00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة البقرة من آية 216 ـ 228 ( من ص 102 ـ 158 ) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثاني)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

الآيـة

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216)

التّفسير

التضحية بالنفس والمال :

الآية السابقة تناولت مسألة الإنفاق بالأموال، وهذه الآية تدور حول التضحية بالدم والنفس في سبيل الله، فالآيتان يقترن موضوعهما في ميدان التضحية والفداء، فتقول الآية (كُتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم).

التعبير بكلمة (كُتِب) إشارة إلى حتميّة هذا الأمر الإلهي ومقطوعيّته.

(كُره) وإن كان مصدراً، إلاّ أنّه استُعمل هنا باسم المفعول يعني مكروه، فالمراد من هذه الجملة أنّ الحرب مع الأعداء في سبيل الله أمر مكروه وشديد على الناس العاديّين، لأنّ الحرب تقترن بتلف الأموال والنفوس وأنواع المشقّات والمصائب، وأمّا بالنّسبة لعشّاق الشّهادة في سبيل الحقّ ومن له قدم راسخ في المعركة

(102)

فالحرب مع أعداء الحقّ بمثابة الشراب العذب للعطشان، ولاشكّ في أنّ حساب هؤلاء يختلف عن سائر الناس وخاصّةً في بداية الإسلام.

ثمّ تشير هذه الآية الكريمة إلى مبدأ أساس حاكم في القوانين التكوينيّة والتشريعيّة الإلهيّة وتقول : (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم).

وعلى العكس من تجنّب الحرب وطلب العافية وهو الأمر المحبوب لكم ظاهراً، إلاّ أنّه (وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شر لكم).

ثمّ تضيف الآية وفي الختام (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فهنا يؤكّد الخالق جلّ وعلا بشكل حاسم أنّه لا ينبغي لأفراد البشر أن يحكّموا أذواقهم ومعارفهم في الاُمور المتعلّقة بمصيرهم، لأنّ علمهم محدود من كلّ جانب ومعلوماتهم بالنّسبة إلى مجهولاتهم كقطرة في مقابل البحر، وكما أنّ الناس لم يُدركوا شيئاً من أسرار الخِلقة في القوانين التكوينيّة الإلهيّة، فتارةً يهملون شيئاً ولا يعيرونه اهتماماً في حين أنّ أهميّته وفوائده في تقدّم العلوم كبيرة، وهكذا بالنسبة إلى القوانين التشريعيّة فالإنسان لا يعلم بكثير من المصالح والمفاسد فيها، وقد يكره شيئاً في حين أنّ سعادته تكون فيه، أو أنّه يفرح لشيء ويطلبه في حين أنّه يستبطن شقاوته.

فهؤلاء النّاس لايحقّ لهم مع الإلتفات إلى علمهم المحدود أن يتعرضوا على علم الله اللاّمحدود ويعترضوا على أحكامه الإلهيّة، بل يجب أن يعلموا يقيناً أنّ الله الرّحمن الرحيم حينما يُشرّع لهم الجهاد والزكاة والصوم والحجّ فكلّ ذلك لما فيه خيرهم وصلاحهم.

ثمّ أنّ هذه الحقيقة تعمق في الإنسان روح الإنضباط والتسليم أمام القوانين الإلهيّة وتؤدي إلى توسعة آفاق إدراكه إلى أبعد من دائرة محيطه المحدود وتربطه

(103)

بالعالم اللاّمحدود يعني علم الله تعالى.

* * *

بحوث

1 ـ لماذا كان الجهاد مكروهاً

وهنا يمكن أن يُطرح هذا السؤال وهو أنّ الجهاد الّذي هو أحد أركان الشّريعة المقدّسة والأحكام الإلهيّة كيف أصبح مكروهاً في طبع الإنسان مع أنّنا نعلم أنّ الأحكام الإلهيّة اُمور فطريّة وتتوافق مع الفطرة، فالمفروض على الاُمور المتوافقة مع الفطرة أن تكون مقبولة ومطلوبة ؟

في الجواب عن هذا السؤال يجب الإلتفات إلى هذه النقطة، وهي أنّ المسائل والاُمور الفطريّة تتناغم وتوافق مع طبع الإنسان إذا اقترنت بالمعرفة، مثلاً الإنسان يطلب النّفع ويتجنّب الضرر بفطرته، ولكنّ هذا يتحقّق في موارد أن يعرف الإنسان مصاديق النفع والضرر بالنّسبة له، فلو اشتبه عليه الأمر في تشخيص المصداق ولم يُميّز بين الموارد النافعة من الضّارة، فمن الواضح أنّ فطرته ونتيجة لهذا الإشتباه سوف تكره الأمر النافع، والعكس صحيح.

وفي مورد الجهاد نجد أنّ الأشخاص السطحيّين لا يرون فيه سوى الضرب والجرح والمصائب، ولهذا قد يكون مكروهاً لديهم وأمّا بالنسبة إلى الأفراد الّذين ينظرون إلى أبعد من هذا المدى المحدود فإنهم يعلمون أنّ شرف الإنسان وعظمته وافتخاره وحريّته تكمن في الإيثار والجهاد، وبذلك يرحّبون بالجهاد ويستقبلوه بفرح وشوق، كما هو الحال في الأشخاص الّذين لا يعرفون آثار الأدوية المرّة والمنفرّة، فهم في أوّل الأمر يظهرون عدم رغبتهم فيها، إلاّ أنّهم بعد أن يروا

(104)

تأثيرها الإيجابي في سلامتهم ونجاتهم من المرض، فحين ذاك يتقبّلوا الدّواء برحابة صدر.

2 ـ القانون الكلّي

ما ورد في الآية الشريفة آنفاً لا ينحصر بمسألة الجهاد والحرب مع الأعداء، بل أنّ الآية تكشف عن قانون كلّي وعام، وهو أنّ الآية تجعل من جميع الشدائد والمصاعب في سبيل الله سهلة وميسورة ولذيذة للإنسان بمقتضى قوله تعالى (والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

فعلم الله تعالى ورحمته ولطفه لعباده يتجلّى في كلّ أحكامه المقدّسة فيرى ما فيه نجاتهم وسعادتهم، وعلى هذا الأساس يستقبل المؤمنون هذه الأوامر والأحكام الإلهيّة فيعتبروها كالأدوية الشافية لهم ويطبّقونها بمنتهى الرضا والقبول.

* * *

(105)

الآيتان

يَسْئلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرُ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَـاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَـاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئكَ حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأُوْلَئكَ أَصْحَـابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ (217)إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجـاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (218)

سبب النّزول

قيل إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سرية(1) من المسلمين وأمر عليهم عبدالله

_____________________________

1 ـ السرية : هي الحرب الإسلامية التي لم يشترك فيها رسول الله (ص)، وقيل إنّها مجموعة من الجيش تتكون من 5 إلى 300 رجل.

   والسرية من «السري» أي الشيء النفيس، وإنّما سمّيت بذلك لأن أفرادها ممتازون.
   وقال المطرزي : السرية من «السرى» وهو المشي ليلاً، لأنّ هذه المجموعة كانت تستتر بالليل في حركتها، وذهب إلى ذلك أيضاً ابن حجر في الملتقطات.

(106)

ابن جحش الأسدي ـ وهو ابن عمّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وذلك قبل بدر بشهرين، على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم النبيّ المدينة، فانطلقوا حتّى هبطوا نخلة ـ وهي أرض بين مكّة والطائف ـ فوجدوا بها عمرو بن الحضرميّ في قافلة تجارة لقريش في آخر يوم من جمادي الأخرة، وكانوا يرون أنه من جمادي وهو رجب ـ من الأشهر الحرم ـ فاختلف المسلمون أيقتلون الحضرميّ ويغنمون ماله، لعدم علمهم بحلول الشهر الحرام، أم يتركونه احتراماً لحرمة شهر رجب، وانتهى بهم الأمر أن شدّوا على الحضرميّ فقتلوه وغنموا ماله، فبلغ ذلك كفّار قريش فطفقوا يعيّرون المسلمين ويقولون إنَّ محمّداً أحلّ سفك الدماء في الأشهر الحرم، فنزلت الآية الاُولى.

ثمّ نزلت الآية الثانية حين سأل عبدالله بن جحش وأصحابه عمّا إذا كانوا قد أدركوا أجر المجاهدين في انطلاقتهم أو لا (1) ؟ !

التّفسير

القتال في الأشهر الحُرُم :

كما مرّ بنا في سبب النّزول ويُشير إلى ذلك السياق أيضاً فإنّ الآية الاُولى تتصدّى للجواب عن الأسئلة المرتبطة بالجهاد والإستثنائات في هذا الحكم الإلهي فتقول الآية (يسألونك عن الشهر الحرام قتالٌ فيه) ثمّ تُعلن الآية حرمة القتال وأنّه من الكبائر (قل قتال فيه كبير) أي إثم كبير.

وبهذا يُمضي القرآن الكريم بجديّة السنّة الحسنة الّتي كانت موجودة منذ قديم الأزمان بين العرب الجاهليّين بالنسبة إلى تحريم القتال في الأشهر الحُرم

1 ـ سيرة ابن هشام : ج 2 ص 252.

(107)

 (رجب، ذي القعدة، ذي الحجّة، محرم).

ثمّ تضيف الآية أنّ هذا القانون لا يخلوا من الإستثنائات، فلا ينبغي السّماح لبعض المجموعات الفاسدة لإستغلال هذا القانون في إشاعة الظلم والفساد، فعلى الرّغم من أنّ الجهاد حرام في هذه الأشهر الحُرم، ولكنّ الصد عن سبيل الله والكفر به وهتك المسجد الحرام وإخراج الساكينن فيه وأمثال ذلك أعظم إثماً وجرماً عند الله (وصدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)(1).

ثمّ تضيف الآية بأنّ إيجاد الفتنة والسعي في إضلال الناس وحرفهم عن سبيل الله ودينه أعظم من القتل (والفتنة أكبر من القتل) لأنّ القتل ما هو إلاّ جناية على جسم الإنسان، والفتنة جناية على روح الإنسان وإيمانه(2)، ثمّ إنّ الآية تحذّر المسلمين أن لا يقعوا تحت تأثير الإعلان الجاهلي للمشركين، لأنّهم لا يقنعون منكم إلاّ بترككم لدينكم إن استطاعوا (ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا).

فينبغي على هذا الأساس أن تقفوا أمامهم بجزم وقوّة ولا تعتنوا بوسوساتهم وأراجيفهم حول الأشهر الحُرم، ثمّ تُنذر الآية المسلمين وتحذّرهم من الإرتداد عن دين الله (ومن يرتدد منكم عن دينه فيُمت وهو كافر فاُولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة واُولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).

فما أشدَّ عقاب المرتد عن الإسلام، لأنّ ذلك يُبطل كلّما قدّمه الفرد من عمل صالح ويستحق بذلك العذاب الإلهي الأبدي.

ومن الواضح أنّ الأعمال الصّالحة لها آثار طيّبة في الدنيا والآخرة،

_____________________________

1 ـ «صدٌّ» مبتدأ، «كفر» و «اخراج أهله» معطوف عليه، و «اكبر» خبرها وهو ما ذهب إليه الطبرسي في «مجمع البيان» والقرطبي في تفسير «الجامع».

2 ـ قدمنا بحثاً مفصلاً عن معنى «الفتنة» في ذيل الآية (191) من هذه السورة المبحوثة.

(108)

والمرتدّون سوف يُحرمون من هذه البركات بسبب إرتدادهم، مضافاً إلى محو جميع معطيات الإيمان الدنيويّة للفرد حيث تنفصل عنه زوجته وتنتقل أمواله إلى ورثته فور إرتداده.

الآية التالية تشير إلى النقطة المقابلة لهذه الطائفة، وهم المؤمنون المجاهدون وتقول : (إنّ الّذين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اُولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم).

أجل، فهذه الطائفة الّتي يتحلّى أفرادها بهذه الصّفات الثلاث المهمّة (الإيمان والهجرة والجهاد) قد يرتكبون خطأً بسبب جهلهم وعدم أطّلاعهم (كما صدر ذلك من عبدالله بن جحش الوارد في سبب النزول) إلاّ أنّ الله تعالى يغفر لهم زلّتهم بلطفه ورحمته(1).

* * *

بحث

الإحباط والتكفير :

(حبط) في الأصل كما يقول الراغب في مفرداته بمعنى أنّ الحيوان قد يأكل كثيراً حتّى تنتفخ بطنه، وبما أنّ هذه الحالة تؤدّي إلى فساد الغذاء وعدم تأثيره الإيجابي في الحيوان استُعملت هذه الكلمة بمعنى البطلان وذهاب الأثر، ولذلك ورد في معجم مقاييس اللّغة أنّ معنى هذه الكلمة هو البطلان، ومن ذلك ما ورد في آية (16) من سورة هود حيث أوردت هذه الكلمة مساوقة للبطلان (اُولئك الّذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون).

