00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الحجر من آية 85 ـ آخر السورة من ( ص 105 ـ 122)  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثامن)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[105]

الآيات

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَـوتِ وَالأَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لأََتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ(85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلَّـقُ الْعَلِيمُ(86) وَلَقَدْ ءَاتَيْنكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ(87)لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ(88) وَقُلْ إِنِّى أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ(89)كَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ(90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْءَانَ عِضِينَ(91)

التّفسير

يعود القرآن بعد طرح قصص الأقوام السالفة ـ كقوم لوط وقوم شعيب  وصالح ـ  إِلى مسألة التوحيد والمعاد، لأنّ سبب ضلال الإِنسان يعود إِلى عدم اعتناقه عقيدة صحيحة، ولعدم ارتباطه بمسألة المبدأ والمعاد، فيشير إِليهما معاً في آية واحدة (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إِلاّ بالحق). فنظامها محسوب ومحكم وهو حق، وكذا هدف خلقها حقٌّ.

فيكون هذا النظام البديع والخلق الدقيق المنظم دليلا واضحاً على الخالق

[106]

العالم القادر جلَّ وعلا، وهو حق أيضاً، بل هو حقيقة الحق، وكل حق بما هو متصل بوجوده المطلق فهو حق، وكل شيء لا يرتبط به سبحانه فهو باطل.. وهذا ما يخصّ التوحيد أمّا في المعاد فيقول: (وإِنّ الساعة لآتية).. وإِنْ تأخرت فإِنّها آتية بالنتيجة.

ولا يبعد أن تكون الفقرة الأُولى بمنزلة الدال على الفقرة الثّانية، لأنّ هذا العالم إِنّما يكون حقاً عندما يكون لهذه الأيّام الدنيوية المليئة بالآلام والمتاعب هدف عال يبرر خلق هذا الوجود الكبير ـ فليست الدنيا لنحياها وتنتهي ـ ولهذا فمسألة خلق السماوات والأرض وما بينهما حقّ يدل على وجود يوم القيامة والحساب، وإِلاّ لكان الخلق عبثاً وليس حقّاً ـ فتأمل.

وبعد ذلك.. يأمر اللّه تعالى نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يقابل عناد قومه وجهلهم وتعصبهم وعداءهم بالمحبّة والعفو وغض النظر عن الذنوب، والصفح عنهم بالصفح الجميل، أيْ غير مصحوب بملامة (فاصفح الصفح الجميل).

لأنّك تملك الدليل الواضح على ما أمرت بالدعوة إِليه، فلا تحتاج وإِيّاهم إِلى الخشونة لتثبيت عقيدة المبدأ والمعاد في قلوب الناس، فالعقل والمنطق السليم معك.

بالإِضافة إِلى أنّ الخشونة مع الجهلة غالباً ما تؤدي بهم إِلى الرد بالمثل، بل وبأشد من ذلك.

الصفح: هو وجه كل شيء، كوجه الصورة(1)، ولهذا فقد جاءت كلمة «فاصفح» بمعنى أدر وجهك وغض النظر عنهم.

وبما أنّ إدارة الوجه وصرفه عن الشيء قد تعطي معنى عدم الإِهتمام والنفرة وما شابه ذلك بالإِضافة لمعنى العفو والصفح، فقد ذكرت الآية المتقدمة كلمة

_____________________________

1 ـ يقول الفيروز آبادي في القاموس، ج 1، ص242: الصفح: الجانب، ومن الجبل مضطجعه، ومنك جنبك، ومن الوجه والسيف عرضه.

[107]

«الجميل» بعد «الصفح» لكي تحدد المعنى الثّاني.

وفي رواية عن الإِمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) في تفسير هذه الآية أنّه قال: (العفو من غير عتاب)(1).

وروي مثل ذلك عن الإِمام زين العابدين(عليه السلام)(2).

الآية التالية ـ كما يقول جمع من المفسّرين ـ بمنزلة الدليل على وجوب العفو والصفح الجميل، حيث تقول: (إِن ربّك هو الخلاق العليم).

فاللّه يعلم بأنّ الناس ليسوا سواسية من جهة الطبائع والمستويات الفكرية والعاطفية وهو سبحانه مطلع على ما تخفيه صدورهم، وينبغي معاملتهم بروحية العفو والمسامحة ليهتدوا إِلى طريق الحق بأسلوب الإِصلاح المرحلي أو التدريجي.

