00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة لقمان من أول السورة ـ آية 15 من ( أول الجزء 13 ـ ص 43 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثالث عشر   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

الأَمْثَلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل

طبعة جديدة منقّحة مع إضافات

تَأليف

العلاّمة الفقيه المفسّر آية الله العظمى

الشَيخ نَاصِر مَكارم الشِيرازي

 

المجَلّد الثالث عشر

 

[ 5 ]

سورة لقمان

مكّيّة وعددُ آياتِها أربعَ وثلاثونَ آية

[ 7 ]

«سورة لقمان»

محتوى السورة:

المعروف والمشهور بين المفسّرين أنّ هذه السورة نزلت في مكّة، وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين قد استثنى بعض آيات هذه السورة كالشيخ الطوسي في (التبيان) حيث استثنى الآية الرّابعة التي تتحدّث عن الصلاة والزكاة، أو الفخر الرازي الذي استثنى مضافاً إلى هذه الآية، والآية (27) التي تبحث في علم الله الواسع، إلاّ أنّه لا يوجد دليل واضح لهذه الإستثناءات، لأنّ الصلاة والزكاة ـ الزكاة بصورة عامّة طبعاً ـ كانتا موجودتين في مكّة أيضاً، وقضيّة البحث عن سعة علم الله لا تصلح لأن تكون دليلا على كونها مدنية.

بناءً على هذا، فإنّ سورة لقمان بحكم كونها مكّية تشتمل على محتوى السور المكّية العام، أي أنّها تبحث حول العقائد الإسلامية الأساسية، وخاصّة المبدأ والمعاد، وكذلك النبوّة. وبصورة عامّة فإنّ محتوى هذه السورة يتلخّص في خمسة أقسام:

القسم الأوّل: يشير ـ بعد ذكر الحروف المقطّعة ـ إلى عظمة القرآن وكونه هدى ورحمة للمؤمنين الذين يتمتّعون بصفات خاصّة، ويتحدّث في الطرف المقابل عن الذين يظهرون التعصّب والعناد أمام هذه الآيات البيّنات بحيث يبدون وكأنّهم صمّ الآذان، بل يسعون أيضاً إلى صرف الآخرين عن القرآن عن طريق إيجاد وسائل لهو غير صحيحة.

القسم الثّاني: يتحدّث عن آيات الله في خلق السماء ورفعها بدون أي عمد، وخلق الجبال، والاحياء المختلفة، ونزول المطر، ونموّ النباتات.

[ 8 ]

القسم الثّالث: ينقل جانباً من كلام لقمان الحكيم والمتألّه في وصيّته لإبنه، ويبدأ من التوحيد ومحاربة الشرك، وينتهي بالوصيّة بالإحسان إلى الوالدين، والصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثبات أمام الحوادث الصعبة، والبشاشة والطلاقة مع الناس، والتواضع والإعتدال في الاُمور.

في القسم الرّابع: تعود السورة إلى أدلّة وعلامات التوحيد مرّة اُخرى فتتحدّث عن تسخير السماء والأرض ونعم الله الوفيرة، وذمّ منطق الوثنيين الذين سقطوا في وادي الضلال والإنحراف نتيجة التقليد واتّباع الآباء والأجداد، وتجعلهم يقرّون بمسألة كون الله خالقاً التي هي أساس العبودية له.

وتكشف الستار عن علم الله المطلق بذكر مثال واضح، وتبحث في هذا الباب ـ إضافة إلى ذكر آيات الآفاق ـ عن التوحيد الفطري الذي يتجلّى عند الوقوع في عواصف البلاء، وتطرح ذلك بشكل رائع.

أمّا القسم الخامس: فإنّه يشير إشارة قصيرة مؤثّرة تهزّ الوجدان إلى مسألة المعاد والحياة بعد الموت، وتحذّر الإنسان من الإغترار بهذه الدنيا، وتحثّه على أن يفكّر بتلك الحياة الخالدة ويتهيّأ لها.

ثمّ تنهي هذا المبحث بذكر جانب من علم الله بالغيب بما يتعلّق بالإنسان، ومن جملة ذلك لحظة موته، وحتّى على الجنين في بطن اُمّه، وبذلك تنتهي السورة.

ومن الواضح أنّ تسمية هذه السورة بسورة «لقمان» بسبب البحث المهمّ العميق المحتوى الذي ورد في هذه السورة عن مواعظ لقمان، وهي السورة الوحيدة التي تتحدّث عن هذا الرجل الحكيم.

 وردت روايات عديدة عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وبعض أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في فضل هذه السورة، ومن جملتها ما ورد في حديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله): «من قرأ سورة

[  9 ]

لقمان كان لقمان له رفيقاً يوم القيامة، واُعطي من الحسنات عشراً بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر»(1).

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام): «من قرأ سورة لقمان في ليلة وكّل الله به في ليلته ثلاثين ملكاً يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يصبح، فإذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من إبليس وجنوده حتّى يمسي»(2).

وقلنا مراراً، بأنّ كلّ هذا الفضل والثواب والإمتياز لتلاوة سورة من القرآن لأنّ التلاوة مقدّمة للتفكّر، والتفكّر مقدّمة للعمل، ويجب أن لا يتوقّع الإنسان كلّ هذا الفضل بلقلقة اللسان فقط. 

* * *

______________________________________

1 ـ مجمع البيان: ج8، ص312.

2 ـ نور الثقلين، ج4، ص193.

[  10 ]

 الآيات

 الم(1) تِلْكَ ءَايَـتُ الْكِتَـبِ الْحَكِيمِ(2) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ(3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُم بِالاْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5)

 

التّفسير

من هم المحسنون؟

(الم) تبدأ هذه السورة بذكر أهميّة وعظمة القرآن، وبيان الحروف المقطّعة في بدايتها إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه الآيات التي تتركّب من حروف الألف باء البسيطة، لها محتوى ومفهوم سام يغيّر مصير البشر بصورة تامّة. ولذلك فإنّها تقول بعد ذكر الحروف المقطّعة: (تلك أيات الكتاب الحكيم).

(تلك) في لغة العرب إشارة للبعيد، وقلنا مراراً أنّ هذا التعبير بالخصوص كناية عن عظمة وأهميّة هذه الآيات، وكأنّها في أعالي السماء وفي نقطة بعيدة المنال.

[  11 ]

إنّ وصف «الكتاب» بـ «الحكيم» إمّا لقوّة ومتانة محتواه، لأنّ الباطل لا يجد إليه طريقاً وسبيلا، ويطرد عن نفسه كلّ نوع من الخرافات والأساطير، ولا يقول إلاّ الحقّ، ولا يدعو إلاّ إليه، وهذا التعبير في مقابل (لهو الحديث) الذي يأتي في الآيات التالية تماماً.

أو بمعنى أنّ القرآن كالعالم الحكيم الذي يتكلّم بألف لسان في الوقت الذي هو صامت لا ينطق، فيعلّم، ويعظ وينصح، ويرغّب ويرهّب، ويحذّر ويتوعّد، ويبيّن القصص ذات العبرة، وخلاصة القول فإنّه حكيم بكلّ معنى الكلمة. ولهذه البداية علاقة مباشرة بكلام لقمان الحكيم الذي ورد البحث فيه في هذه السورة.

ولا مانع ـ طبعاً ـ من أن يكون المعنيان مرادين في الآية أعلاه.

ثمّ تذكر الآية التالية الهدف النهائي من نزول القرآن، فتقول: (هدىً ورحمةً للمحسنين).

إنّ الهداية في الحقيقة مقدّمة لرحمة الله، لأنّ الإنسان يجد الحقيقة أوّلا في ظلّ نور القرآن، ويعتقد بها ويعمل بها، وبعد ذلك يكون مشمولا برحمة الله الواسعة ونعمه التي لا حدّ لها.

وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ هذه السورة إعتبرت القرآن سبباً لهداية ورحمة «المحسنين»، وفي بداية سورة النمل: (هدىً وبشرى للمؤمنين) وفي بداية سورة البقرة: (هدىً للمتّقين).

وهذا الإختلاف في التعبير ربّما كان بسبب أنّ روح التسليم وقبول الحقائق  لا تحيا في الإنسان بدون التقوى، وعند ذلك سوف لا تتحقّق الهداية، وبعد مرحلة قبول الحقّ نصل إلى مرحلة الإيمان التي تتضمّن البشارة بالنعم الإلهية علاوة على الهداية، وإذا تقدّمنا أكثر فسنصل إلى مرحلة العمل الصالح، وعندها تتجلّى رحمة الله أكثر من ذي قبل.

