00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة آل عمران من أول السورة إلى آخر السورة  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الاول)   ||   تأليف : المولى محمد محسن الفيض الكاشاني

[ 137 ]

سورة آل عمران

[ مدنية، وهي مائتا آية ] (1) بسم الله الرحمن الرحيم (الم). قد سبق تأويله (2). (الله لا إله إلا هو الحى القيوم). (نزل عليك الكتب): القرآن نجوما (بالحق): بالعدل والصدق (مصدقا لما بين يديه) من الكتب (وأنزل التورة والانجيل) جملة على موسى وعيسى. (من قبل): من قبل تنزيل القرآن (هدى للناس) عامة، وقومهما خاصة (وأنزل الفرقان): ما يفرق به بين الحق والباطل. قال: " القرآن: جملة الكتاب، والفرقان: المحكم الواجب العمل به " (3). وفي رواية: " الفرقان كل آية محكمة في الكتاب " (4). وفي أخرى: " سمي الفرقان فرقانا لانه متفرق الآيات والسور،

___________________________

1 - ما بين المعقوفتين من " ب ".

 2 - في ابتداء سورة البقرة.

 3 - الكافي 2: 630، الحديث: 11، ومعاني الاخبار: 189، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - جوامع الجامع 1: 159، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 138 ]

أنزلت في غير الالواح وغير الصحف (1)، والتوراة والانجيل والزبور أنزلت كلها جملة في الالواح والورق " (2). (إن الذين كفروا بايت الله لهم عذاب شديد والله عزيز): غالب (ذو انتقام) شديد. (إن الله لا يخفى عليه شئ في الارض ولا في السماء). (هو الذى يصوركم في الارحام كيف يشآء) من صبيح (3) أو قبيح، ذكر أو أنثى (لا إله إلا هو العزيز) في جلاله (الحكيم) في أفعاله. (هو الذى أنزل عليك الكتب منه ءايت محكمت): أحكمت عباراتها، بأن حفظت من الاجمال (هن أم الكتب): أصله، يرد إليها غيرها (وأخر متشبهت): محتملات لا يتضح مقصودها إلا بالفحص والنظر، ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها وردها إلى المحكمات، وليتوصلوا بها إلى معرفة الله تعالى و توحيده. قال: " المحكم ما يعمل به، والمتشابه ما اشتبه على جاهله " (4). وفي رواية: " ما يشبه بعضه بعضا، " (5). وورد في تأويله: " إن المحكمات أمير المؤمنين والائمة عليهم السلام، والمتشابهات فلان وفلان " (6). (فأما الذين في قلوبهم زيغ): ميل عن الحق كالمبتدعة (فيتبعون ما تشبه منه): فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل (ابتغآء الفتنة): طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه. ورد: " إن الفتنة هنا الكفر " (7). (وابتغاء تأويله): وطلب أن يؤولوه على ما يشتهونه.

___________________________

1 - كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: " وغيره من الصحف " كما في المصدر.

 2 - علل الشرايع 2: 470، الحديث: 33، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 3 - الصباحة: الجمال، فهو صبيح. القاموس المحيط 1: 241 (صبح).

 4 - العياشي 1: 162، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - المصدر: 10، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 6 - الكافي 1: 415، الحديث: 14، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - مجمع البيان 1 - 2: 410، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 139 ]

(وما يعلم تأويله) الذي يجب أن يحمل عليه. قال: " يعني تأويل القرآن كله " (1). (إلا الله والرسخون في العلم) الذين تثبتوا وتمكنوا فيه. قال: " نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله " (2). وفي رواية: " إن الراسخون في العلم من لا يختلف في علمه " (3). وفي أخرى: " إن الله جل ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه، و علمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه، قسم كلامه ثلاثة أقسام، فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه الا من صفى ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه، ممن شرح الله صدره للاسلام، وقسما لا يعرفه إلا الله وأنبياؤه والراسخون في العلم، و إنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار (4) بمن ولاه أمرهم " (5). (يقولون ءامنا به): هؤلاء الراسخون العالمون بالتأويل يقولون: آمنا بالمتشابه. (كل) من المحكم والمتشابه (من عند ربنا): من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه (وما يذكر إلا أولوا الالبب). مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن التدبر، وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله وهو تجرد العقل عن غواشي الحس. قال: " اعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام (6) في السدد (7) المضروبة دون الغيوب، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب،

___________________________

1 - العياشي 1: 164، الحديث: 6، عن أبي جعفر عليه السلام.

 2 - المصدر، الحديث: 8، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه " فنحن نعلم تأويله ".

 3 - الكافي 1: 245، الحديث: 1، عن أبي جعفر الثاني، عن أبي عبد الله عليهما السلام.

 4 - ائتمر الامر: امتثله. مجمع البحرين 3: 211 (أمر).

 5 - الاحتجاج 1: 376، عن أمير المؤمنين عليه السلام، مع تفاوت.

 6 - اقتحم الرجل في الامر: رمى بنفسه فيه من غير روية. لسان العرب 12: 462 (قحم).

 7 - السدة: فوق باب الدار ليقيها من المطر، وقيل: هي الباب نفسه، وقيل: هي الساحة بين يديه. مجمع البحرين 3: 67 (سدد). (*)

 

[ 140 ]

فقالوا: " آمنا به كل من عند ربنا ". فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا، فاقتصر على ذلك، ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين " (1). وورد: " من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم. ثم قال: إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن، ومحكما كمحكم القرآن، فردوا متشابهها إلى محكمها. وتتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا " (2). (ربنا لا تزغ قلوبنا) عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه، وإنما أضيف الزيغ إلى الله لانه مسبب عن امتحانه وخذلانه. (بعد إذ هديتنا) إلى الحق (وهب لنا من لدنك رحمة) بالتوفيق والمعونة (إنك أنت الوهاب) لكل سؤل. قال: " إنهم قالوا ذلك حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها " (3). (ربنا إنك جامع الناس ليوم): لحساب يوم وجزائه (لا ريب فيه): في وقوعه (إن الله لا يخلف الميعاد). (إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أمولهم ولا أولدهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار). (كدأب ءال فرعون): كشأنهم، وأصل الدأب: الكدح. (والذين من قبلهم كذبوا بايتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب). (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد). ورد: " إنها

___________________________

1 - التوحيد: 55، الباب: 2، ذيل الحديث: 13، والعياشي 1: 163، الحديث: 5، عن أبي عبد الله، عن أمير المؤمنين عليهما السلام.

 2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 290، الباب: 28، الحديث: 39.

 3 - الكافي 1: 18، الحديث: 12، عن موسى بن جعفر عليهما السلام. والردى: الهلاك. لسان العرب 14: 316 (ردى). (*)

 

[ 141 ]

نزلت حين حذرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ما أصيبوا به يوم بدر، فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا (1) لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لو قاتلتنا (2) لعرفت أنا نحن الناس " (3). وقد صدق الله وعده وغلب المشركون. (قد كان لكم ءاية): دلالة معجزة على صدق محمد (في فئتين التقتا) يوم بدر: (فئة تقتل في سبيل الله): في دينه وطاعته، وهم الرسول وأصحابه (وأخرى كافرة) وهم مشركوا مكة (يرونهم مثليهم رأى العين): رؤية ظاهرة معاينة (والله يؤيد بنصره من يشآء إن في ذلك): في التقليل والتكثير وغلبة القليل على الكثير (لعبرة لاولى الابصر). (زين للناس حب الشهوت من النساء والبنين والقنطير المقنطرة من الذهب والفضة). قال: " القنطار ملاء مسك ثور ذهبا " (4). أقول: والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد. (والخيل المسومة): المعلمة أو المرعية. (والانعم): الابل والبقر والغنم (والحرث ذلك متع الحيوة الدنيا والله عنده حسن الماب). (قل أو نبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها وأزوج مطهرة) مما يستقذر من النساء. ورد: " ما تلذذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكبر (5) لهم من لذة النساء وهو قول الله عز وجل: " زين للناس " الآية. ثم قال: وإن أهل الجنة ما يتلذذون بشئ من الجنة أشهى عندهم من النكاح، لا طعام و

___________________________

1 - رجل غمر: من لم يجرب الامور. القاموس المحيط 2: 107، ولسان العرب 5: 31 (غمر).

 2 - في المصدر: " إنا والله لو قاتلناك ".

 3 - مجمع البيان 1 - 2: 413.

 4 - المصدر 1: 417. المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.

 5 - في المصدر: " أكثر ". (*)

 

[ 142 ]

لا شراب " (1). (ورضون من الله) وهو أجل النعم كما قال: " ورضوان من الله أكبر " (2). والجنة أوسطها، ومتاع الدنيا أدناها. (والله بصير بالعباد). (الذين يقولون ربنا إننا ءامنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار). (الصبرين والصدقين والقنتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) قال: " المصلين وقت السحر " (3). وقال: " من استغفر سبعين مرة في وقت السحر فهو من أهل هذه الآية " (4). وورد: " من قال في وتره إذا أوتر: " أستغفر الله وأتوب إليه " سبعين مرة وهو قائم، فواظب على ذلك حتى تمضي له سنة، كتبه الله عنده من المستغفرين بالاسحار، ووجبت له المغفرة من الله تعالى " (5). (شهد الله أنه لا إله إلا هو): بين وحدانيته لقوم بظهوره في كل شئ وتعرفه ذاته في كل نور وفئ، ولقوم بنصب الدلائل الدالة عليها، ولقوم بإنزال الآيات الناطقة بها. (والملئكة) بالاقرار ذاتا لقوم، وفعلا لقوم، وقولا لقوم. (وأولوا العلم) بالايمان، والعيان، والبيان شبه الظهور، والاظهار في الانكشاف، والكشف بشهادة الشاهد. (قائما بالقسط): مقيما للعدل. ورد: " إن أولي العلم الاولياء (6) والاوصياء وهم قيام بالقسط، والقسط: العدل " (7). (لا إله إلا هو) تأكيد وتمهيد لقوله: (العريز الحكيم). (إن الدين عند الله الاسلم): لا دين مرضي عند الله سوى الاسلام، وهو

___________________________

1 - الكافي 5: 321، الحديث: 10، والعياشي 1: 164، الحديث: 10، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - التوبة (90): 72.

 3 و 4 - مجمع البيان 1 - 2: 419، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - الخصال 2: 581، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 6 - في المصدر: " الانبياء ".

 7 - العياشي 1: 166، الحديث: 18، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه: " والقسط هو العدل في الظاهر، والعدل في الباطن أمير المؤمنين عليه السلام ". (*)

 

[ 143 ]

التوحيد والتدرع بالشرع. ورد: " إن الاسلام قبل الايمان، وعليه يتوارثون ويتناكحون، والايمان عليه يثابون " (1). (وما اختلف الذين أوتوا الكتب) في الاسلام (إلا من بعد ما جاء هم العلم) بأنه حق (بغيا بينهم): حسدا وطلبا للرياسة، لا لشبهة فيه (ومن يكفر بايت الله فإن الله سريع الحساب). (فإن حاجوك) في الدين وجادلوك فيه بعد ما أقمت لهم الحجج (فقل اسلمت وجهى لله): أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره. عبر عن النفس بالوجه، لانه أشرف الاعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس. (ومن اتبعن): وأسلم من اتبعني (وقل للذين أوتوا الكتب والامين): الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب (ءأسلمتم) كما أسلمت لما وضحت لكم الحجة أم بعد على كفركم (فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ والله بصير بالعباد). وعد ووعيد. (إن الذين يكفرون بايت الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم). (أولئك الذين حبطت أعملهم في الدنيا والاخرة) إذ لم ينالوا بها المدح والثناء، ولم يحقن دماؤهم وأموالهم، ولم يستحقوا به الاجر والثواب (2) (وما لهم من نصرين) يدفعون عنهم العذاب. (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب). قيل: يريد به أحبار اليهود (3). (يدعون إلى كتب الله) وهو التوراة (ليحكم بينهم) في نبوة نبينا أو في رجم الزاني،

___________________________

1 - الكافي 1: 173، ذيل الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - كذا في جميع النسخ، ولعل الصحيح: " لم تحقن دماؤهم وأموالهم ولم يستحقوا بها الاجر والثواب " كما في الصافي.

