00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة طه  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الثاني)   ||   تأليف : المولى محمد حسين الفيض الكاشاني

[ 754 ]

سورة طه [ مكية وهى مائة وخمسون وثلاثون آية ] 1

بسم الله الرحمن الرحيم (طه). (ما أنزلنا عليك القران لتشقى) قال: (بل لتسعد به) 2. ورد: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورم، فأنزل الله تبارك وتعالى (طه) بلغة طئ: يا محمد ما أنزلنا، الاية) 3. أقول: الشقاء بمعنى التعب، ومنه سيد القوم أشقاهم. وإنما عدل إليه إشعارا بأنه أنزل إليه ليسعد. (إلا تذكرة لمن يخشى): لكن تذكيرا لمن في قلبه خشية ورقة، يتأثر بالأنذار. (تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى) جمع العليا، مؤنث الأعلى. (الرحمن على العرش استوى) قال: (يقول: على الملك احتوى) 4. وقد سبق تمام

__________________________

1 - مابين المعقوفتين من(ب).

 2 - الاحتجاج 1: 326، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 3 - القمي 2: 58، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.

 4 - التوحيد: 321، الباب: 50، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 755 ]

تفسيره في الأعراف 1. (له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى). قال: (فكل شئ على الثرى، والثرى على القدرة، والقدرة تحمل كل شئ) 2. (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى). قال: (السر: ما أكننته في نفسك، وأخفى: ما خطر ببالك ثم أنسيته) 3. (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى). (وهل أتاك حديث موسى). (إذ رأى نارا) (وذلك حين خرج بأهله من عند شعيب يريد أمه ووطنه، فأصابهم برد شديد وريح وظلمة في مفازة، وجنهم الليل وامرأته تمخض، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت). كذا ورد 4. (فقال لأهله امكثوا إني انست نارا): أبصرتها إبصارا لا شبهة فيه، أو إبصار ما يؤنس به (لعلي اتيكم منها بقبس): بشعلة. قال: (يقول: آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد) 5. (أو أجد على النار هدى). قال: (كان قد أخطأ الطريق، يقول: أو أجد عند النار طريقا) 6. (فلما أتاها نودى يا موسى) (إنى أنا ربك فاخلع نعليك). (يعنى ارفع خوفيك، يعنى خوفه من ضياع

__________________________

1 - ذيل الاية: 54.

 2 - الخصال 2: 597، ذيل الحديث: 1، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 3 - معاني الأخبار: 143، الحديث 1، عن أبي عبد الله عليه السلام، مجمع البيان 7 - 8: 3، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.

 4 - القمي 2: 139، ذيل الاية: 28، من سورة القصص، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 و 6 - القمي 2: 60، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه:(على النار طريقا).(*)

[ 756 ]

أهله، وقد خلفها تمخض، وخوفه من فرعون) 1. وفي رواية: (أي: انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسول) 2. (إنك بالواد المقدس). قال: (لأنه قدست فيه الأرواح، واصطفيت فيه الملائكة، وكلم الله عزوجل موسى تكليما) 3. (طوى): اسم للوادي 4. (وأنا اخترتك): اصطفيتك للنبوة (فاستمع لما يوحى). (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري). قال: (معناه أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة، كنت في وقتها أم لم تكن) 5. (إن الساعة اتية أكاد أخفيها): أخفي وقتها. قال: (أخفيها من نفسي 6. قيل: كيف يخفيها من نفسه ؟ ! قال: جعلها من غير وقت) 7. وقيل: معناه: أكاد أظهرها، من أخفاه: إذا سلب خفاه 8. (لتجزى كل نفس بما تسعى). (فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى). (وما تلك بيمينك يا موسى). استفهام يتضمن استيقاظا، لما يريه فيها من العجائب.

__________________________

1 - علل الشرائع 1: 66، الباب: 55، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - كمال الدين 2: 460، الباب: 43، الحديث: 21، عن الحجة القائم عليه السلام.

 3 - علل الشرائع 2: 472، الباب: 222، ذيل الحديث: 33، عن النبي صلى الله عليه وآله.

 4 - طوى - بالضم والكسر، وينون -: واد بالشام عند الطور. القاموس المحيط 4: 360، معجم البلدان 4: 44(طوى).

 5 - مجمع البيان 7 - 8: 5، عن أبي جعفر عليه السلام.

 6 - المصدر: 6، جوامع الجامع 2: 417، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 7 - القمي 2: 60.