بناءً على هذا فإنّ الآيات الثلاث أعلاه تبيّن ثلاث مراحل متعاقبة من مراحل

[  12 ]

تكامل عباد الله: مرحلة قبول الحقّ، ثمّ الإيمان، فالعمل، والقرآن في هذه المراحل مصدر الهداية والبشارة والرحمة على الترتيب ـ تأمّلوا ذلك ـ .

ثمّ تصف الآية التالية المحسنين بثلاث صفات، فتقول: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) فإنّ إرتباط هؤلاء بالخالق عن طريق الصلاة، وبخلق الله عن طريق الزكاة، ويقينهم بمحكمة القيامة باعث قوي على الإبتعاد عن الذنب والمعصية، ودافع لأداء الواجبات.

وتبيّن الآية الأخيرة ـ من الآيات مورد البحث ـ عاقبة عمل المحسنين، فتقول: (اُولئك على هدىً من ربّهم واُولئك هم المفلحون).

جملة (اُولئك على هدىً من ربّهم) توحي بأنّ هداية اُولئك قد ضُمنت من قبل ربّهم من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ التعبير بـ(على) دليل على أنّ الهداية كأنّها مطيّة سريعة السير، واُولئك قد ركبوها وأخذوا بزمامها، ومن هنا يتّضح التفاوت بين هذه الهداية، والهداية التي وردت في بداية السورة، لأنّ الهداية الاُولى هي الإستعداد لقبول الحقّ، وهذه الهداية برنامج للوصول إلى الغاية والهدف.

ثمّ إنّ جملة (اُولئك هم المفلحون) التي تدلّ على الحصر وفقاً للقواعد العربية، توحي بأنّ هذا الطريق هو الطريق الوحيد إلى الإخلاص، طريق المحسنين، طريق اُولئك المرتبطين بالله وخلقه، وطريق اُولئك الذين يؤمنون إيماناً كاملا بالمبدأ والمعاد.

* * *

[  13 ]

 الآيات

 وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ(6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَـتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَاب أَلِيم(7) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحَـتِ لَهُمْ جَنَّـتُ النَّعِيمِ(8) خَـلِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللهِ حَقَّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(9)

 

سبب النّزول

قال بعض المفسّرين: إنّ الآية الاُولى من هذه الآيات نزلت في «النضر بن الحارث»، فقد كان تاجراً يسافر إلى ايران، وكان يحدّث قريشاً بقصص الإيرانيين وأحاديثهم، وكان يقول: إذا كان محمّد يحدّثكم بقصص عاد وثمود فإنّي اُحدّثكم بقصص رستم وإسفنديار وأخبار كسرى وسلاطين العجم، فكانوا يجتمعون حوله ويتركون إستماع القرآن.

وقال البعض الآخر: إنّ هذا المقطع من الآيات نزل في رجل اشترى جارية

[  14 ]

مغنّية، وكانت تغنّيه ليل نهار فتشغله عن ذكر الله.

يقول المفسّر الكبير الطبرسي (رحمه الله)، بعد ذكر سبب النّزول هذا: وقد روي حديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله) في هذا الباب يؤيّد سبب النّزول أعلاه، لأنّه (صلى الله عليه وآله) قال: «لا يحلّ تعليم المغنّيات ولا بيعهن، وأثمانهنّ حرام، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ...)».

 التّفسير

الغناء أحد مكائد الشياطين الكبيرة.

الكلام في هذه الآيات عن جماعة يقعون تماماً في الطرف المقابل لجماعة المحسنين والمؤمنين الذين ذكروا في الآيات السابقة.

الكلام والحديث هنا عن جماعة يستخدمون طاقاتهم من أجل بثّ اللاهدفية وإضلال المجتمع، ويشترون شقاء وبؤس دنياهم وآخرتهم! فتقول أوّلا: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزواً)(1) ثمّ تضيف أخيراً: (اُولئك لهم عذاب مقيم).

إنّ شراء لهو الحديث والكلام الأجوف إمّا أن يتمّ عن طريق دفع المال في مقابل سماع الخرافات والأساطير، كما قرأنا ذلك في قصّة النضر بن الحارث.

أو أن يكون عن طريق شراء المغنّيات لعقد مجالس اللهو والباطل والغناء. أو صرف المال بأيّ شكل كان وفي أي طريق للوصول إلى هذا الهدف غير المشروع، أي لهو الحديث والكلام الفارغ.

والعجيب أنّ عمي القلوب هؤلاء، كانوا يشترون الكلام الباطل واللهو بأغلى القيم والأثمان، ويعرضون عن الآيات الإلهية والحكمة التي منحهم الله إيّاها

______________________________________

1 ـ ضمير «يتّخذها» يعود إلى (آيات الكتاب) التي وردت في الآيات السابقة. واحتمل البعض أنّه يعود إلى (السبيل)، لأنّ كلمة (السبيل) قد وردت في آيات القرآن بصيغة المذكّر تارةً، وبصيغة المؤنث تارةً اُخرى.

[  15 ]

مجّاناً!

ويحتمل أيضاً أن يكون للشراء هنا معنى كنائي، والمراد منه كلّ أنواع السعي للوصول إلى هذه الغاية.

وأمّا (لهو الحديث) فإنّ له معنىً واسعاً يشمل كلّ نوع من الكلام أو الموسيقى أو الترجيع الذي يؤدّي إلى اللهو والغفلة، ويجرّ الإنسان إلى اللاهدفيّة أو الضلال، سواء كان من قبيل الغناء والألحان والموسيقى المهيّجة المثيرة للشهوة والغرائز والميول الشيطانية، أو الكلام الذي يسوق الإنسان إلى الفساد عن طريق محتواه ومضامينه، وقد يكون عن كلا الطريقين كما هو الحال في أشعار وتأليفات المغنّين الغراميّة العاديّة المضلّلة في محتواها وألحانها.

أو يكون كالقصص الخرافية والأساطير التي تؤدّي إلى إنحراف الناس عن الصراط المستقيم.

أو يكون كلام الإستهزاء والسخرية الذي يطلق بهدف محو الحقّ وتضعيف أُسس ودعائم الإيمان، كالذي ينقلونه عن أبي جهل أنّه كان يقف على قريش ويقول: أتريدون أن اُطعمكم من الزقّوم الذي يتهدّدنا به محمّد؟ ثمّ يبعث فيحضرون الزبد والتمر، فكان يقول: هذا هو الزقّوم! وبهذا الاُسلوب كان يستهزيء بآيات الله.

وعلى كلّ حال، فإنّ للهو الحديث معنىً واسعاً يتضمّن كلّ هذه المعاني وأمثالها، وإذا أشارت الروايات الإسلامية وكلمات المفسّرين إلى إحداها، فإنّ ذلك لا يدلّ مطلقاً على إنحصار معنى الآية فيه.

وتلاحظ في الرّوايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تعبيرات تبيّن سعة معنى هذه الكلمة، ومن جملتها ما نراه في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وهو ممّا قال الله عزّوجلّ: (ومن الناس من يشتري لهو

 ]16 ]

الحديث ليضلّ عن سبيل الله)»(1).

والتعبير بـ (لهو الحديث) بدلا من (حديث اللهو) ربّما كان إشارة إلى أنّ الهدف الأساس لهؤلاء هو اللهو والعبث، والكلام والحديث وسيلة للوصول إليه.

ولجملة (ليضلّ عن سبيل الله) مفهوم واسع أيضاً، يشمل الإضلال العقائدي، كما قرأنا ذلك في قصّة النضر بن الحارث وأبي جهل، وكذلك يشمل الإفساد الأخلاقي كما جاء في أحاديث الغناء.

والتعبير بـ (بغير علم) إشارة إلى أنّ هذه الجماعة الضالّة المنحرفة لا تؤمن حتّى بمذهبها الباطل، بل يتّبعون الجهل والتقليد الأعمى لا غير، فإنّهم جهلاء يورطون ويشغلون الآخرين بجهلهم.

هذا إذا إعتبرنا (بغير علم) وصفاً للمضلّين، إلاّ أنّ بعض المفسّرين اعتبر هذا التعبير وصفاً للضالّين، أي أنّهم يجرّون الناس الجهلة إلى وادي الإنحراف والباطل دون أن يعلموا بذلك لجهلهم.

إنّ هؤلاء المغفّلين قد يتمادون في غيّهم فلا يقنعون بلهو هذه المسائل، بل إنّهم يجعلون كلامهم الأجوف ولهو حديثهم وسيلة للإستهزاء بآيات الله، وهذا هو الذي أشارت إليه نهاية الآية حيث تقول: (ويتّخذها هزواً).

أمّا وصف العذاب بـ (المهين) فلأنّ العقوبة متناغمة مع الذنب، فإنّ هؤلاء قد استهزؤوا بآيات الله وأهانوها، ولذلك فإنّ الله سبحانه قد أعدّ لهم عذاباً مهيناً، إضافة إلى كونه أليماً.

