00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الانفال من أول السورة ـ آخر السورة  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الاول)   ||   تأليف : المولى محمد محسن الفيض الكاشاني

سورة الأنفال

[ مدنية إلا من آية 30 إلى غاية آية 36 فمكية. وآياتها 75، نزلت بعد البقرة ] (1) بسم الله الرحمن الرحيم (يسئلونك عن الانفال): عن حكمها، وهي غنائم خاصة، والنفل: الزيادة على الشئ، سميت به الغنيمة لانها عطية من الله وفضل، وفي قراءتهم عليهم السلام: " يسألونك الانفال " (2) يعني أن تعطيهم. (قل الانفال لله والرسول): مختصة بهما، يضعانها حيث شاءا. قال: " الانفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال أيضا، والارضون الموات والاجام وبطون الاودية وقطائع الملوك وميراث من لا وارث له، وهي لله ولرسوله ولمن قام مقامه بعده " (3). وفي رواية: " وكل أرض لا رب لها والمعادن " (4). القمي: نزلت ببدر حيث قاتل بعضهم، وأقام عند خيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخرون،

___________________________

(1) ما بين المعقوفتين من " ب ". (2) مجمع البيان 3 - 4: 517، عن السجاد والباقر والصادق عليهم السلام. (3) جوامع الجامع 2: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام. (4) العياشي 2: 48، الحديث: 11، عن أبي جعفر عليه السلام، والقمي 1: 254، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 424 ]

لئلا يعرى موضعه فيميل عليه خيل المشركين، فخاف المقيمون أن لا يعطوا من الغنائم شيئا، لانها كانت قليلة، فاختلفوا فيما بينهم حتى سألوا عنها (1). (فاتقوا الله) في الاختلاف والمشاجرة (وأصلحوا ذات بينكم): الحال التي بينكم، بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله، وتسليم أمره إلى الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم (وأطيعوا لله ورسوله إن كنتم مؤمنين). (إنما المؤمنون) الكاملون في الايمان (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم): فزعت لذكره استعظاما له وهيبة من جلاله (وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا): ازدادوا بها يقينا وطمأنينة نفس (وعلى ربهم يتوكلون): وإليه يفوضون أمورهم فيما يخافون ويرجون. (الذين يقيمون الصلوة ومما رزقناهم ينفقون). (أولئك هم المؤمنون حقا) لانهم حققوا الايمان بضم مكارم الاخلاق ومحاسن أفعال الجوارح إليه (لهم درجات عند ربهم): كرامة وعلو منزلة (ومغفرة) لما فرط منهم (ورزق كريم) أعدلهم في الجنة. القمي: نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر وسلمان والمقداد (2). وورد " إن الله فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها، ثم بين عليه السلام ذلك، ثم قال: ولو كان كله واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل على الاخر، ولا ستوت النعم فيه ولاستوى الناس وبطل التفضيل، ولكن بتمام الايمان دخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله، وبالنقصان دخل المفرطون النار " (3).

___________________________

(1) القمي 1: 254 - 255. (2) القمي 1: 255. (3) الكافي 2: 34 و 37، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 425 ]

(كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) قال: " فالله ناصرك كما أخرجك " (1). وقيل: يعني حالهم هذه في كراهة ما حكم الله في الانفال مثل حالهم في كراهة خروجك من بيتك للحرب (2). (يجادلونك في الحق): في إيثارك الجهاد إظهارا للحق على تلقي العيرو أخذ المال الكثير (بعد ما تبين) أنهم ينصرون ما توجهوا، بإعلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) يعني يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه، وكان ذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم للقتال. (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم). القمي ما ملخصه: أن عير قريش خرجت إلى الشام فيها خزائنهم، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالخروج ليأخذوها، فأخبرهم أن الله قد وعده إحدى الطائفتين: إما العير أو قريش (3) أن يظفر بهم، فخرج في ثلاثة مائة وثلاثة عشر رجلا، فلما قارب بدرا بلغ أبا سفيان ذلك وكان في العير، فخاف خوفا شديدا، وبعث إلى قريش فأخبرهم بذلك، وطلب منهم الخروخ والمنع عن العير، وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر وتركوا الطريق ومروا مسرعين، ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أن العير قد أفلتت، وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها، وأمره بالقتال ووعده النصر، فأخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه، فجزعوا من ذلك وخافوا خوفا شديدا، إذ لم يتهيؤوا للحرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشيروا علي ! فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها (4) ما آمنت منذكفرت، ولا ذلت منذ عزت، ولم نخرج على هيئة الحرب، فقال رسول الله صلى عليه آله وسلم: اجلس، فجلس. فقال: أشيروا علي ! فقام

___________________________

(1) مجمع البيان 3 - 4: 521 في حديث أبى حمزة. (2) البيضاوي 3: 41، والكشاف 2: 143. (3) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: " قريشا ". (4) الخيلاء - بضم الخاء وفتح الياء -: الكبر. القاموس المحيط 3: 383 (خال). (*)

 

[ 426 ]

عمر، فقال مثل مقالة أبي بكر، فقال: اجلس. ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله، ولو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس (1) لخضنا معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: " إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " (2) ولكنا نقول: اذهب أنت وربك إنا معكما مقاتلون، فجزاه النبي خيرا، ثم جلس. ثم قال: أشيروا علي ! فقام سعد بن معاذ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! كأنك أردتنا ؟ قال: نعم، قال: فلعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره. قال: نعم. قال: بأبي أنت وأمي يارسول الله ! قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله، فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت. ثم قال: والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضنا معك، إلى أن قال: ولكن نعد لك الرواحل وتلقى عدونا، فإنا صبر عند اللقاء، أنجاد (3) في الحرب، وإنا لنرجو أن يقر الله عينيك بنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كأني بمصرع فلان هاهنا وبمصرع فلان هاهنا وبمصرع أبي جهل وعتبة وشيبة، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف الله الميعاد. فنزلت الاية " كما أخرجك " إلى قوله: " ولو كره المجرمون " فأمر بالرحيل نزل ماء بدر وأقبلت قريش (4). (وتودون أن غير ذات الشوكة): ذات الحدة (تكون لكم) يعني العير، فإنه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، ولذلك يتمنونها ويكرهون ملاقاة قريش لكثرة عددهم

___________________________

(1) الجمر: النار، القطعة الملتهبة. والغضا: شجر من الاثل خشبه من أصلب الخشب وجمرة يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ. والهراس: شجر كبير الشوك. والشوك: ما يخرج من النبات شبيها بالابر. " راجع: مصباح المنير: 108، والمنجد في اللغة: 554، 862، 409 ". (2) المائدة (5): 24. (3) النجدة: الشدة والشجاعة ورجل نجد ونجد: شديد البأس ومنه حديث على عليه السلام: " أما بنو هاشم فأنجاد أمجاد " أي: أشداء شجعان. النهاية 5: 18 (نجد). (4) القمي 1: 256 - 260. (*)

