00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة المؤمنون 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الثاني)   ||   تأليف : المولى محمد حسين الفيض الكاشاني

[ 818 ]

سورة المؤمنون [ وهي مائة وثماني عشر آية ] (1)

بسم الله الرحمن الرحيم قد أفلح المؤمنون قال: (المسلمون، إن المسلمين هم النجباء) (2). الذين هم في صلاتهم خاشعون (بغض البصر والأقبال على الصلاة). كذا ورد (3). والذين هم عن اللغو معرضون قال: (عن الغناء والملاهي) (4). وورد: (كل قول ليس فيه ذكر فهو لغو) (5). والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون.

__________________________

(1) - مابين المعقوفتين من(ب).

(2) - الكافي 1: 391، الحديث: 5، بصائر الدرجات: 520، الباب: 20، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام. وفي الكافي و(ج):(المسلمون، إن المسلمين هم النجباء) بالتشديد.

(3) - القمي 2: 88، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(4) - مجمع البيان 7 - 8: 99، القمي 2: 88.

(5) - الأرشاد(للمفيد): 157، عن أمير المؤمنين عليه السلام.(*)

[ 819 ]

إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلواتهم يحافظون القمي: على أوقاتها وحدودها (1). ورد: (هي الفريضة، وعلى صلواتهم دائمون، هي النافلة) (2). أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون قال: (ما منكم من أحد إلا وله منزلان، منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله) (3). ولقد خلقنا الأنسان من سلالة من طين. القمي: السلالة: الصفوة من الطعام والشراب الذي يصير نطفة (4). ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما. سبق تفسيرها (5). ثم أنشأناه خلقا اخر قال: (هو نفخ الروح فيه) (فتبارك الله أحسن الخالقين. قال: (أخبر أن في عباده خالقين [ وغير خالقين ] (7) منهم عيسى بن مريم، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار) (8). ثم إنكم بعد ذلك لميتون.

__________________________

(1) - القمي: 2: 89.

(2) - الكافي 3: 270، الحديث: 12، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 65، الباب: 31، الحديث: 288، عن أمير المؤمنين عليه السلام، مجمع البيان 7 - 8: 99، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(4) - القمي 2: 89.

(5) - ذيل الاية: 5 من سورة الحج.

(6) - القمي 2: 91، عن أبي جعفر عليه السلام.

(7) - مابين المعقوفتين لم ترد في المصدر.

(8) - التوحيد: 63، الباب: 2، ذيل الحديث الطويل: 18، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.(*)

[ 820 ]

ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق: سبع سماوات. قيل: سماها طرائق، لأنها طورق بعضها فوق بعض مطارقة النعل، وكل ما فوقه مثله فهو طريقة (1). وما كنا عن الخلق غافلين. وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض قال: (فهي الأنهار والعيون والابار) (2). وإنا على ذهاب به لقادرون. فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة تتفكهون بها ومنها تأكلون تغذيا. وشجرة تخرج من طور سيناء القمي: شجرة الزيتون (3). تنبت بالدهن وصبغ للاكلين أي: تنبت بالشئ الجامع بين كونه دهنا يدهن به ويسرج منه، وكونه إداما يصبغ فيه الخبز، أي: يغمس فيه للائتدام. وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها من الألبان ولكم فيها منافع كثيرة في ظهورها وأصوافها وشعورها ومنها تأكلون. وعليها وعلى الفلك تحملون في البر والبحر. ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون. فقال الملاء: الأشراف الذين كفروا من قومه لعوامهم: ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله أن يرسل رسولا لانزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين أي: التوحيد الذي يدعونا إليه.

__________________________

(1) - البيضاوي 4: 63، الكشاف 3: 28.

