• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول) ، تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني » .
                    • الموضوع : المقدمة الثامنة : في نبذ مما جاء في أقسام الآيات واشتمالها على البطون والتأويلات وأنواع اللغات والقراءات ، والمعتبرة منها .

المقدمة الثامنة : في نبذ مما جاء في أقسام الآيات واشتمالها على البطون والتأويلات وأنواع اللغات والقراءات ، والمعتبرة منها

المقدمة الثامنة

في نبذ مما جاء في أقسام الآيات واشتمالها على البطون والتأويلات وأنواع
اللغات والقراءات ، والمعتبرة منها

قد اشتهرت الرواية من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف كلها كاف شاف وقد ادعى بعضهم تواتر أصل هذا الحديث الا انهم اختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولا . وروت العامة عنه عليه السلام ايضا انه قال : نزل القرآن على سبعة أحرف أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل . وفي رواية أخرى : زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ، والمستفاد من هاتين الروايتين إن الأحرف إشارة إلى اقسامه وأنواعه .
ويؤيده ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل قسم منها كاف شاف وهي : أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل ومثل وقصص .
وروت العامة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أن القرآن أنزل على سبعة أحرف لكل آية منها ظهر وبطن ولكل حرف حد ومطلع .
وفي رواية أخرى أن للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن .
وربما يستفاد من هاتين الروايتين أن الأحرف إشارة إلى بطونه وتأويلاته ولا نص فيهما على ذلك لجواز أن يكون المراد بهما أن الكل من الأقساط ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا ( بطن خ ل ) إلى سبعة أبطن .
ومن طريق الخاصة ما رواه في الخصال بإسناده عن حماد قال : قلت لأبي

( 60 )

عبد الله عليه السلام إن الأحاديث تختلف منكم ، قال : فقال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للامام أن يفتي على سبعة وجوه . ثم قال : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ، وهذا نص في البطون وتأويلات . ورووا في بعض ألفاظ هذا الحديث أن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرؤوا بما تيسر منه .
وفي بعضها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجبرئيل عليه السلام : إني بعثت إلى امة اميين ، فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام . قال : فمرهم فليقرؤا القرآن على سبعة أحرف .
ومن طريق الخاصة ما رواه في الخصال بإسناده عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أتاني آت من الله عز وجل فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد . فقلت : يا رب وسع على أمتي . فقال : إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ويستفاد من هذه الروايات ان المراد بسبعة أحرف اختلاف اللغات كما قاله ابن الأثير في نهايته فانه قال في الحديث نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف اراد بالحرف اللغة يعني على سبع لغات من لغات العرب أي انها متفرقة ( مفرقة خ ل ) في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة الهوازن ( هوازن خ ل ) وبعضه بلغة اليمن . قال : ومما يبين ذلك قول ابن مسعود إني قد سمعت القراء فوجدتهم متقاربين فاقرأوا كما علمتم إنما هو كقول أحدكم : هلم تعال واقبل . وقال في مجمع البيان : إن قوما قالوا إن المراد بالأحرف اللغات مما لا يغير حكما في تحليل ولا تحريم مثل : هلم وأقبل وتعال . وقالوا : وكانوا مخيرين في مبتدء الإسلام في أن يقرؤا بما شاؤوا منها ثم أجمعوا على أحدها وإجماعهم حجة فصار ما أجمعوا عليه مانعا مما اعرضوا عنه .
أقول : والتوفيق بين الروايات كلها أن يقال : إن للقرآن سبعة أقسام من

( 61 )