 3 - راجع: الكشاف 1: 420. (*)

 

[ 144 ]

وقد اختلفوا فيه (1) (ثم يتولى فريق منهم) استبعاد لتوليهم (وهم معرضون). (ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودت) بسبب تسهيلهم العقاب على أنفسهم (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون). (فكيف إذا جمعنهم ليوم لاريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت): جزاء ما كسبت (وهم لا يظلمون). (قل اللهم ملك الملك تؤتى الملك): ما تشاء من الملك (من تشاء وتنزع الملك): تسترد ما تشاء منه (ممن تشاء) فالملك الاول عام، والآخران خاصان. (وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير). (تولج اليل في النهار وتولج النهار في اليل): تنقص من الليل وتجعل ذلك النقصان زيادة في النهار، وتنقص من النهار وتجعل ذلك النقصان زيادة في الليل. (وتخرج الحى من الميت) قال: " المؤمن من الكافر " (2). (و تخرج الميت من الحى) قال: " الكافر من المؤمن " (3). ورد: " إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا وإن الميت هو الكافر ". ثم فسر الآية بما ذكر (4). (وترزق من تشاء بغير حساب). (لا يتخذ المؤمنون الكفرين أولياء من دون المؤمنين). نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية أو نحوهما حتى لا يكون حبهم وبغضهم إلا في الله، وقد كرر ذلك في القرآن (5). (ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ): ليس من ولايته في شئ (إلا أن

___________________________

1 - راجع: مجمع البيان 1 - 2: 424، والتبيان 2: 425.

 2 و 3 - مجمع البيان 1 - 2: 428، والرواية مروية عن الصادقين عليهما السلام.

 4 - معاني الاخبار: 290، الحديث: 10، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه: " فان الميت هو الكافر ".

 5 - راجع: النساء (4): 89، 139 و 144، والمائدة (5): 80، والتوبه (9): 23، والممتحنة (60): 1 و 9. (*)

 

[ 145 ]

تتقوا منهم تقة): إلا أن تخافوا من جهتهم خوفا أو أمرا يجب أن يخاف منه. قال: " التقية ترس الله بينه وبين خلقه " (1). وقال: " لا إيمان لمن لا تقية له، ثم تلا هذه الآية " (2). (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير) فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه وموالاة أعدائه. (قل إن تخفوا ما في صدوركم) من ولاية الكفار وغيرها (أو تبدوه يعلمه الله و يعلم ما في السموت وما في الأرض والله على كل شئ قدير) فيقدر على عقوبتكم إن لم تنتهوا عما نهيتم عنه. (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ج ويحذركم الله نفسه قلى والله رءوف بالعباد). كرر ذلك للتأكيد والتذكير، ثم أشار إلى أنه تعالى إنما نهاهم وحذرهم، رأفة بهم، ومراعاة لصلاحهم، وأنه لذو مغفرة وذو عقاب، ترجى رحمته ويخشى عذابه. (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). قيل: نزلت لما قالت اليهود: " نحن أبناء الله وأحباؤه " (3). أقول: المحبة من العبد ميل النفس إلى الشئ، لكمال أدركت فيه، بحيث تحملها على ما يقربها إليه، ومن الله رضاه عن العبد، وكشفه الحجاب عن قلبه. والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله، وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه إلا لله وفي الله، وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه. فعلامة المحبة إرادة الطاعة والعبادة والاجتهاد البليغ في اتباع من كان وسيلة له إلى

___________________________

1 - الكافي 2: 220، الحديث: 19، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - العياشي 1: 166، الحديث: 24، عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام.

 3 - البيضاوي 2: 13. والآية في سورة المائدة (5): 18. (*)

 

[ 146 ]

معرفة الله ومحبته ممن كان عارفا بالله محبا إياه محبوبا له، فإن من هذه صفاته، إنما نال هذه الصفات بالطاعة على الوجه المخصوص، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يحذو حذوه، فمن أحب الله فلا بد له من اتباع الرسول في عبادته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يحبه الله، إذ بذلك يحصل التقرب إلى الله، وبالتقرب يحصل محبة الله تعالى إياه، كما قال سبحانه: " وإن العبد ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " (1). وأيضا لما كان الرسول حبيب الله فكل من يدعي محبة الله، لزمه محبة الرسول، لأن محبوب المحبوب محبوب، و محبة الرسول إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله، قولا وعملا وخلقا وحالا وسيرة و عقيدة، ولا يتمشى دعوى محبة الله إلا بهذا، فإنه قطب المحبة ومظهرها، فمن لم يكن له من متابعته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب، ومن تابعه حق المتابعة ناسب باطنه و سره وقلبه ونفسه باطن الرسول وسره وقلبه ونفسه، وهو مظهر محبة الله، فلزم بهذه المناسبة أن يكون لهذا التابع قسط من محبة الله بقدر نصيبه من المتابعة، فيلقي الله محبته عليه، ويسري من باطن روح الرسول نور تلك المحبة إليه، فيكون محبوبا لله محبا له. ومن لم يتابعه يخالف باطنه باطن الرسول، فبعد عن وصف المحبوبية، وزال (2) المحبة عن قلبه أسرع ما يكون، إذ لو لم يحبه الله لم يكن محبا له، وفي حكم الرسول من أمر الله والرسول بحبه واتباعه، وهم الأئمة الأوصياء عليهم السلام. قال: " من سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا. ألم تسمع قول الله تعالى لنبيه: " قل إن كنتم تحبون الله " الآية. والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله، ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا، ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله، ومن مات عاصيا لله أخزاه الله و

___________________________

1 - الكافي 2: 352، الحديث: 8، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه: " بالنافلة حتى أحبه ".

 2 - كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: " وزوال المحبة " كما في الصافي 1: 304. (*)

 

[ 147 ]

أكبه (1) على وجهه في النار " (2). (ويغفر لكم ذنوبكم) بالتجاوز عما فرط منكم (والله غفور رحيم) لمن تحبب إليه بطاعته واتباع نبيه ومن أمر باتباعه. (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا). يحتمل المضي والمضارع. (فإن الله لا يحب الكفرين): لا يرضى عنهم. (إن الله اصطفئ ادم ونوحا وءال إبرهيم). ورد: " إنه تلا هذه الآية فقال: نحن منهم ونحن بقية تلك العترة " (3). وفي رواية: " والله إن محمدا لمن آل إبراهيم وإن العترة الهادية لمن آل محمد " (4). (وءال عمرن على العلمين) قيل: موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر، أو عيسى وأمه بنت عمران بن ما ثان. وبين العمرانين ألف وثمانمأة سنة (5). (ذرية بعضها من بعض) قال: " من نسل بعض " (6). " لا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم " (7). (والله سميع) لأقوال الناس (عليم) بأعمالهم فيصطفي من كان مستقيم القول والعمل. (إذ قالت امرأت عمرن) هي إمرأة عمران بن ما ثان، أم مريم البتول، جدة عيسى. في رواية: " اسمها حنة " (8). وفي أخرى: " مرثا وقال: وهي وهيبة بالعربية " (9). (رب إنى نذرت لك ما في بطني محررا): معتقا لخدمة بيت المقدس، لا أشغله بشئ (فتقبل منى) ما نذرته (إنك أنت السميع) لقولي (العليم) بنيتي.

___________________________

1 - في " الف " و " ج ": " كبه ".

 2 - الكافي 8: 408، في ذيل رسالة أبي عبد الله عليه السلام إلى جماعة الشيعة.

 3 - العياشي 1: 168، الحديث: 29، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - الامالى (للصدوق): 134، المجلس الثلاثون، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - راجع: البيضاوي 2: 14، والكشاف 1: 424.

 6 - التبيان 2: 442، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - راجع: العياشي 1: 169، الحديث: 35 عن أبي عبد الله عليه السلام.

 8 - الكافي 1: 535، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 9 - الكافي 1: 479، الحديث: 4، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام. (*)

 

[ 148 ]

(فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت). اعتراض، وهو قول الله، وعلى قراءة المتكلم من كلامها، تسلية لنفسها، أي: ولعل لله فيه سرا أو الانثى (1) كان خيرا. (وليس الذكر كالانثى) من تتمة كلامها. قال: " أوحى الله إلى عمران إني واهب لك ذكرا سويا مباركا، يبرئ الاكمه والابرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل، فحدث عمران امرأته " حنة " بذلك وهي أم مريم، فلما حملت بها، كان حملها عند نفسها غلاما، فلما وضعتها، قالت: " رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالانثى ": لا تكون البنت رسولا، يقول الله عز وجل " والله أعلم بما وضعت ". فلما وهب الله لمريم عيسى، كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه " (2). وفي رواية: " إن الانثى تحيض فتخرج من المسجد والمحرر لا يخرج من المسجد " (3). وفي أخرى: " نذرت ما في بطنها للكنيسة أن تخدم العباد وليس الذكر كالانثى في الخدمة، قال: فشبت وكانت تخدمهم وتناولهم حتى بلغت، فأمر زكريا أن يتخذ لها حجابا دون العباد " (4). (وإني سميتها مريم) معناه: العابدة (وإنى أعيذها بك وذريتها): أجيرها بحفظك (من الشيطن الرجيم): المطرود. روي: " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه إلا مريم وابنها " (5). قيل: يعني أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود بحيث يتأثر من طمعه فيه إلا مريم وابنها، فإن الله عصمهما ببركة هذه الاستعاذة (6).

___________________________

1 - في " الف ": " والانثى ".

 2 - الكافي 1: 535، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - العياشي 1: 170، الحديث: 37، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - المصدر، الحديث: 38، عن أحدهما عليهما السلام.

 5 - راجع: مجمع البيان 1 - 2: 435، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومسند أحمد 2: 274.

 6 - راجع: البيضاوي 2: 16. (*)

 

[ 149 ]

(فتقبلها ربها بقبول حسن) بإقامتها مقام الذكر، وتسلمها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسدانة (1) (وأنبتها نباتا حسنا): رباها بما يصلحها في جميع أحوالها (وكفلها زكريا) أي الله. وإن خفف، زكريا (2). قال: " فسوهم عليها فأصاب القرعة زكريا وهو زوج أختها " (3). وفي رواية: " ابن خالتها " (4). (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يمريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشآء بغير حساب). قال: " كفلها وأدخلها المسجد فلما بلغت ما تبلغ النساء من الطمث (5) وكانت أجمل النساء وكانت تصلي فيضئ المحراب لنورها، فدخل عليها زكريا، فإذا عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فقال: أنى لك هذا ؟ ! قالت هو من عند الله " (6). وورد نظير هذا في فاطمة عليها السلام من طريقي العامة والخاصة جميعا (7). (هنالك دعا زكرياربه) لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله. ورد: " إنه قال في نفسه: إن الذي يقدر أن يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء لقادر أن يهب لي ولدا وإن كنت شيخا وامرأتي عاقرا " (8). (قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء). (فنادته الملئكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة

___________________________

1 - سدن سدنا وسدانة: خدم الكعبة أو بيت الصنم. القاموس المحيط 4: 235، ومجمع البحرين 6: 263 (سدن).

 2 - يعني: إن قرئ " كفلها " بالتشديد فالفاعل هو الله و " زكريا " مفعول ثان لكفلها والمعنى: كفل الله مريم زكريا، وإن قرئ بالتخفيف فالفاعل فيه هو زكريا.

 3 - العياشي 1: 170، الحديث: 36، عن أبي جعفر عليه السلام، مع اختلاف يسير في العبارة.

 4 - لم نعثر عليه.

 5 - الطمث: المس والدنس، وطمثت المرأة: حاضت. القاموس المحيط 1: 176، ومجمع البيان 2: 258 (طمث).

 6 - العياشي 1: 170، الحديث: 36، عن أبي جعفر عليه السلام، مع اختلاف يسير في العبارة.

 7 - راجع: العياشي 1: 171، الحديث: 41، عن أبي جعفر عليه السلام، والدر المنثور 2: 185 - 186.

 8 - تفسير الامام عليه السلام: 660. (*)

 

[ 150 ]

من الله) يعني بعيسى، كما يأتي في سورة مريم (1). (وسيدا) قال: " رئيسا في طاعة الله على أهل طاعته " (2). (وحصورا) قال: " لا يأتي النساء " (3). (ونبيا من الصلحين). (قال رب أنى يكون لى غلم وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر): لا تلد (قال كذلك): مثل خلق الولد من الشيخ الفاني والعجوز العاقر (الله يفعل ما يشآء). (قال رب اجعل لئ اية): علامة أعرف بها الحمل لاستقبله بالشكر (قال ءايتك الاتكلم الناس ثلثة أيام): لا تقدر على تكليمهم. قال: " لما نادته الملائكة بما نادته، أحب أن يعلم أن ذلك الصوت من الله، فأوحى إليه أن آية ذلك أن يمسك لسانه (4) عن الكلام ثلاثة أيام، فلما أمسك لسانه ولم يتكلم، علم أنه لا يقدر على ذلك إلا الله " (5). (إلارمزا): إشارة. قال: " فكان يؤمي برأسه " (6). (واذكر ربك كثيرا) قيل: أي: في أيام العجز عن التكلم (7). نبه بذلك على أن الغرض من حبس لسانه أن يخلص المدة لذكر الله وشكره قضاءا لحق النعمة، فكأنه قال: آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر. (وسبح بالعشى والابكر). (وإذ قالت الملئكة يمريم إن الله اصطفك) قال: " من ذرية الانبياء " (8) (وطهرك) قال: " من السفاح " (9). (واصطفك على نساء العلمين) قال: " لولادة

___________________________

1 - الآية: 7.