ولا يرمز ذلك إِلى الجبر في أعمال الناس وسلوكهم، بقدر ما هو إِشارة إِلى أمر تربوي يأخذ بنظر الاعتبار اختلاف الناس في القابليات.

وممّا يجدر ذكره.. تصور البعض أنّ الأمر الإِلهي مختصٌ بفترة حياة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في مكّة قبل الهجرة، وعندما هاجر(صلى الله عليه وآله وسلم) إِلى المدينة أصبح للمسلمين القدرة والقوّة فنسخ هذا الأمر وجاء الجهاد بدله.

ولكننا نجد ورود هذا الأمر في السور المدينة أيضاً (كسورة البقرة وسورة النّور والتغابن والمائدة)، فبعض منها يأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالعفو والصفح، والبعض الآخر يأمر المؤمنين بذلك.

فيتّضح لنا أنّ أمر الصفح عام ودائم، وهو لا يعارض أمر الجهاد أبداً، فلكلٍّ محله الخاص به.

فإِذا كان الموقف يستدعي العفو والتسامح، فَلِمَ لا يؤخذ به! وإِذا كان مدعاة

_____________________________

1 ـ تفسير نور الثقلين، ج3، ص27.

2 ـ المصدر السّابق.

[108]

للتجرؤ والجسارة من قبل الأعداء ولا ينفع معهم إِلاّ الشدة، فلا مناص حينئذ من الأخذ بأمر الجهاد.

ثمّ يواسي اللّه تعالى نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم).. أنْ لا تقلق من وحشية الأعداء وكثرتهم وما يملكون من إِمكانات مادية واسعة، لأنّ اللّه أعطاك ما لا يقف أمامه شيء (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم).

وكما هو معلوم، فإِنّ «السبع» هم العدد سبعة، و«المثاني» هو العدد اثنان، ولهذا اعتبر أكثر المفسّرون أنّ «سبعاً من المثاني» كناية عن سورة الحمد، والرّوايات كذلك تشير لهذا المعنى.

والداعي لذلك كونها تتأليف من سبع آيات، لأهميتها وعظمة محتواها فقد نزلت مرتين على النّبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو لأنّها تتكون من قسمين (فنصفها حمد وثناء للّه عزَّ وجلّ والنصف الآخر دعاء عبادة)، أو لأنّها تقرأ مرّتين في كل صلاة(1).

واحتمل بعض المفسّرين أن «السبع» إِشارة إِلى السور السبع الطول التي ابتدأ بها القرآن، و«المثاني» كناية عن نفس القرآن، لأنّه نزل مرتين على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مرّة بصورة كاملة، وأُخرى نزل نزولا تدريجياً حسب الإِحتياج إِليه في أزمنة مختلفة.

وعلى هذا يكون معنى (سبعاً من المثاني) سبع سور مهمات من القرآن.

ودليلهم في ذلك الآية الثّالثة والعشرون من سورة الزمر، حيث يقول تعالى: (اللّه نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني)، أيْ مرتين على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

ولكنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صواباً، خصوصاً وأنّ روايات أهل البيت(عليهم السلام)تشير إِلى أنّ «السبع المثاني» هي سورة الحمد.

واعتبر الراغب في مفرداته أنّ كلمة «المثاني» أطلقت على القرآن لما يتكرر

_____________________________

1 ـ وفي حديث عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : «إِن اللّه عزَّ وجلّ قال: قسّمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي» مجمع البيان، ج1، ص17، وراجع كذلك تفسير نور الثقلين، ج3، ص28 و 29.

[109]

من قراءة آياته، وهذا التكرار هو الذي يحفظه من التلاعب والتحريف (إِضافة إِلى أنّ حقائق القرآن تتجلى في كل زمان بشكل جديد ينبغي له أن يوصف بالمثاني).

وعلى أية حال، فذكر عبارة «القرآن العظيم» بعد ذكر سورة الحمد، بالرغم من أنّها جزء منه، دليل آخر على شرف وأهمية هذه السورة المباركة، وكثيراً ما يذكر الجزء مقابل الكل لأهميته، وهو كثير الإستعمال في الأدب العربي وغيره.

وخلاصة المطاف أنّ اللّه تعالى قد صرّح لنبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّك قد ملكت سنداً عظيماً (القرآن)، ولا تستطيع أي قوة في عالم الوجود أن تصرعه.

سنداً كلّه نور، بركة، دروس تربوية، برامج عملية، هداية وتسديد، وبالذات سورة الفاتحة منه التي لها من المحتوى والأثر بحيث لو ارتبط العبد بربّه ولو للحظة واحدة لحلّقت روحه لساحة قدس الرّب، وهي تعيش حال التعظيم والتسليم والمناجاة والدّعاء.

