم أو الله بإلهامهم ذلك ليكسر فرعون بمن أراد بهم كسر موسى .

(قالوا ءامنا برب العالمين) ولئلا يتوهم إرادة فرعون به أبدل منه .

(رب موسى وهرون قال فرعون) إنكارا عليهم (أءامنتم به) بموسى أو ربه (قبل أن ءاذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه) شيء صنعتموه أنتم وموسى (في المدينة) في مصر قبل خروجكم (لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون) عاقبة أمركم .

(لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) اليد اليمنى والرجل اليسرى (ثم لأصلبنكم أجمعين) لتفتضحوا ويعبر يعتبر بكم غيركم .

(قالوا إنا إلى ربنا منقلبون) إلى ثوابه راجعون بعد الموت .

(وما تنقم) تنكر (منا إلا أن ءامنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا) عند فعل ما توعدونا به لئلا نرتد كفارا (وتوفنا مسلمين) ثابتين على الإسلام .

(وقال الملأ من قوم فرعون) له (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) بدعاء الناس إلى مخالفتك (ويذرك وءالهتك) قيل اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بعبادتها تقربا إليه ولذلك قال أنا ربكم الأعلى وقيل كان يعبد البقر ويأمرهم بعبادتها وعن علي (عليه السلام) (وءالهتك) أي عبادتك (قال سنقتل) بالتخفيف والتشديد (أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون) متسلطون .

(قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا) على أذاه (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة) المحمودة (للمتقين) وعد لهم بالنصر .

(قالوا) أي بنو إسرائيل (أوذينا) بقتل الأنبياء (من قبل أن يأتينا) بالرسالة (ومن بعد ما جئتنا) قالوه استبطاء لوعده إياهم بالنصر فجدده لهم (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) أخيرا أم شرا فيجازيكم به .

(ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) بالقحط والجدب (ونقص من الثمرات) بكثرة العاهات والآفات (لعلهم يذكرون) يتعظون.

(فإذا جاءتهم الحسنة) السعة والسلامة أو الخصب والرخاء (قالوا لنا

[182 ]

هذه) استحقاقا (وإن تصبهم سيئة) حروب وبلاء أو جدب (يطيروا بموسى ومن معه) يتشاءموا بهم ويقولون ما أصابنا إلا بشؤمهم (ألا إنما طائرهم) سبب خيرهم وشرهم (عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) ذلك وذكرت الحسنة معرفة مع إذا لكثرة وقوعها والسيئة منكرة مع أن لندورها.

(وقالوا مهما تأتنا به من ءاية) بزعمك (لتسحرنا) لتموه علينا (بها) الهاء بمعنى ما، أو آية (فما نحن لك بمؤمنين) بمصدقين .

(فأرسلنا عليهم الطوفان) المطر الذي طاف بهم أو الطاعون أو الجدري روي أنه خرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى البرية وضربوا الخيام (والجراد) فجردت كل شيء كان لهم من النبت والشجر حتى كانت تجرد شعورهم ولحيتهم (والقمل) كبار القردان فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة (والضفادع) فامتلأت منها بيوتهم وثيابهم وأوانيهم (والدم) فصارت مياههم في فم القبطي دما وفي فم الإسرائيلي ماء (ءايات) حال (مفصلات) مبينات (فاستكبروا) عن الإيمان (وكانوا قوما مجرمين).

(ولما وقع عليهم الرجز) العذاب وروي الثلج الأحمر ولم يروه قبل ذلك فماتوا عنه وجزعوا وأصابتهم ما لم يعهدوه (قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك) من إجابة دعوتك (لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل).

(فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه) ليتهيئوا فيه (إذا هم ينكثون) بادروا إلى نقض ما عهدوه .

(فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم) البحر (بأنهم) بسبب أنهم (كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) معرضين حتى صاروا كالغافلين عنها أو عن النقمة بقرينة فانتقمنا .

(وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون) بالاستعباد وهم بنو إسرائيل (مشارق الأرض ومغاربها) أرض مصر والشام تمكنوا في نواحيها بعد إهلاك العتاة (التي باركنا فيها) بالخصب والسعة (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل) وهي قوله في القصص ونريد أن نمن إلخ (بما صبروا) على الشدائد (ودمرنا) أهلكنا (ما كان يصنع فرعون وقومه) من العمارات (وما كانوا يعرشون) من الشجر أو يرفعون من البنيان .

(وجاوزنا) عبرنا (ببني إسرائيل البحر فأتوا) فمروا (على قوم) من العمالقة أو لخم (يعكفون على أصنام لهم) يقيمون على عبادتها (قالوا يا موسى اجعل لنا إلها) صنما نعبده (كما لهم ءالهة) ما كافة للكاف (قال إنكم قوم تجهلون) لبعد ما طلبتم وقد شاهدتم الآيات من العقل .

(إن هؤلاء) القوم (متبر) مهلك (ما هم فيه) من الدين (وباطل) مضمحل (ما كانوا يعملون) من عبادة الأصنام .

(قال أغير الله أبغيكم

[183 ]

إلها) أطلب لكم معبودا (وهو فضلكم على العالمين) في زمانكم بنعمكم الجسام فقابلتموها بأن قصدتم أن تشركوا به مخلوقة .

(و) اذكروا (إذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم) يولونكم ويذيقونكم (سوء العذاب) أشده (يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم) يستبقونهن للخدمة (وفي ذلكم) الإنجاء أو العذاب (بلاء) نعمة أو محنة (من ربكم عظيم).

(وواعدنا) وقرىء ووعدنا (موسى ثلاثين ليلة) ذا القعدة (وأتممناها بعشر) من ذي الحجة (فتم ميقات ربه) وقت وعده (أربعين ليلة) قيل وعد قومه أن يأتيهم بكتاب من الله فأمر بصوم ثلاثين فصامها فاستاك لخلوف فيه فأمر بعشر أخرى لإفساد السواك ريحه وقيل أمر بصوم ثلاثين ثم كلمه وأنزل عليه التوراة في العشر (وقال موسى لأخيه هرون) عند خروجه إلى الجبل للمناجاة (اخلفني) كن خليفتي (في قومي وأصلح) أمورهم (ولا تتبع سبيل المفسدين) طريقهم في المعاصي .

(ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) بلا واسطة سمعه من كل جهة (قال رب أرني أنظر إليك) روي لما كرروا سؤال الرؤية وأوحى الله إليه يا موسى سألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم (قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) علق على المحال (فلما تجلى ربه للجبل) ظهر له أمره واقتداره أو نوره أو عظمته (جعله دكا) مدكوكا أي مدقوقا (وخر موسى صعقا) مغشيا عليه لهول ما رأى (فلما أفاق قال سبحانك) تنزيها لك عما لا يليق بك من الرؤية وغيرها (تبت إليك) من طلب الرؤية أو السؤال بلا إذن (وأنا أول المؤمنين) بأنك لا ترى .

(قال يا موسى إني اصطفيتك) اخترتك (على الناس) من أهل زمانك (برسالاتي) وقرىء برسالتي (وبكلامي) وبتكليمي إياك (فخذ ما ءاتيتك) من النبوة والدين (وكن من الشاكرين) لنعمي .

(وكتبنا له في الألواح) ألواح التوراة وكانت سبعة أو عشرة من خشب أو ياقوت أو زمرد (من كل شيء) يحتاج إليه في الدين (موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة) بجد وعزيمة (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) أي بأحسن ما فيها من الفرائض والنوافل إذ هي أحسن من المباحات أو بحسنها وكلها حسن (سأريكم دار الفاسقين) فرعون وقومه وهي مصر أو منازل عاد وثمود وأمثالهم ليعتبروا بهم أو دارهم في الآخرة وهي جهنم .

(سأصرف عن ءاياتي) عن إبطال دلائلي (الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) متلبسين بالباطل وهو دينهم (وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها) لعنادهم (وإن يروا سبيل الرشد) الهدى (لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي) الضلال (يتخذوه سبيلا ذلك) الصرف (بأنهم كذبوا بآياتنا

[184 ]

وكانوا عنها غافلين) بسبب تكذيبهم بها وإعراضهم عنها .

(والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة) البعث وما يتبعه (حبطت أعمالهم هل) ما (يجزون إلا ما كانوا يعملون) إلا جزاء عملهم .

(واتخذ قوم موسى من بعده) بعد ذهابه للمناجاة (من حليهم عجلا جسدا) من ذهب لا روح فيه (له خوار) صوت قيل لما صاغه السامري ألقى في فمه من تراب أثر فرس جبرئيل فصار حيا وقيل احتال لدخول الريح جوفه فصوت (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا) فكيف يتخذونه إلها (اتخذوه) إلها (وكانوا ظالمين) باتخاذه واضعين للعبادة في غير موضعها .

(ولما سقط في أيديهم) ندموا إذ النادم يعض يده فيصير مسقوطا فيها (ورأوا) علموا (أنهم قد ضلوا) بعبادة العجل (قالوا لئن لم يرحمنا ربنا) بقبول التوبة (ويغفر لنا) ذنبنا (لنكونن من الخاسرين).

(ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) حزينا أو شديد الغضب (قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم) وعده الذي وعدنيه من الأربعين فلم تصبروا وقدرتم موتي وأشركتم (وألقى الألواح) ألواح التوراة غضبا لله وحمية للدين فمنها ما تكسر ومنها ما بقي ومنها ما ارتفع (وأخذ برأس أخيه) بذؤابته ولحيته (يجره إليه) غضبا إلى قومه كما يفعل الغضبان بنفسه أو سحبه معه حتى ينزل بهم العذاب (قال ابن أم) بفتح الميم وكسرها وذكر الأم استعطافا واستبعادا للعداوة بين بني أم واحدة وكان الأب واحد (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) لشدة إنكاري عليهم (فلا تشمت بي الأعداء) لا تسرهم بأن تفعل بي ما ظاهره الإهانة (ولا تجعلني مع القوم الظالمين) بعبادة العجل أي من جملتهم في إظهار الغضب علي .

(قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك) بالإنعام علينا (وأنت أرحم الراحمين) أرحم منا بأنفسنا .

(إن الذين اتخذوا العجل) إلها (سينالهم غضب من ربهم) عذاب الآخرة أو أمرهم بقتل أنفسهم (وذلة في الحياة الدنيا) الجلاء أو الجزية (وكذلك) الجزاء (نجزي المفترين) على الله بالإشراك وغيره .

(والذين عملوا السيئات) من شرك وغيره (ثم تابوا) عنها (من بعدها وءامنوا) واستقاموا على الإيمان (إن ربك من بعدها) بعد التوبة (لغفور) لهم (رحيم) بهم .

(ولما سكت) سكن (عن موسى الغضب أخذ الألواح) التي ألقاها (وفي نسختها) فيما نسخ فيها أي كتب (هدى) بيان للحق (ورحمة) دعاء إلى الخير (للذين هم لربهم يرهبون) يخشون .

(واختار موسى قومه) أي من قومه (سبعين رجلا لميقاتنا

[185 ]

فلما أخذتهم الرجفة) قيل أمره الله أن يختارهم ليكلمه بحضرتهم ليشهدوا عند بني إسرائيل فلما سمعوا كلامه قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة أو الزلزلة فصعقوا (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) قبل خروجي بهم (وإياي) لئلا يتهمني بنو إسرائيل (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) استفهام استعطاف أي لا تؤاخذنا بذنب غيرنا من طلب الممتنع وهو الرؤية فيكون الطالب بعضهم وقيل عبادة العجل (إن هي إلا فتنتك) ما الرجفة إلا ابتلاؤك ليتميز الصابر من غيره أو عذابك (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) بلطفك فيصبر (أنت ولينا) متولي أمرنا (فاغفر لنا) ذنوبنا (وارحمنا وأنت خير الغافرين).

(واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة) نعمة وتوفيق طاعة (وفي الآخرة) حسنة الجنة (إنا هدنا) تبنا (إليك) من هاده أماله (قال عذابي أصيب به من أشاء) من العباد (ورحمتي وسعت كل شيء) في الدنيا البر والفاجر (فسأكتبها) أثبتها في الآخرة (للذين يتقون) الشرك والمعاصي (ويؤتون الزكاة) خصت بالذكر لفضلها أو لأنها أشق (والذين هم بآياتنا يؤمنون).

