00989338131045
 
 
 
 
 
 

 القسم الرابع 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التفسير البنائي للقرآن الكريم ـ الجزء الاول   ||   تأليف : الدكتور محمود البستاني

القسم الرابع

هذا القسم من سورة البقرة، يبدأ بالحديث عن شخصية إبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث يستغرق(41) آية، تُستهل بقوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات، فأتمهنّ، قال: إني جاعلك للناس إماماً، قال: ومن ذرّيتي، قال: لا ينال عهدي الظالمين) [البقرة: 124]. وعندما يستهل هذا القسم بالحديث عن إبراهيم عليه السلام، من حيث ابتلاؤه بكلمات من ربه، ومن حيث جعله إماماً، ومن حيث عدم صلاحية الإمامة للظالم. أقول: حينما يُستهل هذا القسم من السورة بهذه الموضوعات، حينئذٍ نتوقع (من زاوية البناء الهندسي للنص) أن ينصب الحديث على الموضوعات المشار إليها، وأن تجيء الموضوعات الأخرى موظفةً لإنارة الموضوع الرئيس. لكن، في الآن نفسه ينبغي (ونحن نتحدث

 

______________________________________________________

الصفحة 78

 

عن البناء الهندسي للنص) أن نتبين صلة هذا القسم من السورة بالأقسام السابقة عليه، وبالأقسام اللاحقة به، حتى نستكمل بذلك معالجة البناء الهندسي في مستوياته الجزئية والكلية.

إن تخصيص هذا القسم بشخصية إبراهيم عليه السلام، يعني أن النص يمنح هذه الشخصية أهمية خاصة. وإذا كان آدم ـ عليه السلام ـ يجسّد أول شخصية يتحدث عنها النص في القسم التالي من السورة، فإن إبراهيم ـ عليه السلام ـ يجسّد الشخصية المكمّلة لما قبلها في هذا القسم من السورة. لقد كان آدم ـ عليه السلام ـ يجسد شخصية تعلن عن المولد البشري وقد تلقّى من ربه كلمات ترتب عليها الهبوط إلى الأرض، وجعله وذريته خلائف في الأرض. وها هو إبراهيم ـ عليه السلام ـ يكمّل مهمة آدم ـ عليه السلام ـ ليعلن عن مبادئ الخلافة التي خُصّ بها إلى يوم القيامة وهي (مبادئ الحنيفية) التي أقرتها جميع الشرائع التي أتت بعدها وخُتِمت بالإسلام. وهذه الخصوصية لإبراهيم ـ عليه السلام ـ تفسّر لنا واحداً من الأسرار الفنية التي جعلت النص يخصص له حقلاً مستقلاً في سورة البقرة. لكن، لِنَر التفصيلات البنائية لهذا القسم وصلتها بالأقسام السابقة من السورة.

هناك أولاً صلة فنية بين آدم وإبراهيم.

1 ـ قال تعالى عن آدم (أني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة: 30].

وقال تعالى عن إبراهيم (إني جاعلك للناس إماماً) [البقرة: 124].

2 ـ وقال تعالى عن آدم (فتلقّى آدم من ربه كلمات) [البقرة: 37].

وقال تعالى عن إبراهيم (وإذا ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات) [البقرة: 124].

(الخلافة) هي مطلق العمل العبادي للإنسان، وأمّا (الإمامة) فهي ممارسة المهمة الاجتماعية للخلافة أو هي الوجه الاجتماعي لها، وكان

 

______________________________________________________

الصفحة 79

 

إبراهيم ـ كما تقول النصوص المفسرة ـ أول الأنبياء الذين مارسوا عملاً سياسياً وعبادياً وأخلاقياً في صعيد المؤسسة الرسمية، بالنحو الذي اكتسب به من خلاله سمة (الحنيفية).

وأمّا (الكلمات) التي تلقاها إبراهيم ـ عليه السلام ـ فإن النصوص المفسرة تشير إلى أنها نفس الكلمات التي تلقّاها آدم عليه السلام. وهذا يعني أن الصلة بين آدم وإبراهيم (من حيث البناء الهندسي) من الوثاقة بمكان، حيث أن (الخلافة والإمامة) تلتقيان في ما هو عام وخاص من الممارسة العبادية، وحيث أن الكلمات التي تلقاها كلّ منهما متماثلة، مع ملاحظة أن النصوص المفسرة تُخضع هذه الكلمات إلى أكثر من دلالة، حيث تشير من جانب إلى عنصر مشترك هو: التوسل بأهل البيت عليهم السلام، وتشير من جانب آخر إلى عنصر خاص بكل منهما، حيث يختص إبراهيم بمبادئ الحنيفية التي سنعرض لها لاحقاً.

