00989338131045
 
 
 
 
 
 

 الفصل الثامن : قصة الأحرف السبعة وجمع القرآن ـ هل كان يوجد شئ اسمه مشكلة جمع القرآن ؟! 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : تدوين القرآن   ||   تأليف : الشيخ علي الكوراني

الفصل الثامن

قصة الأحرف السبعة وجمع القرآن

هل كان يوجد شئ اسمه مشكلة جمع القرآن ؟!

حاولت أكثر روايات جمع القرآن ، أن تثبت أنه لم يكن مجموعاً كله في كتاب واحد ( مصحف ) من عهد النبي(ص) ، وأنه كان موزعاً سوراً وآيات مكتوبة عند هذا وذاك على ( العسب والرقاق واللخاف وصدور الرجال ) كما يقول زيد بن ثابت في رواية البخاري ج 8 ص 119 .

غير أن المتتبع في مصادر الحديث والتاريخ يجزم بأن القرآن كان مجموعاً في مصحف من عهد النبي(ص) ، وأن نسخه كانت موجودة في بيت النبي ، وفي مسجده ، وعند كثيرين .. كما كان محفوظاً في صدور العديد من الصحابة من أهل بيت النبي وغيرهم !! وأن المشكلة كانت مشكلة الدولة التي خافت من اعتماد نسخة من القرآن مكتوبة ، لتكون النسخة الرسمية لجميع المسلمين ..

فالدولة ، والدولة هنا تعني الخليفة عمر ، رفضت نسخة القرآن التي جاءها بها علي بن أبي طالب(ع) .. كما نهت الأنصار أن يقدموا نسخة قرآن على أنها النسخة المعتمدة ، لأن ذلك برأيه من حق الدولة وحدها ..

ومن جهة ثانية ، لم تقم بنسخ القرآن المتداول في أيدي الناس بعدة نسخ وإرسالها الى الأمصار ، لأنها لا تريد أن تعتمد نسخة معينة ..

ومن جهة ثالثة ، قامت بتشكيل لجنة لجمع القرآن ، مكونة من الخليفة عمر وزيد بن ثابت .. وطال عمل هذه اللجنة ولم تقدم الى المسلمين نسخة القرآن ، بل بقيت النسخة التي جمعتها بيد الخليفة عمر ..

لذلك بقيت الدولة الإسلامية بلا نسخة رسمية للقرآن طوال عهد أبي بكر وعمر ، وكانت تجيب على اختلاف الناس في قراءة نص القرآن برواية الأحرف السبعة.. حتى تفاقمت المشكلة وكادت تنفجر .. فنهض بالأمر الخليفة عثمان وكتب نسخة القرآن الفعلية في سنة 25 هجرية !!

والأدلة على أن القرآن كان مجموعاً من عهد النبي(ص) كثيرة .. نذكر منها أولاً الأدلة التمهيدية التي تثبت أن الكتابة كانت ميسرة في عهد النبي(ص) بل وقبله ، خاصة في المدن .. وترد ادعاء الباقلاني وغيره الذين برروا عمل السلطة بأن الكتابة لم تكن متيسرة في عهد النبي(ص) وعهد الخليفتين أبي بكر وعمر ، ثم تيسرت في عهد الخليفة عثمان ..! فإن عشرات النصوص بل مئاتها في المصادر ، ترد هذا الإدعاء .

فمن ذلك : آية الدين أطول آية في كتاب الله تعالى، التي أمر تعالى فيها مجتمع المدينة وعموم المسلمين بكتابة الديون حتى اليومية منها، فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه ، وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً ، فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو ، فليملل وليه بالعدل .. الى آخر الآية الكريمة .

ومن ذلك : أن النبي(ص) أول من دَوَّنَ الدواوين ، وليس الخليفة عمر كما يذكر بعضهم ، فقد كان عند النبي ديوان فيه أسماء كل المسلمين ، وديوان فيه أسماء المجاهدين .. قال البخاري في صحيحه ج 4 ص 33 :

(... عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال قال النبي صلى

الله عليه وسلم : أكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس ، فكتبنا له ألفاً وخمسمائة رجل ، فقلنا نخاف ونحن ألف وخمسمائة ؟! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف !

... عن الأعمش فوجدناهم خمسمائة قال أبومعاوية ما بين ستمائة الى سبعمائة .

... عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة قال : إرجع فحج مع امرأتك ! )

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 10 ص 48 :

( عن طارق بن شهاب قال : قدم وفد بجيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله : أكتبوا البجليين وابدؤوا بالأحمسيين ) .

ورواه أحمد في ج 4 ص 315 لكن فيه ( اكسوا ) بدل ( اكتبوا ) ولابد أن يكون أحدهما تصحيفاً .

ومن ذلك : أن أشخاصاً كانوا يكتبون حديث النبي(ص) ، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص .. ففي صحيح البخاري ج 1 ص 36 :

( ... وهب بن منبه عن أخيه قال سمعت أبا هريرة يقول : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبدالله ابن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ) .

وفي مسند أحمد ج 2 ص 171 ( ... عبد الرحمن الحبلي حدثه قال أخرج لنا عبدالله بن عمرو قرطاساً وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شئ وإله كل شئ ، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك والملائكة يشهدون ، أعوذ بك من الشيطان وشركه وأعوذ بك أن اقترف على نفسي إثماً أو أجره على مسلم . قال أبو عبد الرحمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه عبدالله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام ) .

ومن ذلك : أن البدوي كان يطلب كتابة خطبة النبي(ص) فيكتبونها له .. ففي صحيح البخاري ج 1 ص 36 وج 3 ص 95 :

( ... فجاء رجل من أهل اليمن فقال أكتب لي يا رسول الله ، فقال : اكتبوا لأبي فلان ) .

