00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة يونس 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير شبر   ||   تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

سورة يونس

 (10) سورة يونس مائة وتسع آيات (109) مكية

إلا فإن كنت في شك الثلاث أو ومنهم من يؤمن الآية.

بسم الله الرحمن الرحيم

(الر) روي معناه أنا الله الرءوف (تلك) أي هذه الآيات المنزلة (ءايات الكتاب) القرآن (الحكيم) المحكم أو الجامع للحكم .

(أكان) إنكار (للناس عجبا أن أوحينا) أي إيحاؤنا (إلى رجل منهم) محمد قيل قالوا إن الله لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب، وقيل تعجبوا من إرساله بشرا (أن) مفسرة أو مخففة (أنذر الناس) خوفهم بالعذاب (وبشر الذين ءامنوا أن) بأن (لهم قدم) سابقة (صدق) أي منزلة رفيعة بما قدموا أو شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (عند ربهم قال الكافرون إن هذا) القرآن المتضمن ذاك (لساحر مبين) بين وقرىء لسحر .

(إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام) في قدرهن ولم يخلقهن دفعة مع قدرته لحكم منها إثبات الاختيار وتعليم خلقه التثبت (ثم استوى على العرش) فسر في الأعراف (يدبر الأمر) يقدر وينفذه على مقتضى حكمته (ما من شفيع) يشفع لأحد عنده (إلا من بعد إذنه) رد لزعمهم شفاعة أصنامهم لهم (ذلكم) الموصوف بهذه الصفات (الله ربكم) لا إله ولا رب لكم غيره

[216 ]

(فاعبدوه) وحده (أفلا تذكرون) تتفكرون وتتعظون .

(إليه) لا إلى غيره (مرجعكم جميعا) بعد الموت (وعد الله حقا) مصدران قدر فعلهما (إنه يبدؤا الخلق) يبتدىء به (ثم يعيده) بعد إفنائه (ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات بالقسط) بعدله أو عدلهم أي إيمانهم (والذين كفروا لهم شراب من حميم) ماء من عين غير الحرارة (وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) بسبب كفرهم أو بمقابلته وعدل عن أسلوب المقابلة إشعارا بأن الغرض بالذات من الإبداء والإعادة الإثابة والتعذيب واقع بالعرض ولشدة اعتنائه بالرحمة نسب الجزاء بها لنفسه بخلاف ضدها .

(هو) الله (الذي جعل الشمس ضياء) ذات ضياء (والقمر نورا) ذا نور قيل الذاتي ضوء والعرضي نور، فما في الشمس من ذاتها وما في القمر مكتسب (وقدره) أي كل واحد منهما من حيث المسير (منازل) ثمانية وعشرين أو الضمير للقمر وخص بالذكر لظهور نزوله بها ولتعلق أكثر الأحكام به (لتعلموا) بذلك (عدد السنين والحساب) للأيام والشهور ومنافع دينية ودنيوية (ما خلق الله ذلك إلا) متلبسا (بالحق) لا باطلا تعالى عنه (نفصل) نبين وقرىء بالياء (الآيات لقوم يعلمون) فيتدبرونها .

(إن في اختلاف الليل والنهار) بالتعاقب والطول والقصر (وما خلق الله في السموات) من نيرات وملائكة وغيرها (والأرض) من أجناس الكائنات (لآيات) لوجوده ووحدته وعلمه وقدرته (لقوم يتقون) فيصدقون بها .

(إن الذين لا يرجون) لا يتوقعون (لقاءنا) بالبعث (ورضوا بالحياة الدنيا) من الآخرة لإنكارهم لها (واطمئنوا بها) سكنوا إليها (والذين هم عن ءاياتنا غافلون) لا يتدبرونها .

(أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) من الكفر والمعاصي .

(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم) للجنة (تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم).

(دعواهم) دعاؤهم (فيها سبحانك اللهم) نسبحك تسبيحا يا الله (وتحيتهم) من الملائكة أو فيما بينهم (فيها سلام وآخر دعواهم أن) مفسرة أو مخففة (الحمد لله رب العالمين) يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد .

(ولو يعجل الله للناس الشر) إذا دعوا على أنفسهم وأولادهم ضجرا (استعجالهم) أي كتعجيله لهم (بالخير) إذا استعجلوه (لقضي إليهم أجلهم) أي لأهلكوا ولكن يمهلهم (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) لا يتوقعون البعث (في طغيانهم يعمهون) يتحيرون .

