00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية ( 157 - 167) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الأول )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

[381]

الآية 157 - 167

[ أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون(157) * إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم(158) ]

أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة: الصلاة في الاصل الدعاء، ومن الله التزكية والمغفرة وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها، والمراد بالرحمة اللطف والاحسان وفي كتاب الخصال، عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله تعالى: إني أعطيت الدنيا بين عبادي قيضا(1)، فمن أقرضني قرضا أعطيته بكل واحدة منها عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضا فأخذت منه قسرا(2) أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا: الصلاة، والهداية، والرحمة.

إن الله تعالى يقول: " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم " واحدة من الثلاث، و " رحمة " اثنتين. وأولئك هم المهتدون: ثلاث.

ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام): هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا(3).

___________________________________

(1) وقايضه مقايضة في البيع: إذا أعطاه سلعة، وأخذ عوضها سلعة اخرى.

النهاية لابن الاثير: ج 4، ص 132 في لغة " قيض ".

(2) هو القهر والغلبة، يقال: قسره يقسره قسرا، وقد تكرر في الحديث.

النهاية لابن الاثير: ج 4، ص 59، في لغة " قسر " .

(3) الخصال: ص 130، باب الثلاثة. ثلاث خصال لمن يؤخذ منه شئ من دنياه قسرا، ح 135. (*)

[382]

وعن أبي عبدالله، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع خصال من كن فيه كان في نور الله الاعظم، من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ومن إذا أصابته مصيبة قال: إنا لله وإنا اليه راجعون الحديث(1) وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن أبي المفضل المنشائي، عن هارون بن فضل قال: رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوجعفر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مضى أبوجعفر (عليه السلام)، فقيل له: وكيف عرفت؟ قال: لانه قد دخلني ذلة لم أكن أعرفها(2).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عبدالله بن سنان، عن معروف بن حزبوذ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما من عبد يصاب بمصيبة فيسترجع عند ذكره المصيبة ويصبر حين تفجأه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وكلما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكر المصيبة غفر الله له كل ذنب فيما بينهما(3).

علي، عن ابن أبي عمير، عن داود بن رزين، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من ذكر مصيبته ولو بعد حين فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، اللهم آجرني على مصيبتي واخلف علي أفضل منها، كان له من الاجر مثل ما كان عند أول صدمته(4).

علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد رفعه قال: جاء أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أشعث بن قيس يعزيه بأخ له فقال له: إن جزعت فحق الرحم أتيت، وإن

___________________________________

(1) الخصال: ص 222، باب الاربعة، أربع خصال من كن فيه كان في نور الله الاعظم، ح 49، و تمام الحديث: ومن إذا أصاب خيرا قال الحمد لله رب العالمين، ومن إذا أصاب خطيئة قال: استغفر الله وأتوب اليه.

(2) الكافي: ج 1، ص 381، كتاب الحجة، باب في أن الامام متى يعلم أن الامر قد صار إليه، ح 5.

(3) الكافي: ج 3، كتاب الجنائز، ص 224، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح 5.

(4) الكافي: ج 3، ص 224، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع، ح 6. (*)

[383]

صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى القضاء وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم، فقال له الاشعث: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال امير المؤمنين (عليه السلام): أتدرى ما تأويلها؟ فقال الاشعث: لا، أنت غاية العلم ومنتهاة، فقال له: أما قولك: إنا لله فإقرار منك بالملك، وأما قولك: وإنا إليه راجعون فإقرار منك بالهلاك(1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وسئل أبو عبدالله (عليه السلام)، ما بلغ من حزن يعقوب؟ قال: حزن سبعين ثكلى على أولادها، وقال: إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع فيها، واأسفى على يوسف(2).

وفي نهج البلاغة وقال (عليه السلام): وقد سمع رجلا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون فقال: قولنا: إنا لله إقرار على أنفسنا بالملك، وقولنا: وإنا إليه راجعون إقرار على أنفسنا بالهلاك(3).