 

[ 427 ]

وعدتهم. قال: " ذات الشوكة: التي فيها القتال " (1). (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته): بأوليائه (ويقطع دابر الكافرين) ويستأصلهم. والمعنى: أنكم تريدون مالا، وأن لا تلقوا مكروها، والله يريد إعلاء الدين وإظهار الحق، وما يحصل لكم به فوز الدارين. (ليحق الحق ويبطل الباطل) فعل ما فعل، وليس بتكرير، لان الاول لبيان مراد الله وتفاوت ما بينه وبين مرادهم، والثاني لبيان الداعي إلى حمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على اختيار ذات الشوكة ونصره عليها. (ولو كره المجرمون). (إذا تستغيثون ربكم) لما علمتم أن لا محيص عن القتال مع قلتكم وكثرة عدوكم. قال: " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال: اللهم أنجزلي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لاتعبد في الارض، فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فنزلت " (2). (فأستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين): متبعين. (وما جعله الله) يعني الامداد (إلا بشرى): بشارة لكم بالنصر (ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله): ولا تأثير للامداد والاعداد وإنما هي وسائط وروابط (إن الله عزيز حكيم). (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه): أمنا من الله بإزالة الرعب عن قلوبكم (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) من الحدث والخبث (ويذهب عنكم رجز الشيطان) يعني: الجناية، وذلك لانه احتلم بعضهم وغلب المشركون على الماء. القمي: فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجنه الليل ألقي على أصحابه النعاس حتى ناموا، وأنزل الله عليهم السماء، وكانوا في موضع لا يثبت فيه القدم فلبد الارض حتى ثبتت

___________________________

(1) العياشي 2: 49، الحديث: 23، عن أبي عبد الله عليه السلام. (2) مجمع البيان 3 - 4: 525، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 428 ]

أقدامهم، وكان المطر على قريش مثل العزالى (1)، وكان على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رذاذ (2) بقدر ما يلبد الارض (3)، وخافت قريش خوفا شديدا، فأقبلوا يتحارسون يخافون البيات (4). (وليربط على قلوبكم) بالوثوق على لطف الله تعالى بكم (ويثبت به): بالمطر (الاقدام) حتى لاتسوخ (5) في الرمل، أو بالربط على القلوب حتى يثبت في المعركة. (إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم) في إعانتهم وتثبيتهم (فثبتوا الذين ءامنوا) بالبشارة لهم وبتكثير سوادهم ومحاربة أعدائهم (سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق): أعاليها التي هي المذابح، أو الرؤوس. (واضربوا منهم كل بنان) قال: " أطراف الاصابع " (6). أي: جزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم. (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله): كانوا في شق خلاف شقهما (ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديدا العقاب). (ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار). الخطاب فيه مع الكفار على طريقة الالتفات، يعني: ذوقوا ما عجل لكم من القتل والاسر مع ما أجل لكم في الاخرة. (يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا): كثيرا بحيث يرى لكثرتهم كأنهم يزحفون، أي: يدبون. (فلا تولوهم الادبار) بالانهزام. (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال) لان يكر بعد الفر، يخيل عدوه أنه

___________________________

(1) العزالي جمع العزلاء: مصب الماء من الرواية ونحوها. " القاموس المحيط 4: 15 - عزل " وهنا إشارة إلى شدة وقع المطر. (2) الرذاذ: المطر الضعيف. القاموس المحيط 1: 367 (رذاذ). (3) لبد المطر الارض: رشها. المنجد في اللغة: 710 (لبد). (4) القمي 1: 261. (5) ساخت قوائمه في الارض: دخلت فيها وغابت. مجمع البحرين 2: 435 (سوخ). (6) القمي 1: 267، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 429 ]

منهزم، وهو من مكائد الحرب (أو متحيزا إلى فئة): أو منحازا إلى فئة أخرى من المسلمين ليستعين بهم من غير هزيمة (فقد بآء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير). " فمن انهزم حتى يجوز صف أصحابه فقد باء ". كذا ورد (1). (فلم تقتلوهم) بقوتكم، يعني: إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم (ولكن الله قتلهم) بأن أنزل الملائكة وألقى الرعب في قلوبهم وقوى قلوبكم. (وما رميت) أنت يا محمد (إذ رميت ولكن الله رمى) حيث أثرت الرمية ذلك الاثر العظيم. روي: " أن قريشا لما جاءت بخيلائها أتاه جبرئيل فقال: خذ قبضة من تراب فارمهم بها. فقال لعلي عليه السلام: أعطني قبضة من حصباء (2) الوادي، فأعطاه فرمي بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا، ورد فهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر، فيقول الرجل: قتلت وأسرت، فنزلت " (3). أثبت الرمي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لانه وجد منه صورة، ونفاه عنه معنى، لان أثره الذي لا يدخل في قدرة البشر فعل الله سبحانه، فكأنه فاعل الرمية على الحقيقة، وكأنها لم توجد من الرسول. (وليبلى المؤمنين بلاء حسنا): ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة ومشاهدة الايات فعل ما فعل. (إن الله سميع) لا ستغاثتهم ودعائهم (عليم) بنياتهم وأحوالهم. (ذلكم): الغرض ذلكم (وأن الله موهن كيد الكافرين) يعني أن المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين.

___________________________

(1) العياشي 2: 51، الحديث: 31، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام. (2) الحصباء: الحصى. القاموس المحيط 1: 57 (حصب). (3) تفسير أبي السعود 4: 13، وروح المعاني 9: 184، والتفسير الكبير (للفخر الرازي) 15: 139. (*)

 

[ 430 ]