وأشارت الآية التالية إلى ردّ فعل هذه الفئة أمام آيات الله، وتوحي بالمقارنة بردّ فعلهم تجاه لهو الحديث، فتقول: (وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأنّ في اُذنيه وقراً) أي ثقلا يمنعه من السماع ..

______________________________________

1 ـ وسائل الشيعة، ج12، ص228 باب تحريم الغناء.

[  17 ]

ثمّ تذكر أخيراً عقاب مثل هؤلاء الأفراد الأليم فتقول: (فبشّره بعذاب أليم).

إنّ التعبير بـ (ولّى مستكبراً) إشارة إلى أنّ إعراضه لم يكن نابعاً من تضرّر مصالحه الدنيويّة والحدّ من رغباته وشهواته فحسب، بل إنّ الأمر أكبر من ذلك، فإنّ فيه دافع التكبّر أمام عظمة الله وآياته، وهو أعظم ذنب فيه.

والرائع في تعبير الآية أنّها تقول أوّلا: إنّه لم يعبأ بآيات الله كأنّه لم يسمعها قطّ، ويمرّ عليها دون إكتراث بها، ثمّ تضيف: بل كأنّه أصمّ لا يسمع أيّ كلام قطّ!

إنّ جزاء مثل هؤلاء الأفراد يناسب أعمالهم، فكما أنّ أعمالهم كانت مؤلمة ومؤذية لأهل الحقّ، فإنّ الله سبحانه قد جعل عقابهم وعذابهم أليماً أيضاً.

وينبغي الإلتفات إلى أنّ تعبير (بشّر) في مورد العذاب الإلهي الأليم، يتناسب مع عمل المستكبرين الذين كانوا يتّخذون آيات الله هزواً، والتشبّه بصفات أبي جهل، حيث كانوا يفسّرون «زقّوم جهنّم» بالزبد والتمر!

ثمّ تعود الآيات التالية إلى شرح وتبيان حال المؤمنين الحقيقيّين، وقد بدأت السورة في مقارنتها هذه بذكر حالهم أوّلا ثمّ ختمت به في نهاية هذا المقطع أيضاً، فتقول: (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنّات النعيم).

أجل، إنّ هذه الفئة على عكس المستكبرين والضالّين المضلّين الذين لا يرون آثار قدرة الله في عالم الوجود، ولا يصغون إلى كلام أنبياء الله.

إنّ هؤلاء يؤمنون بحكم العقل الواعي، والعين البصيرة، والاُذن السامعة التي منحهم الله إيّاها، يؤمنون بآيات الله ويعملون بها صالحاً، فما أجدر أن يكون لاُولئك العذاب الأليم، ولهؤلاء جنّات النعيم!

والأهمّ من ذلك أنّ هذه الجنان الوافرة النعم خالدة لهؤلاء (خالدين فيها وعد الله حقّاً) والله سبحانه لا يعد كذباً، وليس عاجزاً عن الوفاء بوعوده (وهو العزيز الحكيم).

وثمّة مسألة تستحقّ الدقّة، وهي أنّه قد ورد العذاب في حقّ المستكبرين بصيغة

[  18 ]

المفرد، وفي شأن المؤمنين الذين يعملون الصالحات جاءت «الجنّات» بصيغة الجمع، وذلك لأنّ رحمة الله عزّوجلّ وسعت غضبه.

والتأكيد على الخلود ووعد الله الحقّ، تأكيد أيضاً على سعة هذه الرحمة، وتفوّقها على الغضب.

وللنعيم معنىً واسع يشمل كلّ أنواع النعم الماديّة والمعنوية، وحتّى النعم التي لا يمكن أن ندركها، فنحن اُسارى شهوات البدن في هذه الدنيا، والراغب في (مفرداته) يقول: النعيم: النعمة الكثيرة.

* * *

 بحوث

1 ـ تحريم الغناء

لا شكّ في أنّ الغناء بصورة إجمالية حرام على المشهور بين علماء الشيعة، وتصل هذه الشهرة إلى حدّ الإجماع.

وأكّد كثير من علماء أهل السنّة على هذه الحرمة، وإن كان بعضهم قد استثنوا بعض الاُمور، وربّما لا يُعدّ بعضها إستثناءً في الحقيقة، بل تعتبر خارجة عن موضوع الغناء، أو كما يقال: خارج تخصّصاً.

يقول «القرطبي» في ذيل الآيات مورد البحث في هذا الباب: «وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرّك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل، والمجون الذي يحرّك الساكن ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يُشبّب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرّمات لا يختلف في تحريمه، لأنّه اللهو والغناء المذموم بالإتّفاق، فامّا ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقّة كما كان في حفر الخندق وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع، فامّا ما إبتدعته الصوفية اليوم

[  19 ]

من الإدمان على سماع الأغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام»(1).

إنّ ما ذكره القرطبي وبيّنه كاستثناء، من قبيل الحداء للإبل، أو الأشعار الخاصّة التي كان يقرؤها المسلمون أثناء حفر الخندق، يحتمل قويّاً أنّه لم يكن من الغناء أساساً، فهو شبيه بالأشعار التي يقرؤها جماعة بلحن خاصّ في المسيرات أو مجالس الفرح ومجالس العزاء الدينيّة.

وفي أيدينا أدلّة كثيرة على تحريم الغناء في المصادر الإسلامية، ومن جملتها الآية أعلاه: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) وبعض آيات اُخر من القرآن التي تنطبق ـ على الأقلّ طبق الروايات الواردة في تفسير هذه الآيات ـ على الغناء، أو أنّ الغناء اعتُبر من مصاديقها:

ففي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير آية: (واجتنبوا قول الزور)(2)قال: «قول الزور الغناء»(3).

وعنه (عليه السلام) في تفسير الآية: (والذين لا يشهدون الزور)(4) قال: «الغناء»(5).

وقد رويت في تفسير هذه الآية روايات عديدة عن الإمام الباقر والصادق والرضا (عليهم السلام) أوضحوا فيها أنّ أحد مصاديق لهو الحديث الموجب للعذاب المهين هو «الغناء»(6).

إضافةً إلى هذا فإنّه تلاحظ في المصادر الإسلامية روايات كثيرة اُخرى ـ عدا ما ورد في تفسير الآيات ـ تبيّن تحريم الغناء بصورة مؤكّدة:

______________________________________

1 ـ تفسير القرطبي، ج7، ص5136.

2 ـ الحجّ، 30.

3 ـ وسائل الشيعة، ج12، ص225 ـ 227، 231 باب تحريم الغناء.

4 ـ الفرقان، 72.

5 ـ المصدر السابق.

6 ـ المصدر السابق.

[  20 ]

ففي حديث مروي عن جابر بن عبدالله، عن النّبي (صلى الله عليه وآله): «كان إبليس أوّل من تغنّى»(1).

وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك»(2).

وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): «الغناء يورث النفاق، ويعقب الفقر»(3).

وفي حديث آخر عن الصادق (عليه السلام): «المغنّية ملعونة، ومن أدّاها ملعون، وآكل كسبها ملعون»(4).

وقد نقلت روايات كثيرة في هذا المجال في كتب أهل السنّة المعروفة أيضاً، ومن جملتها الرواية التي نقلها في (الدرّ المنثور) عن جماعة كثيرة من المحدّثين، عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، أنّه قال: «لا يحلّ تعليم المغنّيات ولا بيعهنّ، وأثمانهنّ حرام»(5).

ونقل نظير هذا المعنى كاتب (التاج) عن الترمذي والإمام أحمد(6).

ويروي ابن مسعود عن النّبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل»(7).

وبالجملة، فإنّ الرّوايات الواردة في هذا الباب كثيرة جدّاً بحيث تصل إلى حدّ التواتر، ولهذا فإنّ أكثر علماء الإسلام قد أفتوا بالحرمة، علاوةً على علماء الشيعة، الذين يتّفقون بالرأي في هذا الموضوع تقريباً، وقد نقل تحريمه عن أبي حنيفة

______________________________________

1 ـ المصدر السابق.

2 ـ وسائل الشيعة، ج12، ص225 ـ 230.

3 ـ المصدر السابق.

4 ـ سفينة البحار، ج2، صفحة 338.

5 ـ الدرّ المنثور ذيل الآية مورد البحث.

6 ـ التاج، المجلّد، ج5، ص287.

7 ـ تفسير روح المعاني، ذيل الآية مورد البحث.

[  21 ]

أيضاً، وعندما سألوا «أحمد» ـ إمام السنّة المعروف ـ عن الغناء قال: ينبت النفاق.

وقال «مالك» ـ إمام أهل السنّة المعروف ـ مجيباً عن هذا السؤال:يفعله الفسّاق.