وفي مجمع البيان: وفي الحديث: من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته، و أحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه(4).

وقال (عليه السلام): من اصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وإن تقادم عهدها، كتب الله من الاجر مثل يوم اصيب(5).

وذكر الشيخ جمال الدين(6) - قدس الله روحه - في كتاب نهج الحق، عن ابن مردويه - من طريق العامة - بإسناده إلى ابن عباس، قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لما وصل إليه قتل عمه حمزة: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فنزلت هذه

___________________________________

(1) الكافي: ج 3، ص 261، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح 40.

(2) تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1، ص 350، في تفسيره لقوله تعالى " وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ".

(3) نهج البلاغة: ص 485، باب المختار من حكم امير المؤمنين (عليه السلام)، رقم 99.

(4 و 5) مجمع البيان: ج 1، ص 238، في بيان المعنى للآية 157، من سورة البقرة.

(6) هو أبومنصور جمال الدين الحسن بن يوسف المطهر(648 ه_- 726 ه_) المعروف بالعلامة الحلي. (*)

[384]

الآية، وبشر الصابرين الآية، وهو القائل عند تلاوتها: إنا لله إقرار بالملك، وإنا اليه راجعون إقرار بالهلاك(1). إن الصفا والمروة: علما جبلين بمكة.

وفي كتاب علل الشرايع بإسناده إلى عبدالحميد بن أبي الديلم، عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: سمي الصفا صفا، لان المصطفى آدم هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم (عليه السلام)، يقول الله عزوجل: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين "(2) وقد هبطت حواء على المروة، وإنما سميت المروة مروة لان المرأة هبطت عليها فقطع للجبل اسم من اسم المرأة(3).

من شعائر الله: أعلام مناسكه، جمع شعيرة، وهي العلامة.

فمن حج البيت أو اعتمر: الحج لغة: القصد، والاعتمار الزيارة، فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين.

فلا جناح عليه أن يطوف بهما: قيل كان (أساف) على الصفا و (نائلة) على المروة(4) وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوها، فلما جاء الاسلام وكسر الاصنام تحرج المسلمون أن يطوفوا بهما لذلك، فنزلت.

والاجماع على أنه مشروع في الحج والعمرة، والخلاف في وجوبه، وذهب بعض

___________________________________

(1) نهج الحق مخطوط: في تعيين إمامة علي بالقران، قال ما لفظه (الحادية والثمانون قوله تعالى: الذين إذا أصابتهم، الآية نزلت في علي (عليه السلام) لما وصل إليه قتل حمزة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فنزلت هذه الآية.

(2) سورة آل عمران: الآية 33.

(3) علل الشرايع: ج 2، ص 431، الباب الخامس والستون والمائة،(165) العلة التي من أجلها سمي الصفا صفا والمروة مروة، ح 1.

(4) وأساف وإساف: اسم صنم لقريش. الجوهري وغيره: أساف ونائلة صنمان كانا لقريش وضعهما عمرو بن لحي على الصفا والمروة وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة. وزعم بعضهم أنهما كانا من جرهم أساف بن عمرو ونائلة بنت سهل ففجرا في الكعبة فمسخا حجرين عبدتهما قريش، وقيل كانا رجلا و امرأة دخلا البيت فوجدا خلوة فوثب أساف على نائلة، وقيل فأحدثا فمسخهما الله حجرين. لسان العرب: ج 9، ص 6 في لغة أسف. (*)

[385]

العامة إلى عدم وجوبه.

