00989338131045
 
 
 
 
 
 

 مقدمة المصحح  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير سفيان الثوري   ||   تأليف : الامام ابي عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري

تفسير سفيان الثوري

للامام ابي عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي المتوفي سنة 161 ه‍ - 777 م. رواية أبي جعفر محمد بن أبي حذيفة النهدي عنه صححه ورتبه وعلق عليه راجع النسخة وضبط أعلامها لجنة من العلماء بإشراف الناشر دار الكتب العلمية بيروت. لبنان

[ 2 [

إعتمدنا بتحقيق هذه الطبعة على النسخة المطبوعة في الهند والتي حققها إمتياز علي عرشي جميع الحقوق محفوظة بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1403 ه‍ 1983 م يطلب من دار الكتب العلمية - ص ب 9424 / 11 - بيروت - لبنان

[ 3 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المصحح

نحمده، ونستعينه، ونصلي علي رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين. وبعد فإن أمر الوحي العزيز قد بدأ بنزول آيات تدل على ان العلم والكتابة من نعم الله جل وعز ذكره، لان أول ما تلا النبي، صلى الله عليه وسلم، من القرآن المقدس، (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الاكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم) (1). وقد سعى النبي، صلى الله عليه وسلم، مدى حياته الطيبة في ا لكشف عن هذا السر لتلاميذه السعداء، وأوضح لهم جلالة العلم ومزية الكتابة - فكان في أقل من قرن أن الامة العربية التي كانت معظمها أمية حين بعث فيها الرسول، قد تزينت بحلى العلم وتحلت بجواهر الحكمة، ولم يتيسر لها هذا الا ببركة خدمتها الكتاب المقدس، الذي قد تكفل للانسان بالنجاة والفوز والفلاح في الدنيا والاخرة، ومع هذا كان ذلك الكتاب موافقا للسليقة الادبية التي قد حثت العرب على أن يلقبوا غيرهم بالعجم، فصرفوا وجوهم في حفظه وكتابته والتفكر في معانيه والعمل بأوامره والاجتناب عن نواهيه، وتركوا كل ما كان تفخر به العرب من القصاسد والاشعار وردوها على الشياطين الذين كانوا يلقونها على قائليها من الجاهلية الاولى. وكان ذلك الكتاب حاويا لاسرار الصفات الالهية الغامضة، وجامعا لقوانين

___________________________

(1) العلق 1 - 5. (*)

 

[ 4 ]

الاخلاق العالية وضوابط السياسة والتمدن المحكمة، ومنطويا على قصص الامم الماضية، وهادا إلى الفكر اصحيح في المبدء والمعاد، فكان لابد من أن توجد فيه مواضع لم تكد تصل الى فهمها عقول تلك الامة الجديدة النشأة - فهل اجترءوا رضي الله عنهم، على أن يقولوا فهيا بآرائهم ؟ لا، والله ! بل سألوا عنها رسولا قد أمره الله أن (لا تحرك به لسانك لتعجيل به. إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأنا، فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه) (1). فتارة فسر الله ما أشكل عليهم بالوحي كما في آية " حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود بلفظ " من الفجر " (2). وأخرى شرح النبي، صلى الله عليه وسلم، إشكال الاية، إما بآيگ اخرى نزلت من قبل كما فعل في (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) بآية (إن الشر كلظلم عظيم) (3). أو بألفاظه الطاهرة التي نحن نعتقد أنها تقوم مقام الوحي الخفي إذا صحت نسبتها إليه، فحفظت الصحابة، رضي الله عنهم، كل ما قال الله ورسوله في تفسير القرآن العزيز ورووه لتابعيهم بالاحسان (4). لكنهم لم يدونوا تلك الروايات في لاكتب ولا صحائف، أولا لان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد قال: " لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن فيمحه " (5)، وثانيا لان الصحابة لخلوص عقدتهم ببركة صحبة النبي، صلى الله عليه وسلم، وقرب العهد إليه، ولقلة الاختلاف والواقعات وتمكنهم من المراجعة الى الثقات، كانوا مستغنين عن تدوين علم الشرائع، والاحكام، حتى أن بعضهم كره كتابة العلم " (6). عهد التابعين. فلما انقضي عصر الصحابة أو كاد، وصار الامر الى تابعيهم، " انتشر الاسلام، واتسعت الامصار، وتفرقت الصحابة في الاقطار، وحدثت الفتن، واختلاف الاراء، وكثرت الفتاوي، والرجوع الى الكبراء، فأخذوا في تدوين الحدث والفقه وعلوم القرآن " (6).