ومن ذلك : أن تعليم الصبيان الكتابة كان متعارفاً ، ففي صحيح البخاري ج 3 ص 209 ( ... حدثنا عبدالملك بن عمير قال سمعت عمرو بن ميمون الأودي قال كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ) .

ومن ذلك : أن الكتابة وطلب التعلم كان في الأنصار قبل الإسلام .. فقد روى مسلم في صحيحه ج 8 ص 231 :

( ... عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له معه ضمامة من صحف ... ) .

ورواه الحاكم في مستدركه ج 2 ص 28 فقال :

( عن عبادة بن الصامت قال خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله(ص) ومعه غلام له وعليه برد معافري وعلى غلامه برد معافري ومعه ضبارة صحف .. ) .

ومن ذلك : أنهم كانوا يشبهون الوجه الحسن الحيوي بورقة المصحف .. قال البخاري في صحيحه ج 1 ص 165 :

( حتى إذا كان يوم الإثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، ثم تبسم يضحك فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ) .

ورواه مسلم في صحيحه ج 2 ص 24 وأحمد في مسنده ج 3 ص 110 وص 196.. وغيره ..

وجاء في مستدرك الحاكم ج 3 ص 640 قول صهر معاوية الذي طلق ابنته ( ... فنظرت فإذا أنا شيخ وهي شابة لا أزيدها مالاً الى مالها ولا شرفاً الى شرفها ، فرأيت أن أردها إليك لتزوجها فتى من فتيانك كأن وجهه ورقة مصحف ) .

ومن ذلك : أن دباغة الجلد للكتابة عليه كانت أمراً معروفاً عادياً ، فقد اشترى عمر جلداً وكتب عليه التوراة .. قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 148 :

( وأخرج عبدالرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر برجل يقرأ كتاباً فاستمعه ساعة فاستحسنه ، فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب . قال نعم ، فاشترى أديماً فهيأه ثم جاء به إليه فنسخ له في ظهره وبطنه ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرؤه عليه وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون ، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب وقال : ثكلتك أمك يابن الخطاب ! أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم ، وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب ؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك إنما بعثت فاتحاً وخاتماً وأعطيت جوامع الكلم وفواتحه واختصر لي الحديث اختصاراً ، فلا يهلكنكم المتهوكون ) .

ومن ذلك : أن عادة وضع القلم وراء الأذن كانت من ذلك الزمان .. قال أحمد في مسنده ج 5 ص 193 :

( ... عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، قال فكان زيد يروح الى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ، ما تقام صلاة إلا استاك قبل أن يصلي ) .

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 356 رواية لا يصححها علماء الشيعة ولا السنة ، ولكنها تدل على المقصود ، قال :

( عن عائشة قالت لما كان يوم أم حبيبة من النبي صلى الله عليه وسلم دق الباب داق فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنظروا من هذا قالوا معاوية قال ائذنوا ودخل وعلى أذنه قلم يخط به ، فقال ما هذا القلم على أذنك يا معاوية ، قال قلم أعددته لله ولرسوله فقال جزاك الله عنا خيراً ... ) .

ومن ذلك : أن بعضهم كان يكتب أسئلته ويرسلها يستفتي بها .. فقد روى البيهقي في سننه ج 9 ص 241 :

( ... عبدالله بن أبي الهذيل قال أمرني ناس من أهلي أن أسأل لهم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن أشياء فكتبتها في صحيفة فأتيته لأسأله فإذا عنده ناس يسألونه فسألوه حتى سألوه عن جميع ما في صحيفتي وما سألته عن شئ ، فسأله رجل أعرابي فقال إني مملوك أكون في إبل أهلي فيأتيني الرجل يستسقيني فأسقيه .. ؟ )

ومن ذلك : أن نظام الكمبيالات أول ما ظهر في العالم في المدينة المنورة في زمن عثمان .. فقد روى مالك في الموطأ ج 2 ص 641 :

( وحدثني عن مالك ، أنه بلغه أن صكوكاً خرجت للناس في زمان مروان بن الحكم من طعام الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم ، قبل أن يستوفوها فدخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على مروان بن الحكم فقالا : أتحل بيع الربا يا مروان ؟ فقال أعوذ بالله وما ذاك ؟ فقالا هذه الصكوك تبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها . فبعث مروان الحرس يتبعونها ينزعونها من أيدى الناس ويردونها الى أهلها ) .

كل ذلك يدل على أن الكتابة في زمن النبي(ص) كانت أمراً شائعاً ، وكان الناس عامة مدركين لفائدتها وضرورتها خاصة في الأمور المهمة ، فكيف جَوَّزَ هؤلاء الرواة والباحثون على النبي(ص) ، مع إيمانهم ببعد نظره وعمق تفكيره وتسديده بوحي الله تعالى ، أن لا يهتم بكتابة القرآن ونشر نسخه في مصاحف، والقرآن هو كتاب الدعوة الإلهية ومعجزتها ، والذي بواسطته كان النبي والمسلمون يدعون الناس الى الإسلام ..؟!!

بلى .. إن الأحاديث الكثيرة تشهد بأن نسخ القرآن كانت موجودة من عهده(ص) ومنتشرة في أيدي الرجال والنساء ، في المدينة وفي بقية بلاد الجزيرة .. وأنهم كانوا يضيفون الى نسخهم السور والآيات الجديدة عند ما تنزل .. ولا مجال لادعاء الزركشي وغيره بأن النبي والمسلمين لم يكتبوا القرآن في عهده(ص) بحجة أنهم كانوا ينتظرون اكتمال نزوله !!

