• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول) ، تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني » .
                    • الموضوع : سورة البقرة : من آية 196 ـ 263 .

سورة البقرة : من آية 196 ـ 263


(196) وأتموا الحج والعمرة ائتوا بهما تامين كاملين بشرائطهما وأركانهما ومناسكهما لله لوجه الله خالصا وهو نص في وجوب العمرة كوجوب الحج .
في الكافي والعياشي سئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال هما مفروضان .
وفيه وفي العلل والعياشي عنه عليه السلام قال العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع لأن الله يقول وأتموا الحج والعمرة لله قيل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزي ذلك عنه قال : نعم .
وفي رواية قال يعني بتمامهما أداؤهما واتقاء ما يتقي المحرم فيهما .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين والسجاد صلوات الله عليهما يعني أقيموهما إلى آخر ما فيهما .
وفي الخصال والعيون عنه عليه السلام تمامهما اجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج .
والعياشي عنهما ما في معناه .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيرا وقلة الكلام الا بخير فان من تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه الا من خير كما قال الله تعالى : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) .
وفيه عن الباقر عليه السلام قال تمام الحج لقاء الامام .
وعن الصادق عليه السلام إذا حج أحدكم فليختم حجه بزيارتنا لأن ذلك من تمام الحج .
أقول : وفي هذا الزمان زيارة قبورهم تنوب مناب زيارتهم ولقائهم كما يستفاد من اخبار أُخر ولا منافاة بين هذه الأخبار لأن ذلك كله من تمام الحج فإن

( 232 )

أحصرتم منعكم خوف أو عدو أو مرض عن المضي إليه وأنتم محرمون بحج أو عمرة فامتنعتم لذلك كذا عنهم عليهم السلام رواه في المجمع .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام المحصور غير المصدود والمحصور المريض والمصدود الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة ليس من مرض والمصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل له النساء فما استيسر من الهدي فعليكم إذا أردتم التحلل من الاحرام ما تيسر من الهدى من بعير أو بقرة أو شاة .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام يعني شاة وضع على أدنى القوم قوة ليسع القوي والضعيف .
والعياشي عن الصادق عليه السلام يجزيه شاة والبدنة والبقرة أفضل .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه وعنه عليه السلام إذا أحصر الرجل بعث بهديه فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامة حتى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه ولا شيء عليه وإن قدم من مكة وقد نحر هديه فان عليه الحج من قابل أو العمرة قيل فان مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال يحج عنه إن كانت حجة الاسلام ويعتمر إنما هو شيء عليه ولا تحلقوا رؤوسكم لا تحلوا حتى يبلغ الهدي محله مكانه الذي يجب أن ينحر فيه فمن كان منكم مريضا مرضا يحوجه إلى الحلق أو به أذى من رأسه كجراحة أو قمل ففدية فعليه فدية إن حلق من صيام أو صدقة أو نسك في الكافي : عن الصادق عليه السلام إذا أُحصر الرجل بعث بهديه فان أذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي أُحصر فيه أو يصوم أو يتصدق والصوم ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين نصف صاع لكل مسكين .
وفيه والعياشي عنه عليه السلام قال مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

( 233 )

على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال له أتؤذيك هوامك فقال نعم فانزلت هذه الآية فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحلق وجعل الصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدين والنسك شاة ، قال أبو عبد الله عليه السلام ولكل شيء في القرآن أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكل شيء في القرآن فمن لم يجد كذا فعليه كذا فالأول الخيار .
أقول : فالأول الخيار أي الخير والحري بالاختيار فإذا أمنتم الموانع يعني إذا كنتم غير محصرين وفي حال امن وسعة فمن تمتع بالعمرة استمتع وانتفع بعد التحلل من عمرته باستباحة ما كان محرما عليه إلى الحج إلى أن يحرم بالحج فما استيسر من الهدي فعليه دم استيسره .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام شاة فمن لم يجد الهدي فصيام ثلاثة أيام في الحج في وقت الحج وايام الاشتغال به والأفضل أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه .
وفي الكافي أيضا عن الصادق عليه السلام في المتمتع لا يجد الهدي قال يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة قيل فانه قد قدم يوم التروية قال يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قيل لم يقم عليه جماله قال يصوم يوم الحصبة وبعده يومين قيل وما الحصبة قال يوم نفره قيل يصوم وهو مسافر قال نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك بقول الله تعالى فصيام ثلاثة أيام في الحج يقول في ذي الحجة وسبعة إذا رجعتم إلى أهاليكم فان بدا له الاقامة بمكة نظر مقدم أهل بلاده فإذا ظن أنهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام كذا في الكافي عنهم عليهم السلام تلك عشرة كاملة لا تنقص عن الأضحية الكاملة .
في التهذيب عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن سفيان الثوري أي شيء يعني بكاملة قال سبعة وثلاثة قال عليه السلام ويختل ذا على ذي حجى إن سبعة وثلاثة عشرة قال فأي شيء هو أصلحك الله قال انظر قال لا علم لي فأي شيء هو أصلحك الله قال الكاملة كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو لم

( 234 )

تأت ذلك أي التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام في الكافي عن الصادق في هذه الآية من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها وثمانية عشر ميلا عن خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له مثل مرّ (1) وأشباهها ، وفيه عن الباقر عليه السلام سئل عن هذه الآية قال ذلك أهل مكة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة قيل فما حد ذلك قال ثمانية واربعون ميلا عن جميع نواحي مكة دون عسفان وذات عرق واتقوا الله في المحافظة على أوامره ونواهيه خصوصا في الحج واعلموا أن الله شديد العقاب لمن لم يتقه وخالف أمره وتعدى حدوده .
(197) الحج يعني وقت إحرامه ومناسكه أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة كذا عن الباقر والصادق عليهما الصلاة والسلام في عدة أخبار قالا عليهما السلام ليس لأحد أن يحج فيما سواهن ومن أحرم الحج في غير أشهر الحج فلا حج له فمن فرض فيهن الحج في الكافي والعياشي قال الصادق عليه السلام الفرض التلبية والاشعار والتقليد فأي ذلك فعل فقد فرض الحج فلا رفث ولا فسوق وقرئ بالرفع والتنوين فيهما ولا جدال في الحج في أيامه ، في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام الرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله ، وزاد في الكافي وقال في الجدال شاة وفي الفسوق بقرة والرفث فساد الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله حث على البر وتزودوا لمعادكم التقوى فإن خير الزاد التقوى قيل كانوا يحجون من غير زاد فيكونون كلا على الناس فأمروا أن يتزوّدوا ويتّقوا الابرام والتثقيل على الناس واتقون يا أولي الألباب فان مقتضى اللب خشية الله عقب الحث على التقوى بأن يكون المقصود بها هو الله سبحانه والتبري عما سواه .
(198) ليس عليكم جناح أَنْ تبتغوا في أن تطلبوا فضلا من ربكم كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج فرفع عنهم الجناح في ذلك كذا في المجمع عنهم عليهم السلام وفي رواية فضلا أي مغفرة .
____________
(1) بطن مر ويقال له مر الظهران موضع على مرحلة من مكة « ق » .
( 235 )

والعياشي عن الصادق (ع) فضلا من ربكم يعني الرزق إذا حل الرجل من إحرامه وقضى نسكه فليشتر وليبع في الموسم فإذا أفضتم دفعتم أنفسكم بكثرة من أفاض الماء إذا صبه بكثرة من عرفات في تفسير الامام ومضيتم إلى المزدلفة فاذكروا الله عند المشعر الحرام قال بنعمائه وآلائه والصلاة على سيد أنبيائه وعلى علي سيد أصفيائه واذكروه كما هداكم لدينه والايمان برسوله وقيل أي أذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة وقيل أي ذكرا يوازي هدايتكم إياه .
أقول : ليس المراد بالكاف في مثل هذا الكلام التشبيه بل المراد به تعليل الطلب بوجود ما يقتضيه وأن المطلوب ليس بغريب بل إن وقع فهو في موضعه والمعنى اذكروه بإزاء هدايته إياكم فانه هداكم فبالحرى أن تذكروه وله نظائر كثيرة في الكلام ولكنه اشتبه على كثير من الأعلام وإن كنتم وإنه كنتم من قبله من قبل الهدى لمن الضالين الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه .
وفي تفسير الامام : الضالين عن دينه قبل أن يهديكم لدينه .
(199) ثم أفيضوا ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس قيل أي من عرفات .
وفي المجمع عن الباقر (ع) كانت قريش وحلفاؤهم من الحمس لا يقفون مع الناس بعرفات ولا يفيضون منها ويقولون نحن أهل حرم الله تعالى فلا نخرج من الحرم فيقفون بالمشعر ويفيضون منه فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منه .
والعياشي عن الصادق عليه السلام مثله في عدة أخبار .
وعنه عليه السلام يعني بالناس إبراهيم وإسماعيل واسحاق ومن بعدهم ممن أفاض من عرفات .
وفي الكافي عن الحسين عليه السلام نحن الناس ، وعن الصادق عليه السلام في حديث حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثم غدا والناس معه وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها فأقبل رسول الله صلى

( 236 )