(إن تستفتحوا فقد جاء كم الفتح). قيل: خطاب لاهل مكة على سبيل التهكم (1). ورد: " إن أبا جهل قال: اللهم ربنا ديننا القديم ودين محمد الحديث، فأي الدينين كان أحب إليك وأرضى عندك فانصر أهله اليوم " (2). (وإن تنتهوا) عن الكفر ومعاداة الرسول (فهو خير لكم) لتضمنه سلامة الدارين (وإن تعودوا) لمحاربته (نعد) لنصره (ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين). (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه): عن الرسول (وأنتم تسمعون) القرآن والمواعظ سماع فهم وتصديق. (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعناوهم لا يسمعون) سماعا ينتفعون به. (إن شر الدواب عند الله الصم) عن الحق (البكم الذين لا يعقلون). (ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم) سماع تفهم (ولو أسمعهم) وقد علم أن لاخير فيهم (لتولوا) ولم ينتفعوا به (وهم معرضون) لعنادهم. قال: " نزلت في بني عبدالدار، لم يكن أسلم منهم غير مصعب بن عمير وحليف لهم يقال له: سويط " (3). (يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول) بالطاعة (إذا دعاكم) الرسول (لما يحييكم). قال: " نزلت في ولاية علي عليه السلام " (4). والقمي: الحياة: الجنة (5). (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) القمي: يحول بينه وبين ما يريد (6). وفي رواية: " يحول بين المؤمن ومعصيته أن تقوده إلى النار، وبين الكافر وبين طاعته أن يستكمل بها الايمان. قال: واعلموا أن الاعمال بخواتيمها " (7). وفي أخرى: " يحول بينه وبين

___________________________

(1) البيضاوي 3: 45، والكشاف 2: 150. والتهكم: الاستهزاء. القاموس المحيط 4: 193 (هكم). (2) مجمع البيان 3 - 4: 531. (3) المصدر: 532، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه: " سويبط "، وفي جوامع الجامع 2: 12: " سويد بن حرملة ". (5 و 6) القمي 1: 271. (7) المصدر، عن أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 431 ]

أن يعلم أن الباطل حق " (1). (وأنه إليه تحشرون) فيجازيكم بأعمالكم. (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) بل يعمهم وغيرهم، كالمداهنة في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وافتراق الكلمة وظهور البدع. قال: " أصابت الناس فتنة بعد ما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى تركوا عليا عليه السلام وبايعوا غيره، وهي الفتنة التي فتنوا بها، وقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع علي والاوصياء من آل محمد عليهم السلام " (2). وورد: لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " من ظلم عليا عليه السلام مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنما جحد نبوتي ونبوة الانبياء قبلي " (3). والقمي: نزلت في طلحة والزبير، لما حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام وظلموه (4). وفي قراءتهم عليهم السلام: " لتصيبن " (5). باللام دون لا (واعلموا أن الله شديد العقاب). (وأذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الارض تخافون أن يتخطفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات): من الغنائم (لعلكم تشكرون). قال: " نزلت في قريش خاصة " (6). (يا أيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) أنكم تخونون. قال: " خيانة الله والرسول معصيتهما، وأما خيانة الامانة فكل إنسان مأمون على ما افترض الله عليه " (7). قال: " نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر " (8). فلفظ الاية عام ومعناها خاص.

___________________________

(1) التوحيد: 358، الباب: 58، الحديث: 6، عن أبي عبد الله عليه السلام. (2) العياشي 2: 53، الحديث: 40، عن أبي عبد الله عليه السلام. (3) مجمع البيان 3 - 4: 534. عن ابن عباس. (4) القمي 1: 271، وفيه: " لما حاربا ". (5) مجمع البيان 3 - 4: 532. عن أبي جعفر عليه السلام. (6) القمي 1: 271. (7) القمي 1: 272، عن أبي جعفر عليه السلام. (8) مجمع البيان 3 - 4: 535، عن الصادقين عليهما السلام. (*)

 

[ 432 ]

" وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر يهود بني قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوه الصلح على ما صالح عليه بني النضير أن يسيروا إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام، فأبي إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحا لهم، لان عياله وماله وولده كانت عندهم، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: ما ترى يا أبا لبالبة ! أننزل على حكم سعد ؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا، فأتاه جبرئيل فأخبره بذلك. قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت، فشد رأسه على سارية (1) من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما و لا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه فقال: لا ولله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يحلني، فجاءه فحله بيده، فقال: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يجزيك الثلث أن تصدق به " (2). القمي: ونزلت مع الاية التي في سورة التوبة: " وآخرون اعترفوا بذنوبهم " (3) التي نزلت في أبي لبابة (4). (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) لالهائهم إياكم عن ذكر الله (وأن الله عنده أجر عظيم) لمن آثر رضا الله عليهم. (يا أيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا): هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم).

___________________________

(1) السارية: الاستوانة. القاموس المحيط 4: 343 (سرى). (2) مجمع البيان 3 - 4: 535 - 536، عن الصادقين عليهما السلام. (3) الاية: 102. (4) القمي 1: 272. (*)

 

[ 433 ]

(وإذ يمكر بك الذين كفروا) يعني: قريشا. ذكره ذلك ليشكر نعمة الله عليه في خلاصه. (ليثبتوك) بالحبس (أو يقتلوك) بسيوفهم (أو يخرجوك) من مكة (ويمكرون ويمكر الله) برد مكرهم ومجازاتهم عليه (والله خير الماكرين). قال: " إن قريشا اجتمعت فخرج من كل بطن أناس إلى دار الندوة (1) ليتشاوروا فيما يصنعون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا شيخ قائم بالباب، وإذا ذهبوا إليه ليدخلوا، قال: أدخلوني معكم. قالوا: ومن أنت يا شيخ ؟ قال: أنا شيخ من مضر (2) ولي رأي أشير به عليكم. فدخلوا وجلسوا وتشاوروا وهو جالس، وأجمعوا أمرهم على أن يخرجوه. فقال: هذا ليس (3) لكم برأي إن أخرجتموه أجلب عليكم الناس فقاتلوكم. قالوا: صدقت ماهذا برأي، ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه. قال: هذا ليس بالرأي إن فعلتم هذا ومحمد رجل حلو اللسان أفسد عليكم أبناءكم وخدمكم، وما ينفع أحدهم إذا فارقه أخوه وابنه أو مرأته، ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يقتلوه، يخرجون من كل بطن منهم بشاهر فيضربونه بأسيافهم جميعا عند الكعبة، ثم قرأ هذه الاية " (4). والقمي ذكر ما يقرب منه مع زيادات، ثم قال: فنزل جبرئبل ؟ عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك، وأنزل عليه في ذلك: " وإذ يمكر بك " الاية. فلما أمسى جاءت قريش ليدخلوا عليه، فقال أبو لهب: لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل، فإن في الدار صبيانا ونساء ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه. فناموا حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر رسول الله

___________________________

(1) هي بمكة أحدثها " قصى بن كلاب " لما تملك مكة، وهى دار كانوا يجتمعون فيها للمشاورة. معجم البلدان 5: 186 و 279. (2) في المصدر: " بني مضر " وهي من القبائل العربية العدنانية منسوبة إلى مضربن نزار. (3) في " ج ": " ليس هذا ". (4) العياشي 2: 53، الحديث: 42، عن أحدهما عليهما السلام. (*)

 

[ 434 ]