_____________________________

1 ـ أشرنا إلى معنى «المرتد الفطري والحلي» في ذيل الآية (106) من سورة النحل، وسيأتي الكلام عنه في ذيل الآية (89) من سورة آل عمران من هذا المجلد.

(109)

وأمّا (الإحباط) فكما يقول علماء العقائد والمتكلّمون أنّها تعني إبطال ثواب الأعمال السابقة بسبب ارتكاب الذنوب اللاّحقة، ويقابله «التكفير» بمعنى زوال العقوبات وآثار الذنوب السابقة بسبب الأعمال الصالحة بعد ذلك.

وهناك بحث بين علماء العقائد في صحّة الإحباط والتكفير بالنّسبة لثواب الأعمال الصالحة وعقوباتها وعقاب الأعمال الطالحة والمشهور بين المتكلّمين الإماميّة كما يقول العلاّمة المجلسي هو بطلان الإحباط والتكفير، غاية الأمر إنهم يرون أنّ تحقق الثواب مشروط أن يستمر الإنسان على إيمانه في الدنيا إلى النهاية، والعقاب مشروط كذلك بأن يرحل من هذه الدنيا بدون توبة، ولكنّ العلماء المعتزلة يعتقدون بصحّة الإحباط والتفكير بالنّظر إلى ظواهر بعض الآيات والروايات(1).

ويرى الخواجة نصر الدين الطوسي في كتاب ( تجريد العقائد) بطلان القول بالإحباط، واستدلّ على ذلك بالدليل العقلي والنقلي، أما الدليل العقلي فهو أنّ الإحباط نوع من الظلم (لأنّ الشخص الّذي قلّت حسناته وكثرت ذنوبه سيكون بعد الإحباط بمنزلة من لم يأت بعمل حسن إطلاقاً وهذا نوع من الظلم بحقّه)، وأمّا الدليل النقلي فالقرآن يصرّح (فمن يعلم مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره)(2)(3).

بعض علماء المعتزلة مثل (أبوهاشم) ذهب إلى إقتران الإحباط والتكفير بشكل متوازن، بهذا المعنى أنّه جمع بين العقاب والثواب في ميزان واحد وبعد حدوث الكسر والإنكسار بينهما يتمّ الحصول على النتيجة النهاية.

ولكنّ الحقّ هو أنّ الإحباط والتكفير من الاُمور الممكنة، ولا تستلزم الظلم

_____________________________

1 ـ بحار الأنوار : ج 5 ص 332.

2 ـ الزلزلة : 7 و 8 .

3 ـ تجريد العقائد : ص 327.

(110)

مطلقاً، وتدل على ذلك الآيات والرّوايات الصّريحة، والظاهر أنّ ما ذهب إليه المنكرون هو نوع من الإلتباس اللّفظي.

وتوضيح ذلك : تارةً يعمل الإنسان سنوات طويلة بمشّقة كبيرة ويُنفق رأس مال كثير، ولكنّه قد يخسر كلّ تلك الأفعال بخطأ بسيط، فهذا يعني أنّ حسناته السابقة قد اُحبطت، وعلى العكس من ذلك فيما لو كان قد خسر كثيراً في السابق لإرتكابه بعض الأخطاء والحماقات، ولكنّه يجبر ذلك بعمل عقلائيٍّ واحد، فهذا نوع من أنواع التكفير (التكفير نوع من أنواع التغطية والجبران) وكذلك يصدق هذا الأصل في المسائل المعنوية أيضاً.

* * *

(111)

الآيتان

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الاَْيَـاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)فِي الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَـامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ اللهُ لاََعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)

سبب النّزول

قيل في سبب نزول الآية الاُولى أنّ جماعة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حكم الخمر الّذي يُذهب بالعقل، والميسر الّذي يُبدّل المال، فنزلت الآية.

وعن سبب نزول الآية الثانية فقد ورد في تفسير القمّي عن إمام الصادق (عليه السلام)وفي مجمع البيان عن ا بن عباس أنّه لمّا نزلت الآية (ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن)(1)والآية (إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم

_____________________________

1 ـ الاسراء : 34.

(112)

ناراً وسيصلون سعيراً)(1)تخلّى الناس عن اليتامى، وعمد بعضهم على إخراج اليتيم من بيته، واُولئك الّذين احتفظوا بهم في بيوتهم عزلوا طعامهم عن طعام اليتيم، وجعلوا لا يجالسونهم على مائدة واحدة ولا يستفيدون ممّا بقي من طعامهم، بل يحتفظون به له لوجبات اُخرى، فإن فَسِد يلقونه، كلّ ذلك ليتخلّصوا من أكل مال اليتامى، واشتدّ ذلك على اليتامى وعلى من يرعاهم، فجاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبرونه بذلك، فنزلت الآية.

التّفسير

الجواب على أربعة أسئلة :

الآية الاُولى تُجيب عن سؤالين حول الخمر والقمار (يسألونك عن الخمر والميسر).

(الخمر) في اللّغة بقول الرّاغب بمعنى الغطاء وكلّ ما يُخفي شيئاً وراءه هو (خمار) بالرّغم من أنّ الخِمار يُستعمل في الإصطلاح لغطاء الرّأس بالنسبة للمرأة.

وفي معجم مقاييس اللّغة ورد أنّ الأصل في كلمة (الخمر) هو الدلالة على التغطية والإختلاط الخفي وقيل للخمر خمر، لأنّه سبب السكر الّذي يغطي على عقل الإنسان ويسلبه قدرة التمييز بين الحسنة والقبيح.

أمّا في الإصطلاح الشرعي فيأتي (الخمر) بمعنى كلّ مايع مسكر، سواء اُخذ من العنب أو الزبيب أو التمر أو شيء آخر، بالرّغم من أنّ الوارد في اللّغة أسماء مختلفة لكلّ واحد من أنواع المشروبات الكحوليّة.

(الميسر) من مادّة (اليُسر) وإنّما سمّي بذلك لأنّ المُقامر يستهدف الحصول على ثروة بيُسر ودون عناء.

ثمّ تقول الآية في الجواب (قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما).

_____________________________

1 ـ النساء : 10.

(113)

ومع الإلتفات إلى أنّ المجتمع الجاهلي كان غارقاً في الخمر والقمار، ولذلك جاء الحكم بتحريمهما بشكل تدريجي وعلى مراحل، كما نرى من اللّين والمداراة والاُسلوب الهاديء في لحن الآية إنّما هو بسبب ما ذكرناه.

في هذه الآية وردت مقايسة بين منافع الخمر والميسر وأضرارهما وأثبتت أنّ ضررهما وإثمهما أكثر من المنافع، ولاشكّ أنّ هناك منافع ماديّة للخمر والقمار أحياناً يحصل عليها الفرد عن طريق بيع الخمر أو مزاولة القمار، أي تلك المنفعة الخياليّة الّتي تحصل من السكر وتخدير العقل والغفلة عن الهموم والغموم والأحزان، الإّ أنّ هذه المنافع ضئيلة جدّاً بالنسبة إلى الأضرار الأخلاقيّة والإجتماعيّة والصحيّة الكثيرة المترتّبة على هذين الفعلين.

وبناءً على ذلك، فكلّ إنسان عاقل لا يقدم على الإضرار بنفسه كثيراً من أجل نفع ضئيل.

(الإثم) كما ورد في معجم مقاييس اللّغة أنّه في الأصل بمعنى البُطىء والتأخّر، وبما أنّ الذنوب تُؤخّر الإنسان عن نيل الدّرجات والخيرات، ولذلك اُطلقت هذه الكلمة عليها، بل أنّه ورد في بعض الآيات القرآنية هذا المعنى بالذّات من كلمة الإثم مثل ( وإذا قيل له اتّقِ الله أخذته العزّة بالإثم)(1) أي أنّ الغرور والمقامات الموهومة تؤخّره عن الوصول إلى التّقوى.

وعلى كلّ حال، فالمراد من الإثم هو كلّ عمل وشيء يُؤثّر تأثيراً سلبيّاً في روح وعقل الإنسان ويُعيقه عن الوصول إلى الكمالات والخيرات، فعلى هذا يكون وجود (الإثم الكبير) في الخمر والقمار دليل على التأثير السلبي لهما في وصول الإنسان إلى التقوى والكمالات المعنويّة والإنسانيّة الّتي سوف يأتي شرحها.

السؤال الثالث المذكور في الآية محلّ البحث هو السؤال عن الإنفاق فتقول الآية (ويسألونك ماذا يُنفقون قل العفو).

_____________________________

1 ـ البقرة : 206.

(114)

ورد في تفسير «الدّر المنثور» في شأن نزول هذه العبارة من الآية عن ابن عبّاس أنّ المسلمين سألوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند نزول آيات الحثّ على الإنفاق : ماذا يُنفقون ؟ أيُنفقون كلّ أموالهم أم بعضها ؟ فنزلت الآية لتأمر برعاية (العفو)(1).

ولكن ما المراد من «العفو» في الآية ؟

(العفو) في الأصل ـ كما يقول الرّاغب في المفردات ـ بمعنى القصد إلى أخذ شيء، أو بمعنى الشيء الّذي يُؤخذ بسهولة، وبما أنّ هذا المعنى واسع جدّاً ويُطلق على مصاديق مختلفة منها : المغفرة والصفح وإزالة الأثر. الحد الوسط بين شيئين. المقدار الإضافي لشيء. وأفضل جزء من الثروة. فالظاهر أنّ المعنى الأوّل والثاني لا يتناسب مع مفهوم الآية، والمراد هو أحد المعاني الثلاثة المتأخّرة، يعني رعاية الحد الوسط في الإنفاق، أو إنفاق المقدار الزائد عن الحاجة، أو إنفاق القسم الجيّد للأموال وعدم بذل الحصّة الرخيصة والعديمة النفع من المال.

وهذا المعنى وارد أيضاً في الروايات الإسلاميّة في تفسير هذه الآية، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : العفو الوسط(2) (أي أنّ المراد من العفو في الآية أعلاه هو الحد الوسط).

وورد في تفسير علي بن إبراهيم (لا إقتار ولا إسراف)(3).

وفي مجمع البيان عن الإمام الباقر (عليه السلام) (العفو ما فضل عن قوت السّنة)(4).

ويُحتمل أيضاً أن يكون العفو في الآية (وإن لم أجده في كلمات المفسّرين) هو المعنى الأوّل، أي الصفح عن أخطاء الآخرين، وبذلك يكون معنى الآية الكريمة : أنفقوا الصفح والمغفرة فهو أفضل الإنفاق.

ولايبعد هذا الإحتمال لو أخذنا بنظر الإعتبار أوضاع شبه جزيرة العربيّة

_____________________________

1 ـ الدر المنثور : ج 1 ص 253.

2 و 3 ـ نور الثقلين : ج 1 ص 210.

4 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 316.

(115)

عامّة وخاصّة مكّة والمدينة محل نزول القرآن من حيث هيمنة روح التنافر والعداء والحقد بين الناس، وخاصّة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو النموذج الكامل لهذا المعنى، كما أعلن العفو العامّ عن مشركي مكّة الّذين هم أشدّ الناس عداوة للإسلام والمسلمين، والجواب بهذا المعنى لا يتنافى مع سؤالهم بشأن الإنفاق المالي، لأنّهم قد يسألون عن موضوع كان ينبغي أن يسألوا عن أهم منه، والقرآن يستثمر فرصة سؤالهم المعبّر عن استعدادهم للسّماع والقبول ليجيبهم بما هو أهم وألزم، وهذا من شؤون الفصاحة والبلاغة حيث يترك سؤالهم ليتناول موضوعاً أهم. ولايوجد تعارض بين هذه التفاسير، فيمكن أن تكون مرادة بأجمعها من مفهوم الآية.

وأخيراً يقول تعالى في ختام الآية : (كذلك يُبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون).

ويذكر بدون فصل في الآية التالية المحور الأصلي للتفكّر ويقول (في الدنيا والآخرة).

أجل، يجب أن تكون جميع نشاطات الإنسان الماديّة والمعنوية في الحياة مشفوعة بالفكر والتدبّر، ويتّضح من هذه العبارة أمران :

الأوّل : إنّ الإنسان إضافة إلى وجوب التسليم أمام أوامر الله يجب أن يُطيع هذه الأوامر عن تفكّر وتعقّل لا عن اتّباع أعمى، وبعبارة اُخرى على الإنسان المؤمن أن يعي أسرار الأحكام وروحها ليس فقط في مجال تحريم الخمر والقمار، بل في جميع المجالات ولو إجمالاً.

ولايعني هذا الكلام أنّ إطاعة الأحكام الإلهيّة مشروطة بإدراك فلسفتها وحكمتها، بل المراد أنّ الإنسان يجب عليه بموازاة الطّاعة العمليّة أن يسعى إلى فهم أسرار وروح الأحكام الإلهيّة.