وصرّح «الشافعي» بأنّ شهادة أصحاب الغناء غير مقبولة، وهذا بنفسه دليل على فسق هؤلاء.

ونقل عن أصحاب الشافعي أيضاً أنّهم اعتبروا فتوى الشافعي تحريماً، على خلاف ما اعتقده البعض(1).

 

2 ـ ما هو الغناء؟

لا يواجهنا إشكال مهم في حرمة الغناء، إنّما الإشكال الصعب هو تشخيص موضوع الغناء، فهل أنّ كلّ صوت حسن غناء؟

من المسلّم أنّ الأمر ليس كذلك، لأنّه قد ورد في الرّوايات الإسلامية، وسيرة المسلمين تحكي أيضاً، أن اقرؤوا القرآن وأذّنوا بصوت حسن.

هل أنّ الغناء كلّ صوت فيه ترجيع ـ وهو تردّد الصوت في الحنجرة ـ؟ هذا أيضاً غير ثابت.

والذي يمكن إستفادته من مجموع كلمات فقهاء وأقوال أهل السنّة في هذا المجال، أنّ الغناء هو كلّ لحن وصوت يطرب، ويشتمل على اللهو والباطل.

وبعبارة أوضح: الغناء هو الأصوات والألحان التي تناسب مجالس الفسق والفجور، وأهل المعصية والفساد.

وبتعبير آخر: الغناء يقال للصوت الذي يحرّك القوى الشهوانية في الإنسان، بحيث يشعر الإنسان في تلك الحال بأنّه لو كان إلى جانب هذا الصوت خمر

______________________________________

1 ـ تفسير روح المعاني، ذيل الآيات مورد البحث.

[  22 ]

ومسكر وإباحة وفساد جنسي، لكان ذلك مناسباً جدّاً!

وهناك مسألة تستحقّ الإنتباه، وهي أنّ بعض الألحان تعدّ أحياناً غناءً ولهواً باطلا بذاتها ومحتواها، مثال ذلك أشعار العشق والغرام والأشعار المفسدة التي تُقرأ بألحان وموسيقى راقصة.

وقد تكون الألحان بذاتها غناءً أحياناً اُخرى، مثال الأشعار الجيدة، أو آيات القرآن والدعاء والمناجاة التي تُقرأ بلحن يناسب مجالس الفاسدين والفسّاق، وهو حرام في كلام الصورتين «فتأمّل».

وثمّة مسألة ينبغي ذكرها، وهي أنّه يذكر للغناء معنيان: معنى عامّ، ومعنى خاصّ، والمعنى الخاصّ هو ما ذكرناه أعلاه، أي الموسيقى والألحان التي تحرّك الشهوات، وتناسب مجالس الفسق والفجور.

والمعنى العامّ هو كلّ صوت حسن، فمن فسّر الغناء بالمعنى العامّ قسّمه إلى قسمين: غناء حلال، وغناء حرام.

والمراد من الغناء الحرام: هو ما قيل أعلاه، والمراد من الغناء الحلال: الصوت الحسن الجميل والذي لا يكون باعثاً على الفساد، ولا يناسب مجالس الفسق والفجور.

وبناءً على هذا فلا يوجد إختلاف ـ تقريباً ـ في أصل تحريم الغناء، بل الإختلاف في كيفية تفسيره.

ومن الطبيعي أن يكون للغناء موارد شكّ ـ ككلّ المفاهيم الاُخرى ـ وأنّ الإنسان لا يعلم حقّاً هل أنّ الصوت الفلاني يناسب مجالس الفسق والفجور، أم لا؟ وفي هذه الصورة يحكم بالحلّية بحكم أصل البراءة، وهذا ـ طبعاً ـ بعد الإحاطة الكافية بالمفهوم العرفي للغناء طبق التعريف أعلاه.

ومن هنا يتّضح أنّ الأصوات والموسيقى الحماسية التي تناسب ساحات الحرب أو الرياضة وأمثالها لا دليل على حرمتها.

[  23 ]

ومن الطبيعي أنّ هناك بحوثاً اُخرى في باب الغناء، من قبيل بعض الإستثناءات التي قبلها جماعة وأنكرها آخرون، ومسائل اُخرى ينبغي الكلام عنها في الكتب الفقهيّة.

والكلام الأخير هو أنّ ما ذُكر أعلاه يتعلّق بالغناء، وأمّا إستعمال الآلات الموسيقية وحرمتها، فهو بحث آخر خارج عن هذا الموضوع.

 

3 ـ فلسفة تحريم الغناء:

إنّ التدقيق في مفهوم الغناء ـ مع الشروط التي قلناها في شرح هذا المفهوم ـ تجعل الغاية من تحريم الغناء واضحة جدّاً.

فبنظرة سريعة إلى معطيات الغناء سنواجه المفاسد أدناه:

أوّلا: الترغيب والدعوة إلى فساد الأخلاق.

لقد بيّنت التجربة ـ والتجربة خير شاهد ـ أنّ كثيراً من الأفراد الواقعين تحت تأثير موسيقى وألحان الغناء قد تركوا طريق التقوى، واتّجهوا نحو الشهوات والفساد.

إنّ مجلس الغناء ـ عادةً ـ يُعدّ مركزاً لأنواع المفاسد، والدافع على هذه المفاسد هو الغناء.

ونقرأ في بعض التقارير التي وردت في الصحف الأجنبية أنّه كان في مجلس جماعة من الفتيان والفتيات فعُزفت فيه موسيقى خاصّة وعلى نمط خاص من الغناء، فهيّجت الفتيان والفتيات إلى الحدّ الذي هجم فيه بعضهم على البعض الآخر، وعملوا من الفضائح ما يخجل القلم عن ذكره.

وينقل في تفسير (روح المعاني) حديثاً عن أحد زعماء بني اُميّة أنّه قال لهم: إيّاكم والغناء فإنّه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنّه ينوب عن

[  24 ]

الخمر، ويفعل ما يفعل السكر(1). وهذا يبيّن أنّه حتّى اُولئك كانوا مطّلعين على مفاسده أيضاً.

وعندما نرى في الرّوايات الإسلامية: أنّ الغناء ينبت النفاق، فإنّه إشارة إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ روح النفاق هي روح التلوّث بالفساد والإبتعاد عن التقوى.

وإذا جاء في الرّوايات أنّ الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه غناء، فبسبب التلوّث بالفساد، لأنّ الملائكة طاهرة تطلب الطهارة، وتتأذّى من هذه الأجواء الملوّثة.

ثانياً: الغفلة عن ذكر الله:

إنّ التعبير باللهو الذي فسّر بالغناء في بعض الرّوايات الإسلامية إشارة إلى حقيقة أنّ الغناء يجعل الإنسان عبداً ثملا من الشهوات حتّى يغفل عن ذكر الله.

وفي الآيات أعلاه قرأنا أنّ «لهو الحديث» أحد عوامل الضلالة عن سبيل الله، وموجب للعذاب الأليم.

في حديث عن علي (عليه السلام): «كلّ ما ألهى عن ذكر الله (وأوقع الإنسان في وحل الشهوات) فهو من الميسر»(2) ـ أي في حكم القمار ـ .

ثالثاً: الإضرار بالأعصاب:

إنّ الغناء والموسيقى ـ في الحقيقة ـ أحد العوامل المهمّة في تخدير الأعصاب، وبتعبير آخر: إنّ الموادّ المخدّرة ترد البدن عن طريق الفمّ والشرب أحياناً كالخمر، وأحياناً عن طريق الشمّ وحاسّة الشمّ كالهيروئين، وأحياناً عن طريق التزريق كالمورفين، وأحياناً عن طريق حاسّة السمع كالغناء.

ولهذا فإنّ الغناء والموسيقى المطربة قد تجعل الأفراد منتشين أحياناً إلى حدّ يشبهون فيه السكارى، وقد لا يصل إلى هذه المرحلة أحياناً، ولكنّه يوجد تخديراً

______________________________________

1 ـ تفسير روح المعاني، الجزء 21، صفحة 60.

2 ـ وسائل الشيعة، الجزء 12، صفحة 235.

[  25 ]

خفيفاً، ولهذا فإنّ كثيراً من مفاسد المخدّرات موجودة في الغناء، سواء كان تخديره خفيفاً أم قويّاً.

«إنّ الإنتباه بدقّة إلى سيرة مشاهير الموسيقيين يبيّن أنّهم قد واجهوا تدريجيّاً مصاعب وصدمات نفسية خلال مراحل حياتهم حتّى فقدوا أعصابهم شيئاً فشيئاً، وابتُلي عدد منهم بأمراض نفسية، وجماعة فقدوا مشاعرهم وساروا إلى دار المجانين، وبعضهم اُصيبوا بالشلل والعجز، وبعضهم اُصيب بالسكتة، حيث إرتفع ضغط الدم عندهم أثناء عزف الموسيقى»(1).

