00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة ص  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الثاني)   ||   تأليف : المولى محمد حسين الفيض الكاشاني

[ 1062 ]

سورة ص [ مكية، وهي ثمان وثمانون آية ] (1)

 بسم الله الرحمن الرحيم (ص). قد سبق تأويله (2). وورد: (وأما (ص) فعين تنبع من تحت العرش، وهي التي توضأ منها النبي صلى الله عليه وآله لما عرج به، ويدخلها جبرئيل كل يوم دخلة فينغمس (3) فيها، ثم يخرج منها فينفض أجنحته، فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا، يسبح الله ويقدسه ويكبره ويحمده إلى يوم القيامة) (4). وفي رواية سئل: وما صاد الذي أمر أن يغتسل منه - يعني النبي صلى الله عليه وآله - لما أسري به ؟ فقال: (عين تنفجر من ركن من أركان العرش يقال لها (ماء الحياة)، وهو ما قال الله: (ص والقرآن ذي الذكر) (5).

__________________________

(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).

(2) - البقرة(2): 1.

(3) - في المصدر:(فيغتمس).

(4) - معاني الأخبار: 22، قطعة من حديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - علل الشرائع 1: 335، الباب: 32، ذيل الحديث: 1، عن الكاظم عليه السلام.(*)

[ 1063 ]

وفي أخرى: (هو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن) (1). وفي أخرى: (إنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به) (2). (والقران ذي الذكر) مقسم به، عطفا على (ص). وجوابه محذوف، أي: إنه لحق، يدل عليه ما بعده. (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) يعني: ما كفر من كفر لخلل وجد فيه، بل الذين كفروا في استكبار عن الحق، وخلاف لله ولرسوله، ولذلك كفروا به. (كم أهلكنا من قبلهم من قرن). وعيد لهم على كفرهم به، استكبارا وشقاقا. (فنادوا) استغاثة (ولات حين مناص) أي: ليس الحين حين منجا ومفر، زيدت التاء على (لا) للتأكيد. (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم): بشر مثلهم (وقال الكافرون). وضع فيه الظاهر موضع الضمير، غضبا عليهم وذما لهم، وإشعارا بأن كفرهم جسرهم (3) على هذا القول (هذا ساحر) فيما يظهره معجزة (كذاب) فيما يقول على الله. (أجعل الالهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب): بليغ في العجب، فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا. (وانطلق الملاء منهم أن امشوا): قائلين بعضهم لبعض: (امشوا) (واصبروا على الهتكم): على عبادتها، فلا ينفعكم مكالمته (إن هذا لشئ يراد) قيل: أي: إن هذا لشئ من ريب الزمان، يراد بنا فلا مرد له (4). وقيل: إن هذا الذي يدعيه من الرياسة والترفع على العرب، لشئ يريده كل أحد (5). (ما سمعنا بهذا): بالذي يقوله (في الملة الاخرة): في الملة التي أدركنا عليها آباءنا (إن هذا إلا اختلاق): كذب اختلقه.

__________________________

(1) - الكافي 3: 485، قطعة من حديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - مجمع البيان 7 - 8: 465، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - في(ألف):(جبرهم).

(4) و(5) - البيضاوي 5: 15.(*)

[ 1064 ]

(قالت قريش لأبي طالب: إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا، فادعه ومره، فليكف (1) عن آلهتنا ونكف عن إلهه، فخبره أبو طالب به، فقال: أو هل لهم في كلمة خير لهم من هذا (2)، يسودون بها العرب، ويطأون أعناقهم، فقال أبو جهل: نعم. قال: تقولون: لا إله إلا الله، فوضعوا أصابعهم في آذانهم، وخرجوا هرابا وهم يقولون: (ما سمعنا بهذا (الاية). كذا ورد (3). (أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب): بل لم يذوقوا عذابي بعد، فإذا ذاقوه زال شكهم، يعني: أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه. (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب): بل أعندهم خزائن رحمته حتى يصيبوا بها من شاؤوا، فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم ؟ يعني: أن النبوة عطية من الله، يتفضل بها على من يشاء من عباده، لا مانع له، فإنه العزيز الذي لا يغلب (4)، الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء. (أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما): أم لهم مدخل في هذا العالم، الذي هو جزء يسير من خزائنه. (فليرتقوا في الأسباب) ويدبروا أمر العالم، فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون. (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) أي: هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل، مكسور عما قريب، فمن أين لهم التدابير الألهية، والتصرف في الأمور الربانية ؟ !

