00989338131045
 
 
 
 
 
 

 القسم الأول 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التفسير البنائي للقرآن الكريم ـ الجزء الاول   ||   تأليف : الدكتور محمود البستاني

                                             القسم الأول

 

يبدأ القسم الأول من السورة (يستغرق ثلاثين آية) بـ(تمهيد) يحدد سمات المتقين، ويعرض لسمات المنافقين، وبتلميح خاطف إلى سمات المشركين، يتخلله الحديث عن بعض الظواهر الكونية، ثم بمقارنة سريعة بين المؤمن والكافر وانعكاسات سلوكهما على الجزاء الأخروي.

وما يعنينا من هذا القسم هو: ملاحظة عمارته والأدوات الفنية التي

 

______________________________________________________

الصفحة 23

 

استخدمها النصُّ في بناء العمارة المشار إليها، حيث تنتظمها (موضوعات) متنوعة، قد استُهلت ـ كما أشرنا ـ بالحديث عن (المتّقين)، وهو ما يجسّد (المقدمة) أو:

 

المقطع الأول

 

سمات المتّقين: لقد رسَمَ هذا المقطع جملةً من سمات المتقين على هذا النحو:

(الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين. الذين يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وممّا رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك، وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدىً من ربّهم، وأولئك هم المفلحون) [البقرة: 1 ـ 5].

إنّ هذا الاستهلال أو البداية للسورة الكريمة، يحمل مهمة فنيّة هي: كونه (تمهيداً) لموضوعات (مجملة)، سوف تأخذ (تفصيلاتها) من الأقسام اللاحقة من السورة... وأول ما ينبغي لفت النظر إليه هو: أن السورة عندما تُستهلّ بأحد الموضوعات، فإن ذلك يكشف عن كون الموضوع يحمل أهمية كبيرة يستهدف النصُّ لفت نظرنا إليه (وهذه هي إحدى خصائص البناء الفنيّ للسور القرآنية الكريمة)، لذلك عندما يبدأ المقطع بالحديث عن (المتقين) (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين)، حينئذٍ نستكشف أولاً أهمية هذا الموضوع بصفة أن الاتقاء أو التقوى هي الحصيلة النهائية التي يستهدفها الواقع بالنسبة للعمل العبادي، ونستكشف ثانياً انعكاسات هذا الموضوع (سمة التقوى أو الاتقاء) على الأقسام اللاحقة من السورة، كما سنرى.

ويُلاحظ أن المقطع قد رَسَم خمس سمات للمتّقين، هي: الإيمان بالغيب، إقامة الصلاة، الإنفاق، الإيمان برسالة الإسلام والرسالات السابقة، الإيمان باليوم الآخر، وسنرى أن هذه السمات سوف تُلقي بإنارتها على

 

______________________________________________________

الصفحة 24

 

الأقسام اللاحقة من السورة أيضاً.

لكن، لندع هذه (البداية)، ونتّجه إلى (الوسط) ونعني به جميع الموضوعات الواقعة بين بداية السورة وخاتمتها، حيث يتكفل (الوَسَط) بتفصيل الموضوعات من جانب، وبطرح الموضوعات الجديدة من جانب آخر.

الموضوع الجديد الذي يطرحه المقطع هو:

 

المقطع الثاني

 

سمات المنافقين: قال تعالى: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، ولهم عذاب عظيم) [البقرة: 6 ـ 7].

إذا عدنا إلى مقدّمة السورة، وجدنا أن السمة الأولى للمتقين هي (الذين يؤمنون بالغيب)، ثم سمة الذين يؤمنون بما أنزل عليك...الخ)، والآن نجد أنّ النص يعرض لنا ما يضاد سمة الإيمان وهي الكفر، حيث يشير إلى (أن الذين كفروا ـ سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ـ لا يؤمنون)، وبهذه النقلة الفنية من الحديث عن (المؤمنين) إلى الحديث عن (الكافرين) تمّ الربط بين مقدّمة السورة ووسطها، حيث يرسم المقطع الجديد سمات الكفر بنحو مُجمل، ثم يفصّل الحديث عنه من خلال أحد مصاديقه، وهو (النفاق)، فيقول:

(ومن الناس مَن يقول: آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً، ولَهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون. وإذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض، قالوا: إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن

 

______________________________________________________

الصفحة 25

 

لا يشعرون. وإذا قيل لهم: آمنوا كما آمن الناس، قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء؟! ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون. وإذا لقوا الذين آمنوا، قالوا: آمنّا، وإذا خلوا إلى شياطينهم، قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزؤون. الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون. أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين. مثلُهم كمثل الذين استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون. صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون. أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق، يجعلون أصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيطٌ بالكافرين. يكاد البرق يخطف أبصارهم كلّما أضاء لهم مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا، ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم، إنّ الله على كلّ شيء قدير) [البقرة: 8 ـ 20].

هذا المقطع الذي يتألّف من (13) آية، خاص بالحديث عن المنافقين، حيث تعنينا منه:

 

عمارة المقطع وأدواته الفنية

 

1 ـ من حيث العمارة: بدأ المقطع بوصفٍ لشخصية الكافر من أنّه لا يؤمن بالله تعالى ـ سواء أأُنذِر أم لم يُنذَر ـ حيث ختم الله تعالى على قلبه وسمعه، وجعل على بصره غشاوة.

هذه هي (مقدمة) المقطع، على نحو الإجمال.

وأمّا تفصيله، فقد تناول أحد مصاديق الكفر وهو: شخصية المنافق، حيث رسمه على هذا النحو:

المنافق يزعم بأنه يؤمن بالله واليوم الآخر، ولكنه ـ في الواقع ـ ليس

 

______________________________________________________

الصفحة 26

 

بمؤمن. إنه يخادع الله والمؤمنين، ولكنه لا يخدع إلاّ نفسه. إنّه مريض نفسياً. فزاده الله مرضاً.

وإذا قيل له: لا تفسد، زعَمَ بأنّه مصلح. وإذا قيل له: آمِن، قال: لا أؤمن كالسفهاء، ولكنّه هو السفيه في الواقع، وإذا لقي المؤمنين تظاهر بالإيمان، وإذا خلا إلى شيطانه، قال له: إنني معك. المنافق أصمّ أبكم أعمى يشبه مَن يستوقد ناراً للإضاءة، ولكن الله تعالى يُذهِب نوره ويدعه في الظلمات، إنّ بحثه عن المكاسب الدنيوية يشبه من يبحث عن المطر الذي يصاحبه البرق والرعد والظلمة والصاعقة، حيث البرق يكاد يخطف بصره، والصاعقة تهدده بالموت فيما يضطر إلى جعل أصابعه في أُذُنيه خوفاً منه، إنه يتابع المشي في مثل هذا المناخ عندما يضيء البرق، ولكنه يتوقّف عندما تحيط به الظلمة...الخ.

لِنلاحظ، أنّ هذا الوصف التحليلي لسلوك المنافق، يرتبط عضوياً بتلكم (المقدمة) التي وصفت (الكافر) بأنه لا يؤمن بالله تعالى، وإنه تعالى ختم على سمعه وقلبه وبصره، حيث جاء الوصف التحليلي للمنافق تجسيداً للسلوك المذكور، كما سنرى عند عرضنا لعناصر الصياغة الفنية في الوصف المذكور.

2 ـ من حيث الأدوات الفنية: نجد أنّ المقطع قد اعتمد عناصر صورية وقصصية ولفظية في صياغة الموضوعات المشار إليها.