قال في البرهان ج 1 ص 262 ( وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يفضي الى تغييره في كل وقت ، فلهذا تأخرت كتابته الى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم ) فهذا المؤلف يتكلم عن التغيير في القرآن كأنه كتاب تحت التأليف لأمثاله ، ينتظر الناشرون اكتماله لينشروا نسخته ! ولكن السورة الواحدة من القرآن كانت حدثاً عقائدياً وفكرياً وسياسياً ، وكان المسلمون يستقبلون نزولها بأرواحهم قبل ألسنتهم ، ويكتبونها لأنفسهم ولدعوة الناس بها الى الإسلام ! ثم إذا نزلت آية أو سورة جديدة كتبوها أيضاً !

ومما يدل على ذلك : ما رواه الترمذي في سننه ج 4 ص 140 :

( ... عن أبي الدرداء قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره الى السماء ، ثم قال : هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شئ . فقال زياد بن لبيد الأنصارى : كيف يختلس منا ، وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا ! قال : ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة ! هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى ، فماذا تغني عنهم ؟! ) .

ورواه أحمد في مسنده ج 5 ص 266 وفيه تصريح أوضح بوجود المصاحف ، قال:

( ... عن أبي إمامة الباهلي قال لما كان في حجة الوداع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن عباس على جمل آدم فقال : يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم وقد كان أنزل الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ، عفا الله عنها والله غفور حليم . قال فكنا نذكرها كثيراً من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال فأتينا اعرابياً فرشوناه برداء قال فاعتم به حتى رأيت حاشية البرد خارجة من حاجبه الأيمن ، قال ثم قلنا له سل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال فقال له : يا نبي الله كيف يرفع العلم منا وبين أظهرنا المصاحف ، وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا ؟! قال فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب قال فقال : أي ثكلتك أمك ، وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا بحرف مما جاءتهم به أنبياؤهم ! ألا وإن من ذهاب العلم أن يذهب حملته ، ثلاث مرار ! ) .

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 199 ، وروى عدة روايات بمعناه .

ويدل عليه أيضاً :

أن الرجل المسلم كان يأتي بالورق الى النبي(ص) فيأمر النبي الصحابة فينسخوا له القرآن .. فقد روى البيهقي في سننه ج 6 ص 16 :

( ... ثنا جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال كانت المصاحف لاتباع ، كان الرجل يأتي بورقه عند النبي صلى الله عليه وسلم فيقوم الرجل فيحتسب فيكتب ، ثم يقوم آخر فيكتب ، حتى يفرغ من المصحف ! ) .

فقد كان الورق موجوداً إذن .. فأين ما تصوره الروايات من انعدام الورق ، وأن وسائل الكتابة كانت على الأحجار الرقاق والعظام والخشب .. ؟!

ويدل عليه أيضاً :

ما روته مصادرنا عن الإمام جعفر الصادق(ع) وأيدته مصادر إخواننا .. فقد روى الكليني في الكافي ج 5 ص 121 :

( ... عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحيم ، عن أبي عبدالله (ع) قال : سألته عن شراء المصاحف وبيعها فقال : إنما كان يوضع الورق عند المنبر وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمر الشاة أو رجل منحرف قال : فكان الرجل يأتي ويكتب من ذلك . ثم إنهم اشتروا بعد ذلك . قلت : فما ترى في ذلك ؟ قال لي : أشتري أحب إلي من أن أبيعه ، قلت : فما ترى أن أعطي على كتابته أجراً ؟ قال : لا بأس ولكن هكذا كانوا يصنعون ) .

ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ج 6 ص 366 :

( ... عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عن بيع المصاحف وشرائها فقال : إنما كان يوضع عند القامة والمنبر قال : وكان بين الحائط والمنبر قيد ممر شاة ورجل وهو منحرف ، فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة ويجئ آخر فيكتب السورة وكذلك كانوا ، ثم إنهم اشتروا بعد ذلك . فقلت فما ترى في ذلك ؟ فقال : أشتريه أحب الى من أن أبيعه ) .

وروى مسلم في صحيحه أنه كان يوجد مكان في مسجد النبي(ص) يسمى ( مكان المصحف ) وهو مؤيد لما تقدم عن الإمام الصادق (ع) .. قال مسلم في ج 2 ص 59 :

( ... عن يزيد يعني ابن أبي عبيد عن سلمة وهو ابن الأكوع أنه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبح فيه ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى ذلك المكان ، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة ) .

ورواه البخاري ، ولكن جعل المكان عند الأسطوانة ولم يذكر مكان المصحف ، قال في صحيحه ج 1 ص 127 :

( حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف ، فقلت يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة ؟ قال فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها ) .

ورواه ابن ماجة في ج 1 ص 459 وفيه ( أنه كان يأتي الى سبحة الضحى فيعمد الى الأسطوانة دون المصحف ، فيصلي قريباً منها ) .

وروى أحمد في مسنده في ج 4 ص 49 رواية البخاري . وروى في ج 4 ص 54 رواية مسلم . وروى البيهقي في سننه ج 2 ص 271 وج 5 ص 247 رواية البخاري .

ويدل عليه أيضاً :

ما روي من أن الكتَّاب كانوا يرتبون الآيات والسور في مصاحفهم بأمر النبي(ص) .. فقد روى أحمد في مسنده ج 5 ص 185

( ... عبد الرحمن بن شماسة أخبره أن زيد بن ثابت قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع إذ قال طوبى للشام ، قيل ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه ) .

ورواه الحاكم في المستدرك ج 2 ص 229 ، فقال :

( ... عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله(ص) نؤلف القرآن من الرقاع إذ قال رسول الله(ص) طوبى للشام ، فقلنا لأي شئ ذاك ؟ فقال لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول الله(ص) ثم جمع بعضه بحضرة أبي بكر الصديق ، والجمع الثالث هو في ترتيب السور كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين ) .