__________________________

(1) - في(ألف):(ليكف).

(2) - الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر، و(لهم) متعلق بمحذوف، و(خير) خبر مبتدأ، والتقدير: أقالوا هذا وهل لهم رغبة في كلمة هي خير لهم من هذا الذي طلبوه. شرح أصول الكافي والروضة(للمولى صالح المازندراني) 11: 102.

(3) - الكافي 2: 649، الحديث: 5، عن أبي جعفر عليه السلام.

(4) - في(ألف):(لا يغالب).(*)

[ 1065 ]

أو فلا تكترث لما يقولون، و (هنالك) إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الابتدار لهذا القول. (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد). سئل: لأي شئ سمي ذا الأوتاد ؟ فقال: (لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه، ومد يديه ورجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض، وربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه ويديه بأربعة أوتاد، ثم تركه على حاله حتى يموت. فسماه الله عز وجل ذا الأوتاد) (1). والقمي: الأوتاد: التي أراد أن يصعد بها إلى السماء (2). (وثمود وقوم لوط وأصحاب ل‍ - يكة): وأصحاب الغيضة، وهم قوم شعيب (أولئك الأحزاب) يعني: المتحزبين على الرسل، الذين جعل الجند المهزوم منهم. (إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب). (وما ينظر هؤلاء): وما ينتظر قومك (إلا صيحة واحدة) هي النفخة (ما لها من فواق) قيل: أي: من توقف مقدار فواق، وهو ما بين الحلبتين، أو رجوع وترداد، فإنه فيه يرجع اللبن إلى الضرع (3). والقمي: أي: لا يفيقون عن العذاب (4). (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا): قسطنا من العذاب الذي توعدنا به. قال: (نصيبهم من العذاب) (5). (قبل يوم الحساب) استعجلوا ذلك استهزاء. (إصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد). قال: (اليد في كلام العرب القوة والنعمة، ثم تلا هذه الاية) (6). (إنه أواب) قيل: أي: رجاع إلى مرضاة الله، لقوته في

__________________________

(1) - علل الشرائع 1: 70، الباب: 60، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - القمي 2: 420.

(3) - البيضاوي 5: 16.

(4) - القمي 2: 229.

(5) - معاني الأخبار: 225، الحديث: 1، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(6) - التوحيد: 153، الباب: 13، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 1066 ]

الدين (1). والقمي: أي: دعاء (2). قيل: إنه يصوم يوما ويفطر يوما، ويقوم نصف الليل (3). (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والاشراق): حين تشرق الشمس، أي: تضئ ويصفو شعاعها. (والطير محشورة كل له أواب): كل من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجاع إلى التسبيح. وقد مر بيانه في سورتي الأنبياء وسبأ (4). (وشددنا ملكه): قويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود (واتيناه الحكمة وفصل الخطاب). قال: (هو قوله: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) (5). وفي رواية: (هو معرفة اللغات) (6). (وهل أتاك نبأ الخصم) فيه تعجيب وتشويق إلى استماعه، (إذ تسوروا المحراب): إذ تصعدوا سور الغرفة. (إذ دخلوا على داوود ففزع منهم) لأنهم نزلوا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب (قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط): ولا تجر في الحكومة (واهدنا إلى سواء الصراط): إلى وسطه، وهو العدل. (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة). النعجة هي الأنثى من الضأن، وقد يكنى بها عن المرأة. (فقال أكفلنيها): ملكنيها (وعزني في الخطاب):

__________________________

(1) - الكشاف 3: 363، البيضاوي 5: 16.

(2) - القمي 2: 229.

(3) - البيضاوي 5: 16.

(4) - الأنبياء(21): 79، السبأ(34): 10.