___________________________

(1) القيامة 16 - 19.

(2) البقرة 5.

(3) الانعام 13.

(4) مفتاح السعادة 2 / 404 - 405.

(5) صحيح مسلم 2 / 538، طبعة مصر 1323 ه‍.

(6) الحاج خليفة 1 / 33. (*)

[ 5 ]

فأول ما دونه من العلوم التفسير، ومن أقدم التفاسير تفسير أبي لعالية رفيع ابن مهران الرياحي (م 90 ه‍) الذي رواه الربيع بن انس عنه، ثم تفسير مجاهد ابن جبر (م 101 ه‍)، ثم تفسير عطاء بن أبي رياح (م 114 ه‍) ثم تفسير محمد ابن كعب القرظي (م 117 ه‍) (1). وانقسمت جماعة المفسرين الى ثلاث مدارس: أولها مفسرو مكة المكرمة. وهم تلاميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنه، جبر هذه الامة، الذي دعا له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقوله: " اللهم علمه الحكمة وتأويل القرآن " (2). وثانيتها مفسرو الكوفة. وهم تلاميذ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي قال: صلى الله عليه وسلم، في حقه: " من أحب أن يقرأ القرآن عضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ". وثالثتها مفسرو والمدينة المنورة، وهم أصحاب زيد بن أسلم العدوي وهذه الطائفة قد لقبت بقدماء المفسرين. عهد تبع التابعين وبعد ذلك العصر جاء تبع التابعين، فصرفوا هممهم في جمع ما روي في تفسير الايات عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين، ولم يفرقوا بين المدارس الثلاث التي كانت امتازت في عصر التابعين بروايات مخصوصة، فدونوا علم التفسير في الكتب الصغار والكبار. وصارت كتبهم أجمع للعلم من الكتب السابقة، واشتهر من بينهم شعبة بن الحجاج (م 160 ه‍)، وسفيان بن سعيد الثوري (م 161 ه‍)، ووكيع بن الجراح (م 197 ه‍)، وسفيان بن عيينة (م 198 ه‍)، ويزيد بن هارون (م 206 ه‍)، واسحق بن راهوية (م 238 ه‍).

___________________________

(1) الحاج خليفة 1 / 427 إلى آخر عنوان التفسير.

(2) الاستيعاب 1 / 372 وقال: " في بعض الروايات: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، وفي حديث آخر: اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين، وفي حديث آخر: اللهم زده علما وفقها - وهي كلها أحاديث صحاح ".

(3) الاستيعاب 1 / 360. (*)

[ 6 ]

مزية تفاسيرهم ولما كانت كتبهم جامعة لما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير القرآن، وكانوا يرجحون المشي في النار على القول بالرأي في كتاب الله، لا لعدم البصيرة فيه ولا لغفلة عن خدمته، بل لانه تعالى قد نهى عنه بقوله (لا تقف ما ليس لك به علم)، ولانه، صلى الله عليه وسلم، قد قال: " من فسر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ "، و " من قال في القرآن بغير علم، فليتبوا مقعده من النار "، ولان أبا بكر الصديق رضي الله عنه، قال: " أي سماء تظلني، وإي أرض تقلني، لو قلت في القرآن برأيي ". فصار تفسير كل واحد من هذه الطائفة منبع الهداية الى ما فهمته الصحابة والتابعتون، ومخزن الدلالة على المنهاج الذي سههل لهم الخوض في مطالبه التي هي الوسيلة الكبري لنهضة العالم المستقيمة. وبالاسف لم يكن عندنا كتاب في تفسير القرآن لاحد من هذه الطبقة العالية أيضا. بيد أن أبا جعفر ابن جرير الطبري (م 310 ه‍) قد جمع في تفسيره اكثر مروياتهم، ولعبت بباقيها ايدي الزمان. لكن الله تعالى قد من علي منة عظمة، وفتح لي بابا واسعا من أبواب الفخر - أعني وجدت في مكتبة رضا برامبور كتابا صغيرا في تفسير القرآن لسفيان الثوري، الذي كان يقول: " سلوني عن المناسك والقرآن، فإني بهما عالم " (1). فحمدت الله على هذا الفوز العظيم، وأخذت في تصحيحه وترتيبه وتحشيته، على منوال علمائنا المحققين، وبعد الجهد الطويل المتعب وفقت لان أقدم الى علماء الامة المعاصرين نتائج بحثي وفحصي، فأرجوهم ان يستقبلوه بعين العناية ووجه القبول، والله تعالى هو الموفق والمعين، وهو بالاجابة واعطاء الاجر جدير. ترجمة المؤلف هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، أحد الائمة