أن يفرش له، وقال لعلي عليه السلام: افدني بنفسك ! قال: نعم يا رسول الله. نم على فراشي والتحف ببردتي. وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم: " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " (1) وقال له جبرئيل: خذ على طريق ثور، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور، فدخل الغار وكان من أمره ما كان. فلما أصبحت قريش وثبوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي عليه السلام في وجوههم، فقال: ما شأنكم ؟ قالوا له: أين محمد ؟ قال: جعلتموني عليه رقيبا ؟ ! ألستم قلتم: نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم. فأقبلوا يضربونه (2) ويقولون: أنت تخدعنا منذ الليلة، فتفرقوا في الجبال. وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له: أبو كرز، يقفوا الاثار، فقالوا: يا أباكرز ! اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هذه قدم محمد والله إنها لاخت القدم التي في المقام، وكان أبو بكر استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرده معه، فقال أبو كرز: وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أوبيه، ثم قال: وهاهنا عبر ابن أبي قحافة، فما زال بهم حتى أو قفهم على باب الغار، ثم قال: ما جاوزوا (3) هذا المكان، إما أن يكونوا صعدوا السماء أو دخلوا تحت الارض. وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال: ما في الغار أحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أذن له في الهجرة (4). (وإذا تتلى عليهم ءاياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا). قيل قائله.

___________________________

(1) يس (36): 9. (2) في المصدر: " يضربون أبا لهب ". (3) في " ألف " و " ج ": " ما جازوا " وفي المصدر: " ما جاوزا هذا المكان إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الارض ". (4) القمي 1: 275 - 276. (*)

 

[ 435 ]

النضر بن الحارث بن كلدة، وأسر يوم بدر، فقتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم صبرا (1) بيد علي عليه السلام. وإنما قاله صلفا (2)، وهذا غاية مكابرتهم وفرط عنادهم، إذا لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاؤوا وقد تحداهم وقرعهم (3) بالعجز عشر سنين، ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سواه، مع فرط حرصهم على قهره وغلبته (4). (إن هذا إلا أساطير الاولين): ما سطره الاولون من القصص. قيل: قاله النضر أيضا، وذلك أنه جاء بحديث رستم واسفنديار من بلاد فارس وزعم أن هذا هو مثل ذاك (5). (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أوائتنا بعذاب أليم). " قاله الحارث بن عمرو الفهري حيث سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر كلاما في فضل علي عليه السلام فنزلت: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " الاية، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يابن عمرو إما تبت وإما رحلت ؟ فدعا براحلته فركبها، فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة (6) فرضت هامته (7)، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به (8) ". كذا ورد (9). في رواية: " قاله النعمان بن الحارث الفهري

___________________________

(1) قتل فلان صبرا: حبس على القتل حتى يقتل. الصحاح 2: 706 (صبر). (2) الصلف - بالتحريك -... التكلم بما يكرهه صاحبك والتمدح بما ليس عندك أو مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا. القاموس المحيط 3: 168 (صلف). (3) قرع القوم: أقلقهم والتقريع: التعنيف والتثريب. القاموس المحيط 3: 70 (قرع). (4) البيضاوي 3: 48، وجوامع الجامع 2: 17. (5) جوامع الجامع 2: 17. (6) الجندل - كجعفر - ما يقلة الرجل من الحجارة. القاموس المحيط 3: 363 (جندل). (7) الرض: الدق والجرس. وفي المصدر: " رضخت " أي: كسرت. والهامة: الرأس. القاموس المحيط 2: 343 و 4: 195 (رض - هام). (8) إشارة إلى قوله تعالى: " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " إبراهيم (14): 15. (9) الكافي 8: 57، الحديث: 18، عن أبي بصير. (*)

 

[ 436 ]

لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم غدير " (1). والقمي: قاله أبو جهل لما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدنيا، وأجر الملك إليكم، فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه، تملكوا بها العرب وتدن (2) لكم بها العجم، وتكونوا ملوكا في الجنة، فحسده أبو جهل وقال: " اللهم إن كان هذا ".. الاية، ثم قال: غفرانك اللهم (3). (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون). القمي: نزلت حين قال أبو جهل: غفرانك اللهم (4). أقول: وهو بيان لموجب إمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم. (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام) فإنهم ألجأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين إلى الهجرة، لما هموا بقتله وأحصروا عام الحديبية. (وما كانوا أولياءه) قال: " أولياء المسجد الحرام " (5). وفي رواية: " يعني أولياء البيت، يعني المشركين " (6). (إن أولياءه إلا المتقون) قال: " حيثما كانوا أولى به من المشركين " (7). قيل: وهو رد لقولهم: نحن ولاة البيت والحرام " (8). (ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن لاولاية لهم عليه. (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكآء وتصدية) قال: " التصفير والتصفيق " (9). أقول: يعني: وضعوا الصفير والصفق باليدين موضع الصلاة. روي: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدار

___________________________

(1) مجمع البيان 9 - 10: 352، عن أبي عبد الله عليه السلام. (2) تدن: تذل. وفي " ب " و " ج " والمصدر: " تدين ". (3) القمي 1: 276. (4) المصدر: 277. (5) مجمع البيان 3 - 4: 539، عن أبي جعفر عليه السلام. (6 و 7) العياشي 2: 55، الحديث: 46، عن أبي عبد الله عليه السلام. (8) البيضاوي 3: 49. (9) معاني الاخبار: 297، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام. التصفير: التصويت بالشفتين. والتصفيق: التصويت باليدين بضرب باطن الراحة على باطن الاخرى. مجمع البحرين 5: 202 (صفق). (*)

 

[ 437 ]

عن يمينه فيصفران، ورجلان عن يساره فيصفقان بأيديهما، فيخلطان عليه صلاته، فقتلهم الله جميعا ببدر " (1). والقمي: هذه الاية معطوفة على قوله: " وإذا يمكر بك الذين كفروا " فإن قريشا لما هموا بقتله خرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت، فنزلت (2). (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون). (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون). القمي: نزلت في قريش، فإنهم لما أخبروا بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طلب العير، أخرجوا أموالهم وحملوا وأنفقوا وخرجوا إلى محاربته ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار، وكان ما أنفقوا حسرة عليهم (3). (والذين كفروا إلى جنهم يحشرون). (ليميز الله الخبيث من الطيب): الكافر من المؤمن والصالح من الفاسد (ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا): فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض (فيجعله، في جهنم) كله (أولئك هم الخاسرون): الكاملون في الخسران. ورد: " إن الله سبحانه مزج طينة المؤمن حين أراد خلقه بطينة الكافر، فما يفعل المؤمن من سيئة فإنما هو من أجل ذلك المزاج، وكذلك مزج طينة الكافر حين أراد خلقه بطينة المؤمن، فما يفعل الكافر من حسنة فإنما هو من أجل ذلك المزاج - أو لفظ هذا معناه - قال: فإذا كان يوم القيامة ينزع الله تعالى من العدو الناصب سنخ المؤمن ومزاجة وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويرده إلى المؤمن، وينزع الله من المؤمن سنخ الناصب ومزاجة وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السيئة الردية