الله عليه وآله وسلم وقريش ترجو أن تكون افاضته من حيث كانوا يفيضون فأنزل الله تعالى : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله يعني إبراهيم وإسماعيل واسحاق فإفاضتهم منها ومن كان من بعدهم .
أقول : وعلى هذه الأخبار فمعنى ثم الترتيب في الرتبة لتفاوت ما بين الافاضتين كما في قولك احسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم .
وأورد في المجمع سؤالا وهو ان ثم للترتيب فما معنى الترتيب هاهنا وأجاب بأن أصحابنا رووا ان هاهنا تقديما وتأخيرا تقديره ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا الله وذكر تفسيرا آخر وهو أن يكون المراد الافاضة من المزدلفة إلى منى يوم النحر قبل طلوع الشمس قال والآية تدل عليه لأن قوله ثم أفيضوا يدل على أنها إفاضة ثانية .
أقول : وهو مخالف للأخبار الواردة في سبب نزول الآية من طرق الخاصة والعامة كما مر الا ما في تفسير الامام فان فيه ثم افيضوا من حيث أفاض الناس اي ارجعوا من المشعر الحرام من حيث رجع الناس من جمع قال والناس في هذا الموضع الحاج غير الحمس فان الحمس كانوا لا يفيضون من جمع وهو كما ترى والعلم عند الله . واستغفروا الله واطلبوا المغفرة من الله من جاهليتكم في تغيير المناسك إن الله غفور رحيم يغفر ذنب المستغفر ويرحم عليه .
(200) فإذا قضيتم مناسككم فرغتم من افعال الحج فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فاذكروا ذكر الله بآلائه لديكم وإحسانه إليكم وبالغوا فيه كما تفعلونه في ذكر آبائكم بأفعالهم ومآثرهم وأبلغ منه .
في تفسير الامام خيرهم بين ذلك ولم يلزمهم أن يكونوا أشد ذكرا له منهم لآبائهم وإن كانت نعم الله عليهم أكثر وأعظم من نعم آبائهم .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك

( 237 )

يعدون مفاخر آبائهم ومآثرهم ويذكرون أيامهم القديمة وأياديهم الجسيمة فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع أو اشد ذكرا أويزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله سبحانه ويعدوا آلاءه ويشكروا نعمائه لأن آبائهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم فنعم الله سبحانه عليهم أعظم وأياديه عندهم وأفخم ولأنه سبحانه المنعم عليهم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم فمن الناس من يقول فان الناس من بين مقل لا يطلب بذكره الا الدنيا ومكثر يطلب به خير الدارين فيكونوا من المكثرين ربنا آتنا اجعل إيتاءنا ومنحتنا في الدنيا خاصة وما له في الاخرة من خلاق نصيب وحظ لأن همه مقصور على الدنيا لا يعمل للآخرة عملا ولا يطلب منها خيرا .
(201) ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة كالصحة والأمن والكفاف وتوفيق الخير وفي الآخرة حسنة كالرحمة والزلفة وقنا عذاب النار بالمغفرة والعفو .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام قال رضوان الله والجنة في الآخرة والسعة في المعاش وحسن الخلق في الدنيا .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء وقيل الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة ، وعذاب النار الشهوات والذنوب المؤدية إليها .
أقول : كل ذلك أمثلة للمراد بها فلا تنافي بينها .
(202) أولئك في تفسير الامام أولئك الداعون بهذا الدعاء على هذا الوصف لهم نصيب مما كسبوا قال من ثواب ما كسبوا في الدنيا والآخرة .
أقول : وإنما قيل ما كسبوا لأن الأعمال أنفسها تتصور بصور حسنة يتنعم بها صاحبها أو بصور قبيحة يتعذب بها صاحبها كما ورد في أخبار كثيرة عن اهل العصمة وفي الحديث النبوي إنما ( هي أعمالكم ترد إليكم ) والله سريع الحساب يحاسب الخلائق كلهم على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمح البصر كما ورد في الخبر .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال معناه أنه يحاسب الخلائق

( 238 )

دفعة كما يرزقهم دفعة .
وعنه أنه سئل كيف يحاسب الله سبحانه الخلق ولا يرونه قال كما يرزقهم الله ولا يرونه .
وفي تفسير الامام لأنه لا يشغله شأن عن شأن ولا محاسبة عن محاسبة فإذا حاسب واحدا فهو في تلك الحال محاسب للكل يتم حساب الكل بتمام حساب الواحد وهو كقوله : ( ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ) ويأتي في سورة الأنعام ما يقرب منه .
أقول : ولسرعة الحساب معنى آخر يجتمع مع هذا المعنى ويؤيده وهو ان الله يحاسب العبد في الدنيا في كل آن ولحظة فيجزيه على عمله في كل حركة وسكون ويكافئ طاعاته بالتوفيقات ومعاصيه بالخذلانات فالخير يجر الخير والشر يدعو إلى الشر ومن حاسب نفسه في الدنيا عرف هذا المعنى ولهذا ورد حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وهذا من الأسرار التي لا يمسها الا المطهرون .
(203) واذكروا الله في أيام معدودات يعني ايام التشريق وذكر الله فيها التكبير في أعقاب الصلوات من ظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث لمن كان بمنى وفي الأمصار إلى عشر صلوات والتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله اكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام كذا عنهم عليهم السلام .
في الكافي والعياشي وغيرهما فمن تعجل استعجل النفر من منى في يومين بعد يوم النحر إذا فرغ من رمي الجمار فلا إثم عليه ومن تأخر حتى رمى في اليوم الثالث فلا إثم عليه قيل معنى نفي الإثم بالتعجل والتأخر التخيير بينهما والرد على اهل الجاهلية فان منهم من اثم المتعجل ومنهم من اثم المتأخر .
وفي الفقيه سئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال ليس هو على ان ذلك واسع إن شاء صنع ذا وإن شاء صنع ذا لكنه يرجع مغفورا له لا إثم عليه ولا ذنب له .

( 239 )

والعياشي عنه قال يرجع مغفورا له لا ذنب له .
لمن اتقى في الفقيه عن الباقر لمن اتقى الله عز وجل قال وروي أنه يخرج من الذنوب كيوم ولدته امه .
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام قال لمن اتقى الصيد يعني في احرامه فان اصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول . والعياشي ما في معناه .
وفي الفقيه عنه عليه السلام لمن اتقى الصيد حتى ينفر اهل منى في النفر الأخير .
والعياشي عن الباقر عليه السلام لمن اتّقى منهم الصيد واتّقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه .
وفي تفسير الامام فمن تعجل في يومين من ايام التشريق فانصرف من حجه إلى بلاده التي خرج منها فلا إثم عليه ومن تأخر إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه أي لا إثم عليه من ذنوبه السالفة لأنها قد غفرت له كلها بحجته هذه المقارنة لندمه عليها وتوقيه منها لمن اتقى ان يواقع الموبقات بعدها فانه ان واقعها كان عليه إثمها ولم يغفر له تلك الذنوب السالفة بتوبة قد أبطلها بموبقاته بعدها وإنما يغفر بتوبة يجددها .
أقول : وذلك لأن الذنوب السالفة هي التي حملت صاحبها على المعاودة إذ الباعث عليها بعد التوبة إنما هو المعاودة .
وفي الكافي والفقيه عن الصادق عليه السلام يعني من مات قبل أن يمضي إلى أهله فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى الكبائر .
وعن الباقر عليه السلام اتقى الكبر وهو أن يجهل الحق ويطعن على أهله .
وعن الصادق عليه السلام إنما هي لكم والناس سواد وانتم الحاج .
أقول : أراد ان نفي الاثم في الصورتين مختص بأصحاب التقوى وهم الشيعة ليس الا .

( 240 )

والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال انتم والله هم ان رسول الله قال : لا يثبت على ولاية علي صلوات الله عليه الا المتقون واتقوا الله في مجامع أموركم .
وفي تفسير الامام واتقوا الله ايها الحاج المغفور لهم سالف ذنوبهم بحجهم المقرون بتوبتهم فلا تعاودوا الموبقات فتعود إليكم أثقالها ويثقلكم احتمالها فلا تغفر لكم الا بتوبة بعدها واعلموا أنكم إليه تحشرون فيجازيكم بما تعملون والحشر الجمع وضم المتفرق .
(204) ومن الناس من يعجبك قوله يروقك ويعظم في قلبك في الحياة الدنيا باظهاره لك الدين والاسلام وتزينه بحضرتك بالورع والاحسان ويشهد الله على ما في قلبه بأن يحلف لك بأنه مؤمن مخلص مصدق لقوله بعمله وهو ألد الخصام شديد العداوة والجدال للمسلمين .
القمي نزلت في الثاني ويقال في معاوية .
والعياشي عن الصادق عليه السلام فلان وفلان .
أقول : تشمل عامة المنافقين وإن نزلت خاصة .
(205) وإذا تولى ادبر وانصرف عنك وقيل ملك الأمر وصار واليا سعى في الأرض ليفسد فيها يعني بالكفر المخالف لما اظهر والظلم المباين لما وعد ويهلك الحرث الزرع بأن يحرقه أو يفسده والنسل الذرية بأن يقتل الحيوان فيقطع نسله .
وفي المجمع والقمي عن الصادق عليه السلام الحرث في هذا الموضع الدين والنسل الناس .
وفي الكافي والعياشي عن امير المؤمنين عليه السلام يهلك الحرث والنسل بظلمه وسوء سيرته .
أقول : ومنه ان يمنع الله بشؤم ظلمه المطر فيهلك الحرث والنسل إلى غير ذلك من نتائج الظلم والله لا يحب الفساد لا يرتضيه ولا يترك العقوبة عليه.