الآيات وسبعة بطون لكل آية . ونزل على سبع لغات . واما حمل الحديث على سبعة أوجه من القراءات ثم التكلف في تقسيم وجوه القراءات على هذا العدد كما نقله في مجمع البيان عن بعضهم فلا وجه له مع أنه يكذبه ما رواه في الكافي باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجيئ من قبل الرواة . وبإسناده عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد ، ومعنى هذا الحديث معنى سابقه والمقصود منهما واحد وهو أن القراءة الصحيحة واحدة الا أنه عليه السلام لما علم أنهم فهموا من الحديث الذي رووه صحة القراءات جميعا مع اختلافها كذبهم . وعلى هذا فلا تنافي بين هذين الحديثين وشيء من أحاديث الأحرف ايضا .
وبإسناده عن عبد الله بن فرقد والمعلى بن خنيس قالا كنا عند ابي عبد الله عليه السلام ومعنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن كان ابن مسعود لا يقرء على قراءتنا فهو ضال . قال ( فقال خ ل ) : ربيعة ضال . فقال : نعم ضال . ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : أما نحن فنقرأ على قراءة أُبي .
ولعل آخر الحديث ورد على المسامحة مع ربيعة مراعاة لحرمة الصحابة وتداركا لما قاله في ابن مسعود ذلك لأنهم عليهم السلام لم يكن يتبعون احدا سوى آباءهم عليهم السلام لأن علمهم من الله وفي هذا الحديث اشعار بأن قراءة أُبي كانت موافقة لقراءتهم عليهم السلام أو كانت أوفق لها من قراءة غيره من الصحابة .
ثم الظاهر أن الاختلاف المعتبر ما يسري من اللفظ إلى المعنى مثل مالك وملك دون ما لا يجاوز اللفظ أو يجاوزه ولم يخل بالمعنى المقصود سواء كان بحسب اللغة مثل كفؤاً بالهمزة والواو ومخففا ومثقلا أو بحسب الصرف مثل يرتد

( 62 )

ويرتدد أو بحسب النحو مثل ما لا يقبل منها شفاعة بالتاء ، والياء وما يسري إلى المعنى ولم يخل بالمقصود مثل الريح والرياح للجنس والجمع فان في امثال هذه موسع علينا القراءات المعروفة .
وعليه يحمل ما ورد عنهم عليهم السلام من اختلاف القراءة في كلمة واحدة وما ورد أيضا في تصويبهم القراءتين جميعا كما يأتي في مواضعه أو يحمل على أنهم لما لم يتمكنوا أن يحملوا الناس على القراءة الصحيحة جوزوا القراءة بغيرها كما اشير إليه بقولهم عليهم السلام : اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم وذلك كما جوزوا قراءة أصل القرآن بما هو عند الناس دون ما هو محفوظ عندهم وعلى التقديرين في سعة منها جميعا ، وقد اشتهر بين الفقهاء وجوب التزام عدم الخروج عن القراءات السبع أو العشر المعروفة لتواترها وشذوذ غيرها .
والحق : أن المتواتر من القرآن اليوم ليس إلا القدر المشترك بين القراءات جميعا دون خصوص آحادها إذ المقطوع به ليس إلا ذاك فان المتواتر لا يشتبه بغيره وأما نحن فنجعل الأصل في هذا التفسير أحسن القراءات كانت قراءة من كانت كالأخف على اللسان والأوضح في البيان والآنس للطبع السليم والأبلغ لذي الفهم القويم والأبعد عن التكلف في إفادة المراد والأوفق لأخبار المعصومين . فان تساوت أو أشبهت فقراءة الأكثرين في الأكثر .
ولا نتعرض لغير ذلك إلا ما يتغير به المعنى المراد تغييرا يعتد به أو يحتاج إلى التفسير وذلك لأن التفسير إنما يتعلق بالمعنى دون اللفظ وضبط اللفظ إنما هو للتلاوة فيخص به المصاحف ، وأما ما دونوه في علم القراءة وتجويدها من القواعد والمصطلحات فكل ما له مدخل في تبيين الحروف وتمييز بعضها عن بعض لئلا يشتبه أو في حفظ الوقوف بحيث لا يختل المعنى المقصود به أو في صحة الإعراب وجودته لئلا تصير ملحونة أو مستهجنة أو في تحسين الصوت وترجيعه بحيث يلحقها بألحان العرب وأصواتها الحسنة فله وجه وجيه .

( 63 )

وقد وردت الإشارة اليه في الروايات المعصومية وإنما ينبغي مراعاة ذلك فيما اتفقوا عليه لاتفاق السلائق عليه دون ما اختلفوا فيه لاختلافها لديه .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1076
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19