 2 و 3 - تفسير الامام عليه السلام: 660.

 4 - في " الف ": " أن تمسك لسانك ".

 5 - العياشي 1: 172، الحديث، 43، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 6 - المصدر، الحديث: 44، عن أحدهما عليهما السلام.

 7 - مجمع البيان 1 - 2: 440، والكشاف 1: 429.

 8 و 9 - مجمع البيان 1 - 2: 440، والعياشي 1: 173، الحديث: 47، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 151 ]

عيسى من غير فحل " (1). (يمريم اقنتي لربك واسجدي واركعى مع الركعين). (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلمهم أيهم يكفل مريم). قال: " يقرعون بها حين ايتمت من أبيها " (2). (وما كنت لديهم إذ يختصمون) تنافسا في كفالتها. (إذ قالت الملئكة يمريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين). (ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصلحين). (قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشآء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون). قال: " " كن " منه صنع، وما يكون به، المصنوع " (3). وقد مرله مزيد بيان (4). (ويعلمه الكتب والحكمة والتورة والانجيل). (ورسولا إلى بنى إسرءيل أنى قد جئتكم باية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهية الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الاكمه والابرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين). (ومصدقا لما بين يدى من التورة ولاحل لكم بعض الذى حرم عليكم) في شريعة موسى (وجئتكم باية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون). (إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صرط مستقيم).

___________________________

1 - مجمع البيان 1 - 2: 440 عن أبي جعفر عليه السلام.

 2 - العياشي 1: 173، الحديث: 47، عن أبي جعفر عليه السلام، وليست فيه جملة: " يقرعون بها ".

 3 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 173 - 174، الباب: 12، ذيل الحديث: 1.

 4 - في سورة البقره، ذيل الآية: 117. (*)

 

[ 152 ]

(فلمآ أحس عيسى منهم الكفر) قال: " لما سمع ورأى أنهم يكفرون " (1). (قال من أنصارى إلى الله): من أعواني إلى سبيله ؟ (قال الحواريون). حواري الرجل: خالصته. قال: " سموا بذلك لانهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين غيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير " (2): (نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون). (ربنا ءامنا بمآ أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشهدين). (ومكروا) أي: الذين أحس عيسى منهم الكفر من اليهود، بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة (ومكر الله) " حين رفع عيسى وألقى شبهه على من قصد اغتياله حتى قتل بدلا منه ". كما في رواية (3). أو " على أحد من خواصه ليقتل فيكون معه في درجته ". كما في أخرى (4). والمكر من حيث إنه في الاصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة، لا يسند إلى الله تعالى إلا على سبيل المقابلة والازدواج، أو بمعنى المجازاة، كما مر. (والله خير المكرين): أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يحتسب المعاقب. (إذ قال الله يعيسى إنى متوفيك): مستوفي أجلك ومؤخرك إلى أجلك المسمى، عاصما إياك من قتلهم، أو قابضك من الارض، من توفيت مالي، أو مميتك عن الشهوات العايقة عن العروج إلى عالم الملكوت. (ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا): من سوء جوارهم (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة) يغلبونهم بالحجة والسيف (ثم إلى مرجعكم) جميعا (فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون).

___________________________

1 - القمي 1: 103، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 79، الباب: 32، الحديث: 10، وعلل الشرايع 1: 80، الباب: 72، الحديث: 1، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

 3 - راجع: مجمع البيان 1 - 2: 448، عن ابن عباس، والبيضاوي 2: 21، والكشاف 1: 432.

 4 - راجع: القمي 1: 103، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 153 ]

(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة وما لهم من نصرين). (وأما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظلمين). (ذلك نتلوه عليك من الايت والذكر الحكيم). (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم) في أنه خلق من غير أب، كما خلق آدم من التراب من غير أب ولا أم. شبه حاله بما هو أقرب، إفحاما للخصم وقطعا لمواد الشبه. (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) أي: فكان في الحال. (الحق): هو الحق (من ربك فلا تكن من الممترين). (فمن حاجك) من النصارى (فيه): في عيسى (من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناء كم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكذبين) أي: يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة، أي: الملاعنة والمتاركة. ورد: " إنهم دنوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: إلى ما تدعو ؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث. قالوا: فمن أبوه ؟ فنزل الوحي: قل لهم: ما تقولون في آدم ؟ أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح ؟ فمن أبوه ؟ فنزلت " إن مثل عيسى " الآيات. فقال لهم: فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذبا أنزلت علي، فقالوا: أنصفت. فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم: إن باهلنا بقومه، باهلناه فإنه ليس بنبي، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة، فلا نباهله، فإنه لا يقدم بأهل بيته إلا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فقال النصارى: من هؤلاء ؟ فقيل لهم: إن هذا ابن عمه ووصيه وختنه، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين، ففرقوا وقالوا:

 

[ 154 ]

نعطيك الرضى، فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجزية وانصرفوا " (1). (إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله). رد على النصارى في تثليثهم. (وإن الله لهو العزيز الحكيم): لا أحد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في الالوهية. (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين). وعيد لهم. وضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج، والاعراض عن التوحيد إفساد للدين ويؤدي إلى إفساد النفوس بل وإلى إفساد العالم. (قل يأهل الكتب تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله): إن نوحده بالعبادة ونخلص فيها (ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله): ولا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الاحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل. ورد: إنه قيل: ما كنا نعبدهم يا رسول الله. قال: " أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم ؟ قال: نعم. قال: هو ذاك " (2). (فإن تولوا) عن التوحيد (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) أي: لزمتكم الحجة، فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم. وما أحسن ما راعى في هذه القصة من المبالغة في الارشاد وحسن التدرج في الحجاج. بين أولا أحوال عيسى وما تعاور عليه من الاطوار المنافية للالهية، ثم ذكر ما يزيح شبهتهم. فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الاعجاز، ثم لما أعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد، عاد عليهم بالارشاد وسلك طريقا أسهل وألزم، بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والانجيل وساير الانبياء والكتب. ثم لما لم يجد ذلك أيضا عليهم، وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم، أعرض عن ذلك، وقال: " اشهدوا بأنا مسلمون ".

___________________________

1 - راجع: القمي 1: 104، عن أبي عبد الله عليه السلام، مع اختلاف يسير في بعض الكلمات.

 2 - مجمع البيان 1 - 2: 455، والبيضاوي 2: 23، والكشاف 1: 435، " روي عن عدي بن حاتم أنه قال: ماكنا... ". (*)

 

[ 155 ]

(يأهل الكتب لم تحاجون في إبرهيم وما أنزلت التورة والانجيل إلا من بعده). تنازعت اليهود والنصارى فيه، وزعم كل فريق أنه منهم، فنزلت. والمعنى أن اليهودية والنصرانية حدثت بنزول التوراة والانجيل على موسى وعيسى، وكان إبراهيم قبلهما، فكيف يكون عليهما ؟ (أفلا تعقلون) فتدعون المحال ؟ (هأنتم هؤلاء حججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) أي: أنتم هؤلاء الحمقى، وبيان حماقتكم أنكم جادلتم فيما و جدتموه في أحد الكتابين، أو تدعون أنه فيه، فلم تجادلون فيما لا ذكر له فيه من دين إبراهيم ؟ (والله يعلم) ما حاججتم فيه من شأن إبراهيم ودينه (وأنتم لا تعلمون) فلا تتكلموا فيه. (ما كان إبرهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا): مائلا عن العقايد الزايفة (مسلما): منقادا لله تعالى. قال: " خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة الاوثان " (1). وفي رواية: " لا يهوديا يصلي إلى المغرب ولا نصرانيا يصلي إلى المشرق، ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمد " (2). أقول: يعني كان يصلي إلى الكعبة ما بين المشرق والمغرب وكان دينه موافقا لدين محمد صلى الله عليه وآله. (وما كان من المشركين). تعريض بأنهم مشركون، ورد لادعائهم أنهم على ملته. (إن أولى الناس): أقربهم (بإبرهيم للذين اتبعوه) من أمته (وهذا النبي والذين ءامنوا). قال: " هم الائمة ومن اتبعهم " (3). ورد: " إن أولى الناس بالانبياء أعملهم (4) بما جاؤوا به ثم تلا هذه الآية " (5). (والله ولى المؤمنين): يتولى نصرتهم.

___________________________

1 - الكافي 1: 15، باب الاخلاص، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - العياشي 1: 177، الحديث: 60، عن أبي عبد الله، عن أمير المؤمنين عليهما السلام.

 3 - الكافي 1: 416، الحديث: 20، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - في المصدر: " أعلمهم ".

 5 - مجمع البيان 1 - 2: 458، ونهج البلاغة (للصبحي الصالح): 484، الحكمة: 96. (*)

 

[ 156 ]

(ودت طائفة من أهل الكتب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون). (يأهل الكتب لم تكفرون بايت الله وأنتم تشهدون). (يأهل الكتب لم تلبسون الحق بالبطل) بالتحريف (وتكتمون الحق): نبوة محمد ونعته (وأنتم تعلمون) بما تكتمونه. (وقالت طائفة من أهل الكتب ءامنوا بالذى أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار) قيل: أي أظهروا الايمان بالقرآن أول النهار (1). (واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون): ظنا بأنكم رجعتم لخلل ظهر لكم. وورد: " يعنون القبلة حين استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد الحرام صلاة الظهر بعد ما صلى الغداة مستقبلا إلى بيت المقدس، يعني " لعلهم يرجعون " إلى قبلتنا " (2). (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل مآ أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم). قيل: أي لا تصدقوا ولا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الفضائل إلا لاهل دينكم، ولا تؤمنوا بأن يحاجوكم عند ربكم، لانكم أصح دينا منهم، فلا يكون لهم الحجة عليكم. وقوله: " قل إن الهدى هدى الله "، اعتراض من كلام الله (3). وقيل فيه أقوال أخر (4). وهي من المتشابه الذي لم يصل إلينا تأويله. (قل إن الفضل بيد الله): الهداية والتوفيق منه (يؤتيه من يشآء والله وسع عليم). (يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم). (ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما): تطالبه بالعنف (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الامين

___________________________

1 - مجمع البيان 1 - 2: 460، عن الحسن وجماعة، والبيضاوي 2: 25.

 2 - القمي 1: 105، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 و 4 - مجمع البيان 1 - 2: 461، والكشاف 1: 437. (*)

 

[ 157 ]

سبيل) أي: ليس علينا في شأن من ليس من (1) أهل الكتاب ولم يكن على ديننا عقاب وذم. (ويقولون على الله الكذب) بادعائهم ذلك (وهم يعلمون) أنهم كاذبون، وذلك لانهم استحلوا ظلم من خالفهم، وقالوا: لم يجعل لهم في التوراة حرمة. ورد: " إنه صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ هذه الآية قال: كذب أعداء الله، ما من شئ كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الامانة، فإنها مؤداة إلى البر والفاجر " (2). (بلى من أوفى بعهده) أي عهد كان (واتقى) الله في ترك الخيانة والغدر (فإن الله يحب المتقين). في وضع الظاهر موضع المضمر إشعار بأن التقوى ملاك الامر. (إن الذين يشترون): يستبدلون (بعهد الله): بما عاهدوا عليه من الايمان بالرسول، والوفاء بالامانات (وأيمنهم): ربما حلفوا به (ثمنا قليلا): متاع الدنيا من الرياسة وأخذ الرشوة والذهاب بمال أخيهم المسلم ونحو ذلك (أولئك لا خلق لهم): لا نصيب لهم (في الاخرة ولا يكلمهم الله) قال: " بكلام خير " (3). (ولا ينظر إليهم يوم القيمة) قال: " لا يصيبهم بخير " (4). (ولا يزكيهم) قال: " من ذنوبهم " (5). (ولهم عذاب أليم). (وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتب): يفتلونها (6) بقراءته فيميلونها عن المنزل إلى المحرف. (لتحسبوه من الكتب وما هو من الكتب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون). تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله.