(2) - القمي 2: 91، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - القمي 2: 91.(*)

[ 821 ]

إن هو إلا رجل به جنة: جنون فتربصوا به حتى حين لعله يفيق من جنونه. قال رب انصرني عليهم بإهلاكهم بما كذبون: بسبب تكذيبهم إياي. فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا: بحفظنا، أن تخطئ فيه، أو يفسد عليك مفسد ووحينا: وأمرنا وتعليمنا كيف تصنع فإذا جاء أمرنا بنزول العذاب وفار التنور فاسلك فيها: فادخل فيها من كل زوجين اثنين: الذكر والأنثى وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم بإهلاكه لكفره ولا تخاطبني في الذين ظلموا بالدعاء بالأنجاء إنهم مغرقون. فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين. قد سبق تمام القصة في سورة هود (1). إن في ذلك لايات وإن كنا لمبتلين: وإنه كنا لممتحنين عبادنا بهذه الايات. ورد: (إن الله قد أعاذكم من أن يجور عليكم، ولم يعذكم من أن يبتليكم، ثم تلا هذه الاية) (2). ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين هم عاد أو ثمود. فأرسلنا فيهم رسولا منهم هو هود أو صالح أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون. وقال الملاء من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الاخرة وأترفناهم: ونعمناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون.

__________________________

(1) - ذيل الايات: 30 إلى 45.

(2) - نهج البلاغة: 150، الخطبة: 103.(*)

[ 822 ]

ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون حيث أذللتم أنفسكم. أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون من الأجداث. هيهات هيهات: بعد لما توعدون. اللام للبيان، كما في هيت لك. إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا: يموت بعضنا ويولد بعض وما نحن بمبعوثين. إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين. قال رب انصرني بما كذبون. قال عما قليل ليصبحن نادمين. فأخذتهم الصيحة بالحق: صيحة جبرئيل، صاح عليهم صيحة هائلة، تصدعت منها قلوبهم فماتوا فجعلناهم غثاء. قال: (الغثاء: اليابس الهامد (1) من نبات الأرض) (2). فبعدا للقوم الظالمين. يحتمل الأخبار والدعاء. ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين. ما تسبق من أمة أجلها: الوقت الذي قدر لهلاكها وما يستأخرون الأجل. ثم أرسلنا رسلنا تترا: متواترين واحدا بعد واحد كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا في الهلاك وجعلناهم أحاديث: لم يبق منهم إلا حكايات يسمر بها فبعدا لقوم لا يؤمنون. ثم أرسلنا موسى وأخاه هرون باياتنا وسلطان مبين. إلى فرعون وملاءه فاستكبروا وكانوا قوما عالين: متكبرين. فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون.

__________________________

(1) - الهامد: الميت، والهمود: الموت، وفي الأرض أن لا يكون بها حياة ولا عود ولا نبت ولا مطر. القاموس المحيط 1: 361(همد).

(2) - القمي 2: 91، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 823 ]

فكذبوهما فكانوا من المهلكين. ولقد اتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون. وجعلنا ابن مريم وأمه اية بولادتها إياه من غير مسيس وآويناهما إلى ربوة: إلى مكان مرتفع ذات قرار: صالحة للاستقرار ومعين: ماء ظاهر جار على وجه الأرض. قال: (الربوة: نجف الكوفة، والمعين: الفرات) (1). وفي رواية: (الربوه: حيرة الكوفة وسوادها، والقرار: مسجد الكوفة، والمعين: الفرات) (2). يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم. وإن هذه أمتكم أمة واحدة القمي: على مذهب واحد (3). وأنا ربكم فاتقون في شق العصا ومخالفة الكلمة. فتقطعوا أمرهم بينهم: فتحزبوا وافترقوا، وجعلوا دينهم أديانا متفرقة. زبرا، قطعا كل حزب من المتحزبين بما لديهم من الدين فرحون: معجبون، معتقدون أنهم على الحق. القمي: كل من اختار لنفسه دينا فهو فرح به (4). فذرهم في غمرتهم: في جهالتهم. شبهها بالماء الذي يغمر القامة. حتى حين: إلى أن يقتلوا أو يموتوا. أيحسبون أنما نمدهم به ما نعطيهم ونجعله مددا لهم من مال وبنين. نسارع لهم في الخيرات: ما فيه خيرهم وإكرامهم بل لا يشعرون أن ذلك

__________________________

(1) - التهذيب 6: 38، الحديث: 79، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - مجمع البيان 7 - 8: 108، جوامع الجامع: 307، عن الباقر والصادق عليهما السلام.

(3) - القمي 2: 91.