ورواه في ج 2 ص 611 بدون الإضافة عن الشام ، قال :

( ... عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله(ص) نؤلف القرآن من الرقاع . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وفيه الدليل الواضح أن القرآن إنما جمع في عهد رسول الله(ص) ) انتهى ، وهي شهادة طريفة للحاكم تدل على أن الخليفة عمر لم يجمع القرآن أبداً ، وأن أبابكر جمع القرآن المجموع ! وأن عثمان كتب القرآن المجموع بتأليف جديد للسور من عنده ! وسيأتي أن النسخة التي كتب عنها عثمان كانت نسخة علي(ع) ، وأنه كتبها حسب توجيه النبي(ص) وأمره .

ويدل عليه أيضاً :

أن الإعجاب بالقرآن كان يجعل الشبان يقبلون على قراءته والتأمل فيه ، وكانت نسخه عندهم .. فقد روى أحمد في مسنده ج 2 ص 173 :

( ... عن عبدالله بن عمرو أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابن له فقال : يا رسول الله أن ابني هذا يقرأ المصحف بالنهار ويبيت بالليل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تنقم أن ابنك ، يظل ذاكراً ، ويبيت سالماً ) ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 2 ص 270

ويدل عليه أيضاً :

ما ورد من استحباب كتابة المصحف وتوريثه لتكون نسخته صدقة جارية .. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 67 :

( عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يجري للعبد أجرهن من بعد موته وهو في قبره : من علم علماً أو كرى نهراً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بني مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته).

ويدل عليه أيضاً :

أن النبي(ص) نهى أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو ، لأنهم قد يهينونه .. ففي سنن أبي داود ج 1 ص 587 :

( باب في المصحف يسافر به الى أرض العدو ... عن نافع ، أن عبد الله بن عمر قال : نهى رسول الله صلىالله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو ، قال مالك : أراه مخافة أن يناله العدو ) .

ويدل عليه أيضاً :

الحكم الشرعي بعدم جواز مس المصحف لغير المتطهر ، وقد روته مصادر الشيعة والسنة عن النبي(ص) ، كالذي رواه البيهقي في سننه ج 1 ص 309 :

( عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم .. فذكر الحديث وفيه قال : ولا يمس القرآن إلا طاهر ) .

وفي هذا الحديث دلالة على اهتمام النبي(ص) بتدوين الأحكام وإرسالها الى الأمصار .. ومن باب أولى أن يرسل لهم نسخة القرآن .. بل يدل الحديث على وجود نسخة المصحف في اليمن ، أو أن النبي أرسلها مع كتاب الفرائض والسنن والديات المذكور .. وإلا لما صح أن يذكر لهم حرمة مسه لغير المتوضئ . وفيه دلالة أيضاً على أن القرآن يستعمل في حديث النبي (ص) بمعنى المصحف كما تقدم ويأتي . وفي اليمن نسخة قرآن خطية يقولون إنها بخط علي(ع) وهي التي أرسلها لهم النبي(ص) ، وهي تدل على أن إرسال نسخ القرآن كان من عهده(ص) .

ويدل عليه أيضاً :

الحكم الشرعي باستحباب قراءة القرآن في المصحف حتى لمن يحفظه ، قال البخاري في صحيحه ج 1 ص 170 :

( باب إمامة العبد والمولى وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف ) .

وقال مالك في المدونة الكبرى ج 1 ص 224 :

( عن ابن شهاب قال كان خيارنا يقرؤن في المصاحف في رمضان وأن ذكوان غلام عائشة كان يؤمها في المصحف في رمضان . وقال مالك والليث مثله ) .

وقال ابن قدامة في المغني ج 1 ص 613 :

( وقال أبوحنيفة تبطل الصلاة به إذا لم يكن حافظاً لأنه عمل طويل ، وقد روى أبوبكر بن أبي داود في كتاب المصاحف بإسناده عن ابن عباس قال نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم . وروي عن ابن المسيب والحسن ومجاهد وابراهيم وسليمان بن حنظلة والربيع كراهة ذلك ، وعن سعيد والحسن قالا تردد ما معك من القرآن ولا تقرأ في المصحف ، والدليل على جوازه ما روى أبوبكر الأثرم وابن أبي داود بإسنادهما عن عائشة أنها كانت يؤمها عبد لها في المصحف ، وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال كان خيارنا يقرؤون في المصاحف ! ) .

وعقد الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 165 باباً بعنوان :

( باب القراءة في المصحف وغيره . عن عثمان بن عبدالله بن أوس الثقفي عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قراءة الرجل في غيرالمصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف على ذلك ألفي درجة . رواه الطبراني وفيه أبوسعيد بن عون وثقه ابن معبد في رواية وضعفه في أخرى ، وبقية رجاله ثقات .

وعن عبدالله بن مسعود قال : أديموا النظر في المصحف . رواه الطبراني عن شيخه عبدالله بن محمد بن سسعيد بن أبي مريم وهو ضعيف ) .

وقال ابن أبي شيبة في المصنف ج 7 ص 180 :

( ... عن علقمة قال : أمسكت على عبدالله في المصحف فقال كيف رأيت ؟ قلت قرأتها كما هي في المصحف إلا حرف كذا قرأته كذا وكذا ) .

وقال في ص 191 : ( حدثنا معتمر عن ليث قال: رأيت طلحة يقرأ في المصحف ) .

ويدل عليه أيضاً :

ما ورد في كراهة بيع المصاحف ، ومعناه أن نسخها كان رائجاً في زمن النبي(ص) وبعده الى حد أن بعضهم اتخذ ذلك تجارة .. قال ابن قدامة في المغني ج 4 ص 277 :

( والصحابة أباحوا شراء المصاحف وكرهوا بيعها ، وإن أعطى صاحب العمل هدية أو أكرمه من غير إجارة جاز ، وبه قال الشافعى لما روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا كان إكراماً فلا بأس ) !