وبعد هذه الهبة العظيمة يأمر اللّه تعالى نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بأربعة أوامر فيقول له أوّلاً: (لا تمدّن عينيك إِلى ما متعنا به أزواجاً منهم)(1).

فمتع الحياة الدنيا ليست دائمة ولا خالية من التبعات، والحفاظ عليها أمر صعب في أحسن الحالات.

ولهذا، لا تستحق الإِهتمام بها مقابل ما أعطاك اللّه عزَّوجلّ من العطاء المعنوي الجزيل (أيْ القرآن).

ثمّ يقول في الأمر الثّاني: (ولا تحزن عليهم) لما عندهم من أموال ونعم مادية.

فالأمر الأوّل في الحقيقة يتعلق بعدم الإِهتمام والتوجه نحو النعم المادية، والأمر الثّاني يتعلق بعدم التأثر لفقدانها.

_____________________________

1 ـ أزواجاً: مفعول (متعنا). ومنهم: جار ومجرور متعلق بفعل مقدر. فيكون المعنى إِجمالا: مجموعات مختلفة من الكفار.

[110]

وقد جاء ما يشبه هذا المضمون في الآية (131) من سورة طه حيث يقول جل وعلا بتفصيل أكثر: (ولا تمدّن عينيك إِلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خير وأبقى).

والأمر الثّالث: جاء بخصوص ضرورة اللين والتواضع مع المؤمنين حيث يقول: (واخفض جناحك للمؤمنين).

إِنّ هذا التعبير، كناية جميلة عن التواضع والمحبّة والملاطفة، فالطيور حينما تريد إِظهار حنانها لفراخها تجعلها تحت أجنحتها بعد خفضها، فتجسّم بذلك أعلى صور العاطفة والحنان وتحفظهم من الحوادث والأعداء، وتحميهم من التشتت.

والتعبير المذكور عبارة عن كناية مختصرة بليغة ذات مغزىً ومعان كثيرة جدّاً.

ويمكن أن يحمل ذكر هذه الجملة بعد الأوامر الثلاثة المتقدمة إِشارة تحذير بعدم إِظهار التواضع والإنكسار أمام الكفار المتنعمين بزهو الحياة الدنيا، بل لابدّ للتواضع والحب والعاطفة الفياضة لمن آمن وإِنْ كان محروماً من مال الدنيا.

ونصل إلى الأمر الرّابع: وقل لهؤلاء الكفرة المنعمين بكل حزم (إِنّي أنا النذير المبين).

قل: أنذركم من أمر اللّه بنزول عذابه عليكم (كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين)(1)، أي الذين قسّموا الآيات القرآنية أصنافاً، فما كان ينفعهم أخذوه، وما لا ينسجم ومشتهياتهم تركوه.

فبدل أن يتخذوا كتاب اللّه هادياً وقائداً لهم، جعلوه كآلة بأيديهم ووسيلة للوصول لأهدافهم الشريرة، فلو وجدوا فيه كلمة واحدة تنفعهم لتمسكوا بها، ولو وجدوا ألف كلمة لا تنسجم مع منافعهم الدنيوية لتركوها بأجمعها!!

* * *

_____________________________

1 ـ عضين: (جمع عضة) أي التفريق، ويقال لكل جزء ممّا قسم عضين أيضاً.

[111]

بحوث

1 ـ القرآن.. عطاء إِلهي عظيم

يخبر اللّه تعالىْ في الآيات المذكورة نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعنوان تنبيه لجميع مسلمي العالم، أن هذا القرآن جعل في اختياركم، وفيه من العطاء ما لا يُعَدْ، وليكن رأسمالكم الذي تتعاملون فيه في حياتكم، ولو عملتم به لجعلتم دنياكم كلها سعادة ورفاه وأمن وصلاح.

وهذه حقيقة يعترف بها حتى غير المسلمين، فهم يعتقدون بأنّ المسلمين إِذا أخذوا القرآن وجعلوه أساس حياتهم، وعملوا بأحكامه وهديه، فسيكونون من القوّة والتقدم بحيث لا يسبقهم في ذلك أحد.