___________________________

(1) مجمع البيان 3 - 4: 540. (2) القمي 1: 275. (3) المصدر: 277. (*)

 

[ 438 ]

ويرده إلى الناصب، عدلا منه جلاله وتقدست أسماؤه ويقول للناصب: لاظلم عليك، هذه الاعمال الخبيثة من طينك ومزاجك وأنت أولى بها، وهذه الاعمال الصالحة من طين المؤمن ومزاجه وهو أولى بها، " لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " (1)، ثم تلا: " الخبيثاث للخبيثين " (2) الاية. وقرأ: " والذين كفروا إلى جنهم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب " الاية " (3). قل للذين كفروا إن ينتهوا) عن الكفر ومعاداة الرسول (يغفر لهم ما قد سلف) من ذنوبهم (وإن يعودوا) إلى قتاله (فقد مضت سنت الاولين) الذين تحزبوا على الانبياء بالتدمير، كما جرى على أهل بدر، فليتوقعوا مثل ذلك. (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة): لا يوجد فيهم شرك (ويكون الدين كله لله) ويضمحل عنهم الاديان الباطلة. قال: " لم يجئ تأويل هذه الاية [ بعد ] (4) ولو قد قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الاية، وليبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك (5) على ظهر الارض، كما قال الله: " يعبدونني لا يشركون بي شيئا ") (6). (فإن انتهوا) عن الكفر (فإن الله بما يعملون بصير). (وإن تولوا) ولم ينتهوا (فاعلموا أن الله مولاكم): ناصركم فثقوا به ولاتبالوا بمعاداتهم (نعم المولى ونعم النصير). واعلموا أنما غنمتم من شئ) قال: " هي والله الافادة يوما بيوم " (7).

___________________________

(1) غافر (40): 17. (2) نور (24): 26. (3) علل الشرايع 2: 608 - 609، الباب: 385، الحديث: 81، عن أبي جعفر عليه السلام بالمضمون. (4) الظاهر أن ما بين المعقوفتين زايد وليس في المصدر ولا في الصافي. (5) في " ألف " و " ج ": " شرك ". (6) مجمع البيان 3 - 4: 543، والعياشي 2: والعياشي 2:، الحديث: 48، عن أبي عبد الله عليه السلام. والاية في النور (24): 55. (7) الكافي 1: 544، الحديث: 10، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 439 ]

أقول: يعني استفادة المال من أي جهة كانت. (فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتمى والمساكين وابن السبيل). قال: " نحن والله عنى بذي القربى الذين قرنهم الله برسوله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، أكرم الله نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أو ساخ أيدي الناس " (1). وقال: " خمس الله للامام وخمس الرسول للامام وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول والامام، واليتامي يتامي آل الرسول، والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم " (2). (وإن كنتم ءامنتم بالله) يعني إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به، فاقطعوا عنه أطماعكم، واقتنعوا بالاخماس الاربعة. (وما أنزلنا): وبما أنزلنا (على عبدنا): على محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الايات والملائكة والنصر (يوم الفرقان): يوم بدر، فإنه فرق فيه بين الحق والباطل. (يوم التقى الجمعان): المسلمون والكفار (والله على كل شئ قدير) فيقدر على نصر القليل على الكثير والامداد بالملائكة. إذ أنتم بالعدوة الدنيا) من المدينة، بدل من " يوم الفرقان "، العدوة - مثلثة -: شط الوادي. (وهم بالعدوة القصوى) البعدى من المدينة، تأنيث الاقصى. القمي: يعني قريشا حيث نزلوا بالعدوة اليمانية، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بالعدوة الشامية (3). (والركب) قال: " يعني أبا سفيان وأصحابه " (4). والقمي: يعني العير التي أفلتت (5). والتفسيران متحدان. (أسفل منكم): في مكان أسفل من مكانكم يقودون العير بالساحل. والفائدة في ذكر هذه المواطن، الاخبار عن الحالة الدالة على قوة المشركين وضعف المسلمين، وأن غلبتهم على مثل هذه الحال أمر إلهي لا يتيسر إلا بحوله وقوته،

___________________________

(1) التهذيب 4: 126، الحديث: 362، عن أمير المؤمنين عليه السلام. (2) المصدر: 125، الحديث: 361، عن أحدهما عليهما السلام. (3 و 5) القمي 1: 278. وأفلتت: تخلصت. مجمع البحرين 2: 213 (فلت). العياشي 2: 65، الحديث: 69، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 440 ]

وذلك أن العدوة القصوى كان فيها الماء ولاماء بالعدوة الدنيا، وكانت رخوا تسوخ (1) فيها الارجل، وكانت العير وراء ظهورهم مع كثرة عددهم، فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم، وتحملهم على أن لا يبرحوا (2) مواطنهم، ويبذلوا نهاية نجدتهم (3)، وفيه تصوير ما دبر الله من أمر وقعة بدر. (ولو تواعدتم لا ختلفتم في الميعاد) يعني لو تواعدتم أنتم وهم على موعد للقتال، ثم علمتم حالكم وحالهم لخالف بعضكم بعضا، ثبطكم (4) قلتكم عن الوفاء بالموعد، وثبطهم ما في قلوبهم من الرعب، فلم يتفق لكم من الوفاء ما وفقه الله. (ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا): كان واجبا أن يفعل من إعزاز دينه وإعلاء كلمته ونصر أوليائه وقهر أعدائه. (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة): ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوع بينة عاينها وقيام حجة شاهدها. قال: " يعلم من بقي أن الله نصره " (5). (وإن الله لسميع عليم) يعلم كيف يدبر أموركم. (إذ يريكهم الله في منامك قليلا) لتخبر به أصحابك، فيكون تثبيتا لهم تشجيعا على عدوهم (ولو أراكهم كثيرا لفشلتم): لجبنتم (ولتنازعتم في الامر): أمر القتال، وتفرقت آراؤكم بين الثبات والفرار (ولكن الله سلم): أنعم بالسلامة من الفشل والتازع (إنه عليم بذات الصدور). قال: " كان إبليس يوم بدر يقلل المسلمين في أعين الكفار، ويكثر الكفار في أعين الناس، فشد عليه جبرئيل بالسيف فهرب منه وهو يقول: يا جبرئيل إني