___________________________

(1) الجرح 2 / 224.

(2) قال سبط ابن العجمي في النهاية 121 ب: " ان الحافظ أبا الفرج ابن الجوزي جمع اخبار سفيان في مجلد مفرد. وعمل له الحافظ الذبي ترجمة مفردة في كراستين ونصف، وله في تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة مطولة ". (*)

 

[ 7 ]

الخمسة المجتهدين. نسبه ونسبه على ما ذكر ابن سعد (1) والطبري (2) وابن حزم (3) والقلقشندي (4)، سفيان بن سعيد بن مسروق بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبدالهل بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار. وهو الصحيح المجمع عليه، ورواه الخطيب أيضا عن الهيثم بن عدي بتغير يسير لا يعبا به (5)، وروي عن أبي عبد الله محمد بن خلف التميمي انه: سفيان ابن سعيد بن مسروق بن حمزة بن حبيب بن نافع بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن نصر بن ثعلبة بن ملكان، واختاره السمعاني (6). وأسقط منه ابن القيسراني (7) والخزرجي (8) " أبي بن عبد الله، وثعلبة " وزادا " الحكم " بعد " نصر "، وأبدلا " عامرا " بمالك، وكتب ابن خلكان (9): " نصر بن الحكم بن الحارث، وثعلبة بن ملكان "، وتبعه العيني في ثعلبة بن ملكان (10). وقال الحاكم (11): " هو سفيان بن سعيد بن مسروق بن نافع بن عبد الله بن موهبة بن عبد الله بن منقذ بن النضر بن مازن بن ثعلبة بن أد بن طابخة بن الياس ابن مضر بن نزار. ومع هذا الخلاف الذي رأيناه في نسبه بحذف الاسماء في رواية وبزيادتها في اخرى، قد تحقق ان نسبة يصل الى ثور بن عبد مناة - بطن من طابخة، من العدنانية - وانتسابه الى ثور همدان، من القحطانية، غلط (12).

___________________________

(1) الطبقان 6 / 257.

(2) الذيل 105.

(3) جمهرة النسب 63 ب.

(4) نهاية الارب 1 - 2.

(5) تاريخ بغداد: 9 / 54 - وفيه " أبي عبد الله " و (ثعلبة بن ملاكن ".

(6) الانساب 117 الف.

(7) الجمع بين رجال الصحيحين 1 / 194.

(8) الخلاصة 145.

(9) الوفيات 1 / 296.

(10) عمدة القارئ (1 / 360.

(11) المعرفة 174

(12) ليراجع البخاري في الكبير 2 / 2 / 94، وابن أبي حاتم في الجرح 2 / 222 والتقدمة 55، وابن النديم في الفهرست 314، والمقدسي في الانساب 27، والازدي في المشتبه 11، وابن ماكولا في الاكمال 1 / 586 والذهبي في التذكرة 1 / 19، والعسقلاني في التهذيب 4 / 11، وسبط ابن العجمي في النهاية 121 ب. (*)

 

[ 8 ]