 8 - الكشاف 2: 532، البيضاوي 4: 19، وفيه:(خفاءه).(*)

[ 757 ]

(قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي) وأخبط 1 الورق بها على رؤوس غنمي (ولى فيها مارب أخرى): حوائج أخرى، مثل أنه إذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها، وإذا قصر الرشاء 2 وصله بها، وكان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته 3، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل بها. القمي: فمن الفرق لم يستطع الكلام، فجمع كلامه فقال: " فيها مآرب أخرى " 4. (قال ألقها يا موسى). (فألقاها فإذا هي حية تسعى). (قال خذها ولا تخف). قال: (ففزع منها موسى وعدا، فناداه الله " خذها ولا تخف ") 5. (سنعيدها سيرتها): هيئتها وحالتها (الأولى). (واضمم يدك إلى جناحك): تحت العضد (تخرج بيضاء من غير سوء) قال: (يعني من غير برص) 6. وفي رواية: (أي من غير علة، قال: وذلك أن موسى كان شديد السمرة 7، فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا) 8. (اية أخرى): معجزة ثانية. (لنريك من اياتنا الكبرى). (إذهب إلى فرعون) بهاتين الايتين، وادعه إلى العبادة (إنه طغى): عصى وتكبر.

__________________________

1 - خبطت الشجر خبطا: إذا ضربتها بالعصاء ليسقط ورقها، الصحاح 3: 1121(خبط).

 2 - الرشاء: الحبل، والجمع: أرشية، الصحاح 6: 2357(رشا).

 3 - الأداوة: المطهرة، والجمع: الأداوى، وهي إناء صغير من جلد يتطهر به ويشرب. انظر: الصحاح 6: 2266(ادا).

 4 - القمي 2: 60.

 5 - المصدر: 140، عن أبي عبد الله عليه السلام، ذيل الاية: 31 من سورة القصص.

 6 - طب الأئمة: 56، عن أبي جعفر عليه السلام. وفيه:(من غير مرض).

 7 - السمرة: منزلة بين البياض والسواد، تكون في ألوان الناس والأبل وغيرها. تاج العروس 12: 71(سمر).

 8 - القمي 2: 140، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 758 ]

(قال رب اشرح لي صدري). (ويسر لي أمري). (واحلل عقدة من لساني). (يفقهوا قولي): (كان في لسانه رتة 1، من جمرة أدخلها فاه). كذا ورد 2 في قصة له مع فرعون في صباه. (واجعل لي وزيرا من أهلي). (هرون أخي) يعينني على ما كلفتني به. (أشدد به أزري): قوتي. (وأشركه في أمري). (كى نسبحك كثيرا). (ونذكرك كثيرا) فإن التهاون يهيج الرغبات ويؤدي إلى تكاثر الخيرات. (إنك كنت بنا بصيرا). (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى). (ولقد مننا): أنعمنا (عليك مرة أخرى). (إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى): ما لا يعلم إلا بالوحي. (أن اقذفيه) قال: (ضعيه) 3. (في التابوت فاقذفيه في اليم): ألقيه فيه، فإن القذف جاء بالمعنيين (فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له). تكرير عدو للمبالغة، أو لأن الأول باعتبار الواقع، والثاني باعتبار المتوقع (وألقيت عليك محبة مني). قيل: أي: أحببتك، أو محبة كائنة مني قد زرعتها في القلوب، بحيث لا يكاد يصبر

__________________________

1 - الرتة: العجمة والحكلة في اللسان. القاموس المحيط 1: 153(رتت).

 2 - القمي 2: 136، مجمع البيان 7 - 8: 8، عن أبي جعفر عليه السلام، تفسير البغوي 3: 216، في رواية.

 3 - القمي 2: 135، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 759 ]

عنك من رآك 1. قال: (وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه، وهو قوله تعالى " وألقيت عليك محبة مني ") 2. (ولتصنع على عيني): ولتربى ويحسن إليك، وأنا راعيك وراقبك. (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كى تقر عينها) بلقائك (ولا تحزن) هي بفراقك 3، أو أتت على فراقها، وفقد إشفاقها (وقتلت نفسا): نفس القبطي الذي استغاثة عليه الأسرائيلي، كما يأتي قصته في القصص 4. (فنجيناك من الغم): غم قتله (وفتناك فتونا): وابتليناك ابتلاء، أو 5 أنواعا من الابتلاء فتنة بعد فتنة. وذلك أنه ولد في عام كان يقتل فيه الولدان، وألقته أمه في البحر، وهم فرعون بقتله، ونال في سفره ما نال من الهجرة عن الوطن ومفارقة الألاف، والمشي راجلا على حذر، وفقد الزاد، وأجر نفسه عشر سنين، إلى غير ذلك. (فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر) قيل: أي: على مقدار من الزمان، يوحى فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة 6. وقيل: معناه: سبق في قدري وقضائي أن أكلمك في وقت بعينه، فجئت على ذلك القدر 7. (يا موسى). كرره ليكون تنبيها على أنه غاية الحكاية. (واصطنعتك لنفسي): واتخذتك صنيعتي وخالصتي، واصطفيتك لمحبتي ورسالتي وكلامي. (إذهب أنت وأخوك بآياتى): بمعجزاتى (ولا تنيا): ولا تفترا ولا تقصرا (في

__________________________

1 - البيضاوي 4: 21.

 2 - القمي 2: 135، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - في(ب):(وأنت).

 4 - ذيل الايات 15 إلى 21.

 5 - في(ب):(وأنواعا).