(وإذا مس الإنسان الضر) الجهد والبلاء (دعانا) لكشفه (لجنبه) أي مضطجعا (أو قاعدا أو قائما) أي في جميع حالاته

[217 ]

(فلما كشفنا عنه ضره مر) استمر على طريقته وكفره (كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك) التزيين (زين للمسرفين ما كانوا يعملون).

(ولقد أهلكنا القرون) أهل الأعصر السابقة (من قبلكم) يا أهل مكة (لما ظلموا) أشركوا (وجاءتهم رسلهم بالبينات) على صدقهم (وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين) المشركين .

(ثم جعلناكم خلائف) خلفاء (في الأرض من بعدهم) بعد القرون التي أهلكناها (لننظر كيف تعملون) خيرا أو شرا فيجازيكم به .

(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) واضحات (قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرءان غير هذا) لا يتضمن عيب آلهتنا (أو بدله) فاجعل مكانه آية تتضمن ذلك غيرها (قل ما يكون) ما يصح (لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي) فليس لي التصرف فيه بوجه (إني أخاف إن عصيت ربي) بتبديله (عذاب يوم عظيم) هو يوم القيامة .

(قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم) أعلمكم الله (به) على لساني وقرىء لأدراكم باللام (فقد لبثت) مكثت (فيكم عمرا) أربعين سنة (من قبله) قبل القرآن لا آتيكم بشيء (أفلا تعقلون) بذلك أنه ليس من قبلي .

(فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) بزعمه الشريك والولد له تعالى (أو كذب بآياته) القرآن (إنه لا يفلح المجرمون) المشركون .

(ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم) إن لم يعبدوه (ولا ينفعهم) إن عبدوه (ويقولون هؤلاء) الأصنام (شفعاؤنا عند الله) في الدنيا أو في الآخرة إن بعثا (قل أتنبئون الله) أتخبرونه (بما لا يعلم) من أن له شريكا أو هؤلاء شفعاؤنا عنده أي لو صح ذلك لعلمه (في السموات ولا في الأرض) حال من العائد المقدر (سبحانه) تنزيها له (وتعالى عما يشركون) معه .

(وما كان الناس إلا أمة واحدة) على الحق من عهد آدم إلى نوح أو على الكفر في فترة (فاختلفوا) تفرقوا إلى مؤمن وكافر (ولو لا كلمة سبقت من ربك) بتأخير الجزاء إلى يوم الفصل يوم القيامة (لقضي بينهم) في الدنيا (فيما فيه يختلفون) (بإهلاك الكفرة) .

(ويقولون لو لا) هلا (أنزل عليه آية

[218 ]

من ربه) أي مما اقترحوه (فقل إنما الغيب لله) لا يعلمه إلا هو فلا ينزل إلا ما يعلم فيه صلاحا (فانتظروا) نزولها أو العذاب (إني معكم من المنتظرين) لهلاككم .

(وإذا أذقنا الناس رحمة) نعمة وخصبا (من بعد ضراء مستهم) شدة وجدب (إذا لهم مكر في ءاياتنا) بتكذيبها والقدح فيها (قل الله أسرع مكرا) مجازاة على المكر (إن رسلنا) الحفظة (يكتبون ما تمكرون) وقرىء بالياء .

(هو الذي يسيركم) يمكنكم من السير وقرىء وينشركم (في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك) السفن (وجرين بهم) التفات إلى الغيبة كأنه خوطب غيرهم للتعجب منهم (بريح طيبة) لينة (وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف) شديدة الهبوب (وجاءهم الموج من كل مكان) جهة (وظنوا أنهم أحيط بهم) فلا مخلص لهم من الهلاك (دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه) الشدة (لنكونن من الشاكرين) المؤمنين .

(فلما أنجاهم) إلى البر (إذا هم يبغون) يظلمون (في الأرض بغير الحق) بالشرك والفساد (يا أيها الناس إنما بغيكم) ظلمكم كائن (على أنفسكم) لأن وباله عليها (متاع) بالرفع خبر محذوف وبالنصب مصدر، أي تمتعون متاع (الحياة الدنيا) الزائلة (ثم إلينا مرجعكم) في الآخرة (فننبئكم بما كنتم تعملون) بالجزاء به .

