00989338131045
 
 
 
 
 
 

 1 ـ محاولة تغيير آية الأنصار 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : تدوين القرآن   ||   تأليف : الشيخ علي الكوراني

1 ـ محاولة تغيير آية الأنصار

قال الله تعالى : الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم. ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم . ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم . والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ـ التوبة 97 ـ 100

وقال تعالى : إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولانصير . لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم ـ التوبة 116 ـ 117

وروى الحاكم في مستدركه ج 3 ص 305 ( عن أبي سلمة ومحمد بن ابراهيم التيمي قالا : مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقول السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه .. الى آخر الآية ، فوقف عليه عمر فقال إنصرف ، فلما انصرف قال له عمر : من أقرأك هذه الآية ؟ قال أقرأنيها أبي بن كعب . فقال : انطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فإذا هو متكئ على وسادة يرجل رأسه فسلم عليه فرد السلام فقال : يا أبا المنذر ، قال لبيك ، قال : أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية ؟ قال صدق ، تلقيتها من رسول الله(ص) . قال عمر : أنت تلقيتها من رسول الله(ص) ؟! قال : نعم أنا تلقيتها من رسول الله(ص) . ثلاث مرات كل ذلك يقوله . وفي الثالثة وهو غضبان : نعم والله ، لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمد فلم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه !! فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول : ألله أكبر ألله أكبر !! ) .

ورواه في كنز العمال ج 2 ص 605 وقال ( أبو الشيخ في تفسيره ، ك ، قال الحافظ ابن حجر في الأطراف : صورته مرسل . قلت : له طريق آخر عن محمد بن كعب القرظي مثله أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ ، وآخر عن عمر بن عامر الأنصاري نحوه ، أخرجه أبو عبيد في فضائله ، وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه هكذا . صححه ، ك ) انتهى .

ولكن ابن شبة روى القصة في تاريخ المدينة ج 2 ص 707 بنحو آخر فقال ( حدثنا معاذ بن شبة بن عبيدة قال حدثني أبيّ عن أبيه عن الحسن : قرأ عمر رضي الله عنه ( والسابقون الأولون من المهاجرين الذين اتبعوهم بإحسان ، ( بدون واو ) فقال أبي والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، فقال عمر رضي الله عنه: والسابقون الأولون من المهاجرين الذين اتبعوهم بإحسان ، وقال عمر رضي الله عنه : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، فقال أبي رضي الله عنه : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، ولم يؤامر فيها الخطاب ولا ابنه ! ) . وقال في هامشه : في منتخب كنز العمال 2 : 55 عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين ... ورد في نفس المرجع 2 : 56 عن أبي سلمة ومحمد بن ابراهيم التيمي قالا ... وروى رواية الحاكم المتقدمة ، ثم قال : وانظر تفسير ابن كثير 4 : 228 ) انتهى .

وروى في كنز العمال ج 2 ص 597 ( عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان . فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين ، فقال زيد : والذين اتبعوهم بإحسان . فقال عمر: الذين اتبعوهم بإحسان . فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم !! فقال عمر : ائتوني بأبي بن كعب ، فسأله عن ذلك ؟ فقال أبي : والذين اتبعوهم بإحسان ، فجعل كل واحد منهما يشير الى أنف صاحبه بإصبعه ، فقال أبي : والله أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تتبع الخبط ، فقال عمر : نعم إذن ، فنعم إذن فنعم إذن ، نتابع أبياً ـ أبوعبيد في فضائله ، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه . وقال في هامشه : الخبط بفتح الخاء والباء ـ الورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ) انتهى .

وقال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 269 ( قوله تعالى : والسابقون الأولون ... الآية . أخرج أبوعبيد وسنيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخطاب قرأ : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان . فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين ! فقال له زيد بن ثابت : والذين . فقال عمر الذين ؟ فقال زيد أمير المؤمنين أعلم ! فقال عمر رضي الله عنه : إئتوني بأبي بن كعب ، فأتاه فسأله عن ذلك فقال أبي : والذين . فقال عمر رضي الله عنه : فنعم إذن نتابع أبياً . ( وقد حذفت منه المشادة بينهما كما رأيت !

ثم قال السيوطي : وأخرج ابن جرير وأبوالشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال مر عمر رضي الله عنه برجل يقرأ : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، فأخذ عمر بيده فقال : من أقرأك هذا ؟ قال أبي بن كعب . قال : لا تفارقني حتى أذهب بك إليه ، فلما جاءه قال عمر : أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا ؟ قال نعم . قال وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم . قال : لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا !! فقال أبيٌّ : تصديق ذلك في أول سورة الجمعة وآخرين منهم لما يلحقوا بهم . وفي سورة الحشر والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان وفي الأنفال والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم .

وأخرج أبو الشيخ عن أبا أسامة ومحمد بن إبراهيم التيمي قالا : مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ والسابقون الأولون ... وأورد رواية الحاكم ) انتهى .