( 241 )

(206) وإذا قيل له اتق الله ودع سوء صنيعتك أخذته العزة بالإثم حملته الانفة وحمية الجاهلية على الاثم الذي يؤمر باتقائه وألزمته ارتكابه لجاجا من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه فيزداد إلى شره شرا ويضيف إلى ظلمه ظلما فحسبه جهنم كفته جزاء وعذابا على سوء فعله ولبئس المهاد أي الفراش يمهدها ويكون دائما فيها كذا فسرت الآيات الثلاث .
في تفسير الامام الا ما نسب الى غيره .
(207) ومن الناس من يشرى يبيع نفسه يبذلها لله ابتغاء مرضات الله طلبا لرضاه فيعمل بطاعته ويأمر الناس بهاروت العامة عن جماعة من الصحابة والتابعين .
والعياشي وعدة من أصحابنا عن أئمتنا في عدة أخبار انها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام حين بات على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهرب النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى الغار .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين ان المراد بالآية الرجل يقتل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أقول : يعني هي عامة وإن نزلت خاصة .
وفي تفسير الامام عليه السلام هؤلاء خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عذبهم اهل مكة ليفتنوهم عن دينهم فمنهم بلال وصهيب وخباب وعمار بن ياسر وابواه والله رؤوف بالعباد روي أنه لما نام على فراشه قام جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي بخ بخ من مثلك يا علي بن ابي طالب يباهي الله الملائكة بك .
وفي تفسير الامام عليه السلام اما الطالبون لرضاء ربهم فيبلغهم أقصى أمانيهم ويزيدهم عليها ما لم يبلغه آمالهم واما الفاجرون فيرفق بهم في دعوتهم إلى طاعته ولا يقطع ممن علم انه سيتوب عن ذنبه عظيم كرامته .
(208) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم في الاستسلام والطاعة وقرئ

( 242 )

بالفتح وهو بمعناه .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام ولايتنا .
والعياشي عن الصادق عليه السلام في ولاية علي عليه السلام وعنهما أمروا بطاعتنا ومعرفتنا كافة جميعا ولا تتبعوا خطوات الشيطان بالتفرق والتفريق .
والعياشي عن الصادق عليه السلام السلم ولاية علي والائمة عليهم السلام والأوصياء من بعده وخطوات الشيطان ولاية فلان وفلان وفي رواية هي ولاية الثاني والأول .
وفي تفسير الامام السلم في المسالمة إلى دين الاسلام كافة جماعة ادخلوا فيه وأدخلوا جميع الاسلام فتقبلوه واعملوا به ولا تكونوا ممن يقبل بعضه ويعمل به ويأبى بعضه ويهجره قال ومنه الدخول في قبول ولاية علي فانه كالدخول في قبول نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانه لا يكون مسلما من قال ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير امته وقال خطوات الشيطان ما يتخطى بكم إليه من طرق الغي والضلالة ويأمركم من ارتكاب الآثام الموبقات إنه لكم عدو مبين ظاهر العداوة .
(209) فإن زللتم عن الدخول في السلم من بعد ما جاءتكم البينات الحجج والشواهد على أن ما دعيتم إليه حق فاعلموا أن الله عزيز غالب لا يعجزه الانتقام منكم حكيم لا ينتقم الا بالحق .
(210) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله أي يأتيهم أمر الله أو بأسه في ظلل جمع ظلة وهي ما أظلك من الغمام من السحاب الأبيض الذي هو مظنة الرحمة فإذا جاء منه العذاب كان اصعب والملائكة ويأتي الملائكة إن قرئ بالرفع وبهم ان قرئ بالجر .
وفي العيون والتوحيد عن الرضا عليه السلام الا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام قال وهكذا نزلت وقضي الأمر واتم أمر اهلاكهم وفرغ منه وإلى الله

( 243 )

ترجع الامور وقرئ بفتح التاء وكسر الجيم حيث وقع .
وفي تفسير الامام عليه السلام أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه الاتيان واقتراحهم الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون الا مع زوال هذا التعبد لأنه وقت مجيئ الأملاك بالإهلاك فهم في اقتراحهم مجيء الأملاك جاهلون وقضي الأمر أي هل ينظرون مجيء الملائكة فإذا جاؤوا وكان ذلك قضي الأمر بهلاكهم .
القمي عن الباقر عليه السلام قال ان الله إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بد منه أمر مناديا ينادي فاجتمع الإنس والجن في اسرع من طرفة العين ثم اذن للسماء الدنيا فتنزل وكان من وراء الناس واذن للسماء الثانية فتنزل وهي ضعف التي تليها فإذا رآها اهل السماء الدنيا قالوا جاء ربنا قالوا لا وهو آت يعني امره حتى ينزل كل سماء تكون كل واحدة منها من وراء الاخرى وهي ضعف التي تليها ثم ينزل امر الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربكم ترجع الامور ثم يأمر مناديا ينادي يا معشر الجن والانس ان استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان .
والعياشي : عنه عليه السلام في هذه الآية قال ينزل في سبع قباب من نور ولا يعلم في ايها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل ، وفي رواية اخرى عنه عليه السلام قال كأني بقائم اهل بيتي قد علا نجفكم نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر ، وقال انه نازل في قباب من نور حين ينزل بظهر الكوفة على الفاروق فهذا حين ينزل واما قضي الأمر فهو الوسم على الخرطوم يوم يوسم الكافر .
أقول : لعل المراد انه ينزل على أمر يفرق به بين المؤمن والكافر وان المعني بقضاء الأمر امتياز احدهما عن الآخر بوسمه على خرطوم الكافر وذلك في الرجعة .

( 244 )

(211) سل بني إسرائيل كم اتيناهم من آية بينة معجزة ظاهرة على أيدي أنبيائهم أو آية في التوراة شاهدة على صحة نبوة محمد .
في الكافي عن الصادق عليه السلام انه كان يقرأ كم آتيناهم من آية بينة فمنهم من آمن ومنهم من جحد ومنهم من اقر ومنهم من بدل .
والعياشي لم يذكر القراءة وإنما روى الزيادة كأنها تفسير وأورد انكر مكان بدل ومن يبدل نعمة الله آياته التي هي سبب الهدى والنجاة الذين هما من أجل النعم يجعلها سبب الضلالة وازدياد الرجس من بعد ما جاءته من بعد ما عرفها أو تمكن من معرفتها فإن الله شديد العقاب فيعاقبه أشد عقوبة لأنه ارتكب أشد جريمة .
(212) زين للذين كفروا الحياة الدنيا حسنت في أعينهم واشربت محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها ويسخرون من الذين آمنوا من فقراء المؤمنين الذين لا حظ لهم منها والذين اتقوا من المؤمنين فوقهم يوم القيامة لأنهم في عليين وفي الكرامة وهم في سجين وفي الندامة والله يرزق من يشاء في الدارين بغير حساب بغير تقدير فيوسع في الدنيا استدراجا تارة وابتلاء أخرى ويعطي أهل الجنة ما لا يحصى .
(213) كان الناس أمة واحدة العياشي عن الصادق عليه السلام قال كان هذا قبل بعث نوح كانوا امة واحدة فبدا لله فأرسل الرسل قبل نوح عليه السلام قيل أعلى هدى كانوا ام على ضلالة قال بل كانوا ضلالا لامؤمنين ولا كافرين ولا مشركين . وفي رواية اخرى له عنه قال وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته بقي شيث وصيه لا يقدر على اظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته وذلك أن قابيل توعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل فسار فيهم بالتقية والكتمان فازدادوا كل يوم ضلالا حتى لحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله فبدا لله تبارك وتعالى أن يبعث الرسل ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الأمر وكذبوا إنما هي شيء يحكم به الله في كل عام ثم قرأ فيها يفرق كل امر حكيم فيحكم الله تبارك وتعالى ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك قيل أفضلالاً كانوا قبل النبيين ام على هدى قال لم

( 245 )

يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله اما تسمع يقول إبراهيم لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين أي ناسيا للميثاق .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال كان قبل نوح امة ضلال فبدا لله فبعث المرسلين وليس كما يقولون لم يزل وكذبوا يفرق في ليلة القدر ما كان من شدة أو رخاء أو مطر بقدر ما يشاء أن يقدر إلى مثلها .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام كانوا قبل نوح امة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالا فبعث الله النبيين .
أقول : اريد بالضلال المنفي في هذا الحديث التدين بالشرك أو الكفر وبالمثبت في الحديث السابق الخلو عن الدين فلا منافاة بينهما .
والقمي : كان الناس امة واحدة قبل نوح على مذهب واحد فاختلفوا فبعث الله النبيين قيل وإنما حذف لدلالة قوله فيما اختلفوا فيه عليه .
أقول : لا دلالة فيه على وقوع الإختلاف قبل البعث بل الظاهر أن المراد بالاختلاف في الآية اختلافهم في الدين بعد البعث على أن ظاهر الأخبار السابقة يدل على انه لم يكن قبل البعث اختلاف وقيل بل اختلفوا بعد البعث على الرسل .
فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ليتخذ عليهم الحجة كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه جعلوا نزول الكتاب الذي أنزل لإزالة الخلاف سببا في شدة الاختلاف من بعد ما جاءتهم البينات بغيا حسدا وظلما بينهم لحرصهم على الدنيا فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق من بيان لما بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم .
(214) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة قيل أحسبتم استبعاد للحسبان وتشجيع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين على الصبر والثبات مع الذين اختلفوا عليه

( 246 )

وعداوتهم له ولما يأتكم متوقع إتيانه منتظر مثل الذين خلوا من قبلكم حالهم التي هي مثل في الشدة مستهم بيان للمثل البأساء والضراء من القتل والخروج عن الأهل والمال وزلزلوا وازعجوا ازعاجا شديدا بما أصابهم من الشدائد .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام أنه كان يقرأ وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول وقرىء بالرفع الرسول والذين آمنوا معه لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر متى نصر الله استبطاء له لتأخره ألا إن نصر الله قريب فقيل ذلك لهم إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر قيل فيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ومكابدة الشدائد والرياضات كما قال عليه السلام حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات .
وفي الخرائج عن السجاد عليه السلام قال فما تمدون أعينكم ألستم آمنين لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فيقطع يده ورجله ويصلب ثم تلا هذه الآية .
(215) يسألونك ماذا ينفقون أي شيء ينفق قل ما أنفقتم من خير من مال فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل سئل عن المنفق فاجيب ببيان المصرف لأنه أهم إذ النفقة لا تعتد بها إذا وقعت موقعها قيل وكان السؤال متضمنا للمصرف أيضا وإن لم يكن مذكورا في الآية على ما روي أن عمرو بن الجموح الانصاري كان هِماً ذا مال عظيم فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ان تفعلوا خيرا فان الله يعلم كنهه ويوفي ثوابه .
(216) كتب عليكم القتال وهو كره لكم شاق عليكم مكروه طبعا وعسى أن تكرهوا شيئا في الحال وهو خير لكم في العاقبة وهكذا أكثر ما كلفوا به فان الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم وعسى أن تحبوا شيئا في الحال وهو شر لكم في العاقبة وهكذا اكثر ما نهوا عنه فان النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى وإنما ذكر عسى لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها والله يعلم ما هو