المهم، أنّ النص بعد أن يربط ـ بنحو غير مباشر كما رأينا ـ بين آدم وإبراهيم، يبدأ بعد ذلك فيربط بين القسم السابق من السورة وهو: الحديث عن أهل الكتاب وبين موقفهم من شخصية إبراهيم. لكن النص قبل ذلك يخصص موضوعاً محدداً لشخصية إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهو: الموضوع المرتبط ببناء الكعبة، علماً بأن النصوص المفسرة تشير إلى أن آدم ـ عليه السلام ـ خبر تجربة الكعبة بشكل أو بآخر وبأن إبراهيم ـ عليه السلام ـ ـ بعد حادثة الطوفان ـ بدأ ببنائها بالنحو الذي تشير إليه الآيات الآتية: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفتين والعاكفين والركّع السجود) [البقرة: 125]. (ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم إنك أنت العزيز الحكيم)[البقرة: 129].

إذن، موضوع الكعبة يظلّ مرتبطاً عضوياً بشخصيتي آدم وإبراهيم من

 

______________________________________________________

الصفحة 80

 

جانب، كما أنه من جانب آخر يختص بشخصية إبراهيم التي منحها النص أهمية خاصة، بحيث ربطها بموضوع (الحج) الذي يعدّ ممارسة عبادية ضخمة في مختلف العصور. هنا ـ في سياق الحديث عن الكعبة والحج ومكة ـ طرح النص موضوعين هما: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمة) [البقرة: 128] و(ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك...الخ) هذان الموضوعان يحتلان موقعاً هندسياً مهماً من حيث علاقته بالأجزاء السابقة واللاحقة من النص، فقد سبق أن رأينا كيف أن النص قد تحدث في القسم الثالث من السورة عن إشارة التوراة إلى نبي الإسلام وكيفية تحريف اليهود وسواهم من الكتابيين لهذه الحقيقة، وها هو النص يشير إلى دعاء إبراهيم بأن يبعث الله تعالى رسولاً يتلو على الناس آياته، وهذه الإشارة لها أهميتها الفنية من عدة جوانب، فهي ـ من جانب ـ تؤكد بأن التبشير برسالة الإسلام جاء في الرسالات السابقة على رسالتي موسى وعيسى عليهما السلام، كما أنها ـ من جانب آخر ـ سوف تترك انعكاساتها على مواقف جديدة لليهود أو النصارى، حيث ستزعم كل طائفة منهما أن إبراهيم وذريته كانوا هوداً أو نصارى... و...

إذن: هذا القسم المختص بالحديث عن شخصية إبراهيم عليه السلام، يظل مرتبطاً عضوياً بالأقسام السابقة واللاحقة من السورة الكريمة. لذلك يجدر بنا أن نتابع تفصيلات هذا القسم لنتبين المزيد من خطوط البناء الهندسي للنص.

يقول النص: (ومن يرغب من ملّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه، ولقد اصطفيناه في الدنيا وأنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربّه أسلم، قال أسلمت لربّ العالمين * ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم

 

______________________________________________________

الصفحة 81

 

وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون * تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعلمون) [البقرة: 130 ـ 134].

واضح من هذه النصوص أنها تركّز على مفهومين هما: الإسلام أو الاستسلام لله تعالى، ثم التأكيد على شخوص إبراهيم، إسماعيل، إسحاق، يعقوب... وهذان الموضوعان يرتبطان بموقف الكتابيين من رسالة ـ محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ. أما الإسلام أو الاستسلام فقد تكرر في جملة مواقع (إذ قال له ربه: أسلم) (قال: أسلمتُ) (فلا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون) (ونحن له مسلمون). كذلك، الحديث عن إبراهيم ويعقوب وهما من أجداد الكتابيين يتكرر بنحو ملحوظ من نحو (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) (ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) (إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه) (قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ألهاً واحداً...).