الثاني : أنّ على الإنسان أن لا يحصر تفكيره في عالم المادّة وحده أو عالم

(116)

المعنى وحده، بل عليه أن يفكّر في الإثنين معاً، لأنّ الدنيا والآخرة مرتبطتان وكلّ خلل في أحدهما يخلُّ بالآخر، وأساساً لا يُمكن أن يؤدي أحدهما إلى رسم صورة صحيحة عن الواقعيّات في هذا العالم، لأنّ كلاًّ منهما هو قسم من هذا العالم، فالدنيا هي القسم الأصغر والآخرة القسم الأعظم، فمن حصر فكره في أحدهما فإنّه لا يمتلك تفكيراً سليماً عن العالم.

ثمّ تذكر الآية السؤال الرابع وجوابه وتقول : (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم)(1).

وعلى هذا الأساس فالقرآن يوصي المسلمين بعدم إهمال اليتامى، فإنّ الإعراض عن تحمّل مسؤوليتهم وتركهم وشأنهم أمرٌ مذموم، فالأفضل أن يتقبّلوا المسؤوليّة ويُصلحوا أمر اليتامى وإن اختلطت معيشتهم بمعيشتكم فعاملوهم معاملة الأخ لأخيه، فلا حرج في الاختلاط الأموال إذا كان الدافع هو الإصلاح.

ثمّ تضيف الآية (والله يعلم المفسد من المصلح) أجل، إنّ الله مطلّع على نيّاتكم ويعلم من يقصد السوء بالاستفادة من أموال اليتامى ليحيف عليهم ومن هو مخلص لهم.

والفقرة الأخيرة من الآية تؤكّد بأنّ الله تعالى قادر على أن يُضيّق ويشدّد عليكم برعاية اليتامى مع فصل أموالهم عن أموالكم، لكنّ الله لا يفعل ذلك أبداً، لأنّه عزيز وحكيم، ولا داعي لأن يُضيّق على عباده (ولو شاء الله لاََعْنَتكم إنّ الله عزيز حكيم)(2).

* * *

_____________________________

1 ـ جملة شرطية، فيها محذوف وتقديره «لابأس به» أو «فلكم ذلك».

2 ـ «اعنتكم» من مادة «عنت» وفي الأصل بمعنى الوقوع في أمر مخوف، وعلى قول مقاييس اللغة أنه يعني كلّ أمر شاق. وعبارة «فاخوانكم» بمثابة الدليل على ذلك.

(117)

بحوث

1 ـ الترابط ببين الأحكام الأربعة

رأينا أنّ الآيتين أعلاه ذكرتا أربعة مسائل عن الخمر والقمار والانفاق والأيتام مع أجوبتها، ويمكن أن يكون ذكر هذه الأسئلة والأجوبة الأربعة مع بعضها لأنّ الناس كانوا مبتلين بهذه المسائل واقعاً، ولذلك كانوا يسألون الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الأسئلة تباعاً (مع الإلتفات إلى أنّ يسألونك فعل مضارع ويدلّ على الإستمرار).

ويُحتمل أنّ هذه المسائل ترتبط مع بعضها بإشتراكها في الاُمور الماليّة فالخمر والقمار هما سببٌ لتلف الأموال والإنفاق على العكس من ذلك سببٌ لنماء الأموال، وأمّا مسؤوليّة اليتامى فيمكن أن تكون مفيدة أو مخرّبة.

والآخر أنّ : الإنفاق له جنبة عموميّة شاملة وجنبة اُخرويّة، والخمر والقمار لهما طابع شخصي ومادّي مخرّب وإصلاح أمر اليتامى له جنبتين عموميّة وخصوصيّة، وبهذا الترتيب يكون مصداق للتفكّر في الدنيا والآخرة، ومن هنا يتّضح الإرتباط الوثيق بين الخمر والقمار، لأنّ كلاًّ منهما يؤدّي إلى تلف الأموال وفساد المجتمع وانتشار الأمراض البدنيّة والروحيّة.

2 ـ أضرار المشروبات الكحولية

ألف : أثر الكحول في العمر

ذكر أحد علماء الغرب المشهورين أنه لو كان عدد الوفيات بين الشباب المدمنين البالغة أعمارهم بين 21 إلى 23 سنة يصل إلى 51 شابّاً، فإنّ عدد الوفيات من غير المدمنين في تلك الأعمار لا يبلغ 10 أشخاص.

وقال عالم مشهور آخر : الشباب في سنّ العشرين الذين يتوقّع أن تطول

(118)

أعمارهم إلى خمسين عاماً، لا يعمّرون بسبب معاقرة الخمرة أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.

التجارب التي أجرتها شركات التأمين على الحياة أثبتت أنّ أعمار المدمنين على الكحول أقلّ من أعمار غيرهم بنسبة 25 ـ 30 بالمائة.

وتذكر إحصائيات أُخرى أنّ معدّل أعمار المدمنين على الكحول يبلغ حوالي 35 ـ 50 سنة، بينما معدّل العمر الإعتيادي مع رعاية القواعد الصحية يبلغ ستين عاماً فصاعداً.

ب : أثر الكحول على النسل

35 بالمائة من عوارض الإدمان الحادّة تنتقل إلى الوليد إذا كان أبوه ـ حين انعقاد النطفة ـ سكراناً، وإن كان الوالدان سكرانين فترتفع نسبة هذه العوارض إلى مائة في المائة. وهذه إحصائيات تبيّن آثار الإدمان على الجنين :

الأطفال الذين ولدوا قبل موعد ولادتهم الطبيعي : من أبوين مدمنين 45 بالمائة. ومن أُمّ مدمنة 31 بالمائة. ومن أب مدمن 17 بالمائة.

الأطفال الذين ولدوا وهم لا يحملون مقوّمات استمرار الحياة : من أب مدمن 6 بالمائة، ومن أمّ مدمنة 45 بالمائة.

الأطفال الذين لا يتمتّعون بطول طبيعي : من والدين مدمنين 75 بالمائة، ومن أمّ مدمنة 45 بالمائة.

وأخيراً الأطفال الذين يفتقدون القوّة العقلية والروحية الكافية : من أُمّهات مدمنات 75 بالمائة، ومن آباء مدنين 75 بالمائة أيضاً.

ج : أثر الكحول في الأخلاق

العاطفة العائلية في الشخص المدمن تضعف، ويقلّ انشداده بزوجته وأبنائه، حتّى يحدث أن يقدم المدمن على قتل أبنائه بيده.

(119)

د : أضرار الكحول الإجتماعية

حسب الإحصائيّة التي نشرها معهد الطب القانوني في مدينة (نيون) عام 1961، كانت الجرائم الإجتماعية للمدمنين على النحو التالي :

القتلة : 50 بالمائة، المعتدون بالضرب والجرح بين المدمنين : 8,77 بالمائة، السرقات بين المدمنين : 5,88 بالمائة، الجرائم الجنسية المرتبطة بالمدمنين : 8,88 بالمائة. هذه الإحصائيات تشير إلى أنّ الأكثرية الساحقة من الجرائم ترتكب في حالة السكر.

هـ : الأضرار الإقتصادية للمشروبات الكحوليّة

أحد علماء النفس المشهورين يقول : من المؤسف أنّ الحكومات تحسب ما تدر عليها المشروبات الكحولية من ضرائب، ولا تحسب الميزانية الضخمة التي تنفق لترميم مفاسد هذه المشروبات. فلو حسبت الحكومات الأضرار الناتجة من المشروبات الكحولية، مثل زيادة الأمراض الروحية، وإهدار الوقت والإصطدامات الناتجة عن السكر، وفساد الجيل، وانتشار روح التقاعس والتحلّل، والتخلّف الثقافي، والمشاكل التي تواجه رجال الشرطة ودور الحضانة المخصّصة لرعاية أبناء المخمورين، وما تحتاجه جرائم المخمورين من مستشفيات وأجهزة قضائيّة وسجون، وغيرها من الخسائر والأضرار الناتجة عن تعاطي الخمور، وقارنت هذه الخسائر بما تحصل عليه من ضرائب على هذه المشروبات لوجدت أنّ الأرباح تكاد تكون تافهة أمام الخسائر، هذا إضافة إلى أنّ الخسائر المؤسفة الناتجة عن المشروبات الكحولية لا يمكن حسابها بالدولار، لأنّ موت الأعزّاء وتشتّت العوائل وتبدّد الآمال وفقدان الأدمغة المفكّرة لا يمكن حسابه بالمال.

أضرار المشروبات الكحولية فظيعة للغاية، حتّى أنّ أحد العلماء قال : لو أنّ

(120)

الحكومة ضمنت لي غلق حانات الخمور لضمنت لها غلق نصف المستشفيات ودور المجانين.

ممّا تقدّم يتّضح بجلاء معنى الآية الكريمة بشأن الخمر، فلو كان في الخمرة فائدة تجارية، ولو كان السكران يحسب لحظات غفلته عن عمومه أثناء السكر فائدة له، فإنّ الأضرار التي تترتب عليها أكثر بكثير وأوسع دائرة وأبعد مدىً من فوائدها، حتّى لا يمكن المقارنة بين الاثنين.

3 ـ آثار القمار المشؤومة

أضرار القمار لا تخفى على أحد، ولمزيد من التوضيح نذكر باختصار جانباً من المآسي المترتّبة على هذه الظاهرة الخطرة :

الف: القمار أكبر عوامل الهياج والانفعال

يجمع علماء النفس على أنّ الهياج النفسي هو العامل الأساسي في كثير من الأمراض، مثل : نقص الفيتامينات، وقرحة المعدة، والجنون، والأمراض العصبية والنفسية الخفيفة والحادّة. والقمار أكبر عامل على إثارة الهياج، حتّى أنّ عالماً أمريكياً يقول : في أمريكا يموت ألفا شخص سنوياً نتيجة هياج القمار، وقلب لاعب البوكر «نوع من القمار» تزيد عدد ضرباته على مائة ضربة في الدقيقة، وقد يؤدّي القمار إلى سكتة قلبيّة ودماغيّة أيضاً، ومن المؤكّد أنّه يدفع إلى شيخوخة مبكّرة.

إضافة إلى ما سبق فإنّ المقامر ـ كما يقول العلماء ـ يصاب بتوتّر روحي، بل أنّ جميع أجهزة جسمه تصاب بحالة استثنائيّة، كأن يزداد ضربان القلب وتزداد نسبة السكّر في الدم، ويختلّ ترشّح الغدد الداخلية، ويشحب لون الوجه، وتقلّ الشهية، ويمرّ المقامر بعد اللعب بفترة حرب أعصاب وحالة أزمة نفسية، وقد يلجأ

(121)

إلى الخمور والمخدّرات لتهدئة أعصابه، فيزيد في الطين بلّة وتتضاعف بذلك أضرار القمار.

ويقول عالم آخر : المقامر إنسان مريض يحتاج إلى إشراف نفسي مستمر، ويجب تفهيمه بأنّ الفراغ الروحي هو الذي يدفعه لهذا العمل الشنيع، كي يتّجه لمعالجة نفسه.

ب : علاقة القمار بالجرائم

إحدى مؤسسات الإحصاء الكبرى ذكرت : أنّ 30 بالمائة من الجرائم ناتجة مباشرة عن القمار، و 70 بالمائة من الجرائم ناتجة بشكل غير مباشر عن القمار أيضاً.

ج : الأضرار الإقتصادية للقمار

الملايين بل المليارات من ثروات الأفراد تبدّد سنوياً على هذا الطريق، إضافة إلى المقدار الهائل من الوقت ومن الطاقات الإنسانية.

وجاء في أحد التقارير : في مدينة «مونت كارلو» حيث توجد أكبر دور القمار في العالم، خسر شخص خلال مدّة 19 ساعة من اللعب المستمر أربعة ملايين دولار، وحين أُغلقت دار القمار اتّجه مباشرة إلى الغابة، وانتحر بإطلاق رصاصة على رأسه، ويضيف التقرير : أنّ غابات «مونت كارلو» تشهد باستمرار انتحار مثل هؤلاء الخاسرين.

د : الأضرار الإجتماعية للقمار

القمار يصدّ أصحابه عن التفكير بالعمل الجادّ الإنتاجي المثمر في الحقل الإقتصادي، ويشدّهم دائماً إلى أمل الحصول على ثروة طائلة بدون عناء عن طريق القمار، وهذا يؤدّي إلى إهدار الطاقات الإنتاجية لهؤلاء المقامرين وبالتالي إلى ضعف الإنتاج على قدر نسبتهم.

(122)

المقامرون وعوائلهم يعيشون عادة حياة طفيلية في الجانب الإقتصادي ولا ينتجون، بل يجنون ثمار الآخرين، وقد يضطرّون في حالات الإفلاس إلى السرقة.

أضرار القمار فادحة إلى درجة دفعت حتّى ببعض البلدان غير الإسلامية إلى اعلان منعه، كما حدث في بريطانيا عام 1853، وأمريكا عام 1855، والإتحاد السوفيتي عام 1854، والمانيا عام 1873.