(الذين) مبتدأ خبره يأمرهم أو خبر محذوف أي هم الذين (يتبعون الرسول النبي) محمد (الأمي) المنسوب إلى أم القرى أو الذي لا يكتب ولا يقرأ (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) باسمه ونعته (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات) مما حرم في شرعهم (ويحرم عليهم الخبائث) كالميتة ونحوها (ويضع عنهم إصرهم) ما يشق عليهم من التكاليف (والأغلال) العهود (التي كانت عليهم) بالعمل بما في التوراة (فالذين ءامنوا به وعزروه) وقروه (ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه) أي مع رسالته وهو علي (عليه السلام) أو القرآن (أولئك هم المفلحون).

(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) إلى الثقلين (الذي له ملك السموات والأرض) صفة الله أو مبتدأ خبره (لا إله إلا هو يحيي ويميت) تقرير لاختصاصه بها (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته) القرآن والوحي والكتب المتقدمة (واتبعوه لعلكم تهتدون) إلى الثواب أو الجنة .

(ومن قوم موسى أمة) جماعة (يهدون بالحق وبه يعدلون) في الحكم هم الثابتون على الإيمان من أهل زمانه أو مؤمنوا أهل الكتاب، وروي هم قوم وراء الصين مسلمون يخرجون مع قائم آل محمد .

(وقطعناهم) فرقنا بني إسرائيل (اثنتي عشرة أسبأطا) قبائل بدل (أمما) صفة أسبأطا.

[186 ]

(وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه) في التيه (أن اضرب بعصاك الحجر) فضربه (فانبجست) انفجرت (منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس) كل سبط (مشربهم وظللنا عليهم الغمام) تقيهم الشمس (وأنزلنا عليهم المن والسلوى) وقلنا لهم (كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فسر في البقرة .

(وإذا قيل لهم أسكنوا هذه القرية) بيت المقدس (وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم) وقرىء خطاياكم وخطيئتكم (سنزيد المحسنين) ثوابا .

(فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون) فسر في البقرة .

(واسئلهم) توبيخا (عن القرية) عن أهلها وما وقع بهم (التي كانت حاضرة البحر) بقرية وهي أيلة بين مدين والطور وقيل مدين (إذ يعدون) يتجاوزون حد الله (في السبت) بالصيد فيه وذلك أنهم نهوا عن ذلك فاتخذوا حياضا لا يتهيأ للحيتان الخروج منها فكانت تدخلها في السبت فيصيدونها يوم الأحد (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا) ظاهرة على الماء (ويوم لا يسبتون) لا يعظمون السبت أي سائر الأيام (لا تأتيهم كذلك) البلاء (نبلوهم بما كانوا يفسقون) بفسقهم .

(وإذ قالت أمة منهم) وكانوا ثلاث فرق فرقة صادوا وفرقة نهوا وفرقة أمسكوا فقالت الماسكة للناهية (لم تعظون قوما الله مهلكهم) في الدنيا (أو معذبهم عذابا شديدا) في الآخرة (قالوا) جوابا لسؤالهم موعظتنا (معذرة) وقرىء بالنصب مصدرا أي نعتذر معذرة (إلى ربكم) لئلا ننسب إلى ترك النهي عن المنكر (ولعلهم يتقون) الله فلا يعصونه .

(فلما نسوا) تركوا (ما ذكروا به) من الوعظ فلم ينتهوا (أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا) بتعدي الحد (بعذاب بئيس) شديد (بما كانوا يفسقون) بفسقهم .

(فلما عتوا عن ما نهوا عنه) تكبروا عن تركه (قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) مطرودين .

(وإذ تأذن ربك) بمعنى أذن أي أعلم أجري مجرى القسم كعلم الله فأجيب بجوابه وهو (ليبعثن عليهم) ليسلطن على اليهود (إلى يوم القيامة من يسومهم سوء

[187 ]

العذاب) يوليهم شدته بالذل وأخذ الجزية (إن ربك لسريع العقاب) لمن عصاه (وإنه لغفور) لمن آمن (رحيم) به .