وفي من لا يحضره الفقيه روى عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا: قلنا لابي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟ فقال: إن الله عزوجل يقول: " إذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " فصار التقصير في السفر واجبا، كوجوب التمام في الحضر(1) فقال (عليه السلام) أوليس قد قال الله عزوجل في الصفا والمروة: " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض، لان الله عزوجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه (عليه السلام) وكذلك التقصير في السفر شئ صنعه النبي (صلى الله عليه وآله) وذكره الله تعالى ذكره في كتابه(2).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن معاوية بن حكيم، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أم سنة؟ فقال: فريضة، قلت: أوليس قال الله عزوجل: " فلا جناح عليه أن يطوف بهما "؟ قال: كان ذلك في عمرة القضاء، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شرط عليهم(3) أن يرفعوا الاصنام من الصفا والمروة، فتشاغل رجل وترك السعي حتى انقضت الايام واعيدت الاصنام، فجاؤوا إليه فقالوا: يا رسول الله، إن فلانا لم يسع بين الصفا والمروة، وقد اعيدت الاصنام، فأنزل الله عزوجل: " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " أي وعليهما الاصنام(4).

___________________________________

(1) هكذا في النسخ، ولكن سقط من متن الحديث جملة، وهي هذه (قالا: قلنا: إنما قال الله عزوجل: (فليس عليكم جناح) ولم يقل: (إفعلوا) فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟).

(2) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 278، باب 59، الصلاة في السفر، ح 1.

(3) يعني شرط على المشركين أن يرفعوا أصنامهم التي كانت على الصفا والمروة حتى ينقضي أيام المناسك ثم يعيدوها. كما في هامش الكافي نقلا عن الوافي.

(4) الكافي: ج 4، ص 435، كتاب الحج، باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه: ح 8. (*)

[386]

وفي علل الشرائع بإسناده إلى معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن إبراهيم (عليه السلام) لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي، وكان فيما بين الصفا والمروة شجرة، فخرجت امه حتى قامت على الصفا فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، فمضت حتى انتهت إلى المروة، فقالت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، ثم رجعت إلى الصفا فقالت كذلك، حتى صنعت ذلك سبعا، فأجرى الله ذلك سنة، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجه(1).

وبإسناده إلى معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: صار السعي بين الصفا والمروة، لان إبراهيم (عليه السلام) عرض له إبليس، فأمره جبرئيل (عليه السلام) فشد عليه فهرب منه، فجرت به السنة يعني الهرولة(2).

وبإسناده إلى حماد، عن الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام): لم جعل السعي بين الصفا والمروة؟ لان الشيطان تراء_ى لابراهيم في الوادي، فسعى، وهو منازل الشيطان(3).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله تعالى عليه: " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق "(4) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى صوتهم بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحج في عامه هذا، فعلم به من حضر في المدينة وأهل العوالي والاعراب، واجتمعوا لحج رسول الله (صلى الله عليه وآله)

___________________________________

(1) علل الشرايع: ص 432، باب 166، قطعة من حديث 1.

(2) علل الشرايع: ص 432، باب 167، ح 1.

(3) علل الشرايع: ص 433، باب 167، ح 2.

(4) سورة الحج: الآية 27. (*)

[387]

وإنما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون ويتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر، وعزم بالحج مفردا، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الاول، فصف له سماطان(1) فلبى بالحج مفردا وساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة، فطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وقد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " فأبدء بما بدأ الله تعالى، وإن المسلمين كانوا يظنون السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه المشركون، فأنزل الله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(2).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في حديث طويل: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أبدء بما بدأ الله تعالى به، فأتى الصفا فبدأ بها(3).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أبدء بما بدأ الله ثم صعد على الصفا فقام عليه مقدار ما يقرأ سورة البقرة، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(4).

ابن محبوب، عن عبدالعزيز العبدي، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله

___________________________________

(1) في الحديث حتى انتهى رسول الله إلى البيداء فصف الناس له سماطين، السماط ككتاب: الصف من الناس، والسماطان صفان. مجمع البحرين: ج 4، ص 255، لغة " سمط ".

(2) الكافي: ج 4، كتاب الحج، ص 245، باب حج النبي (صلى الله عليه وآله) ح 4.

(3) الكافي: ج 4، ص 249، كتاب الحج، باب حج النبي (صلى الله عليه وآله) ح 6.