(5) - جوامع الجامع: 404، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(6) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 228، الباب: 53، الحديث: 3.(*)

[ 1067 ]

وغلبني في مخاطبته إياي. (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء): الشركاء الذين خلطوا أموالهم (ليبغي): ليتعدي (بعضهم على بعض إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) (ما) مزيدة للأبهام والتعجب من قلتهم وظن داوود قال: (أي: علم) (1). أنما فتناه: امتحناه بتلك الحكومة، هل ينبه بها (فاستغفر ربه وخر راكعا): ساجدا (وأناب) قال: (أي: تاب) (2). (فغفرنا له ذلك): ما استغفر عنه (وإن له عندنا لزلفى): لقربة بعد المغفرة (وحسن مئاب): مرجع في الجنة. (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب). روت العامة (3) في خطيئة داود ما لا يجوز روايته ولا نسبته إلى أدنى رجل من المسلمين، فكيف بالأنبياء عليهم السلام ؟ ! وورد تكذيبه عن الأئمة (4). أشد تكذيب. وورد: (إن داود عليه السلام إنما ظن أن ما خلق الله عزوجل خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عزوجل إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا له:) خصمان بغى بعضنا على بعض (الاية، فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال:) لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه (، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول له: ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة رسم حكم، لا ما ذهبتم إليه - يعني: ما روته العامة - قال: ألا تسمع الله عزوجل يقول:) يا

__________________________

(1) و(2) - القمي 2: 234، عن أبي جعفر عليه السلام.

(2) - جامع البيان(للطبري) 23: 93، الكشاف 3: 365.

(3) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 194، الباب: 14، الحديث: 1، الأمالي(للصدوق): 92، المجلس: 22، ذيل الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام، التبيان 8: 555، عن أمير المؤمنين عليه السلام.(*)

[ 1068 ]

داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق (إلى آخر الاية) (1). (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا) لا حكمة فيه (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار). (أم نجعل الذين امنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض). قال: (لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل، لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل، ألم يعرفوا وجه قول الله تعالى في كتابه:) أم نجعل الذين آمنوا (الاية) (2). (أم نجعل المتقين كالفجار) تكرير للأنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية بين المؤمنين والكافرين، أو أراد بهما المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم. (كتاب أنزلناه إليك مبارك): نفاع (ليدبروا اياته وليتذكر أولوا الألباب). (ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب): كثير الرجوع إلى الله، بالتوبة والذكر. (إذ عرض عليه بالعشي): بعد الظهر (الصافنات الجياد) الصافن: الخيل الذي يقوم على طرف سنبك (3) يد أو رجل، وهو من الصفات المحمودة في الخيل. والجياد: جمع جواد أو جود، وهو الذي يسرع في جريه، وقيل: الذي يجود بالركض، وقيل: جمع جيد (4). (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي). قيل: أي: آثرت، وينبغي أن يعدى ب‍ (على)، ولكنه لما أنيب مناب أنبت، عدى ب‍ (عن) (5). وقيل: يعني تقاعدت عن ذكر ربي

__________________________

(1) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 194، الباب: 14، الحديث: 1، الأمالي(للصدوق): 88، الحديث: 8، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - الكافي 8: 12، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - السنبك كقنفذ: طرف مقدم الحافر، وهو معرب، والجمع: سنابك. مجمع البحرين 5: 27(سبك).

(4) - التبيان 8: 560، البيضاوي 5: 18.

(5) - البيضاوي 5: 19.(*)

[ 1069 ]

لحب الخير (1). والخير: المال الكثير، ويعني به هنا الخيل. و ورد: (الخيل معقود بنواصيها (2) الخير) (3). (حتى توارت بالحجاب) أي: غربت الشمس، شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها، وإضمارها من غير ذكر لدلالة العشي عليها. (ردوها علي فطفق مسحا): فأخذ يمسح مسحا (بالسوق والأعناق). ورد: (إن سليمان بن داود عليهما السلام عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل، فاشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب، فقال للملائكة: ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها، فردوها، فقام فمسح ساقيه وعنقه، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، وكان ذلك وضوءهم للصلاة ثم قام فصلى، فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم، وذلك قول الله عزوجل:) ووهبنا لداود سليمان (إلى قوله:) والأعناق (4). وفي رواية: (اشتغل بعرض الخيل لأنه أراد جهاد العدو) (5). والعامة رووها على نحو لا يليق بالأنبياء (6)، وورد تكذيبه عن أئمتنا عليهم السلام (7). (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب). ورد: (إن الجن والشياطين لما ولد لسليمان ابن قال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء، فأشفق عليه السلام منهم عليه، فاسترضعه في المزن، وهو السحاب، فلم يشعر إلا

__________________________

(1) - البيضاوي 5: 19.