وقال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 2 ص 710 :

( ... حدثني عطية بن قيس : أن رجلاً من أهل الشام خرج الى المدينة لكتب مصحف وخرج معه بطعام وإدام ، في خلافة عمر رضي الله عنه ، فكان يطعم الذين يكتبون ، وكان أبي يختلف إليهم يمل عليهم ، فقال له عمر رضي الله عنه : كيف وجدت طعام الشامي ؟ قال : إني لأوشك إذا ما نشبت في أمر القوس ، ما طعمت له طعاماً ولا إداماً ) .

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 293 :

( وعن واصل قال أدركت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له ناجية الطفاوي وهو يكتب المصاحف فأتته امرأة فقالت جئت أسالك عن الصلاة ...).

وقال البيهقي في سننه ج 6 ص 17 :

( ... ثنا يونس عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً ببيع المصاحف واشترائها .

... عن الشعبي أنه سئل عن ذلك فقال إنما يبتغي ثمن ورقه وأجر كتابه .

... ثنا مالك بن دينار قال دخل على جابر بن زيد وأنا أكتب فقلت كيف ترى صنعتي هذه يا أبا الشعثاء ؟ قال ما أحسن صنعتك تنقل كتاب الله عز وجل ورقة الى ورقة وآية الى آية وكلمة الى كلمة ، هذا الحلال لا بأس به .

... ثنا مالك بن دينار أن عكرمة باع مصحفاً له ، وأن الحسن كان لا يرى به بأساً ) .

وقال في كنز العمال ج 2 ص 330 :

( عن عبادة بن نسي أن عمر كان يقول : لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها ـ ابن أبي داود ) .

وقال النووي في المجموع ج 9 ص 252 :

( وعن عمر أنه كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول بئس التجارة . وبإسناد صحيح عن عبدالله بن شقيق التابعي المجمع على جلالته وتوثيقه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف . قال البيهقي وهذه الكراهة على وجه التنزيه تعظيماً للمصحف عن أن يبتذل بالبيع أو يجعل متجراً . قال وروي عن ابن مسعود الترخيص فيه وإسناده ضعيف . قال وقول ابن عباس اشتر المصحف ولا تبعه ، إن صح عنه يدل على جواز بيعه مع الكراهة ، والله سبحانه وتعالى أعلم ) .

ويدل عليه أيضاً :

أحاديث ضبط جبرئيل القرآن على النبي(ص) مرتين عام وفاته .. فلا معنى لهذا العمل إلا أن الله تعالى أمر نبيه أن يضبط نسخة القرآن على أحد من الأمة.. على شخص يشمله قول الله تعالى لنبيه سنقرؤك فلا تنسى أو على نسخ من القرآن مكتوبة .. وقد كانت العرضة الأخيرة بعد اكتمال نزول القرآن ، فلم ينزل بعدها شئ حتى توفي(ص) ..

قال البخاري في صحيحه ج 6 ص 101 :

( باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم . وقال مسروق عن عائشة رضي الله عنها عن فاطمة رضي الله عنها : أسرَّ إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا حضر أجلي !

... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان ، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة !

... عن أبي هريرة قال كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض ، وكان يعتكف كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قبض ! ) .

ويدل عليه أيضاً :

أن اقتناء نسخة من القرآن كان متعارفاً عند الصحابة وغيرهم بكتابتها أو استكتابها.. مما يشعر بأن عملهم كان استمراراً للوضع الطبيعي الذي جروا عليه من عهد النبي(ص) .. فقد روى مسلم في صحيحه ج 2 ص 112 :

( ... عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فلما بلغتها آذنتها فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين )

ورواه النسائي في سننه ج1 ص 236 وأبو داود ج 1 ص 102 والترمذي ج 4 ص 285 وأحمد في مسنده ج 6 ص 73 وص 178 والبيهقي في سننه ج 1 ص 462 ورواه في نفس الصفحة والتي بعدها أيضاً عن حفصة !

والطريف أن الهيثمي رواه في موضعين ووثقه ، وفيه أن الكاتب هو غلام عمر والمكتوب له بنته .. فأي قرآن كان غير مجموع ويحتاج أن يجمعه زيد أو عمرو ؟!

قال في مجمع الزوائد ج 6 ص 320 وج 7 ص 154 :

( ... عن عمرو بن رافع مولى عمر بن الخطاب حدث أنه كان يكتب المصاحف في عهد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال فاستكتبتني حفصة مصحفاً وقالت إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني بها فأملها عليك كما حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلما بلغتها جئتها بالورقة التي أكتبها فيها فقالت أكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين . رواه أبو يعلي ورجاله ثقات) انتهى .

فلم تكن كتابة نسخة من القرآن تحتاج الى أكثر من تكليف كاتب لينسخها عن نسخته هو ، أو عن إحدى النسخ الكثيرة الموجودة في أيدي الناس.. وليس في هذه الروايات الموثقات والصحيحات ذكر للعسب والرقاق واللخاف وصدور الرجال ! ولا ذكر للجلوس على باب المسجد وسؤال الناس عن آيات القرآن لجمعها ونسخها في مصحف ! بل ليس في هذه الرواية ذكر لنسخة القرآن التي جمعها الخليفة وأودعها عند بنته حفصة ! فإن كان استكتاب حفصة المذكور بعد جمع أبيها للقرآن ، فلماذا أعرضت عن نسخة أبيها واستكتبت نسخة من المصحف المتداول ؟! وهل أن نسخة أبيها تختلف عن المصحف الرائج ؟! وإن كان ذلك قبل جمع أبيها للقرآن .. فما معنى قولهم إن القرآن كان موزعاً متفرفاً وأن جمعه كان عملاً كبيراً صعباً ؟!

ويدل عليه أيضاً :

كثرة الأحاديث التي ورد فيها ذكر نسخ الصحابة ومصاحفهم ، مما يدل على أن نسخه كانت في أيديهم وأيدي الناس قبل ما سموه ( جمع القرآن )..