 6 و 7 - الكشاف 2: 537.(*)

[ 760 ]

ذكري): لا تنسياني حيث ما تقلبتما وقيل: في تبليغ ذكري والدعاء إلي 1. (إذهبا إلى فرعون إنه طغى). (فقولا له قولا لينا) مثل: " هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى " 2، فإنه دعوة في صورة عرض ومشورة، حذرا أن يحمله الحماقة على أن يسطو عليكما (لعله يتذكر أو يخشى). قال: (أما قوله: " فقولا له قولا لينا "، أي: ليناه وقولا له: يا أبا مصعب 3، وأما قوله: " لعله يتذكر أو يخشى " فإنما قال ذلك ليكون أحرص لموسى على الذهاب، وقد علم الله أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية البأس) 4. (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا): أن يعجل علينا بالعقوبة، ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة (أو أن يطغى) أن يزداد طغيانا، فيتخطى إلى أن يقول فيك مالا ينبغي، لجرأته وقساوته، وإطلاقه من حسن الأدب. (قال لا تخافا إنني معكما): بالحفظ والنصرة (أسمع وأرى) ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل، فأحدث في كل حال ما يصرف شره عنكما، ويوجب نصرتي لكما. (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل): أطلقهم (ولا تعذبهم) بالتكاليف الصعبة قد جئناك باية من ربك): بمعجزة وبرهان (والسلام على من اتبع الهدى): والسلامة من عذاب الله على المهتدين. (إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى): أن العذاب على المكذبين للرسل.

__________________________

1 - البيضاوي 4: 22.

 2 - النازعات(79): 18 و 19.

 3 - وكان اسم فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب. منه عليه السلام في المصدر.

 4 - علل الشرائع 1: 67، الباب: 56، الحديث: 1، عن موسى بن جعفر عليهما السلام، مع تفاوت يسير.(*)

[ 761 ]

(قال فمن ربكما يا موسى) أي: بعد ما أتياه، وقالا له ما أمرا به. (قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه): صورته وشكله الذي يوافق المنفعة المنوطة به (ثم هدى): عرفه كيف يرتفق بما أعطى. قال: (ليس شئ من خلق الله إلا وهو يعرف من شكله، الذكر من الأنثى. سئل: ما معنى " ثم هدى " ؟ قال: هداه للنكاح والسفاح 1 من شكله) 2. قيل: وهو جواب في غاية البلاغة، لاختصاره وإعرابه عن الموجودات بأسرها على مراتبها، ودلالته على أن الغني القادر بالذات، المنعم على الأطلاق هو الله تعالى، وأن جميع ما عداه مفتقر إليه، منعم عليه في ذاته وصفاته وأفعاله، ولذلك بهت الذي كفر، فلم ير إلا صرف الكلام عنه 3. (قال فما بال القرون الأولى): فما حالهم بعد موتهم، من السعادة والشقاوة ؟ (قال علمها عند ربي) يعني أنه غيب لا يعلمه إلا الله، وإنما أنا عبد مثلك لا أعلم منه إلا ما أخبرني به (في كتاب): مثبت في اللوح المحفوظ (لا يضل ربي ولا ينسى). الضلال: أن يخطئ الشئ في مكانه فلم يهتد إليه، والنسيان: أن يذهب بحيث لا يخطر بالبال. (الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماءا فأخرجنا به أزواجا): أصنافا (من نبات شتى). (كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لايات لاءولي النهى): لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح، جمع: نهية. قال: (نحن والله أولو النهى) 4.

__________________________

1 - السفاح، والتسافح، والمسافحة: الزنا والفجور. تاج العروس 6: 476(سفح).

 2 - الكافي 5: 567، الحديث: 49، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - البيضاوي 4: 23.

 4 - القمي 2: 61، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 762 ]

وورد: (إن خياركم أولو النهى. قيل: يا رسول الله ومن أولو النهى ؟ قال: هم أولو الأخلاق الحسنة، والأحلام الرزينة 1، وصلة الأرحام، والبررة 2 بالأمهات والاباء، والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى، ويطعمون الطعام، ويفشون السلام في العالم، ويصلون والناس نيام غافلون) 3. (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى). (ولقد أريناه اياتنا كلها فكذب وأبى). (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا): أرض مصر (بسحرك يا موسى). (فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى): منتصفا يستوي مسافته إلينا وإليك. (قال موعدكم يوم الزينة) وهو يوم عيد كان لهم في كل عام، وإنما خصه به ليظهر الحق ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد، ويشيع ذلك في الأقطار. (وأن يحشر الناس ضحى): واجتماع الناس في ضحى. (فتولى فرعون فجمع كيده): ما يكاد به من السحرة والاتهم (ثم أتى). (قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) بأن تدعو آياته سحرا (فيسحتكم بعذاب): فيهلككم ويستأصلكم (وقد خاب من افترى). (فتنازعوا أمرهم بينهم). قيل: أي: تنازعت السحرة في أمر موسى حين سمعوا كلامه، فقال بعضهم: ليس هذا من كلام السحرة 4. (وأسروا النجوى). قيل: كان نجواهم:

__________________________

1 - الأحلام: جمع حلم - بالكسر - بمعنى العقل أو الاناءة وعدم التسرع إلى الانتقام، وهو هنا أظهر. وفي القاموس: الرزين: الثقيل، وترزن في الشئ: توقر. مرآة العقول 9: 278.