(4) - القمي 2: 91.(*)

[ 824 ]

استدراج. ورد: (إن الله تعالى يقول: يحزن عبدي المؤمن إذا اقترت عليه شيئا من الدنيا، وذلك أقرب له مني، ويفرح إذا بسطت له الدنيا، وذلك أبعد له مني ثم تلا هذه الاية، ثم قال: إن ذلك فتنة لهم) (1). إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون: من خوف عذابه حذرون. والذين هم بايات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون شركا جليا ولا خفيا. والذين يؤتون ما اتوا: يعطون ما أعطوه من العبادة والطاعة والصدقات. وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون لأن مرجعهم إليه، أو من أن مرجعهم إليه، وهو يعلم ما يخفى عليهم. قال: (قلوبهم وجلة، معناه: خائفة أن لا يقبل منهم) (2). وقال: (هي إشفاقهم (3) ورجاؤهم، يخافون أن ترد عليهم أعمالهم إن لم يطيعوا الله عز ذكره، ويرجون أن تقبل منهم) (4). وقال: (يؤتي ما آتى وهو خائف راج) (5). وفي رواية: (آتوا والله الطاعة (6) مع المحبة والولاية، وهم في ذلك خائفون، ليس خوفهم خوف شك، ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا) (7).

__________________________

(1) - مجمع البيان 7 - 8: 110، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

(2) - المصدر، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - في المصدر:(شفاعتهم). لعل المراد دعاؤهم وتضرعهم كأنهم شفعوا لأنفسهم أو طلب الشفاعة من غيرهم أو تضاعف حسناتهم، ولعله تصحيف شفقتهم.

(4) - الكافي 8: 229، الحديث: 294، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - مجمع البيان 7 - 8: 110، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(6) - في المصدر:(آتوا والله مع الطاعة المحبة والولاية).

(7) - الكافي 2: 457، الحديث: 15، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 825 ]

أولئك يسارعون في الخيرات: يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرون بها وهم لها سابقون. قال: (هو علي بن أبي طالب عليه السلام لم يسبقه أحد) (1). ولا نكلف نفسا إلا وسعها: دون طاقتها، يريد به التحريض (2) على ما وصف به الصالحون، وتسهيله على النفوس. ولدينا كتاب هو صحيفة الأعمال ينطق بالحق: بالصدق، لا يوجد فيه ما يخالف الواقع وهم لا يظلمون بزيادة عقاب أو نقصان ثواب. بل قلوبهم: قلوب الكفرة في غمرة من هذا: في غفلة غامرة. القمي: يعني من القرآن (3). ولهم أعمال خبيثة من دون ذلك: سوى ما هم عليه من الشرك هم لها عاملون: معتادون فعلها. حتى إذا أخذنا مترفيهم: متنعميهم. القمي: يعني كبراءهم (4). بالعذاب. قيل: هو قتلهم يوم بدر، أو الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر (5)، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، فابتلاهم بالقحط، حتى أكلوا الجيف والكلاب، والعظام المحترقة والقد (6) والأولاد (7). إذا هم يجأرون: فاجؤوا الصراخ بالاستغاثة.

__________________________

(1) - القمي 2: 92، عن أبي جعفر عليه السلام.

(2) - في(ج):(التحريص)، وهي بمعناها.

(3 و 4) - القمي 2: 92.

(5) - قبيلة منسوبة إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان ويقال له(مضر الحمراء)، ولأخيه(ربيعة الفرس)، لأنهما لما اقتسما الميراث أعطي(مضر) الذهب، وهي تؤنث، وأعطي(ربيعة) الخيل. مجمع البحرين 3: 482، قاموس المحيط 2: 139(مضر).

(6) - في جميع النسخ(القدد) والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. والقد - بالكسر -: سير يقد من جلد غير مدبوغ. والجمع: أقد. الصحاح 2: 522(قدد).