وقد جاء في بعض الكتب التي كتبت في مجال لآثار المضرّة للموسيقى على أعصاب الإنسان، حالات جمع من الموسيقيين والمغنّين المعروفين الذين اُصيبوا بالسكتة وموت الفجأة أثناء أداء برامجهم، وزهقت أرواحهم في ذلك المجلس(2).

وخلاصة القول فإنّ الآثار المضرّة للغناء والموسيقى على الأعصاب تصل إلى حدّ إيجاد الجنون، وتؤثّر على القلب وتؤدّي إلى إرتفاع ضغط الدم وغير ذلك من الآثار المخرّبة.

ويستفاد من الإحصاءات المعدّة للوفيّات في عصرنا الحالي بأنّ معدّل موت الفجأة قد إزداد بالمقارنة مع السابق، وقد ذكروا أسباباً مختلفة كان من جملتها الغناء والموسيقى.

رابعاً: الغناء أحد وسائل الإستعمار:

إنّ مستعمري العالم يخافون دائماً من وعي الشعوب، وخاصّة الشباب، ولذلك فإنّ جانباً من برامجهم الواسعة لإستمرار وإدامة الإستعمار هو إغراق المجتمعات بالغفلة والجهل والضلال، وتوسعة وسائل اللهو المفسدة.

إنّ المخدّرات لا تتّصف اليوم بصفة تجارية فقط، بل هي أحد الوسائل

______________________________________

1 ـ تأثير الموسيقى على النفس والأعصاب، صفحة 26.

2 ـ يراجع المصدر السابق صفحة 92 وما بعدها.

[  26 ]

السياسية المهمّة، فإنّ السياسات الإستعمارية تسعى إلى إيجاد مراكز الفحشاء ونوادي القمار ووسائل اللهو الفاسدة الاُخرى، ومن جملتها توسعة ونشر الغناء والموسيقى، وهي من أهمّ الوسائل التي يصرّ عليها المستعمرون لتخدير أفكار الناس، ولهذا فإنّ الموسيقى تشكّل القسم الأكبر من وقت إذاعات العالم ووسائل الإعلام الأساسية.

 

* * *

[  27 ]

 

 

الآيتان

 

خَلَق السَّمَـوَتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى الاَْرْضِ رَوَسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْج كَرِيم(10) هَـذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّـلِمُونَ فِى ضَلَـل مُّبِين(11)

 

التّفسير

هذا خلق الله:

مواصلة للبحث حول القرآن والإيمان به في الآيات السابقة، تتحدّث الآيتان أعلاه عن أدلّة التوحيد الذي هو أهمّ الاُصول العقائدية.

تشير الآية الاُولى إلى خمسة أقسام من مخلوقات الله التي ترتبط مع بعضها إرتباطاً وثيقاً لا ينفصل، وهي: خلق السماء، وكون الكواكب معلّقة في الفضاء، وخلق الجبال لتثبيت الأرض، ثمّ خلق الدواب، وبعد ذلك الماء والنباتات التي هي وسيلة تغذيتها، فتقول: (خلق السماوات بغير عمد ترونها).

(العَمَد) جمع (عمود)، وتقييد بنائها وإقامتها بـ(ترونها) دليل على أنّه ليس لهذه السماء أعمدة مرئيّة، ومعنى ذلك أنّ لها أعمدة إلاّ أنّها غير قابلة للرؤية، وكما

[  28 ]

قلنا قبل هذا في تفسير سورة الرعد أيضاً، فإنّ هذا التعبير إشارة لطيفة إلى قانون الجاذبيّة الذي يبدو كالعمود القويّ جدّاً، إلاّ أنّه غير مرئيّ، يحفظ الأجرام السماوية.

وقد صُرّح في حديث رواه حسين بن خالد، عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، أنّه قال: «سبحان الله! أليس الله يقول: (بغير عمد ترونها؟)» قلت: بلى، قال: «ثمّ عمد ولكن لا ترونها»(1) (2).

وعلى كلّ حال، فإنّ الجملة أعلاه أحد معاجز القرآن المجيد العلميّة، وقد أوردنا تفصيلا أكثر عنها في ذيل الآية (2) من سورة الرعد.

ثمّ تقول الآية في الغاية من خلق الجبال: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم)(3).

إنّ هذه الآية التي لها نظائر كثيرة في القرآن، توضّح أنّ الجبال وسيلة لتثبيت الأرض، وقد تثبت هذه الحقيقة اليوم من الناحية العلميّة من جهات عديدة:

فمن جهة أنّ أُصولها مرتبطة مع بعضها، وهي كالدرع المحكم يحفظ الكرة الأرضية أمام الضغوط الناشئة من الحرارة الداخلية، ولولا هذه الجبال فإنّ الزلازل المدمّرة كانت ستبلغ حدّاً ربّما لا تدع معه للإنسان مجالا للحياة.

ومن جهة أنّ هذه السلسلة المحكمة تقاوم جاذبية القمر والشمس الشديدة، وإلاّ فسيحدث جزر ومدّ عظيمان في القشرة الأرضية أقوى من جزر ومدّ البحار، وتجعل الحياة بالنسبة للإنسان مستحيلة.

ومن جهة أنّها تقف سدّاً أمام العواصف والرياح العاتية، وتقلّل من تماسّ الهواء

______________________________________

1 ـ تفسير البرهان، المجلّد 2، صفحة 278.

2 ـ إنّ الذين اعتبروا الآية أعلاه دليلا على نفي العمد مطلقاً لابدّ لهم من التقديم والتأخير في الآية ليقولوا: إنّ أصل الجملة كانت: خلق السماوات ترونها بغير عمد، وهذا خلاف الظاهر قطعاً.

3 ـ «تميد» من (الميد) أي تزلزل الأشياء وإضطرابها إضطراباً عظيماً، وجملة (أن تميد بكم) في تقدير: لئلاّ تميد بكم.

[  29 ]

المجاور للأرض عند دوران الأرض حول نفسها إلى أقلّ حدّ، ولو لم تكن هذه الجبال لكان سطح الأرض كالصحاري اليابسة، وعرضة للأعاصير والزوابع المهلكة، والعواصف الهوجاء المدمّرة ليل نهار(1).

وبعد ذكر نعمة إستقرار السماء بأعمدة الجاذبية. وإستقرار وثبات الأرض بواسطة الجبال، تصل النوبة إلى خلق الكائنات الحيّة وإستقرارها، بحيث تستطيع أن تضع أقدامها في محيط هاديء مطمئن، فتقول: (وبثّ فيها من كلّ دابّة).

إنّ التعبير بـ (من كلّ دابّة) إشارة إلى تنوّع الحياة في صور مختلفة، إبتداءً من الكائنات الحيّة المجهرية والتي ملأت جميع الأرجاء إلى الحيوانات العملاقة والمخوفة.

وكذلك الحيوانات المختلفة الألوان، والمتفاوتة الأشكال التي تعيش في الماء والهواء من الطيور والزواحف، والحشرات المختلفة وأمثالها، والتي لكلّ منها عالمها الخاصّ تعكس الحياة في مئات الآلاف من المرايا.

إلاّ أنّ من المعلوم أنّ هذه الحيوانات تحتاج إلى الماء والغذاء، ولذلك فإنّ الجملة التالية أشارت إلى هذا الموضوع، فقالت: (وأنزلنا من السماء ماءً فأنبتنا فيها من كلّ زوج كريم).

وبهذا فإنّ الآية تبيّن أساس حياة كلّ الحيوانات ـ وخاصّة الإنسان ـ والذي يكوّنه الماء والنبات، فالكرة الأرضية تعتبر سماطاً واسعاً ذا أغذية متنوّعة يمتدّ في جميع أنحائها، ويصلح لكلّ نوع منها حسب خلقته، ممّا يدلّ على عظمة الخالق جلّ وعلا.

وممّا يستحقّ الإنتباه هو أنّه في بيان خلق الأقسام الثلاثة الاُولى ذكرت الأفعال بصيغة الغائب، وحين وصل الأمر إلى نزول المطر ونمو النباتات أتت

______________________________________

1 ـ لمزيد الإطلاع حول فوائد الجبال راجع ذيل الآية (3) من سورة الرعد.

[  30 ]

الأفعال بصيغة المتكلّم، فيقول: نحن أنزلنا من السماء ماءً، ونحن أنبتنا النباتات في الأرض.

وهذا بنفسه أحد فنون الفصاحة، حيث إنّهم عندما يريدون ذكر اُمور مختلفة، فإنّهم يبيّنونها بشكلين أو أكثر، كي لا يشعر السامع بأيّ نوع من الضجر والرتابة، إضافةً إلى أنّ هذا التعبير يوضّح أنّ نزول المطر ونمو النبات كانا محطّ إهتمام خاصّ.