 2 - في(ب):(والبرارة).

 3 - الكافي 2: 240، الحديث: 32، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - البيضاوي 4: 25.(*)

[ 763 ]

إن غلبنا موسى اتبعناه، أو إن كان ساحرا فسنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر 1. (قالوا إن هذان لساحران) وهي لغة فيه 2. (يريدان أن يخرجاكم من أرضكم) بالاستيلاء عليها (بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى): بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب. (فأجمعوا كيدكم): فأزمعوه 3 واجعلوه مجمعا عليه، لا يتخلف عنه واحد منكم (ثم ائتوا صفا): مصطفين، لأنه أهيب في صدور الرائين (وقد أفلح اليوم من استعلى). (قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى) أي: بعدما أتوا، مراعاة للأدب. (قال بل ألقوا) مقابلة أدب بأدب، وعدم مبالاة بسحرهم، ولأن يأتوا بأقصى وسعهم، ثم يظهر الله سلطانه، فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه. (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) أي: فألقوا فإذا. قيل: لطخوها بالزيبق، فلما ضربت عليها الشمس اضطربت، فخيل إليه أنها تتحرك 4. (فأوجس في نفسه خيفة موسى): فأضمر فيها خوفا. قال: (لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال) 5. (قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى). قال: اللهم إنى أسألك بحق محمد وآل

__________________________

1 - الكشاف 2: 543.

 2 - وقرأ أبو عمرو:(إن هذين) بتشديد(إن) ونصب(هذين). وقرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بتشديد(إن))، والالف في(هذان). وقرأ إبن كثير:(إن) مخففه(هذان) مشددة النون. وقرأ إبن عامر بتخفيف نون(إن) وتخفيف نون(هذان). التبيان 7: 182.

 3 - أزمعت على أمر: إذا ثبت عليه عزمك. وقال الفراء: أزمعته وأزمعت عليه: مثل: اجمعته واجمعت عليه. الصحاح 3: 1225(زمع).

 4 - البيضاوي 4: 25.

 5 - نهج البلاغة: 51، الخطبة: 4، وفيه:(بل اشفق).(*)

[ 764 ]

محمد لما آمنتني. فقال الله: " لا تخف ") 1. (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا): تبتلعه بقدرة الله تعالى (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى): حيث كان، وأين أقبل. (فألقي السحرة سجدا) أي: فألقى، فتلقف، فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر، وإنما هو من آيات الله ومعجزاته، فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا لله، توبة عما صنعوا، وتعظيما لما رأوا (قالوا امنا برب هرون وموسى). (قال امنتم له) أي: لموسى، بتضمين معنى الاتباع (قبل أن اذن لكم إنه لكبيركم): لعظيمكم في فنكم، وأعلمكم به وأستاذكم (الذي علمكم السحر) وأنتم تواطأتم على ما فعلتم (فلاءقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف): اليد اليمنى والرجل اليسرى (ولاصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا): أنا أو رب موسى (أشد عذابا وأبقى): أدوم عقابا. (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا). عطف على " ما جاءنا " أو قسم. (فاقض ما أنت قاض): ما أنت صانعه أو حاكمه (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا): إنما تصنع ما تهواه، أو تحكم بما تراه في هذه الدنيا، والاخرة خير وأبقى. (إنا امنا بربنا ليغفر لنا خطايانا) من الكفر والمعاصي (وما أكرهتنا عليه من السحر) في معارضة المعجزة. روي: (إنهم قالوا لفرعون: أرنا موسى نائما، فوجدوه يحرسه العصا ! فقالوا: ما هذا بسحر، فإن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى إلا أن يعارضوه) 2. (والله خير وأبقى). (إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها) فيستريح (ولا يحيى)

__________________________

1 - الاحتجاج 1: 55، عن عبد الله عليه السلام، من النبي صلى الله عليه وآله.