(7) - جوامع الجامع: 308، الكشاف 3: 36، البيضاوي 4: 68.(*)

[ 826 ]

لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون. قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون: تعرضون مدبرين. والنكوص: الرجوع القهقري (1). مستكبرين به قيل: أي: بالقرآن، ضمن الاستكبار معنى التكذيب (2). سامرا رضى الله عنه عليه السلام (2) - أي: يسمرون (3) بذكر القرآن والطعن فيه تهجرون. إما من الهجر بمعنى القطيعة أو الهذيان، أي: تعرضون عن القرآن أو تهذون في شأنه، وإما من الهجر بالضم بمعنى الفحش. أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت اباءهم الأولين من الرسول والكتاب. أم لم يعرفوا رسولهم بالأمانة والصدق وحسن الخلق وكمال العلم مع عدم التعلم، إلى غير ذلك مما هو صفة الأنبياء عليهم السلام فهم له منكرون. أم يقولون به جنة مع أنهم يعلمون أنه أرجحهم عقلا وأثبتهم نظرا بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون لأنه يخالف شهواتهم وأهواءهم، فلذلك أنكروه قيل: إنما قيد الحكم بالأكثر لأنه كان منهم من ترك الأيمان استنكافا من توبيخ قومه، أو لقلة فطنته وعدم فكرته، لا لكراهة الحق (4). ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن: لذهب ما قام به العالم، فلا يبقى. القمي: فساد السماء إذا لم تمطر، وفساد الأرض إذا لم تنبت

__________________________

(1) - في(ألف) و(ج):(قهقري).

(2) - الكشاف 3: 36.

(3) سمر يسمر: لم ينم، والسمر: المسامرة، وهو الحديث بالليل. لسان العرب 4: 376(سمر).

(4) - البيضاوي 4: 69.(*)

[ 827 ]

وفساد الناس في ذلك (1). بل أتيناهم بذكرهم: بوعظهم، أو بصيتهم وفخرهم، أو الذكر الذي تمنوه بقولهم: (لو أن عندنا ذكرا من الاءولين) (2). فهم عن ذكرهم معرضون. أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير قال: (يقول: أم تسألهم أجرا فأجر ربك خير) (3). وهو خير الرازقين. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم القمي: إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام (4). وإن الذين لا يؤمنون بالاخرة عن الصراط لناكبون: لعادلون عنه، فإن خوف الاخرة أقوى البواعث على طلب الحق وسلوك طريقه. القمي: عن الأمام لحادون (5). وورد (إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف العباد نفسه، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا، أو فضل علينا غيرنا فإنهم عن الصراط لناكبون) (6). ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر أي: القحط للجوا في طغيانهم: لتمادوا في إفراطهم في الكفر، والاستكبار عن الحق، وعداوة الرسول والمؤمنين. يعمهون عن الهدى. روي: (إنهم قحطوا حتى أكلوا العلهز (7)، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أنشدك الله والرحم، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين، قتلت الاباء بالسيف والابناء

__________________________

(1) - القمي 2: 92.

(2) - الصافات(37): 168.

(3) - القمي 2: 94، عن أبي جعفر عليه السلام.

(4) - المصدر: 92.

(5) - القمي 2: 93، وصوابه:(لحائدون).

(6) - الكافي 1: 184، الحديث: 9، عن أبي عبد الله، عن أمير المؤمنين عليهما السلام.

(7) - العلهز - بالكسر - طعام كانوا يتخذونه من الدم ووبر البعير في سني المجاعة. الصحاح 3: 887(علهز).(*)

[ 828 ]

بالجوع، فنزلت) (1). ولقد أخذناهم بالعذاب. القمي: هو الجوع والخوف والقتل (2). فما استكانوا لربهم وما يتضرعون بل أقاموا على عتوهم. قال: (الاستكانة هي الخضوع، والتضرع: رفع اليدين والتضرع بهما) (3). وفي رواية: (الاستكانة: الدعاء، والتضرع: رفع اليدين في الصلاة) (4). حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد. قال: (وذلك حين دعا النبي صلى الله عليه وآله عليه وآله عليهم فقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فجاعوا حتى اكلوا العلهز وهو الوبر بالدم) (5). وفي رواية: (هو في الرجعة) (6). إذا هم فيه مبلسون: متحيرون، آيسون من كل خير. وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار لتحسوا بها ما نصب من الايات والأفئدة لتتفكروا فيها، وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع قليلا ما تشكرون: تشكرونها شكرا قليلا، لأن العمدة في شكرها استعمالها فيما خلقت لأجلها، والأذعان لمنعمها من غير إشراك. وهو الذي ذرأكم في الأرض: خلقكم وبثكم فيها بالتناسل وإليه تحشرون: تجمعون بعد تفرقتكم. وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بالنظر

__________________________

(1) - جوامع الجامع: 309.