___________________________

(1) في جميع النسخ: " يسوخ ". (2) برح من مكانه براحا: زال عنه وصار في البراح. مجمع البحرين 2: 342 (برح). (3) النجدة - بفتح النون فالسكون -: الشجاعة. مجمع البحرين 3: 149 (نجد). (4) ثبطه عن الامر: عوقه وبطأ به عنه، وعلى الامر: وقفه عليه. القاموس المحيط 2: 365 (ثبط). (5) القمي 1: 278. (*)

 

[ 441 ]

مؤجل، حتى وقع في البحر يخاف أن يقطع بعض أطرافه " (1). (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا) تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتثبيتا لكم (ويقللكم في أعينهم) حتى قال قائلهم: ماهم إلا أكلة رأس، لو بعثنا عليهم عبيدنا لاخذوهم باليد. وإنما قللهم في أعينهم ليجترؤوا عليهم قبل اللقاء، ثم كثرهم فيها بعد اللقاء لتفجأهم الكثرة، فيهابوا وتفل (2) شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسبانهم، وهذا من عظايم آيات تلك الواقعة وعجائب قدرة الله فيها، فإن البصر وإن كان قديري الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد. (ليقضى الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الامور). (يا أيها الذين ءامنوا إذا ليتم فئة): إذا حاربتم جماعة كافرة أو باغية. واللقاء مما غلب في القتال. (فاثبتوا) لقتالهم ولاتفروا (واذكرو الله كثيرا) في مواطن الحرب، داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره (لعلكم تفلحون): تظفرون بالنصرة والمثوبة فيه. تنبيه على أن العبد ينبعي أن لا يشغله شئ عن ذكر الله (3) تعالى، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد، ويقبل عليه بشراشره فارغ البال، واثقا بأن لطفه لا ينفك عنه في شئ من الاحوال. (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا) باختلاف الاراء، كما فعلتم ببدر وأحد. (فتفشلوا): فتضعفوا عن قتال عدوكم (وتذهب ريحكم): دولتكم. شبهت الدولة بالريح في نفوذ أمرها وهبوبها. يقال: هبت ريح فلان: إذا نفذ أمره. (واصبروا إن الله

___________________________

(1) الكافي 8: 277، الحديث: 419، عن أبي جعفر عليه السلام. (2) في " ألف " و " ب ": " تقل ". والفل: الكسر والضرب، يقال: فله فانفل، أي: كسره فانكسره، وفللت الجيش: هزمته. الصحاح 5: 1793، والنهاية 3: 472 (فلل). (3) في " ألف ": " من ذكر الله ". (*)

 

[ 442 ]

مع الصابرين). (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم) يعني أهل مكة حين خرجوا منها لحماية العير (بطرا): فخرا وأشرا (ورئآء الناس) ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة، وذلك أنهم لما بلغوا جحفة (1) وافاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم، فأبى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدرا. نشرب بها الخمور وتعزف (2) علينا القيان (3) ونطعم بها من حضرنا من العرب. فذلك بطرهم ورئاؤهم، فوافوها فسقوا كأس الحمام (4) مكان الخمر وناحت النوائح مكان القيان، فنهى الله المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين. (ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط). وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لاغالب لكم اليوم من الناس وإنى جار لكم): مجيركم (فلما تراءت الفئتان): تلاقتا (نكص على عقبيه): رجع القهقرى وبطل كيده، وعاد ما خيل إليهم أنه مجيرهم سبب هلاكهم (وقال إنى برئ منكم إنى أرى ما لاترون) يعني جنود الملائكة (إنى خاف الله) أن يصيبني مكروها (والله شديد العقاب). القمي: جاء إبليس عليه اللعنة إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم: أنا جار لكم إدفعنا إلى رايتكم، فدفعوها إليه، وجاء بشياطينه يهول (5) بهم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويخيل إليهم ويفزعهم، وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية، فنظر

___________________________

(1) الجحفة ميقات ميقات أهل الشام، كانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة وكانت تسمى مهيعة. القاموس المحيط 3: 125 (جحف). (2) العزف: اللعب بالمعازف وهي الدفوف وغيرها مما يضرب بها. مجمع البحرين 5: 99 (عزف). (3) القيان جمع القينة: الاماء المغنيات. مجمع البحرين 6: 301 (قين). (4) الحمام - ككتاب -: قضاء الموت وقدره. القاموس المحيط 4: 101 (حم). (5) هول على الرجل: حمل عليه. أقرب الموارد 2: 141 (هول). (*)

 

[ 443 ]

إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: غضوا أبصاركم وعضوا على النواجذ (1) ولا تسلوا (2) سيفا حتى آذن لكم، ثم رفع يده إلى السماء فقال: يا رب إن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت لا تعبد لا تعبد، ثم أصابه الغشي فسري عنه (3) وهو يسلت (4) العرق عن وجهه وهو يقول: هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين، فنظروا فإذا بسحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقائل يقول: أقدم حيزوم ! أقدم حيزوم (5) ! وسمعوا قعقعة السلاح من الجو، ونظر إبليس إلى جبرئيل فراجع ورمى باللواء، فأخذ منبه بن الحجاج (6) بمجامع ثوبه، ثم قال: ويلك يا سراقة تفت (7) في أعضاد الناس، فركله إبليس ركلة (8) في صدره و " قال إني برئ منكم " الاية وهو قوله تعالى: " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس " الاية 9.

___________________________

(1) النواجذ جمع ناجذ: أقصى الاضراس وهي أربعة: والنجذ: شدة العض بها: وعض على ناجذه: بلغ أشده " القاموس المحيط 1: 373 ". وفي جميع النسخ: " النواجد " بالدال المهملة، والصواب ما أثبتناه. (2) السل: انتزاعك الشئ وإخراجه برفق وسل السيف: اخراجه من الغمد. مجمع البحرين 5: 398 (سلل). (3) سري عنه: زال عنه وانكشف. المنجد في اللغة: 332 (سرى). (4) أصل السلت: القطع. يقال: سلتت الخضاب عن يدها: إذا مسحته وألقته النهاية.