 2 - البيضاوى 4: 26، الكشاف 2: 546، جوامع الجوامع 2: 430.(*)

[ 765 ]

حياة مهناة (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى). (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى): من تطهر من أدناس الكفر والمعاصي. والايات الثلاث إما من كلام السحرة أو ابتداء كلام من الله. (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي) أي: من مصر (فاضرب): فاجعل (لهم طريقا في البحر يبسا): يابسا (لا تخاف دركا) آمنا من أن يدرككم العدو (ولا تخشى). (فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم): ما سمعت قصته، ولا يعرف كنهه إلا الله، فيه مبالغة ووجازة. (وأضل فرعون قومه وما هدى). روي: (إنه لما انتهى إلى البحر فرآه قد يبس، فقال لقومه: ترون البحر قد يبس من فرقي فصدقوه، فقال: " أنا ربكم الاءعلى " 1. فذلك قوله تعالى " وأضل فرعون قومه وما هدى ") 2. (يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم): فرعون وقومه (وواعدناكم جانب الطور الأيمن) لمناجاة موسى، وإنزال التوارة عليه (ونزلنا عليكم المن والسلوى) يعنى في التيه، كما مر 3. (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه) بالأخلال بشكره، والتعدي لما حد الله لكم فيه كالسرف والبطر والمنع عن المستحق (فيحل عليكم غضبى): فيلزمكم

__________________________

1 - النازعات(79): 24.

 2 - سعد السعود: 218، عن تفسير الكلبي.

 3 - ذيل الاية: 57، من سورة البقرة.(*)

[ 766 ]

عذابي، ويجب لكم. قال: (هو العقاب، إن الله لا يستفزه 1 شئ ولا يغيره) 2. (ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى): فقد تردى وهلك. (وإني لغفار لمن تاب) عن الشرك (وامن) بما يجب الأيمان به (وعمل صالحا ثم اهتدى) قال: (ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت) في أخبار كثيرة 3. قال: (فوالله لو أن رجلا عبد الله عمره ما بين الركن والمقام، ثم مات ولم يجئ بولايتنا، لأكبه الله في النار على وجهه) 4. (وما أعجلك عن قومك يا موسى). (قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى). قال: (ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه، أربعين يوما، شوقا إلى ربه) 5. (قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك): ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم (وأضلهم السامري) باتخاذ العجل، والدعاء إلى عبادته. (فرجع موسى إلى قومه) بعد استيفاء الأربعين، وأخذ التوارة (غضبان) عليهم (أسفا): حزينا بما فعلوه (قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا) بأن يعطيكم التوارة فيها هدى ونور (أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم) بعبادة ما هو مثل في الغباوة (فاخلفتم موعدى): وعدكم إياى بالثبات على الايمان بالله والهدى، والقيام على ما أمرتكم به.

__________________________

1 - لا يستفزه: لا يستخفه. مجمع البحرين 4: 30(فزز).

 2 - التوحيد: 168، الباب: 26، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - الكافي 1: 392، الحديث: 3، الأمالي(للصدوق): 400، الحديث: 13، القمي 2: 61، مجمع البيان 7 - 8: 23، عن أبي جعفر عليه السلام، المحاسن 1: 142، الحديث: 35، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 4 - العياشي 1: 259، الحديث: 202، مجمع البيان 7 - 8: 23، عن أبي جعفر عليه السلام، عقاب الأعمال: 250، الحديث: 15 و 16، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 5 - مصباح الشريعة: 196، الباب: 94، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله.(*)

[ 767 ]

(قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا): بأن ملكنا أمرنا، أي: لو خلينا وأمرنا، ولم يسول لنا السامري، لما أخلفنا. (ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم): احمالا من حلي القبط (فقذفناها) أي: في النار (فكذلك ألقى السامري) أي: ما كان معه منها. (فأخرج لهم عجلا جسدا) من تلك الحلي المذابة (له خوار): صوت العجل (فقالوا) يعني السامري ومن افتتن به أول ما رآه (هذا إلهكم وإله موسى فنسى) قيل: يعنى فنسيه موسى وذهب يطلبه عند الطور، أو فنسى السامري، أي: ترك ما كان عليه من إظهار الأيمان 1. (أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا). (ولقد قال لهم هرون من قبل): من قبل رجوع موسى (يا قوم إنما فتنتم به): بالعجل (وإن ربكم الرحمن) لا غير (فاتبعوني وأطيعوا أمري) في الثبات على الدين. (قالوا لن نبرح عليه): على العجل (عاكفين): مقيمين (حتى يرجع إلينا موسى). القمي: فهموا بهارون فهرب منهم 2، وبقوا في ذلك، حتى تم ميقات موسى 3. (قال يا هرون) أي: قال له موسى لما رجع (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا). (ألا تتبعن) أي: تأتي عقبي وتلحقني، و (لا) مزيدة، كما في قوله " ما منعك ألا تسجد " 4. (أفعصيت أمري) بالصلابة في الدين والمحاماة عليه. (قال يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل) قال: (يعني لو فعلت ذلك لتفرقوا) 5. (ولم ترقب قولي) حين قلت: " أخلفني في

__________________________

1 - البيضاوي 4: 28، الكشاف 2: 550.

 2 - في المصدر:(حتى هرب من بينهم).

 3 - القمي 2: 62.

 4 - الأعراف(7): 12.