(2) - في المصدر:(في نواصيها).

(3) - الكافي 5: 48، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله، والحديث: 3، عن أبي جعفر عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله، مع اختلاف يسير.

(4) - من لا يحضره الفقيه 1: 129، الحديث: 607، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - مجمع البيان 7 - 8: 475، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(6) - جامع البيان(للطبري) 23: 100، الكشاف 3: 373، معالم التنزيل(للبغوي) 4: 61.

(7) - الكافي 3: 294، الحديث: 10، علل الشرائع 2: 605، الباب: 385، الحديث: 79، عن أبي جعفر عليه السلام، مجمع البيان 7 - 8: 475، عن أمير المؤمنين عليه السلام.(*)

[ 1070 ]

وقد وضع على كرسيه ميتا، تنبيها على أن الحذر لا ينفع من القدر، وإنما عوتب على خوفه من الشياطين) (1). (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي): لا يتسهل له ولا يكون، ليكون معجزة لي مناسبة لحالي، أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني، أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته، كذا قيل (2). وقال: (الملك ملكان: ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من قبل الله فقال سليمان: هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول: إنه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس فسخر الله له ما سخر، فعلم الناس في وقته وبعده: أن ملكه لا يشبه ملك الملوك الجبارين من الناس (3). كذا ورد (4). (إنك أنت الوهاب). (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء): لينة لا تزعزع (حيث أصاب): أراد. (والشياطين كل بناء وغواص). (واخرين مقرنين في الأصفاد): قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك): فاعط من شئت وامنع من شئت (بغير حساب): غير محاسب على منه وإمساكه، لتفويض التصرف فيه إليك. (وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب). (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب): بتعب (وعذاب): وألم. ورد: (إنما كانت بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا، لنعمة أنعم الله بها عليه، فأدى

__________________________

(1) - مجمع البيان 7 - 8: 476، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - البيضاوي 5: 19.

(3) - في المصدر:(المختارين من قبل الناس والمالكين بالغلبة والجور).

(4) - علل الشرائع 1: 71، الباب: 62، الحديث: 1، عن موسى بن جعفر عليهما السلام.(*)

[ 1071 ]

شكرها. وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش، فلما صعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة، حسده إبليس فقال: يا رب إن أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا، فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة، فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة، فقال: قد سلطتك على دنياه. فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلا أهلك كل ذلك، وهو يحمد الله عزوجل، ثم رجع إليه فقال: يا رب إن أيوب يعلم أنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه، فسلطني على بدنه حتى تعلم أنه لا يؤدي شكر نعمة، قال: قد سلطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه، قال: فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة الله عزوجل فتحول بينه وبينه، فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا) (1). وورد: (إن الله ابتلى أيوب بلا ذنب، فصبر حتى عير، إن الأنبياء لا يصبرون على التعيير) (2). وقال: (إن الله يبتلي المؤمن بكل بلية، ويميته بكل ميتة، ولا يبتليه بذهاب عقله، أما ترى أيوب كيف سلط إبليس على ماله وعلى أهله، وعلى كل شئ منه، ولم يسلط (3) على عقله، ترك له يوحد الله عزوجل) (4). (اركض برجلك): اضرب بها الأرض، حكاية لما أجيب به. (هذا مغتسل بارد وشراب) أي: فنبعت عين، فقيل: هذا مغتسل، أي: تغتسل به، وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك. (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم). قال: (أحيا له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك

__________________________

(1) - علل الشرائع 1: 75، الباب: 65، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام، مع تفاوت يسير.

(2) - المصدر، 76، الباب: 65، الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - في(ب):(ولم يسلطه).

(4) - الكافي 2: 256، الحديث: 22، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه:(ترك له ليوحد الله به).(*)

[ 1072 ]