(2) - القمي 2: 94.

(3) - الكافي 2: 480، الحديث: 2، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه:(الاستكانة هو الخضوع، والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما).

(4) - مجمع البيان 7 - 8: 113، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - المصدر: 114، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(6) - المصدر، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 829 ]

والتأمل أن الكل منا، وأن قدرتنا تعم كل شئ. بل قالوا مثل ما قال الأولون. قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون استبعادا، ولم يتأملوا أنهم كانوا قبل ذلك أيضا ترابا فخلقوا. لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين: إلا أكاذيبهم التي كتبوها. قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون. سيقولون لله لأن العقل الصريح اضطرهم بأدنى نظر بأنه خالقها قل أفلا تذكرون فتعلموا أن من فطر الأرض ومن فيها (1) ابتداء، قدر على إيجادها ثانيا، وأن بدء الخلق ليس بأهون من إعادته. قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم فإنها أعظم من ذلك. سيقولون لله قل أفلا تتقون عقابه فلا تشركوا به بعض مخلوقاته، ولا تنكروا قدرته على بعض مقدوراته. قل من بيده ملكوت كل شئ: الملك الذي وكل به وهو يجير: يغيث من يشاء ويحرسه ولا يجار عليه: ولا يغاث ولا يحرس. وتعديته ب‍ (على) لتضمين معنى النصرة. إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأنى تسحرون: فمن أين تخدعون، فتصرفون عن الرشد مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة. بل أتيناهم بالحق من التوحيد والوعد بالنشور وإنهم لكاذبون حيث أنكروا ذلك.

__________________________

(1) - في(ألف):(من عليها).(*)

[ 830 ]

ما اتخذ الله من ولد لتقدسه عن مماثلة أحد وما كان معه من إله يساهمه في الألوهية إذا لذهب كل إله بما خلق واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الاخر ولعلا بعضهم على بعض كما هو حال ملوك الدنيا، فهذا التدبير المحكم، واتصاله وقوام بعضه ببعض، يدل على صانع واحد. سبحان الله عما يصفون من الولد والشريك. عالم الغيب والشهادة. قال: (الغيب: ما لم يكن، والشهادة: ما قد كان) (1). فتعالى عما يشركون. قل رب إما تريني: إن كان لابد من أن تريني، فإن (ما) والنون للتأكيد. ما يوعدون. رب فلا تجعلني في القوم الظالمين: قرينا لهم. ورد: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد خطبنا يوم الفتح: أيها الناس لأعرفنكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولئن فعلتم أضربكم بالسيف، ثم التفت عن يمينه، فقال الناس: غمزه جبرئيل، فقال له: أو علي، فقال: أو علي) (2). وفي رواية: (فنزلت هذه الاية) (3). أقول: وذلك إنما يكون في الرجعة، كما يستفاد من أخبار أخر (4). وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون يعني الرجعة. إدفع بالتي هي أحسن السيئة. قيل: هي الصفح عنها، والأحسان في مقابلتها،

__________________________

(1) - معاني الأخبار: 146، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - مختصر بصائر الدرجات: 21، مع تفاوت يسير.

(3) - مجمع البيان 7 - 8: 117، شواهد التنزيل 1: 404، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(4) - مختصر بصائر الدرجات: 19، بحار الأنوار 53: 66، الحديث: 60، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 831 ]

وهو أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة، لما فيه من التنصيص على التفضيل (1). وورد: (التي هي أحسن التقية) (2). نحن أعلم بما يصفون: بما يصفونك به. وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين: وساوسهم، وأصل الهمز النخس. وأعوذ بك رب أن يحضرون ويحوموا حولي. حتى إذا جاء أحدهم الموت. متعلق ب‍ (يصفون)، وما بينهما اعتراض. قال تحسرا على ما فرط فيه من الايمان والطاعة لما اطلع على الامر (رب ارجعون) ردوني إلى الدنيا. والواو لتعظيم المخاطب. لعلي أعمل صالحا فيما تركت. (نزلت في مانع الزكاة). كذا ورد (3). كلا ردع عن طلب الرجعة واستبعاد لها. إنها كلمة هو قائلها لتسلط الحسرة عليه ومن ورائهم: أمامهم برزخ إلى يوم يبعثون. القمي: البرزخ أمر بين أمرين، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والاخرة، وهو قول الصادق عليه السلام: (والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ، وأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم) (4). وورد: (أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع، أو وصي النبي، ولكن (5) والله أتخوف عليكم في البرزخ. قيل: وما البرزخ ؟ فقال: القبر منذ حين موته إلى يوم القيامة) (6). فإذا نفخ في الصور لقيام الساعة فلا أنساب بينهم يومئذ تنفعهم، من