 5 - علل الشرائع 1: 68، الباب: 58، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 768 ]

قومي وأصلح " 1، فإن الأصلاح في حفظهم، والمداراة بينهم إلى أن ترجع إليهم فتدارك الأمر. (قال فما خطبك يا سامرى) أي: ثم أقبل عليه وقال له منكرا: ما طلبك له، وما الذي حملك عليه ؟ ! (قال بصرت بما لم يبصروا به): علمت ما لم يعلموا، وفطنت لما 2 لم يفطنوا له، وهو أن الرسول الذي جاءك روحاني محض، لا يمس أثره شيئا إلا أحياه.. (قبضت قبضة من أثر الرسول) القمي: يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر 3. [ والرمك والرمكة: الأنثى من البراذين 4 ] 5. (فنبذتها) يعني أمسكتها فنبذتها في جوف العجل، وقد مضت هذه القصة في سورة البقرة 6، ثم في سورة الأعراف 7. (وكذلك سولت لي نفسي): زينت. (قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس) خوفا أن يمسك أحد فيأخذك الحمى، ومن مسك فتحامي الناس ويحاموك، وتكون طريدا وحيدا، كالوحشي النافر. القمي: يعني ما دمت حيا وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة، حتى تعرفوا 8 أنكم سامرية، فلا يغتر بكم الناس، فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفين ب‍ (لا مساس) 9. ورد: إن موسى هم بقتل السامري، فأوحى الله إليه: لا تقتله يا موسى، فإنه سخي) 10.

__________________________

1 - الأعراف(7): 142.

 2 - في(ألف):(بما).

 3 - القمي 2: 61.

 4 - جمع، مفرده: برذونة.

 5 - ما بين المعقوفتين من(ب).

 6 - ذيل الاية: 92 - 93.

 7 - ذيل الايات: 148 إلى 155.

 8 - في(ب) و(ج):(حتى يعرفوا).

 9 - القمي 2: 63.

 10 - مجمع البيان 7 - 8: 29، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 769 ]

(وإن لك موعدا) في الاخرة (لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا): ظللت 1 على عبادته مقيما. حذف اللام تخفيفا. (لنحرقنه) بالنار أو بالمبرد، والتشديد للمبالغة في حرق إذا برد بالمبرد. وفي قراءة علي عليه السلام فتح النون 2. وقد سبق ذكر وقوع الأمرين 3. (ثم لننسفنه): لنذرينه رمادا 4 أو مبرودا (في اليم نسفا). (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شئ علما). (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد اتيناك من لدنا ذكرا). (من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا): عقوبة ثقيلة فادحة 5 على كفره وذنوبه. (خالدين فيه): في الوزر (وساء لهم يوم القيامة حملا). (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا). قيل: يعني زرق العيون، لأن الزرقة 6 أسوء ألوان العين وأبغضها عند العرب 7. وقيل: أي: عميا، فإن حدقة الأعمى تزراق 8. وقيل: عطاشا يظهر في أعينهم كالزرقة 9. القمي: تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون أن يطرفوها 10. (يتخافتون بينهم) يخفضون أصواتهم لما يملا صدورهم من الرعب والهول (إن

__________________________

1 - في(ب):(ظلت).

 2 - التبيان 7: 205، جوامع الجامع 2: 435.

 3 - ذيل الاية: 93، من سورة البقرة.

 4 - الرماد: دقاق الفحم من حراقة النار، وما هبا من الجمر فطار دقاقا، لسان العرب 3: 185(رمد).

 5 - أي: صعبة، ثقيلة. والفدح: إثقال الأمر، لسان العرب 2: 540(فدح).

 6 - الزرقة: خضرة في سواد العين، وقيل: هو أن يتغشى سوادها بياض. لسان العرب 10: 138(زرق).

 7 - الكشاف 2: 553، البيضاوي 4: 30.

 8 - البيضاوي 4: 30.

 9 - مجمع البيان 7 - 8: 29.

 10 - القمي 2: 64.(*)

[ 770 ]

لبثتم إلا عشرا). يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا - أو في القبر - لزوالها. (نحن أعلم بما يقولون) أي: بمدة لبثهم. (إذ يقول أمثلهم طريقة): أعد لهم. القمي: أعلمهم وأصلحهم 1. (إن لبثتم إلا يوما). (ويسألونك عن الجبال): عن مآل أمرها (فقل ينسفها ربي نسفا). قال: (يسوقها بأن يجعلها كالرمال، ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها) 2 (فيذرها): فيذر الأرض (قاعا): خاليا (صفصفا): مستويا كأن أجزاءها على صف واحد. القمي: القاع: الذي لا تراب فيه، والصفصف: الذي لا نبات له 3. (لا ترى فيها عوجا): اعوجاجا (ولا أمتا) ولا نتوا 4. (يومئذ يتبعون الداعي): داعي الله إلى المحشر (لا عوج له): لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا): صوتا خفيا لمهابته. قال: (جمع الله الناس في صعيد واحد حفاة عراة، فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا، وتشتد أنفاسهم، فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاما، وهو قول الله عزوجل " وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا " 5. (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا): إلا شفاعة من أذن له، أو إلا من أذن في أن يشفع له، ورضي لأجله قول الشافع، أو قوله في شأنه. (يعلم ما بين أيديهم): ما تقدمهم من الأحوال (وما خلفهم): وما بعدهم مما يستقبلونه (ولا يحيطون به علما).