___________________________

1 - في " ج ": " من ليس أهل الكتاب ".

 2 - مجمع البيان 1 - 2: 463، والدر المنثور 2: 244، والبيضاوي 2: 26.

 3 - تفسير الامام عليه السلام: 586.

 4 - التوحيد: 265، الباب: 36، الحديث: 5، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 5 - تفسير الامام عليه السلام: 586.

 6 - يفتلونها: يصرفونها. مجمع البحرين 5: 439، ولسان العرب 11: 514 (فتل). (*)

 

[ 158 ]

(وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم): والحكمة (والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله). روي: " أنه قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتريد أن نعبدك ونتحذك ربا ؟ فقال: معاذ الله أن يعبد غير الله وأن نأمر بعبادة غير الله (1)، فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني، فنزلت " (2). (ولكن كونوا ربنين): ولكن يقول: كونوا ربانيين أي: الكاملين في العلم والعمل، منسوب إلى الرب. (بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون): بسبب التعليم والدراسة. عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لا ترفعوني فوق حقي فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا، وتلا هذه الآية " (3). (ولا يأمركم أن تتخذ والملئكة والنبين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون). القمي: كان قوم يعبدون الملائكة، وقوم من النصارى زعموا أن عيسى رب، واليهود قالوا: عزيربن الله فقال الله: " ولا يأمركم " الآية (4). (وإذ أخذ الله ميثق النبين لما ءاتيتكم من كتب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) قال: " ميثاق أمم النبيين كل أمة بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به فما وفوا به وتركوه " (5). وفي رواية: " أخذ الميثاق على الانبياء قبل نبينا عليه وعليهم السلام أن يخبروا أممهم بمبعثه ونعته، ويبشروهم به، ويأمروهم بتصديقه " (6). وفي أخرى: " لم يبعث الله نبيا، آدم ومن بعده، إلا أخذ عليه العهد: لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ العهد بذلك

___________________________

1 - في " ب " و " ج ": " وأن نأمر بغير عبادة الله ".

 2 - مجمع البيان 1 - 2: 466، والبيضاوي 2: 27 " روي عن أبي رافع القرضى من اليهود، ورئيس وفد نجران، أنهما قالا للنبي... ".

 3 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 201، الباب: 46، الحديث: 1.

 4 - القمي 1: 106.

 5 - مجمع البيان 1 - 2: 468، عن أبي عبد الله عليه السلام، مع اختلاف يسير في العبارة.

 6 - المصدر، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن ابن عباس وقتادة. (*)

 

[ 159 ]

على قومه " (1). وفي أخرى: " ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين وهو قوله: " لتؤمنن به " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ولتنصرنه " يعني أمير المؤمنين عليه السلام " (2). (قال ءأقررتم) قال: " ثم قال لهم في الدنيا أقررتم ؟ " (3). (وأخذتم على ذلكم إصرى) قال. أي: عهدي " (4). (قالوا أقررنا قال فاشهدوا) قال: " قال الله للملائكة: " فاشهدوا " " (5). وفي رواية: " قال الانبياء وأممهم: أقررنا بما أمرتنا بالاقرار به. قال الله: فاشهدوا بذلك على أممكم " (6). (وأنا معكم من الشهدين) قال: " عليكم وعلى أممكم ". (فمن تولى بعد ذلك) الميثاق والتأكيد (فأولئك هم الفسقون): المتمردون. (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموت والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون). قال: " هو توحيدهم لله عز وجل " (7). وفي رواية: " معناه أكره أقوام على الاسلام وجاء أقوام طائعين " (8). قال: " وكرها أي: فرقا من السيف " (9). (قل ءامنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم) بالتصديق والتكذيب (ونحن له مسلمون): منقادون، مخلصون في عبادته.

___________________________

1 - الدر المنثور 2: 252، ومجمع البيان 1 - 2: 468، عن علي عليه السلام.

 2 - القمي 1: 106، والعياشي 1: 181، الحديث: 76، عن أبي عبد الله، مع تفاوت في العبارة.

 3 - القمي 1: 106، وفيه: " في الذر " بدل " في الدنيا ".

 4 و 5 - المصدر: 107.

 6 - مجمع البيان 1 - 2: 468، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 7 - التوحيد: 46، الباب: 2، الحديث: 7، والعياشي 1: 183، ذيل الحديث: 78، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 8 - مجمع البيان 1 - 2: 470، عن أبي عبد الله عليه السلام. في " الف ": " وجاءوا أقوام " ولكن الصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

 9 - المصدر عن أبي عبد الله عليه السلام، والقمي 1: 107. (*)

 

[ 160 ]

(ومن يبتغ غير الاسلم دينا) أي: غير التوحيد والانقياد لحكم الله (فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخسرين) بإبطاله الفطرة السليمة التي فطر عليها. (كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمنهم وشهدوا). عطف على معنى الفعل في " إيمانهم ". (أن الرسول حق وجاءهم البينت والله لا يهدى القوم الظلمين). (أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين). (خلدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون). (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) يتفضل عليهم. " نزلت الآيات في أنصاري قتل رجلا غدرا وهرب، وارتد عن الاسلام ولحق بمكة ثم ندم، فسأل هل لي من توبة ؟ ". كذا ورد (1). (إن الذين كفروا بعد إيمنهم ثم ازدادوا كفرا) كاليهود، كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون). (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم مل ء الارض ذهبا): ما يملا الارض من الذهب (ولو افتدى به): نفسه من العذاب (أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من نصرين). (لن تنالوا البر): لن تبلغوا حقيقته ولا تكونوا أبرارا (حتى تنفقوا مما تحبون): من المال والجاه والمهجة وغيرها في طاعة الله. وفي قراءة الصادق عليه السلام: " ما تحبون ". قال: " هكذا فاقرأها " (2). (وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم). (كل الطعام كان حلا لبنى إسرءيل إلا ما حرم إسرءيل) يعني (3): يعقوب (على نفسه من قبل أن تنزل التورة). قال: " وهو لحم الابل كان إذا أكل هيج عليه وجع

___________________________

1 - مجمع البيان 1 - 2: 471، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - الكافي 8: 183، الحديث: 209 عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - لم ترد في " ب " و " ج " كلمة " يعني ". (*)

 

[ 161 ]

الخاصرة فحرمه على نفسه، وذلك قبل أن تنزل التوراة، فلما نزلت التوراة لم يحرمه و لم يأكله " (1). أقول: يعني موسى عليه السلام. قيل: يعني إن المطاعم كلها لم تزل حلالا لهم من قبل إنزالها وتحريم ما حرم فيها بظلم اليهود وبغيهم. وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم في قوله: " ذلك جزيناهم ببغيهم " (2) وقوله " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " (3) فقالوا: لسنا بأول من حرمت عليه، وقد كانت محرمة على نوح وابراهيم ومن بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التحريم إلينا فكذبهم الله " (4). (قل فأتوا بالتورة فاتلوها إن كنتم صدقين). أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه حتى يتبين أنه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما زعموا، فلم يجسروا على إخراج التوراة وبهتوا (5). (فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك): من بعد ما لزمهم الحجة (فأولئك هم الظلمون) لانفسهم، لمكابرتهم الحق بعد وضوحه. (قل صدق الله). تعريض بكذبهم، أي: ثبت أن الله صادق فيما أنزله وأنتم الكاذبون. (فاتبعوا ملة إبرهيم حنيفا) وهي ملة الاسلام التي عليها محمد ومن آمن معه (وما كان من المشركين). تبرئة له مما كان ينسبه اليهود والمشركون إليه من كونه على دينهم. (إن أول بيت وضع للناس) ليكون متعبدا لهم (للذى ببكة) يعني الكعبة: قال:

___________________________

1 - الكافي 5: 306، الحديث: 9، والعياشي 1: 184، الحديث: 86، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - الانعام (6): 146.

 3 - النساء (4): 160.

 4 و 5 - الكشاف 1: 445 - 446، والبيضاوي 2: 31. (*)

 

[ 162 ]

" إن موضع البيت بكة، والقرية مكة " (1). وورد: " لما أراد الله أن يخلق الارض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى صار موجا، ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم دحى الارض من تحته، وهو قول الله عز وجل: " إن أول بيت " الآية " (2). (مباركا): كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف عنده، وطاف حوله، وقصد نحوه من مضاعفة الثواب وتكفير الذنوب ونفي الفقر وكثرة الرزق. (وهدى للعلمين) لانه قبلتهم ومتعبدهم. (فيه ءايت بينت) كقهره لمن تعرض له من الجبابرة بسوء كأصحاب الفيل (مقام إبراهيم) أي: منها مقام إبراهيم. ورد: إنه سئل ما هذه الآيات البينات ؟ فقال: " مقام إبراهيم حيث قام عليه الحجر، فأثرت فيه قدماه، والحجر الاسود، ومنزل إسماعيل " (3). أقول: أما كون المقام آية، فلما ذكر، ولارتفاعه بإبراهيم عليه السلام حتى كان أطول من الجبال، كما يأتي ذكره في سورة الحج إن شاء الله، وأما كون الحجر الاسود آية، فلتنطقه لبعض الانبياء والاوصياء كآدم والسجاد عليهما السلام على ما ورد (4)، ولعدم إطاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه، وأما كون منزل إسماعيل آية، فلانه أنزل به، وكان بلا ماء، فنبع له الماء، وإنما خص المقام بالذكر في القرآن وطوى ذكر غيره، لانه أظهر آياته اليوم للناس. (ومن دخله كان ءامنا) قال: " من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن من

___________________________

1 - علل الشرايع 2: 397، الباب: 137، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - من لا يحضره الفقيه 2: 156، الحديث: 670، والكافي 4: 189، الحديث: 7، والعياشي 1: 186، الحديث: 91، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - الكافي 4: 223، الحديث: 1، والعياشي 1: 187، الحديث: 99، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - راجع: الكافي 1: 348، الحديث: 5، وعلل الشرايع 2: 429، الباب: 164، الحديث: 1، الخرايج والجرايح: 194، والبحار 46: 22 و 29 الحديث: 20، و 111، الحديث: 2. (*)

 

[ 163 ]

سخط الله، ومن دخله من الوحش أو الطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم " (1). وفي رواية: " من دخله وهو عارف بحقنا كما هو عارف به، خرج من ذنوبه وكفي (2) هم الدنيا والآخرة " (3). (ولله على الناس حج البيت) قال: " يعني به الحج والعمرة جميعا، لانهما مفروضان " (4). (من استطاع إليه سبيلا) قال: " يعني أن يكون له ما يحج " (5). وفي رواية: " من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج " (6). وفي أخرى: " السعة في المال، يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله " (7). (ومن كفر فإن الله غنى عن العلمين) قال: " يعني من ترك " (8). وفي رواية: " هو كفر النعم " (9). وفي أخرى: " تارك الحج وهو مستطيع كافر " (10). وفي أخرى: " من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو نصرانيا " (11). (قل يأهل الكتب لم تكفرون بايت الله والله شهيد على ما تعملون). (قل يأهل الكتب لم تصدون عن سبيل الله): دينه الحق المأمور بسلوكه (من

___________________________

1 - الكافي 4: 226، الحديث: 1، والعياشي 1: 189، الحديث: 101، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - في " ج ": " كفي به ".

 3 - العياشي 1: 190، الحديث: 107، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه: " كما هو عارف له... ".

 4 - الكافي 4: 264، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - المصدر: 266، الحديث: 1، والتوحيد " للصدوق ": 350، الباب: 56، الحديث: 10، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 6 - العياشي 1: 192، الحديث: 111، وفيه: " فهو مستطيع للحج "، والكافي 4: 267، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - العياشي 1: 192، الحديث: 113، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 8 - التهذيب 5: 18، الحديث: 52، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 9 - العياشي 1: 193، الحديث: 115، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 10 - من لا يحضره الفقيه 4: 266، ذيل الحديث: 4، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 11 - الكافي 4: 268، الحديث: 1، والتهذيب 5: 17، الحديث: 49، و 462، الحديث: 1610، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 164 ]

ءامن). قيل: كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون (1) بينهم حتى أتوا الاوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية، من التعادي والتحارب، ليعودوا لمثله، ويحتالون لصدهم عنه (2). (تبغونها عوجا): طالبين لها اعوجاجا (وأنتم شهداء) أنها سبيل الله، أو عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم (وما الله بغفل عما تعملون) من الخيانة والحيل. (يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتب يردوكم بعد إيمنكم كفرين). قيل: نزلت في نفر من الاوس والخزرج، أغرى بينهم يهودي وذكرهم محارباتهم بينهم في الجاهلية، فتفاخروا وتغاضبوا بعد تألفهم واجتماعهم (3). (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءايت الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صرط مستقيم). (يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته) قال: " بأن يطاع ولا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر " (4). وفي رواية: " إنها منسوخة بقوله تعالى: " إتقوا الله ما استطعتم " (5). (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون). في قراءتهم عليهم السلام بالتشديد (6). قال: " مسلمون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم الامام من بعده " (7). وفي رواية: " مستسلمون لما أتى به النبي منقادون له " (8).

