00989338131045
 
 
 
 
 
 

 جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : سلامة القرآن من التحريف   ||   تأليف : مركز الرسالة

جمع القرآن في عهد أبي بكر وعمر

تتضارب الاَخبار حول جمع القرآن في هذه المرحلة حتى تكاد أن تكون متكاذبة، وفيما يلي نورد بعضها لنبيّن مدى تناقضها ومخالفتها للاَدلة التي ذكرناها آنفاً:

1 ـ عن زيد بن ثابت، قال: «أرسل إليِّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استمرّ بقُرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستمرّ القتل بالقُرّاء في المواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال عمر: هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنّك شابّ عاقل، لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتتبّع القرآن فاجمعه ـ فو الله لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ ممّا أمرني به من جمع القرآن ـ قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الاَنصاري، لم أجدها مع غيره (لقد جاءكم رسول...) (التوبة 9: 128) حتّى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله، ثمّ عند عمر حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر» (1).

____________

(1) صحيح البخاري 6: 314 | 8.


الصفحة 98
2 ـ وعن زيد بن ثابت أيضاً، قال: «قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء» (1).

3 ـ ورُوي «أنّ أوّل من سمّى المصحف مصحفاً حين جمعه ورتّبه أبو بكر ـ وفي رواية: سالم مولى أبي حذيفة (2)ـ وكان مفرّقاً في الاَكتاف والرقاع. فقال لاَصحابه: التمسوا له اسماً. فقال بعضهم: سمّوه إنجيلاً، فكرهوه. وقال بعضهم: سمّوه السفر، فكرهوه من يهود. فقال عبدالله بن مسعود: رأيتُ للحبشة كتاباً يدعونه المصحف، فسمّوه به» (3).

4 ـ وعن محمد بن سيرين: «قُتِل عمر ولم يجمع القرآن» (4).

5 ـ وعن الحسن: «أنّ عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِل يوم اليمامة، فقال: إنّا لله، وأمر بالقرآن فجمع، فكان أوّل من جمعه في المصحف» (5).

هذه طائفةٌ من الروايات الواردة بهذا الخصوص، والملاحظ أنّ شبهة القول بالتحريف التي ذكرناها في أوّل بحث جمع القرآن مبتنيةٌ على فرض صحّة أمثال هذه الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن، والملاحظ أنّه

____________

(1) الاتقان 1: 202.

(2) الاتقان 1: 205.

(3) مستدرك الحاكم 3: 656، تهذيب تاريخ دمشق 4: 69، محاضرات الادباء مجلد 2 ج4 ص 433، فتح الباري 9: 13، تاريخ الخلفاء: 77، مآثر الانافة 1: 85، البرهان للزركشي 1: 281، التمهيد في علوم القرآن 1: 246، المصاحف: 11 ـ 14.

(4) طبقات ابن سعد 3: 211، تاريخ الخلفاء: 44.

(5) الاتقان 1: 204.


الصفحة 99
لايمكن الاعتماد على شيءٍ منها، وقد اعترف محمد أبو زهرة بوجود رواياتٍ مدسوسةٍ فيها، والقارىء لهذه الروايات وسواها يتلمّس نقاط ضعفها على الوجه التالي:

1 ـ اضطراب هذه الروايات وتناقضها، فصريح بعضها أنّ جمع القرآن في مصحف كان في زمان أبي بكر، والكاتب زيد، وأنّ آخر براءة لم توجد إلاّ مع خزيمة بن ثابت، فقال أبو بكر: «اكتبوها، فإنّ رسول الله قد جعل شهادته بشهادة رجلين» (1)، وظاهر بعض هذه الروايات أنّ الجمع كان في زمان عمر، وأنّ الآتي بالآيتين خزيمة بن ثابت، والشاهد معه عثمان، وفي حديث آخر: «جاء رجلٌ من الاَنصار وقال عمر: لا أسألك عليها بيّنة أبداً، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» (2). وفي غيره: فقال زيد: من يشهد معك ؟ قال خزيمة: لا والله ما أدري. فقال عمر: أنا أشهد معه» (3). وظاهر بعض هذه الروايات أيضاً أنّ الجمع تأخّر إلى زمان عثمان بن عفان.

واضطربت الروايات في الذي تصدّى لمهمّة جمع القرآن زمن أبي بكر ، ففي بعضها أنّه زيد بن ثابت، وفي أُخرى أنّه أبو بكر نفسه وإنّما طلب من زيد أن ينظر فيما جمعه من الكتب، ويظهر من غيرها أنّ المتصدّي هو زيد وعمر، وفي أُخرى أن نافع بن ظريب هو الذي كتب المصاحف لعمر» (4).