فنرى مثلا، سورة الحمد «سبعاً من المثاني» والتي تسمّى «خاتمة الكتاب» لوحدها تمثل مدرسة كاملة للحياة:

فأوّلها.. يشير إِلى خالق الوجود الذي يربي جميع أهل العالم في مسيرة تكاملية شاملة، هذا الخالق الذي وسعت رحمته «خاصّة» وعامّة كل شيء.. ثمّ تشير إِلى محكمة العدل الإِلهية التي يكفل الإيمان بها خلق رقابة دقيقة على جميع سلوكيات الإنسان ونواياه.

ثمّ الإِشارة إِلى عدم الإِتكال على غير اللّه، وعدم الخضوع والتسليم لغيره لتتهيأ الأرضية الصالحة للسير على صراطه المستقيم الذي لا عوج فيه ولا ميل لا إِلى شرق ولا إِلى غرب، كما أنّه ليس فيه إِفراط ولا تفريط، وكذلك ليس فيه ضلال ولا غضب من اللّه عزَّوجلّ.

إنّها جملة أُمور، لو تمثلها الإِنسان وبنى عليها كيانه، لكانت كفيلة بأن تجعل له شخصية سامية متكاملة.

وللأسف الشديد فقد وقع هذا العطاء الإِلهي بأيدي أُناس لم يعرفوا جلالة قدره، ولم يغورو العمق معناه، بل إنّهم من الجهل بمكان حتى وصل بهم الأمر أن

[112]

تركوا تلك الآيات الرّبانية المنجية من التيه والضلال والجهل، وركضوا لاهثين وراء مَنْ ملكته شهواته ومَنْ لم يصل إِلى أدنى درجات النضج الفكري، ليستجدوا منهم القوانين والبرامج التربوية التي صنعها جهلهم المتلبس بلباس العلم والتقدم!

فهؤلاء المساكين يبيعون أغلى ما عندهم بثمن بخس، ويشترون به ما يبعدهم عن بناء أُخراهم!

ولا يعني هذا بأنّا ضد التقدم التقني، بل علينا أن لا نحصر كل أنفسنا في هذا الجانب من الحياة الإِنسانية.. ففي الوقت الذي نجد في القرآن تلك العيون الفياضة بالمعنويات، نراه كذلك صاحب برامج حيوية في مجالات التقدم والرفاه الماديين، وهذا ما أوضحناه في الآيات المتقدمة وما سنزيد فيه في الآيات القادمة إِن شاء اللّه تعالى.

2 ـ الطمع بما عند الغير.. مصدر الإِنحطاط

هناك الكثير من أصحاب العيون الضيقة الذين يلاحظون هذا وذاك باستمرار بعيون ملؤها الطمع والجشع!

لقد دأب هؤلاء على قياس حالهم وحال الآخرين ويغتمون غماً شديداً فيما لو وجدوا أن شيئاً من الحاجات المادية الحياتية ناقصاً عندهم، فيبذلون كل شيء في سبيل الحصول عليها حتى وإِن كلفهم ذلك خسارة القيم الإِنسانية وبيع كرامتهم!

هذا نمط من التفكير ينم عن حالة التخلف، ويكشف عن الشعور بعقدة الحقارة ونقص الهمة. وهو من العوامل الفاعلة في تخلف الإِنسان في حياته، وعلى كافّة الأصعدة.

والشخص المستقل لا يتعامل مع مجريات الحياة بذلك النمط من التفكير المتخلف، وإِنّما يستعمل قواه الفكرية والجسمانية في طريق رشده وتكامله، فهو

[113]

كمن يحدث نفسه قائلا: بما أنّه لا ينقصني عن الآخرين شيء، ولا يوجد دليل على عدم استطاعتي التقدم أكثر منهم أو الوصول لمصافهم.. فلماذا أمدٌ عيني لما متع به الآخرين من مال وجاه وما شاكل...

فصاحب الشخصية المستقلة لا يربط هدفه ومقصده من الحياة بالجوانب المادية البحتة فقط، بل يطلبها لإشباع ما يحتاجه روحياً وتربوياً، ويطلبها لكي يحفظ بها استقلاله وحريته، ولكي لا يكون عالة على الآخرين، فهو لا يطلبها بحرص، ولا يطلبها بكل ما يملك، لأنّ ذلك ليس بيع الأحرار، ولا هو بيع عباد اللّه الصالحين.

ونختم الحديث بالحديث النّبوي الشريف: «مَنْ رمى ببصره ما في يد غيره كثر همّه ولم يشف غيظه»(1).