قال أحمد في مسنده ج 5 ص 183 :

( ... عن كثير بن الصلت قال كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمروا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فقال عمر لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبنيها قال شعبة فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وإن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم ) .

وقال الحاكم في المستدرك ج 4 ص 360 :

( ... عن كثير بن الصلت قال كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف فمرا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله(ص) يقول الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فقال عمرو لما نزلت أتيت النبي(ص) فقلت أكتبها فكانه كره ذلك ... هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) .

وقال البيهقي في سننه ج 7 ص 69 :

( عن عمرو عن بجالة أو غيره قال : مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بغلام وهو يقرأ في المصحف : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ... ) الخ .

وقال ابن أبي شيبة في مصنفه ج 7 ص 180 :

( حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال : كتب رجل مصحفاً ، وكتب عند كل آية تفسيرها ، فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين ) .

وقال الحاكم في المستدرك ج 2 ص 447 :

(... عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما وجعلوا الملائكة الذين هم عبد الرحمن أو عباد الرحمن ؟ فقال عباد الرحمن . قلت هو في مصحفي عبد الرحمن . قال فامحها واكتب عباد الرحمن . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) .

وفي كنز العمال ج 2 ص 332 :

عن أبي الأسود أن عمر بن الخطاب وجد مع رجل مصحفاً قد كتبه بقلم دقيق ، فقال : ما هذا ؟ فقال : القرآن كله ! فكره ذلك وضربه وقال : عظموا كتاب الله ) .

وقال الحاكم في المستدرك ج 3 ص 243 :

( عن أيوب عن أبي مليكة قال كان عكرمة بن أبي جهل يأخذ المصحف فيضعه على وجهه ويبكي ويقول : كلام ربي .. كتاب ربي ) .

وقال في ج 3 ص 408 :

( حدثنا أبو مكين قال رأيت امرأة في مسجد أويس القرني قالت : كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا يصلون ويقرؤون في مصاحفهم ، فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا حتى يصلوا الصلوات ، قالت وكان ذلك دأبهم ماشهدوا ، حتى غزوا فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ) .

وقال البخاري في صحيحه ج 5 ص 146 :

( باب ما جاء في فاتحة الكتاب . وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة ! ) انتهى ، وقد كان إسم الفاتحة أم الكتاب من عهد النبي(ص) !

ويدل عليه أيضاً :

أن عبدالله بن مسعود كان يملي المصاحف على الناس في الكوفة ويكتبونها عنه .. فقد روى أحمد في مسنده ج 1 ص 25 :

( ... عن علقمة قال جاء رجل الى عمر رضي الله عنه وهو بعرفة قال معاوية وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر رضي الله عنه فقال جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل ! فقال ومن هو ويحك ؟ قال عبدالله بن مسعود فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب حتى عاد الى حاله التي كان عليها ، ثم قال : ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه ، وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين وأنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من : سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ، قال ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : سل تعطه ، سل تعطه . قال عمر رضي الله عنه : قلت والله لأغدون إليه فلأبشرنه ، قال فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر رضي الله عنه قد سبقني إليه فبشره . ولا والله ما سابقته الى خير قط إلا وسبقني إليه ) .

ورواه الحاكم في المستدرك ج 2 ص 227 ، والبيهقي في سننه ج 1 ص 452

أما في زمن علي(ع) فصار في الكوفة دور لكتابة القرآن .. قال ابن أبي شيبة ج 7 ص 196 :

( حدثنا وكيع عن علي بن مبارك عن أبي حكيمة العبدي قال : كنا نكتب المصاحف بالكوفة فيمر علينا علي فينظر ويعجبه خطنا ويقول: هكذا نوروا ما نور الله ) .

ويدل عليه أيضاً :

أن النساء كان منهن قارئات وعندهن مصاحف .. فقد روى أحمد في مسنده ج 1 ص 415 :

( عن مسروق أن امرأة جاءت الى ابن مسعود فقالت أنبئت أنك تنهى عن الواصلة؟ قال نعم ، فقالت : أشئ تجده في كتاب الله أم سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أجده في كتاب الله وعن رسول الله ، فقالت والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول ؟! قال : فهل وجدت فيه ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت : نعم ) .

ورواه مسلم في صحيحه ج 6 ص 167 وفيه ( فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ! فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عزوجل وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا ) . ومثله في سنن أبي داود ج 2 ص 283 وفي سنن البيهقي ج 7 ص 312

ويدل عليه أيضاً :

الروايات التي تذكر عدداً كبيراً من الصحابة جمعوا القرآن في عهد النبي (ص) .. وقد حاول أكثر علماء إخواننا أن يفسروا جمعهم للقرآن بحفظهم له دون كتابته ويحصروه بذلك ، ولكن جمع القرآن تعبير يطلق على من حفظه فيكون معناه جمعه في صدره ، كما يطلق على من كتبه ودونه فيكون معناه جمعه في مصحف أو كتاب .. وعندما يرد تعبير جمع القرآن ويوجد معه قرينة تدل على نوع الجمع المقصود فهي المتبعة ، وإن لم توجد قرينة فينبغي أن يحمل الجمع على المعنى الأقرب والأكثر شيوعاً وهو جمع القرآن بكتابته ، وإن أبيت فيبقى معناه مجملاً يحتمل المعنيين ، لأن ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح !

وسترى أنه يوجد في عدد من أحاديث الجمع قرائن تدل على أن المقصود به جمع الكتابة ، كقول أبي بن كعب جمع القرآن فلان ابن عمنا وتوفي ونحن ورثناه .. فإنه يقصد ورثنا مصحفه لا ورثنا حفظه للقرآن ، خاصة وأن أبياً قد يكون حفظه قبله !!

