00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (126 - 135) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 126 - 135

[ ولله ما في السموت وما في الارض وكان الله بكل شئ محيطا(126) ويستفتونك في النسآء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتب في يتمى النسآء الاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدن وأن تقوموا لليتمى بالقسط وماتفعلوا من خير فإن الله كان به عليما(127) ] قدوس، فجاوبه الثاني: رب الملائكة والروح، فقال: أعيداهما ولكما نصف مالي، ثم قال: أعبداهما ولكما مالي وولدي وجسدي، فنادت ملائكة السماوات هذا هو الكرم، هذا هو المكرم، فسمعوا مناديا من العرش يقول: الخليل موافق الخيله(1). ولله ما في السموت وما في الارض: خلقا وملكا يختارمنها ما يشاء ومن يشاء.

وقيل: هو متصل بذكر الاعمال مقرر لوجوب طاعته على أهل السماوات والارض وكمال قدرته على مجازاتهم على الاعمال(2).

وكان الله بكل شئ محيطا: علما وقدرة، فكان عالما بأعمالهم الخير والشر قادرا على جزائهم فيجازيهم عليهما ما وعد وأوعد.

ويستفتونك: ويسألونك الفتوى، أي تبيين الحكم.

في النساء: في ميراثهن.

قيل: إن سبب نزوله أن عيينة بن الحصين أتى النبي (صلى الله عليه وآله

___________________________________

(1) لم نعثر عليه في كتب الاحاديث من الخاصة والعامة، ورواه في تفسير روح البيان للشيخ إسماعيل حقي ط بيروت: ج 2 ص 293 في تفسيره للآية الشريفة.

(2) نقله البيضاوي: ج 1 ص 246 في تفسيره لآية 126 من سورة النساء. (*)

[639]

وسلم) فقال: اخبرنا أنك تعطي الابنة النصف، والاخت النصف، إنما تورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة؟ ! فقال (عليه السلام): كذلك امرت(1).

في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله " يستفتونك في النساء " فإن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن النساء وما لهن من الميراث، فأنزل الله الربع والثمن(2).

قل الله يفتيكم فيهن: يبين لكم حكمه فيهن، والافتاء تبيين المبهم.

وما يتلى عليكم في الكتب: عطف على اسم " الله " أو ضميره المستكن في " يفتيكم " وجاز للفصل، فيكون الافتاء مسندا إلى الله، وإلى ما في القرآن من نحو قوله: " يوصيكم الله "(3) والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين باعتبارين مختلفين، ونظيره: أغناني زيد وعطاء‌ه.

أو استئناف معرض لتعظيم المتلو عليهم، على أن " ما يتلى عليكم " مبتدأ، و " في الكتاب " خبره.

والمراد به اللوح المحفوظ. ويجوز أن ينتصب على معنى، ويبين لكم ما يتلى عليكم في الكتاب.

أو يخفض على القسم، كأنه قيل: وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب.

ولا يجوز عطفه على المجرور في " فيهن " لاختلاله لفظا ومعنى.

في يتمى النسآء: صلة " يتلى " إن عطف الموصول على ما قبله، أي يتلى عليكم في شأنهن، وإلا فبدل من " فيهن " أو صلة اخرى ب‍ " يفتيكم " على معنى الله يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كما تقول: كلمتك اليوم في زيد. وهذه الاضافة بمعنى (من) لانها إضافة الشئ إلى جنسه. وقرئ " ييامى " على أنه أيامى فقلبت همزته ياء. التى لا تؤتونهن: لا تعطونهن.

ما كتب لهن: ما فرض لهن من الميراث.

___________________________________

(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 347 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 22 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء.

(3) النساء: 11. (*)

[640]

في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): كان أهل الجاهلية لا يورثون الصغير ولا المرأة ويقولون: لا نورث إلا من قاتل ودفع عن الحريم، فأنزل الله تعالى آيات الفرائض التي في أول السورة، وهو معنى قوله: " لا تؤتونهن ما كتب لهن "(1) وفي تفسير علي بن إبراهيم زيادة، وهي قوله: وكانوا يرون ذلك حسنا في دينهم، فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك شديدا، فقالوا انطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنذكر ذلك لعله يدعه أو يغيره، فأتوه فقالوا: يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها، ويعطي الصبي الصغير الميراث، وليس واحد منهما يركب الفرس و لايجوز الغنيمة ولا يقاتل العدو، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بذلك امرت(2).