فمن حيث الصورة قدّم المقطعُ جملةً من التشبيهات والاستعارات والرموز منها: الصورة المركبة التي تتضمن استعارة ورمزاً على هذا النحو (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة)، فالاستعارة هي: الختم على القلب والسمع، والرمز هو: الغشاوة أو الغطاء على البصر، هذه الصورة التركيبية وردت في رسم شخصية الكافر مطلقاً. وسنرى أنها تنعكس على الصور الاستعارية والرمزية والتشبيهية التي وردت في رسم شخصية

 

______________________________________________________

الصفحة 27

 

المنافق، وأهميّة الصورة المذكورة تتمثّل في أنها أولاً: قد انتخبت طابعي (الختم) و(الغطاء) لترمز بهما إلى الانغلاق التام في ذهنية الكافر حيث لا أمل في إصلاحه أبداً، لأن (القلب) وهو مركز الهداية قد خُتم عليه، ولأن (السمع) وهو الحاسة التي يمكن أن تفيد من القول حين تستمع إليه قد خُتِم أيضاً، ولأن (البصر) وهو الحاسة التي يمكن أن تفيد من النظر إلى الظواهر الكونية التي أبدعها الله تعالى قد جُعِل (غطاءً) عليه.

ويُلاحظ ثانياً: أن كلاً من القلب والسمع قد (استُعير) لهما طابع (الختم) بينما رُمِزَ إلى البصر بطابع (الغشاوة)، والسرّ الفني في ذلك، أن القلب والسمع إذا وُضِعَ عليهما الغطاء فحينئذٍ لا يمنعَ ذلك من عملية الإدراك والسمع، فلو نضع غطاءً على الأُذن، فهذا لا يحجزها من وصول الأصوات إليها، وكذا القلب. وهذا على العكس من (الختم) الذي يعني وضع مادة تسدّ جميع المنافذ التي يتسرب منها الشيء، وأما (البصر) فإن (الغشاوة) أو الغطاء تظل هي الرمز الفني الذي يتناسب وعملية حجزه من النظر إلى الأشياء، لأنّ وضع أبسط غطاءٍ على البصر كافٍ في منعه من عملية الإبصار كما هو واضح.

إذن، أدركنا مدى الأهمية الفنية للصورة الاستعارية والرمزية المتقدّمة، وهذا ما يرتبط بالصورة التي رسمت شخصية الكافر.

أما شخصية (المنافق) فقد رسمها المقطع في جملة صور فنية ممتعة، ومثيرة، ومدهشة. لقد وصفها ـ من جانب بكونها ـ صماء، بكماء، عمياء (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) وهذا الوصف يعد من حيث عمارة المقطع إنماءاً عضوياً للصورة السابقة (ختم الله على قلوبهم...الخ) حيث الختم على قلوبهم وسمعهم، ثم الغشاوة على بصرهم، يُفضي في النهاية إلى أن يكونوا (صماً وبكماً وعمياً)، وهذا ما نعنيه بعملية (الإنماء أو النمو العضوي) بصفة أن الموضوع الأول (وهو الختم...الخ) قد تنامى وتطوّر إلى الموضوع

 

______________________________________________________

الصفحة 28

 

الآخر (وهو العمى...الخ)، فالختم على السمع قد تنامى إلى ظاهرة (الصمم)، والختم على السمع تنامى إلى ظاهرة (البكم)، والغشاوة على البصر تنامت إلى (العمى)، فأصبحوا ـ تبعاً لذلك ـ صماً بكماً عمياً، كما هو نص الصورة التي وصفت المنافقين بأنهم (صم بكم عمي فهم لا يرجعون).

وهذا ما يرتبط بالصلة المباشرة بين الصورتين اللتين اعتمدتا القلب والسمع والبصر.

وأمّا ما يرتبط بالصلة بين هاتين الصورتين وبين انعكاساتهما في سلوك المنافق، فيمكن ملاحظتهما في صورتين تركيبيّتين هما:

1 ـ التشبيه القائل: (مثلُهُم كمثل الذي استوقد ناراً...الخ).

 

2 ـ التشبيه القائل: (أو كصيّب من السماء... الخ).