 2: 387 (سلت). (5) في " القاموس المحيط 4: 97 ": الحيزوم: فرس جبرئيل: وفي " النهاية 1: 467 و 4: 26 ": " أقدم حيزوم " هو أمر بالاقدام وهو التقدم في الحرب. والاقدام: الشجاعة. وفي " البحار 19: 264 ": أراد أقدم يا حيزوم. فحذف حرف النداء. (6) نبيه ومنبه ابنا الحجاج كانا من المستهزئين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والطعن عليه، وكانا يلقيانه فيقولاله: أما وجد الله من يبعثه غيرك ؟ إن هاهنا من هو أسن منك وأيسر. فقتل منبه في غزوة البدر، قتله علي بن أبي طالب (راجع: الكامل في التاريخ 2: 71). (7) فت الشئ: دقه وكسره، وفت في عضده: كسرقوته وفرق عنه أعوانه. أقرب الموارد 2: 899 (فت). (8) الركل: الضرب برجل واحدة. القاموس المحيط 3: 397 (ركل). (9) القمي 1: 266. (*)

 

[ 444 ]

(إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض): الشاكون في الاسلام (غر هؤلاء دينهم) يعنون المسلمين، أي: اغتروا بدينهم حتى تعرضوا بقتلهم (1) لقتال جم غفير (ومن يتوكل على الله فإن عزيز حكيم). جواب لهم. (ولو ترى): ولو رأيت، فإن " لو " تجعل المضارع ماضيا عكس " إن ". (إذيتوفى الذين كفروا الملائكة) ببدر (يضربون وجوههم): ما أقبل منهم (وأدبارهم): وما أدبر. ورد: " إنما أراد: وأستاههم، إن الله كريم يكني " (2). (وذوقوا عذاب الحريق): ويقولون: ". قيل: كانت معهم مقامع من حديد كلما ضربوا التهبت النار منها (3). (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد). (كدأب ءال فرعون) أي: دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون، ودأبهم: عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه، أي: داوموا عليه. (والذين من قبلهم كفروا بأيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوى شديد العقاب). (ذلك). إشارة إلى ما حل بهم. (بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم): يبدلوا ما بهم من الحال إلى حال أسوه، كتغيير (4) قريش حالهم في صلة الرحم، والكف عن تعرض الايات والرسل بمعاداة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن تبعه منهم، والسعي في إراقة دمائهم، والتكذيب بالايات والاستهزاء بها إلى غير ذلك مما أحدثوه بعد المبعث. ورد: " إن الله قضى قضاء حتما: لا ينعم (5) على العبد بنعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمة " (6). (وأن الله

___________________________

(1) في " ب " و " ج ": " مع قلتهم ". (2) العياشي 2: 65، الحديث: 71، مرفوعا. (3) البيضاوي 3: 53، والتفسير الكبير (للفخر الرازي) 15: 178. (4) في " ألف ": " كتغير ". (5) في المصدر: " ألا ينعم ". (6) الكافي 2: 273، الحديث: 22، عن أبي عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 445 ]

سميع عليم). (كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بأيات ربهم فأهلكناهم بذنو بهم وأغرقنا ءال فرعون). كرره للتأكيد وزيادة بيان لكفران النعم، وبيان للاخذ بالذنوب. (وكل) من غرقى آل فرعون وقتلى قريش (كانوا ظالمين) أنفسهم بكفرهم معاصيهم. (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون). أصروا على الكفر ورسخوا فيه، فلا يتوقع منهم إيمان. قال: " نزلت: في بني أمية، فهم أشر خلق الله، هم الذين كفروا في بطن القرآن " (1). (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون). (فإما تثقفنهم): تصادفنهم وتظفرن بهم (في الحرب فشردبهم): ففرق عن محاربتك، ونكل عنها بقتلهم والنكاية (2) فيهم (من خلفهم): من وراءهم من الكفرة (لعلهم يذكرون). (وإما تخافن من قوم) معاهدين (خيانة): نقض عهد بأمارات تلوح (فأنبذ إليهم): فاطرح إليهم عهدهم (على سوآء): على طريق مقتصد مستوفي العدواة، بأن تخبرهم بنقض العهد إخبارا ظاهرا مكشوفا، يتبين لهم أنك قطعت ما بينك وما بينهم، ولاتبدأهم بالقتال وهم على توهم بقاء العهد، فيكون ذلك خيانة. (إن الله لا يحب الخائنين). (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا): فاتوا من أن يظفر بهم (إنهم لا يعجزون): لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا من إدراكهم. (وأعدوا) أيها المؤمنون (لهم): للكفار (ما استطعتم من قوة): من كل ما

___________________________

(1) القمي 1: 279، والعياشي 2: 65، الحديث: 72، عن أبي جعفر عليه السلام وفيهما: " هم شر خلق الله ". (2) نكيت في العدو نكابة: إذا أكثرت فيهم الجراح القتل. مجمع البحرين 1: 421 (نكا). (*)

 

[ 446 ]

يتقوى به في الحرب. قال: " القوة الرمي " (1). وفي رواية: " سيف وترس " (2). وفي أخرى: " منه الخضاب بالسواد " (3). (ومن رباط الخيل). الرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله. (ترهبون به عدوالله وعدوكم): كفار مكة (وءاخرين من دونهم): من غيرهم من الكفرة (لا تعلمونهم): لا تعرفونهم بأعيانهم، لانهم يصلون ويصومون (الله يعلمهم): يعرفهم، لانه المطلع على الاسرار (وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم) جزاؤه (وأنتم لا تظلمون) بتضييع العمل أو نقص الثواب. (وإن جنحوا للسلم): مالوا إلى الصلح والاستسلام (فأجنح لها) وعاهد معهم، وتأنيث الضمير لحملها على نقيضها الذي هي الحرب. سئل: ما السلم ؟ قال: " الدخول في أمرنا " (4). (وتوكل على الله) ولا تخف من خديعتهم ومكرهم، فإن الله عاصمك وكافيك منهم، (إنه هو السميع العليم). (وإن يريدوا أن يخدعوك) في الصلح بأن يقصدوا به دفع أصحابك عن (5) القتال، حتى يقوى أمرهم، فيبدؤكم به من غير استعداد منكم. قال: " إن هؤلاء قوم كانوا معه من قريش " (6). (فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين). (وألف بين قلوبهم، قال: " هم الانصار وهم الاوس والخزرج، كان بينهما حرب شديد وعداوة في الجاهلية، فألف الله بين قلوبهم ونصربهم نبيه " (7). (لو أنفقت ما في الارض جميعا مآ ألفت بين قلوبهم) لتناهي عداوتهم (ولكن الله ألف بينهم).