بيت الثوري كان والده سعيد بن مسروق أبو سفيان من محدثي الكوفة الثقات، وثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي والنسائي وابن المديني، وذكره ابن حبان في الثقات، روي هو عن أبي وائل، وابراهيم التيمي، وخيثمة بن عبد الرحمن، وسلمة بن كهيل، والشعبي، وعكرمة، وعون بن أبي جحيفة، وروي عنه الاعمش، وشعبة بن الحجاج، وأبو عوانة، وابناه سفيان ومبارك، وخلق. واختلفت في عام وفاته، فقال ابن أبي عاصم أنه توفي سنة 126 ه‍ (743 م)، وقال ابن قانع: " مات سنة 127 ه‍ " (744 م) وأرخ وفاته أحمد وابن حبان في سنة 128 ه‍ (745 م) (1). وأم سفيان كانت ذات زهد وورع، ذكرها ابن الجوزي والمناوي في الصالحات المتورعات من النساء، ونقلا عنها كلمة جديرة بأن تحفظها امهات المسلمين جيلا بعد جيل، ويلقينها على أولادهن مرة بعد اخرى. وهي أنها قالت لسفيان: " اذهب، فاطلب العلم حتى أعولك انا بمغزلي، فإذا كتبت عدد أحاديث، فانظر، هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه، والا فلا تتبعني " (2). وأخوه، عمر بن سعيد ومبارك بن سعيد، كانا من أولي العلم والفضل ومن الحملة لاحاديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، ذكرهما ابن قتيبة والمقدسي وابن حزم والحاكم والعسقلاني وغيرهم في كتبهم (2). وأخته كانت كام عمار بن محمد المتوفي سنة 182 ه‍ (801 م) (4)). وعلمنا بها قليل.

___________________________

(1) ابن القيسراني 1 / 69، والنهاية 119 الف، والتهذيب 4 - 82، والخلاصة 142.

(2) أدب الاملاء 109، وصفة الصفوة 3 / 116، والكواكب 1 / 82 الف.

(3) المعارف 218، والانساب للمقدسي 27، وجمهرة النسب 63 ب، والمعرفة 245، والتهذيب 4 / 452 و 10 / 28، والانساب 117 الف.

(4) الطبقات 6 / 258. (*)

 

[ 9 ]

وكان لسفيان أقارب أخر توطنوا بخارى وماتوا بها، منهم عمه الذي ذهب سفيان الى بخرى يطلب ميراثه، وكان عنره إذ ذاك ثماني عشرة سنة (1). ولادة الثوري ولد الثوري باثير (2) في الكوفة التي كانت راس بلاد العراق، في خلافة سليمان بن عبد الملك الاموي. واختلف في السنة التي ولد فيها، فروى الواقدي، وتبعه ابن سعد والبخاري، انه ولد في سنة ه‍ (715) (3) وروى الخطيب عن علي بن صالح، قال: (ولدنا سنة مائة، وكان سفيان أسن منا بخمس سنين). وروي ايضا عن ابي نعيم انه قال: (خرج سفيان الثوري من الكوفة خمس وخمسين ومائة، ولم يرجع - ومات سنة احدى وستين ومائة، وهو ابن ست وستين فيما أظن) (4). فيظهر من هاتين الروايتين انه ولد في سنة 95 ه‍ (713 م). ونقل ابن خلكان (5) واليافعي (6) رواية أخرى تدل على انه ولد في سنة 96 ه‍ (714 م) وذكر التبريزي (7)، وتبعه الفتني (8) والدهلوي (9)، انه ولد سنة 99 ه‍ (8 - 717 م). والاول هو الصحيح المعتمد عليه كما نص به الجزري في الغاية (10). مشائخ الثوري كانت الكوفة مسقط رأس الثوري - وكانت هي في تلك الايام من اهم مراكز

 

[ 10 ]

العلوم الشرعية: الحديث والفقه. وكان بيته ايضا بيت وجاهة ووثوق في الحديث، فسلك الثوري مسلك أبيه في طلب الحديث وفقهه من أجلة المحدثين. منهم أبو اسحق السبيعي، ومنصور بن المعتمر، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن ابي ثابت، وايوب السختياني، وعاصم الاحول، وعمر بن دينار، وخلق غيرهم من مشائخ الكوفة والبصرة والحجاز وغيرها (1). تلامذة الثوري ولما انتشر صيته في بلاد الاسلام، رحل إليه طلبة الحديث والفقه، وكثر اجتماعهم عنده حتى انه لم ينقطع حين كان مختفيا في مكة المكرمة، والبصرة - ذكر ابن ابي حاتم والخطيب وغيرهما من اشتهر من تلامذته (2) وذكروا فيهم شعبة، والامام مالك بن انس، ويحيى بن سعيد القطان، والاوزاعي، وابن المبارك، وسفيان بن عيينة - فهل رايت أجل مرتبة وأعظم منزلة منهم في الحديث والرواية ؟ مرتبته في الحديث قد ذكر ابن سعد، وابن أبي حاتم (2)، والخطيب، والذهبي، والعسقلاني في كتبهم أكثر ما قال أرباب الجرح والتعديل في سفيان وشأنه في الحديث - ومن جملتها: قال شعبة، وابن عيينة، وأبو عاصم، وابن معين، وغيرهم: (سفيان أمير المؤمنين في الحديث) - وقال ابن المبارك: (كتبت عن ألف ومائة شيخ - ما كتبت عن أفضل من سفيان) - فقال رجل: (ابا عبد الرحمن، رأيت سعيد بن جبير وغيره، وتقول هذا ؟) قال ابن المبارك: (هو ما اقول - ما رأيت أفضل من سفيان) - وقال ابن عيينة: (لم يدرك مثل ابن عباس في زمانه، ولا مثل الشعبي في زمانه، ولا مثل الثوري في زمانه) -