3 ـ تواضع القائد

لقد أُوصي النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مراراً من خلال القرآن أنْ يكون مع المؤمنين متواضعاً، محبّاً، سهلا ورحيماً، والوصايا ليست منحصرة بخصوص نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هي عامّة لكل قائد وموجّه، سواء كانت دائرة قيادته واسعة أم محدودة، فعليه أن يأخذ بهذا الأصل الأساسي في الإِدارة والقيادة الصحيحة.

إِنّ حبّ وتعلق الأفراد بقائدهم من الأُسس الفاعلة لنجاح القائد، وهذا ما لا يتحقق من دون تواضعه وطلاقة وجهه وحبّه لخير أفراده.

أمّا خشونة وقساوة القائد فلا تؤدي إِلاّ إِلى فصم رابطة الإِلتحام بينه وبين الأفراد ممّا يؤدى إِلى تفرق وتشتت الناس عن قائدهم.

قال أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في رسالته إِلى محمّد بن أبي بكر: «فاخفض لهم

_____________________________

1 ـ تفسير الصافي، في تفسير الآيات مورد البحث.

[114]

جناحك وألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظة والنظرة»(1).

4 ـ مَنْ هم المقتسمون؟

إنّ التوجيهات الإِلهية بلاشك تراعى فيها المصلحة العامّة ومصلحة الأفراد بصورة عامة، ولكن البعض منها قد يوافق مصالحنا الشخصية بحسب الظاهر والبعض الآخر على خلافها. ومن خلال قبول أو رفض ما يدعونا إِليه اللّه يمحص المؤمن الخالص من المدعي للإِيمان، فالذي يقبل كل شيء نازل من اللّه ويسلم له، حتى وإِنّ ظاهره لا يتوافق مع مصلحته، ويقول «كل من عند ربّنا» ولا يجرؤ على تجزئة أو تقسيم أو تبعيض الأحكام الإِلهية.. فذلك هو المؤمن حقّاً.

أمّا الذين استفحل المرض في قلوبهم فيحاولون تسخير دين اللّه وأحكامه لخدمة مصالحهم الشخصية، فيقبلون ما يدعم منافعهم ويتركون غيره، فتراهم يجزؤون الآيات القرآنية، بل وتراهم في بعض الأحيان يجزؤون الآية الواحدة، فما يوافق ميولهم احتذوا به ويتركون القسم الباقي من الآية! ولكن من القبح أن نردد ما قاله بعض الأقوام السابقة (نؤمن ببعض ونكفر ببعض) فهذا شأن عبيد الدنيا.

أمّا معيار تشخيص أتباع الحق من أتباع الباطل فمن خلال التسليم للأوامر والتوجيهات الإِلهية التي لا تنسجم مع الميول والأهواء والمنافع الدنيوية، فمن هنا يُعرف الصادق من الكذاب والمؤمن من المنافق.

وتجدر الإِشارة هنا إِلى وجود تفاسير أُخرى لمعنى المقتسمين (غير ما ذكرناه)، حتى أنّ القرطبي قد ذكر في تفسيره سبعة آراء في معنى هذه الكلمة، إِلاّ أنّ أكثرها خال من القرينة، والبعض الآخر لا يخلو من مناسبة وهو ما سنذكره

_____________________________

1 ـ نهج البلاغة، قسم الرسائل، الرسالة 27.

[115]

أدناه:

فمنها.. أنّ جمعاً من رؤوس المشركين كانوا يقفون في أيّام الحج على رؤوس طرق وأزقة مكّة، ويشرع كل واحد منهم بالسخرية والإِستهزاء بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن لينفروا الناس عنه.

فبعض يقول : إنّه « مجنون » فإِنّ ما يقوله ليس بموزون..

وبعض يقول : إنّه « ساحر » وقرآنه نوع من السحر..

وبعض يقول : إنّه « شاعر » والنغمة البلاغية للآيات السماوية هي شعر..

وبعض يقول : إنّه « كاهن » وإِنّ أخبار القرآن الغيبية هي نوع من الكهانة.

وقد سُمي هؤلاء بالمقتسمين لتقسيمهم شوارع وأزقة مكّة ومعابرها بينهم ضمن خطة دقيقة ومحسوبة.

ولا مانع من دخول هذا التّفسير وما ذكرناه معاً ضمن مفهوم الآية المبحوثة.

* * *

[116]

الآيات

فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ(93) إِنَّا كَفَيْنكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ(95)الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلـهاً ءَاخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ السَّـجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)

التّفسير

إصدع بما تؤمر!