ولابأس أن نشير في الخاتمة إلى إحصائية أجراها بعض المحقّقين تذكر أنّ القمار وراء 90 بالمائة من السرقات، و 10 بالمائة من المفاسد الخلقية، و40 بالمائة من الإعتداءات بالضرب والجرح، و15 بالمائة من الجرائم الجنسية، و 30 بالمائة من الطلاق، و 5 بالمائة من عمليات الإنتحار.

لو أردنا أن نعرّف القمار تعريفاً شاملاً علينا أن نقول : إنّه إهدار للمال والشرف، للحصول على أموال الآخرين بالخدعة والتزْوير، وللترويج عن النفس أحياناً، ثمّ عدم الحصول على كلا الهدفين.

* * *

استعرضنا الأضرار الفادحة المترتّبة على «الخمر والميسر»، وتلزم الإشارة إلى مسألة أُخرى في هذا المجال وهي سبب إشارة الآية الكريمة إلى منافع الخمر والميسر، عندما تعرّضت إلى ذمّهما، بينما نعلم أن منافعهما تافهة بالنسبة إلى أضرارهما.

قد يكون السبب هو أنّ سوق الخمرة والقمار كانت رائجة في الجاهلية مثل عصرنا هذا، ولو لم تشر الآية إلى مسألة المنافع لظنّ ذووا الاُفق الفكري الضيّق أنّ القرآن تناول المسألة من جانب واحد.

أضف إلى ما سبق أن أفكار الإنسان تدور عادةً حول محور المنفعة والضرر،

(123)

وتجب الإستفادة من هذا المنطق لإنقاذ الفرد من المفاسد الأخلاقية الكبرى.

والآية تجيب ضمنياً على بعض أقوال الأطباء بشأن إمكان الإستفادة من المشروبات الكحولية لمعالجة قسم من الأمراض، وتؤكّد أنّ الأضرار المترتّبة عليها أكبر بكثير من نفعها، أي إذا كان لها أثر إيجابي على الشفاء من مرض معيّن، فإنّها منشأ لأمراض خطرة اُخرى، وقد تكون هذه الحقيقة هي التي تشير إليها الروايات القائلة : إن الله لم يجعل الشفاء في الخمر.

4 ـ الإعتدال في مسألة الإنفاق

بالرغم من أنّ الإنفاق من أهم المسائل أكّد عليها الإسلام والقرآن الكريم إلاّ أنّه لم يتركها بدون حساب لتؤدّي إلى الإفراط الشديد بحيث تشلّ حياة الإنسان، فالآية محل البحث ناظرةٌ إلى هذا المعنى كما ذهب إليه بعض المفسّرون، ويمكن أن تكون إشارة إلى أنّ بعض الأشخاص يتذرّعون بإحتياجاتهم الشخصيّة للتخلّص من هذا الحكم الإسلامي المهم، فالقرآن الكريم يقول : أنّكم تتمتّعون في الحياة بالكثير من الاُمور الزّائدة عن الحاجة فعليكم بإنتخاب مقدار منها وإنفاقه.

5 ـ التفكّر في كلّ شيء

جملة (لعلّكم تتفكّرون في الدنيا والآخرة) عبارة عن درس مهم للمسلمين في أنّهم لايخوضون في جميع اُمورهم الماديّة والمعنويّة بدون تفكّر وتدبّر حتّى تبين الآيات الإلهيّة إلى النّاس لبعث روح التفكّر والتدبّر فيهم، فما أسوأ حال الأشخاص الّذين لا يتفكّرون في اُمورهم وأعمالهم الدينيّة ولا في أعمالهم الدنيويّة.

* * *

(124)

الآيـة

وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلاََمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُّشْرِكَة وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِك وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ ءَايَـاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(221)

سبب النّزول

نزلت في «مرثد الغنوي» بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكّة ليخرج منها جماعة من المسلمين. وكان قوياً شجاعاً، فدعته أمرأة يقال لها «عناق» إلى نفسها، فأبى وكانت صديقته في الجاهلية، فقالت له : هل لك أن تتزوج بي ؟ فقال : حتّى استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا رجع استأذن في التزويج بها، فنزلت الآية تنهي عن الزواج بالمشركات حتى يؤمنّ.

التّفسير

حرمة الزواج مع المشركين :

هذه الآية وطبقاً لسبب النزول المذكور أعلاه بمثابة جواب عن سؤال آخر

(125)

حول الزّواج مع المشركين فتقول (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ) ثمّ تضيف مقايسة وجدانيّة فتقول (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم).

فصحيح أنّ نكاح الجواري وخاصّة الجواري اللاّتي ليس لهنّ مال ولا جمال غير محبّب في عرف النّاس ولا محمود لاسيّما إذا كانت هناك إمرأة مشركة في مقابل ذلك تتمتّع بجمال وثروة ماديّة، ولكنّ قيمة الإيمان تجعل الكفّة تميل لصالح الجواري، لأنّ الهدف من الزواج ليس هو اللّذة الجنسيّة فقط، فالمرأة شريكة عمر الإنسان ومربيّة لأطفاله وتشكّل قسماً مهمّاً من شخصيّته، فعلى هذا الأساس كيف يصحّ استقبال الشرك وعواقبه المشؤومة لاقترانه بجمال ظاهري ومقدار من الأموال والثروة.

ثمّ أنّ الآية الشّريفة تقرّر حكماً آخر وتقول (ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمن خيرٌ من مشرك ولو أعجبكم).

وبهذا الترتيب منع الإسلام من زواج المرأة المؤمنة مع الرجل المشرك كما منع نكاح الرجل المؤمن من المرأة المشركة حتّى أنّ الآية رجّحت العبد المؤمن أيضاً على الرجال المشركين من أصحاب النفوذ والثروة والجمال الظاهري، لأنّ هذا المورد أهم بكثير من المورد الأوّل وأكثر خطورة، فتأثير الزوج على الزوجة أكثر عادةً من تأثير الزوجة على زوجها.

وفي ختام الآية تذكر دليل هذا الحكم الإلهي لزيادة التفكّر والتدبّر في الأحكام وتقول (أولئك ـ أي المشركين ـ يدعون إلى النّار والله يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه) ثمّ تضيف الآية (ويُبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون).

* * *

بحوث

1 ـ الحكمة في تحريم نكاح المشركين

كما رأينا في الآية مورد البحث أنّها تُبيّن الغرض والحكمة من هذا التحريم

(126)

بجملة قصيرة، ولو أنّنا توغّلنا في المراد منها يتّضح : أنّ الزّواج هو الدّعامة الأساسيّة لتكثير النسل وتربية أولاد وتوسعة المجتمع وأنّ المحيط العائلي مؤثّر جدّاً لتربية الأولاد، هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى التأثير الحتمي للوراثة على أخلاق الأولاد وسلوكهم، فالطّفل يتربّى في أحضان الاُسرة منذ تولّده وينمو ويترعرع تحت رعاية اُمّه وأبيه غالباً، وهذه المرحلة هي المرحلة الحسّاسة في تكوين شخصيّة الطفل.

ومن جهة ثالثة أنّ الشرك هو المصدر الأساس لأنواع الإنحرافات، وفي الحقيقة هو النار المحرقة في الدنيا والآخرة، ولذلك فالقرآن الكريم لا يُبيح للمسلمين أن يُلقوا بأولادهم في هذا النّار. مضافاً إلى أنّ المشركين الّذين هم بالحقيقة أجانب عن الإسلام والمجتمع الإسلامي سوف ينفذون إلى مفاصل المجتمع الإسلامي وبيوت المسلمين من هذا الطريق، فيؤدّي ذلك إلى تنامي قدرة الأعداء في الداخل والفوضى السياسيّة والإجتماعيّة في أوساط المجتمع، وهذا الحال إنّما يكون في ما لو أصرّ المشركون على شركهم، ولكنّ الباب مفتوح أمامهم فبإمكانهم إعتناق الإسلام والإنخراط في صفوف المسلمين وبذلك ييستطيعون الزواج من أكفّائهم المسلمين.

كلمة (النكاح) وردت في اللّغة فتارةً بمعنى المقاربة الجنسيّة، واُخرى بمعنى عقد الزّواج، والمراد هنا في هذه الآية هو الثاني، أي عقد الزّواج بالرّغم من أنّ الرّاغب في المفردات يقول : (النكاح) في الأصل بمعنى العقد، ثمّ استُعمِل مجازاً في العمليّة الجنسيّة.

2 ـ حقيقة المشركين

مفردة (المشرك) تُطلق غالباً في القرآن الكريم على من يعبد الأوثان، ولكنّ

(127)

بعض المفسرين ذهب إلى أنّ المشرك يشمل سائر الكفّار كاليهود والنّصارى والمجوس (وبشكل عام أهل الكتاب) أيضاً، لأنّ كلّ واحدة من هذه الطوائف يعتقد بوجود شريك للباري عزّوجلّ، فالنّصارى يعتقدون بالتثليث، والمجوس يذهبون إلى الثنويّة وأنّ ربّ العالم هو مزدا وأهريمن، واليهود يرون أنّ «عزير» ابن الله.

ولكن بالرّغم من أنّ هذه الإعتقادات الباطلة موجبة للشّرك إلاّ أنّ الآيات الشريفة الّتي تتحدّث عن المشركين في مقابل أهل الكتاب ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ اليهود والنصارى والمجوس يرتكزون في أساس ديانتهم على النبوّات الحقّة والكتب السماويّة فيتّضح أنّ منظور القرآن الكريم من المشرك هو عبّاد الوثن.

وقد ورد في الحديث النبوي المعروف في ضمن وصايا متعدّدة (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وهو شاهد على هذا المدّعى، لأنّ من المسلّم أنّ أهل الكتاب لم يُخرَجوا من جزيرة العرب، بل بقوا هناك يعيشون جنباً إلى جنب مع المسلمين بعنوان أقليتة دينيّة، ويلتزمون بما أمر به القرآن الكريم من أداء الجزية إلى المسلمين.

3 ـ هل نُسخت هذه الآية ؟

ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ حكم الآية أعلاه قد نُسخ والناسخ له الآية الشريفة (والمحصنات من الّذين اُوتوا الكتاب)(1) حيث أجازت نكاح نساء أهل الكتاب.

وقد نشأ هذا التصور من الإعتقاد أنّ الآية مورد البحث قد حرّمت الزواج مع

_____________________________

1 ـ المائدة : 5.

(128)

جميع الكفّار، فعلى هذا تكون الآية (5) من سورة المائدة الّتي أجازت الزواج من كفّار أهل الكتاب ناسخة لهذا الحكم (أو مخصّصة له) ولكن مع ملاحظة ما ذكرناه من تفسير الآية يتّضح أنّ نظر هذه الآية خاص بالزّواج من المشركين وعبّاد الأوثان لا كفّار أهل الكتاب كاليهود والنّصارى (وطبعاً في مورد الزواج من كفّار أهل الكتاب هناك قرائن في الآية وما ورد من الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ المراد هو الزّواج الموقّت).

4 ـ تشكيل العائلة والدّقّة في الأمر

أشار بعض المفسّرين المعاصرين إلى نكتة ظريفة في هذه الآية، وهي أنّ هذه الآية و (21) آية اُخرى تأتي بعدها تُبيّن الأحكام المتعلّقة بتشكيل الاُسرة في أبعادها المختلفة، وفي هذه الآيات بيّن القرآن الكريم اثني عشر حكماً شرعياً :

1 ـ حكم الزواج مع المشركين، 2 ـ تحريم الإقتراب من الزوجة في حال الحيض، 3 ـ حكم القسم بعنوان مقدّمة للإيلاء (المراد من الإيلاء هو أن يُقسم الإنسان أن لا يجامع زوجته)، 4 ـ حكم الإيلاء ويتبعه حكم الطلاق، 5 ـ عدّة المرأة المطلّقة، 6 ـ عدد الطلقات، 7 ـ إبقاء الزّوجة بالمعروف أو تركها بالمعروف، 8 ـ حكم الرّضاع، 9 ـ عدّة المرأة المتوفّى زوجها (الأرملة)، 10 ـ خطبة المرأة قبل تمام عدّتها، 11 ـ مهر المرأة المطلّقة قبل الدّخول، 12 ـ حكم الهديّة للمرأة بعد وفاة زوجها أو طلاقها منه.

وهذه الأحكام مع مجمل الإرشادات الأخلاقيّة في هذه الآيات تبيّن أنّ مسأله تشكيل الاُسرة هو نوع من العبادة لله تعالى ويجب أن يكون مقروناً بالتفكّر والتدبّر(1).

* * *

_____________________________

1 ـ تفسير في ظلال القرآن : ج 1 ص 344 ـ 346.