 

[ 11 ]

وقال ورقاء بن عمر، ووكيع بن الجراح، وعيسى بن يونس، ويحيى بن يمان، وغيرهم: (لم ير سفيان مثل نفسه) - وقال يحيى بن سعيد القطان: (سفيان الثورري أحب الي من مالك في شئ) - قال ابن معين: (في الحديث والفقه والزهد) - وقال الامام أبو حنيفة: (لو كان سفيان الثوري في التابعين، لكان فيهم له شان) - وسئل اسمعيل بن ابراهيم عن علم شعبة وسفيان - فقال: (ما علم شعبة عند سفيان الا كتفلة في بحر) - وقال الامام مالك: (انما كانت العراق تجيش علينا بالدراهم والثياب ثم صارت تجيش علينا بالعلم منذ جاء سفيان) (يعني الثوري) - وقال الاوزاعي: (لم يبق من تجتمع عليه الامة بالرضى الا سفيان) - وقال النسائي: (هو أجل من ان يقال فيه ثقة. وهو احد الائمة الذين اوجو ان يكون ممن جعله الله للمتقين اماما). وقال الطبري: (كان فقيها عالما عابدا ورعا ناسكا رواية للحديث ثقة امينا على ما روى وحدث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وغيره ممن أثر في الدين). وكان رحمه الله آية في الحفظ. قال العجلي: (لا يسمع شيئا الا حفظه حتى كان يخاف عليه) (1). وقال الثوري نفسه: (ما استودعت قلبي شيئا فخانني (2) ولاجل ذلك بلغ عدد مروياته الى ثلاثين الفا (2) وكان يروي جملة مروياته من كتاب) ؟ فقال: (لا. من حفظة. كان أصحاب الحديث يكتبون الابواب، وهو يسردها) (4). ولاجل هذه الاقوال المنقولة عن الاساطين الحديث والرجال اجمع السلف والخلف على انه كان (اماما من أئمة المسلمين، وعلما من اعلام الدين، مجمعا على

[ 12 ]

امامته، بحيث يستغنى عن تزكيته، مع الاتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد) (1). ونعلم ان اصحاب هذه الاقوال لم يكونوا من الشعراؤ الذين يغلب عليهم المدح أو الهجاء، بل هم ارباب الصدق في القول والديانة في الرأي، فيقولون ما يجدون في رجل، أي رجل كان، ولا يخافون فيه لومة لائم. فلا سبيل لنا الا الى قبول ما قالوا. رتبته في الفقه ومع هذا كان الثوري قد فاق أكثر أقرانه في الفقه والقياس، واشتهر بالرأي والاجتهاد (2). وكان فقهه معمولا به الى القرن الخامس. وكان مقلدوه يقال لهم الثوري. وكان من بينهم شيخ الطائفة جنيد البغدادي وابو صالح حمدون بن احمد القصار النيسابوري وجماعة من أهل دينور (3). ولمعرفة رتبته في الفقه يكفينا ان نذكر نبذ ة مما حكي لنا عن الفقهاء: قال الخطيب: (عرض الفريابي مرة على الامام ابن عيينة مسالة فقهية - فاجابه الامام بما كان رأيه فيها. فقال الفريابي: (ان الثوري يرى خلاف هذا). فقال ابن عيينة: (لم تر عيناك يثل سفيان أبدا) (4). وقال ايضا: (ما رايت رجلا اعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري) (5). وقال الحسن بن الربيع، سمعت ابن المبارك قبل ان يموت بيومين أو ثلاثة. وكان حسن هو الذي غسله وكفنه وقبره. قال، سمعته قال: (ما أحد عندي من الفقهاء أفضل من سفيان بن سعيد. ما أدري ما عبد الله بن عون.. ؟) (6). وقال الوزاعي: (لو قيل لي، اختر لهذه الامة، ما اخترت الا سفيان الثوري) - 7).