وترغبون أن تنكحوهن: قيل: في أن تنكحوهن، أو عن تنكحوهن، فإن أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كن جميلات ويأكلون ما لهن، وإلا كانوا يعضلوهن طمعا في ميراثهن(3).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: إن الرجل كان في حجره اليتيمه فتكون دميمة وساقطة، يعني حمقاء، فيرغب الرجل أن يتزوجها ولا يعطيها مالها، فينكحها غيره من أجل مالها، ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها، فنهى الله عن ذلك(4). والواو يحتمل الحال على تقدير مبتدأ، والعطف.

والمستضعفين: عطف على يتامى النساء.

من الولدن: في موضع الحال من المستضعفين، أو ضميره، ويحتمل الصفة.

والعرب ما كانوا يورثونهم كما ذكر.

وأن تقوموا لليتمى بالقسط: عطف على يتامى النساء، أو المستضعفين، أي ويفتيكم، أو مايتلى عليكم في أن تقوموا. هذا إذا جعلت في يتامى صلة

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 3 ص 118 في نقل المعنى لاية 127 من سورة النساء.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 154 س 6 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء.

(3) قاله البيضاوي: ج 1 ص 247 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء.

(4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 154 س 3 في تفسيره لآية 127 من سورة النساء. (*)

[641]

وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الانفس الشح وأن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا(128) ولن تستطيعوا أن تعد لوا بين النسآء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما(129) ] لاحد هما، وإن جعلته بدلا فالوجه نصبهما، عطفا على موضع " فيهن ".

وقيل: ويجوز أن ينتصب " وأن تقوموا " بإظهار فعل، أي ويأمركم أن تقوموا.

وما تفعلوا من خير: في أمر النساء واليتامى وغير ذلك.

فإن الله كان به عليما: وعد لمن آثر الخير في ذلك.

وإن امرأة خافت من بعلها: توقعت منه لما ظهر لها من المخايل.

و " امرأة " فاعل فعل يفسر الظاهر.

نشوزا: تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها وكراهة لها، ومنعا لحقوقها.

أو إعراضا: بأن يقل مجالستها ومحادثتها.

فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا: أن يتصالحا، بأن تحط له بعض المهر، أو القسم أو تهب له شيئا تستميله به.

في تفسير علي بن إبراهيم: نزلت في ابنة محمد بن مسلمة كانت امرأة رافع بن خديج، وكانت امرأة قد دخلت في السن، فتزوج امرأة شابة كانت أعجب إليه من ابنة محمد بن مسلمة، فقالت: له بنت محمد بن مسلمة: ألا أراك معرضا عني مؤثرا علي؟ فقال رافع: هي امرأة شابة، وهي أعجب إلي منك، فإن شئت أقررت لها

[642]

على أن لها يومين، أو ثلاثة مني، ولك يوم واحد فأبت ابنة محمد بن مسلمة ان ترضاها، فطلقها تطليقة واحدة، ثم طلقها اخرى، فقالت: لا والله لا أرضى أو تسوي بيني وبينها، يقول الله " واحضرت الانفس الشح " وابنة محمد لم تطلب نفسها بنصيبها وشحت عليه، فعرض عليها رافع، إما أن ترضى وإما أن يطلقها الثالثة، فشحت على زوجها ورضيت فصالحته على ما ذكر، فقال الله (عزوجل) " فلا جناح أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " فلما رضيت واستقرت لم يستطع أن يعدل بينهما، فنزلت " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " أن تأتي الواحدة وتذر الاخرى، لا أيم ولا ذات بعل(1).

وفي تفسير العياشي: عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله: " وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " قال: النشوز الرجل يهم بطلاق امرأته، فتقول له: أدع ما على ظهرك وأعطيك كذا وكذا وأحللك من يومي وليلي على ما اصطلحا عليه، فهو جائز(2).

وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي ابن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله (عزوجل): " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " فقال: إذا كان كذلك فهم بطلاقها، فقالت له: امسكني وأدع لك بعض ما عليك وأحللك من يومي وليلتي، حل له ذلك ولا جناح عليهما(3).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (تبارك وتعالى): " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها، فيقول لها: إني اريد أن اطلقك، فتقول له: لا تفعل إني أكره أن تسمت بي،

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 154 س 14 في تفسيره لاية 128 من سورة النساء.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 278 ح 281.

(3) الكافي: ج 6 ص 145 كتاب الطلاق، باب النشوز ح 1. (*)

[643]

ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت، وما كان سوى ذلك من شئ فهو لك ودعني على حالتي وهو قوله (تبارك وتعالى): " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا " وهو هذا الصلح(1).

حميد بن زياد، عن ابن سماعة، وعن الحسين بن هاشم، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قوله الله (جل اسمه): " وإنامرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " قال: هذا يكون عنده المرأة لا تعجبه، فيريد طلاقها، فتقول: له: امسكني ولا تطلقني، وأدع لك ما على ظهرك وأعطيك من مالي وأحللك من يومي وليلتي، فقد طاب ذلك كله(2).

والصلح خير: من الفرقة وسوء العشرة، أو من الخصومة.

ويجوز أن يكون المراد أنه من الخيور، كما أن الخصومة من الشرور، وهو اعتراض، وكذا قوله.

وأحضرت الانفس الشح: ولذلك اغتفر عدم تجانسهما.

والاول للترغيب في المصالحة، والثاني لتمهيد العذر في المماكسة.

ومعنى إحضار الانفس الشح، جعلها حاضرة له مطوعة عليه، فلا تكاد المرأة تسمح بالاعراض عنها والتقصير في حقها، ولا الرجل يسمح بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: " واحضرت الانفس الشح " فمنها من اختارته ومنها من لم يختره(3).

وإن تحسنوا: في العشرة.

وتتقوا: النشوز والاعراض ونقص الحق.

فإن الله كان بما تعملون: من الاحسان والخصومة.

خبيرا: عالما به وبالغرض منه، فيجازيكم عليه.

أقام كونه عالما بأعمالهم،

___________________________________

(1) الكافي: ج 6 ص 145 كتاب الطلاق، باب النشوز ح 2.

(2) الكافي: ج 6 ص 145 كتاب الطلاق، باب النشوز ح 3.

(3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 155 س 9 في تفسيره لآية 128 من سورة النساء. (*)

[644]

مقام مجازاته لهم الذي هو في الحقيقة جواب الشرط، إقامة السبب مقام المسبب.

ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النسآء: أن تسووا بينهن في المحبة والموادة بالقلب، لان العدل أن لا يقع ميل البتة، وهو متعذر، ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: هذه قسمتي فيما أملك، فلان تأخذني فيما تملك ولا أملك، على ما نقل(1).

وفي تفسير العياش: عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: يعني في المودة(2).

وكذا في تفسير علي بن إبراهيم، عنه (عليه السلام)(3).

وفي مجمع البيان: عن الصادق والباقر (عليهما السلام): إن معناه التسوية في كل الامور من جميع الوجوه، من النفقة والكسوة والعطية والمسكن والصحبة والبشر وغير ذلك(4).

والمراد به أن ذلك لا يخفف عليكم، بل يثقل ويشق، لميلكم إلى بعضهن.

ولو حرصتم: على تحري ذلك وبالغتم.

فلا تميلوا كل الميل: بترك المستطاع والجور على المرغوب عنها، فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله(5).

فتذورها كالمعلقة: التي ليست ذات بعل ولا مطلقة.

في مجمع البيان: عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقسم بين نسائه في مرضه، فيطاف به بينهن(6).

___________________________________

(1) نقله في مجمع البيان: ج 3 ص 120 في تفسيره لاية 129 من سورة النساء نقلا عن أبي قلابة، ورواه البيضاوي: ج 1 ص 248 في تفسيره للآية الشريفة أيضا.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 279 ح 285.

(3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 155 س 17 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء.

(4) مجمع البيان: ج 3 ص 121 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء.

(5) عوالي اللآلئ: ج 4 ص 58 ح 207.

(6) مجمع البيان: ج 3 ص 121 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء. (*)

[645]

[ وإن يتفرقا يغن الله كلامن سعته وكان الله وسعا حكيما(130) والله ما في السموت وما في الارض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السموت وما في الارض وكان الله غنيا حميدا(131) ]

قال: وروي أن عليا (عليه السلام كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاخرى(1).

