• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول) ، تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني » .
                    • الموضوع : المقدمة الرابعة : في نبذ مما جاء في معاني وجوه الآيات وتحقيق القول في المتشابه وتأويله .

المقدمة الرابعة : في نبذ مما جاء في معاني وجوه الآيات وتحقيق القول في المتشابه وتأويله

( 29 )

المقدمة الرابعة

في نبذ مما جاء في معاني وجوه الآيات وتحقيق
القول في المتشابه وتأويله

روى العياشي بإسناده عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن شيء من تفسير القرآن فأجابني . ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر فقلت جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب آخر غير هذا قبل اليوم فقال لي يا جابر ان للقرآن بطنا وللبطن بطنا وظهرا وللظهر ظهرا يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن إن الآية ليكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه .
وبإسناده عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال ظهر القرآن : الذين نزل فيهم ، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم . وبإسناده عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف إلا وله حد ولكل حد مطلع ما يعني بقوله لها ظهر وبطن ، قال : ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع ، قال الله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله والرا سخون في العلم ) نحن نعلمه .
أقول : المطلع بتشديد الطاء وفتح اللام مكان الاطلاع من موضع عال ويجوز أن يكون بوزن مصعد بفتح الميم ومعناه أي مصعد يصعد إليه من معرفة علمه ، ومحصل معناه قريب من معنى التأويل والبطن كما أن معنى الحد قريب من معنى التنزيل والظهر .
وبإسناده عن مسعدة بن صدقة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

( 30 )

الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ، قال : الناسخ الثابت المعمول به والمنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله .
وفي رواية الناسخ : الثابت ، والمنسوخ ما مضى ، والمحكم ما يعمل به ، والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا .
وبإسناده عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القرآن والفرقان قال : القرآن جملة الكتاب وأخبار ما يكون والفرقان المحكم الذي يعمل به وكل محكم فهو فرقان .
وبإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن القرآن فيه محكم ومتشابه فأما المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به . وأما المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به .
وبإسناده عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة .
أقول : هذا مثل يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به غير المخاطب وهذا الحديث مما يؤيد ما حققناه في المقدمة السابقة ، وبإسناده عن ابن ابي عمير عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما عاتب الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فهو يعني به من قد مضى في القرآن مثل قوله تعالى ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) عني بذلك غيره .
أقول : لعل المراد بمن قد مضى في القرآن من مضى ذكره فيه من الذين أسقط أسماءهم الملحدون في آيات الله كما يظهر مما يأتي ذكره في المقدمة السادسة وهذان الحديثان مرويان في الكافي أيضا .
ومن طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا .

( 31 )

وعنه عليه السلام إن القرآن انزل على سبعة أحرف (1) لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حد مطلع .
وفي رواية ولكل حرف حد ومطلع .
وعنه عليه السلام إن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ما من آية الا ولها أربعة معان ظاهر وباطن وحد ومطلع فالظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد هو أحكام الحلال والحرام والمطلع هو مراد الله من العبد بها .
ورووا أنه عليه السلام سئل هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وآله شيء من الوحي سوى القرآن قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي عبدا فهما في كتابه .
ورووا عن الصادق عليه السلام إنه قال : كتاب الله على أربعة أشياء العبارة والإشارة واللطائف والحقائق فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء .
أقول : وتحقيق القول في المتشابه وتأويله يقتضي الإتيان بكلام مبسوط من جنس اللباب وفتح باب من العلم ينفتح منه لأهله الف باب . فنقول وبالله التوفيق : إن لكل معنى من المعاني حقيقة وروحا وله صورة وقالب وقد يتعدد الصور والقوالب لحقيقة واحدة وإنما وضعت الألفاظ للحقائق والأرواح ولوجودهما في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما على الحقيقة لاتحاد ما بينهما ، مثلا لفظ القلم إنما وضع لآلة نقش الصور في الألواح من دون أن يعتبر فيها كونها من قصب أو حديد أو غير ذلك بل ولا أن يكون جسما ولا كون النقش محسوسا أو معقولا ولا كون اللوح من قرطاس أو خشب بل مجرد كونه منقوشا
____________
(1) قال بعض أهل المعرفة : الوجه في انحصار الأحرف في السبعة أن لكل من الظهر والبطن طرفين فذاك حدود أربعة وليس لحد الظهر الذي من تحت مطلع لأن المطلع لا يكون الا من فوق فالحد أربعة والمطلع ثلاثة والمجموع سبعة ، منه قدس سره .