[ 13 ]

وقال الوليد بن مسلم: (رايت الثوري بمكة يستفتى، ولما يخط وجهه بعد) (1). وكان الزبير بن عدي، قاضي الري، يستفتي الثوري في قضايا ترد عليه. ويفتيه الثوري، ويقضي به الزربير (2). وكان الشعيب بن حرب يقول: (اني لاحسب يجاء بسفيان يوم القيامة حجة من الله على هذا الخلق. يقال لهم: (تدركوا نبيكم، فقد رأيتم سفيان. الا اقتديتم به.. ؟) (3). وقال ابن المديني: (انتهى علم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الاحكام الى ثلاثة ممن أخذ عنهم العلم: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس. فاخذ عن ابن مسعود ستة: علقمة، والاسود وعبيدة والحارث بن قيس، ومسروق، وعمرو بن شرحبيل. وانتهى علم هؤلاء أي ابراهيم النخعي، والشعبي. ثم انتهى علم هؤلاء الى ابي اسحق، والاعمش. ثم انتهى علم هؤلاء الى سفيان الثوري) (4). واما الكتب التي صنفها الثوري ومقلدوه في فقهه. فقد تلفت ولعبت بها ايدي الحدثان. لكن اقواله الفقهية قد نقلت كثيرا في الكتب التي صنفها الفقهاء الحنفية والشافعية وغيرهم بحيث يمكن الان جمع كتاب مستقل في فقهه من هذه الكتب. مرتبته في التفسير: وكان رحمه الله من اكابر مفسري عصره. وكان علمه بالقران واسعا جدا. حتى كان ياخذ المصحف، فلا يكاد يمر باية الا فسرها (5). وكان يقول: (سلوني عن المناسك والقران، فاني بهما عالم) (6).

[ 14 ]

وكان رحمه الله لا يقول في القران برايه. بل كان يتبع ما قال به الصحابة والتابعون، لانه روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (من قال في القران برانه، فليتبوأ مقعده من النار). وروى عن الشعبي، قال: (لان أكذب على محمد، صلى الله عليه وسلم، أحب الى من ان أكذب في القآن كذبة. انما يقضى الكاذب في القران الى الله) (1). وكان لا يفسر من القران الا ما أشكل، لانه روى عن ابن عباس انه قال: (تفسير القران على أربعة وجوه: (1) تفسير يعلمه العلماء (2) وتفسير تعرفه العرب (3) وتفسير لا يعذر احد بجهالته، يقول: من الحلال والحرام (4) وتفسير لا يعلم تأويله الا الله. من ادعى علمه فهو كاذب) (2). ولاجل هذا كان يعجبه من التفسير ماكان حرفا حرفا. وكان لا يعجته هؤلاء الذين يفسرون السورة من اولها الى اخرها مثل الكلبي (3). وكان يقول: (خذوا التفسير عن اربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك) (4). وكان اعتماده على مجاهد أكثر. وكان يقول: (إذ جاءك التفسير عن مجاهد، فحسبك به) (4). عقيدته: اختلف المؤرخون في عقيدة الثوري. فعده ابن قتيبة وابن رسته من الشيعة (5). وقال ابن النديم انه كان زيديا (6). وذكر الطبري انه كان شيعيا في بدء الامر. فلما ذهب الى البصرة لطلب الحديث ولقي ابن عون وأيوب، ترك التشيع وسلك مسلك أهل السنة (7). ويؤيد قول الطبري ما حكى الكفوي انه سئل مرة عن عثمان وعلي رضي الله عنهما، فقال: (أهل البصرة يقولون بتفضيل عثمان، وأهل الكوفة بتفضيل علي). قيل له: (فانت) ؟ قال: (انا رجل كوفي) (8).