يبيّن القرآن في أواخر سورة الحجر مصير المقتسمين الذين ذُكروا في الآيات السابقة فيقول: (فَوَربِّك لنسئلنّهم أجمعين عمّا كانوا يعملون).

إِنّ عالم السر والعلن ومَنْ لا يخفى عليه ذرة ما في السماوات والأرضين لا يسأل لكشف أمر خفي عليه (سبحانه وتعالى عن ذلك)، وإِنّما السؤال لتفهيم المسؤول قبح فعله، أو كون السؤال نوعاً من العقاب الروحي، لأنّ الجواب سيكون عن أُمور قبيحة ومصحوباً باللوم والتوبيخ، وذلك ما يكون له بالغ الأثر في ذلك المقام، حيث أنّ الإنسان عندها أقرب ما يكون إِلى الحقائق وإِدراكها.

[117]

وعلى هذا الأساس فالسؤال قسم من العقاب الروحي.

وعموم قوله تعالى: (عمّا كانوا يعملون) يرشدنا إِلى أنّ السؤال سيكون عن جميع أفعال الإِنسان بلا استثناء، وهو درس بليغ كي لا نغفل عن أفعالنا.

أمّا ما اعتبره بعض المفسّرين من اختصاص السؤال عن التوحيد والإِيمان بالأنبياء، أو هو مرتبط بما يعبد المشركون.. فهو كلام بلا دليل، ومفهوم الآية عام.

وقد يُشْكِلُ البعض من كون الآية المتقدمة تؤكّد على أنّ اللّه تعالى سيسأل عباده، في حين نقرأ في الآية التاسعة والثلاثين من سورة الرحمن (فيومئذ لا يسئل عن ذنبه انس ولا جان).

وقد أجبنا عن ذلك سابقاً، وخلاصته: في القيامة مراحل، يُسأل في بعضها ولا يسأل في البعض الآخر حيث تكون الأُمور من الوضوح بحيث لا تستوجب السؤال، أو أن لا يكون السؤال باللسان، وهذا ما نستنتجه من الآية الخامسة والستين من سورة يس حيث تشير إِلى غلق الأفواه وبدأ أعضاء البدن ـ حتى الجلد ـ بالسؤال(1).

ثمّ يأمر اللّه تعالى نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله (فاصدع بما تؤمر)، أيْ لا تخف من ضوضاء المشركين والمجرمين، ولا تضعف أو تتردد أو تسكت، بل أدعهم إِلى رسالتك جهاراً.

(واعرض عن المشركين)، ولا تعتنِ بهم.

«فاصدع»، من مادة (صدع) وهي لغةً بمعنى «الشق» بشكل مطلق، أو شق الأجسام المحكمة بما يكشف عمّا في داخلها، ويقال أيضاً لألم الرأس الشديد (صداع) وكأنّه من شدته يريد أن يشق الرأس!

وهي هنا.. بمعنى: الإِظهار والإِعلان والإِفشاء.

_____________________________

1 ـ لمزيد من الإِيضاح، راجع ذيل تفسير الآية (7) من سورة الأعراف.

[118]

وعلى أية حال.. فالإِعراض عن المشركين هنا بمعنى الإهمال، أو ترك مجاهدتهم وحربهم، لأنّ المسلمين في ذلك الوقت لم تصل قدرتهم ـ بعد ـ لمستوى المواجهة مع الأعداء وحربهم.

ثمّ يطمئن اللّه تعالى نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) تقويةً لقلبه: (إِنا كفيناك المستهزئين).

إِنّ مجيء الفعل بصيغة الماضي في هذه الآية مع أنّ المراد المستقبل يشير إِلى حتمية الحماية الرّبانية، أيّ: سندفع عنك شر المستهزئين، حتماً مقضياً.

وقد ذكر المفسّرون رواية تتحدث عن ست جماعات (أو أقل) كان منهم يمارس نوعاً من الإِستهزاء تجاه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

فكلما صدع النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالدعوة قاموا بالإِستهزاء تفريقاً للناس من حوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّ اللّه تعالى ابتلى كلا منهم بنوع من البلاء، حتى شغلهم عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، (وقد ورد تفصيل تلك الإِبتلاءات في بعض التفاسير).

ثمّ يصف المستهزئين: (الذين يجعلون مع اللّه إِلهاً آخر فسوف يعلمون).

كأن القرآن يريد أن يقول: إِنّ أفكار وأعمال هؤلاء بنفسها عبث سخف حيث يعبدون ما ينحتونه بأيديهم من حجر وخشب، ودفعهم جهلهم لأن يجعلوا مع اللّه ما صنعوا بأيديهم آلهة! ومع ذلك.. يستهزؤون بك!