ثمّ تشير هذه الآية مرّة اُخرى إلى مسألة (الزوجيّة في عالم النباتات) وهي أيضاً من معجزات القرآن العلميّة، لأنّ الزوجيّة ـ أي وجود الذكر والاُنثى ـ في عالم النباتات لم تكن ثابتة في ذلك الزمان بصورة واسعة، والقرآن كشف الستار عنها. ولزيادة التفصيل حول هذه المسألة يمكنكم مراجعة ذيل الآية (7) من سورة الشعراء.

ثمّ إنّ وصف أزواج النباتات بـ«الكريم» إشارة ضمنية إلى أنواع المواهب الموجودة فيها.

بعد ذكر عظمة الله في عالم الخلقة، وذكر صور مختلفة من المخلوقات، وجّهت الآية الخطاب إلى المشركين، وجعلتهم موضع سؤال وإستجواب، فقالت: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذي من دونه) ؟!

من المسلّم أنّ اُولئك لم يكونوا يستطيعون ادّعاء كون أيّ من المخلوقات من خلق الأصنام، وعلى هذا فإنّهم كانوا يقرّون بتوحيد الخالق، مع هذا الحال كيف يستطيعون تعليل الشرك في العبادة؟! لأنّ توحيد الخالق دليل على توحيد الربّ وكون مدبّر العالم واحداً، وهو دليل على توحيد العبوديّة.

ولذلك اعتبرت الآية عمل اُولئك منطبقاً على الظلم والضلال، فقالت: (بل الظالمون في ضلال مبين).

ومعلوم أنّ «الظلم» له معنىً واسعاً يشمل وضع كلّ شيء في غير موضعه، ولمّا

[  31 ]

كان المشركون يربطون العبادة، وتدبير العالم أحياناً بالأصنام، فإنّهم كانوا مرتكبين لأكبر ظلم وضلالة.

ثمّ إنّ التعبير أعلاه يتضمّن إشارة لطيفة إلى إرتباط «الظلم» و «الضلال»، لأنّ الإنسان عندما لا يعرف مكانة الموجودات الموضوعية في العالم، أو يعرفها ولا يراعيها، ولا يرى كلّ شيء في مكانه، فمن المسلّم أنّ هذا الظلم سيكون سبباً للضلالة والضياع.

 

* * *

[  32 ]

 

 

الآيات

 

وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـنَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ(12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَـنُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَـبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)وَوَصَّيْنَا الإنسَـنَ بِوَلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن وَفِصَـلُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَلِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ(14) وَإِن جَـهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)

 

التّفسير

إحترام الوالدين:

لتكميل البحوث السابقة حول التوحيد والشرك، وأهميّة وعظمة القرآن، والحكمة التي استعملت واتّبعت في هذا الكتاب السماوي، فقد ورد الكلام في هذه الآيات التي نبحثها والآيات الاُخرى التالية عن لقمان الحكيم، وعن جانب

[  33 ]

من المواعظ المهمّة لهذا الرجل المتألّه في باب التوحيد ومحاربة الشرك، وقد إنعكست المسائل الأخلاقيّة المهمّة في مواعظ لقمان لإبنه.

إنّ هذه المواعظ العشرة التي ذكرت ضمن ستّ آيات، قد بيّنت باُسلوب رائع المسائل العقائدية، إضافةً إلى اُصول الواجبات الدينيّة والمباحث الأخلاقية.

وسنبحث فيما بعد ـ في بحث الملاحظات ـ إن شاء الله تعالى، من هو لقمان؟ وأيّة خصائص كان يمتلكها؟ ولكنّ ما نذكره هنا هو أنّ القرائن تبيّن أنّه لم يكن نبيّاً، بل كان رجلا ورعاً مهذّباً إنتصر في ميدان جهاد هوى النفس، فكان أن فجّر الله تعالى في قلبه ينابيع العلم والحكمة.

ويكفي في عظمة مقامه أنّ الله قد قرن مواعظه بكلامه، وذكرها في طيّات آيات القرآن.

أجل .. عندما يتنوّر قلب الإنسان بنور الحكمة نتيجة للطهارة والتقوى، فإنّ الكلام الإلهي يجري على لسانه، ويقول ما يقوله الله، ويفكّر بالشكل الذي يرضاه الله!

بعد هذا التوضيح الموجز نعود إلى تفسير الآيات:

تقول الآية الاُولى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ الله غنيّ حميد)(1).

 

فما هي الحكمة؟

في معرض الحديث عن ماهية الحكمة ينبغي القول: إنّهم قد ذكروا للحكمة معاني كثيرة، مثل: معرفة أسرار عالم الوجود، والإحاطة والعلم بحقائق القرآن،

______________________________________

1 ـ هناك بحث بين المفسّرين في أنّه هل يوجد لجملة (أن اشكر لله) شيء مقدّر أم لا؟ فالبعض يعتقد أنّ جملة (قلنا له) مقدّرة قبلها، والبعض يقولون: لا تحتاج إلى تقدير، و (أنّ) في جملة (أن اشكر) تفسيرية، لأنّ الشكر بنفسه عين الحكمة، والحكمة عينه. وكلا التّفسيرين يمكن قبوله.

[  34 ]

والوصول إلى الحقّ من جهة القول والعمل، ومعرفة الله.

إلاّ أنّ كلّ هذه المعاني يمكن جمعها في تعريف واحد، فالحكمة التي يتحدّث عنها القرآن، والتي كان الله قد آتاها لقمان، كانت مجموعة من المعرفة والعلم، والأخلاق الطاهرة والتقوى ونور الهداية.

وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، أنّه قال لهشام بن الحكم في تفسير هذه الآية: «إنّ الحكمة هي الفهم والعقل»(1).

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية، أنّه قال: «اُوتي معرفة إمام زمانه»(2).

ومن الواضح أنّ كلاًّ من هذه المفاهيم يعتبر أحد فروع معنى الحكمة الواسع، ولا منافاة بينها.

وعلى كلّ حال، فإنّ لقمان بإمتلاكه هذه الحكمة كان يشكر الله، فقد كان يعلم الهدف من وراء هذه النعم الإلهيّة، وكيفيّة إستغلالها والإستفادة منها، وكان يضعها بدقّة وصواب كامل في مكانها المناسب لتحقيق الهدف الذي خلقت من أجله، وهذه هي الحكمة، هي وضع كلّ شيء في موضعه، وبناءً على هذا فإنّ الشكر والحكمة يعودان إلى نقطة واحدة.

وقد اتّضحت نتيجة الشكر والكفران للنعم بصورة ضمنية في الآية، وهي أنّ شكر النعمة سيكون من صالح الإنسان وفي منفعته، وأنّ كفران النعمة سيكون سبباً لضرره أيضاً، لأنّ الله سبحانه غنيّ عن العالمين، فلو أنّ كلّ الممكنات قد شكرته فلا يزيد في عظمته شيء، ولو أنّ كلّ الكائنات كفرت فلا ينقص من كبريائه شيء!

إنّ «اللام» في جملة (أن اشكر لله) لام الإختصاص، و «اللام» في (لنفسه)لام النفع، وبناءً على هذا، فإنّ نفع الشكر، والذي هو دوام النعمة وكثرتها، إضافة

______________________________________

1 ـ اُصول الكافي، ج2، ص13. كتاب العقل والجهل حديث 12.

2 ـ نور الثقلين، الجزء 4، صفحة 196.

[  35 ]

إلى ثواب الآخرة يعود على الإنسان نفسه، كما أنّ مضرّة الكفر تحيق به فقط.

والتعبير بـ (غنيّ حميد) إشارة إلى شكر الناس للأفراد العاديين أمّا أن يؤدّي إلى النفع المادّي للمشكور، أو زيادة مكانة صاحبه في أنظار الناس، إلاّ أنّ أيّاً من هذين الأمرين لا معنى له ولا مصداق في حقّ الله تعالى، فإنّه غنيّ عن الجميع، وهو أهل لحمد كلّ الحامدين وثنائهم، فالملائكة تحمده، وكلّ ذرّات الوجود والموجودات مشغولة بتسبيحه، وإذا ما نطق إنسان بالكفر فليس له أدنى تأثير، فحتّى ذرّات وجوده مشغولة بحمده وثنائه بلسان الحال!

وممّا يجدر ذكره أنّ الشكر قد ذكر بصيغة المضارع، والذي يدلّ على الإستمرار، أمّا الكفر فقد جاء بصيغة الماضي الذي يصدق حتّى على المرّة الواحدة، وهذا إشارة إلى أنّ الكفران ولو لمرّة واحدة يمكن أن يؤدّي إلى عواقب وخيمة مؤلمة، أمّا الشكر فإنّه لازم، ويجب أن يكون مستمرّاً ليطوي الإنسان مسيره التكاملي.