وإن تصلحوا: ما كنتم تفسدون من امورهن.

وتتقوا: فيما يستقبل.

فإن الله كان غفورا رحيما: يغفر لكم ما مضى من ميلكم.

وإن يتفرقا: وقرئ " وان يتفارقا " أي وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه.

يغن الله كلا: من الآخر ببدل أو متعلق.

من سعته: من غناه وقدرته.

وكان الله وسعا حكيما: مقتدرا متقنا في أفعاله وأحكامه.

وفي الكافي: بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال: حدثني عاصم بن حميد قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فأتاه رجل فشكا إليه الحاجة، فأمره بالتزويج قال: فاشتدت به الحاجة فأتى أبا عبدالله (عليه السلام) فسأله عن حاله؟ فقال: اشتدت بي الحاجة قال: ففارق، ثم أتاه فسأله عن حاله؟ فقال: أثريت وحسن حالي، فقد قال أبوعبدالله (عليه السلام): إني أمرتك بأمرين أمر الله بهما، قال الله (عزوجل):

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 3 ص 121 في تفسيره لآية 129 من سورة النساء. (*)

[646]

" وانكحوا الايامى " إلى قوله: " والله واسع عليم "(1) وقال " إن يتفرقا يغن الله كلا من سعته "(2).

ولله ما في السموت ومافى الارض: تنبيه على كمال قدرته وسعته، وأنه لا يتعذر عليه الاغناء بعد الفرقة والايناس بعد الوحشة.

ولقد وصينا الذين أوتوا الكتب من قبلكم: من اليهود والنصارى ومن قبلهم.

والكتاب للجنس، و " من " متعلقة ب‍ " وصينا " أو ب‍ " اوتوا ".

وإياكم: عطف على " الذين اوتوا ".

أن اتقوا الله: بأن اتقوا الله.

ويجوز أن يكون " ان " مفسرة، لان التوصية في معنى القول.

في مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام): وقد جمع الله ما يتواصى به المتواصون من الاولين والآخرين في خصلة واحدة، وهي التقوى.

وفيه جماع كل عبادة صالحة، وبه وصل من وصل إلى الدرجات العلى(3).

وإن تكفروا فإن الله ما في السموت وما في الارض: على إرادة القول، أي وقلنا لهم: ولكم أن تكفروا فإن الله مالك الملك كله، لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم، وإنما وصاكم لرحمته، لا لحاجة، ثم قرر ذلك بقوله: وكان الله غنيا: عن الخلق وعبادتهم.

حميدا: في ذاته، حمد أو لم يحمد.

* * *

___________________________________

(1) النور: 32.

(2) الكافي: ج 5 كتاب النكاح ص 331 ح 6.

(3) مصباح الشريعة: ص 50 الباب الثالث والسبعون، قطعة من الوصية. (*)

[647]

[ ولله ما في السموت وما في الارض وكفى بالله وكيلا(132) إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بئاخرين وكان الله على ذلك قديرا(133) من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والاخرة وكان الله سميعا بصيرا(134) ]

ولله ما في السموت وما في الارض: كل مخلوق يدل بحاجته على غناه، وبما فاض عليه من الوجود والكمال على كونه حميدا.

وكفى بالله وكيلا: قيل: أي حافظا للجميع، لا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما.

وقيل: راجع إلى قوله: " يغن الله كلا من سعته " فإنه يوكل بكفايتهما، وما بينهما تقرير لذلك.

إن يشأيذهبكم أيها الناس: يفنيكم، ومفعول " يشاء " محذوف دل عليه الجواب.

ويأت باخرين: ويوجد قوما آخرين مكانكم، أو خلقا آخرين مكان الانس.

وكان الله على ذلك: من الاعدام والايجاد.

قديرا: بليغ القدرة لا يعجزه مراده.

وقيل: أيضا تقرير لغناه وقدرته، وتهديد لمن كفر وخالف أمره(1).

والظاهر أنه خطاب لمن عادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من العرب، ومعناه معنى قوله: " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم "(2) لما قال في مجمع البيان: وروي أنه لما نزلت هذه الآية ضرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

___________________________________

(1) قاله البيضاوي: ج 1 ص 249 في تفسيره لاية 133 من سورة النساء.