هذا التكرار للإسلام وللشخصيات المذكورة يحمل دلالة فنيّة مكثفة تنعكس ـ كما قلنا ـ على مواقف الكتابيين من رسالة الإسلام، حيث سيطالبهم النص بالإسلام أو الاستسلام، وحيث يطالبهم بأن يؤمنوا بما نزل على أسلافهم من قبل إبراهيم ويعقوب وسواهما، مضافاً إلى أنه سيكرّر مقولة الكتابيين الذين رأيناهم (في القسم السابق من السورة) يزعمون بأن الحق في ملّتهم دون سواها، حيث يستثمر النص هذه المقولة ليطالبهم بالإسلام وبالإيمان بمواقف أجدادهم، ولنقرأ:

(وقالوا: كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل: بل ملّه إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين * قولوا: آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى وما أُوتى النبيون من ربهم، لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) [البقرة: 135 ـ 136]. القارئ لا يحتاج إلى أدنى تأملٍ حتى يدرك مدى الترابط

 

______________________________________________________

الصفحة 82

 

العضوي بين هذه الآيات وبين سابقتها وبين جميع هذه الآيات وبين الأقسام السابقة من السورة وبينهما وبين الأقسام اللاحقة أيضاً، حيث تتنامى المواقف ويفضي بعضها إلى بعض ويكون سابقهاً سبباً للاحقاً، ولاحقها مسبّباً عن سابقها، كل ذلك من خلال خطوط بنائية مدهشة بالغة الإحكام والإمتاع، خطوط تتلاقى على نحو ما تتلاقى من خلاله مختلف الجداول التي تصبّ في النهاية في رافد واحد، خطوط تربط بين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وبين علاقة الكتابيين بهم، خطوط تربط بين هؤلاء بين موسى وعيسى، خطوط تربط بين أولئك وهؤلاء وبين رسالة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، خطوط تربط حتى بين أول السورة التي وصفت المؤمنين بأنّهم يؤمنون بما أنزل على من قبلهم، وبين هذا القسم من السورة، خطوط تربط حتى بين التركيز على بعض الشخصيات (مثل يعقوب الذي أبرزته وقد وصى بنيه هو وإبراهيم، ثم أبرزته وقد انفرد عن موته بالتوصية) وبين التركيز على اليهود الذين تربطهم علاقة خاصّة بيعقوب.

وهكذا نجد أنّ التواصل والتلاحم بين أجزاء المقطع الواحد، وبينه وبين الأقسام السابقة عليه واللاحقة به، واضحاً بالنحو الذي لحظناه، وبالنحو الذي سيتّضح أكثر حينما نتابع هذا القسم من السورة، فيما يطرح مواقف جديدة للكتابيين ويربطها أيضاً بالشخصيات المذكورة إبراهيم، إسحاق، إسماعيل، يعقوب...الخ، ولنقرأ: (أم تقولون: إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى، قل: أأنتم أعلم أم الله؟ ومَنْ أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) [البقرة: 140]. مرة أخرى، لا تحتاج إلى التعقيب على هذه الآية التي ربطت بين أهم سلوك ملتوٍ صدر عنه الكتابيون (وهو: كتمانهم للحق، حيث تكفل القسم الثالث من السورة بمعالجة هذا الجانب) وبين موقفهم حيال إبراهيم و... و... الخ.

 

______________________________________________________

الصفحة 83

 