بآجالهم، مثل الذين هلكوا يومئذ) (1). (رحمة منا وذكرى لاءولي الألباب) لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم. (وخذ بيدك ضغثا): حزمة من خشب (فاضرب به ولا تحنث) وذلك أنه حلف أن يضرب زوجته في أمر، ثم ندم عليه، فحلل الله يمينه بذلك. (وهي رخصة باقية في الحدود)، كما ورد (2). قال: (فأخذ عذقا (3) مشتملا على مائة شمراخ، فضربها ضربة واحدة، فخرج عن يمينه) (4). (إنا وجدناه صابرا نعم العبد): أيوب (إنه أواب): مقبل بشراشره على الله. (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) قال: (أولوا القوة في العبادة والصبر (5) فيها) (6). (إنا أخلصناهم بخالصة): جعلناهم خالصين لنا بخصلة لا شوب فيها (ذكرى الدار) هي تذكرهم للاخرة دائما، فإن خلوصهم في الطاعة بسببها، وذلك لأنه كان مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه. وإطلاق الدار للأشعار بأنها الدار حقيقة، والدنيا معبر. (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار). (واذكر إسمعيل واليسع). قيل: هو ابن اخطوب، استخلفه إلياس على بني

__________________________

(1) - الكافي 8: 252، الحديث: 354، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - الكافي 7: 243، الحديث: 1، و 244، الحديث: 4، من لا يحضره الفقيه 4: 19، الحديث: 41، عن أبي عبد الله عليه السلام، والحديث: 42، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - العذق: كل غصن له شعب. لسان العرب 9: 110(عذق).

(4) - القمي 2: 241، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - في(ب) و(ج):(البصر).

(6) - القمي 2: 242، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 1073 ]

إسرائيل، ثم استنبأ (1). (وذا الكفل) هو يوشع بن نون، كما مر في سورة الأنبياء (2). (وكل من الأخيار). (هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مئاب). (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب). (متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) في الاقتصار على الفاكهة إشعار بأن مطاعمهم لمحض التلذذ، فإن التغذي للتحلل، ولا تحلل ثمة. (وعندهم قاصرات الطرف): لا ينظرن إلى غير أزواجهن (أتراب): لدات (3) بعضهن لبعض، لا عجوز فيهن ولا صبية. (هذا ما توعدون ليوم الحساب): لأجله. (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد): انقطاع. (هذا): الأمر هذا (وإن للطاغين لشر مئاب). (جهنم يصلونها فبئس المهاد). (هذا فليذوقوه حميم وغساق) هو ما يغسق، أي: يسيل من صديد (4) أهل النار. (واخر من شكله): من مثل المذوق أو الذائق (أزواج): أصناف. القمي: هم بنو العباس (5). (هذا فوج مقتحم معكم) حكاية ما يقال لرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار، ودخل معهم فوج تبعهم في الضلال. والاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها.

__________________________

(1) - البيضاوي 5: 21.

(2) - ذيل الاية: 85.

(3) - جمع واحده اللدة: الترب وهو الذي ولد معك وتربى، أصله: ولد. أقرب الموارد 3: 1484(ولد).

(4) - الصديد: الدم المختلط بالقيح في الجرح. ترتيب كتاب العين: 442(صدد).

(5) - القمي 2: 242.(*)

[ 1074 ]

ورد: (إن النار تضيق على أهلها كضيق الزج (1) بالرمح) (2). (لا مرحبا بهم). دعاء من المتبوعين على التابعين. القمي: فيقول بنو أمية: لا مرحبا بهم (3). (إنهم صالوا النار). (قالوا) أي: الأتباع للرؤساء (بل أنتم لا مرحبا بكم): بل أنتم أحق بما قلتم، لضلالكم وإضلالكم (أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار). (قالوا) القمي: أي: بنو أمية (4). (ربنا من قدم لنا هذا) القمي: يعنون الأول والثاني (5). (فزده عذابا ضعفا في النار) وذلك أن تزيد على عذابه مثله. (وقالوا ما لنا لا نرى رجالاكنا نعدهم من الأشرار) أي: في الدنيا. (أتخذناهم سخريا): هزوا (أم زاغت عنهم الأبصار): مالت فلا نراهم، أي: ليسوا هاهنا، أم زاغت عنهم أبصارنا. قال: (لقد ذكركم الله، إذ حكى عن عدوكم في النار:) وقالوا ما لنا (الاية، قال: والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل النار (6) شرار الناس، وأنتم والله في الجنة تحبرون، وفي النار تطلبون) (7). (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار). قال: (يتخاصمون فيكم فيما كانوا يقولون في الدنيا) (8). (قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار).

__________________________

(1) - زج الرمح: الحديدة التي تركب في أسفل الرمح. لسان العرب 6: 19(زجج).

(2) - مجمع البيان 7 - 8: 283، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

(3) - القمي 2: 242.