___________________________

(1) مجمع البيان 3 - 4: 555، والكافي 5: 50، الحديث: 12، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (2) العياشي 2: 66، الحديث: 73، عن أبي عبد الله عليه السلام. (3) من لا يحضره الفقيه 5: 70، الحديث: 282، عن أبي عبد الله عليه السلام. (4) الكافي 1: 415، الحديث: 16، عن أبي عبد الله عليه السلام. (5) في " ألف ": " من القتال ". (6 و 7) القمي 1: 297، أبي جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 447 ]

بالاسلام بقدرته البالغة، فإنه مالك القلوب يقلبها كيف يشاء (إنه عزيز حكيم). (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين). (يا أيها النبي حرض المؤمنين): بالغ في حثهم (على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون) يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون). وعدهم بأنهم إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم بأييد الله، بسبب أن الكفار جهلة بالله واليوم الاخر، يقاتلون على غير احتساب ثواب، ولا يثبتون ثبات المؤمنين الراجين لعوالي الدرجات. الئان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين). هذه الاية ناسخة لما قبلها. قال: " نسخ الرجلان العشرة " (1). وورد: " من فر من رجلين في القتال من الزحف فقد فر من الزخف، ومن فر من ثلاثة رجال في القتال من الزخف فلم يفر " (2). قيل: كان فيهم قلة أولا، فأمروا بذلك، ثم لما كثروا خفف عنهم (3). (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض): يكثر القتل ويبالغ فيه، حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الاسلام ويستولي أهله، من أثخنه المرض: إذا أثقله. (تريدون عرض الدنيا): حطامها بأخذ الفداء (والله يريد الاخرة): يريد لكم ثواب الاخرة (والله عزيز) يغلب أولياءه على أعدائه (حكيم) يعلم ما يليق بحال كل منهما. القمي: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قتل جماعة من أسرى رؤساء قريش ببدر خافت الانصار أن يقتل الاسارى كلهم، فقاموا إليه وقالوا: يا رسول الله قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين، وهم قومك وأساراك هبهم لنا يا رسول الله، وخذ منهم الفداء وأطلقهم، فأنزل الله

___________________________

(1) الكافي 5: 69، ذيل الحديث الطول: 1 عن أبي عبد الله عليه السلام. (2) العياشي 2: 68، الحديث: 78، عن أبي عبد الله عليه السلام. (3) البيضاوي 3: 56. (*)

 

[ 448 ]

عليهم: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الارض " الاية (1). (لولا كتاب من الله سبق) أي حكم منه سبق إثباته في اللوح المحفوظ بإباحة الغنائم لكم (لمسكم): لنا لكم (فيما أخذتم): فيما استحللتم قبل الاباحة من الفداء (عذاب عظيم). (فكلوا مما غنمتم) من الفدية (حلالا طيبا واتقو الله) في مخالفته (إن الله غفور) غفر لكم ذنبكم (رحيم) أباح لكم ما أخذتم. ورد: " إنه لما نزلت هذه الاية أطلق لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذوا والفداء ويطلقوهم، وشرط أن يقتل منهم في عام قابل بعدد من أخذوا منهم الفداء، فرضوا منه بذلك " (2). وقد مضت القصة في آل عمران (3). (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا): خلوص عقيدة وصحة نية في الايمان (يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) من الفداء (ويغفر لكم والله غفور رحيم). قال: " نزلت في العباس وعقيل ونوفل " (4). وورد: " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي بمال دراهم، فقال: يا عباس ابسط رداءك وخذ من هذا المال طرفا، فبسط رداءه فأخذ منه طائفة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا من الذي قال الله: " إن يعلم الله " الاية " (5). (وإن يريدوا خيانتك): نقض ما عاهدوك (فقد خانوا الله) بالكفر (من قبل) القمي: وإن يريدوا خيانتك في علي فقد خانوا الله فيك من قبل (6). (فأمكن منهم): فأمكنك منهم يوم بدر، فإن أعادوا الخيانة فسيمكن منهم (والله عليم حكيم). (إن الذين ءامنوا وهاجروا): فارقوا أوطانهم وقومهم حبا لله ولرسوله، وهم

___________________________

(1) القمي 1: 270. (2) المصدر: 270 و 126، عن أبي عبد الله عليه السلام. (3) في ذيل الاية: 165. (4) الكافي 8: 202، الحديث: 244، عن أبي عبد الله عليه السلام. (5) قرب الاسناد: 21، الحديث: 73، عن أبي جعفر عليه السلام، والعياشي 2: 69، الحديث: 8، عن أبي عبد الله عليه السلام. (6) القمي 1: 269. (*)

 

[ 449 ]

المهاجرون من مكة إلى المدينة (وجاهدوا بأموالهم) فصرفوها (وأنفسهم) فبذلوها (في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا) آووهم إلى ديارهم، ونصروهم على أعدائهم، وهم الانصار (أولئك بعضهم أولياء بعض): يتولى بعضهم بعضا في الميراث. ورد: " كان المهاجرون والانصار يتوارثون بالمؤاخاة الاولى دون الاقارب، حتى نسخ ذلك بقوله تعالى: " وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض [ في كتاب الله ] (1) ") (2). (والذين ءامنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) أي: من توليهم في الميراث. (وإن استنصروكم في الدين). قيل: يعني الذين لمن يهاجروا منكم (3) (فعليكم النصر) لهم (إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق): عهد فلا يجوز لكم نصركم عليهم (والله بما تعملون بصير). (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض): لا توالوهم وإن كانوا أقارب (إلا تفعلوه) أي: ما أمرتم به من التواصل بينكم حتى في الارث، والتقاطع بينكم وبين الكفار (تكن فتنة في الارض وفساد كبير)، لان المسلمين ما لم يكونوا يدا واحدة على أهل الشرك كان الشرك ظاهرا وتجرأ أهله على أهل الاسلام ودعوهم إلى الكفر. (والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم). (والذين ءامنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم) أي: اللاحقين بعد السابقين. (فأولئك منكم): من جملتكم أيها المهاجرون والانصار، وحكمهم حكمكم في وجوب موالاتهم ونصرتهم وإن تأخر إيمانهم وهجرتهم. (وأولو الارحام): وأولوا القرابات (بعضهم أولى ببعض) بميراث بعض، يعني من كان أقرب إلى الميت في

___________________________

(1) ما بين المعقوفتين من: " ب ". (2) مجمع البيان 3 - 4: 561، عن أبي جعفر عليه السلام. والاية في نفس السورة: 75. (3) المصدر، والتفسير الكبير (للفخر الرازي) 15: 210. (*)

 

[ 450 ]

النسب كان أولى بالميراث. وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة كما مر (1). (في كتاب الله): في حكمه المكتوب (إن الله بكل شئ عليم). ورد: " كان علي صلوات الله عليه إذا مات مولى له وترك قرابته، لم يأخذ من ميراثه شيئا، ويتلو هذه الاية " (2).

___________________________

(1) ذيل الاية: 72 من نفس السورة. (2) الكافي 7: 135، الحديث: 5، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه: " ترك ذاقرابة ". (*)

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336530

  • التاريخ : 28/03/2024 - 23:09

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net