___________________________

1 - التحريش: الاغراء بين القوم والكلاب وتهييج بعضها على بعض. مجمع البحرين 4: 133، و لسان العرب 6: 279 (حرش).

 2 - البيضاوي 2: 33، والكشاف 1: 449.

 3 - البيضاوي 2: 33، والكشاف 1: 458.

 4 - العياشي 1: 194، الحديث: 120، ومعاني الاخبار: 240، باب معنى اتقاء الله حق تقاته، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - العياشي 1: 194، الحديث: 121، والقمي 1: 108، عن أبي عبد الله عليه السلام. والآية في سورة التغابن (64): 16.

 6 و 8 - مجمع البيان 1 - 2: 482، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - العياشي 1: 193، الحديث: 119، عن أبي الحسن، موسى بن جعفر عليهما السلام. (*)

 

[ 165 ]

(واعتصموا بحبل الله) القمي: الحبل: التوحيد والولاية (1). وفي رواية: " آل محمد حبل الله المتين الذي أمر الله بالاعتصام به، فقال: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " " (2). وفي أخرى: " نحن الحبل " (3). وفي أخرى: " حبل الله هو القرآن، والقرآن يهدي إلى الامام وذلك قول الله: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " (4). أقول: مآل الكل واحد، كما يدل عليه حديث: " حبلين ممدودين، وأنهما لن يفترقا " (5). (جميعا): مجتمعين عليه (ولا تفرقوا): ولا تتفرقوا عن الحق بإيقاع الاختلاف بينكم. قال: " إن الله تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم ويختلفون، فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم " (6). (واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء) في الجاهلية (فألف بين قلوبكم) بالاسلام (فأصبحتم بنعمته إخونا) متحابين في الله (وكنتم على شفاحفرة من النار): مشفين (7) على الوقوع في نار جهنم لكفركم (فأنقذكم منها) قال: " بمحمد، هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد " (8). (كذلك يبين الله لكم ءايته لعلكم تهتدون) اهتداء بعد اهتداء. (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر

___________________________

1 - القمي 1: 108.

 2 - العياشي 1: 194، الحديث: 123 عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - الامالي (للشيخ الطوسي) 1: 278، الجزء العاشر، والبحار 24: 84، الحديث: 3، 5، ومناقب آل أبي طالب 3: 75 عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - معاني الاخبار: 132، الحديث: 1، عن علي بن الحسين عليهما السلام. والآية في سورة الاسراء (17): 9.

 5 - مجمع البيان 1 - 2: 482، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 6 - القمي 1: 108، عن أبي جعفر عليه السلام، مع زيادة: " ولا يتفرقوا " في آخرها.

 7 - شفا - بالقصر -: طرف الشئ وجانبه، يقال: " شفا جرف "، " شفابئر " و " شفاواد ". ومشفين أي: مشرفين. ومنه: أشفى المريض على الموت. مجمع البحرين 1: 247 (شفا)، ولسان العرب 14: 436 (شفى).

 8 - الكافي 8: 183، الحديث: 208، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 166 ]

وأولئك هم المفلحون). قال: " هذه خاص غير عام. كما قال الله: " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " (1). ولم يقل: على أمة موسى. قال: إنما هو على القوي المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا إلى أي من أي. وقال: وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج، إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة " (2). وفي رواية: " فهذه لآل محمد ومن تابعهم " (3). وفي أخرى: " إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سوط وسيف فلا " (4). وورد: " لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الارض ولا في السماء " (5). (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاء هم البينت) كاليهود والنصارى (وأولئك لهم عذاب عظيم). (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمنكم): فيقال لهم: أكفرتم ؟ (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون). قال: " هم أهل البدع والاهواء والآراء الباطلة من هذه الامة " (6). (وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خلدون). (تلك ءايت الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعلمين). (ولله ما في السموت وما في الارض وإلى الله ترجع الامور).

___________________________

1 - الاعراف (7): 159.

 2 - الكافي 5: 59، الحديث: 16 عن أبي عبد الله عليه السلام، مع اختلاف يسير في العبارة.

 3 - القمي 1: 109، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - الكافي 5: 60، الحديث: 2 عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه: " وأما صاحب سوط أو سيف فلا ".

 5 - التهذيب 6: 181، الحديث: 373، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 6 - مجمع البيان 1 - 2: 485، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وليست فيه: " الآراء الباطلة ". (*)

 

[ 167 ]

(كنتم خير أمة). الكون فيها يعم الازمنة (1). ورد: " إنها نزلت خير أئمة " (2). وفي رواية: " أنتم خير أمة - بالالف - نزل بها جبرئيل، وما عني بها إلا محمدا وعليا والاوصياء من ولده " (3). (أخرجت): أظهرت (للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكرو تؤمنون بالله) إيمانا بالله وتصديقا به وإظهارا لدينه (ولو ءامن أهل الكتب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفسقون) المتمردون في الكفر. (لن يضروكم إلا أذى): ضررا يسيرا كطعن وتهديد (وإن يقتلوكم يولوكم الادبار): ينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر (ثم لا ينصرون): لا أحد يدفع بأسكم عنهم وكان الامر كذلك. (ضربت عليهم الذلة) فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله (أين ما ثقفوا): وجدوا (إلا بحبل من الله وحبل من الناس). قال: " الحبل من الله كتاب الله، والحبل من الناس علي بن أبى طالب عليه السلام " (4). (وبآء وبغضب من الله): رجعوا به مستوجبين له (وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بايت الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون). قال: " والله ما قتلوهم بأيديهم، ولا ضربوهم بأسيافهم، ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها، فأخذوا عليها، فقتلوا، فصار قتلا واعتداءا ومعصية " (5). (ليسوا سوآء) في دينهم (من أهل الكتب أمة قائمة) على الحق وهم الذين أسلموا منهم (يتلون ءايت الله ءانآء اليل وهم يسجدون) يعني يتلونها في تهجدهم. (يؤمنون بالله واليوم الاخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون

___________________________

1 - في " ج ": " جميع الازمنة ".

 2 - العياشي 1: 195، الحديث: 128، والقمي 1: 110، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - المناقب (لابن شهر آشوب) 4: 2، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - العياشي 1: 196، الحديث: 131، وتفسير فرات الكوفي: 92، الحديث: 76، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - الكافي 2: 371، الحديث: 6، والعياشي 1: 196، الحديث: 132، عن أبي عبد الله عليه السلام. و في العياشي: " وما ضربوهم بأيديهم ولاقتلوهم بأسيافهم ". (*)

 

[ 168 ]

في الخيرت). وصفهم بصفات ليست في اليهود. (وأولئك من الصلحين). (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه): فلن يضيع ولا ينقص ثوابه. سمى ذلك كفرا كما سمى توفية الثواب شكرا. ورد: " إن المؤمن مكفر، وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في الناس، والكافر مشكور (1)، وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس ولا يصعد إلى السماء " (2). (والله عليم بالمتقين). بشارة لهم وإشعار بأن التقوى مبدأ الخير. (إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أمولهم ولا أولدهم من الله شيئا وأولئك أصحب النارهم فيها خلدون). (مثل ما ينفقون في هذه الحيوة الدنيا كمثل ريح فيها صر): برد شديد (أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم) بالكفر والمعصية (فأهلكته) عقوبة لهم. شبه ما أنفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته برد شديد من سخط الله، فاستأصلته ولم يبق (3) لهم فيه منفعة في الدنيا ولا في الآخرة. (وما ظلمهم الله) أي: المنفقين بضياع نفقاتهم (ولكن أنفسهم يظلمون) لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها. (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة): وليجة (4)، وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به. شبه ببطانة الثوب، كما يشبه بالشعار. (من دونكم): من دون المسلمين (لا يألونكم خبالا): لا يقصرون لكم في الفساد (ودوا ما عنتم): تمنوا عنتكم، وهو شدة الضرر والمشقة (قد بدت البغضاء من أفوههم) أي: من كلامهم، لانهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم (وما تخفى صدورهم أكبر) مما بدا (قد بينا لكم الايت إن كنتم تعقلون).

___________________________

1 - الكافي: " مشهور " بدل: " مشكور ".

 2 - علل الشرايع 2: 560، الباب: 353، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - في: " الف ": " لم تبق ".

 4 - وليجة الرجل: بطانته ودخلاؤه وخاصته وما يتخذه معتمدا عليه. مجمع البحرين 2: 335، و لسان العرب 2: 400 (ولج). (*)

 

[ 169 ]

(هأنتم أولاء) الخاطئون في موالاة الكفار (تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتب كله) كتابكم وكتابهم، وهم لا يؤمنون بكتابكم. فيه توبيخ بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم. (وإذا لقوكم قالوا ءامنا) نفاقا وتغديرا (وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ) تأسفا وتحسرا، حيث رأوا إيتلافكم واجتماع كلمتكم ولم يجدوا إلى التشفي سبيلا. (قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور). (إن تمسسكم حسنة): نعمة من ألفة (1) أو ظفر على الاعداء (تسؤهم وإن تصبكم سيئة): محنة (يفرحوا بها وإن تصبروا) على عداوتهم (وتتقوا) موالاتهم و مخالطتهم (لا يضركم كيدهم شيئا) لما وعد الله الصابرين والمتقين من الحفظ (إن الله بما يعملون محيط). (وإذ غدوت): واذكر إذ غدوت (من أهلك تبوئ المؤمنين): تهيئ لهم (مقعد للقتال): مواقف وأماكن له (والله سميع) لاقوالكم (عليم) بنياتكم. " كان ذلك في غزوة أحد حين خرجت قريش من مكة يريدون حربه فخرج يبتغي موضعا للقتال، وكان عبأ (2) أصحابه، وكانوا سبعمأة رجل، فوضع " عبد الله بن جبير " في خمسين من الرماة على باب الشعب (3)، وأشفق أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان، فقال لهم: لا تبرحوا من هذا المكان والزموا مراكزكم. فلما انهزمت قريش ووقع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سوادهم ينهبون (4)، قال أصحاب " عبد الله بن جبير " لعبد الله:

___________________________

1 - في " الف ": " من الله ".

 2 - عبأ المتاع والامر: هيأه، والجيش: جهزه. القاموس المحيط 1: 23، ولسان العرب 1: 118 (عبأ).

 3 - الشعب - بكسر الشين -: الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن أرض أو ما انفرج بين الجبلين. القاموس المحيط 1: 91، ومجمع البحرين 2: 90، ولسان العرب 1: 499 (شعب).

 4 - السواد: الشخص والمال الكثير. " مجمع البحرين 3: 72، ولسان العرب 3: 225 ". والنهب: الغنيمة. ونهب النهب: أخذه. " مجمع البحرين 2: 178، ولسان العرب 1: 773 ". والمعنى أن أصحاب عبد الله بن جبير لما نظروا إلى أصحاب رسول الله يأخذون الاموال الكثيرة المتروكة في ساحة القتال من المشركين قالوا لعبد الله: قد غنم أصحابنا، ونحن نبقى بلا غنيمة. (*)

 

[ 170 ]

قد غنم أصحابنا، ونحن نبقى بلا غنيمة. فقال لهم: اتقوا الله فإن رسول الله قد تقدم إلينا ألا نبرح، فلم يقبلوا منه وأقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم، وبقي " عبد الله " في اثنى عشر رجلا، فانحط (1) " خالد بن الوليد " وفرق أصحابه وبقي في نفر قليل، فقتلهم على باب الشعب، وأتى المسلمين من أدبارهم، فانهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هزيمة عظيمة، فكشف رسول الله البيضة عن رأسه وقال: إلي أنا رسول الله، إلى أين تفرون ؟ عن الله وعن رسوله ؟ ولم يبق معه إلا أبو دجانة وعلي عليه السلام، فلم يزل علي يقاتلهم حتى أصابه في وجه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة ". كذا ورد (2). (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا): أن تجبنا وتضعفا (والله وليهما): ناصرهما (وعلى الله فليتوكل المؤمنون): فليعتمدوا عليه في الكفاية. (ولقد نصركم الله ببدر) هو ما بين مكة والمدينة (وأنتم أذلة). قال: " وما كانوا أذلة، وفيهم رسول الله وإنما نزل وأنتم ضعفاء " (3). وفي رواية: " ليس هكذا أنزلها الله، إنما أنزلت وأنتم قليل " (4). أقول: لعل المراد أنها نزلت بهذا المعنى. وورد: " إن عدتهم كانت ثلثمأة وثلاثة عشر " (5). (فاتقوا الله) في الثبات (لعلكم تشكرون) ما أنعم به عليكم. (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلثة ءالف من الملئكة منزلين).