قال البخاري في صحيحه ج 4 ص 228 :

( باب مناقب زيد بن ثابت ... عن أنس رضي الله عنه : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار : أبي ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد ، وزيد ابن ثابت . قلت لأنس من أبو زيد ؟ قال أحد عمومتي ) .

وروى البخارى في ج 6 ص 103 :

( ... حدثنا قتادة قال سألت أنس ابن مالك رضي الله عنه من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال أربعة كلهم من الأنصار أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد . تابعه الفضل ... عن أنس قال : مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة : أبو الدرداء : ومعاذ بن جبل : وزيد بن ثابت: وأبو زيد ، قال ونحن ورثناه ) .

وروى الأول مسلم في ج 7 ص 149 وص 150والترمذي في ج 5 ص 331 وأحمد في ج 3 ص 233 وص 277 والبيهقي في سننه ج 6 ص 211 ورواه أحمد في مسنده ج 3 ص 233 و277 وغيرها وابن الأثير في أسد الغابة ج 3 ص 106 والمزي في تهذيب الكمال ج 14 ص 186 والهندي في كنز العمال ج 2 ص 576 والذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 6 .. وغيرهم .

وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج 4 ص 216 :

( قال أبو عمر إنما أراد أنس بهذا الحديث الأنصار . وقد جمع القرآن من المهاجرين جماعة منهم علي وعثمان وابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص وسالم مولى أبي حذيفة أخرجه الثلاثة ) .

وقال الدكتور صبحي الصالح في كتابه مباحث في علوم القرآن ص 66 :

( والسيوطي في الإتقان يذكر بعض هؤلاء القراء بأسمائهم التي وردت في كتاب القراءات المنسوب الى أبي عبيد ، فيفهم منه أن أبا عبيد ( عد من المهاجرين الخلفاء الأربعة ، وطلحة ، وسعداً ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وسالماً ، وأبا هريرة ، وعبدالله بن السائب ، والعبادلة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، ومن الأنصار عبادة بن الصامت ، ومعاذاً الذي يكنى أبا حليمة ، ومجمع بن جارية ، وفضالة بن عبيد ، ومسلمة بن مخلد . وقد صرح بأن بعضهم إنما كمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

وهؤلاء الذين عدهم القاسم بن سلام من المهاجرين والأنصار وأمهات المؤمنين ليسوا إلا طائفة من الأصحاب الذين جمعوا كتاب الله في صدورهم ( ... ) وتيسر لهم أن يعرضوه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فكانوا بذلك تلامذة له وكان شيخاً لهم . لكن الذين حفظوا القرآن من الصحابة من غير أن يعرضوه على الرسول لا يحصون عدداً ، ولا سيما إذا أدخلنا في عدادهم من لم يكمل له الجمع إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . وفي مقدمة ( طبقات القراء ) للحافظ الذهبي ما يبين ذلك ، وأن هذا العدد هم الذين عرضوه على النبي صلى الله عليه وسلم واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه منهم ولم يتصل بنا سندهم فكثير ) انتهى .

ونحن نكتفي بذكر نماذج من هؤلاء الذين جمعوا القرآن وكتبوه ، والذين يصر بعض علماء إخواننا السنة على تسميتهم بالحفاظ فقط ، حتى تبقى فضيلة كتابة القرآن لغيرهم .. ونلفت الى أن الحافظ لكتاب يحتاج الى نسخته ليحفظ منها ، ومن النادر أن يحفظ شخص كتاباً من 400 صفحة بدون تكرار قراءة نسخته ! ولو كان حفظ هؤلاء الحفاظ عن طريق تكرار السماع من حافظ آخر لورد ذكر للحافظ الذي حَفَّظَ فلاناً أو فلاناً بتكرار القرآن عليه حتى حفظه ! مع أنه لم يرد شئ من ذلك !

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 312 :

( وعن عامر الشعبي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة من الأنصار زيد بن ثابت وأبوزيد ومعاذ بن جبل وأبوالدرداء وسعد بن عبادة وأبيّ بن كعب وكان جارية بن مجمع قد قرأه إلا سورة أو سورتين . رواه الطبراني مرسلاً وفيه إبراهيم بن محمد بن عثمان الحضرمي ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح ) .

ونحوه في كنز العمال ج2 ص 589 وأسد الغابة ج 1 ص 263 وج 4 ص 303 وتهذيب التهذيب ج 10 ص 43 .

وقال في مجمع الزوائد ج 9 ص 402 :

( عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان سعد بن عبيد يسمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاري . رواه الطبراني مرسلاً ورجاله رجال الصحيح ) .

وقال الطبري في تاريخه ج 2 ص 408 :

( قال الواقدي : في هذه السنة قدم جرير بن عبدالله البجلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً في رمضان فبعثه رسول الله الى ذى الخلصة فهدمها . قال وفيها قدم وبر بن يحنس على الأبناء باليمن يدعوهم الى الإسلام فنزل علي بنات النعمان بن بزرج فأسلمن ، وبعث الى فيروز الديلمي فأسلم ، والى مركبود وعطاء ابنه ووهب بن منبه وكان أول من جمع القرآن بصنعاء ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه . قال وفيها أسلم باذان وبعث الى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه ) .

وقال البلاذري في فتوح البلدان ص 210 :

( قال ابن الكلبي : عمير بن سعد عامل عمر هو عمير بن سعد بن شهيد بن عمرو أحد الأوس . وقال الواقدي : هو عمير بن سعد بن عبيد ، وقتل أبوه سعد يوم القادسية. وسعد هذا هو الذي يروي الكوفيون أنه أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى عليه وسلم ) .