[ 15 ]

بسم الله الرحمن الرحيم القرآن كلام الله غير مخلوق. منه بدأ وإليه يعود. من قال غير هذا، فهو كافر والايمان قول وعمل ونيه. يزيد وينقص. وتقدمة الشيخين (إلى ن قال): يا شعيب لا ينفك ما كتبت، حتى ترى المسح على الخفين، وحتى ترى أن إخفاء (بسم الله الرحمن الرحيم) أفضل من الجهر به، وحتى تؤمن بالقدر وحتى ترى الصلاة وراء كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة والصبر تحت لواء سلطان جائر أو عدل فقلت: (يا أبا عبد الله، الصلاة كلها) ؟ قال (لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت. وأما سائر ذلك فأنت مخير. لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم إنه من أهل السنة. إذا وقفت بين يدى الله فسألك عن

[ 16 ]

هذا فقل: يا رب حدثنى بهذا سفيان الثوري. ثم خل بينى وبين الله عز وجل فيظهر من هذا الكتاب أن الثوري كان يعتقد كسائر أئمة أهل السنة وكان يقدم الشيخين. أما عثمان وعلى رضى الله عنهما، فلعله كان يسكت عن تقديم أحدهما على الاخر ويحب كليهما لانه كان يقول: (لا يستقيم حب علي وعثمان رضى الله عنهما، إلا في قلب نبلاء الرجال وإن الخلفاء الراشدين خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهم. ومن اعتقد خلاف هذا فهو متجاوز عن الحد) وعده الشهرستاني في الصفاتية الذين لم يتعرضوا للتأويل في الصفات ولا تهدفوا للتشبيه وكان يبغض المرجئة الذين يقولون إن الايمان تصديق فقط ولذا لا يزيد ولا ينقص حتى إنه سئل مرة أن يصلى على مرجئ قد مات، فأبى وروى القفطي أنه لقى مرة ما شاء الله اليهودي المنجم فقال له: (ما شاء الله ! أنت تخاف الزحل وترجو المشترى. وأنا أخاف ربهما) زهد الثوري وورعه: وكان رحمه الله من أزهد الناس وأورعهم في زمانه وكان يتقى الله حق تقاته، ويحاسب نفسه كالذى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها قال يحيى بن بمام: (ما أرينا مثل سفيان الثوري، ولا رأى سفيان مثله أقبلت الدنيا عليه فصرف وحهه عنها) وقال عبد الرحمن بن مهدى: (ما عاشرت في الناس رجلا أرق من سفيان الثوري. وكنت أرمقه في الليلة بعد الليلة ينهض مذعورا ينادى: (النار ! النار !

[ 17 ]

شغلنى ذكر النار عن النوم والشهوات) وقال قبيصة: (ما جلست مع سفيان مجلسا إلا ذكرت الموت. وما رأيت أحدا كان أكثر ذكرا للموت منه) وقال قتيبة بن سعيد: (لو لا الثوري لمات الورع) وقال أبو خالد: (أكل سفيان ليلة فشبع فقال: (إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله). فقام حتى أصبح) وقال محمد بن عبد الوهاب: (ما رأيت الفقير أعز ولا أرفع منه في مجلس سفيان. ولا رأيت الغنى أذل منه في مجلس سفيان) وكان يقول: (الزهد في الدنيا قصر الامل ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء) مقال ابن ثابت: (رأيت سفيان في طريق مكة فقومت كل شئ عليه حتى نعليه: درهم وأربعة دوانيق) وكان يقول: (لا يطوى لى ثوب ابدا، ولا يبنى لى بيت أبدا ولا اتخذ مملوكا أبدا) ورسالته التى كتب إلى عباد بن عباد حجة على ما نقلوه من دأب الثوري وديدنه في المعاملة بالله وبالناس، أمرائهم وفقرائهم وصلحائهم وفجارهم. وهذا نصه: من سفيان بن سعيد إلى عباد بن عباد. سلام عليك. فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو أما بعد فانى أوصيك بتقوى الله. فإن اتقيت الله عز وجل كفاك الناس وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا

[ 18 ]