(4) الكافي: ج 4، ص 250، كتاب الحج، باب حج النبي (صلى الله عليه وآله) ح 7. (*)

[388]

(عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت اسبوعا طواف الفريضة، ثم سعى بين الصفا والمروة أربعة أشواط، ثم غمزه بطنه فخرج وقضى حاجته ثم غشى أهله؟ قال: يغتسل ثم يعود فيطوف ثلاثة أشواط ويستغفر ربه ولا شئ عليه، قلت: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟ فقال: أفسد حجه وعليه بدنة، ويغتسل ثم يرجع فيطوف اسبوعا ثم يسعى ويستغفر ربه، قلت: كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟ قال: إن الطواف فريضة وفيه صلاة، والسعي سنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قلت: أليس الله يقول: " إن الصفا والمروة من شعائر الله "؟ قال: بلى ولكن قال فيها: " ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم " فلو كان السعي فريضة لم يقل: ومن تطوع خيرا(1).

قوله (عليه السلام): (والسعي سنة) أي ليس وجوبه كوجوب الطواف، وإن كان هو واجبا من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن ابي عمير ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: إبدء بما بدأ الله عز وجل به من إتيان الصفا، إن الله عزوجل يقول: " إن الصفا والمروة من شعائر الله " والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(2).

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد رفعه قال: ليس لله منسك أحب إليه من السعي، وذلك أنه يذل فيه الجبارين(3).

أحمد بن محمد، عن التميلي، عن الحسين بن أحمد الحلبي، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، كتاب الحج، ص 379، باب المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه، ح 7.

(2) الكافي: ج 4، كتاب الحج، ص 431، باب الوقوف على الصفا والدعاء، ح 1.

(3) الكافي: ج 4، ص 434، كتاب الحج، باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه، ح 4. (*)

[389]

[ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينت والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللعنون(159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم(160) ]

للجبارين(1).

ومن تطوع خيرا: أي فعل طاعة فرضا كان أو نفلا.

(وخيرا) نصب على أنه صفة مصدر محذوف، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو بتعدية الفعل لتضمنه معنى أتى. وقرأ يعقوب والكسائي وحمزة (يطوع) وأصله يتطوع، فادغم مثل يطوف(2).

فإن الله شاكر: مثيب على الطاعة.

عليم: لا تخفى عليه طاعة.

إن الذين يكتمون: كأحبار اليهود.

ما أنزلنا من البينت: كالآيات الشاهدة على أمر محمد (عليه السلام).

والهدى: وما يهدي إلى وجوب اتباعه والايمان به.

وفي تفسير العياشي: عن ابن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام): إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى في علي(3).

وعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس " يعني بذلك نحن، والله المستعان(4).

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، كتاب الحج، ص 434، باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه، ح 5.

(2) تفسير البيضاوي: ج 1، ص 92(3 و 4) تفسير العياشي: ج 1، ص 70، ح 136، ح 137. (*)

[390]

عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن قوله: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب " قال: نحن يعني بها، والله المستعان، إن الرجل منا إذا صارت إليه لم يكن له، أو لم يسعه، إلا أن يبين للناس من يكون بعده(1). من بعد ما بينه للناس: لخصناه لهم.

في الكتب: في التوراة، وعلى ما سبق في الحديث يشمل القرآن أيضا.

أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللعنون: أي الذين يتأتى منهم اللعن عليهم من الملائكة والثقلين.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " قال: كل من قد لعنه الله من الجن والانس يلعنهم(2).

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي - رحمه الله - عن أبي محمد العسكري (عليه السلام) في حديث طويل فيه: قيل لامير المؤمنين (عليه السلام): من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى؟ قال: العلماء إذا صلحوا، قيل: فمن شر خلق الله بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمين بأسمائهم وبعد المتلقبين بألقابهم و الآخذين لامكنتكم والمتأمرين في ممالككم؟ قال: العلماء إذا أفسدوا، هم المظهرون للاباطيل الكاتمون للحقايق، وفيهم قال الله عزوجل: " اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا " الآية(3).

وفي مجمع البيان: روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار(4). إلا الذين تابوا: عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه.

وأصلحوا: ما أفسدوا بالتدارك.