___________________________

1 - حططت الرحل: أنزلته من علو إلى سفل، ومنه " فانحط الرجل وهو قائم في صلاته. مجمع البحرين 4: 242، ولسان العرب 7: 273 (حطط).

 2 - القمي 1: 114 - 116، ومجمع البيان 1 - 2: 495، عن أبي عبد الله عليه السلام. وفي القمي: " تسعون جراحة ".

 3 - العياشي 1: 196، الحديث: 135، والقمي 1: 122، ومجمع البيان 1 - 2: 498، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - العياشي 1: 196، الحديث: 133 و 134، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - راجع: الغيبة (للنعماني): 315، والدر المنثور 2: 307، ومجمع البيان 1 - 2: 498، والقمي 1: 257. (*)

 

[ 171 ]

(بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم) أي: المشركون (من فورهم هذا): من ساعتهم هذه (يمددكم ربكم بخمسة ءالف من الملئكة مسومين): معلمين. من التسويم بمعنى إظهار سيماء الشئ. قال: " كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر " (1). (وما جعله الله) أي: الامداد (إلا بشرى لكم) بالنصر (ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله) لا من العدة والعدة (العزيز) الذي لا يغالب (الحكيم) الذي ينصر ويخذل على مقتضى الحكمة. (ليقطع طرفا من الذين كفروا): لينتقص منهم بقتل بعض وأسر بعض. ورد: " إنه قتل منهم يوم بدر سبعون من صناديدهم وأسر سبعون " (2). (أو يكبتهم): أو يخزيهم. والكبت شدة غيظ أو وهن يقع في القلب. (فينقلبوا خائبين): فينهزموا منقطعي الآمال. (ليس لك من الامر شئ) اعتراض (3) (أو يتوب عليهم) إن أسلموا (أو يعذبهم) إن أصروا (فإنهم ظلمون): قد استحقوا التعذيب بظلمهم. ورد: " إنه لما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر ولاية علي عليه السلام ففكر في عداوة قومه له فيما فضله الله به عليهم في جميع خصاله، وحسدهم له عليها، ضاق عن ذلك، فأخبر الله أنه ليس له من هذا الامر شئ، إنما الامر فيه إلى الله أن يصير عليا وصيه وولي الامر بعده، فهذا عنى الله، وكيف لا يكون له من الامر شئ وقد فوض الله إليه أن جعل ما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، قوله: " ما آتاكم الرسول فخذوه وما

___________________________

1 - العياشي 1: 196، الحديث: 136، عن أبي جعفر عليه السلام.

 2 - راجع: القمي 1: 267، والعياشي 1: 205 الحديث: 151، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - لعل المراد أنه اعتراض بين الكلامين فيكون قوله: " أو يتوب عليهم " متصل بقوله: " ليقطع طرفا "، فيكون التقدير: ليقطع طرفا منهم، أو يكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم، فإنهم قد استحقوا العذاب، وليس لك أي ليس لك من هذه الاربعة شئ، وذالك إلى الله تعالى. " مجمع البيان 1 - 2: 500 - 501، والبيضاوي 2: 42 ". (*)

 

[ 172 ]

نهاكم عنه فانتهوا " " (1). وفي قراءتهم عليهم السلام: " ليس لك من الامر شئ إن يتب عليهم أو يعذبهم " (2). وفي أخرى: " أن تتوب عليهم أو تعذبهم " (3). بالتاء فيهما. (ولله ما في السموت وما في الارض يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء والله غفور رحيم). (يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الربوا أضعفا مضعفة). قيل: كان رجل منهم يربي إلى أجل، ثم يزيد فيه إلى آخر حتى يستغرق بقليله مال المديون (4). (واتقوا الله) فيما نهيتم عنه (لعلكم تفلحون). (واتقوا النار التى أعدت للكفرين). (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون). (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) قال: " إلى أداء الفرائض " (5). (وجنة عرضها السموت والارض): " إذا وضعتا مبسوطتين ". كذا ورد (6). (أعدت للمتقين). قال: " فإنكم لن تنالوها إلا بالتقوى " (7). (الذين ينفقون في السراء والضراء): في أحوالهم جميعا ما تيسر لهم من قليل أو كثير (والكظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). (والذين إذا فعلوا فحشة): سيئة بالغة في القبح كالزنا (أو ظلموا أنفسهم) بارتكاب ذنب أعظم من الزنا (ذكروا الله): تذكروا وعيده

___________________________

1 - العياشي 1: 197، الحديث: 139، عن أبي جعفر عليه السلام. والآية في سورة الحشر (59): 7.

 2 و 3 - العياشي 1: 198، الحديث: 141 عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - الكشاف 1: 463، والبيضاوي 2: 42.

 5 - مجمع البيان 1 - 2: 503، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 6 - العياشي 1: 198، الحديث: 142، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - الخصال 2: 633، ذيل الحديث: 10 (حديث أربعمائة) عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام. (*)

 

[ 173 ]

وحقه العظيم (فاستغفروا لذنوبهم) بالندم والتوبة (ومن يغفر الذنوب إلا الله). استفهام بمعنى النفي معترض، لينبه بسعة رحمته وعموم مغفرته. (ولم يصروا على ما فعلوا): ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين. قال: " الاصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة " (1). (وهم يعلمون): عالمين به. (أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها ونعم أجر العملين). ورد: " إنها نزلت في نباش زنى بميتة ثم ندم، فأتى بعض جبال المدينة فتعبد فيها ولبس مسحا (2) وغل يديه جميعا إلى عنقه ينادي ربه ويبكي ويحث التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه أربعين يوما " (3). هذا ملخص القصة. (قد خلت من قبلكم سنن): وقايع سنها الله تعالى في الامم المكذبة (فسيروا في الارض) قال: " انظروا في القرآن " (4). (فانظروا كيف كان عقبة المكذبين) قال: " يعني ما أخبركم عنه " (5). (هذا) أي: القرآن (بيان للناس) عامة (وهدى وموعظة للمتقين) خاصة. (ولا تهنوا): ولا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم أحد (ولا تحزنوا) على من قتل منكم (وأنتم الاعلون) فإنكم على الحق، وقتالكم لله، وقتلاكم في الجنة. و إنهم على الباطل، وقتالهم للشيطان، وقتلاهم في النار. وإنكم أصبتم منهم يوم بدر

___________________________

1 - العياشي 1: 198، الحديث: 144، والكافي 2: 288، الحديث: 2، عن أبي جعفر عليه السلام، مع زيادة: " فذلك الاصرار " في آخرها.

 2 - المسح: الكساء من شعر، ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد، البلاس يقعد عليه. المنجد في اللغة: 760 (مسح).

 3 - الامالي (للصدوق): 46، المجلس الحادي عشر، الحديث: 3، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 4 و 5 - الكافي 8: 249، الحديث: 349، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 174 ]

أكثر (1) مما أصابوا منكم اليوم. وإنكم منصورون في العاقبة غالبون. (إن كنتم مؤمنين): إن صح إيمانكم. (إن يمسسكم قرح) - بالفتح والضم - لغتان. وقيل: بالفتح الجراح وبالضم ألمها (2). (فقد مس القوم فرح مثله) يعني إن أصابوا منكم، فقد أصبتم منهم (وتلك الايام): أوقات النصر والغلبة (ندا ولها بين الناس): نصرفها بينهم، نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى (وليعلم الله الذين ءامنوا) أي: ليكون كيت وكيت من المصالح، وليتميز الثابتون على الايمان من الذين على حرف، ويعلم الله ذلك حين يشاهده الناس كما يعلمه من قبل ومن بعد. (ويتخذ منكم شهداء): ويكرم ناسا منكم بالشهادة (والله لا يحب الظلمين). اعتراض، فيه تنبيه على أنه لا ينصرهم على الحقيقة وإنما يديل لهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاءا للمؤمنين. (وليمحص الله الذين ءامنوا): ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب إن كانت الدولة عليهم. (ويمحق الكفرين): ويهلكهم إن كانت عليهم. والمحق: نقص الشئ قليلا قليلا. (أم حسبتم). إنكار، يعني لا تحسبوا (أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصبرين): ولما يجاهد من يجاهد ويصبر من يصبر. (ولقد كنتم تمنون الموت) للشهادة (3) (من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون): معاينين له حين قتل دونكم من قتل من إخوانكم. ورد: " إن المؤمنين لما

___________________________

1 - في " الف ": " أكبر ".

 2 - التبيان 2: 600، ومجمع البيان 1 - 2: 508، والكشاف 1: 465.

 3 - في " ب " و " ج ": " بالشهادة ". (*)

 

[ 175 ]

أخبرهم الله بما فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنة، رغبوا في ذلك فقالوا: اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه. فأراهم الله إياه يوم أحد، فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم، فذلك قوله: " ولقد كنتم تمنون الموت " الآية " (1). (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) فسيخلو كما خلوا بالموت أو القتل (أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم): ارتددتم عن الدين. قيل: كان سبب ارتدادهم وانهزامهم نداء إبليس فيهم أن محمدا قد قتل (2)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم في زحام الناس، وكانوا لا يرونه. (ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا) بارتداده بل يضر نفسه (وسيجزى الله الشكرين) كأمير المؤمنين ومن يحذو حذوه عليهم السلام. ورد: " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلا هذه الآية في خطبة الغدير، ثم قال: ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه " (3). (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتبا مؤجلا): كتب كتابا موقتا لا يتقدم ولا يتأخر (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها). تعريض بمن شغلته الغنائم يوم أحد، وكان ذلك سبب انهزام المسلمين. (ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها): من ثوابها (وسنجزي الشكرين). (وكأين من نبى): وكم من نبي (قتل معه ربيون): ربانيون علماء أتقياء، وفي قراءتهم عليهم السلام: " قتل معه " (4). (كثير) قال: " ألوف وألوف، ثم قال: أي والله يقتلون " (5). (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا) في الدين وعن العدو (وما استكانوا): وما خضعوا للعدو، وهو تعريض بما أصابهم عند

___________________________

1 - القمي 1: 119، عن أبي جعفر عليه السلام.

 2 - راجع: مجمع البيان 1 - 2: 513، والبيضاوي 2: 46.

 3 - الاحتجاج 1: 77، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 و 5 - العياشي 1: 102، الحديث: 154، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 176 ]

الارجاف (1) بقتله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: " بين الله سبحانه أنه لو كان قتل صلى الله عليه وآله وسلم كما أرجف بذلك يوم أحد، لما أوجب ذلك أن يضعفوا أو يهنوا، كما لم يهن من كان مع الانبياء بقتلهم " (2). (والله يحب الصبرين) فينصرهم في العاقبة ويعظم قدرهم. (وما كان قولهم) مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين (إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكفرين). أضافوا الذنوب والاسراف إلى أنفسهم هضما لها، وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالهم، واستغفروا عنها ثم طلبوا التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو، ليكون عن خضوع وطهارة فيكون أقرب إلى الاجابة. (فاتهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة): النصر والغنيمة وحسن الذكر في الدنيا، والجنة والنعيم في الاخرة (والله يحب المحسنين) في أقوالهم وأفعالهم. (يأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقبكم فتنقلبوا خسرين). قال: " نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم وارجعوا إلى دينهم " (3). (بل الله مولكم): ناصركم (وهو خير النصرين) فاستغنوا به عن ولاية غيره. (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بمآ أشركوا بالله). قيل: هو ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب (4). وورد:

___________________________

1 - رجف: حرك وتحرك واضطرب شديدا، ورجفت الارض: زلزلت كأرجفت، والقوم: تهيؤا للحرب. القاموس المحيط 3: 147 (رجف).

