00989338131045
 
 
 
 
 
 

 المؤامرة على سورتي المعوذتين ! 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : تدوين القرآن   ||   تأليف : الشيخ علي الكوراني

المؤامرة على سورتي المعوذتين !

يتضح من روايات سورتي المعوذتين في مصادر إخواننا السنة أنه كانت توجد مؤامرة لحذفهما من القرآن ، ولكنها فشلت والحمد لله ، وحفظ الله المعوذتين جزء من القرآن عند كل المسلمين ! وهو سبحانه القائل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .

ولكن لماذا هذه المؤامرة ؟ وما هو هدفها ؟ ومن هو أصلها ؟!

الإحتمال الأول : أن المعوذتين لم تعجبا السليقة العامة للعرب ! كما يفهم مما رواه البيهقي في سننه ج 2 ص 394 ( عن عقبة بن عامر الجهني قال : كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فقال لي : يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا ؟ قلت بلى يا رسول الله . فأقرأني قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، فلم يرني أعجب بهما فصلى بالناس الغداة فقرأ بهما ، فقال لي : يا عقبة كيف رأيت ؟ كذا قال العلاء بن كثير . وقال ابن وهب عن معاوية عن العلاء بن الحارث وهو أصح ) .

ثم رواه برواية أخرى جاء فيها ( فلم يرني سررت بهما جداً ... ) .

ثم رواه برواية أخرى تدل على أن عقبة هو الذي سأل النبي(ص) عنهما ، وأن النبي أراد تأكيد أنهما من القرآن فصلى بهما ( عن عقبة بن عامر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين فأمهم بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر ) انتهى .

الإحتمال الثاني : أن محاولة حذفهما من القرآن جاءت بسبب ارتباطهما بالحسن والحسين(ص) ! فقد روى أحمد في مسنده ج 5 ص 130 ( ... عن زر قال قلت لأبيٍّ : إن أخاك يحكُّهما من المصحف ، فلم ينكر ! قيل لسفيان : ابن مسعود ؟ قال نعم . وليسا في مصحف ابن مسعود ، كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين ولم يسمعه يقرؤهما في شئ من صلاته ، فظن أنهما عوذتان وأصر على ظنه ، وتحقق الباقون كونهما من القرآن فأودعوهما إياه ! ) .

وروى نحوه ابن ماجة في سننه ولكن لم يذكر الحسن والحسين ، قال في ج 2 ص1161 ( عن أبي سعيد ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ، ثم أعين الأنس ، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك ) .

وروى الترمذي في سننه ج 3 ص 267 أن النبي كان ( يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان ، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما ) .

ورواه في كنز العمال ج 7 ص77 عن ( ت ن ه‍، والضياء عن أبي سعيد ).

وروى البخاري في صحيحه تعويذ النبي للحسنين عليهماالسلام بدعاء آخر غير المعوذتين ، قال في ج 4 ص 119 ( ... عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها اسمعيل واسحق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ) .

وروى ابن ماجة في ج 2 ص 1165 ( عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة . قال وكان أبونا إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق . أو قال إسماعيل ويعقوب ) . ومثله أبو داود في ج 2 ص 421 ، والترمذى في سننه ج 3 ص 267 ، والحاكم في المستدرك ج 3 ص 167 وج 4 ص 416 وقال في الموردين ( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) . وأحمد في مسنده ج 1 ص 236 وص 270

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 113 بعدة روايات ، وإحداها عن عبدالله بن مسعود فيها تفصيل جميل ( قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر به الحسين والحسن وهما صبيان فقال : هاتوا ابني أعوذهما مما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحق ، قال أعيذكما بكلمات الله التامة من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة . رواه الطبراني وفيه محمد بن ذكوان وثقة شعبة وابن حبان وضعفه جماعة ، وبقية رجاله ثقات ) .

ورواه في كنز العمال عن عمر ، في ج 2 ص 261 وج 10 ص 108 قال ( عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يعوذ حسناً وحسيناً يقول : أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ـ حل ) .

وروى البخاري ذلك بعدة روايات عن عائشة بتفاوت في الدعاء ، لكنها لم تسم فيهما الحسنين ! قال في ج 7 ص 24 ( ... حدثني سليمان عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول الله رب الناس أذهب الباس واشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً . قال سفيان حدثت به منصوراً فحدثني عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة نحوه ... روايتين في ج 7 ص 26 ( ... عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه ... اذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً. فذكرته لمنصور فحدثني عن ابراهيم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها بنحوه ) . وروى نحوه أحمد في مسنده ج 6 ص 44 و45 .. إلخ .

من هذه الروايات نعرف أن النبي(ص) كان يهتم اهتماماً خاصاً بولديه الحسن والحسين(ص) وتعويذهما بكلمات الله تعالى لدفع الحسد والشر عنهما ، وأنه كان يفعل ذلك عمداً أمام الناس لتركيز مكانتهما في الأمة والتأكيد على أنهما ذريته وامتداده .. كما كان إسحاق واسماعيل بقية ابراهيم وامتداده(ع) ! وأنه بعد نزول المعوذتين كان يعوذهما دائماً بهما ! وبهذا ارتبطت السورتان في ذهن الأمة بالحسنين وسرى اليهما الحسد منهما .. أو الحب !!

وتحاول الروايات تصوير عبدالله بن مسعود بأنه حامل راية العداء للمعوذتين وتنقل إصراره على حذفهما من القرآن ! كما في مسند أحمد في ج 5 ص 130 ( عن عبدالرحمن بن يزيد قال كان عبدالله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى ) ! ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 149 وقال ( رواه عبد الله بن أحمد والطبراني ورجال عبدالله رجال الصحيح ورجال الطبراني ثقات ) ثم روى رواية أخرى ووثقها ، قال ( وعن عبدالله أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما ، وكان عبدالله لا يقرأ بهما . رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات. وقال البزار : لم يتابع عبدالله أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف ) .

وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1011 ( عن عبد الرحمن بن يزيد : رأيت ابن مسعود يحك المعوذتين من المصحف ويقول : لا يحل قراءة ماليس منه ! ) انتهى .

ولكن توجد أمور توجب الشك في ذلك ..

منها : أن ابن مسعود لم يكن يجرؤ في زمن عمر على حذف شئ من مصحفه أو إثباته إلا برأي عمر !

ومنها: أن ابن مسعود لم يكن معروفاً ببغض علي والحسن والحسين(ع)..

ومنها : أنه يستبعد أن لا يكون ابن مسعود اطلع على تأكيدات النبي(ص) التي نقلها الصحابة وأهل البيت(ع) على أن المعوذتين سورتان منزلتان !

ومنها : ما يدل على أن ترك المعوذتين شاع في أوساط من المسلمين حتى كانوا يسخرون ممن يعتقد أنهما من القرآن ويقرأ بهما في صلاته ! وهذا أمر أكبر من تأثير ابن مسعود ، وهو عادة لا يحدث بدون عمل من السلطة مؤثر على الناس !

قال أحمد في مسنده ج 1 ص 282 ( حنظلة السدوسي قال قلت لعكرمة : إني أقرأ في صلاة المغرب بقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وإن ناساً يعيبون ذلك عليَّ!! فقال وما بأس بذلك ، إقرأهما فإنهما من القرآن ! ) وينبغي أن نتذكر هنا أن عكرمة هو عبد لابن عباس الهاشمي ومنه أخذ ثقافته القرآنية ، وإن صار فيما بعد من الخوارج .

ومنها : الصلة التي تتبادر الى الذهن بين حذف سورتين ارتبطتا في ذهن الناس بالحسن والحسين وبين إضافة سورتين في تبرئة مشركي ومنافقي قريش ، وهما سورتا الخليفة عمر : الخلع والحفد ؟!

ومنها : أنه لم يرو عن الخليفة عمر أنه أثبت المعوذتين في مصحفه ، ولا قرأهما في صلاته ، ولا اتخذ موقفاً من نفيهما والتشكيك فيهما الذي كان شائعاً في زمانه !

ومنها : أنه رويت عن ابن مسعود رواية أو أكثر في فضل سورتي المعوذتين ، فهي تناقض رواية أنه أنكرهما .. ففي كنز العمال ج 1 ص 601 ( استكثروا من السورتين يبلغكم الله بهما في الآخرة : المعوذتين ينوران القبر ويطردان الشيطان ويزيدان في الحسنات والدرجات ويثقلان الميزان ويدلان صاحبهما الى الجنة ـ الديلمي عن ابن مسعود ) .

ومنها : أن تهمة حذف المعوذتين لم تقتصر على ابن مسعود ، فقد تظافرت الروايات على أن أبيّ بن كعب اتخذ موقفاً محايداً فلا هو خطأ ابن مسعود في حذفهما ولا هو شهد بأنهما من القرآن ! والحياد أمام نفي شئ من القرآن نفي لقرآنيته ، وشهادة بعدم وجود دليل على أنه من القرآن !!

روى أحمد في مسنده ج 5 ص 129 ( عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب: إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ! فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل(ع) قال له : قل أعوذ برب الفلق فقلتها ، فقال قل أعوذ برب الناس فقلتها . فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم !! ) ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 149 وقال ( رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ) !

وروى البيهقي في سننه ج2 ص394 عن أبي بن كعب قال ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين فقال قيل لي فقلت . فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... زر بن حبيش يقول سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت يا بالمنذر إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف؟ قال إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقيل لي فقلت. فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) .

قال ابن حجر في لسان الميزان ج 3 ص 81 ( واختلف على أبي بن كعب في إثبات المعوذتين ) انتهى .

ومعنى كلام أبي ابن كعب كما تدعي هذه الروايات أن النبي(ص) لم يصرح بأن المعوذتين سورتان من القرآن ، بل قال : قال لي جبرئيل : قل أعوذ برب الفلق ... قل أعوذ برب الناس .. !! فلم ينص النبي على أنهما سورتان ولو قال إنهما من قول جبرئيل ، فقد يكون جبرئيل علمه إياهما ليعوذ بهما الحسنين فقط ، وليس لتكونا جزء من القرآن !!

هذه الأمور وغيرها .. تدفع الباحث الى القول بأن جو السلطة هو الذي كان يستنكر على الناس ويعيب عليهم قراءة المعوذتين في الصلاة .. وهو المسؤول عن نسبة هذه الروايات الى ابن مسعود وابن كعب . وبسبب ذلك ذهب بعض الباحثين الى تكذيب نسبة هذا الرأي الى ابن مسعود مثل الفخر الرازي والباقلاني وابن حزم ..

قال السيوطي في الإتقان ج 1 ص 227 عن عدد السور ( وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة لأنه لم يكتب المعوذتين ! وفي مصحف أبي ست عشرة لأنه كتب قط آخره ( سورتي ) الحفد والخلع ! ) . وأورد في ص 270 دفاع الفخر الرازي والقاضي أبي بكر والنووي وابن حزم عن ابن مسعود ، ولكنه رجح كلام ابن حجر في شرح البخاري بأنه قد صح ذلك عن ابن مسعود ، فلا يمكن إنكاره ..




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21330899

  • التاريخ : 28/03/2024 - 09:35

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net