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 71، ح 139.

(2) تفسير القمي: ج 1، ص 64 .

(3) الاحتجاج: ج 1 - 2، ص 458، احتجاج ابي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) في أنواع شتى من علوم الدين.

(4) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 241. (*)

[391]

[ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين(161) خلدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون(162) وإلهكم إله وحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم(163) ]

وبينوا: ما بينه الله في كتابهم لتتم توبتهم، وقيل: ما أحدثوه من التوبة ليمحو سمة الكفر عن أنفسهم، ويقتدي بهم أضرابهم.

فأولئك أتوب عليهم: بالقبول والمغفرة.

وأنا التواب الرحيم: المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة.

إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار: أي ومن لم يتب من الكاتمين حتى مات.

أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين: يعني استقر عليهم لعنة الله ولعنة من يعتد بلعنه من خلقه، وقيل: الاول لعنهم أحياء، والثاني لعنهم أمواتا.

وقرئ برفع الملائكة والناس وأجمعون، عطفا على محل اسم (الله) لانه فاعل في المعنى، كقولك: أعجبني ضرب زيد وعمرو، وفاعلا لفعل مقدر، أي ويلعنهم الملائكة.

خلدين فيها: أي في اللعنة، أو النار، وإضمارها في الذكر تفخيما لشأنها و تهويلا، أو الاكتفاء بدلالة اللعن عليها. لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون: أي لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.

وفي الآية دلالة على كفر من كتم ما انزل في علي (عليه السلام) بناء على ما سبق من الخبر.

[392]

[ إن في خلق السموت والارض واختلف اليل والنهار والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايت لقوم يعقلون(164) ]

وإلهكم إله وحد: خطاب عام، أي المستحق للعبادة منكم واحد لا شريك له يصح أن يعبد ويسمى إلها.

لا إله إلا هو: تقرير للوحدانية وإزاحة لان يتوهم أن في الوجود إلها، ولكنه لا يستحق العبادة منهم.

الرحمن الرحيم: كالحجة عليها، فإنه لما كان مولى النعم كلها اصولها و فروعها، وما سواه أما نعمة أو منعم عليه، لم يستحق العبادة أحد غيره. وهما خبران آخران لقوله: (إلهكم) أو لمبتدأ محذوف.

قيل: لما سمعه المشركون تعجبوا وقالوا: إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك، فنزلت.

إن في خلق السموت والارض: وإنما جمع السماوات وأفرد الارض، لانها طبقات بالذات، مختلفة بالحقيقة، بخلاف الارضين.

واختلف اليل والنهار: تعاقبهما، كقوله: " جعل الليل والنهار خلفة ".(1).

والفلك التى تجرى في البحر بما ينفع الناس: أي ينفعهم، أو بالذي ينفعهم، والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله، وتخصيص الفلك بالذكر، لانه

___________________________________

(1) سورة الفرقان: الآية 62. (*)

[393]

سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه، ولذلك قدمه على ذكر المطر والسحاب لان منشأهما البحر في غالب الامر، وتأنيث الفلك لانه بمعنى السفينة.

وقرئ بضمتين على الاصل، أو الجمع، وضمة الجمع غير ضمة الواحد عند المحققين.

وما أنزل الله من السماء من ماء: " من " الاولى للابتداء، والثانية للبيان، و " السماء " يحتمل الفلك والسحاب وجهة العلو. فأحيا به الارض بعد موتها: بالنبات.

وبث فيها من كل دابة: عطف على " أنزل " كأنه استدل بنزول المطر و تكون النبات به وبث الحيوانات في الارض، أو على (أحيا) فإن الدواب ينمون بالخصب ويعيشون بالماء. والبث: النشر والتفريق.

وتصريف الريح: في مهابها وأحوالها. وقرأ حمزة والكسائي على الافراد(1).

والسحاب المسخر بين السماء والارض: لا ينزل ولا يتقشع مع أن الطبع يقتضي أحدهما حتى يأتي أمر الله، وقيل: المسخر للرياح تقلبه في الجو بمشيئة الله تعالى، واشتقاقه من السحب، لان بعضه يجر بعضا.