 2 - مجمع البيان 1 - 2: 517، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - المصدر: 518، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 4 - الكشاف 1: 470، والبيضاوي 2: 47. (*)

 

[ 177 ]

" نصرت بالرعب مسيرة شهر " (1). (ما لم ينزل به سلطنا) أي: آلهة ليس على إشراكها حجة نازلة من الله عليهم. أريد نفي الحجة ونزولها جميعا. (ومأوهم النار وبئس مثوى الظلمين). (ولقد صدقكم الله وعده) أي: وعده إياهم بالنصر بشرط التقوى والصبر، وكان كذلك حتى خالفوا الرماة، فإن المشركين لما أقبلوا، جعل الرماة يرشقونهم (2)، والباقون يضربونهم بالسيف حتى انهزموا، والمسلمون على آثارهم (إذ تحسونهم بإذنه) أي: تقتلونهم بإذن الله (حتى إذا فشلتم): جبنتم وضعف رأيكم بالميل إلى الغنيمة (وتنزعتم في الامر) يعني اختلاف الرماة حين انهزام المشركين. فقال بعضهم: فما موقفنا هاهنا ؟ وقال آخرون: لا نخالف أمر الرسول. فثبت مكانه أميرهم في نفر يسير، ونفر الباقون للنهب. (وعصيتم من بعد مآ أركم ما تحبون): من الظفر والغنيمة و انهزام العدو. وجواب " إذا " محذوف، وهو امتحنكم. (منكم من يريد الدنيا) وهم التاركون المركز لحيازة الغنيمة (ومنكم من يريد الاخرة) وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول (ثم صرفكم عنهم): كفكم عنهم حين غلبوكم (ليبتليكم) على المصائب ويمتحن ثباتكم على الايمان عندها (ولقد عفا عنكم) تفضلا، ولما علم من ندمكم على المخالفة (والله ذو فضل على المؤمنين): يتفضل عليهم بالعفو وغيره، سواء أديل (3) لهم أو عليهم، إذا الابتلاء أيضا رحمة. (إذ تصعدون) متعلق ب‍ " صرفكم ". والاصعاد: الذهاب والابعاد في الارض. (ولا تلون على أحد): لا يقف أحد لاحد ولا ينتظره (والرسول يدعوكم). كان يقول: إلى عباد الله ! أنا رسول الله، إلى أين تفرون ؟ عن الله وعن رسوله ؟. وفي رواية:

___________________________

1 - الخصال 1: 201، الحديث: 14، ومجمع البيان 1 - 2: 519، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 2 - الرشق - بالفتح فالسكون -: الرمي. مجمع البحرين 5: 169، ولسان العرب 10: 116 (رشق).

 3 - دالت الايام: دارت. والله يداولها بين الناس، أي: يديرها. وأديل لنا على أعدائنا، أي: نصرنا عليهم. مجمع البحرين 5: 374، ولسان العرب 11: 252 (دال). (*)

 

[ 178 ]

" من يكر فله الجنة " (1). (في أخركم): في ساقتكم وجماعتكم الاخرى (فأثبكم غما بغم): فجازاكم الله عن فشلكم وعصيانكم غما متصلا بغم. ورد: " الغم الاول: الهزيمة والتقل، والغم الآخر: إشراف " خالد بن الوليد " عليهم " (2). (لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) من الغنيمة (ولا) على (مآ أصبكم) من قتل إخوانكم (والله خبير بما تعملون) (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا): أمنا حتى أخذكم النعاس (يغشى طائفة منكم) وهم المؤمنون حقا. روي: " أنه غشيهم النعاس في المصاف حتى كان السيف يسقط من يد أحدهم فيأخذه ثم يسقط فيأخذه " (3). (وطائفة) وهم المنافقون (قد أهمتهم أنفسهم): أو قعتهم أنفسهم في الهموم. إذ ما بهم إلا هم أنفسهم وطلب خلاصها (يظنون بالله غير الحق): يظنون أن أمر محمد مضمحل وأنه لا ينصر (ظن الجهلية): ظن أهل الملة الجاهلية، أي: الكفار. (يقولون هل لنا من الامر من شئ): هل لنا في تدبير (4) أنفسنا وتصريفها اختيار ؟ (قل إن الامر كله لله) يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك): يظهرون أنهم مسترشدون طالبون النصر، ويبطنون الانكار والتكذيب (يقولون لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا): لن نبرح من المدينة بل أقمنا فيها، ما غلبنا وما قتل من قتل منا في هذه المعركة. (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم): إلى مصارعهم ولم ينفع الاقامة بالمدينة (وليبتلى الله ما في صدوركم): وليمتحن الله ويظهر سرايركم من الاخلاص والنفاق فعل ما فعل.

___________________________

1 - الكشاف 1: 471، والبيضاوي 2: 48.

 2 - القمي 1: 120، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - البيضاوي 2: 48، والكشاف 1: 471، عن أبي طلحة، والدر المنثور 2: 353، والسنن للترمذي 4: 297، الحديث: 4095.

 4 - في " ب " و " ج ": " من تدبير ". (*)

 

[ 179 ]

(وليمحص ما في قلوبكم): وليكشفه ويميزه. (والله عليم بذات الصدور): عليم بخفياتها قبل إظهارها. وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الابتلاء، وإنما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين. (إن الذين تولوا منكم): انهزموا (يوم التقى الجمعان): يوم أحد (إنما استزلهم الشيطن): حملهم على الزلة (ببعض ما كسبوا) من معصيتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بترك المركز والحرص على الغنيمة وغير ذلك، فمنعوا التأييد وقوة القلب. (ولقد عفا الله عنهم) لتوبتهم واعتذارهم (إن الله غفور) للذنوب (حليم): لا يعاجل بالعقوبة لكي يتوب المذنب. (يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا) يعني المنافقين (وقالوا لاخونهم): لاجلهم وفيهم (إذا ضربوا في الارض): إذا سافروا فيها وماتوا (أو كانوا غزى): غازين فقتلوا: (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله). اللام للعاقبة. (ذلك حسرة في قلوبهم والله يحى ويميت)، لا الاقامة والسفر، فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد. (والله بما تعملون بصير). (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) في سبيله (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) من منافع الدنيا لو لم تموتوا أو تقتلوا. (ولئن متم أو قتلتم) على أي وجه أتفق (لالى الله تحشرون) في جميع الاحوال. (فبما رحمة من الله لنت لهم). " ما " المزيدة للتأكيد. بلغ لينه لهم إلى أن اغتم لهم بعد ما خالفوه. (ولو كنت فظا): سيئ الخلق جافيا (غليظ القلب): قاسية (لانفضوا من حولك): لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك (فاعف عنهم) فيما يختص بك (واستغفر لهم) فيما لله (وشاورهم في الامر): في أمر الحرب وغيره مما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للامة.

 

[ 180 ]

ورد: " لا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أوثق من المشاورة " (1). " من شاور الرجال شاركها في عقولها، من استبد برأيه هلك " (2). (فإذا عزمت فتوكل على الله) في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنه لا يعلمه سواه (إن الله يحب المتوكلين) فينصرهم و يهديهم إلى الصلاح. (إن ينصركم الله فلا غالب لكم): فلا أحد يغلبكم (وإن يخذ لكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده): لا ناصر لكم من بعد الله إذا جاوزتموه، أو من بعد خذ لانه (وعلى الله فليتوكل المؤمنون): فليخصوه بالتوكل لما آمنوا به وعلموا أن لا ناصر سواه. (وما كان لنبى أن يغل): وما صح لنبي أن يخون في الغنائم، فإن النبوة تنافي الخيانة. والغلول: أخذ الشئ من المغنم في خفية. ورد: " إن قطيفة حمراء فقدت من الغنيمة يوم بدر، فقال رجل من الاصحاب: ما أظن إلا رسول الله أخذها، فنزلت، فجاء رجل فقال: إن فلانا غل قطيفة فأحفرها هنالك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة " (3). (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة). قال: " إنه يراه يوم القيامة في النار ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار " (4). (ثم توفى كل نفس ما كسبت): تعطى جزاء ما كسبت وافيا (وهم لا يظلمون). (أفمن اتبع رضون الله) بالطاعة (كمن بآء): رجع (بسخط من الله) بالمعصية (ومأوه جهنم وبئس المصير). (هم درجت عند الله والله بصير بما يعملون). قال: " الذين اتبعوا رضوان

___________________________

1 - التوحيد (للصدوق): 376، الباب: 60، ذيل الحديث: 20، عن أبي جعفر، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونهج البلاغة (للصبحي الصالح): 488، الحكمة: 113.

 2 - نهج البلاغة (للصبحى صالح): 500، الحكمة: 161، مع تقدم وتأخر.

 3 - القمي 1: 126، وفيه: " فأخبأها " بدل: " فأحفرها ".

 4 - المصدر: 122، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 181 ]

الله هم الائمة، وهم والله درجات للمؤمنين، وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم، ويرفع الله لهم الدرجات العلى، والذين باؤوا بسخط هم الذين جحدوا حق على والائمة منا أهل البيت " (1). وقال: " الدرجة ما بين السماء والارض " (2). (لقد من الله): أنعم الله (على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم): عربيا مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة (يتلوا عليهم ءايته ويزكيهم): يطهرهم من سوء العقايد والاخلاق والاعمال (ويعلمهم الكتب والحكمة): القرآن والسنة (وإن كانوا): وإنه كانوا (من قبل): قبل بعثه (لفى ضلل مبين). (أولمآ أصبتكم مصيبة قد أصبتم مثليها). الهمزة للتقريع والتقرير. قال " كان المسلمون قد أصابوا ببدر مأة وأربعين رجلا: قتلوا سبعين وأسروا سبعين، فلما كان يوم أحد أصيب من المسلمين سبعون، فاغتموا لذلك فنزلت " (3). (قلتم أنى هذا): من أين هذا أصابنا وقد وعدنا الله النصر ؟ (قل هو من عند أنفسكم) قال: " باختياركم الفداء يوم بدر " (4). القمي: وكان الحكم في الاسارى يوم بدر، القتل، فقامت الانصار فقالوا: يا رسول الله هبهم لنا، ولا تقتلهم حتى نفاديهم، فنزل جبرئيل فقال: إن الله قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون منه الفداء فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الشرط، فقالوا: قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد من نأخذ منه الفداء وندخل الجنة. فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم، فلما كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعون، فقالوا: يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر ؟

___________________________

1 - الكافي 1: 430، الحديث: 84، والعياشي 1: 205، الحديث: 149، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - العياشي 1: 205، الحديث: 150، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

 3 - المصدر، الحديث: 151، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - مجمع البيان 1 - 2: 533، عن أمير المؤمنين وأبي جعفر عليهما السلام. (*)

 

[ 182 ]

فنزلت (1). (إن الله على كل شئ قدير) فيقدر على النصر ومنعه، وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم. (وما أصبكم يوم التقى الجمعان): يوم أحد (فبإذن الله وليعلم المؤمنين). (وليعلم الذين نافقوا): وليتميز الفريقان (وقيل لهم) أي: للمنافقين (تعالوا قتلوا في سبيل الله أو ادفعوا) عن الانفس والاموال (قالوا لو نعلم قتالا لاتبعنكم). قالوه دغلا واستهزاءا لزعمهم أن ما يفعلونه ليس بقتال بل إلقاء بالانفس إلى التهلكة. (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمن) كما يظهر من كلامهم هذا (يقولون بأفوههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) من النفاق وما يخلو به بعضهم إلى بعض فإنه يعلمه مفصلا بعلم واجب، وأنتم تعلمونه مجملا بأمارات. (الذين قالوا لاخونهم): لاجلهم وفيهم. يريد من قتل يوم أحد. (وقعدوا): حال كونهم قاعدين عن القتال: (لو أطاعونا) في القعود (ما قتلوا) كما لم نقتل (قل فادرءوا): فادفعوا (عن أنفسكم الموت إن كنتم صدقين) أنكم تقدرون على دفع القتل وأسبابه عمن كتب عليه، فإنه أحرى بكم. يعني أن القعود غير مغن. (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا). قال: " نزلت في شهداء بدر وأحد جميعا " (2). أقول: وتشمل كل من قتل في سبيل من سبيل الله عز وجل، سواء كان قتله بالجهاد الاصغر وبذل النفس طلبا لرضا الله، أو بالجهاد الاكبر وكسر النفس وقمع الهوى بالرياضة. (بل أحياء عند ربهم) ذوو قرب منه (يرزقون) من الجنة.

___________________________

1 - القمي 1: 126.