(129)

الآيتان

وَيَسْئلُونَكَ عَنِ الَْمحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُواْ الِنّسَآءَ فِي الَْمحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهّرِينَ (222)نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لاِنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(223)

سبب النّزول

للنساء عادة شهرية تستمر بين ثلاثة إلى عشرة أيام. وخلالها يخرج من رحم المرأة دم ذو أوصاف خاصّة مذكورة في كتب الفقه. والمرأة في هذه الحالة تكون حائضاً، وموقف الديانتين اليهودية والنصرانية الحاليتين من المرأة الحائض متناقض يثير الإستغراب.

جمع من اليهود قالوا : إنّ معاشرة المرأة الحائض حرام حتّى المجالسة على مائدة الطعام أو في غرفة واحدة. ويذهبون إلى حظر جلوس الرجل في المكان الذي تجلس فيه الحائض، وإن فعل ذلك تنجّست ملابسه وعليه أن يغسلها، وإن

(130)

رقد معها على سرير واحد تنجّس بدنه ولباسه، فهم يعتبرون المرأة في هذه الحالة موجوداً مدنساً يلزم اجتنابه.

ومقابل هؤلاء يذهب النصارى إلى عدم التفريق بين حالة الحيض والطهر في المرأة، حتّى بالنسبة للجماع.

المشركون العرب، وخاصّة أهل المدينة منهم، كانوا متأثرين بالنظرة اليهودية، ويعاملون المرأة الحائض على أساسها، فينفصلون عنها خلال مدّة الحيض. وهذا الاختلاف في المواقف وما يصحبه من إفراط وتفريط دفع ببعض المسلمين لأن يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك، فنزلت الآية.

التّفسير

أحكام النساء في العادة الشهريّة :

في الآية الاُولى نلاحظ سؤال آخر عن العادة الشهريّة للنّساء، فتقول الآية : (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً) وتضيف بلا فاصلة (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يُطهرن...).

(المحيض) مصدر ميمي ويعني العادة الشهريّة للنساء، وجاء في معجم مقاييس اللّغة أنّ أصل هذه المفردة تعني خروج سائل أحمر من شجرة تُدعى «سَمُرة» (ثمّ استُعملت للعادة الشهريّة للنساء) ولكن ورد في تفسير «الفخر الرّازي» أنّ الحيض في الأصل بمعنى السيل ولذلك يُقال للسّيل عند حدوثه (حاض السّيل) ويُقال للحوض هذه اللّفظة بسبب أنّ الماء يجري إليه.

ولكن يُستفاد من كلمات الرّاغب في المفردات عكس هذا المطلب وأنّ هذه المفردة في الأصل تعني دم الحيض (ثمّ استعملت في المعاني الاُخرى).

فعلى كلّ حال فهذه العبارة تعني دم الحيض الّذي عرّفه القرآن بأنّه أذىً، وفي

(131)

الحقيقة أنّ هذه العبارة تُبيّن علّة اجتناب الجماع في أيّام الحيض، فهو إضافة إلى ما فيه من اشمئزاز، ينطوي على أذى وضرر ثبت لدى الطبّ الحديث، ومن ذلك احتمال تسبيب عقم الرجل والمرأة، وإيجاد محيط مناسب لتكاثر جراثيم الأمراض الجنسية مثل السفلس والتهابات الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة، ودخول مواد الحيض المليئة بمكروبات الجسم في عضو الرجل، وغير ذلك من الأضرار المذكورة في كتب الطب، لذلك ينصح الأطباء باجتناب الجماع في هذه الحالة.

خروج دم الحيض يعود إلى احتقان الرحم وتسلّخ جداره، ومع هذا الإحتقان يحتقن المبيض أيضاً، ودم الحيض في البداية يكون متقطّعاً باهت اللون ثمّ يزداد ويحمرّ ويعود في الأخير إلى وضعه المتقطّع الباهت(1).

الدم الخارج في أيّام العادة الشهرية هو الدم الذي يتجمّع شهرياً في العروق الداخلية للرحم من أجل تقديم الغذاء للجنين المحتمل. ذلك لأنّ مبيض المرأة يدفع كلّ شهر ببويضة إلى الرحم، وفي نفس الوقت تمتلىء عروق الرحم بالدم استعداداً لتغذية الجنين فإن انعقد الجنين يستهلك الدم لتغذيته، وإلاّ يخرج بشكل دم حيض. من هنا نفهم جانباً آخر لحظر الجماع في هذه الفترة التي يكون الرحم خلالها غيرمستعد استعداداً طبيعياً لقبول نطفة الرجل، حيث يواجه أذى من جراء ذلك.

جملة (يَطْهُرْنَ) بمعنى طهارة النساء من دم الحيض كما ذهب إليه كثير من المفسّرين، وأمّا جملة (فإذا تَطَهَّرْنَ) فقد ذهب الكثير منهم على أنّها تعني الغُسل من الحيض، فعلى هذا الأساس وطبقاً للجملة الاُولى تكون المقاربة الجنسيّة بعد

_____________________________

1 ـ مقتبس من إعجاز القرآن : ص 55 ـ 56.

(132)

انتهاء دم الحيض جائزة حتّى لولم تغتسل، وأمّا الجملة الثانيّة فتعني أنّها ما لم تغتسل فلا يجوز مقاربتها(1).

وعلى هذا فالآية لا تخلو من إبهام، ولكن مع الإلتفات إلى أنّ الجملة الثانية تفسير للجملة الاُولى ونتيجة لها (ولهذا اُعطفت بفاء التفريع) فالظاهر أنّ (تَطَهَّرْنَ) أيضاً بمعنى الطهارة من دم الحيض، وبذلك تجوز المقاربة الجنسيّة بمجرّد الطّهارة من العادة الشهريّة، وهذا هو ما ذهب إليه الفقهاء العظام في الفقه وأفتوا بحليّة المقاربة الجنسيّة بعد الطهارة من الحيض حتّى قبل الغسل، ولكن لا شكّ في أنّ الأفضل أن تكون بعد الغسل.

الفقرة الثانية من الآية تقول (فأتوهنّ من حيث أمركم الله)أي أن يكون الجماع من حيث أمر الله، وقد تكون هذه الفقرة تأكيداً لما قبلها، أي آتوا نساءكم في حالة النقاء والطّهر فقط لا في غير هذه الحالة، وقد يكون مفهومها أوسع بخصوص أنّ الجماع بعد الطّهر يجب أن يكون في إطار أوامر الله أيضاً.

هذا الأمر الإلهي من الممكن أن يشمل الأمر التكويني والأمر التشريعي معاً، فالله سبحانه أودع في الرّجل والمرأة الغريزة الجنسيّة لبقاء نوع الإنسان، وهذه الغريزة تدفع الإنسان للحصول على اللّذة الجنسيّة، لكنّ هذه اللّذة مقدّمة لبقاء النوع فقط، ومن هنا لايجوز الحصول عليها بطرق منحرفة مثل الإستمناء واللّواط وأمثالهما، لأنّ هذا الطريق نوع من الإنحراف عن الأمر التكويني.

وكذلك يمكن أن يكون المراد هو الأمر التشريعي، يعني أنّ الزوجة بعد طهارتها من العادة الشهريّة ينبغي عليها مراعاة جهات الحلال والحرام في الحكم الشرعي.

_____________________________

1 ـ الجملة الثانية مفهوم الشرط، والأول مفهوم الغاية.

(133)

وذهب البعض إلى أنّ مفهوم هذه الجملة هو حرمة المقاربة الجنسيّة مع الزّوجة عن غير الطريق الطبيعي، ولكن مع الإلتفات إلى أنّ الآيات السابقة لم تتحدّث عن هذا الأمر يكون هذا التفسير غير مناسب للسّياق(1).

الآية الثانية إشارة لطيفة إلى الغاية النهائيّة من العمليّة الجنسيّة فتقول (نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم)

في هذه الآية الكريمة شبّهت النساء بالمزرعة، وقد يثقل هذا التشبيه على بعض، ويتساءل لماذا شبّه الله نصف النوع البشري بهذا الشكل ؟

ولو أمعنا النظر في قوله سبحانه لوجدنا فيه إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنساني. فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة لإطفاء الشهوة، بل وسيلة لحفظ حياة النوع البشري.

«الحرث» مصدر يدلّ على عمل الزراعة، وقد يدلّ على مكان الزراعة «المزرعة» و «أنّى» من أسماء الشرط، وتكون غالباً زمانية. وقد تكون مكانية كما جاء في قوله سبحانه : (يا مريمُ أنّى لِكِ هذا قالت هو من عند الله)(2).

يستفاد من الآية الكريمة ـ على افتراض زمانية أنّى ـ الرخصة في زمان الجماع، أي جوازه في كلّ ساعات الليل والنهار، وعلى افتراض مكانية أنّى يستفاد من الآية الرخصة في مكان الجماع ومحلّه وكيفيته.

(وقدّموا لأنفسكم)

هذا الأمر القرآني يشير إلى أنّ الهدف النهائي من الجماع ليس هو الإستمتاع باللذة الجنسية، فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين، وأن يقدّموا هذه الخدمة التربوية المقدّسة ذخيرة لاُخراهم. وبذلك يؤكّد القرآن

_____________________________

1 ـ تأتي كلمة «حيث» بعنوان اسم مكان واسم زمان، ولكن هنا تشير إلى زمن جواز المقاربة الجنسية أي زمن الطهر.

2 ـ آل عمران : 37.

(134)

على رعاية الدقّة في انتخاب الزوجة كي تكون ثمرة الزواج إنجاب أبناء صالحين وتقديم هذه الذخيرة الإجتماعية الإنسانية الكبرى.

وفي حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :

«إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ عن ثلاث : صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له»(1).

وجاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلاّ ثلاث خصال.: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته وسنّة هدىً سنّها فهي تُعمل بها بعد موته وولد صالح يستغفر له»(2).

ووردت بهذه المضمون روايات عديدة أيضاً، وقد جاء في بعضها ستّة موارد أوّلها الولد الصالح(3).

وعلى هذا الأساس يأتي الولد الصالح من حيث الأهميّة إلى جانب الخدمات العلميّة وتأليف الكتب المفيدة وتأسيس المراكز الخيريّة كالمسجد والمستشفى والمكتبة وأمثال ذلك.

وفي ختام هذه الآية تأمر بالتقوى وتقول :(واتّقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين).

لمّا كانت المقاربة الجنسيّة تعتبر من المسائل المهمّة ومن أشد الغرائز إلحاحاً على الإنسان، فإنّ الله تعالى يدعو في هذا الآية الإنسان إلى الدقّة في أمر ممارسة هذه الغريزة والحذر من الإنحراف، وتُنذر الجميع بأنّهم ملاقوا ربّهم وليس لهم طريق للنّجاة سوى الإيمان والتقوى.

* * *

_____________________________

1 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 321.

2 ـ بحار الأنوار : ج 1 ص 294 ح 4.

3 ـ المصدر نفسه ص 293 ح 1.

(135)

بحوث

1 ـ الحكم الإسلامي العادل في مسألة الحيض

هناك الاعتقادات مختلفة في الأقوام السّالفة حول العادة الشهريّة للنّساء، فاليهود يُشدّدون أمرها ويعزلون المرأة في هذه الأيّام كليّاً عن كلّ شيء : عن الأكل والشرب عن المجالسة والمؤاكلة والمضاجعة، وقد وردت في التوراة الحاليّة أوامر متشدّدة في هذا الصّدد(1).

وعلى العكس من ذلك النّصارى حيث لا يلتزمون بأيّة محدوديّة في هذه الأيّام، فلا فرق بين حالة الحيض والطّهر لدى المرأة. المشركون العرب ليس لديهم حكماً خاصّاً في هذا المجال، ولكنّ أهالي المدينة كانوا متأثّرين بآداب اليهود وعقائدهم في معاشرتهم للنّساء أيّام الحيض فكانوا يتشدّدون مع المرأة في هذه الأيّام، في حين أنّ سائر العرب لم يكونوا كذلك، بل قد تكون المقاربة الجنسيّة محببّة لديهم فيها، ويعتقدون أنّه لو حصل من تلك المقاربة ولد فإنّه سوف يكون فتّاكاً ومتعطّشاً للدّماء، وهذه من الصّفات المتميّزة والمطلوبة لدى أعراب البادية(2).

2 ـ اقتران الطهارة بالتوبة

إنّ إقتران الطهارة والتوبة في الآيات أعلاه يُمكن أن يكون إشارة إلى أنّ الطّهارة تتعلّق بالطّهارة الظاهريّة والتوبة إشارة إلى الطّهارة الباطنيّة.

_____________________________

1 ـ ورد في باب 15 من سفر اللاويين من التوراة : «وإذا حاضت المرأة فسبعة أيّام تكون في طمثها، وكلّ من يلمسها يكون نجساً إلى المساء، كل ما تنام عليه في أثناء حيضها أو تجلس عليه يكون نجساً، وكلّ من يلمس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء...» وأحكام اُخرى من هذا القبيل.