(4) و(5) - المصدر: 243.

(6) - في المصدر:(صرتم عند أهل هذا العالم).

(7) - الكافي 8: 36، ذيل الحديث: 6، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(8) - المصدر: 141، الحديث: 104، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 1075 ]

(رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار). (قل هو نبأ عظيم). (أنتم عنه معرضون). قال: (النبأ الامامة) (1). وفي رواية: (هو والله أمير المؤمنين عليه السلام) (2). (ما كان لي من علم بالملاء الأعلى إذ يختصمون). (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين). ورد في حديث المعراج: (قال: يا محمد ! قلت: لبيك يا رب. قال: فيم اختصم الملأ الأعلى ؟ قال: قلت: سبحانك لا علم لي إلا ما علمتني. قال: فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، قال: فلم يسألني عما مضى ولا عما بقى إلا علمته، فقال: يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟ قال: قلت: في الكفارات والدرجات والحسنات. فقال لي: يا محمد قد انقطع أكلتك وانقضت نبوتك، فمن وصيك ؟ فقلت: يا رب قد بلوت خلقك فلم أر أحدا من خلقك أطوع لي من علي. فقال: ولي يا محمد، فقلت: يا رب إني قد بلوت خلقك، فلم أر في خلقك أحدا أشد حبا لي من علي بن أبي طالب عليه السلام. قال: ولي يا محمد، فبشره بأنه راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور لمن أطاعني، والكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، مع ما أني أخصه بما لم أخص به أحدا. فقلت: يا رب أخي وصاحبي ووزيري ووارثي، فقال: إنه أمر قد سبق، إنه مبتلى ومبتلى به، مع ما أني قد نحلته ونحلته ونحلته ونحلته أربعة أشياء، عقدها بيده ولا يفصح بها عقدها) (3). وفي رواية قال: (قال لي ربي: أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت: لا. قال:

__________________________

(1) - بصائر الدرجات: 207، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - المصدر: 77، الحديث: 3، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - القمي 2: 244، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 1076 ]

اختصموا في الكفارات والدرجات. فأما الكفارات: فإسباغ (1) الوضوء في السبرات (2) الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. وأما الدرجات: فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام) (3). (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين). (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين). (فسجد الملائكة كلهم أجمعون). (إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين). (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) قال: (يعني بقوتي وقدرتي) (4). (أستكبرت أم كنت من العالين): تكبرت من غير استحقاق، أو كنت ممن علا واستحق التفوق ؟ ! (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين). (قال فاخرج منها فإنك رجيم). (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين). (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون). (قال فإنك من المنظرين). (إلى يوم الوقت المعلوم). (قال فبعزتك لاءغوينهم أجمعين). (إلا عبادك منهم المخلصين). قد مر تمام تفسيره وتفسير تمامه في سورة البقرة والأعراف والحجر (5). (قال فالحق) أي: فالحق يميني، وعلى النصب أي: فأحق الحق، القمي: أي: إنك

__________________________

(1) - إسباغ الوضوء: المبالغة فيه واتمامه. لسان العرب 8: 433(سبغ).

(2) - السبرات: جمع سبرة، وهي الغداة الباردة. لسان العرب 4: 341(سبر).

(3) - مجمع البيان 7 - 8: 485، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(4) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 120، الباب: 11، الحديث: 13، التوحيد: 154، الحديث: 2، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، وفيهما:(بقدرتي وقوتي).

(5) - البقرة(2): 139، الأعراف(7): 29، الحجر(15): 40 - 41.(*)

[ 1077 ]

تفعل ذلك (1). (والحق أقول): أقوله. (لاءملاءن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين). (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين). قال: (أن أسألكم ما لستم بأهله) (2). (إن هو إلا ذكر): عظة للعالمين. (ولتعلمن نبأه) من الوعد والوعيد (بعد حين). قال: (عند خروج القائم عليه السلام) (3).

__________________________

(1) - لم نعثر عليه في التفسير القمي المطبوعة، ولعله سقط من النساخ، لأنه بعينه موجود في النسخة المخطوطة من تفسير القمي، الموجودة في مكتبة الاعلام الاسلامي، تحت رقم: 26818.

(2) - الكافي 8: 379، الحديث: 574، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - المصدر: 287، الحديث: 432، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21403024

  • التاريخ : 19/04/2024 - 19:04

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net