ولمزيد من التأكيد على اطمئنان قلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، يضيف تعالى قائلا: (ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك بما يقولون)، فروحك اللطيفة وقلبك الطيب الرقيق لا يتحملان تلك الأقوال السيئة وأحاديث الكفر والشرك، ولذلك يضيق صدرك.

ولكنْ لا تحزن من قبح أقوالهم (فسبح بحمد ربّك وكن من الساجدين).

لأنّ تسبيح اللّه يذهب أثر أقوالهم القبيحة من قلوب أحباء اللّه، هذا أوّلاً.. وثانياً، يعطيك قدرة وقوّة ونوراً وصفاءً، ويخلق فيك تجلياً وانفتاحاً، ويقوي إرتباطك مع اللّه، ويقوي إِرادتك ويبث فيك قدرة أكبر للتحمل والثبات والمجاهدة في قبال أعداء اللّه.

[119]

ولهذا نقرأ في رواية نقلا عن ابن عباس أنّه قال: كان رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) إِذا أحزنه أمر فزع إِلى الصلاة.

ثمّ يعطي اللّه نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) آخر أمر في هذا الشأن: (واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين).

المعروف والمشهور بين المفسّرين أنّ المقصود من «اليقين» هنا الموت، وسُمّي باليقين لحتميته، فربما يشك الإِنسان في كل شيء، إِلاّ الموت فلا يشك فيه أحد قط.

أو لأنّ الحجب تزال عن عين الإِنسان عند الموت فتتّضح الحقائق أمامه ويحصل له اليقين.

وفي الآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من سورة المدّثر نقرأ عن لسان أهل جهنم: (وكنّا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) أي الموت.

ومن هنا يتّضح خطأ ما نقل عن بعض الصوفية من أنّ الآية أعلاه دليل على ترك العبادة، فقالوا: أعبد اللّه حتى تحصل على درجة اليقين، فإِذا حصلت عليها فلا حاجة للعبادة بعدها!

ونقول:

أوّلا: اليقين هنا بمعنى الموت بشهادة الآيات القرآنية المشار إِليها، وهو ما يحصل للمؤمن والكافر سواء.

ثانياً: المخاطب بهذه الاية هو النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومقام اليقين للنّبي من المسلمات، وهل يجرؤ أحد أن يدّعي أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يصل لدرجة اليقين، حتى يخاطب بالآية المذكورة؟!!

ثانياً: المقطوع به أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك العبادة حتى آخر لحظات عمره الشريف، وكذا الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي(عليه السلام) وهو المستشهد في المحراب، وهو ما سار عليه بقية الأئمّة(عليهم السلام).

* * *

[120]

بحوث

1 ـ بداية الدعوة العلنية للإِسلام

المستفاد من بعض الرّوايات أنّ الآيتين (فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين إِنّا كفيناك المستهزئين) نزلتا في مكّة بعد أنْ قضى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث سنوات في الدعوة السرية لرسالته، ولم يؤمن به إِلاّ القليل من المقربين إليه، وأول مَنْ آمن من النساء خديجة(عليها السلام) ومن الرجال علي(عليه السلام).

من البديهي، أنّ الدعوة إِلى التوحيد الخالص المصاحبة لتحطيم نظام الشرك وعبادة الأصنام في تلك البيئة وفترتها كانت في الواقع عملا عجيباً ومخيفاً، واستهزاء المشركين وسخريتهم كان معلوماً عند اللّه من قبل أن يُمارس، ولهذا أراد اللّه تعالى تقوية قلب نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) كي لا يخشى المستهزئين، ويعلن رسالته بكل قوّة على الملأ ويشرع بجهاد منطقي معهم(1).

2 ـ الأثر الرّوحي لذكر اللّه

إِنّ حياة الإِنسان (كانت وما زالت) زاخرة بالمشاكل بحسب ما تقتضيه طبيعة الحياة الدنيا، وكلما علا الإِنسان درجة كثرت مشاكله وتعددت، ومن هنا نفهم شدة ما واجهه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من مشاكل وصعاب في طريق دعوته الكبيرة.

ويكون العلاج الرّباني لتجاوز العقبات عبارة عن محاولة تحصيل القوة من مصدرها الحق مع التحلي بسعة الصدر،فيأمر نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتسبيح والذكر والدعاء والسجود، لما للعبادة من أثر عميق في تقوية روح الأِنسان وإِيمانه وإِرادته.