2 ـ مقتبس من تفسير الميزان : ج 2 ص 208 ذيل الآية مورد البحث، كتاب انيس الأعلام : ج 2 ص 106 و107، وكذلك شرح المسبوطي مع ذكر المصادر.

(136)

ويحتمل أيضاً أنّ الطهارة هنا عدم التلوّث بالذنب، يعني أنّ الله تعالى يحب من لم يتلوّث بالذنب، وكذلك يحب من تاب بعد تلوّثه.

ويمكن أن تشير مسألة التوبة هنا إلى أنّ بعض الناس يصعب عليهم السيطرة على الغريزة الجنسيّة فيتلوّثون بالذّنب والإثم خلافاً لما أمر الله تعالى، ثمّ يعتريهم النّدم على عملهم ويتألمون من ذلك، فالله سبحانه وتعالى فتح لهم طريق التوبة كيلا يصيبهم اليأس من رحمة الله(1).

* * *

_____________________________

1 ـ تحدّثنا تفصيلاً عن حقيقة «التوبة» وشرائطها في المجلد الثالث في ذيل الآية (17) من سورة النساء، وفي المجلد 14 ذيل الآية (5) من سورة النور.

 (137)

الآيتان

وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لاّيْمَـانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَـانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)

سبب النّزول

حدث خلاف بين صهر أحد الصحابة وابنته، وهذا الصحابي هو «عبدالله بن رواحة» حيث أقسم أن لا يتدخّل في الإصلاح بين الزّوجين، فنزلت الآية تنهى عن هذا اللّون من القسم وتلغي آثاره.

التّفسير

لاينبغي القسم حتّى الإمكان :

كما قرأنا في سبب النّزول أنّ الآيتين أعلاه ناظرتان إلى سوء الإستفادة من القسم، فكانت هذه مقدّمة إلى الأبحاث التالية في الآيات الكريمة عن الإيلاء

(138)

والقسم وترك المقاربة الجنسيّة.

في الآية الاُولى يقول تعالى (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتُصلحوا بين النّاس والله هو السميع)(1).

(الأيمان) جمع (يمين) و (عُرضة) بضم العين، تقال للبضاعة وأمثالها التي تعرض أمام الناس في السوق. وقد تطلق العُرضة على موانع الطريق لأنّها تعترض طريق الإنسان.

وذهب البعض إلى أنّ المراد بها ما يشمل جميع الأعمال، فالآية تنهى عن القسم بالله في الاُمور الصغيرة والكبيرة وعن الإستخفاف باسمه سبحانه، وبهذا حذّرت الآية من القسم إلاّ في كبائر الاُمور، وهذا ما أكّدت عليه الأحاديث الكثيرة، وقد روي عن الصادق (عليه السلام) (لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإنّ الله سبحانه يقول : (ولا تجعلوا الله عُرضة لأيمانكم))(2).

وهناك أحاديث متعدّدة وردت في هذا المجال(3).

ولو أخذنا سبب نزول الآية بنظر الإعتبار يكون مؤدّاها أنّ القسم ليس بعمل مطلوب في الأعمال الصالحة، فكيف بالقسم بترك الأعمال الصالحة ؟ !

وفي الآية التالية نلاحظ تكملة لهذا الموضوع وأنّ القسم لا ينبغي أن يكون مانعاً من أعمال الخير فتقول : (لا يُؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) أي عن إرادة وإختيار.

في هذه الآية يشير الله تعالى إلى نوعين من القَسَم :

_____________________________

1 ـ طبقاً لهذا التفسير «لا» مقدرة وفي الأصل «لئلا تبرو» وهذا المعنى مطابق تماماً لشأن النزول ويحتمل أيضاً أن «عرضة» بمعنى المانع يعني لا تجعلوا القسم بالله مانعاً لأداء الأعمال الصالحة والإصلاح بين الناس «بتقدير : لا تجعلوا الله بسبب ايمانكم حاجزاً أن تبروا وتتقوا» ولكنّ التوجيه الأوّل أنسب.

2 ـ الكافي حسب نقل تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 218 ح 833، وسائل الشيعة : ج 16 ص 116 ح 5.

3 ـ راجع نفس المصدر : ح 832 و 834، وسائل الشيعة : ج 16 ص 115 وما بعد.

(139)

الأوّل : القَسَم اللغو الذي لا أثر له، ولا يبعأ به، هذا النوع من القَسَم يتردّد على ألسن بعض الناس دون التفات، ويكرّرونه في كلامهم عن عادة لهم، فيقولون : لا والله... بلى والله... على كلّ شيء، وإنّما سمّي لغواً لأنّه لا هدف له ولم يطلقه المتكلّم عن عزم ووعي، وكلّ عمل وكلام مثل هذا لغو.

من هنا فالقَسَم الصادر عن الإنسان حين الغضب لغو (إذا أخرجه الغضب تماماً عن حالته الطبيعية). وحسب الآية أعلاه لا يؤاخذ الإنسان على مثل هذا القَسَم، وعليه أن لا يرتّب أثراً عليه، ويجب الإلتفات إلى أنّ الإنسان يجب أن يتربّى على ترك مثل هذا القَسَم وعلى كلّ حال فإن العمل بهذا القسم غير واجب ولا كفّارة عليه، لأنه لم يكن عن عزم وإرادة.

النوع الثاني : القَسَم الصادر عن إرادة وعزم، أو بالتعبير القرآني هو القَسَم الداخل في إطار كسب القلب، ومثل هذا القَسَم معتبر، ويجب الإلتزام به، ومخالفته ذنب موجب للكفّارة إلاّ في مواضع سنذكرها. وقد أشارت الآية (89) من سورة المائدة إلى هذا النوع من القسم بقولها «ما عقدتم الايمان».

الأيمان غير المعتبرة :

الإسلام لا يحبّذ القَسَم كما أشرنا آنفاً، لكنّه ليس بالعمل المحرّم، بل قد يكون مستحبّاً أو واجباً تبعاً لما تترتّب عليه من آثار.

وهناك أيمان لا قيمة لها ولا اعتبار في نظر الإسلام، منها :

1 ـ القَسَم بغير اسم الله وحتّى القسم باسم النبي وأئمّة الهدى (عليهم السلام) مثل هذا القَسَم غير المتضمّن اسم الله تعالى لا أثر له ولا يلزم العمل به ولا كفّارة على مخالفته.

2 ـ القَسَم على ارتكاب فعل محرّم أو مكروه أو ترك واجب أو مستحب،

(140)

حيث لا يترتّب عليه شيء. كأن يقسم شخص على عدم أداء دين، أو على قطع رحم، أو على فرار من جهاد، وأمثالها أو يترك إصلاح ذات البين مثلاً كما نلاحظ ذلك لدى بعض الأشخاص الذين واجهوا بعض السلبيات من إصلاح ذات البين فأقسموا على ترك هذا العمل. فإن أقسم على شيء من ذلك فعليه أن لا يعتني بقَسَمه ولا كفّارة عليه، وقيل إنّ هذا هو معنى قوله تعالى : (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).

أمّا الأيمان ـ التي تحمل اسم الله ـ على أداء عمل صالح أو مباح على الأقل، فيجب الإلتزام به، وإلاَّ وجبت على صاحبه الكفّارة، وكفّارته كما ذكرته الآية (89) من سورة المائدة، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.

* * *

(141)

الآيتان

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر فَإِن فَآءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (226)  وَإنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)

التّفسير

القضاء على تقليد جاهلي :

القَسَم على ترك وطء الزوجة أو الإيلاء(1) تقليد جاهلي كان شائعاً بين العرب، واستمرّ معمولاً به عند المسلمين الجدد قبل نزول حكم الطلاق.

كان الرجل في الجاهلية ـ حين يغضب على زوجته ـ يقسِم على عدم وطئها، فيشدّد عليها بهذه الطريقة الفضّة، لا هو يطلق سراحها بالطلاق لتتزوج من رجل آخر، ولا يعود إليها بعد هذا القَسَم ليصالحها ويعايشها. وطبعاً لا يواجه الرجل غالباً صعوبة في ذلك لأنه يتمتع بعدة زوجات.

_____________________________

1 ـ كلمة «ايلاء» من مادة «اَلو» بمعنى القدرة والعزم، وبما أن القسم نموذج من هذا المعنى ولذا اطلق على الطلاق.

(142)

الآية الكريمة وضعت لهذه القضية حدّاً، فذكرت أنّ الرجل يستطيع خلال مدّة أقصاها أربعة أشهر أن يتّخذ قراراً بشأن زوجته : إمّا أن يعود عن قَسَمه ويعيش معها، أو يطلّقها ويخلّي سبيلها.

(للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر).

والغاية من الامهال أربعة أشهر هو إعطاء الفرصة للزوج ليفكر في أمره مع زوجته وينقذها من هذا الحال. ثمّ تضيف :

(فإن فاءوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ ).

أي إن عادوا وجدوا الله غفوراً رحيماً، والعبارة تدلّ أيضاً أنّ العودة عن هذا القَسَم ليس ذنباً، بالرغم من ترتب الكفّارة عليه.

(وإن عزموا الطلاق فإنّ الله سميعٌ عليمٌ) أي فلا مانع من ذلك مع توفّر الشروط اللازمة.

وفيما لو أهمل الزوج كلا الطريقين ولم يختر أحدهما، فلم يرجع إلى الحياة الزوجية السليمة، ولم يطلّق. ففي هذه الصورة يتدخّل حاكم الشرع ويأمر بالقاء الزوج في السجن، ويشدد عليه حتّى يختار أحدهما، وينقذ الزوجة من حالتها المعلّقة.

ينبغي التأكيد هنا على أنّ الإسلام، وإن لم يلغ حكم الإيلاء نهائياً، فقد أزال آثار هذه الظاهرة، لأنّه لم يسمح للرجل أن ينفصل عن زوجته بالإيلاء. وتعيينه مدّة للذين يؤلون من نسائهم لا يعني إلغاء حقّ من حقوق الزوجيّة، لأنّ حقّ المرأة على زوجها ـ في إطار الوجوب الشرعي ـ الوطء كلّ أربعة أشهر، هذا طبعاً في حالة عدم انجرار المرأة إلى الذنب على أثر طول المدّة، وإلاَّ يجب أن تقلّل المدّة إلى مقدار تأمين الحاجة الجنسية وخاصّة بالنسبة للمرأة الشابّة التي يخشى انحرافها.

* * *

(144)

بحوث

1 ـ الإيلاء حكم استثنائي

تقدّم الحديث في الآيات السّابقة عن القسم اللّغو، وقلنا أنّ كلّ قسم على فعل ما يخالف الشّريعة المقدّسة فهو من مصاديق اللّغو في القسم، فلا إشكال من نقضه، وعلى ذلك فالقسم على ترك الواجبات الزوجيّة لا أثر له إطلاقاً، في حين أنّ الإسلام قد جعل له كفّارة(1) (وهي كفّارة نقض القسم واليمين المذكورة في الأبحاث السّابقة) وهذا في الحقيقة عبارة عن عقوبة لبعض الرجال الّذين يتوسّلون بهذه الذريعة لتضييع حقوق الزّوجة حتّى لا يقوموا بتكرار هذا العمل مرّة اُخرى.

2 ـ الإيلاء في حكم الإسلام والغرب

في اُوروبا نلاحظ وجود ما يشبه الإيلاء ويُطلقون عليه الإنفصال البدني وتوضيحه : أنه بما أن الطلاق كان محضوراً في الديانة المسيحية لذا قام الغربيّين بعد الثورة الفرنسيّة الكبرى باستخدام ظاهرة الإنفصال الجسمي بين الزوجين باعتبارها إحدى سبل الطّلاق، وذلك بأن يعيش الرجل في مكان والمرأة في مكان آخر عند عدم وجود الوفاق بينهما، وتبقى كلّ الحقوق الزوجيّة محفوظة سوى نفقة الرجل وتمكين المرأة، فالرجل لا يستطيع أن يتزوّج بإمرأة اُخرى ولا المرأة كذلك على أن لا تتجاوز مدّة الإنفصال ثلاث سنوات يجب على الزوجين بعدها أن يعودا إلى حياتهم الزوجيّة(2)، فالبرّغم من أنّ القانون الغربي سمح للزّوجين أن ينفصلا في ثلاث سنين، إلاّ أنّ الإسلام لم يسمح لهذا الإنفصال أن

_____________________________

1 ـ إذا جامع الرجل قبل الأربعة أشهر فإن الكفّارة واجبة عليه إجماعاً وإذا جامع بعد الأربعة أشهر فإن هذا الحكم مشهور بين الفقهاء، رغم أن البعض انكروا الكفّارة في هذه الصورة.

2 ـ حقوق المرأة في الإسلام وآوروبا.