نفهم من هذه الروايات الصحيحة بمقاييس إخواننا ، أن الخليفة يرى أن قريشاً فوق الجميع ، ولا يجوز أن يساوى بها أحد ( لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا ) وكان يرى أن وجود الواو في الآية يجعل الأنصار على قدم المساواة مع المهاجرين ، فالحل أن تقرأ الآية المئة من سورة التوبة ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان .. ) فترفع كلمة الأنصار وتحذف الواو بعدها وتكون جملة ( الذين اتبعوهم ) صفة للأنصار ، ليكون المعنى : أن الله رضي عن المهاجرين وعن أتباعهم من الأنصار !!

وقد أثار هذا التحريف حفيظة الأنصار ولا شك ، لأنه الله تعالى جعلهم على قدم المساواة مع المهاجرين وإن ذكر اسمهم بعدهم .. ويريد الخليفة عمر أن يجعلهم تابعين لهم !!

أما زيد بن ثابت ( الأنصاري ) فقد سلم للخليفة ( فقال له زيد بن ثابت : والذين. فقال عمر : الذين ؟ فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم ! ) ولو وقف زيد في وجه الخليفة ولم يخف من سطوته ، لربح المعركة لأن كل الأنصار سيقفون الى جانبه ، وسيؤيدهم أهل البيت(ع) ، وعدد من المسلمين الذين لا يسمحون للخليفة أن يحرف آية من كتاب الله تعالى !! ولكن زيداً صغير السن ضعيف الشخصية ، وقد وبخه أبي بن كعب يوماً بأنه نشأ مع صبيان اليهود وكان يلعب معهم ، وقد يكون منزله في محلتهم ، فقد تعلم العبرية منهم ! بل قد يكون أبوه يهودياً وأمه أنصارية ، فقد قال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1008 ( حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن ابن إسحاق، عن أبي الأسود ـ أو غيره ـ قال : قيل لعبد الله ألا تقرأ على قراءة زيد ؟ قال : مالي ولزيد ولقراءة زيد ، لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة ، وإن زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان ) !! وسيأتي بحث نسبه في فصل جمع القرآن إن شاء الله تعالى .

أما أبي بن كعب فمع أنه يخاف سطوة الخليفة عمر ويداريه كثيراً .. لكنه أكبر سناً من عمر ويرى أنه من صحابة النبي المقربين، وحافظ القرآن ، ولذا سجلت له الروايات مواقف في مقابل الخليفة ومنها هذا الموقف في هذه المسألة التي تمس كيان الأنصار !

وقد يحاول البعض الدفاع عن الخليفة بأن المسألة منه مجرد اشتباه ، وقد رجع عنه عندما شهد له ابن كعب !

ولكن منطق التغيير الذي أراده الخليفة في الآية ، ومنطق وجود المهاجرين في مدينة الأنصار ، ومواقف الخليفة من الأنصار في حياة النبي(ص) ، وفي السقيفة وبعدها ، وتأكيده وشهادته أن الآية نزلت بدون واو .. كلها تدل على أن المسألة كانت جدية وحامية، وأن أبياً كان يتكلم وهو مسنود بإجماع الأنصار واستعدادهم للدفاع عن هذا الإمتياز الذي منحهم إياه الله تعالىحتى لو احتاج الأمر الى السلاح ، كما تذكر بعض المصادر !

والذي يهمنا هنا ليس سياسة الخليفة عمر مع الأنصار ، وإنما شهادته بأن الآية نزلت بدون واو ، وأن الله مدح الأنصار فيها بأنهم تابعون للمهاجرين !! قال عمر ( أشهد أن الله أنزلها هكذا ـ ابن شبة ـ ج 2 ص 707 ) فإذا كان قوله هذا اجتهاداً من عنده، لأن مكانة قريش برأيه عند الله أعلى من مكانة الأنصار .. فوا مصيبتاه من هذه الجرأة على تحريف آية من كتاب الله !! وإن كان صادقاً ، فلماذا تراجع بمجرد شهادة أبي بن كعب وتأكيده ؟! فقول أبي شهادة في مقابل شهادة ، والشهادتان المتعارضتان تتكافآن وتتساقطان ، ويجب الرجوع الى شهادات الصحابة .. فلماذا لم يسأل عمر عدداً من المهاجرين والأنصار عن الآية التي نزلت بالأمس قبل وفاة النبي(ص) بشهور ! وكيف خضع لشهادة أبي بن كعب ؟ ثم كيف أمر بكتابتها في القرآن كما قال ابن كعب ولم يطلب حتى شاهداً آخر معه عليها ؟!

مهما يكن من أمر ، فلولا موقف أبي بن كعب لقام الخليفة بتغيير آية في كتاب الله تعالى، بضربة فنية وحذف واو واحدة ! ولكن الله تعالى حفظ كتابه ، وهو القائل : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون !




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21337666

  • التاريخ : 29/03/2024 - 05:10

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net