سألت ان أكتب اليك كتابا أصف فيه خلالا تصحب بها أهل زمانك وتودي إليهم ما يحق لهم عليك وتسأل الله عز وجل الذى لك، وقد سألت عن أمر جسيم الناظرون فيه اليوم المقيمون به قليل بل لا أعلم مكان أحد وكيف يستطاع ذلك ؟ وقد كدر هذا الزمان إنه لسشتبه الحق والباطل ولا تنجو من شره إلا من دعى بدعاء الغريق فهل تعلم مكان أحد هكذا ؟ وكان يقال: يوشك أن يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم فعليك بتقوى الله عز وجل والزم العزلة واشتغل بنفسك، واستأنس بكتاب الله عز وجل واحذر الامراء وعليك بالفقراء والمساكين والدنو منهم فإن استطعت ان تأمر بخير في رفق، فان قبل منك حمدت الله عز وجل وان رد عليك أقبلت على نفسك، فإن لك فيها شغلا. واحذر المنزلة وحبها فإن الزهد فيها اشد من الزهد في الدنيا. وبلغني ان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يتعوذون ان يدركوا هذا الزمان وكان لهم من العلم ما ليس لنا فكيف بنا حين ادركنا على قلة علم وبصر وقلة صبر وقلة أعوان على الخير مع كدر الزمان وفساد من الناس وعليك بالامر الاول والتمسك به وعليك بالخمول فان هذا زمان خمول. وعليك بالعزلة وقلة مخالطة الناس. فان عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: (إياكم والطمع فان الطمع فقر واليأس غنى) وفى العزلة راحة من خلاط السوء وكان سعيد بن المسيب يقول: (العزلة عبادة) وكان الناس إذا التقوا انتفع بعضهم ببعض. فأما اليوم فقد ذهب ذلك والنجاة في تركهم فيما نرى وإياك والامراء والدنو منهم، وإن تخالطهم في شئ من الاشياء إياك ان تخدع فيقال لك: تشفع فترد عن مظلوم أو مظلمة. فان تلك خدعة ابليس وانما اتخذها فجار القراء سلما. وكان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل وفتنة العالم الفاجر، فان فتنتهما فتنة كل فتون

[ 19 ]

يحب ان يعمل بقوله وينشر قوله أو يسمع منه وإياك وحب الياسة، فان من الناس من تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة. وهو باب غامض لا يبصره الا البصير من العلماء السماسرة واحذر الرئاء فإن الرئاء أخفى من ديب النمل وقال حذيفة: (سيأتي على الناس زمان يعرض على الرجل الخير والشر فلا يدرى أيما يركب). وقد ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ل تزال يد الله عز وجل على هذه الامة وفى كنفه وجواره وجناحه ما لم يما قراؤهم الى أمرائهم وما لم يبر خيارهم أشرارهم وما لم يعظم أبرارهم فجارهم فإذا فعلوا ذلك، رفعها عنهم وقذف في قلوبهم العب وأنزل بهم الفاقة وسلط عليهم جبابرتهم فساموهم سوء العذاب). وقال: (إذا كان ذلك لا يأتيهم امر يضجون منه إلا اردفه بآخر يشغلهم عن ذلك). فليكن الموت من شأنك ومن بالك. وأقل الامل. وأكثر ذكر الموت. فإنك ان أكثرت ذكر الموت هان عليك أمر دنياك وقال عمر: (أكثرو ذكر الموت فانكم ان ذكرتموه في كثير، قلله وان ذكرتموه في قليل كثره. واعلموا انه قد حان للرجل يشتهى الموت). أعاذنا الله وإياك من المهالك وسلك بنا وبك سبيل الطاعة) فهذا هو سفيان الثوري الذى رأيناه الان جالسا بين المجتهدين يذاكرهم في اصول الدين وفروعه. يوافق واحد ويخالف اخر. يؤيد هذا ويرد على ذاك يباحثهم ويناظرهم مرة ويملى عليهم ويروى عنهم اخرى. وذاك الثوري بعينه يرى قاعدا في نادى الورع والزهد، لا كعامة تلك الطريقة بل كأنه سيدها ومدارها، تحيا بحياته وتموت بموته. ويؤيد رأينا ما قاله شعبة: (ان سفيان سادس الناس بالورع والعم)، وكا قال أبو رجاء: (لو لا الثوري لمات الورع). وكانت له رحمه الله طريقة خاصة في التصوف وكان محمد عبد الله بن خبيق بن سابق الكوفى الانطاكي منسلكا بها كما صرح السلمى في الطبقات




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21401803

  • التاريخ : 19/04/2024 - 09:46

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net