وبعد تعريف لقمان ومقامه العلمي والحِكَمي، أشارت الآية التالية إلى اُولى مواعظه، وهي في الوقت نفسه أهمّ وصاياه لولده، فقالت: (وإذ قال لقمان لإبنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم).

إنّ حكمة لقمان توجب عليه أن يتوجّه قبل كلّ شيء إلى أهمّ المسائل الأساسية، وهي مسألة التوحيد .. التوحيد في كلّ المجالات والأبعاد، لأنّ كلّ حركة هدّامة ضدّ التوجّه الإلهي تنبع من الشرك، من عبادة الدنيا والمنصب والهوى وأمثال ذلك، والذي يعتبر كلّ منها فرعاً من الشرك.

كما أنّ أساس كلّ الحركات الصحيحة البنّاءة هو التوحيد والتوجّه إلى الله، وإطاعة أوامره، والإبتعاد عن غيره، وكسر كلّ الأصنام في ساحة كبريائه!

وممّا يستحقّ الإشارة أنّ لقمان الحكيم قد جعل علّة نفي الشرك هو أنّ الشرك

[  36 ]

ظلم عظيم، وقد اُحيط بالتأكيد من عدّة جهات(1).

وأيّ ظلم أعظم منه، حيث جعلوا موجودات لا قيمة لها في مصافّ الله ودرجته، هذا من جانب، ومن جانب آخر يجرّون الناس إلى الضلال والإنحراف، ويظلمونهم بجناياتهم وجرائمهم، وهم يظلمون أنفسهم أيضاً حيث ينزلونها من قمّة عزّة العبودية لله ويهوون بها إلى منحدر ذلّة العبودية لغيره.

والآيتان التاليتان جمل معترضة ذكرها الله تعالى في طيّات مواعظ لقمان، لكنّ هذا الإعتراض لا يعني عدم الإتّصال والإرتباط، بل يعني الصلة الواضحة لكلام الله عزّوجلّ بكلام لقمان، لأنّ في هايتن الآيتين بحثاً عن نعمة وجود الوالدين ومشاقّهما وخدماتهما وحقوقهما، وجعل شكر الوالدين في درجة شكر الله.

إضافةً إلى أنّهما تعتبران تأكيداً على كون مواعظ لقمان لإبنه خالصة، لأنّ الوالدين مع هذه العلاقة القويّة وخلوص النيّة لا يمكن أن يذكرا في مواعظهما إلاّ ما فيه خير وصلاح الولد، فتقول أوّلا: (ووصّينا الإنسان بوالديه) وعندئذ تشير إلى جهود ومتاعب الاُمّ العظيمة، فتقول: (حملته اُمّه وهناً على وهن)(2).

وهذه المسألة قد ثبتت من الناحية العلمية، إذ أوضحت التجارب أنّ الاُمّهات في فترة الحمل يصبن بالضعف والوهن، لأنّهنّ يصرفن خلاصة وجودهنّ في تغذية وتنمية الجنين، ويقدّمن له من موادهنّ الحياتية أفضلها، ولذلك فإنّ الاُمّهات أثناء فترة الحمل يبتلين بنقص أنواع الفيتامينات وفي حالة عدم تعويض هذا النقص فسيؤدّي إلى آلام ومتاعب كثيرة.

وهذا الأمر يستمر حتّى في فترة الرضاعة، لأنّ اللبن عصارة وجود الاُمّ، ولهذا تضيف بعد ذلك فترة رضاعه سنتان (وفصاله في عامين) كما اُشير إلى ذلك في

______________________________________

1 ـ إنّ كلاّ من (أن) و «اللام»، وكون الجملة إسمية من أدوات التأكيد.

2 ـ إنّ جملة (وهناً على وهن) يمكن أن تكون حالا للاُمّ بتقدير كلمة «ذات»، فكان تقديرها (حملته اُمّه ذات وهن على وهن). واحتُمل أيضاً أن تكون مفعولا مطلقاً لفعل مقدّر من مادّة (وهن) فكان تقديره: (تهن وهناً على وهن).

[  37 ]

موضع آخر من القرآن: (والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين)(1)، والمراد فترة الرضاعة الكاملة، وإن كانت تتمّ أحياناً بفترة أقلّ.

وعلى كلّ حال، فإنّ الاُمّ في هذه الـ (33) شهراً ـ فترة الحمل، وفترة الرضاع ـ تبدي وتقدّم أعظم تضحية لولدها، سواء كان من الجانب الروحي والعاطفي، أو الجسمي، أو من جهة الخدمات والرعاية.

والملفت للنظر هنا أنّها توصي في البداية بالوالدين معاً، إلاّ أنّها عند بيان المشاقّ والمتاعب تؤكّد على متاعب الاُمّ، لتنبّه الإنسان إلى إيثارها وتضحياتها وحقّها العظيم.

ثمّ تقول: (أن اشكر لي ولوالديك) فاشكرني لأنّي خالقك والمنعم الأصليّ عليك، ومنحتك مثل هذين الأبوين العطوفين الرحيمين، واشكر والديك لأنّهما واسطة هذا الفيض وقد تحمّلا مسؤولية إيصال نعمي إليك. فما أجمل أن يجعل شكر الوالدين قرين شكر الله! وما أعمق مغزاه!

ويقول الله تعالى في نهاية الآية بنبرة لا تخلو من التهديد والعتاب: (إليّ المصير). نعم، فإنّك إذا قصّرت هنا فستحاسب على كلّ هذه الحقوق والمصاعب والخدمات بدقّة فيجب على الإنسان أن يؤدّي ما عليه من شكر مواهب الله. وكذلك شكر نعمة وجود الأبوين وعواطفهما الصادقة الطاهرة لينجح في ذلك الحساب وتلك المحكمة.

وفي هذا المجال التفت بعض المفسّرين إلى مسألة لطيفة، وهي أنّه قد ورد التأكيد على رعاية حقوق الأبوين مراراً في القرآن المجيد، إلاّ أنّ التوصية بالأولاد تلاحظ قليلا ـ ما عدا مورد النهي عن قتل الأولاد، والتي كانت عادةً مشؤومة قبيحة وإستثنائية في عصر الجاهلية ـ وذلك لأنّ الوالدين، وبحكم

______________________________________

1 ـ البقرة، 233.

[  38 ]

عواطفهما القويّة، قلّ ما يهملوا أولادهما بيد النسيان، في حين يلاحظ بكثرة أنّ الأولاد ينسون الأبوين، وخاصّة عند الكبر والعجز، وتعتبر هذه آلم وأشدّ حالة لهما، وأسوأ صور كفران النعمة بالنسبة للأولاد(1).

إنّ الوصيّة بالإحسان إلى الأبوين قد توجد الإشتباه والوهم عند البعض وذلك حينما يظنّ أنّه يجب مداراتهما واتّباعهما حتّى في مسألة العقيدة والكفر والإيمان، لكنّ الآية التالية تقول: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) فيجب أن لا تكون علاقة الإنسان باُمّه وأبيه مقدّمة على علاقته بالله مطلقاً، وأن لا تكون عواطف القرابة حاكمة على عقيدته الدينيّة أبداً.

جملة (جاهداك) إشارة إلى أنّ الأبوين قد يظنّان أحياناً أنّهما يريدان سعادة الولد، ويسعيان إلى جرّه إلى عقيدتهما المنحرفة والإيمان بها، وهذا يلاحظ لدى كلّ الآباء والاُمّهات.

إنّ واجب الأولاد أن لا يستسلموا أبداً أمام هذه الضغوط، ويجب أن يحافظوا على إستقلالهم الفكري، ولا يساوموا على عقيدة التوحيد، أو يبدّلوها بأيّ شيء.

ثمّ إنّ جملة (ما ليس لك به علم) تشير ضمناً إلى أنّنا لو نتجاهل أدلّة بطلان الشرك، ولم نقم لها وزناً، فإنّه لا يوجد دليل على إثباته، ولا يستطيع أيّ متعنّت إثبات الشرك بالدليل.

وإذا تجاوزنا ذلك، فإنّ الشرك إن كانت له حقيقة، فينبغي أن يكون هناك دليل على إثباته، ولمّا لم يكن هناك دليل على إثباته، فإنّ هذا بنفسه دليل على بطلانه.

ولمّا كان من الممكن أيضاً أن يوجد هذا الأمر توهّم وجوب إستخدام الخشونة مع الوالدين المشركين وعدم إحترامهما، ولذلك أضافت الآية أنّ عدم طاعتهما في مسألة الشرك ليس دليلا على وجوب قطع العلاقة معهما، بل تأمره الآية أن

______________________________________

1 ـ تفسير في ظلال القرآن، الجزء 6، ص484.