 

إن هاتين الصورتين تنطويان على أسرار فنية مدهشة، فهما ـ من جانب ـ قد اعتمدتا (التشبيه)، ثم اعتمدتا نمطين منه هما: التشبيه بأداة المَثَل (مثلهم كمثل الذي...الخ)، والتشبيه بأداة الكاف ـ (أو كصيّب)، كما اعتمدتا ـ من جانب آخر ـ على صور (تفريعية) تنتسب إلى (الاستعارة) و(الرمز) بحيث تفرّعت من التشبيه وتداخلت، فكونت صورة تركيبية موحّدة. إلا أن المهمّ ـ بعد ذلك ـ هو: ما تنطوي عليه هاتان الصورتان من دلالات مرتبطة بسلوك المنافق، وصلة ذلك بظواهر الصم والبكم والعمى. ولنقف مع الصورة الأولى (مثلهم كمثل الذي استوقد... الخ). لقد شبّه النصُ المنافقين بمَن يستوقد ناراً لكي يستنير بها في إضاءة الطريق المظلم، حيث يرمز هذا التشبيه إلى أحلام المنافقين الذي يظهرون الإيمان لكي يحققوا مكاسب اقتصادية واجتماعية. لكن، ما أن يستوقد المنافق النار حتى يجدها قد انطفأت (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)، إن أهمية هذه الصورة تتمثل في كونها قد اختارت (الإضاءة) حول المستوقد، فلو

 

______________________________________________________

الصفحة 29

 

انطفأت النار حال اشتعالها لكان الانطفاء خالياً من كل أملٍ، ولكن الصورة قد جعلت المنافق يطمئن إلى أنّه قد حقق هدفه حينما وجد أن النار قد أضاءت له الطريق فعلاً، ولكنه في غمرة فرحه بهذه الإضاءة، فوجئ بأن النار قد انطفأت، ولا شيء أشد ألماً في النفس من أن الشخص في غمرة فرحه، يجد أن الأمل قد انطفأ تماماً، وهذا ما يتناسب تماماً مع أحلام المنافقين الذين يفرحون بتحقيق مكاسبهم حينما يخيّل إليهم بأن إظهار الإيمان سيحقق لهم أحلامهم، ولكن سرعان ما يُصدَمون حينما يفضحهم الوحيُ أو حينما يواجهون الحساب.

وأما الصورة الثانية (أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق...الخ) فتمثّل تفصيلاً لما أجملته الصورة الأولى، إنها توضّح لنا طبيعة العمليات النفسية التي يصدر المنافقُ عنها حينما يفكّر بتحقيق مكاسبه. إنّه يواجه ظلمةً ورعداً وبرقاً وصواعقَ، فالظلمة هي خوفه من عدم تحقيق المكاسب، والرعد هو مزيج من الخوف والأمل بصفته مؤشراً إلى إمكانية استمرار المطر وإمكانية عدمه، والبرق مؤشر إلى وجود الأمل، فهو بين خوفٍ ثم تأرجح بين خوف وأمل ثم اطمئنان إلى الأمل، ثم بزوغ الخوف من جديد عندما يواجه الصواعق التي تهدده بالقضاء على مكاسبه، وهكذا. إذن: صورة الظلمات والرعد والبرق والصواعق تمثل العمليات النفسية المعبّرة عن (الصراع) الذي يحياه المنافق. إنّ جعل الأصابع في الآذان (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) تعبر عن بداية الصراع، عن مدى تخوّفهم من الفضح، حيث أن الوحي قد فضح بعضهم فعلاً، وأمّا صورة (يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا) فهي تعبير عن عمليات الصراع المتعاقبة، فالبرق ـ أو الأمل في تحقيق المكاسب ـ يكاد يخطف بصرهم، إنهم يسيرون في الطريق كلما أضاء لهم البرق، حيث يُخيّل إليهم أن نفاقهم سوف يخفى، لكن (وإذا أظلم عليهم قاموا) أي: إذا أظلم

 

______________________________________________________

الصفحة 30

 

الجوّ من جديد وقفوا، متخوفين من الفضيحة، وهكذا.

 

* * *

 

المقطع الثالث

 

كان المقطع الأول يتحدث عن (المتقين)، والمقطع الثاني يتحدث عن (المنافقين)، أمّا المقطع الثالث فيتحدّث عن:

سمات المشركين: يُلاحَظ في هذا المقطع الذي يبدأ بقوله تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) وينتهي بقوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً، ثم استوى إلى السماء، فسوّاهنّ سبع سماواتٍ، وهو بكل شيءٍ عليم) [البقرة: 21 ـ 29].