__________________________

1 - القمي 2: 64.

 2 - مجمع البيان 7 - 8: 29، عن النبي صلى الله عليه وآله.

 3 - القمي 2: 67.

 4 - نتا عضوه ينتو نتوا: ورم. القاموس المحيط 4: 395(نتو).

 5 - القمي 2: 64، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 771 ]

قال: (لا يحيط الخلايق بالله عزوجل علما، إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء، فلا فهم يناله بالكيف، ولا قلب يثبته بالحد 1، فلا تصفه إلا كما وصف نفسه " ليس كمثله شئ وهو السميع البصير " 2 " الأول والاخر والظاهر والباطن " 3 " الخالق البارئ المصور " 4 خلق الأشياء، فليس من الأشياء شئ مثله، تبارك وتعالى) 5. (وعنت الوجوه للحى القيوم): ذلت وخضعت له خضوع العناة، وهم الأسارى في يد الملك القهار (وقد خاب من حمل ظلما). (ومن يعمل من الصالحات بعضها وهو مؤمن فلا يخاف ظلما): منع ثواب مستحق بالوعد (ولا هضما): ولا كسرا منه بنقصان. قال: (لا ينقص من عمله شئ، قال: وأما ظلما: يقول: لن يذهب به) 6. (وكذلك أنزلناه قرانا عربيا): كله على هذه الوتيرة وصرفنا فيه من الوعيد): مكررين فيه آيات الوعيد (لعلهم يتقون) المعاصي، فيصير التقوى لهم ملكة (أو يحدث لهم ذكرا): عظة واعتبارا حين يسمعونها، فيثبطهم عنها، ولهذه النكتة أسند التقوى إليهم، والأحداث إلى القرآن. (فتعالى الله الملك الحق) عن مماثلة المخلوقين. (ولا تعجل بالقران من قبل أن يقضى إليك وحيه). القمي: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل نزول تمام الاية، والمعنى فأنزل الله 7. (وقل رب زدني علما): سل الله زيادة العلم بدل

__________________________

1 - في المصدر:(بالحدود).

 2 - الشورى(42): 11.

 3 - الحديد(57): 3.

 4 - الحشر(59): 24.

 5 - التوحيد: 263، الباب: 36، ذيل الحديث الطويل: 5، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 6 - القمي 2: 67، عن أبي جعفر عليه السلام.

 7 - القمي 2: 65.(*)

[ 772 ]

الاستعجال، فإن ما أوحي إليك تناله لا محالة. قال: (إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله، فلا بارك الله لي في طلوع شمسه) 1. (ولقد عهدنا إلى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما). قال: (إن الله عهد إلى آدم أن لا يقرب هذه الشجرة، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها نسي فأكل منها) 2. وفي رواية: (فقالا: نعم يا ربنا لا نقربها ولا نأكل منها، ولم يستثنيا في قولهما: نعم، فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما) 3. وفي أخرى: (عهد إليه في محمد والأئمة من بعده، فترك ولم يكن له عزم فيهم إنهم هكذا) 4. أقول: الاعتماد على الرواية الأخيرة، لعدم جواز المؤاخذة على النسيان، ولأن آدم لم ينس النهي. وقد ورد إنه سئل: كيف أخذ الله آدم على النسيان ؟ فقال: (إنه لم ينس، وكيف ينسى ! وهو يذكره، ويقول له إبليس: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) 5) 6. ويجوز أن يكون المنسي عزيمة النهي، بحيث لا يقبل التأويل، وغير المنسي أصل النهي. (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى).

__________________________

1 - مجمع البيان 7 - 8: 32، عن النبي صلى الله عليه وآله.

 2 - الكافي 8: 113، الحديث: 92، كمال الدين 1: 213، الباب: 22، الحديث: 2، عن أبي جعفر عليه السلام.

 3 - الكافي 7: 448، الحديث: 2، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - الكافي 1: 416، الحديث: 22، علل الشرائع 1: 122، الباب: 101، الحديث: 1، بصائر الدرجات: 70، الباب: 7، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.

 5 - الأعراف(7): 20.

 6 - العياشي 2: 9، الحديث: 9، عن أحدهما عليهما السلام.(*)

[ 773 ]