(2) محمد: 38. (*)

[648]

يده على ظهر سلمان (رضي الله عنه)، وقال: هم قوم هذا يعني عجم الفرس(1).

من كان يريد ثواب الدنيا: كمن يجاهد للغنيمة.

فعندالله ثواب الدنيا والاخرة: فليطلب الثوابين جميعا من عندالله، وما له يكتفي بأخسهما ويدع أشرفهما، على أنه لوطلب الاشرف لم يخطئه الاخس.

في كتاب الخصال: جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين (عليهم السلام) قال: كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة: من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا.

ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس(2).

وفي نوادر من لا يحضره الفقيه: وروي عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: الدنيا طالبة ومطلوبة، فمن طلب الدنيا طلبه الموت حى يخرجه منها، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفيه رزقه(3).

وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال: قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: وإنما سميت الدنيا دنيا، لانها أدنى من كل شئ، وسميت الآخرة آخرة، لان فيها الجزاء والثواب(4).

وبإسناده إلى عبدالله بن يزيد بن سلام، أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: أخبرني عن الدنيا لم سميت الدنيا؟ قال: لان الدنيا دنية، خلقت من دون الآخرة، وخلقت مع الآخرة لم يغن أهلها كما لا يغنى من أهل

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 3 ص 122 في تفسيره لآية 133 من سورة النساء ورواه البيضاوي أيضا: ج 1 ص 249 في تفسيره للآية.

(2) الخصال: ص 129، باب الثلاثة ح 133.

(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 293 باب 176 النوادر وهو آخر أبواب الكتاب ح 36.

(4) علل الشرائع: ج 1 ص 3 باب 1 العلة التي من أجلها سميت السماء سماء والدنيا دنيا والآخرة آخرة، قطعة من ح 1 ص 5. (*)

[649]

[ * يأيها الذين ء‌امنوا كونوا قومين بالقسط شهدآء لله ولو على أنفسكم أو الولدين والاقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهدى أن تعدلوا وأن تلوا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا(135) ]

الآخرة، قال: فأخبرني لم سميت الآخرة آخره؟ قال: لانها متأخرة تجئ من بعد الدنيا، لا توصف نسبتها ولا يحصى أيامها ولا يموت سكانها، قال: صدقت يا محمد(1)، والحديثان طويلا أخذت منهما موضع الحاجة.

وكان الله سميعا بصيرا: عارفا بالاغراض، فيجازي كلا بحسب قصده.

يأيها الذين ء‌امنوا كونوا قوامين بالقسط: مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته.

شهدآء لله: بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله. وهو خبر ثان، أو حال.

ولو على أنفسكم: ولو كانت الشهادة على أنفسكم، بأن تقروا عليها، لان الشهادة بيان الحق سواء كان عليه أو على غيره. أو الولدين والاقربين: أي ولو على الديكم وأقربيكم.

في تفسير علي بن إبراهيم: قال أبوعبدالله (عليه السام): إن للمؤمن على المؤمن سبع حقوق، فأوجبها أن يقول الرجل حقا وإن كان على نفسه أو على نفسه أو على والديه، فلا يميل لهم عن الحق(2).

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى الله تعالى يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب، رجل لم تدعه قدرته في حال

___________________________________

(1) علل الشرائع: ج 2 ص 470 باب 222 النوادر ح 33.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 156 س 3 في تفسيره لآية 135 من سورة النساء. (*)

[650]

غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحد هما على الآخر بشعرة، ورجل قال الحق فيما له وعليه(1).

عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله تعالى جنة لا يدخلها إلا ثلاثة، رجل حكم في نفسه بالحق الحديث(2).

إن يكن: أي المشهود عليه، أو كل واحد من المشهود عليه ومن المشهود له.

غنيا أو فقيرا: فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة. أو لا تجوروا فيها ميلا، أو ترحما.

فالله أولى بهما: بالغنى والفقير وبالنظر لهما، فلو لم تكن الشهادة عليهما أو لهما صلاحا، لما شرعها وهو علة الجواب اقيمت مقامه، والضمير في " بهما " راجع إلى مادل عليه المذكور، وهو جنسا الغني والفقير، لا إليه، وإلا لوحد، للترديد فيه ب‍ " أو " ويشهد عليه إن قرئ " فالله أولى بهم "(3)(4) فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا: لان تعدلوا عن الحق، من العدول، أو كراهة أن تعدلوا، من العدل.