لايت لقوم يعقلون: يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم.

والكلام المجمل في الاستدلال بهذه الامور أنها ممكنة، وجد كل منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة، إذ كان من الجائز مثلا أن لا تتحرك السماوات، أو بعضها كالارض، وأن تتحرك بعكس حركاتها، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارة بالقطبين، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا، أو على هذا الوجه لبساطها وتساوي أجزائها، فلابد لها من موجد قادر حكيم يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيئته، متعاليا عن معارضة غيره، إذ لو كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه، فإن توافقت إرادتهما، فالفعل إن كان لهما لزم اجتماع المؤثرين

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 244. (*)

[394]

على أثر واحد، وإن كان لاحدهما لزم ترجيح الفاعل بلا مرجح وعجز الآخر المنافي للالهية، وإن اختلفت لزم التمانع والتطارد كما أشار إليه بقوله: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا "(1).

وفي اصول الكافي: بعض أصحابنا رفعه عمن رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال أبوالحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): يا هشام، إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان ودلهم على ربوبيته فقال: " و إلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون "(2).

وفي كتاب الاهليلجة: قال الصادق (عليه السلام) في كلام طويل: ثم نظرت العين إلى العظيم من الآيات، مثل السحاب المسخر بين السماء والارض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشئ من الارض والجبال، يتخلل الشجرة فلا يحرك منها شيئا ولا يهصر منها غصنا ولا يعلق منها بشئ، يعترض الركبان فيحول بعضهم من بعض من ظلمته وكثافته، ويحتمل من ثقل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته، مع ما فيه من الصواعق الصادعة والبروق اللامعة والرعد والثلج والبرد والجليد ما لا تبلغ الاوهام صفته ولا تهتدي القلوب إلى كنه عجائبه، فيخرج مستقلا في الهواء يجتمع بعد تفرقه وينفجر بعد تمسكه.

إلى أن قال (عليه السلام): ولو أن ذلك السحاب والثقل من الماء، هو الذي يرسل نفسه، لما احتمله ألفي فرسخ أو اكثر، و أقرب من ذلك وأبعد ليرسله قطرة بعد قطرة بلا هزة ولا فساد، ولا صار به إلى بلدة وترك اخرى(3).

___________________________________

(1) سورة الانبياء: الآية 22.

(2) الكافي: ج 1، كتاب العقل والجهل، ص 13، ح 12.

(3) بحار الانوار: ج 3، كتاب التوحيد، ص 163، باب 5، ح 1. (*)

[395]

[ ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين ء_امنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب(165) ]

وفي عيون الاخبار: عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه: لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض أو الطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا(1).

وفي كتاب التوحيد: قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟ قال أبو عبدالله (عليه السلام): وجود الافاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده(2). وفي اصول الكافي: مثله سواء(3).

ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا: من الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم، أو الاعم منهم ومن كل ما يتخذونهم أندادا.

___________________________________

(1) عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 131، باب 11، ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من الاخبار في التوحيد، قطعة من حديث 28، في مناظرة الزنديق مع الرضا (عليه السلام).

(2) التوحيد: ص 244، باب 36، الرد على الثنوية والزنادقة.

(3) الكافي: ج 1، كتاب التوحيد، ص 80، باب حدوث العالم وإثبات المحدث، قطعة من حديث 5. (*)

[396]

يحبونهم: يعظمونهم ويطيعونهم.

كحب الله: لتعظيمه والميل إلى طاعته، أي يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة، أو يحبونهم كما ينبغي أن يحب الله، من المصدر المبني للمفعول، وأصله من الحب استعير لحبة القلب ثم اشتق منه الحب لانه أصابها ورسخ فيها، ومحبة العبد لله: إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مرضاته، ومحبته للعبد: إرادة إكرامه و استعماله وصونه عن المعاصي.