[  39 ]

(وصاحبهما في الدنيا معروفاً).

فلاطفهما وأظهر المحبّة لهما في الحياة الدنيويّة والمعاشرة، ولا تستسلم لأفكارهما وإقتراحاتهما من الناحية العقائدية والبرامج الدينيّة، وهذه بالضبط نقطة الإعتدال الأصليّة التي تجمع فيها حقوق الله والوالدين، ولذا يضيف بعد ذلك (واتّبع سبيل من أناب إليّ) لأنّ المصير إليه سبحانه (ثمّ إليّ مرجعكم فاُنبّئكم بما كنتم تعملون).

إنّ سبب النفي والإثبات المتلاحق، والأوامر والنواهي المتتابعة في الآيات أعلاه هو أن يجد المسلمون الخطّ الأصلي ويشخّصوه في مثل هذه المسائل، حيث يبدو في أوّل الأمر أنّ هناك تناقضاً في أداء هذين الواجبين، فإن تفكّروا قليلا فإنّ المسير الصحيح سيكون نصب أعينهم، وسيسيرون فيه دون أدنى إفراط ولا تفريط، وهذه الدقّة واللطافة القرآنية في أمثال هذه الدقائق من صور فصاحة القرآن وبلاغته العميقة.

وعلى كلّ حال، فإنّ الآية أعلاه تشبه ما جاء في الآية (8) من سورة العنكبوت، حيث تقول: (ووصّينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إليّ مرجعكم فاُنبّئكم بما كنتم تعملون) وقد أوردنا في ذيل الآية (8) من سورة العنكبوت سبب نزول لها ذُكر في بعض التفاسير.

 

بحثان

1 ـ من هو لقمان؟

لقد ورد اسم «لقمان» في آيتين من القرآن في هذه السورة، ولا يوجد في القرآن دليل صريح على أنّه كان نبيّاً أم لا، كما أنّ اُسلوب القرآن في شأن لقمان يوحي بأنّه لم يكن نبيّاً، لأنّه يلاحظ في القرآن أنّ الكلام في شأن الأنبياء عادةً يدور حول الرسالة والدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك وإنحرافات البيئة، وعدم

[  40 ]

المطالبة بالأجر والمكافأة، وكذلك بشارة الاُمم وإنذارها، في حين أنّ أيّاً من هذه الاُمور لم يذكر في شأن لقمان، والذي ورد هو مجموعة مواعظ خاصّة مع ولده (رغم شموليتها وعموميتها)، وهذا دليل على أنّه كان رجلا حكيماً وحسب.

وفي حديثه عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «حقّاً أقول: لم يكن لقمان نبيّاً، ولكن كان عبداً كثير التفكّر، حسن اليقين، أحبّ الله فأحبّه ومنّ عليه بالحكمة».

وجاء في بعض التواريخ: أنّ لقمان كان عبداً أسود من سودان مصر، ولكنّه إلى جانب وجهه الأسود كان له قلب مضيء وروح صافية، وكان يصدق في القول من البداية، ولا يمزج الأمانة بالخيانة، ولم يكن يتدخّل فيما لا يعنيه(1).

واحتمل بعض المفسّرين نبوّته، لكن ـ كما قلنا ـ لا يوجد دليل على ذلك، بل لدينا شواهد واضحة على نقيض ذلك.

وجاء في بعض الرّوايات: أنّ شخصاً سأل لقمان: ألم تكون ترعى معنا؟ قال: نعم.

قال الرجل: فمن أين أتاك كلّ هذا العلم والحكمة؟

قال: قدر الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، والصمت عمّا لا يعنيني(2).

وورد كذلك في ذيل الحديث الذي نقلناه عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «كان لقمان نائماً نصف النهار، إذ جاءه نداء: يالقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحقّ؟ فأجاب الصوت: إن خيّرني ربّي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم عليّ فسمعاً وطاعة، فإنّي أعلم أنّه إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني.

فقالت الملائكة: دون أن يراهم: لِمَ يالقمان؟

قال: لأنّ الحكم أشدّ المنازل وآكدها، يغشاه الظلم من كلّ مكان، إن وقي فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي

______________________________________

1 ـ قصص القرآن. شرح أحوال لقمان.

2 ـ مجمع البيان ذيل الآيات مورد البحث.

[  41 ]

الآخرة شريفاً خير من أن يكون في الدنيا شريفاً وفي الآخرة ذليلا، ومن يخيّر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة.

فتعجّبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فاُعطي الحكمة، فانتبه يتكلّم بها»(1).

 

2 ـ صور من حكمة لقمان

لقد ذكر بعض المفسّرين بعضاً من كلمات لقمان الحكيمة مناسبة للمواعظ التي وردت في آيات هذه السورة، ونحن نذكر هنا مختصراً منها:

أ ـ كان لقمان يقول لإبنه: يابني، إنّ الدنيا بحر عميق، وقد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله، واجعل شراعها التوكّل على الله، واجعل زادك فيها تقوى الله، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك(2).

وقد ورد نفس هذا المطلب ضمن كلام الإمام الكاظم (عليه السلام) مع هشام بن الحكم بصورة أكمل، نقلا عن لقمان الحكيم: «يابنيّ، إنّ الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكّل، وقيّمها العقل، ودليلها العلم، وسكّانها الصبر»(3).

ب ـ وفي حوار آخر مع إبنه حول آداب السفر يقول:

يابنيّ، سافر بسيفك وخفّك وعمامتك، وخبائك وسقائك، وخيوطك ومخرزك، وتزوّد معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية الله عزّوجلّ.

يابنيّ، إذا سافرت مع قوم فاكثر إستشارتهم في أمرك واُمورهم.

______________________________________

1 ـ مجمع البيان الجزء 8 صفحة 316 ذيل الآية مورد البحث.

2 ـ مجمع البيان. ذيل الآية مورد البحث.

3 ـ اُصول الكافي، المجلّد الأوّل، صفحة 13 كتاب العقل والجهل.

[  42 ]

وأكثر التبسّم في وجوههم.

وكن كريماً على زادك بينهم.

وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوا بك فأعنهم.

واستعمل طول الصمت، وكثرة الصلاة، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد.

وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم.

واجهد رأيك إذا استشاروك، ثمّ لا تعزم حتّى تتثبّت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد، وتنام وتأكل وتصلّي، وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورته، فإنّ من لم يمحض النتيجة من إستشاره سلبه الله رأيه.

وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، فإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم.

واسمع لمن هو أكبر منك سنّاً.

وإذا أمروك بأمر، وسألوك شيئاً فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإنّ (لا) عي ولؤم.

يابنيّ، إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء، صلّها واسترح منها فإنّها دَين.

وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ.

وإن إستطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبتديء فتتصدّق منه فافعل.

وعليك بقراءة كتاب الله(1).

ج ـ وثمّة قصّة معروفة أيضاً عن لقمان، وهي أنّ مولاه دعاه ـ يوم كان عبداً ـ فقال: اذبح شاة، فأتني بأطيب مضغتين منها، فذبح شاة، وأتاه بالقلب واللسان.

وبعد عدّة أيّام أمره أن يذبح شاة، ويأتيه بأخبث أعضائها، فذبح شاة وأتاه بالقلب واللسان، فتعجّب وسأله عن ذلك فقال: إنّ القلب واللسان إذا طهّرا فهما أطيب من كلّ شيء، وإذا خبثا كانا أخبث من كلّ شيء(2).

______________________________________

1 ـ المصدر السابق.

2 ـ تفسير البيضاوي والثعلبي، ولكن نقل في مجمع البيان جزءه الأوّل فقط.

[  43 ]

وننهي هذا البحث بحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «والله ما اُوتي لقمان الحكمة لحسب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال، ولكنّه كان رجلا قويّاً في أمر الله، متورّعاً في الله، ساكتاً سكيناً عميق النظر، طويل التفكّر، حديد البصر.

ولم ينم نهاراً قطّ ـ أي أوّله ـ ولم يتكيء في مجلس قطّ ـ وهو عرف المتكبّرين ـ ولم يتفل في مجلس قوم قطّ، ولم يعبث بشيء قطّ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ، ولا على إغتسال لشدّة تستّره وتحفّظه في أمره.

ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلاّ أصلح بينهما، ولم يسمع قولا إستحسنه من أحد قطّ إلاّ سأله عن تفسيره وعمّن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء، ويتعلّم من العلوم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه، وكان لا يظعن إلاّ فيما ينفعه، ولا ينظر إلاّ فيما يعنيه، فبذلك اُوتي الحكمة ومنح القضيّة»(1).

 

* * *

______________________________________

1 ـ مجمع البيان بتلخيص.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21337041

  • التاريخ : 29/03/2024 - 02:37

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net