(فقلنا يا ادم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى). (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى). (وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى). (فوسوس إليه الشيطان قال يا ادم هل أدلك على شجرة الخلد): الشجرة التي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا (وملك لا يبلى): لا يزول ولا يضعف. (فأكلا منها فبدت لهما سواتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة): أخذ يلزقان الورق على سوآتهما للتستر (وعصى ادم ربه) بالأكل من الشجرة (فغوى): فضل عن المطلوب وخاب، حيث طلب الخلد بأكلها. (ثم اجتباه ربه): اصطفاه وقربه، بالحمل على التوبة والتوفيق له (فتاب عليه وهدى). (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداى فلا يضل) في الدنيا (ولا يشقى) في الاخرة. (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا): ضيقا. قال: (هي والله للنصاب في الرجعة، يأكلون العذرة) 1. (ونحشره يوم القيامة أعمى). (قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا). (قال كذلك) أي: مثل ذلك فعلت، ثم فسره (أتتك اياتنا فنسيتها): فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها (وكذلك): ومثل تركك إياها (اليوم تنسى): تترك في العمى والعذاب. وورد: (إن الذكر: ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، والعمى: عمى البصر في الاخرة وعمى القلب في الدنيا عن ولايته، والايات: الأئمة، فنسيتها يعني تركتها وكذلك اليوم تترك في

__________________________

1 - القمي 2: 65، عن أبي عبد الله على السلام.(*)

[ 774 ]

النار، كما تركت الأئمة فلم تطع أمرهم) 1. (وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بايات ربه ولعذاب الاخرة أشد وأبقى) من ضنك العيش ومن العمى. (أفلم يهد لهم) يبين لهم (كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم) ويشاهدون آثار هلاكهم (إن في ذلك لايات لاءولي النهى): لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي. (ولولا كلمة سبقت من ربك) وهي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الاخرة (لكان لزاما): لكان مثل ما نزل بعاد وثمود لازما لهذه الكفرة (وأجل مسمى). عطف على (كلمة) أي: ولولا العدة بتأخير العذاب، وأجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم، لكان العذاب لزاما، والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب. (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن اناء الليل): ساعاته (فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) طمعا أن تنال عند الله ما به ترض. سئل عن هذه الاية ؟ فقال: (فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس وقبل غروبها عشر مرات: لا إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير) 2. وقال: (وأطراف النهار) يعني تطوع بالنهار) 3. (ولا تمدن عينيك) أي نظرهما (إلى ما متعنا به أزواجا منهم): أصنافا من الكفرة (زهرة الحياة الدنيا): زينتها وبهجتها (لنفتنهم فيه): لنبلوهم ونختبرهم فيه أو لنعذبهم في الاخرة بسببه (ورزق ربك خير وأبقى) أي: الهدى والنبوة، فإنه لا ينقطع.

__________________________

1 - الكافي 1: 435، الحديث: 92، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - الخصال 2: 452، الحديث: 58، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 3 - الكافي 3: 444، الحديث: 111، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 775 ]

قال: (لما نزلت هذه الاية استوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا، ثم قال: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس طال همه ولم يشف غيظه، ومن لم يعرف أن لله عليه نعمة إلا في مطعم ومشرب قصر أجله ودنا عذابه) 1. (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها): وداوم عليها (لا نسألك رزقا): أن ترزق نفسك وأهلك (نحن نرزقك) وإياهم، ففرغ بالك للاخرة (والعاقبة) المحمودة (للتقوى): لذوي التقوى. قال: (أمر الله نبيه أن يخص أهل بيته و [ هم ] 2 أهله دون الناس، ليعلم الناس أن لأهله عند الله منزلة ليست لغيرهم، فأمرهم مع الناس عامة، ثم أمرهم خاصة) 3. وورد: (فكان يجئ إلى باب علي وفاطمة عند حضور كل صلاة، فيقول: الصلاة رحمكم الله، حتى فارق الدنيا) 4. (وقالوا لولا يأتينا باية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى) فإن القرآن مشتمل على زبدة ما فيها من العقايد والأحكام الكلية. (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله): من قبل محمد صلى الله عليه وآله (لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع اياتك من قبل أن نذل) بالقتل والسبي في الدنيا (ونخزى) بدخول النار في الاخرة. (قل كل متربص): كل واحد منا ومنكم منتظر لما يؤول إليه أمره (فتربصوا) فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى).

__________________________

1 - القمي 2: 66، عن أبي عبد الله عليه السلام.

 2 - ما بين المعقوفتين لم ترد في(ألف) والمصدر.

 3 - عوالي اللئالي 2: 22، الحديث: 49، عن أبي جعفر عليه السلام.

 4 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1، 240: الباب: 23، القمي 2: 67.(*)

[ 776 ]

قال: (سئل في حديث: فمن الولي يا رسول الله ؟ قال: وليكم في هذا 1 الزمان أنا، ومن بعدي وصيي، ومن بعد وصيي لكل زمان حجج الله، لكيلا تقولون كما قال الضلال من قبلكم فارقهم نبيهم: (ربنا لولا أرسلت) الاية وإنما كان تمام ضلالتهم جهالتهم بالايات، وهم الأوصياء، فأجابهم الله: (قل كل متربص) الاية، وإنما كان تربصهم أن قالوا: نحن في سعة من معرفة الأوصياء، حتى يعلن إمام علمه) 2.

__________________________

1 - في(ألف):(هذه).

 2 - كشف المحجة(لابن طاووس): 190، عن أمير المؤمنين عليه السلام.(*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335872

  • التاريخ : 28/03/2024 - 18:36

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net