(وقطعناهم) فرقناهم (في الأرض أمما) فرقا (منهم الصالحون ومنهم دون ذلك) منحطون عن الصلاح وهم كفرتهم وفسقتهم (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) بالمنح والمحن (لعلهم يرجعون) عما هم عليه .

(فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب) التوراة عن أسلافهم يتلونها (يأخذون عرض هذا الأدنى) حطام هذا الشيء الدني أي الدنيا من الحرام كالرشاء وغيرها (ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) حال من المستكن في لنا أي يرجون المغفرة مصرين على ذنبهم عائدين إليه (ألم يؤخذ) تقرير (عليهم ميثاق الكتاب) الإضافة بمعنى في (أن لا يقولوا على الله إلا الحق) متعلق بالميثاق أي بأن أو عطف بيان (ودرسوا ما فيه) تركوه حتى صار دارسا (والدار الآخرة خير) من عرض الدنيا (للذين يتقون) الحرام (أفلا تعقلون) ذلك بالتاء والياء .

(والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلوة) عطف على الذين يتقون، وأ فلا تعقلون اعتراض أو مبتدأ خبره (إنا لا نضيع أجر المصلحين) بتقدير منهم وضع الظاهر موضع المضمر .

(وإذ نتقنا الجبل) رفعناه (فوقهم كأنه ظلة) وهو ما أظلك من غمامة أو سقيفة (وظنوا) أيقنوا وقوي في نفوسهم (أنه واقع بهم) ساقط عليهم إذ وعدهم الله وقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وقلنا لهم (خذوا ما ءاتيناكم) من التوراة (بقوة) بجد وعزم (واذكروا ما فيه) بالعمل به (لعلكم تتقون) المعاصي .

(وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم) بدل اشتمال (ذريتهم) وقرىء ذرياتهم أي أخرج من أصلابهم على نحو توالدهم نسلا بعد نسل، وروي أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه وأراهم صنعه (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) أي نصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بربوبيته حتى صاروا بمنزلة من شهدوا وأقروا (أن تقولوا يوم القيامة) كراهة أن تقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين) لم نتنبه له بحجة .

(أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) فاقتدينا بهم (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) من آبائنا .

(وكذلك) التفصيل والبيان (نفصل الآيات) نبينها ليستدلوا بها (ولعلهم يرجعون) عن الباطل إلى الحق .

(واتل عليهم) أي اليهود (نبأ الذي ءاتيناه ءاياتنا) بلعم بن باعور كان عنده الاسم الأعظم فسئل أن يدعو على موسى فدعا فانقلب عليه (فانسلخ) خرج (منها) بكفره كالذي ينسلخ من جلده (فأتبعه) لحقه (الشيطان فكان من الغاوين) فصار من الهالكين .

(ولو شئنا

[188 ]

لرفعناه) إلى منازل العلماء (بها) بسبب الآيات قبل كفره لكن أبقيناه اختبارا له فكفر (ولكنه أخلد إلى الأرض) ركن إلى الدنيا (واتبع هواه) في إيثارها على العقبى (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه) بالطرد والزجر (يلهث) يدلع لسانه (أو تتركه) وشأنه (يلهث) والشرطية حال أي لاهثا في الحالين بخلاف سائر الحيوانات والمراد التشبيه في الصفة والخسة، وقيل لما دعا على موسى اندلع لسانه على صدره (ذلك) المثل (مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص) على اليهود (لعلهم يتفكرون) يتدبرونها فيعتبرون .

(ساء مثلا القوم) أي مثل القوم (الذين كذبوا بآياتنا) بعد علمهم بها (وأنفسهم) لا غيرها (كانوا يظلمون) بالتكذيب إذ وباله لا يتعداهم .

(من يهدي الله) إلى الإيمان بلطفه لعلمه أنه أهل اللطف أو إلى الجنة بسبب إيمانه (فهو المهتدي) الفائز بالنعيم الباقي (ومن يضلل) بالتخلية (فأولئك هم الخاسرون) وفي تغيير الأسلوب بإفراد المهتدي وجمع الخاسر إشارة إلى أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين .

(ولقد ذرأنا) خلقنا (لجهنم كثيرا من الجن والإنس) ممن علم الله أنهم للنار باختيارهم واللام للعاقبة (لهم قلوب لا يفقهون بها) الحق لتركهم تدبر دلائله (ولهم أعين لا يبصرون بها) آيات قدرته (ولهم ءاذان لا يسمعون بها) مواعظه للقرآن سماع اتعاظ (أولئك كالأنعام) في عدم الفقه والإبصار والاستماع (بل هم أضل) لأنها لا تدع ما فيه صلاحها من جلب منفعة ودفع مضرة وهؤلاء يقدمون على النار عنادا (أولئك هم الغافلون) إذ لم يتنبهوا بالحجج .

(ولله الأسماء الحسنى) التي لا يسمى بها غيره (فادعوه بها) سموه بتلك الأسماء (وذروا) واتركوا (الذين يلحدون) يميلون عن الحق (في أسمائه) فيطلقونها على أصنامهم ويشتقون أسماءهم منها كاللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان أو يسمونه بما لا يليق به أي ذروهم وإلحادهم فيها (سيجزون) في الآخرة جزاء (ما كانوا يعملون).

(وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) في الحكم هم الأئمة وأتباعهم .

(والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم) سنقربهم إلى الهلاك درجة درجة (من حيث لا يعلمون) ذلك بأن تتواتر عليهم النعم وهم يزدادون غيا حتى يحل بهم العذاب .

(وأملي لهم) وأمهلهم (إن كيدي متين) بطشي شديد سماه كيدا لمجيئه من حيث لا يشعرون .

(أولم يتفكروا) فيعلموا (ما بصاحبهم) محمد (من جنة) نزلت حين حذرهم بأس الله فنسبوه إلى الجنون (إن هو إلا نذير مبين) موضح للإنذار .

(أولم ينظروا) اعتبارا (في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) من أصناف خلقه فيستدلوا به على الصانع (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) عطف على (ملكوت السموات) وأن مصدرية أو مخففة واسمها ضمير الشأن أي أولم ينظروا في اقتراب أجلهم فيتبادروا إلى الإيمان لئلا يموتوا كفارا

[189 ]

فيصيروا إلى النار (فبأي حديث بعده يؤمنون) أي القرآن يؤمنون مع وضوح دلالته .

(ومن يضلل الله) يتركه وسوء اختياره (فلا هادي له) يقسره على الإيمان (ويذرهم في طغيانهم) بالرفع على الاستيناف وقرىء بالنون (يعمهون) متحيرين .

(يسألونك عن الساعة) القيامة أو وقت موت الخلق (أيان مرساها) متى إرساؤها أي إثباتها (قل إنما علمها عند ربي) لم يطلع عليه أحد (لا يجليها لوقتها) لا يظهرها في وقتها (إلا هو ثقلت في السموات والأرض) عظمت على أهلها لهولها (لا تأتيكم إلا بغتة) فجأة فتكون أعظم أو أهول (يسألونك كأنك حفي) مستقص في السؤال (عنها) حتى علمتها (قل إنما علمها عند الله) كرر تأكيدا (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أن علمها عند الله استأثر به .

(قل لا أملك لنفسي نفعا) بجلب (ولا ضرا) بدفع (إلا ما شاء الله) أن يملكنيه من ذلك بإلهامه (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) من المنافع (وما مسني السوء) من فقر وغيره لاحترازي من أسبأبه (إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) فإنهم المنتفعون بالإنذار والبشارة .

(هو) أي الله (الذي خلقكم من نفس واحدة) آدم (وجعل منها) من ضلعها أو فضل طينتها أو جنسها (زوجها) حواء (ليسكن إليها) وذكر نظرا إلى المعنى (فلما تغشاها) جامعها (حملت حملا خفيفا) هو النطفة (فمرت به) فاستمرت به يجيء ويذهب لخفته (فلما أثقلت) بكبر الحمل في بطنها (دعوا الله ربهما لئن ءاتيتنا صالحا) ولدا سويا (لنكونن من الشاكرين) لك على ذلك .