ونستفيد من روايات مختلفة أنّ الأئمّة(عليهم السلام) إِذا واجهتهم المصاعب الشداد والبلاء، لجؤوا إِلى اللّه وشرعوا بالعبادة والدعاء، كي يستمدوا القوة من معينها الأصيل.

_____________________________

1 ـ راجع تفسير نور الثقلين، ج3، ص32.

[121]

3 ـ العبادة والتكامل

وكما هو معلوم فإِنّ الإِنسان قد بدأ انطلاقته في الحياة من نقطة العدم ولا يزال يسير نحو المطلق، ولن تتوقف عجلة تكامله (مادام مداوماً على الطريق) كما أنّه يمتلك مقومات السير ويمتاز بقابلية فائقة واستعداد كامل في طلبه للتكامل، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى تعتبر العبادة مدرسة عالية للتربية، لأنّها توقظ عقل الإِنسان، وتوجه فكره نحو المطلق، وتغسل غبار الذنوب والغفلة من قلبه وروحه، وتنمي فيه الصفات الإِنسانية الرفيعة، وتقوي إِيمانه وتجعله أكثر وعياً واكبر مسؤولية.

فلا يمكن للإِنسان الواقعي أن يستغني عن هذه المدرسة الراقية، أمّا الذين يعتقدون بأنّ الإِنسان قد يصل إِلى درجة معينة لا يحتاج عندها إِلى العبادة، فأُولئك إِمّا أنّهم يعتبرون عملية تكامل الإِنسان محدودة وتنتهي بحدّ معين، أو أنّهم لم يدركوا معنى العبادة حقّاً.

وللعلاّمة الطّباطبائي(رحمه الله) في تفسير الميزان بيان بهذا الشأن، إِليك ملخصه، (إِن كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية، وكذلك الإِنسان له غاية تكاملية لا ينالها إِلاّ بالإجتماع المدني، ولهذا فهو إجتماعي بالطبع، وإنْ تحقق هذا الإجتماع فسيحتاج أفراد المجتمع إِلى أحكام وقوانين يتنظم باحترامها والعمل بها شتات أُمورهم، وترتفع بها اختلافاتهم الضرورية، ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له، ويحوز بها سعادته وكماله الوجودية.

وبعبارة أُخرى: إِن كان المجتمع الإِنساني صالحاً أمكن لأفراده الوصول إِلى هدفهم النهائي في الكمال، وإِنْ فسد المجتمع تخلف أفراده عن هذا التكامل.

وإِنَّ هذه الأحكام والقوانين سواء كانت إِجتماعية أو عبادية، لا تكون مؤثرة إِلاّ إِذا أخذت من طريق النّبوة والوحي السماوي لا غير.

[122]

ونعلم أيضاً أنّ الأحكام العبادية تشكل جزءاً من هذا التكامل الفردي والإجتماعي.

وبهذا يتبيّن أنّ التكليف الإِلهي يلازم الإِنسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية، وأن تجويز ارتفاع التكليف ملازم لتجويز تخلفه عن الأحكام والقوانين، وهذا يوجب فساد المجتمع!

ومن الجدير بالملاحظة أنّ الأعمال الصالحة والعبادات منبع للملكات النفسانية الفاضلة فإِذا أُديت هذه الأعمال بقدر كاف، وقويت تلك الملكات الفاضلة في نفس الإِنسان، فستكون نفسها منبعاً جديداً لأعمال صالحة أكثر وطاعات وعبادات أفضل.

ومن هنا يظهر فساد ما ربّما يتوهّم أنّ الغرض من التكليف هو تكميل الإِنسان فإِذا كَمُلَ لم يكن لبقاء التكليف معنى، وما ذلك إِلاّ مغالطة ليس أكثر، لأنّ الإِنسان لو تخلف عن التكليف الإِلهي فإِنّ المجتمع سيسير نحو الفساد فوراً، فكيف يتسنى للفرد الكامل أن يعيش في هكذا مجتمع!

وكذلك فرضية تخلف الإِنسان عند امتلاكه الملكات الفاضلة عن العبادات وطاعة اللّه، فإنّها تعني تخلف هذه الملكات عن آثارها(1) ـ فتأمل.

* * *

_____________________________

1 ـ تفسير الميزان، ج12، ص199.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21332574

  • التاريخ : 28/03/2024 - 10:56

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net