 2 - مجمع البيان 1 - 2: 535، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 183 ]

(فرحين بمآ ءاتهم الله من فضله) وهو شرف الشهادة، والفوز بالحياة الابدية، والقرب من الله، والتمتع بنعيم الجنة. (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) من إخوانهم المؤمنين الذين تركوهم ولم ينالوا درجاتهم بعد (ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون). قال: " هم والله شيعتنا حين صارت أرواحهم في الجنة واستقبلوا الكرامة من الله عز وجل، علموا واستيقنوا أنهم كانوا على الحق وعلى دين الله عز ذكره، فاستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين " (1). (يستبشرون بنعمة من الله وفضل): وزيادة (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) (الذين استجابوا لله والرسول من بعد مآ أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم). (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمنا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) " وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد واعد أبا سفيان القتال في العام المقبل بعد وقعة أحد ببدر الصغرى، فخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة (2)، ثم ألقى الله عليه الرعب، فبدا له في الرجوع، فلقي نعيم بن مسعود الاشجعي، فقال له إلحق بالمدينة فثبط (3) أصحاب محمد عن القتال، ولك عندي عشرة من الابل. فأتى نعيم المدينة، فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان، فقال لهم: بئس الرأي رأيتم (4). أتوكم في دياركم وقراركم، فلم يفلت منكم الا شريد، فتريدون أن تخرجوا، وقد جمعوا

___________________________

1 - القمي 1: 127، والكافي 8: 156، الحديث: 146، عن أبي جعفر عليه السلام. وفيه: "... عز وجل، واستبشروا... ".

 2 - مجنة: اسم سوق للعرب كان في الجاهلية وكانت بمر الظهران قرب جبل يقال له الاصفر وهو بأسفل مكه على قدر بريد منها. معجم البلدان 5: 58 (مجنة).

 3 - ثبطهم: حبسهم بالجبن، وثبطه عن الامر: أثقله وأقعده. مجمع البحرين 2: 240، ولسان العرب 7: 267 (ثبط).

 4 - في المصدر: " رأيكم ". (*)

 

[ 184 ]

لكم عند الموسم، فو الله لا يفلت (1) منكم أحد. فكره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخروج. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده لاخرجن ولو وحدي، فأما الجبان فإنه رجع، وأما الشجاع فإنه تأهب للقتال. وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه حتى وافى بدر الصغرى، فأقام به ينتظر أبا سفيان، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة، فلم يلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أحدا من المشركين ببدر، ووافوا السوق، وكانت لهم تجارات فباعوا وأصابوا الدرهم درهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين، فنزلت ". كذا ورد (2). (فانقلبوا بنعمة من الله): عافية وثبات على الايمان وزيادة فيه (وفضل): وربح في التجارة (لم يمسسهم سوء) من جراعة وكيد عدو (واتبعوا رضون الله) بجرأتهم وخروجهم (والله ذو فضل عظيم). (إنما ذلكم الشيطن) يعني به المثبط وهو " نعيم ". (يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين). (ولا يحزنك الذين يسرعون في الكفر) وهم المنافقون المتخلفون (إنهم لن يضروا الله): أولياء الله (شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الاخرة ولهم عذاب عظيم). (إن الذين اشتروا الكفر بالايمن لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم). تأكيد وتعميم. (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم): نمهلهم ونخليهم وشأنهم (خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين). (ما كان الله المؤمنين على مآ أنتم عليه): مختلطين لا يعرف مخلصهم من منافقهم (حتى يميز الخبيث من الطيب): يميز المنافق من المخلص بالتكاليف الشاقة التي

___________________________

1 - التفلت والافلات: التخلص. مجمع البحرين 2: 213، ولسان العرب 2: 66 (فلت).

 2 - مجمع البيان 1 - 2: 540، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 185 ]

لا يصبر عليها ولا يذعن بها إلا الخلص المخلصون. (وما كان الله ليطلعكم على الغيب) فتعلموا ما في القلوب من إخلاص ونفاق (ولكن الله يجتبى من رسله من يشآء) فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات (فامنوا بالله ورسله) مخلصين (وإن تؤمنوا) حق الايمان (وتتقوا) النفاق (فلكم أجر عظيم): لا يقادر قدره. (ولا يحسبن الذين يبخلون بمآ ءاتهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة): سيلزمون وباله إلزام الطوق. قال: " ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه، ينهش (1) من لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله عز وجل " سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، يعني ما بخلوا به من الزكاة " (2). (ولله ميرث السموت والارض): وله ما فيهما مما يتوارث، فما لهوءلاء يبخلون عليه بماله، ولا ينفقونه في سبيله ؟ (والله بما تعملون) من المنع والاعطاء (خبير) فيجازيكم. (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء). قيل: قاله اليهود لما سمعوا " من ذا الذي يقرض الله " (3). القمي: والله ما رأوا الله فيعلموا أنه فقير، و لكنهم رأوا أولياء الله فقراء، فقالوا: لو كان غنيا لاغنى أولياءه، (4) ففخروا على الله بالغنى. وفي رواية: " هم الذين يزعمون أن الامام يحتاج إلى ما يحملونه إليه " (5). (سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق): بإذاعة أمرهم كما مر (6). (ونقول ذوقوا

___________________________

1 - النهش: النهس، وهو أخذ اللحم بمقدم الاسنان. مجمع البحرين 4: 156، ولسان العرب 6: 360 (نهش).

 2 - الكافي 3: 502، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام، والعياشي 1: 207، الحديث: 158، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - الكشاف 1: 484. والآية في البقرة: 245.

 4 - القمي 1: 127.

 5 - المناقب 4: 48، عن أبي جعفر عليه السلام.

 6 - في سورة البقرة، ذيل الآية: 61. (*)

 

[ 186 ]

عذاب الحريق). (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) بل إنما يعذب بمقتضى العدل، إن عذب ولم يتفضل. (الذين قالوا إن الله عهد إلينآ): أمرنا في التوراة وأوصانا، وكذبوا (ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار): تحرقه. روي: " أن هذه كانت معجزة لانبياء بني إسرائيل أن يقرب بقربان، فيقوم النبي فيدعو، فتنزل نار من السماء فتحرق قربان من قبل منه " (1). (قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينت وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صدقين). قال: " كان بين القائلين والقاتلين خمسمأة عام، فألزمهم الله القتل برضاهم بما فعلوا " (2). (فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاء وبالبينت): المعجزات (والزبر): الحكم والمواعظ والزواجر (والكتب المنير): المشتمل على الشرايع والاحكام. (كل نفس ذائقة الموت). وعد ووعيد للمصدق والمكذب. (وإنما توفون أجوركم): تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا (يوم القيمة فمن زحزح): بوعد (عن النار وأدخل الجنة فقد فاز): ظفر بالمراد (وما الحيوة الدنيا) أي: زخارفها وفضولها (إلا متع الغرور). (لتبلون) أي: والله لتختبرن (في أمولكم) قال: " بإخراج الزكاة " (3). (وأنفسكم) قال: " بالتوطين على الصبر " (4). (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتب

___________________________

1 - الكافي 4: 335، الحديث: 16 عن أبي عبد الله عليه السلام، مع تفاوت، ومجمع البيان 1 - 2: 549، عن ابن عباس، والقمي 1: 127، والبيضاوي 2: 58.

 2 - الكافي 2: 409، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 و 4 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 89، الباب: 33، ذيل الحديث: 1، وعلل الشرايع 2: 369، الباب: 90، الحديث: 3، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام. (*)

 

[ 187 ]

من كمكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور): مما يجب ثبات الرأي عليه نحو إمضائه. (وإذ أخذ الله ميثق الذين أوتوا الكتب) قال: " في محمد " (1). (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) قال: " إذا خرج " (2). (فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به): أخذوا بدله (ثمنا قليلا) من حطام الدنيا (فبئس ما يشترون). (لا تحسبن الذين يفرحون بمآ أتوا): يعجبون بما فعلوا (ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) من خير (فلا تحسبنهم بمفازة) قال: " ببعيد " (3). (من العذاب ولهم عذاب أليم). (ولله ملك السموت والارض) فهو يملك أمرهم (والله على كل شئ قدير) فيقدر على عقابهم. (إن في خلق السموت والارض واختلف اليل والنهار لايت): لدلائل واضحة على توحيده سبحانه، وكمال علمه وحكمته، ونفاذ قدرته ومشيته (لاولى الالبب): لذوي العقول الخالصة عن شوائب الوهم والحس. (الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم): في جميع الاحوال، وعلى جميع الهيئات. ورد: " من أكثر ذكر الله أحبه الله " (4). وفي رواية: " قياما: الصحيح يصلي قائما، وقعودا: المريض يصلي جالسا، وعلى جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا " (5). (ويتفكرون في خلق السموت والارض): ويعتبرون بهما. ورد: " أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته " (6). (ربنا ما خلقت

___________________________

1 و 2 - القمي 1: 128، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - المصدر: 129، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - الكافي 2: 499، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 5 - العياشي 1: 211، الحديث: 174، عن أبي جعفر عليه السلام.

 6 - الكافي 2: 55، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 188 ]

هذا بطلا): عبثا ضائعا من غير حكمة. يعني يقولون ذلك. (سبحنك): تنزيها لك من العبث و خلق الباطل (فقنا عذاب النار) للاخلال بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه. (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظلمين من أنصار) قال: " من أئمة يسمونهم بأسمائهم " (1). (ربنا إننا سمعنا مناديا) هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: القرآن. (2) (ينادى للايمن أن ءامنوا بربكم فامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا): كبائرنا، فإنها ذات تبعات وأذناب (وكفر عنا سيئاتنا): صغائرنا، فإنها مستقبحة، ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر (وتوفنا مع الابرار): مخصوصين بصحبتهم، معدودين في زمرتهم. (ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك): منزلا عليهم. خافوا ألا يكونوا من الموعودين. (ولا تخزنا يوم القيمة) بأن تعصمنا عما يقتضي الخزي (إنك لا تخلف الميعاد) بإثابة المؤمن وإجابة الداعي. وتكرير " ربنا " للمبالغة في الابتهال، والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها. ورد في هذه الآيات: " ويل لمن لاكها بين فكيه و لم يتأمل ما فيها " (3). (فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عمل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض): الذكر من الانثى والانثى من الذكر (فالذين هاجروا) الاوطان والعشاير للدين (وأخرجوا من ديرهم وأوذوا في سبيلى) بسبب إيمانهم بالله ومن أجله (وقتلوا) الكفار (وقتلوا) في الجهاد (لا كفرن عنهم سيأتهم ولادخلنهم جنت تجرى من تحتها الانهر ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب). ورد: " إنها نزلت في

___________________________

1 - العياشي 1: 211، الحديث: 175، عن أبي جعفر عليه السلام.

 2 - مجمع البيان 1 - 2: 557، والبيضاوي 2: 61 3 - مجمع البيان 1 - 2: 554، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. واللوك: إدارة الشئ في الفم مجمع البحرين 5: 287 " و فيه الحديث أيضا "، ولسان العرب 10: 485 (لاك). (*)

 

[ 189 ]

علي وأصحابه " (1). أقول: وتشمل كل من اتصف بهذه الصفات. (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد): تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم و مزارعهم وسعتهم في عيشهم. (متع قليل): قصير مدته، يسير في جنب ما أعد الله للمؤمنين. ورد: " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع " (2). (ثم مأوهم جهنم وبئس المهاد). (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيها نزلا من عند الله). النزل: ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة. (وما عند الله خير للابرار) مما يتقلب فيه الفجار، لكثرته ودوامه وخلوصه من الآلام. (وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خشعين لله لا يشترون بايت الله ثمنا قليلا) كما فعله المحرفون من أحبارهم (أولئك لهم أجرهم عند ربهم) ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوه (إن الله سريع الحساب). سبق معناه (3). (يأيها الذين ءامنوا اصبروا) قال: " على الفرائض " (4). (وصابروا) قال: " على المصائب " (5). (ورابطوا) قال: " على الائمة " (6). وفي رواية: " اصبروا عن المعاصي و صابروا على الفرائض " (7). وفي أخرى: " صابروا على التقية " (8). وفي أخرى:

___________________________

1 - القمي 1: 129.

 2 - البيضاوي 2: 62، والكشاف 1: 491.

 3 - في سورة البقره، ذيل الآية: 202، 4، 5 و 6 - الكافي 2: 81، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - العياشي 1: 212، الحديث: 179، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 8 - المصدر: 213، الحديث: 184، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 190 ]

" ورابطوا الصلوات، أي: انتظروها واحدة بعد واحدة " (1). وورد: " من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة " (2). (واتقوا الله لعلكم تفلحون) قال: " يعني فيما أمركم به وافترض عليكم " (3).

___________________________

1 - مجمع البيان 1 - 2: 562، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 2 - المصدر، عن أمير المؤمنين عليه السلام، والبيضاوي 2: 63، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 3 - العياشي 1: 213، ذيل الحديث: 181، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21337687

  • التاريخ : 29/03/2024 - 05:24

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net