(إنما مثل الحياة الدنيا) أي صفتها في سرعة زوالها بعد إقبالها (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به) بسببه (نبات الأرض) بعضه ببعض (مما يأكل الناس والأنعام) من الحبوب والبقول والكلأ (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) زينتها من نباتها (وظن أهلها أنهم قادرون عليها) بالحصد ودفع الغلات (أتاها أمرنا) حكمنا وعذابنا (ليلا أو نهارا فجعلناها) أي زرعها (حصيدا) كالمحصود بآلة (كأن لم تغن بالأمس) لم تكن من قبل (كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) ليعتبروا بها .

(والله يدعو إلى دار السلام) السلامة أو دار الله أي الجنة (ويهدي من يشاء) بلطفه (إلى صراط مستقيم) موصل إليها وهو الإيمان .

(للذين أحسنوا) المثوبة (الحسنى وزيادة) أضعافا مضاعفة أو ترك حسابهم بنعيم الدنيا.

[219 ]

(ولا يرهق) يغشى (وجوههم قتر) سواد (ولا ذلة) هوان (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).

(والذين) وللذين (كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها) بلا زيادة (وترهقهم ذلة ما لهم من الله) من سخطه (من عاصم) مانع (كأنما أغشيت) ألبست (وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

ويوم) واذكر يوم (نحشرهم) أي الخلق (جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم) الزموا مكانكم (أنتم) تأكيد للضمير ليعطف عليه (وشركاؤكم) أي الأصنام (فزيلنا) قطعنا المواصلة (بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) بل عبدتم أهواءكم أو ما شعرنا بعبادتكم لنا، وقيل الشركاء الشياطين، وقيل الملائكة .

(فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم) إن مخففة أي (إن كنا عن عبادتكم لغافلين) اللام فارقة .

(هنالك) في ذلك المكان (تبلوا كل نفس ما أسلفت) تختبر وتعلم ما علمت وقرىء تتلو من التلاوة (وردوا إلى الله) إلى حكمه (مولاهم) مالكهم (الحق) على الحقيقة والثابت (وضل) وبطل (عنهم ما كانوا يفترون) يدعون أن له شركاء .

(قل من يرزقكم من السماء والأرض) بالمطر والنبات (أمن يملك السمع) أي خلق الأسماع (والأبصار ومن يخرج الحي من الميت) من النطفة والبيضة (ويخرج الميت) النطفة والبيضة (من الحي ومن يدبر الأمر) أمر العالم (فسيقولون الله) لوضوح ذلك بحيث لا يمكنهم إنكاره (فقل أفلا تتقون) عقابه فتوحدونه .

(فذلكم) الفاعل لهذه الأشياء (الله ربكم الحق) الثابت (فما ذا) إنكار أي ليس (بعد الحق) وهو عبادته (إلا الضلال) فمن أخطأه ضل (فأنى) فكيف (تصرفون) عن عبادته .

(كذلك) كما حققت ألوهيته وربوبيته (حقت كلمت ربك على الذين فسقوا) كفروا (أنهم لا يؤمنون) سبق علمه بعدم إيمانهم اختيارا .

(قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون) تصرفون عن الأيمان .

(قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) بنصب الحجج والتوفيق للنظر

[220 ]

(قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق) وهو الله (أحق أن يتبع أمن لا يهدي) غيره أو لا يهتدي وقرىء بتسكين الهاء وتخفيف الدال وشددها الأكثر (إلا أن يهدى) وهذا وصف أشرف الشركاء كالمسيح والملائكة (فما لكم كيف تحكمون) بما لا يقبله عقل سليم .

(وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) من تقليد آبائهم (إن الظن لا يغني من الحق) من العلم الثابت (شيئا) مفعول به (إن الله عليم بما يفعلون) من الإشراك به فيجازيهم عليه .

(وما كان هذا القرءان أن يفترى) أي افتراء (من دون الله) من غيره (ولكن) كان أو أنزل (تصديق الذي بين يديه) من الكتب (وتفصيل الكتاب) تبيين ما كتب وأثبت من أمور الدين (لا ريب فيه من رب العالمين).