( 247 )

خير لكم وأنتم لا تعلمون ذلك .
(217) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قيل بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الرحمن بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخر قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه فقتلوه وأسروا إثنين واستاقوا العير وفيها تجارة الطائف وكان ذلك في غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الاخرى فقالت قريش قد استحل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويذعر فيه الناس إلى معايشهم وشق على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا ورد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مال العير والأسارى فنزلت .
والقمي ما يقرب منه مع زيادات وفي آخره فكتب قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنك استحللت الشهر الحرام وسفكت فيه الدم وأخذت المال وكثر القول في هذا قال الصحابة يا رسول الله أيحل القتل في الشهر الحرام فنزلت قل قتال فيه كبير عظيم تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ وقال وصد عن سبيل الله يعني ولكن ما فعلوه من صدهم عن سبيل الله أي الإسلام وكفر به وكفرهم بالله والمسجد الحرام وبالمسجد الحرام على بتقدير الباء وصدهم عن المسجد الحرام على أن يكون الكفر بالله عين الصد عن سبيل الله فلا يكون أجنبيا بين المعطوفين أو يكون تقديمه مع أن حقه التأخير لفرط العناية به كما في قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد وإخراج أهله وإخراج أهل المسجد الحرام وهم رسول الله والمؤمنون منه أكبر أعظم وزرا عند الله من القتل الذي وقع في الشهر الحرام والفتنة أكبر من القتل وما ارتكبوه من الاخراج والشرك أفظع مما وقع من القتل ولا يزالون يقتلونكم حتى يردوكم عن دينكم لكي يردوكم عنه اخبار عن دوام عداوة الكفار لهم وأنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم هذا إن استطاعوا استبعاد لاستطاعتهم وإيذان بأنهم لا يردونهم ومن يرتدد منكم عن دينه يرجع عنه فيمت وهو كافر أي على الردة فاؤلئك حبطت أعمالهم في الدنيا لما يفوتهم من ثمرات الاسلام والآخرة لما يفوتهم من الثواب وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون كسائر الكفار .


(218) إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله قيل نزلت في قصة ابن جحش وأصحابه وقتلهم الحضرمي في رجب حين ظن قوم أنهم ان أسلموا من الإثم فليس لهم أجر والله غفور لما فعلوه خطأ وقلة احتياط رحيم باجزال الأجر والثواب .
(219) يسألونك عن الخمر والميسر أي عن تعاطيهما قل فيهما في تعاطيهما إثم كبير لانهما مفتاح كل شيء وقرئ بالثاء المثلثة ومنافع للناس من الطرب وكسب المال وغيرهما وإثمهما أكبر من نفعهما أي المفاسد التي تنشأ منها أعظم من المنافع المتوقعة منها .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه قال إن الخمر رأس كل إثم ومفتاح كل شر وقال إن الله جعل للشر أقفالا فجعل مفاتيحها الشراب ، وقال ما عصي الله بشيء أشد من شرب المسكر ان أحدهم ليدع الصلاة الفريضة ويثب على أمه واخته وبنته وهو لا يعقل وقال إنه أشر من ترك الصلاة لأنه يصير في حال لا يعرف معها ربه وقال يغفر الله في شهر رمضان لكل احد الا لثلاثة صاحب مسكر أو صاحب شاهين أو مشاحن ، وقال كلما قومر عليه فهو ميسر ، وفسر المشاحن بصاحب البدعة المفارق للجماعة .
وعن الباقر عليه السلام قال : ما بعث الله نبيا قط الا وفي علم الله تعالى أنه إذا اكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر ولم يزل الخمر حراما وإنما ينقلون من خصلة ثم خصلة ولو حمل ذلك عليهم جملة لقطع بهم دون الدين قال ليس أحد أرفق من الله تعالى فمن رفقه تبارك وتعالى انه ينقلهم من خصلة إلى خصلة ولو حمل عليهم جملة لهلكوا ، وعنهم عليهم السلام أن أول ما نزل في تحريم الخمر قوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) فلما نزلت هذه الآية أحس القوم بتحريمها وعلموا أن الاثم مما ينبغي اجتنابه ولا يحمل الله تعالى عليهم من كل طريق لأنه قال ومنافع للناس ثم أنزل الله آية أخرى إنما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه

( 249 )

لعلكم تفلحون فكانت هذه الآية أشد من الأولى واغلظ في التحريم ثم ثلث بآية اخرى فكانت أغلظ من الأية الأولى والثانية واشد فقال ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) فأمر تعالى باجتنابها وفسر عللها التي لها ومن أجلها حرمها ثم بين الله تعالى تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآية المذكورة المتقدمة بقوله تعالى : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق ، وقال عز وجل في الآية الأولى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ثم قال في الآية الرابعة قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم ، فخبر عز وجل ان الاثم في الخمر وغيرها وأنه حرام وذلك ان الله تعالى إذا أراد أن يفترض فريضة أنزلها شيئا بعد شيء حتى يوطن الناس أنفسهم عليها ويسكنوا إلى أمر الله ونهيه فيها وكان ذلك من أمر الله تعالى على وجه التدبير فيهم أصوب وأقرب لهم إلى الأخذ بها وأقل لنفارهم عنها ، وعن علي بن يقطين قال سأل المهدي (1) أبا الحسن عليه السلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله تعالى فان الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها فقال له أبو الحسن عليه السلام بل هي محرمة في كتاب الله يا امير المؤمنين فقال له في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا ابا الحسن فقال قول الله تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق ) إلى أن قال واما الإثم فانها الخمر بعينها وقد قال الله في موضع آخر ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ) فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى فقال المهدي يا علي بن يقطين وهذه فتوى هاشمية قال قلت له صدقت والله يا امير المؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت قال فوالله ما صبر المهدي أن قال لي صدقت يا رافضي ويأتي ما طويناه من هذا الحديث في سورة الأعراف انشاء الله تعالى . ويسألونك ماذا ينفقون قيل سأله أيضا ابن الجموح سأل أولا عن المنفق والمصرف ثم سأل عن كيفية الأنفال وقدره قل العفو وقرئ بالرفع
____________
(1) وهو أبو عبد الله محمد بن منصور الدوانيقي والد الرشيد .

( 250 )

والعفو نقيض الجهد وهو أن ينفق ما تيسر له بذله ولا يبلغ منه الجهد واستفراغ الوسع قال خذي العفو مني تستديمي مودتي ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام العفو الوسط .
وفي المجمع عنه عليه السلام والقمي قال لا اقتار ولا اسراف .
وفي التبيان والمجمع عن الباقر عليه السلام أن العفو ما يفضل عن قوت السنة .
وفي المجمع عنه نسخ ذلك بآية الزكاة .
كذلك مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون .
(220) في الدنيا والآخرة في امور الدارين فتأخذون بالأصلح والأنفع ويسألونك عن اليتامى القمي عن الصادق عليه السلام لما نزلت إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما أخرج كل من كان عنده يتيم وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اخراجهم فنزلت .
وفي المجمع عنه وعن ابيه عليهما السلام لما نزلت واتوا اليتامى أموالهم كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت قل إصلاح لهم خير مداخلتهم لاصلاحهم خير من مجانبتهم وإن تخالطوهم تعاشروهم وتشاركوهم فإخوانكم فانهم اخوانكم في الدين ومن حق الأخ أن يخالط الأخ .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام قال تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ثم تنفقه قلت أرأيت ان كانوا يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلى كسوة من بعض وبعضهم آكل من بعض ومالهم جميعا فقال أما الكسوة فعلى كل انسان منهم ثمن كسوته واما الطعام فاجعلوه

( 251 )

جميعا فان الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير .
وفي رواية : ولا يرزأن (1) من أموالهم شيئا إنما هي النار .
والله يعلم المفسد من المصلح لا يخفى عليه من داخلهم لاصلاح أو إفساد فيجازيهم على حسب مداخلتهم .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه قيل له أنا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم لهم فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم فما ترى في ذلك فقال إن كان في دخولكم عليه منفعة لهم فلا بأس وإن كان فيه ضرر فلا وقال بل الانسان على نفسه بصيرة فانتم لا يخفى عليكم وقد قال الله تعالى : ( والله يعلم المفسد من المصلح ) .
ولو شاء الله لأعنتكم لحملكم على العنت وهي المشقة ولم يجوز لكم مداخلتهم إن الله عزيز غالب قادر على ما يشاء حكيم يفعل ما يقتضيه الحكمة ويتسع له الطاقة .
(221) ولا تنكحوا المشركات لا تزوجوا الكافرات حتى يؤمن وَلأَمَةٌ مملوكة مؤمنة خير من مشركة حرة ولو أعجبتكم المشركة بجمالها أو مالها وتحبونها ولا تنكحوا المشركين لا تزوجوا منهم المؤمنات حتى يؤمنوا ولعبد مملوك مؤمن خير من مشرك حر ولو أعجبكم جماله أو ماله أو حاله أولئك إشارة إلى المشركين والمشركات يدعون إلى النار إلى الكفر المؤدي الى النار فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة إلى فعل ما يوجب الجنة والمغفرة من الايمان والطاعة بإذنه بأمره وتوفيقه ويبين آياته أوامره ونواهيه للناس لعلهم يتذكرون ويتعظون .
القمي هي منسوخة بقوله تعالى في سورة المائدة اليوم أحل لكم الطيبات إلى قوله والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن قال فنسخت
____________
(1) لا يرزان بتقديم الراء المهملة أي لا ينقصن ولا يصيبن منها شيئا « منه » .