وإن تلوا: ألسنتكم عن شهادة الحق.

وقرأ نافع وابن كثير وأبوعمرو والكسائي بإسكان اللام وبعدها واوان، الاولى مضمومة والثانية ساكنة.

وقرئ " وان تلو " بمعنى إن وليتم إقامة الشهادة(5).

___________________________________

(1) الخصال: ص 81، باب الثلاثة ح 5.

(2) الخصال: ص 131، باب الثلاثة 136 وتمام الحديث (ورجل زار أخاه في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله عزوجل).

(3) من قوله: (أن يكن أي المشهود عليه) إلى قوله: (أو تعرضوا عن أدائها) مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 249، لا حظ تفسيره، لآية 135 من سورة النساء.

(4) قوله: (لا إليه وإلا لوحد) أي لوكان الضمير راجعا إلى المذكور، وهو أحد الجنسين، لوجب توحد الضمير.

لان المرجع واحد وهو أحد الجنسين (من حاشية الكازروني لتفسير البيضاوي).

(5) (وان تلووا) قرأ تلووا بواوين، واصله، تلويوا على وزن تفعلوا، من لويت، فنقلت الضمة من الياء إلى ما قبلها، فبقيت الياء ساكنة وواو الجمع ساكنة فحذفت الياء لا لتقاء الساكنين، فبقي تلووا على وزن تفعوا.

وقرأ تلوا بواو واحدة، ويحتمل وجهين أحدهما: أن يكون من لويت، واصله تلويوا على ما بيناه في القراء‌ة الاولى، إلا أنه لمانقلت الضمة من الياء إلى الواو، حذفت الياء لالتقاء الساكنين ونقلت الضمة على الواو، فقلبت همزة وحذفت، ونقلت حركتها إلى اللام، فبقيت تلوا: والثاني أن يكون تلوا اصله توليوا من وليت، الا أنه حذفت الواو الاولى التي هي الفاء لوقوعها بين تاء وكسرة، حملا للتاء على الياء كما تحذف من نعد حملا لبعض حروف المضارعة على بعض طلبا للتشاكل، وفرارا من نفرة الاختلاف ليجري الباب على سنن واحد ولا تختلف طرق تصاريف الكلمة، فلما حذفت الواو الاولى بقي تليو فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى اللام قبلها، وحذف الياء لسكونها وسكون واو الجمع بعدها، وكانت أولى بالحذف، لان واو الجمع دخلت لمعنى والياء لم تدخل لمعنى، فكان حذفها أولى.

وصار (تلوا) على وزن (تعوا) لذهاب الفاء واللام (البيان لابن الانباري: ص 269).

[651]

أو تعرضوا: عن أدائها.

وفي مجمع البيان: عن أبي جعفر (عليه السلام) " إن تلووا " أي تبدلوا الشهادة " أو تعرضوا " أي تكتموها(1).

وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن إسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى: " وإن تلووا أو تعرضوا " فقال: إن تلووا الامر أو تعرضوا عما امرتم به " فإن الله كان بما تعملون خبيرا ". والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(2).

فإن الله كان بما تعملون خبيرا: فيجازيكم عليه.

وفي اصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في هذه الآية أنه قال: وإن تلووا(3) الامر أو تعرضوا عما امرتم به في ولاية علي، فإن الله كان بما

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 3 ص 124 في نقل المعنى لآية 135 من سورة النساء.

(2) الكافي: ج 1 ص 421 كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، قطعة من ح 45.

(3) قوله (ان تلوا الامر) لواه أي أماله وصرفه من جانب إلى جانب وقد يجعل كناية عن التأخر والتخلف، يعني إن تصرفوا أمر الخلافة عن موضعها وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو تعرضوا عما امرتم به من ولايته وتخلفتم عنه، فإن الله كان بما تعلمون خبيرا، فيعاقبكم بذلك (شرح العلامة المازندراني: ج 7 ص 75). (*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21740976

  • التاريخ : 27/07/2024 - 02:42

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net