(أم يقولون افتراه) محمد (قل فأتوا بسورة مثله) في البلاغة على وجه الافتراء فإنكم مثل عرب فصحاء (وادعوا من استطعتم) لمعاضدتكم عليه (من دون الله) أي غيره (إن كنتم صادقين) أنه افتراه .

(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) أي القرآن قبل أن يتدبروه ويعلموا ما فيه (ولما يأتهم تأويله) أي لم يقفوا على معانيه أو لم يأتهم عاقبة ما فيه من الوعيد (كذلك) التكذيب (كذب الذين من قبلهم) رسلهم (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) فكذا عاقبة هؤلاء .

(ومنهم) من قومك (من يؤمن به) في المستقبل أو في نفسه لعدم تدبره (وربك أعلم بالمفسدين) من لم يؤمنوا .

(وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم) لكل جزاء عمله (أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون).

(ومنهم من يستمعون إليك) إذا قرأت القرآن ولا يقبلون (أفأنت تسمع الصم) أي من هم كالصم في عدم الانتفاع بما تقرأه (ولو كانوا) مع صممهم (لا يعقلون) إن ضم إلى صممهم عدم تعقلهم .

(ومنهم من ينظر إليك) ويرى شواهد صدقك ولا يصدقك (أفأنت تهدي العمي) من هم كالعمي في عدم الاهتداء (ولو كانوا) مع العمي (لا يبصرون) لا يعتبرون بالبصائر .

(إن الله لا يظلم الناس شيئا) يمنعهم الانتفاع في الحجج (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) بترك تدبرها .

(ويوم يحشرهم) بالنون والياء (كأن) كأنهم لهول ما يرون (لم يلبثوا) في الدنيا والقبور (إلا ساعة من النهار) وحجة التشبيه حال منهم أو صفة يوم أي كأن لم يلبثوا قبله (يتعارفون بينهم) تعرف بعضهم بعضا إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف للأهوال وهو حال مقدرة أو متعلق الظرف (قد خسر الذين كذبوا

[221 ]

بلقاء الله) بالبعث (وما كانوا مهتدين) للصواب .

(وإما نرينك) في حياتك (بعض الذي نعدهم) من العذاب أو جواب الشرط محذوف أي فذاك (أو نتوفينك) قبل تعذيبهم (فإلينا مرجعهم) في الآخرة (ثم الله شهيد) مطلع (على ما يفعلون) فيجازيهم به وثم لترتيب مقتضى الشهادة وهو عقابهم على رجوعهم .

(ولكل أمة) من الأمم (رسول) يدعوهم إلى الله (فإذا جاء رسولهم) إليهم فكذبوه (قضي بينهم بالقسط) بالعدل فيهلكون (وهم لا يظلمون) بعقوبة بغير ذنب .

(ويقولون متى هذا الوعد) بالعذاب (إن كنتم صادقين) فيه .

(قل لا أملك لنفسي ضرا) بدفع (ولا نفعا) بجلب (إلا ما شاء الله) أن أملكه فكيف أملك لكم تعجيل العذاب (لكل أمة أجل) مضروب لهلاكهم (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).

(قل أرأيتم) أخبروني (إن أتاكم عذابه) عذاب الله (بياتا) ليلا (أو نهارا ما ذا) أي شيء (يستعجل منه) من العذاب (المجرمون) وضع موضع الضمير وجواب إن محذوف أي تندموا على استعجالهم .

(أثم إذا ما وقع) أي أبعد وقوع العذاب (ءامنتم به) بالله أو العذاب حين لا ينفعكم الإيمان والهمزة لإنكار التأخير (ءالآن) ويقال لكم الآن تؤمنون بالهمزة وبحذفها (وقد كنتم به تستعجلون) استهزاء .

(ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون).

(ويستنبئونك أحق هو) أي ما تعدنا به من البعث والعذاب أو ما جئت به من القرآن والشريعة (قل إي وربي إنه لحق) لا شك فيه (وما أنتم بمعجزين) بفائتين العذاب .

(ولو أن لكل نفس ظلمت) أشركت (ما في الأرض) من الأموال (لا افتدت به) من العذاب (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) أخفوها كراهة لشماتة الأعداء أو أخفاها رؤساؤهم عن الأتباع خوف ملامتهم (وقضي بينهم) بين الخلائق (بالقسط) بالعدل (وهم لا يظلمون) بالجزاء .