__________________________

(1) - الكشاف 3: 41، البيضاوي 4: 71.

(2) - الكافي 2: 218، الحديث: 6، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) الكافي 3: 503 الحديث: 3، و 504 الحديث: 11 ثواب الاعمال وعقاب الاعمال: 280 الحديث: 5، مجمع البيان 7 - 8: 117، جميعا عن ابي عبد الله عليه السلام(4) - القمي 2: 94.

(5) - في المصدر:(ولكني).

(6) - الكافي 3: 242، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 832 ]

فرط الحيرة واستيلاء الدهشة، بحيث (يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) (1) (ولا يتساءلون: ولا يسأل بعضهم بعضا لاشتغاله بنفسه. قال: (لا يتقدم يوم القيامة أحد إلا بالأعمال) (2). فمن ثقلت موازينه بالأعمال الحسنة فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه من تلك الأعمال الحسنة فأولئك الذين خسروا أنفسهم: غبنوها، حيث ضيعوا زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها في جهنم خالدون. تلفح وجوههم النار: تلهب عليهم، فتحرقهم وهم فيها كالحون من شدة الاحتراق. والكلوح: تقلص الشفتين عن الأسنان. القمي: أي: مفتوحي الفم متربدي الوجوه (3). ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون. قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا: ملكتنا. قال: (بأعمالهم شقوا) (4). وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال اخسؤا فيها: اسكتوا سكوت هوان، فإنها ليست مقام سؤال ولا تكلمون. إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين.

__________________________

(1) - عبس(80): 34 - 36.

(2) - القمي 2: 94، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - المصدر.

(4) - التوحيد: 356، الباب: 58، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 833 ]

فاتخذتموهم سخريا: هزوا حتى أنسوكم ذكري من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم، فلم تخافوني في أوليائي وكنتم منهم تضحكون استهزاء بهم. إني جزيتهم اليوم بما صبروا على أذاكم أنهم هم الفائزون. قال أي: قال الله أو الملك المأمور بسؤالهم: كم لبثتم في الأرض أحياءا وأمواتا (1) في القبور عدد سنين. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم استقصارا لمدة لبثهم فيها فاسأل العادين. القمي: سل الملائكة الذين يعدون علينا الأيام، ويكتبون ساعاتنا وأعمالنا التي اكتسبناها فيها (2). قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون. أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. توبيخ لهم على تغافلهم. ورد: (إن الله لم يخلق خلقه عبثا، ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لأظهار قدرته وليكلفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد) (3). وقيل له: خلقنا للفناء. فقال: (مه (4) خلقنا للبقاء، وكيف ! وجنة لا تبيد ونار لا تخمد (5)، ولكن إنما نتحول من دار إلى دار) (6). فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم. ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإن الباطل لا برهان به. نبه بذلك

__________________________

(1) - في(ج):(احياء أو أمواتا).

(2) - القمي 2: 95.

(3) - علل الشرائع 1: 9، الباب: 9، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(4) - في(ألف):(فقال له).

(5) - في(ب):(كيف وجنته لا تبيد وناره لا تخمد).

(6) - علل الشرائع 1: 11، الباب: 9، الحديث: 5، عن أبي عبد الله عليه السلام، مع تفاوت يسير.(*)

[ 834 ]

على أن التدين بما لا دليل عليه ممنوع، فضلا عما دل الدليل على خلافه. فإنما حسابه عند ربه فهو مجاز له مقدار ما يستحقه إنه لا يفلح الكافرون. وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21404384

  • التاريخ : 20/04/2024 - 06:18

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net