أخيراً، ينبغي ألاّ نغفل عن أحد الخطوط البنائية العامة لهذا القسم الذي طرح أولاً مفهومات الاستسلام أو الإسلام بالنسبة لشخصيات الأجداد وإبراهيم...الخ، وطرح ثانياً مواقف الكتابيين حيال ذلك ومطالبتهم بأن يقتدوا بالأجداد المشار إليهم، حيث فصَلَ بين هذين الطرحين بالآية التالية التي كررها مرتين لتكون فاصلاً فنياً بين المقطعين، والآية المتكررة هي: (تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون) [البقرة: 134]. ومن الواضح، أن تركيز هذه الآية على أن كل أمّة تتحمل مسؤولية سلوكها، وجعل هذا المفهوم رابطة بين موضوعين أو طرحين، يفصح عن سرّ فني مدهش وممتع هو: إن النص ما دام يربط بين الحاضر والماضي، (حاضر الكتابيين ونظرتهم إلى ماضي الأجداد) وبين سلوك الأجداد الذي حصره النص في الاستسلام لرب العالمين، حينئذٍ فلابدّ ـ من الزاوية الفنية ـ أن تُجعل فاصلة بين العهدين الماضي والحاضر، متمثلة في الآية المتقدمة التي تؤكد بأن كل أمة (ماضية وحاضرة) تتحمل مسؤولية سلوكها. على أن الدهشة الفنية في هذه الفاصلة تتمثل في التجانس بين الماضي والحاضر وبين انتخاب آية تتحدث عن الماضي والحاضر أيضاً ولكن من خلال طرح مفهوم مهمّ هو: تحمّل كل أمّه لمسؤوليتها، حيث لا يشفع للكتابيين أن يتمسكوا بماضي الأجداد (مع أنهم قد أخطأوا في تصوراتهم حيال الأجداد) بقدر ما ينبغي أن يتمسكوا بالحاضر وهو: رسالة الإسلام. ونتجاوز هذا الطرح المتصل بمفهوم الاستسلام أو الإسلام لربّ العالمين وصلته بالأجداد: إبراهيم ويعقوب... الخ، لنواجه (في هذا القسم من السورة) طرحاً جديداً آخر يرتبط أيضاً بسلوك الكتابيين، وهو موضوع (القبلة)، حيث سبق أن طُرِح هذا الموضوع في القسم السابق من السورة، وها هو يتكرر الآن من جديد، لكن عبر سيياق جديد، سياق الحديث عن إبراهيم والكعبة وسواهما من الموضوعات التي انتظمت هذا القسم من السورة، إذ أن التجانس بين الكعبة وبين القبلة إليها من الوضوح

 

______________________________________________________

الصفحة 84

 

بمكان. وهذا يعني أن تكرار الحديث عن القبلة قد جاء أولاً في سياق جديد، وجاء ثانياً بمثابة رابط عضويّ بين أقسام السورة، وجاء ثالثاً بمثابة المزيد من الكشف والفضح لسلوك الكتابيين، ولنقرأ:

(سيقول السفهاء من الناس: ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم * وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنتَ عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلاّ على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم * قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلوليّنك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره، وإنّ الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون * ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آيةٍ ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض، ولئن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين * الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وإنّ فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن من الممترين * ولكلٍ وجهةٌ هو مولّيها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيءٍ قدير * ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحقُّ من ربك وما الله بغافل عما تعملون * ومن حيث خرجت فوك وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلاّ الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتمّ نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون * كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلمون الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) [البقرة: 142 ـ 152].

 

______________________________________________________

الصفحة 85

 

بهذا المقطع يُختم القسم الرابع من سورة البقرة، حيث تمّ التركيز فيه على موضوع (القبلة) بصفتها مظهراً لأهم تعامل عبادي مباشر مع الله تعالى، ألا وهو الصلاة، ثم ربط النص بين موضوع القبلة وبين الكتابيين الذين يشكلون محوراً فكرياً مشتركاً بين هذا المقطع وغيره من مقاطع السورة الكريمة، وانتهى من ذلك إلى طرح الرسالة الإسلامية (وهي الهدف الفكري للنص) متمثلة في الآية القائلة (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة). هنا ينبغي ألا نغفل عن هذه الآية التي خُتِم بها المقطع وبين بداية المقطع التي تحدثت عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ ودعائه بأن يبعث الله تعالى للناس رسولاً: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة) إن هذه العبارات (تتكرر) بنفس الصياغة في أول القسم على لسان إبراهيم وفي آخر القسم من قبل الله تعالى في مخاطبته للمؤمنين، حيث يكشف مثل هذا التكرار في مستهل القسم وآخره وهو تكرار الإرسال لنبيّ يتلو آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة، عن مدى تلاحم وتماسك أجزاء النص بالنحو الذي أوضحناه.

لكن، ينبغي أن نشير إلى أن هذا القسم من السورة حيث ختم بالحديث عن رسالة الإسلام، قد عقبت عليه آية تقول:

(فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)، ولهذا التعقيب أو الختام دلالته العضوية التي تشكل رابطاً فنياً بين القسم من السورة وبين القسم الجديد الذي نتحدث عنه الآن:

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21339056

  • التاريخ : 29/03/2024 - 13:29

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net