(ألا إن لله ما في السموات والأرض) يفعل به ما يشاء (ألا إن وعد الله) بالبعث والجزاء (حق) كائن لا محالة (ولكن أكثرهم لا يعلمون) لتركهم النظر المؤدي إلى العلم .

(هو يحيي) الخلق بعد كونهم أحياء (ويميت) الأحياء (وإليه ترجعون) بالبعث فيجازي كلا بعمله .

(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) في كتابه (من ربكم) يرغب في محاسن الأعمال ويزجر عن مساويها (وشفاء لما في الصدور) من أمراض الشكوك وسوء الاعتقاد (وهدى) إلى الحق (ورحمة للمؤمنين) لنجاتهم به من النار إلى الجنة .

[222 ]

(قل بفضل الله وبرحمته) بإنزال القرآن وتعلقت الباء بما يفسره (فبذلك فليفرحوا) أي إن فرحوا بشيء فيهما ليفرحوا (هو) أي ذلك (خير مما يجمعون) من عرض الدنيا .

(قل أرأيتم) أخبروني (ما أنزل الله) خلق (لكم من رزق) من الزرع والضرع بالمطر وجعله حلالا (فجعلتم منه حراما) كالبحيرة وغيرها (وحلالا قل الله أذن لكم) في التحليل والتحريم (أم على الله تفترون) بنسبة ذلك إليه .

(وما ظن الذين يفترون على الله الكذب) أي شيء ظنهم به (يوم القيامة) أيحسبون أنه لا يؤاخذهم (إن الله لذو فضل على الناس) بإنعامه إليهم وإمهالهم (ولكن أكثرهم لا يشكرون) نعمه .

(وما تكون في شأن) أمر (وما تتلوا منه) من الشأن أو الله (من قرءان ولا تعلمون) أنت وأمتك (من عمل إلا كنا عليكم شهودا) رقباء (إذ تفيضون فيه) تخوضون في العمل (وما يعزب) ما يغيب وما يبعد (عن ربك) عن علمه (من مثقال ذرة) وزن نملة صغيرة (في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) بالفتح اسمان للا، والرفع على الابتداء (إلا في كتاب مبين) بين هو اللوح المحفوظ .

(ألا إن أولياء الله) أهل طاعته (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يوم القيامة .

(الذين ءامنوا وكانوا يتقون) المعاصي .

(لهم البشرى في الحيوة الدنيا) هي ما بشر الله به المتقين في القرآن أو بشرى الملائكة عند الموت، وروي هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن أو ترى له (وفي الآخرة) بالجنة (لا تبديل لكلمات الله) لا خلف لعداته (ذلك) المذكور من البشرى (هو الفوز العظيم).

(ولا يحزنك قولهم) تكذيبهم لك وغيره وقرىء بضم الياء من أحزن (إن العزة الله جميعا) استئناف معلل كأنه قيل لا تحزن لقولهم لأن الغلبة لله فينصرك عليهم (هو السميع) لقولهم (العليم) بعملهم فيجازيهم به .

(ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض) خلقا وملكا (وما يتبع الذين يدعون من دون الله) يعبدون غيره (شركاء) له في الحقيقة (إن يتبعون) في اتخاذ الشركاء (إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) يكذبون في ذلك .

(هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا) أن يبصر فيه فأسند إليه الإبصار مجازا (إن في ذلك لآيات) على وحدانيته (لقوم يسمعون) سماع تعقل .

[223 ]

(قالوا) أي أهل الكتاب أو مشركو العرب (اتخذ الله ولدا) قال تعالى (سبحانه) تنزيها له عما قالوا (هو الغني) عن كل شيء (له ما في السموات وما في الأرض) ملكا وخلقا وعبيدا (إن) ما (عندكم من سلطان) حجة (بهذا) الذي قلتم (أتقولون على الله ما لا تعلمون) توبيخ على قولهم ذلك .

(قل إن الذين يفترون على الله الكذب) بنسبة الولد والشريك إليه (لا يفلحون) لا يفوزون بثواب لهم .

(متاع في الدنيا) يتمتعون به أياما قلائل (ثم إلينا مرجعهم) بالموت (ثم نذيقهم العذاب الشديد) بالنار (بما كانوا يكفرون) بكفرهم.