( 32 )

فيه وهذا حقيقة اللوح وحده وروحه فإن كان في الوجود شيء يستطر بواسطتة نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يكون هو القلم فان الله تعالى قال ( علم بالقلم علم الا نسان ما لم يعلم ) بل هو القلم الحقيقي حيث وجد فيه روح القلم وحقيقته وحده من دون أن يكون معه ما هو خارج عنه وكذلك الميزان مثلا فإنه موضوع لمعيار يعرف به المقادير وهذا معنى واحد هو حقيقته وروحه وله قوالب مختلفة وصور شتى بعضها جسماني وبعضها روحاني كما يوزن به الأجرام والأثقال مثل ذي الكفتين والقبان وما يجري مجراهما وما يوزن به المواقيت والارتفاعات كالأسطرلاب وما يوزن به الدواير والقسي كالفرجار وما يوزن به الأعمدة كالشاقول وما يوزن به الخطوط كالمسطر وما يوزن به الشعر كالعروض وما يوزن به الفلسفة كالمنطق وما يوزن به بعض المدركات كالحس والخيال وما يوزن به العلوم والأعمال كما يوضع ليوم القيامة وما يوزن به الكل كالعقل الكامل إلى غير ذلك من الموازين .
وبالجملة : ميزان كل شيء يكون من جنسه ولفظة الميزان حقيقة في كل منها باعتبار حده وحقيقته الموجودة فيه وعلى هذا القياس كل لفظ ومعنى .
وأنت إذا اهتديت إلى الأرواح صرت روحانيا وفتحت لك أبواب الملكوت وأهلت لمرافقة الملأ الأعلى وحسن أولئك رفيقا فما من شيء في عالم الحس والشهادة إلا وهو مثال وصورة لأمر روحاني في عالم الملكوت وهو روحه المجرد وحقيقته الصرفة وعقول جمهور الناس في الحقيقة أمثلة لعقول الأنبياء والأولياء فليس للأنبياء والأولياء أن يتكلموا معهم إلا بضرب الأمثال لأنهم امروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم وقدر عقولهم انهم في النوم بالنسبة إلى تلك النشأة والنائم لا ينكشف له شيء في الأغلب إلا بمثل ، ولهذا من كان يعلم الحكمة غير أهلها رأى في المنام أنه يعلق الدر في أعناق الخنازير ، ومن كان يؤذن في شهر رمضان قبل الفجر رأى أنه يختم على أفواه الناس وفروجهم . وعلى هذا القياس وذلك لعلاقة خفية بين النشئات فالناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وعلموا حقائق ما سمعوه بالمثال وعرفوا أرواح ذلك وعقلوا أن تلك الأمثلة كانت قشورا ،

( 33 )

قال الله سبحانه : ( أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ) فمثل العلم بالماء والقلوب بالأودية والضلال بالزبد ثم نبه في آخرها فقال : ( كذلك يضرب الله الأمثال ) فكل ما لا يحتمل فهمك فإن القرآن يلقيه إليك على الوجه الذي كنت في النوم مطالعا بروحك للوح المحفوظ ليتمثل لك بمثال مناسب ذلك يحتاج إلى التعبير فالتأويل يجري مجرى التعبير فالمفسر يدور على القشر ولما كان الناس إنما يتكلمون على قدر عقولهم ومقاماتهم فما يخاطب به الكل يجب أن يكون للكل فيه نصيب فالقشرية من الظاهريين لا يدركون إلا المعاني القشرية كما أن القشر من الانسان وهو ما في الاهاب والبشرة ومن البدن لا ينال الا قشر تلك المعاني وهو ما في الجلد والغلاف من السواد والصور وأما روحها وسرها وحقيقتها فلا يدرك الا أولوا الألباب وهم الراسخون في العلم وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه لبعض أصحابه حيث قال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ولكل منهم حظ قل أم كثر وذوق نقص أو كمل ولهم درجات في الترقي إلى أطوارها وأغوارها وأسرارها وأنوارها وأما البلوغ للاستيفاء والوصول إلى الأقصى فلا مطمع لأحد فيه ولو كان البحر مدادا لشرحه والأشجار اقلاما ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) .
ومما ذكر يظهر سبب اختلاف ظواهر الآيات والأخبار الواردة في أصول الدين وذلك لأنها مما خوطب به طوائف شتى وعقول مختلفة فيجب أن يكلم كل على قدر فهمه ومقامه ومع هذا فالكل صحيح غير مختلف من حيث الحقيقة ولا مجاز فيه أصلا .
واعتبر ذلك بمثال العميان والفيل وهو مشهور وعلى هذا فكل من لم يفهم شيئا من المتشابهات من جهة أن حمله على الظاهر كان مناقضا بحسب الظاهر لأصول صحيحة دينية وعقائد حقة يقينية عنده فينبغي أن يقتصر على صورة اللفظ لا يبدلها ويحيل العلم به إلى الله سبحانه والراسخين في العلم ثم يرصد لهبوب رياح الرحمة من عند الله تعالى ويتعرض لنفحات أيام دهره الآتية من قبل الله

( 34 )

تعالى لعل الله يأتي له بالفتح أو أمر من عنده ويقضي الله امرا كان مفعولا فان الله سبحانه ذم قوما على تأويلهم المتشابهات بغير علم فقال سبحانه : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ) .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1072
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16