والذين ء_امنوا أشد حبا لله: لانه لا تنقطع محبتهم لله، بخلاف محبة الانداد، فإنها لاغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب.

ولو يرى الذين ظلموا: ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذهم الانداد.

إذ يرون العذاب: إذا عاينوه يوم القيامة وأجرى المستقبل مجرى الماضي، لتحققه، كقوله: " ونادى أصحاب الجنة "(1).

أن القوة لله جميعا: ساد مسد مفعولي " يرى " وجواب " لو " محذوف، أي لندموا أشد الندم.

وقيل: هو متعلق الجواب، والمفعولان محذوفان، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أن القوة لله كلها، لا ينفع ولا يضر.

وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب: ولو ترى، على أنه خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) أي ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما(2).

وابن عامر: إذ يرون، على البناء للمفعول(3)، ويعقوب (إن) بالكسر(4)، وكذا.

وأن الله شديد العذاب: على الاستئناف، أو إضمار القول.

___________________________________

(1) سورة الاعراف: الآية 44.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 248.

(3) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 248.

(4) مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 248. (*)

[397]

[ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب(166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرء_وا منا كذلك يريهم الله أعملهم حسرت عليهم وما هم بخرجين من النار(167) ]

إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا: بدل من " إذ يرون " أي إذ تبرأ المتبعون من الاتباع، وقرئ بالعكس أي تبرأ الاتباع من الرؤساء.

ورأوا العذاب: أي رائين له، والواو للحال، وقد مضمرة، وقيل: عطف على (تبرأ).

وتقطعت بهم الاسباب: يحتمل العطف على " تبرأ " و " رأوا " والحال والاسباب التي كانت بينهم من الاتباع والاتقان على الدين والاغراض الداعية إلى ذلك.

وأصل السبب: الحبل الذي يرتقى به الشجر. وقرئ (تقطعت) على البناء للمفعول.

وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرء_وا منا: " لو " للتمنى ولذلك اجيب بالفاء، أي ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم. كذلك: مثل تلك الاراء_ة القطعية.

يريهم الله أعملهم حسرت عليهم: ندمات، وهي ثالث مفاعيل " يرى " إن كان من رؤية القلب، وإلا فحال.

وما هم بخرجين من النار: أصله وما يخرجون فعدل به إلى هذه العبارة للمبالغة في الخلود والاقناط من الخلاص والرجوع إلى الدنيا.

وفي أمالي شيخ الطائفة قدس سره بإسناده إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم

[398]

داود النبي (عليه السلام) فيأتي النداء من عند الله عزوجل: لسنا إياك أردنا وإن كنت لله خليفة، ثم ينادي مناد ثانيا: اين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيأتي النداء من قبل الله عزوجل: يا معشر الخلائق، هذا علي بن أبي طالب خليفته في أرضه وحجته على عباده، فمن تعلق بحبله في دار الدنيا فليتعلق بحبله في هذا اليوم يستضئ بنوره، وليتبعة إلى الدرجات العلى من الجنات، قال: فيقوم الناس الذين قد تعلقوا بحبله في الدنيا فيتبعونه إلى الجنة، ثم يأتي النداء من عند الله جل جلاله: ألا من ائتم(1) بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث يذهب، فحينئذ يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار(2).

وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن ثابت، عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزوجل " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله "(3) قال: هم والله أولياء فلان وفلان، اتخذوهم أئمة من دون الامام الذي جعله الله للناس إماما، ولذلك قال: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العقاب، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب و تقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام): هم والله - يا جابر - أئمة الضلال وأشياعهم(4).

وفي تفسير العياشي: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في قوله: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم

___________________________________

(1) وفي نسخة (تعلق) .

(2) الامالي: ج 1، الجزء الثالث، ص 61.

(3) سورة البقرة: الآية 165.

(4) الكافي: ج 1، ص 374، كتاب الحجة، باب من ادعى الامامة وليس لها بأهل ومن جحد الائمة أو بعضهم، الحديث 11. (*)

[399]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21401464

  • التاريخ : 19/04/2024 - 07:44

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net