(واتل عليهم نبأ نوح) خبره (إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر) عظم (عليكم مقامي) إقامتي فيكم (وتذكيري) وعظي إياكم (بآيات الله) بحججه (فعلى الله توكلت) به وثقت (فاجمعوا أمركم) اعزموا على أمر تكيدونني به (وشركاءكم) أي مع شركائكم (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) مغطى أي أظهروه (ثم اقضوا إلي) امضوا لما في أنفسكم (ولا تنظرون) لا تمهلوني فإن الله يعصمني منكم .

(فإن توليتم) عن نصحي (فما سألتكم من أجر) ثواب عليه فيثقل عليكم فتولوا (إن أجري) ما ثوابي على أداء الرسالة (إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين) المستسلمين لأمره .

(فكذبوه) تثبتوا على تكذيبه (فنجيناه) من الغرق (ومن معه في الفلك) السفينة وكانوا ثمانين (وجعلناهم خلائف) من المغرقين (وأغرقنا) بالطوفان (الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) فليحذر غيرهم .

(ثم بعثنا من بعده) بعد نوح (رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به) أي أوائلهم وهم قوم نوح (من قبل) قبل بعث الرسل (كذلك نطبع على قلوب المعتدين) بالكفر وإسناد الطبع إليه تعالى مجاز عن ترك قسرهم على الإيمان .

(ثم بعثنا من بعدهم) بعد أولئك الرسل (موسى وهرون إلى فرعون وملإيه بآياتنا) التسع (فاستكبروا) على الإيمان (وكانوا قوما مجرمين) عاصين .

(فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا

[224 ]

إن هذا لسحر مبين) واضح .

(قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم) إنه لسحر (أسحر هذا) إنكار لما قالوا (ولا يفلح الساحرون) لا يظفرون بحجة فلو كان سحرا لبطل .

(قالوا أجئتنا لتلفتنا) تصرفنا (عما وجدنا عليه ءاباءنا) من الدين (وتكون لكما الكبرياء) الملك (في الأرض) أرض مصر (وما نحن لكما بمؤمنين) بمصدقين .

(وقال فرعون ائتوني بكل ساحر) وقرىء سحار (عليم) حاذق في السحر .

(فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون).

(فلما ألقوا) حبالهم وعصيهم (قال موسى ما) الذي (جئتم به) هو (السحر إن الله سيبطله) سيمحقه (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) لا يقويه .

(ويحق الله الحق بكلماته) يثبته بمواعيده (ولو كره المجرمون) ذلك .

(فما ءامن لموسى إلا ذرية من قومه) كمؤمن آل فرعون وزوجته وماشطتها وجارية وزوجة (على خوف من فرعون وملإيهم) الضمير لفرعون على أن يراد به آله أو للقوم (أن يفتنهم) يعذبهم فرعون فيصرفهم عن دينهم وإفراد الضمير لأن الخوف من الملأ بسببه (وإن فرعون لعال) متكبر (في الأرض وإنه لمن المسرفين) المتجاوزين للحد في العتو بادعاء الربوبية .

(وقال موسى) لمن آمن به (يا قوم إن كنتم ءامنتم بالله فعليه توكلوا) به ثقوا (إن كنتم مسلمين) منقادين لحكمه .

(فقالوا على الله توكلنا) اعتمدنا (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) لا تسلطهم علينا فيفتتنوا بنا .

(ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) من كيدهم .

(وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا) اتخذا (لقومكما بمصر بيوتا) للسكنى أو العبادة (واجعلوا بيوتكم قبلة) مصلى إذا منعكم فرعون الصلاة في مساجده (وأقيموا الصلوة) أديموها (وبشر المؤمنين) بالنصر والجنة خطاب لموسى أو لمحمد .

(وقال موسى ربنا إنك ءاتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا) اللام للعاقبة (عن سبيلك ربنا اطمس

[225 ]

على أموالهم) امسخها (واشدد على قلوبهم) أي أهلكهم واخذلهم (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) جواب الدعاء .

(قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما) فاثبتا على الدعوة قيل مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة (ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) الجهلة في استعجال القضاء .