____________

(1) الاتقان 1: 206.

(2) كنز العمال 2: ح 4397.

(3) كنز العمال 2: ح 4764.

(4) أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 43 ـ 52، وأُسد الغابة: ترجمة نافع بن ظريب.


الصفحة 100
2 ـ لا تصحّ الرواية الثالثة؛ لاَنّ المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي بكر، بل هي موجودة منذ زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واستخدمت هذه المفردة لهذا المعنى، وهو القرآن الذي بين الدفّتين، منذ فجر الرسالة كما تقدّم بيانه، وتقول هذه الرواية أنّ كلمة (مصحف) حبشيّة، بل هي عربية أصيلة، ولسان الحبشة لم يكن عربياً، ثمّ إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو تعالى سمّاه في محكم التنزيل قرآناً وفرقاناً وكتاباً.

3 ـ الملاحظ أنّ هذه الروايات تؤكّد على أنّ جمع القرآن كان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدّم بطلان ذلك؛ لاَنّه كان مؤلّفاً مجموعاً على عهده صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بالمصاحف ويختم، وكان له كُتّاب مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو يشرف على أعمالهم بنفسه، وكان لدى الصحابة مصاحف كثيرة شُرّعت فيها بعض السنن، وكانوا يعرضون على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما عندهم باستمرار، وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياته صلى الله عليه وآله وسلم.

4 ـ هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبةً من أنّ القرآن لا طريق لاِثباته إلاّ التواتر، فإنّها تقول إنّ إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين أو بشهادة رجلٍ واحدٍ، ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد أيضاً، وهي دعوى خطيرةٌ لا ريب في بطلانها، إذ القطع بتواتر القرآن سببٌ للقطع بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وإنكارها؛ لاَنّها تثبت القرآن بغير التواتر، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين، فهذه الروايات باطلة مادامت تخالف ما هو ثابت بالضرورة.


الصفحة 101
وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات، فإننا لا نشك في أنّ جمع زيد بن ثابت للمصحف كان خاصّاً للخليفة، لاَنّه لا يملك مصحفاً تاماً، لا لعموم المسلمين، لاَنّ الصحابة من ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف الذي جمعه زيد، وكان أهل الاَمصار يقرأون بهذه المصاحف، فلو كان هذا المصحف عاماً لكلِّ المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيداً وعُمَرَ بجمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال ؟ وكان بإمكانه أخذه تاماً من عبدالله بن مسعود الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة، والذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطباً كما أُنزل، فخذوه من ابن أُمّ عبد ـ أي من عبدالله بن مسعود ـ» (1).. والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم مصحفه أيام عثمان: «أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة، وإنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان» (2)..

وبإمكانه أن يأخذه تامّاً من الاِمام عليّ عليه السلام الذي استودعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن، وطلب منه جمعه عقيب وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فجمعه وجاء به إليهم، فلم يقبلوه منه (3)، وما من آيةٍ إلاّ وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال أبو عبد الرحمن السلمي: «ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّ عليه السلام» (4).

وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

____________

(1) مستدرك الحاكم 3: 318، مجمع الزوائد 9: 287، مسند أحمد 1: 445.

(2) الاستيعاب 3: 993.

(3) الاحتجاج 1: 383، البحار 92: 40.

(4) الغدير 6: 308 عن مفتاح السعادة 1: 351، وطبقات القراء 1: 546.


الصفحة 102
«أقرأهم أُبي بن كعب». أو قال: «أقرأ أُمّتي أُبي بن كعب» (1). أو يأخذه من الاَربعة الذين أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس بأخذ القرآن عنهم، وهم: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل (2)، وكانوا أحياءً عند الجمع، أو يأخذه من ابن عباس حبر الاَُمّة وترجمان القرآن بلا خلاف.

ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن في مصحف هو أبو بكر في أيام خلافته، فلاينبغي الشكّ في أنّ كيفية الجمع المذكورة بثبوت القرآن بشهادة شاهدين مكذوبةٌ؛ لاَنّ جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين، غاية الاَمر أنّ الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر.

____________

(1) الاستيعاب 1: 49، أُسد الغابة 1: 49، الجامع الصحيح 5: 665، الجامع لاحكام القرآن 1: 82، مشكل الآثار 1: 350.

(2)صحيح البخاري 5: 117 | 294، مجمع الزوائد 9: 311.


الصفحة 103




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21337780

  • التاريخ : 29/03/2024 - 06:02

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net