(فلما ءاتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما ءاتاهما) أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد اللات وعبد العزى (فتعالى الله عما يشركون) وقيل ضمير جعلا للنسل الصالح السوي وثني لأن حواء كانت تلد توأما، وقيل المعنى خلق الله كل واحد منهم من نفس واحدة وجعل زوجها من جنسها وضمير جعلا للنفس وزوجها من ولد آدم وضمير يشركون للجميع .

(أيشركون) توبيخ (ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) أي الأصنام التي سموها آلهة وأفرد للفظ ما وجمع لمعناها .

(ولا يستطيعون لهم) أي لعبدتهم (نصرا ولا أنفسهم ينصرون) بدفع ما يعتريها .

(وإن تدعوهم) أي المشركين (إلى الهدى) الإيمان (لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون).

(إن الذين تدعون) تعبدون (من دون الله عباد) مملوكة مذللة (أمثالكم فادعوهم) في مهامكم (فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) أنهم آلهة .

(ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها) أي ليس لهم شيء من ذلك مما لكم فأنتم أفضل وأتم منهم ولم يستحق بعضكم عبادة بعض فكيف يستحقون عبادتكم.

[190 ]

(قل ادعوا شركاءكم) وتظاهروا بهم علي (ثم كيدون) فاجتهدوا أنتم وهم في هلاكي (فلا تنظرون) فلا تمهلوني فإني لا أبالي بكم .

(إن وليي) متولي أموري وناصري (الله الذي نزل الكتاب) القرآن حجة لي عليكم (وهو يتولى الصالحين) بنصرهم بالدفع عنهم بالحجة .

(والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) فكيف أبالي بهم .

(وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا) أي الأصنام (وتراهم ينظرون) كالناظرين (إليك) إذا قابلت صورهم (وهم لا يبصرون).

(خذ العفو) ما عفا وتسهل من أخلاق الناس أو من أموالهم (وأمر بالعرف) ما حسن عقلا وشرعا (وأعرض عن الجاهلين) فقابل سفههم بالحلم .

(وإما) إن الشرطية أدغمت في ماء الزائدة (ينزغنك من الشيطان نزغ) أي ينخسك منه نخس أي وسوسة من باب إياك أعني (فاستعذ بالله) يكفكه (إنه سميع) لدعائك (عليم) بما يصلحك .

(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف) خاطر ولم يطوف حول القلب (من الشيطان) أي جنسه بقرينة جمع ضميره (تذكروا) عقاب الله وثوابه (فإذا هم مبصرون) للرشد فيرهبون إليه بسبب التذكر .

(وإخوانهم يمدونهم) أي إخوان الشياطين من الكفار يمدهم الشياطين أو إخوان الكفار من الشياطين يمدون الكفار (في الغي) بتزيينه لهم (ثم لا يقصرون) لا يكفون عن إغوائهم أو لا يكف الإخوان عن الغي كما يكف المتقون .

(وإذا لم تأتهم بآية) مما اقترحوا ومن القرآن (قالوا لو لا اجتبيتها) هلا تقولتها من نفسك كسائر ما تتقوله، أو هلا طلبتها من ربك (قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي) لست بمتقول ولا بمقترح للآيات (هذا) القرآن (بصائر) دلائل تبصر القلوب بها الحق (من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) مر تفسيره .

(وإذا قرىء القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) روي أنه في الفريضة خلف الإمام وقيل بوجوب الإستماع والإنصات مطلقا تعظيما للقرآن .

(واذكر ربك في نفسك) يعم كل ذكر، وروي إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة (تضرعا) مستكينا (وخيفة) خائفا من عذابه (ودون الجهر من القول) القراءة أي لافظا لفظا فوق السر ودون الجهر (بالغدو والآصال) بالبكر والعشيات (ولا تكن من الغافلين) عن ذكر ربك .

(إن الذين عند ربك) يعني الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه) ينزهونه (وله يسجدون) يخصونه بالخضوع والتذلل تعريض بمعنى ليس كذلك.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21403554

  • التاريخ : 19/04/2024 - 23:37

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net