( 252 )

هذه الآية له ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ونزلت قوله : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) على حاله لم ينسخ لأنه لا يحل للمسلم أن ينكح المشرك ويحل له أن يتزوج المشركة من اليهود والنصارى وكذلك قاله النعماني في كتابه وكلاهما عدا قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات ) في منسوخ النصف من الآيات ويأتي تمام الكلام فيه في سورة المائدة انشاء الله تعالى .
(222) ويسألونك (1) عن المحيض هو مصدر حاضت قل هو أذى مستقذر يؤذي من يقربه نفرة منه له فاعتزلوا النساء في المحيض فاجتنبوا مجامعتهن في وقت الحيض ولا تقربوهن بالجماع حتى يطهرن ينقطع الدم عنهن ومن قرأ يطهرن فانما هو من يتطهرن أي يغتسلن (2) .
في الكافي سئل عن الصادق عليه السلام ما يحل لصاحب المرأة الحائض منها فقال كل شيء ما عدا القبل بعينه .
وفي رواية فليأتها حيث شاء ما اتقى موضع الدم . والأخبار في هذا المعنى عنهم عليهم السلام كثيرة .
فإذا تطهرن اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله يعني فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله كذا عن الصادق عليه السلام كما يأتي ، واريد بحيث أمركم الله المأتي الذي أمركم به وحلله لكم وإنما استفيد طلب الولد من لفظة من .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها قال إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل أن تغتسل .
وفي رواية اخرى والغسل أحب إلي ، وسئل عنه عليه السلام إذا تيممت من
____________
(1) إنما ذكر يسألونك ثلاثا بغير الواو ثم ثلاثا بها لأن السؤالات الأول كانت في أوقات متفرقة والثلاثة الأخيرة كانت في وقت واحد فلذلك ذكره بحرف الجمع كذا قيل « منه ره » .
(2) عن النبي صلى الله عليه وآله إنما أمرتم ان تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم يأمركم باخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم وهذا هو الاقتصاد بين افراط اليهود إذ كانوا يخرجوهن من البيوت وتفريط النصارى إذ كانوا يجامعونهن ولا يبالون بالحيض « منه » .


( 253 )

المحيض تحل لزوجها قال نعم يعني بعدما طهرت إن الله يحب التوابين من الذنوب ويحب المتطهرين بالماء والمتنزهين عن الأقذار .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أن الله يحب العبد المفتن التواب ومن لا يكون ذلك منه كان أفضل .
وعنه عليه السلام كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ثم احدث الوضوء وهو خلق كريم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وصنعه فأنزل الله في كتابه ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .
أقول : اراد بالوضوء الاستنجاء بالماء
وفي العلل والعياشي عنه عليه السلام قال كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار لأنهم كانوا يأكلون البسر فكانوا يبعرون بعرا فأكل رجل من الأنصار الدّبا فلان بطنه واستنجى بالماء فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه قال فجاء الرجل وهو خائف أن يكون قد نزل فيه أمر يسوءه في استنجائه بالماء فقال له هل عملت في يومك هذا شيئا فقال يا رسول الله إني والله ما حملني على الاستنجاء بالماء إلا إني أكلت طعاما فلان بطني فلم تغن عني الحجارة شيئا فاستنجيت بالماء فقال رسول الله هنيئا لك فان الله عز وجل قد انزل فيك آية فابشر ان الله يحب التو بين ويحب المتطهرين فكنت انت أول من صنع هذا أول التوّابين وأول المتطهرين .
وفي رواية كان الرجل البراء بن معرور الانصاري وأوردهما في الفقيه مرسلا .
(223) نساؤكم حرث لكم مواضع حرث لكم شبههن بها تشبيها لما يلقى في ارحامهن من النطف بالبذور فأتوا حرثكم أنى شئتم قيل أي من أي جهة شئتم .
والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام أي متى شئتم في الفرج .
وفي رواية أخرى في أي ساعة شئتم . وفي اخرى من قدامها ومن خلفها في القبل .

( 254 )

وفي التهذيب عن الرضا عليه السلام أن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله عز وجل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) من خلف أو قدام خلافا لقول اليهود ولم يعن في ادبارهن .
وعن الصادق عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها قال لا بأس إذا رضيت قيل فأين قول الله عز وجل : ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) قال هذا في طلب الولد فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ان الله تعالى يقول ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) .
أقول : لا منافاة بين الروايتين لأن المراد بالأول نفي دلالة هذه الآية على حل الادبار والمراد بالثانية نفي دلالة قوله تعالى من حيث أمركم الله على حرمتها واما تلاوته هذه الآية عقيب ذلك فاستشهاد منه بها على أن الله سبحانه إنما أراد طلب الولد إذ سماهن الحرث ويجوز أن يكون قوله تعالى من حيث أمركم الله إشارة إلى الأمر بالمباشرة وطلب الولد في قوله سبحانه فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم .
وفي الرواية الثانية إشارة إلى أن المتوقف حله على التطهر هو موضع الحرث خاصة دون سائر المواضع .
وفي الكافي سئل الصادق عليه السلام عن إتيان النساء في أعجازهن فقال هي لعبتك لا تؤذها
وفي رواية والمرأة لعبة لا تؤذى وهي حرث كما قال الله . وفي اخرى لا بأس به وما أحب أن تفعله .
وقدموا لأنفسكم قيل أي ما يدخر لكم من الأعمال الصالحة وقيل هو طلب الولد وقيل التسمية على الوطي واتقوا الله ولا تجتروا على المناهي واعلموا أنكم ملاقوه فتزودوا ما لا تفتضحون به وبشر المؤمنين لعل المراد وبشر من صدقك وامتثل أمرك بالملاقاة والكرامة والنعيم الدائم عندها .
(224) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم العرضة تطلق لما يعترض دون الشيء

( 255 )

فيحجز عنه وللمعرض للأمر والمعنى على الأول لا تجعلوا الله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير فيكون المراد بالايمان الأمور المحلوف عليها ، وعليه ورد قول الصادق في تفسيرها إذا دعيت لصلح بين اثنين فلا تقل عليّ يمين ان لا أفعل وعلى الثاني لا تجعلوا الله معرضا لايمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف وعليه ورد قوله عليه السلام لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فان الله يقول ولا تجعلوا الله عرضة لأيمناكم .
وفي رواية : من حلف بالله كاذبا كفر ومن حلف بالله صادقا أثم ان الله يقول وتلا الآية والثلاثة مروية في الكافي وذكر العياشي الأولين في رواية واحدة ، وعنه عليه السلام يعني الرجل يحلف أن لا يتكلم أخاه ولا يكلم أمه وما يشبه ذلك .
أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس بيان للايمان أي الامور المحلوف عليها على المعنى الأول وعلة للنهي على المعنى الثاني أي أنهيكم عن إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس فان الحلاّف مجترئ على الله والمجتري على الله تعالى لا يكون برا متقيا ولا موثوقا به في اصلاح ذات البين ولذلك ذم الله تعالى الحلاف فقال ولا تطع كل مهين والله سميع لايمانكم عليم بنياتكم .
(225) لا يؤاخذكم الله بالعقوبة والكفارة باللغو في أيمانكم الساقط الذي لاعقد معه بل يجري على عادة اللسان كقول العرب لا والله وبلى والله لمجرد التأكيد وكذا في المجمع عنهما عليهما السلام ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم بما واطأت فيها قلوبكم ألسنتكم وعزمتموه كقوله سبحانه بما عقدتم الايمان فان كسب القلوب هو العقد والنية والقصد والله غفور حيث لا يؤاخذكم بلغو الايمان حليم حيث لا يعجل بالمؤاخذة على يمين الجد تربصا للتوبة .
(226) للذين يؤلون من نسائهم يحلفون على أن لا يجامعوهن مضارة لهن والايلاء الحلف وتعديته بعلى ولكن لما ضمن هذا القسم معنى البعد عدّي بمن تربص أربعة أشهر انتظارها والتوقف فيها فلا يطالبوا بشيء فإن فاؤا أي رجعوا اليهن بالحنث وكفارة اليمين وجامعوا مع القدرة ووعدوها مع العجز فإن الله غفور رحيم لا

( 256 )

يتبعهم بعقوبة .
(227) وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع لطلاقهم عليمّ بضمائرهم .
القمي عن الصادق عليه السلام الايلاء أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها فان صبرت عليه فلها أن تصبر وإن رفعته إلى الامام انظره اربعة أشهر ثم يقول له بعد ذلك اما ان ترجع إلى المناكحة واما أن تطلّق فان أبى حبسه ابدا .
وفي الكافي عنه وعن ابيه عليهما السلام انهما قالا إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولا حق في الأربعة اشهر ولا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة اشهر فان مضت الأربعة اشهر قبل أن يمسها فسكتت ورضيت فهو في حل وسعة فان رفعت امرها قيل له إما أن تفيء فتمسها وإما أن تطلّق وعزم الطلاق أن يخلى عنها فإذا حاضت وطهرت طلقها وهو احق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء فهذا الإيلاء أنزله الله تبارك وتعالى في كتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
(228) والمطلقات يعني المدخول بهن من ذوات الاقراء لما دلت الآيات والأخبار ان حكم غيرهن خلاف ذلك يتربصن ينتظرن خبر في معنى الأمر للتأكيد والاشعار بأنه مما يجب أن يمتثلن فكأنهن امتثلن فيخبر عنه بأنفسهن تهييج وبعث لهن على التربص فان نفوس النساء طوامح الى الرجال فامرن بأن يقمعنها ويحملنها على التربصثلاثة قروء لا يزوجن فيها .
في الكافي عن الباقر عليه السلام قال الاقراء هي الاطهار .
وعن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام إني سمعت ربيعة الرأي يقول إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه وإنما القرء ما بين الحيضتين وزعم أنه أخذ ذلك برأيه فقال أبو جعفر عليه السلام كذب لعمري ما قال ذلك برأيه ولكنه أخذ عن علي عليه السلام قال قلت له وما قال فيها علي عليه السلام قال كان يقول إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها ولا سبيل له عليها وإنما القرء ما بين الحيضتين وليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة .

( 257 )

وفي رواية اخرى قال سمعت ربيعة الرأي يقول من رأى أن الاقراء التي سمى الله عز وجل في القرآن إنما هو الطهر فيما بين الحيضتين فقال عليه السلام كذب لم يقله برأيه ولكنه إنما بلغه عن علي عليه السلام فقلت له أصلحك الله أكان علي عليه السلام يقول ذلك قال نعم إنما القرء الطهر يقرى فيه الدم فتجمعه فإذا جاء المحيض دفعه .
وعن الصادق عليه السلام عدة التي لم تحض والمستحاضة التي لم تحض تطهر ثلاثة أشهر وعدة التي تحيض وتستقيم حيضها ثلاثة قروء والقرء جمع الدم بين الحيضتين .
ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الولد ودم الحيض استعجالا للعدة وإبطالا لحق الرجعة .
في المجمع عن الصادق عليه السلام الحبل والحيض .
والقمي : لا يحل للمرأة أن تكتم حملها أو حيضها أو طهرها وقد فوض الله إلى النساء ثلاثة اشياء الطهر والحيض والحبل .
والعياشي عن الصادق عليه السلام يعني لا يحل لها أن تكتم الحمل إذا طلقت وهي حبلى والزوج لا يعلم بالحمل وهو أحق بها في ذلك الحمل ما لم تضع .
إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر يعني ذلك ينافي الايمان عظم فعلهن ذلك وبعولتهن أزواجهن أحق بردهن إلى النكاح والرجعة اليهن في ذلك في زمان التربص إن أرادوا بالرجعة إصلاحا لما بينهن ولم يريدوا مضارتهن ولهن حقوق عليهم مثل الذي عليهن لهم في الوجوب والاستحقاق لا في الجنس بالمعروف بالوجه الذي لا ينكر في الشرع ولا في عادات النساء فلا يكلفنهم ما ليس لهن ولا يكلفونهن ما ليس لهم وللرجال عليهن درجة زيادة في الحق وفضيلة بقيامهم عليهن .
في الفقيه سئل الصادق عليه السلام عن حق المرأة على زوجها قال يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها .

( 258 )

وفيه وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيته بشيء إلا باذنه ولا تصوم تطوعا الا باذنه ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها الا باذنه فان خرجت بغير اذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع الى بيتها فقالت يا رسول الله من أعظم الناس حقا على الرجل قال والداه قالت فمن أعظم الناس حقا على المرأة قال زوجها قالت فمالي من الحق عليه مثل ما له عليّ قال لا ولا من كل ماءة واحد فقالت والذي بعثك بالحق نبيا لا يملك رقبتي رجل ابدا .
والله عزيز يقدر على الانتقام ممن خالف الأحكام حكيم يشرعها لحكم ومصالح .
(229) الطلاق مرتان أي التطليق الرجعي إثنتان فان الثالثة باين .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل أين الثالثة فقال أو تسريح بإحسان .
فإمساك بمعروف أي بالمراجعة وحسن المعاشرة أو تسريح بإحسان بأن يطلقها التطليقة الثالثة بعد الرجعة كما في الخبر النبوي المذكور أو بأن لا يراجعها حتى تبين منه وتخرج من العدة فالإمساك هو الأخذ والتسريح هو الالطلاق ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن من المهر شيئا إلا أن يخافا التفات من الخطاب إلى الغيبة ثم منها إليه أو الخطاب راجع إلى الحكام لأن الأخذ والاعطاء إنما يقعان بأمرهم وقرئ بضم الياء ألا يقيما حدود الله فيما يلزمهما الله من وظائف الزوجية فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لا جناح على الرجل في أخذ ما افتدت به نفسها واختلعت ولا على المرأة في إعطائه تلك حدود الله إشارة إلى ما حد من الأحكام فلا تعتدوها بالمخالفة ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون تعقيب للنهي بالوعيد مبالغة في التهديد .
العياشي عن الصادق عليه السلام في المختلعة فقال لا يحل خلعها حتى تقول

( 259 )

والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك امرا ولا أوطين فراشك ولأدخلن عليك بغير إذنك فإذا هي قالت ذلك حل خلعها وحل له ما أخذ منها من مهرها وما زاد وهو قول الله تعالى فلا جناح عليهما فيما افتدت به وإذا فعل ذلك فقد بانت منه بتطليقة وهي املك بنفسها ان شاءت نكحته وإن شاءت فلا فان نكحته فهي عنده على اثنتين .
وفي الكافي اخبار تقرب منه .
وعن الباقر عليه السلام إذا قالت المرأة لزوجها جملة لا أطيع لك أمرا مفسرا أو غير مفسر حل له ما أخذ منها وليس له عليها رجعة .
(230) فإن طلقها بعد الثنتين ثالثة .
في المجمع عن الباقر عليه السلام يعني التطليقة الثالثة .
فلا تحل له تزويجها من بعد ذلك هذا الطلاق حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليهما أن يتراجعا يرجع كل واحد منهما إلى الآخر بالزواج إن ظنا أن يقيما حدود الله إن كان في ظنهما أنهما يقيمان ما حده الله وشرعه من حقوق الزوجية وتلك حدود الله أي الأحكام المذكورة يبينها لقوم يعلمون يفهمون ويعملون بمقتضى العلم .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وتزوجها رجل متعة أيحل له أن ينكحها قال لا حتى تدخل في مثل ما خرجت منه ، وزاد العياشي قال الله تعالى فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله والمتعة ليس فيها طلاق .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في الرجل يطلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثم تزوج رجلا ولم يدخل بها قال لا حتى يذوق عسيلتها .
(231) وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن قاربن آخر عدتهن فان البلوغ قد ي طلق على الدنو كما يطلق على الوصول والأجل يطلق على منتهى المدة كما يطلق على

( 260 )

المدة فأمسكوهن بمعروف راجعوهن بما يجب لها من القيام بموجبها من غير طلب ضرار بالمراجعة أو سرحوهن بمعروف خلوهن حتى تنقضي عدتهن فيكن أملك بأنفسهن ولا تمسكوهن ضرارا ولا تراجعوهن إرادة الاضرار بهن من غير رغبة فيهن لتعتدوا لتظلموهن بتطويل المدة عليهن في حبالكم أو الجائهن إلى الافتداء .
في الفقيه سئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال الرجل يطلق حتى إذا كادت أن يخلو أجلها راجعها ثم طلقها يفعل ذلك ثلاث مرات فنهى الله عن ذلك .
ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه بتعريضها للعقاب ولا تتخذوا آيات الله هزوا لا تستخفوا بأوامره ونواهيه واذكروا نعمت الله عليكم بما أباحه لكم من الأزواج والأموال وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة من القرآن والعلوم المبينة لكم يعظكم به لتتعظوا واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم تأكيد وتهديد .
(232) وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن انقضت عدتهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزوجهن لا تمنعوهن ظلما عن التزوج قيل هذا إما أن يكون خطابا للأزواج الذين يعضلون نسائهم بعد انقضاء العدة ظلما لا يتركونهن يتزوجن من شئن من الأزواج وإما أن يكون خطابا للأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن أو لهما جميعا أو للناس كلهم والعضل الحبس والتضييق إذا تراضوا بينهم إذا تراضى الخطاب والنساء بالمعروف بما يحسن في الدين والمروة من الشرائط ذلك الذي سبق من الأمر والنهي يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر لأنه المتعظ به والمنتفع ذلكم العمل بما ذكره أزكى لكم أنفع وأطهر من دنس الآثام والله يعلم ما فيه النفع والصلاح لكم وأنتم لا تعلمون لقصور علمكم .
(233) والوالدات يرضعن أولادهن خبر في معنى الأمر المؤكد والوالدات تعم المطلقات وغيرهن . وقيل بل يختص بهن إذ الكلام فيهن .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام لا تجبر الحرة على ارضاع الولد وتجبر ام الولد .
أقول : فيحتمل أن يكون معنى الآية أن الارضاع حقهن لا يمنعن منه إن

( 261 )

أردنه فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس للصبي لبن خير من لبن امه .
وفي الكافي والفقيه عن امير المؤمنين عليه السلام ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن امه قيل وقد يجب عليهن كما إذا لم يرتضع الا من امه أو لا يعيش الا بلبنها أو لا يوجد غيرها حولين كاملين تامين أكده به لأنه مما يتسامح فيه لمن أراد أن يتم الرضاعة هذا الحكم لمن أراد اتمام الرضاع أو متعلق بيرضعن أي لأجل أزواجهن فان نفقة الولد على والده وفيه تحديد لأقصى مدة الرضاع وتجويز للنقص عنه وعلى المولود له الذي ولد له وهو الوالد وفيه إشارة الى أن الولد للأب ولهذا ينسب إليه وإنما لم يقل على الزوج لأنه قد يكون غير الزوج كالمطلق وللتنبيه على المعنى المقتضي لوجوب الارضاع ومؤن المرضعة على الأب رزقهن مأكولهن وكسوتهن إذا أرضعن ولده بالمعروف بما يعرفه أهل العرف لا تكلف نفس إلا وسعها تعليل لإيجاب المؤن والتقييد بالمعروف وما بعده تفصيل له وتقرير أي لا يكلف كل منهما الآخر ما ليس في وسعه ولا يضاره بسبب الولد لا تضار والدة زوجها بولدها بسبب ولدها بأن تترك ارضاعه تعنتا أو غيظا على أبيه وسيّما بعدما ألفها الولد أو تطلب منه ما ليس بمعروف أو تشغل قلبه في شأن الولد أو تمنع نفسها منه خوف الحمل لئلا يضر بالمرتضع ولا مولود له أي لا يضار المولود له أيضا امرأته بولده بسبب ولده بأن ينزعه منها ويمنعها عن ارضاعه ان ارادته وسيّما بعدما ألفها الولد أو يكرهها عليه أو يمنعها شيئا مما وجب عليه أو يترك جماعها خوف الحمل اشفاقا على المرتضع .
في الكافي ان الصادق عليه السلام سئل عن هذه الآية فقال كانت المراضع مما تدفع احداهن الرجل إذا أراد الجماع تقول لا أدعك إني أخاف أن أحبل فاقتل ولدي هذا الذي أرضعه وكان الرجل تدعوه المرأة فيقول أخاف أن أجامعك فاقتل ولدي فيدعها ولا يجامعها فنهى الله عز وجل عن ذلك بأن يضار الرجل المرأة والمرأة الرجل .
وعنه عليه السلام إذا طلق الرجل امرأته وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها فإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارها الا أن يجد من هو أرخص أجرا منها