(وجاوزنا ببني إسرائيل) أي جوزناهم (البحر) حتى جاوزوه (فأتبعهم) لحقهم (فرعون وجنوده بغيا وعدوا) مفعول له أو حال (حتى إذا أدركه الغرق قال ءامنت أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) لم يؤمن إلا حين لم يقبل الإيمان فقيل له .

(ءالآن) آمنت (وقد عصيت قبل) بالكفر (وكنت من المفسدين) بالضلال والإضلال عن الإيمان .

(فاليوم ننجيك) بالتخفيف نلقيك على نجوة من الأرض وبالتشديد نخرجك ملاقيا على الماء (ببدنك) بجسدك خاليا من الروح أو بدرعك وكانت من ذهب يعرف بها (لتكون لمن خلفك) وراءك (آية) أي علامة تعرف بها أنك عبد مقهور أو عبرة وعظة (وإن كثيرا من الناس عن ءاياتنا لغافلون) لا يعتبرون بها .

(ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) أنزلناهم منزلا محمودا وهو مصر أو الشام (ورزقناهم من الطيبات) اللذيذة (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) أي كانوا على الكفر فلما جاءهم العلم من جهة موسى وكتابه آمن فريق وكفر آخر وكانوا مقرين بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى جاءهم القرآن أو معلومهم الذي اختلفوا في أمره (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) بإنجاء المحق وتعذيب المبطل .

(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) من القصص فرضا أو من باب إياك أعني (فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) فإنه ثابت في كتبهم مطابق لما قصصنا (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) إذ لا مجال للشك فيه .

(ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين) خطاب له (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد غيره .

(إن الذين حقت) وجبت (عليهم كلمت ربك) لعنته أو وعيده (لا يؤمنون) مع قدرتهم على الإيمان .

(ولو جاءتهم كل آية) لرسوخهم في الكفر (حتى يروا العذاب الأليم).

(فلو لا) فهلا (كانت قرية) من القرى المهلكة (ءامنت) قبل حلول العذاب بها (فنفعها إيمانها إلا) لكن (قوم يونس لما ءامنوا) حين رأوا أمارة العذاب (كشفنا عنهم

[226 ]

عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) آجالهم .

(ولو شاء ربك) مشيئة قسر (لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) مع أنك لا تقدر عليه وهو تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) من تحسره وحرصه على إيمانهم .

(وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) بلطفه وتوفيقه (ويجعل الرجس) العذاب (على الذين لا يعقلون).

(قل انظروا ما ذا) أي الذي أو أي شيء (في السموات والأرض) من الدلائل على الصانع (وما تغني الآيات والنذر) الحجج والرسل (عن قوم لا يؤمنون) لا يقبلونها ولا يريدون الإيمان .

(فهل) فما (ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) أي مثل وقائعهم (قل فانتظروا) ذلك (إني معكم من المنتظرين) له .

(ثم ننجي رسلنا والذين ءامنوا كذلك) الإنجاء (حقا علينا ننجي المؤمنين).

(قل يا أيها الناس) أي أهل مكة (إن كنتم في شك من ديني) وحقيقته (فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) أي الأصنام (ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم) بقبض أرواحكم وفيه تهديد (وأمرت أن أكون من المؤمنين) به .

(وأن أقم وجهك للدين حنيفا) مائلا إليه (ولا تكونن من المشركين.

ولا تدع) تعبد (من دون الله ما لا ينفعك) إن دعوته (ويضرك) إن تركته (فإن فعلت) فرضا أو من باب إياك أعني (فإنك إذا من الظالمين.

وإن يمسسك الله) يصيبك (بضر) شدة وبلاء (فلا كاشف) رافع (له إلا هو وإن يردك بخير) نعمة ورخاء (فلا راد) مانع (لفضله) الذي أرادك به (يصيب به) بالخير (من يشاء من عباده وهو الغفور) لذنوبهم (الرحيم) بهم .

(قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم) رسوله وكتابه (فمن اهتدى) باتباعه (فإنما يهتدي).

[227 ]

(لنفسه) لعود نفعه إليها (ومن ضل) عن اتباعه (فإنما يضل عليها) لعود وباله إليها (وما أنا عليكم بوكيل) بحفيظ وإنما علي البلاغ .

(واتبع ما يوحى إليك) بالامتثال (واصبر) على أذاهم (حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21337045

  • التاريخ : 29/03/2024 - 02:38

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net