(144)

يستمر أكثر من أربعة أشهر واستمرار هذه المدّة جائز حتّى مع عدم القسم، وبعد هذه المدّة يجب على الرجل أن يعيّن أمره، فإذا أراد أن يماطل أكثر من هذه المدّة فإنّ الحكومة الإسلاميّه تستدعيه وتُرغمه على اتّخاذ قراره النّهائي.

3 ـ الصّفات الإلهيّة في ختام كلّ آية

ممّا يلفت النّظر أنّ الكثير من آيات القرآن تختتم أبحاثها بصفات الله تعالى وهذه الصفات لها ارتباط مباشر بمحتوى الآيات دائماً، ومن جملة هذه الآيات ما نحن فيه، فعندما كان الحديث عن الإيلاء والتصميم على نقض هذا القسم الممنوع تذكر الآية بعدها جملة (غفور رحيم) وهي إشارة إلى أنّ هذا السلوك السليم سبب لغفران الله تعالى وشمول رحمته لهؤلاء الأشخاص، وعندما كان الحديث يدور حول التصميم على الطّلاق كانت العبارة (سميع عليم) يعني أنّ الله تعالى يسمع كلامكما ومطّلع على دوافع الطّلاق والفُرقة وسوف يجازيكم وفقاً لهذا العمل.

* * *

(145)

الآيـة

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)

التّفسير

حريم الزّواج أو العدّة :

كان الكلام في الآيه السّابقة عن الطّلاق، وهنا تذكر الآية بعض أحكام الطّلاق وما يتعلّق به حيث ذكرت خمسة أحكام له في هذه الآية.

في البداية ذكرت الآية عدّة الطّلاق (والمطّلقات يتربّصن في أنفسهن ثلاثة قروء).

(قروء) جمع (قُرء) تُطلق على الحيض وعلى النقاء منه، ويُمكن الإستفادة من كلا هذين المعنيين مفهوماً كليّاً يجمع بينهما، وهو الإنتقال من حالة إلى حالة

(146)

اُخرى ويرى «الرّاغب» في المفردات أنّ «القرء» في الحقيقة هي كلمة يُراد منها الإنتقال من حالة الحيض إلى الطّهر، وبما أنّ كلا هذين العنوانين مأخوذان في معنى الكلمة، فتُستعمل أحياناً بمعنى الحيض واُخرى بمعنى الطّهر، ويُستفاد من بعض الرّوايات وكثير من كتب اللّغة أنّ القُرء تعني الجمع بين الحالتين، وبما أنّ حالة الطّهر يجتمع في المرأة مع وجود دم الحيض في رحمها فتطلق هذه المفردة على الطّهر وعلى كلّ حال فقد ورد التّصريح في الروايات أنّ المقصود بالقروء الثلاثة في الآية أن تطهر المرأة ثلاث مرّات من دم الحيض(1).

وبما أنّ الطّلاق يُشترط فيه أن تكون المرأة في حالة الطّهر الّذي لم يجامعها زوجها فيه فيُحسب ذلك الطّهر مرّة واحدة، وبعد أن ترى المرأة دم الحيض مرّة وتطهر منه حينئذ تتم عدّتها بمجرّد أن ينتهي الطّهر الثالث وتشرع ولو للحظة في العادة، فيجوز لها حينئذ الزّواج، ومضافاً إلى الروايات في هذا المجال يُمكن استنباط هذه الحقيقة من نفس الآية مورد البحث لأنّ :

أوّلاً : (قُرء) تستبطن جمعان : قروء وأقراء، وما كان جمعه قروء فهو طُهر، وما كان جمعه أقراء فهو بمعنى الحيض(2).

ثانياً : القُرء في اللّغة بمعنى الجمع، كما تقدّم وهي أنسب لحالة الطّهر، لأنّ الدم يتجمّع في هذه الحالة في الرّحم بينما يخرج ويتفرّق عند العادة الشهريّة(3).

الحكم الثاني المستفاد من هذه الآية هو قوله تعالى (ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كنّ يؤمنّ بالله واليوم الآخر).

الإسلام قرّر أن تكون المرأة بنفسها هي المرجع في معرفة بداية العدّة

_____________________________

1 ـ راجع تفسير نور الثقلين : ج 1 ص 230 و 231.

2 ـ راجع قاموس اللّغة.

3 ـ لسان العرب : مادة «قُرء».

(147)

ونهايتها حيث إنّ المرأة نفسها أعلم بذلك من الآخرين، وفي الرّواية عن الإمام الصّادق (عليه السلام)في تفسير الآية محلّ البحث قال : «قد فوّض الله إلى النساء ثلاثة أشياء : الحيض والطّهر والحمل»(1).

ويمكن أن يُستفاد من الآية هذا المعنى أيضاً، لأنّ الآية تقول (ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهنّ) ويخبرن بخلاف الواقع، وهذا يعني أن كلامهنّ مقبول.

وجملة (ما خلق الله في أرحامهنّ) كما ذهب إليه جماعة من المفسّرين يمكن أن يراد بها معنيان : (الجنين) و (العادة الشهريّة) لأنّ كلا هذين المعنيين قد جعلهما الله في أرحام النساء أي يجب على المرأة أن لا تكتم حملها وتدّعي العادة الشهريّة بهدف تقليل مدّة العدّة (لأنّ عدّة الحامل وضع حملها) وهكذا يجب عليها أن لا تخفي وضع حيضها وتبيّن خلاف الواقع، ولا يبعد استفادة كلا هذين المعنيين من العبارة أعلاه.

الحكم الثالث المستفاد من الآية هو أنّ للزّوج حقّ الرّجوع إلى زوجته في عدّة الطّلاق الرّجعي، فتقول الآية : (وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك إن أرادوا إصلاحاً)(2).

وبهذا يستطيع الزّوج استئناف علاقته الزوجية بدون تشريفات خاصّة إذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق الرّجعي، فإذا قصد الرّجوع يتحصّل بمجرّد كلمة أو عمل يصدر منه بهذا القصد، وجملة : (إن أرادوا إصلاحاً) في الحقيقة هي لبيان أنّ هدف الرّجوع يجب أن يكون بنيّة الإصلاح لا كما كان عليه الحال في العصر

1 ـ مجمع البيان : ج 1 ص 326 في ذيل الآية المبحوثة.

2 ـ «بعولة» جمع «بعل» بمعنى الزوج ويقول الراغب في مفرداته بأن البعض يرى اطلاقها على الزوج والزوجة. (تفسير الكبير : ج 6 ص 93) وقيل أن هذه المفردة تعطي معنى العلو والأفضلية.

(148)

الجاهلي من أنّ الزّوج يستخدم هذا الحق لغرض الإضرار بالزّوجة حيث يتركها في حالة معلّقة بين الزّواج والطّلاق.

فهذا الحقّ يكون للزّوج في حالة إذا كان نادماً واقعاً وأراد أن يستأنف علاقته الزّوجيّة بجديّة، ولم يكن هدفه الإضرار بالزّوجة.

ضمناً يُستفاد ممّا ورد في ذيل الآية من مسألة الرّجوع هو أنّ حكم العدّة والإهتمام بحساب أيّامها يتعلّق بهذه الطائفة من النساء، وبعبارة اُخرى أنّ الآية تتحدّث بشكل عام عن الطّلاق الرّجعي ولهذا فلا مانع من أن تكون بعض أقسام الطّلاق بدون عدّة أصلاً.

ثمّ تبيّن الآية حكماً رابعاً وتقول : (ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة).

يقول الطبرسي في مجمع البيان أنّه يستفاد من هذه العبارة العجيبة والجامعة فوائد كثيرة جدّاً(1)، فهي قد جرّت البحث إلى مسائل أهم بكثير من الطّلاق والعدّة، وقرّرت مجموعة من الحقوق المتبادلة بين الرّجال والنساء فتقول : كما أنّ للرّجال حقوقاً على النساء، فكذلك للنساء حقوق على الرّجال أيضاً، فيجب عليهم مراعاتها، لأنّ الإسلام اهتمّ بالحقوق بصورة متعادلة ومتقابلة ولم يتحيّز إلى أحد الطّرفين.

وكلمة (بالمعروف) التي تأتي بمعنى الأعمال الحسنة المعقولة والمنطقيّة تكرّرت في هذه السلسلة من الآيات اثنا عشر مرّة (من الآية مورد البحث إلى الآية 241) كيما تحذّر النساء والرّجال من عاقبة سوء الاستفادة من حقوق الطّرف المقابل، وعليهم إحترام هذه الحقوق والإستفادة منها في تحكيم العلاقة

_____________________________

1 ـ مجمع البيان : ج 1 327.

(149)

الزوجيّة وتحصيل رضا الله تعالى.

جملة (وللرّجال عليهنّ درجة) تكمّل القاعدة السابقة في الحقوق المتقابلة بين الرّجل والمرأة، وفي الواقع أنّ مفهومها هو أنّ مسألة العدالة بين الرّجل والمرأة لا تكون بالضّرورة بمعنى التساوي في الحقوق وأن يكونا في عرض واحد، فهل يلزم أن يكون الجنسان متساويين تماماً في الواجبات والحقوق ؟

لو أخذنا بنظر الإعتبار الإختلافات الكبيرة بين الجنسين على صعيد القوى الجسميّة والروحيّة لاتّضح الجواب عن السؤال.

المرأة بطبيعة مسؤوليتها الحسّاسة في إنجاب الأبناء وتربيتهم تتمتّع بمقدار أوفر من العواطف والمشاعر والإحساسات، في حين أنّ الرجل وطبقاً لهذا القانون اُنيطت به مسؤولية الواجبات الإجتماعيّة التي تستلزم قوّة الفكر والإبتعاد عن العواطف والأحاسيس الشخصيّة أكثر، ولو أردنا إقامة العدالة فيجب أن نضع الوظائف الإجتماعيّة التي تحتاج إلى تفكّر وتحمّل أكثر بعهدة الرّجال، والوظائف والمسؤوليّات التي تحتاج إلى عواطف وإحساسات أكثر بعهدة النّساء، ولهذا السبب كانت إدارة الاُسرة بعهدة الرّجل ومقام المعاونة بعهدة المرأة، وعلى أيّ حال فلا يكون هذا مانعاً من تصدّي المرأة للمسؤوليّات الإجتماعيّة المتوائمة مع قدراتها الجسميّة وملكاتها البيولوجيّة فتؤدّي تلك الوظائف والمسؤوليّات إلى جانب أداء وظيفة الاُمومة في الاُسرة.

وكذلك لايكون هذا التفاوت مانعاً من تفوّق بعض النّساء من الجهات المعنويّة والعلميّة والتقوائيّة على كثير من الرّجال.

فما نرى من إصرار بعض المثقّفين على مقولة التساوي بين الجنسين في جميع الاُمور هو إصرار لا تؤيّده الحقائق على أرض الواقع حيث ينكرون في

(150)

دعواهم هذه الثّوابت العلميّة في هذا المجال، فحتّى في المجتمعات التي تنادي بالمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات نشاهد عملاً بوناً شاسعاً مع نداءاتهم، فمثلاً الإدارة السياسيّة والعسكريّة لجميع المجتمعات البشريّة هي في عهدة الرّجال (إلاّ في موارد استثنائيّة) حيث يُرى هذا المعنى أيضاً في المجتمعات الغربيّة التي ترفع شعار المساواة دائماً.

وعلى كلّ حال، فالحقوق التي يختّص بها الرّجال مثل حقّ الطّلاق أو الرّجوع في العدّة أو القضاء (إلاّ في موارد خاصّة اُعطي فيها حقّ الطّلاق للزّوجة أو حاكم الشرع) ترتكز على هذا الأساس ونتيجة مباشرة لهذه الحقائق العمليّة.

وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ جملة : (للرّجال عليهنّ درجة) ناظرة إلى مسألة الرّجوع في عدّة الطّلاق فقط(1)، ولكن من الواضح إنّ هذا التفسير لا يتوائم وظاهر الآية، لأنّ الآية ذكرت قبل ذلك قانوناً كليّاً حول حقوق المرأة ووجوب رعاية العدالة بجملة (ولهنّ مثل الّذي عليهنَّ بالمعروف) ثمّ أوردت العبارة مورد البحث بشكل قانون كلّي آخر بعد ذلك.

وأخيراً تقول الآية : (والله عزيز حكيم) وهذا إشارة إلى ما يرد في هذا المجال من إشكالات وتساؤلات وأنّ الحكمة الإلهيّة والتدبير الرّباني يستوجبان أن يكون لكلّ شخص في المجتمع وظائف وحقوق معيّنة من قبل قانون الخلقة ويتناسب مع قدراته وقابليّاته الجسميّة والرّوحيّة، وبذلك فإنّ الحكمة الإلهيّة تستوجب أن تكون للمرأة في مقابل الوظائف والمسؤوليّات الملقاة على عاتقها حقوقاً مسلّمة كيما يكون هناك تعادل بين الوظيفة والحقّ.

* * *

_____________________________

1 ـ تفسير في ظلال القرآن : ج 1 ص 360.