( 262 )

فان هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها حتى تفطمه .
أقول : ويجوز أن يكون لا تضار على البناء للمفعول أي لا تضار والدة من جهة زوجها ولا مولود له من جهة زوجته ولايتفاوت المعنى غير انه يتعاكس على اللفظين وقرئ لا تضار بالرفع بدلا من قوله لا تكلف .
وعلى الوارث وعلى وارث المولود له بعد موته مثل ذلك مثل ما كان يجب على المولود له .
العياشي عن الباقر عليه السلام انه سئل عنه فقال النفقة على الوارث مثل ما على الوالد .
وعن الصادق عليه السلام أنه سئل عنه فقال لا ينبغي للوارث أن يضار المرأة فيقول لا أدع ولدها يأتيها ويضار ولدها ان كان لهم عنده شيء فلا ينبغي أن يقتر عليه .
وفي الكافي عنه في قوله وعلى الوارث مثل ذلك انه نهى أن يضار بالصبي أو يضار امه في رضاعه وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين .
وفي الفقيه عن امير المؤمنين عليه السلام انه قضى في رجل توفي وترك صبيا واسترضع له ان أجر رضاع الصبي مما يرث من ابيه وامه .
فإن أرادا فصالا فطاما عن الرضاع قبل الحولين كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما في ذلك وهذه توسعة بعد التحديد وإنما اعتبر تراضيهما مراعاة لصلاح الطفل وحذرا أن يقدم أحدهما على ما يضر به لغرض وإن أردتم أن تسترضعوا المراضع أولادكم لأولادكم يقال أرضعت المرأة الطفل واسترضعها اياه حذف المفعول الأول للاستغناء عنه فلا جناح عليكم فيه إذا سلمتم إلى المراضع ما آتيتم ما اردتم إيتائه إياهن وشرطتم لهن وقرئ ما أتيتم بالقصر من أتى إليه احسانا إذا فعله بالمعروف صلة سلمتم أي بالوجه المتعارف المستحسن شرعا .

وفي الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تسترضع الحمقاء ولا العمشاء فان اللبن يعدي .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام انظروا من ترضع أولادكم فان الولد يشب عليه .
أقول : يعني يصير شابا على الرضاع واتقوا الله مبالغة في المحافظة على ما شرع في أمر الأطفال والمراضع واعلموا أن الله بما تعملون بصير حث وتهديد .
(234) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن بعدهم أربعة أشهر وعشرا تأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر الشهور والأيام والأيام لا يستعمل التذكير في مثله وإن كانت الأيام مرادة يقال صمت عشرا قيل لعل المقتضي لهذا التقدير أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرا ولأربعة إن كانت انثى فاعتبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهارا إذ ربما يضعف حركته في المبادي فلا يحس بها .
وفي العلل : عن الرضا عليه السلام أوجب عليها إذا أصيبت بزوجها وتوفي عنها بمثل ما أوجب عليها في حياته إذا آلى منها وعلم أن غاية صبر المرأة أربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجب عليها ولها .
وعن الصادق عليه السلام لأن حرقة المطلقة تسكن في ثلاثة أشهر وحرقة المتوفي عنها زوجها لا تسكن الا في اربعة اشهر وعشرا .
والعياشي عنه عليه السلام لما نزلت هذه الآية جئن النساء يخاصمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقلن لا نصبر فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت إحداكن إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دويرتها في خدرها ثم قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتتها ثم اكتحلت بها ثم تزوجت فوضع الله عنكن ثمانية أشهر .
وفي التهذيب عن الباقر عليه السلام كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة

( 264 )

حرة كانت أو امة وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن انقضت عدتهن فلا جناح عليكم أيها الأولياء فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب وسائر ما حرم عليهن للعدة بالمعروف بالوجه الذي لا ينكره الشرع والله بما تعملون خبير فيجازيكم عليه .
(235) ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء المعتدات والتعريض هو أن يقول إنك لجميلة أو صالحة أو إني أحب امرأة صفتها كذا ويذكر بعض صفاتها ونحو ذلك من الكلام الذي يوهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح أو أكنتم في أنفسكم أو سترتم واضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم معرضين ولا مصرحين علم الله أنكم ستذكرونهن لا محالة لرغبتكم فيهن مع خوفكم أن يسبقكم غيركم إليهن فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا أي خلوة كما يأتي الا أن تقولوا في الخلوة قولا معروفا بأن تعرضوا بالخطبة ولا تصرحوا بها ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب ما كتب وفرض من العدة أجله منتهاه .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية ولكن لا تواعدوهن سرا الا أن تقولوا قولا معروفا ، فقال هو الرجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها اواعدك بيت آل فلان ليعرّض لها بالخطبة ويعني بقوله الا أن تقولوا قولا معروفا التعريض بالخطبة .
وفي رواية : هو أن يقول الرجل موعدك بيت آل فلان ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها والقول المعروف هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وفي أخرى هو أن يلقيها فيقول إني فيك لراغب وإني للنساء لمكرم فلا تسبقيني بنفسك والسر أن لا يخلو معها حيث وعدها .
أقول : هذه الروايات تفسير للمواعدة المتضمنة للقول المعروف المرخص فيها وآخر الأخيرة تفسير للسر المنهي عن مواعدته أعني الخلوة وإنما قال لا يخلو

( 265 )

تنبيها على أن النهي راجع الى الخلوة لا للتعريض بالخطبة كأنهم كانوا يتكلمون فيها بما يستهجن فنهوا عن ذلك كما يستفاد من الروايات الآتية ويحتمل أن يكون المراد بالمواعدة سرا التعريض بالخطبة بمواعدة الرفث ونحوه وسمي ذلك سرا لأنه مما يسر ويكون المراد ببيت آل فلان توقيت المكان لذلك .
وعن الكاظم عليه السلام هو أن يقول الرجل اواعدك بيت آل فلان يعرّض لها بالرفث ويوقت يقول الله عز وجل : ( الا أن تقولوا قولا معروفا ) والقول المعروف التعريض بالخطبة على وجهها وحلها .
والعياشي عن الصادق عليه السلام انه قال في هذه الأية المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك ولا تقول إني أصنع كذا واصنع كذا القبيح من الأمر في البضع وكل أمر قبيح وفي أخرى تقول لها وهي في عدتها يا هذه لا أحب الا ما أسرك ولو قد مضى عدتك لا تفوتيني ان شاء الله ولا تستبقي بنفسك وهذا كله من غير أن يعزموا عقدة النكاح .
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز فاحذروه ولا تعزموا واعلموا أن الله غفور لمن عزم ولم يفعل حليم لا يعاجلكم بالعقوبة .
(236) لا جناح عليكم لا تبعة عليكم من مهر أو وزر إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ما لم تجامعوهن وقرئ تماسوهن بضم التاء والألف في الموضعين أو تفرضوا الا أن تفرضوه لهن فريضة فرض الفريضة تسمية المهر وذلك أن المطلقة . الغير المدخول بها إن سمي لها مهرا فلها نصف المسمى كما في الآية الآتية وإن لم يسم لها مهر فليس لها الا المتعة كما في هذه الآية والحكمان مرويان ايضا رواهما العياشي وفي الكافي عن الصادق عليه السلام . ومتعوهن أي اعطوهن من مالكم ما يتمتعن به على الموسع قدره وعلى المقتر قدره أي على الغني الذي هو في سعة لغناه على قدر حاله وعلى الفقير الذي هو في ضيق على قدر حاله ومعنى قدره مقداره الذي يطيقه وقرئ بسكون الدال متاعا تمتيعا بالمعروف بالوجه الذي يستحسنه الشرع والمروة حقا على المحسنين .

( 266 )

في الكافي والعياشي سئل الصادق عن الرجل يطلق امرأته يمتعها قال نعم اما يحب أن يكون من المحسنين واما يحب أن يكون من المتقين .
وفي التهذيب عنه عليه السلام ان متعة المطلقة فريضة .
وعن الباقر عليه السلام انه سئل عن الرجل يريد أن يطلقها قبل أن يدخل بها قال يمتعها قبل أن يطلقها فان الله قال ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره .
والعياشي عن الكاظم عليه السلام انه سئل عن المطلقة ما لها من المتعة قال على قدر مال زوجها .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء .
أقول : ولعل المراد المراعي حالهما جميعا .
وفي الفقيه روي أن الغني يمتع بدار أو خادم والوسط يمتع بثوب والفقير بدرهم أو خاتم .
وروي ان ادناه الخمار وشبهه
وفيه وفي التهذيب عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى ومتّعوهن في سورة الأحزاب في هذا الحكم بعينه قال أي احملوهن على ما قدرتم عليه من معروف فانهن يرجعن بكآبة ووحشة وهم عظيم وشماتة من أعدائهن فان الله كريم يستحي ويحب اهل الحياء ان اكرمكم أشدكم اكراما لحلائلهم ويأتي بقية الكلام فيه عن قريب .
(237) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فلهن نصف ما فرضتم إلا أن يعفون يعني المطلقات أي يتركن ما يجب لهن من نصف المهر فلا يطلبن الأزواج بذلك أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي الذي يلي عقد نكاحهن .