وقال ابن الأثير في أسد الغابة ج 3 ص 333 :

( عبد الواحد غير منسوب أخرجه الباطرقاني في طبقات المقرئين روى ابن وهب عن خلاد بن سليمان ، قال وكان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعبدالله بن مسعود ... قال أبوزرعة : عبدالواحد لم ينسب ، وخلاد مصري ) .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج 7 ص 72 :

( عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري المازني شهد العقبة وبدراً ، وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك ، وقتل يومئذ ، وله حديث قال : قلت يا رسول الله في كم أقرأ القرآن ؟ قال : في خمس عشرة الحديث ، قال شيخنا أبو عبدالله الذهبي : ففيه دليل على أنه ممن جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

وقال في كنز العمال ج 13 ص 628 :

( عن الوليد بن عبدالله بن جميع قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث الأنصاري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدراً قالت له: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال : إن الله مهد لك شهادة ، فكان يسميها الشهيدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن... ـ ابن سعد وابن راهويه ، حل ، ق ، وروى د بعضه) .

وقال السمعاني في الأنساب ج 2 ص 134 :

( الجهني : بضم الجيم وفتح الهاء وكسر النون في آخرها ، هذه النسبة الى جهينة وهي قبيلة من قضاعة ... ومنهم ... عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهني ، شهد فتح مصر واختط بها وولي الجند بمصر ... توفي بمصر سنة ثمان وخمسين، وقبر في مقبرتها بالمقطم ، وكان يخضب بالسواد ، وكان عقبة قارئاً عالماً بالفرائض والفقه ، وكان فصيح اللسان شاعراً ، وكان له السابقة والهجرة ، وكان كاتباً ، وكان أحد من جمع القرآن ومصحفة بمصر الى الآن بخطه ، رأيته عند علي بن الحسن بن قديد على غير التأليف الذي في مصحف عثمان ، وكان في آخره : وكتب عقبة بن عامر بيده ، ورأيت له خطاً جيداً ، ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون إنه مصحف عقبة لا يشكون فيه ، وروى عن رسول الله حديثاً كثيراً ) . ونحوه في تهذيب التهذيب ج 7 ص 216

وقال في تعجيل المنفعة ص 140 :

( زهير بن قيس البلوى عن علقمة بن رمثة البلوي وعنه سويد ابن قيس ... وشهد فتح مصر وقتل ببرقة سنة ست وسبعين شهيداً . قال وكان سبب قتله أن الروم نزلوا ببرقة فأمره عبد العزيز بن مروان أن ينهض إليهم وكان عبد العزيز عليه واجداً لأنه كان عامل أيلة فقاتل عبد العزيز لما دخل أبوه مصر ، فدار بينهما كلام فقال له عبدالعزيز إنك جلف جاف ! فقال له زهير : يابن ليلى أتقول لرجل جمع القرآن قبل أن يجتمع أبواك ؟! وهو ذا أمر لا ردني الله إليك ومضى معه على البريد فالتقى بالروم واستشهد هو ومن معه كلهم . وذكره ابن أبي حاتم ومن قبله البخاري ولم يذكرا فيه جرحاً ) .

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 5 ص 98 :

( عبادة بن الصامت بن قيس ... أحد النقباء ليلة العقبة . شهد بدراً فما بعدها ... وقال محمد بن كعب القرظي هو أحد من جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في تاريخه الصغير . قال وأرسله عمر الى فلسطين ليعلم أهلها القرآن فأقام بها الى أن مات . وقال ابن سعد عن الواقدي عن يعقوب بن مجاهد عن عبادة عن أبيه مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن 72 سنة ) انتهى .

هذه الأدلة التي يمكن أن يضاف إليها غيرها حتى تبلغ خمسين دليلاً .. يكفي بعضها لإثبات أنه لم تكن توجد مشكلة عند المسلمين اسمها جمع القرآن !!

ولكن الباحثين في أمور القرآن وعلومه من إخواننا السنة يريدون منا أن نغمض عيوننا عن أدلة وجود نسخ القرآن وانتشارها في عهد النبي(ص) وعهد أبي بكر وعمر .. مع أن الإسلام بلغ مناطق واسعة من الشرق والغرب ، وأقبلت الشعوب من ورثة الحضارة الفارسية والرومانية على قراءة القرآن ودراسته .. وكان في كل مدينة وربما في كل قرية من يقرأ ويكتب ويريد نسخة من القرآن المنزل على النبي الجديد .. بل كانت الرغبة والتعطش لسماع القرآن وتعلمه وقراءته موجة عارمة في شعوب كل البلاد المفتوحة ، حتى أولئك الذين لا يعرفون العربية !!

يريدون منا أن نغمض عيوننا عن هذا الواقع وأن نقبل بدله نصوصاً قالت إن نسخة القرآن كانت تواجه خطر الضياع ، لأنها كانت مكتوبة بشكل بدائي ساذج على .. العظام وصفائح الحجارة وسعف النخل .. الخ . وأن الدولة شمرت عزيمتها ونهضت لإنقاذ كتاب الله من الضياع والإندثار.. وشكلت لجنة تاريخية ، بذلت حهوداً مضنية في جمع القرآن.. حتى أنها استعطت آياته وسوره من الناس استعطاء على باب المسجد!

لا بأس أن نمدح الصحابة وجهودهم لخدمة الدين والقرآن .. لكن بالمعقول ، فالمدح غير المعقول ابن عم الذم !!

ولا بأس أن نمدح الصحابة وجهودهم لخدمة الدين والقرآن .. لكن بشرط أن لا نوهن الدين والقرآن والرسول(ص) !

والنتيجة : أن العقل والنصوص تقول لنا : لم تكن مشكلة في نَسْخِ القرآن ونشره ، بل كانت نُسَخُهُ مُيَسَّرَةً والمصاحف منتشرة ..

ونصوص أخرى تقول : بل كانت توجد مشكلة .. وقد نهض الخلفاء أبو بكر وعمر لحلها .

حسناً .. لننظر ماذا كانت المشكلة ..؟!




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335782

  • التاريخ : 28/03/2024 - 17:40

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net