(151)

بحوث

1 ـ العدّة وسيلة للعودة والصّلح

أحياناً ينشأ في مناخ الاُسرة وبسبب عوامل مختلفة بعض الإختلافات الجزئيّة وتتهيّأ الأرضيّة النفسيّة لكلٍّ من الزّوجين بشكل يشتد فيه حس الانتقام وتنطفأ فيه أنوار العقل والوجدان. وفي الغالب تكون حالات الفرقة وتشتّت العائلة ناشئة من هذه الموارد والحالات، ولكن يُشاهد في كثير من الحالات أنّ كلّ من الزّوجة والزّوج بعد حصول النّزاع والفُرقة بفترة قليلة من الزّمان يصيبهم النّدم وخاصّة بعد مشاهدة إنهدام الاُسرة وتلاشي المحيط العائلي الدّافيء لتصبَّ حياتهم في بحر المشاكل المختلفة.

وهنا تقول الآية مورد البحث : أنّ على النّساء العدّة والصبر ريثما تهدأ تلك الأمواج النفسيّة وتنقشع سحب النّزاع والعداوة عن سماء الحياة المشتركة، وخاصّة إذا أخذنا بنظر الإعتبار حكم الإسلام في وجوب بقاء المرأة وعدم خروجها من بيت زوجها طيلة مدّة العادة حيث يبعث ذلك على حُسن التفكّر وإعادة النّظر في قرار الطّلاق ممّا يؤثّر ذلك كثيراً في رسم وصياغة علاقاتها مع زوجها، ولذلك نقرأ في سورة الطّلاق آية (1) (لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ... لا تدري لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرا).

وفي الغالب نلحظ أنّه يكفي لإستعادة المناخ الملائم والأجواء الدّافئة للاُسرة قبل الطّلاق قليل من تقوية المحبّة وإعادة المياه إلى مجاريها.

2 ـ العدّة وسيلة لحفظ النّسل

إنّ إحدى الأغراض المهمّة للعدّة هو إتّضاح حالة المرأة بالنّسبة إلى الحمل،

(152)

فصحيح أنّ رؤية المرأة لدم الحيض مرّة واحدة دليل على عدم الحمل، ولكن أحياناً ترى المرأة دم العادة حين الحمل أيضاً وفي بدايته، فمن أجل رعاية هذا الموضوع والحكم بشكل كامل كان على المرأة أن تصبر لترى العدّة ثلاث مرّات وتطهر منها حتّى تقطع تماماً بعدم حملها من زوجها السّابق فيمكنها بعد ذلك الزّواج المجدّد، وطبعاً هناك فوائد اُخرى للعدّة سنشير إليها في مواردها.

3 ـ تلازم الحقّ والوظيفة

هنا يشير القرآن الكريم إلى أصل أساس، وهو أنه كلّما كانت هناك وظيفة ومسؤوليّة كان هناك حقّ إلى جانبها، يعني أنّ الوظيفة والحقّ لاينفصلان أبداً، فمثلاً أنّ على الوالدين وظائف بالنّسبة للأولاد، وهذه الوظائف تسبّب إيجاد حقوق في عهدة الأولاد، أو أنّ القاضي موظّف في تحقيق العدالة في المجتمع ما أمكنه ذلك، وفي مقابل هذه الوظيفة والمسؤوليّة له حقوق كثيرة في عهدة الآخرين، وهكذا بالنّسبة إلى الأنبياء (عليهم السلام) وأقوامهم.

وفي الآية مورد البحث إشارة إلى هذه الحقيقة حيث تقول أنّ النساء لهنّ من الحقوق بمقدار ما عليهنّ من الواجبات والوظائف، وهذا التّساوي بين الحقوق والواجبات يسهّل عمليّاً إجراء العدالة في حقّهن، وكذلك يثبت عكس هذا المطلب أيضاً فمن جُعل له حقّاً ففي مقابله عليه واجبات ومسؤوليّات لابدّ من أدائها، ولذلك لانجد أحداً له حقّ من الحقوق في أحد الموارد وليست في ذمتّه وظيفة ومسؤوليّة.

4 ـ قصّة المرأة في التّاريخ وحقوقها المهدورة

عانت المرأة خلال العصور التاريخيّة المختلفة ألواناً من الظلم والإضطهاد

(153)

والتعسّف، ويشكّل هذا التاريخ المؤلم المرّ جزءً هامّاً من الدراسات الإجتماعية بشكل عامّ يمكن تقسيم تاريخ حياة المرأة إلى مرحلتين :

المرحلة الاُولى : مرحلة ما قبل التاريخ، وليس لنا معلومات صحيحة عن وضع المرأة في هذه المرحلة، ومن الممكن أن تكون قد تمتّعت آنذاك بحقوقها الإنسانية الطبيعيّة.

والمرحلة الثانية : مرحلة التاريخ، والمرأة كانت خلالها في كثير من المجتمعات شخصيّة غير مستقلة في جميع الحقوق الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، واستمرّ هذا الوضع في قسم من المجتمعات حتّى القرون الأخيرة.

هذا اللون من التفكير بشأن المرأة مشهود حتّى في القانون المدنيّ الفرنسيّ المشهور بتقدّميته، على سبيل المثال نشير إلى بعض فقراته المتعلّقة بالشؤون المالية للزوجين :

يستفاد من المادّتين 215 و 217 أنّ المرأة المتزوجة لا تستطيع بدون إذن زوجها وتوقيعه أن تؤدّي أيّ عمل حقوقي، وتحتاج في كلّ معاملة إلى إذن الزوج. هذا إذا لم يرد الرجل أن يستغلّ قدرته وأن يمتنع عن الإذن دون مبرّر.

وحسب المادّة 1242 يحقّ للرجل أن يتصرّف لوحده بالثروة المشتركة بين المرأة والرجل بأيّ شكل من الأشكال، ولا يلزمه استئذان المرأة بشرط أن يكون التصرّف في إطار الإدارة، وإلاَّ لزمت موافقة المرأة وتوقيعها.

وأكثر من ذلك ورد في المادة 1428.: إنّ حقّ إدارة جميع الأموال الخاصّة بالمرأة موكول إلى الرجل ـ على أنّ المعاملة الخارجة عن حدود الإدارة تتطلّب موافقة المرأة وتوقيعها ـ .

وفي أرض الرسالة الإسلامية ـ أي الحجاز ـ كانت المرأة تعامل معاملة الكائن غير المستقل، وكانوا يستثمرونها بشكل فظيع قريب من حالة التوحّش.

(154)

وبلغ وضع المرأة من الإنحطاط بحيث إن صاحبها كان يستفيد منها للإرتزاق أحياناً، فيعرضها للإيجار.

ما كان يعانيه هؤلاء من فقر حضاري وفقر مادّي جعل منهم قساة لا يتورّعون عن إرتكاب جريمة «الوأد» بحقّ الاُنثى.

5 ـ المرحلة الجديدة في حياه المرأة

مع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية، دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كلّ البعد عمّا سبقها. في هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلّة ومتمتّعة بكلّ حقوقها الفردية والإجتماعية والإنسانية.

تقوم تعاليم الإسلام بشأن المرأة على أساس الآيات التي ندرسها في هذا المبحث حيث يقول تعالى : (ولهنَّ مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروف)، فالمرأة بموجب هذه الآية تتمتّع بحقوق تعادل ما عليها من واجبات ثقيلة في المجتمع.

الإسلام اعتبر الرجل كالمرأة كائناً ذا روح إنسانيّة كاملة، وذا إرادة وإختيار، ويطوي طريقه على طريق تكامله الذي هو هدف الخلقة، ولذلك خاطب الرجل والمرأة معاً في بيان واحد حين قال : (يا أيّها النَّاس... ويا أيّها الذين آمنوا). وضع لهما منهجاً تربوياً وأخلاقياً وعلمياً ووعدهما معاً بالسعادة الأبدية الكاملة في الآخرة، كما جاء في قوله تعالى : (وَ مَنْ عَمِلَ صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمنٌ فأُولئك يدخلون الجنّة)(1).

وأكّد أنّ الجنسين قادران على إنتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنويّ والماديّ ولبلوغ الحياة الطيّبة المفعمة بالطمأنينة، نظير ما جاء في قوله

_____________________________

1 ـ غافر : 40.

(155)

تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً من ذكر أو أُنثى وَهوَ مؤمنٌ فَلَنُحيِيَنّه حياهً طيّبة ولَنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)(1).

الإسلام يرى المرأة كالرجل إنساناً مستقلاًّ حرّاً، وهذا المفهوم جاء في مواضع عديدة من القرآن الكريم، كقوله تعالى : (كلّ نفس بما كسبت رهينة)(2). و (مَن عَمِلَ صالحاً فلنفسه وَ مَنْ أساء فعليها)(3).

هذه الحريّة قرّرها الإسلام للمرأة والرجل، ولذلك فهما متساويان أمام قوانين الجزاء : (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة)(4).

لمّا كان الاستقلال يستلزم الإرادة والإختيار، فقد قرّر الإسلام هذا الاستقلال في جميع الحقوق الإقتصادية، وأباح للمرأة كلّ ألوان الممارسات المالية، وجعلها مالكة عائدها وأموالها، يقول سبحانه في سورة النساء : (للرجالِ نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنساءِ نصيبٌ ممّا اكتسبن)(5).

كلمة «اكتساب» ـ خلافاً لكلمة «كسب» ـ لا تستعمل إلاَّ فيما يعود نتيجته على الإنسان نفسه(6).

ولو أضفنا إلى هذا المفهوم القاعدة العامّة القائلة : «الناس مسلّطون على أموالهم» لفهمنا مدى الإحترام الذي أقرّه الإسلام للمرأة بمنحها الاستقلال الإقتصادي، ومدى التساوي الذي قرّره بين الجنسين في هذا المجال.

فالمرأة ـ في مفهوم الإسلام ـ ركن المجتمع الأساسي، ولايجوز التعامل معها

_____________________________

1 ـ النحل : 95.

2 ـ المدّثر : 28.

3 ـ فصّلت : 46.

4 ـ النور : 2.

5 ـ النساء : 32.

6 ـ راجع مفردات الراغب، هذا طبعاً حين تتقابل كلمتي : كسب واكتساب.

(156)

على أنّها موجود تابع عديم الإرادة يحتاج إلى قيّم.

6 ـ المفهوم الصحيح للمساواة

وهنا ينبغي الإلتفات إلى مسألة الإختلافات الروحية والجسمية بين المرأة والرجل، وهي مسألة التفت إليها الإسلام بشكل خاصّ وأنكرها بعضهم منطلقين من تطرّف في أحاسيسهم.

إن أنكرنا كلّ شيء فلا نستطيع أن ننكر الإختلافات الصارخة بين الجنسين في الناحية الجسمية والناحية الروحية، وهذه مسألة تناولتها تأليفات مستقلّة ملخّصها :

إنّ المرأة قاعدة إنبثاق الإنسان، وفي أحضانها يتربّى الجيل ويترعرع، وهي لذلك خلقت لتكون مؤهلة جسمياً لتربية الأجيال، كما أنّ لها من الناحية الروحية سهماً أوفى من العواطف والمشاعر.

وهل يمكن مع هذا الإختلاف الكبير أن ندّعي تساوي الجنسين في جميع الأعمال واشتراكهما المتساوي في كلّ الاُمور ؟ !

أليست العدالة أن يؤدّي كلّ كائن واجبه مستفيداً من مواهبه وكفاءاته الخاصّة ؟ !

أليس خلافاً للعدالة أن تقوم المرأة بأعمال لا تتناسب مع تكوينها الجسمي والروحي ؟ !

من هنا نرى الإسلام ـ مع تأكيده على العدالة ـ يجعل الرجل مقدّماً في بعض الأُمور مثل الإشراف على الأُسرة و... ويدع للمرأة مكانه المساعد فيها.

العائلة والمجتمع يحتاج كلّ منهما إلى مدير، ومسألة الإدارة في آخر

(157)

مراحلها يجب أن تنتهي بشخص واحد، وإلاَّ ساد الهرج والمرج.

فهل من الأفضل أن يتولّى هذه المسؤولية المرأة أم الرجل ؟ كلّ المحاسبات البعيدة عن التعصّب تقول : إنّ الوضع التكويني للرجل يفرض أن تكون مسؤولية إدارة الأُسرة بيد الرجل، والمرأة تعاونه.

مع إصرار المصرّين ولجاج المتعصّبين على إنكار الواقع، فإنّ وضع الحياة الواقعية في عالمنا المعاصر وحتّى في البلدان التي منحت المرأة الحرّية والمساواة بالشكل الكامل ـ على زعمهم ـ يدلّ على أنّ المسألة على الصعيد العملي هي كما ذكرناه وإن كانت المزاعم خلاف ذلك.

* * *

(158)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21403307

  • التاريخ : 19/04/2024 - 21:27

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net