إنّ النص قد طالَبَ بتوحيد الله تعالى، معقِّباً على ذلك بقوله تعالى: (لعلّكم تتّقون) وهذا التعقيب له صلة ببداية السورة التي تحدثت عن سمات المتّقين، (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين). تظل سمة (الاتقاء أو التقوى) منتظمة كل أجزاء السورة ـ كما أشرنا ـ مفصحة بذلك عن الإحكام الهندسي لها في نطاق البناء العام للسورة، وفي نطاق المقاطع الجزئية لها، ومنها: المقطع الذي نتحدث عنه الآن، حيث يختص بعرض سمات (المشركين)، وحيث سلك بناءً خاصاً في عرضه لسماتهم هو المطالبة أوّلاً بتوحيد الله تعالى أي أنه عَرضَ لسمات (المشركين) من خلال مطالبتهم بما هو (ضد) للشرك وهو (التوحيد)، كما أشار إلى ظواهر الإبداع الكوني (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) حينما طالب بعدم اتخاذ الأنداد لله (وهو الشرك) من خلال إشارته للظواهر الإبداعية المذكورة، ثم عَرضَ لسمات أخرى مثل التشكيك برسالة الإسلام (وإنْ كنتم في ريبٍ مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله) فيما سخر

 

______________________________________________________

الصفحة 31

 

من شركائهم وهم: الأصنام التي يعبدونها، حينما طالبهم بأن يستعينوا بأصنامهم في الإتيان بسورة مثل القرآن، مضافاً إلى أنه عَرضَ لسمات مثل: نقْضِ العهد، وقطع الصلة، والإفساد في الأرض...الخ.

وما يعنينا من ذلك، هو: أن المقطع عَرَض لسمات المشركين من خلال طَرحه لجملة من مفهومات التوحيد والإيمان باليوم الآخر، والجزاء المترتّب على ذلك إيجاباً وسلباً، وخَتمَ ذلك بقوله تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه تُرجعون. هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً... وهو بكل شيء عليم) فالمُلاحظ، أنه ختم كلامه عن المشركين، بالحديث عن ظاهرة (الإماتة والإحياء) حيث سنرى أن (الإماتة والإحياء) سوف تنعكس أصداؤها على قسم كبير من السورة (مثل إحياء البقرة بعد موتها، وإحياء الطيور الأربعة بعد تقطيعها، وإحياء الميت بعد مائة سنة...الخ)، إذن، جاء الحديث عن (الإماتة والإحياء) رابطاً فنياً بين هذا المقطع وبين المقاطع اللاحقة (فيما سيظل هذان الموضوعان: الإماتة والإحياء ثم الاتقاء أو التقوى في مقدمة الموضوعات التي تشكّل الخطوط العامة التي تقوم عليها عمارة السورة الكريمة). لكن ينبغي ألا نغفل ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ أن النص وهو ينهي حديثه عن سمات المشركين، لابدّ أن يتقدم إلى الحديث عن موضوعات جديدة ومن ثم لابدّ أن يتم الانتقال وفق طريقة فنية (تربط) بين القسم الأول، من السورة وبين القسم الجديد منها، وهذا ما تمّ فعلاً من خلال الفقرة الأخيرة التي ختم بها حديثه عن (سمات المشركين) حيث ختمه بقوله تعالى: (وهو بكل شيء عليم).

إن هذه الفقرة ليست مجرّد كلام عن إحدى صفات الله تعالى (ونعني بها: العلم)، بل تنطوي على مهمة عضوية هي: الربط بينها وبين الموضوع الجديد الذي ستطرحه السورة الكريمة، ونعني به: قصة آدم ـ عليه السلام ـ وموقف إبليس

 

______________________________________________________

الصفحة 32

 

من ذلك، فيما تظل سمة (علم الله تعالى) هي: الظاهرة التي تتخلّل عصب القصة المذكورة، كما سنرى في:

 

* * *




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21403380

  • التاريخ : 19/04/2024 - 22:07

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net