( 267 )

وفي الفقيه وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام يعني الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما .
وفي الكافي عنه عليه السلام في عدة اخبار هو الأب والأخ والرجل يوصى اليه والرجل يجوز أمره في مال المرأة فيبيع لها ويشتري وإذا عفا فقد جاز .
وفي رواية العياشي فأي هؤلاء عفا فقد جاز قيل أرأيت ان قالت لا أجيز ما يصنع قال ليس لها ذلك أتجيز بيعه فيما لها ولا تجيز هذا .
وفي رواية أبوها إذا عفا جاز وأخوها إذا كان يقيم بها وهو القائم عليها فهو بمنزلة الأب يجوز له فإذا كان الأخ لا يقيم بها ولا يقوم عليها لم يجز له عليها أمر .
وعن الصادق عليه السلام الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي الذي انكح يأخذ بعضا ويدع بعضا وليس له أن يدع كله .
وفي المجمع عنهما عليهما السلام الذي بيده عقدة النكاح هو الولي .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام هو الزوج قال والولي عندنا هو الأب والجد مع وجود الأب الأدنى على البكر غير البالغ فاما من عداهما فلا ولاية له الا بتوليتهما إياه غير أن الأول اظهر وعليه المذهب ومعنى عفو الزوج عدم استرداده فانهم كانوا يسوغون المهر قبل الدخول .
وأن تعفوا أقرب للتقوى في الكافي عن الباقر عليه السلام انه حلف رجل على ضرب غلامه فلم يف به فلما سئل عنه عليه السلام فقال أليس الله يقول وان تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض ولا تستقصوا .
وفي المجمع عن علي عليه السلام ولا تناسوا الفضل إن الله بما تعملون بصير .
العياشي عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي على الناس زمان عضوض يعض كل امرئ على ما في يديه وينسون الفضل بينهم

( 268 )

قال الله ولا تنسوا الفضل بينكم .
وفي العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سيأتي على الناس زمان عضوض يعض المؤمن على ما في يده ولم يؤمن بذلك قال الله تعالى : ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) الآية .
وفي نهج البلاغة الموسر مكان المؤمن وزاد تنهد فيه الأشرار وتستذل الأخيار ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المضطرين .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه .
(238) حافظوا على الصلوات داوموا عليها في مواقيتها بأداء أركانها والصَّلَوةِ الوسطى بينها خصوصا أو الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط وقوموا لله في الصلاة قانتين قيل أي داعين في القيام والقنوت أيضا هو الطاعة والخشوع .
وفي الكافي والتهذيب عن الباقر عليه السلام في الصلاة الوسطى قال هي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي وسط النهار ووسط الصلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر ، قال عليه السلام وفي بعض القراءت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين قال وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فقنت فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين وإنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام .
والعياشي عنه عليه السلام أنه قرئ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين والوسطى هي الظهر قال وكذلك كان يقرؤها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

( 269 )

وعن الصادق عليه السلام قال الصلاة الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار وهي الظهر وإنما يحافظ أصحابنا على الزوال من أجلها .
وفي المجمع عن علي عليه السلام انها الجمعة يوم الجمعة والظهر سائر الأيام .
والقمي عن الصادق عليه السلام انه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين قال اقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله عنها شيء .
وفي رواية العياشي هو الدعاء .
وفي اخرى له قانتين مطيعين راغبين .
وفي الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأدخله في العظام .
وعن الباقر عليه السلام أن الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله .
وعن الصادق عليه السلام الصلوات الخمس المفروضات من اقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لقي الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .
(239) فإن خفتم من لص أو سبع أو غير ذلك فرجالا أو ركبانا فصلوا راجلين أو راكبين .
في الكافي عن الصادق عليه السلام سئل عن هذه الآية فقال ان خاف من سبع أو لص يكبر ويؤمي إيماء .
وفي الفقيه عنه عليه السلام في صلاة الزحف قال تكبير وتهليل ثم تلا الآيات .
وعنه عليه السلام إن كنت في أرض مخوفة فخشيت لصا أو سبعا فصل الفريضة

( 270 )

وانت على دابتك .
وعن الباقر عليه السلام الذي يخاف اللصوص يصلي ايماء على دابته .
فإذا أمنتم وزال خوفكم فاذكروا الله قيل صلوا صلاة الأمن أو اشكروه على الأمن كما علمكم مثل ما علمكم أو شكرا يوازي تعليمكم ما لم تكونوا تعلمون من الشرائع وكيفية الصلاة .
(240) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية يوصون وصية قبل أن يحتضروا وقرئ بالرفع لأزواجهم متاعا إلى الحول بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا أي ينفق عليهن من تركته غير إخراج ولا يخرجن من مساكنهن كان ذلك في أول الاسلام ثم نسخت كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثم أخرجت بلا ميراث ثم نسختها آية الربع والثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها رواه العياشي .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام وفي عدة روايات عنه وعن الباقر عليهما السلام هي منسوخة نسختها يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراّ نسختها آيات الميراث .
أقول : يعني نسخت المدة بآية التربص والنفقة بآيات الميراث وآية التربص وإن كانت متقدمة في التلاوة فهي متأخرة في النزول وقد مر في المقدمة السادسة كلام في هاتين الآيتين .
فإن خرجن من منزل الأزواج فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن كالتزين والتعرض للأزواج من معروف مما لم ينكره الشرع والله عزيز ينتقم ممن خالفه حكيم يراعي مصالحهم .
(241) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين أثبت المتعة للمطلقات جميعا بعدما أوجبها لواحدة منهن وقد مر من الأخبار أيضا ما يدل على التعميم .
وفي الفقيه عن الباقر عليه السلام قال متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل بها ويمتع قبل أن يطلق وقال في التهذيب إنما تجب المتعة للتي لم يدخل بها وأما التي دخل بها

( 271 )

فيستحب تمتيعها إذا لم يكن لها في ذمته مهر والأول قبل الطلاق والثاني بعد انقضاء العدة .
وفيه عن الكاظم عليه السلام انه سئل عن المطلقة التي تجب لها على زوجها المتعة فكتب الباينة وفي رواية لا تمتع المختلعة .
وفي المجمع اختلف في ذلك فقيل انما تجب المتعة للتي لم يسم لها صداق خاصة وهو المروي عن الباقر والصادق عليهما السلام وقيل لكل مطلقة الا المختلعة والمباراة والملاعنة وقيل لكل مطلقة سوى المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فانما لها نصف الصداق ولا متعة لها وقد رواه أصحابنا أيضا وذلك محمول على الاستحباب وقال في هذه الآية انها مخصوصة بتلك الآية إن نزلتا معا وإن كانت تلك متأخرة فمنسوخة لأن عندنا لا تجب المتعة الا للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها مهر فاما المدخول بها فلها مهر مثلها إن لم يسم لها مهر وإن سمي لها مهر فما سمي لها وغير المدخول بها المفروض مهرها لها نصف المهر ولا متعة في هذه الأحوال فلا بد من تخصيص هذه الأية .
وفي الكافي في عدة روايات عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال متاعها بعدما تنقضي عدتها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره قال وكيف يمتعها وهي في عدتها ترجوه ويرجوها ويحدث الله عز وجل بينهما ما يشاء وقال إذا كان الرجل موسّعا عليه متع امرأته بالعبد والأمة والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم وإن الحسن بن علي متع امرأة له بأمة ولم يطلق امرأة الا متعها .
(242) كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون تفهمونها وتستعملون العقل فيها .
(243) ألم تر تعجيب وتقرير لقصتهم إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف أي آلاف كثيرة حذر الموت فقال لهم الله موتوا أي أماتهم الله وهذا مثل قوله سبحانه إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ثم أحياهم .
في الكافي عن الباقر والصادق عليهما السلام أن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام وكانوا إذا وقع الطاعون واحسوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوتهم وبقي فيها الفقراء

( 272 )

لضعفهم فكان الموت يكثر في الذين أقاموا ويقل في الذين خرجوا فيقول الذين خرجوا لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت ويقول الذين أقاموا لو كنا خرجنا لقل فينا الموت قال فاجتمع رأيهم جميعا انه إذا وقع الطاعون واحسّوا به خرج كلهم من المدينة فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا وتنحوا عن الطاعون حذر الموت فساروا في البلاد ما شاء الله ثم أنهم مروا بمدينة خربة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون فنزلوا بها فلما حطوا رحالهم وأطمأنوا قال لهم الله تعالى عز وجل موتوا جميعا فماتوا من ساعتهم وصاروا رميما يلوح وكان على طريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم وجمعوهم في موضع فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له حزقيل فلما رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتّهم فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك فأوحى الله اليه أفتحب ذلك قال نعم يا رب فأحياهم الله قال فأوحى الله عز وجل ان قل كذا وكذا فقال الذي أمره الله عز وجل أن يقوله قال قال أبو عبد الله وهو الاسم الأعظم فلما قال حزقيل ذلك نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض يسبحون الله عز وجل ويكبرونه ويهللونه فقال حزقيل عند ذلك أشهد أن الله على كل شيء قدير .
قال الراوي فقال أبو عبد الله عليه السلام فيهم نزلت هذه الآية .
وفي الغوالي عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه نيروز الفرس قال ثم ان نبيا من انبياء بني إسرائيل سأل ربه أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله فأوحى الله إليه أن صب الماء في مضاجعهم فصب عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا وهم ثلاثون الفا فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها الا الراسخون في العلم .
وفي المجمع سئل الباقر عليه السلام عن هؤلاء القوم الذين قال لهم الله موتوا ثم أحياهم فقال أحياهم حتى نظر الناس إليهم ثم أماتهم أم ردهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور وأكلوا الطعام قال لا بل ردهم الله حتى سكنوا الدور وأكلوا الطعام ونكحوا النساء ومكثوا بذلك ما شاء الله ثم ماتوا بآجالهم .
إن الله لذو فضل على الناس حيث يبصرهم ما يعتبرون به ولكن أكثر الناس لا

( 273 )

يشكرون لا يعتبرون .
(244) وقاتلوا في سبيل الله فان الفرار من الموت غير مخلص عنه واعلموا أن الله سميع لما يقوله المخلفون والسابقون عليم بما يضمرونه .
(245) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا مقرونا بالاخلاص وطيب النفس من حلال طيب فيضاعفه وقرئ بنصب الفاء له أضعافا كثيرة لا يقدرها الا الله والله يقبض ويبصط يمنع ويوسع فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم وإليه ترجعون فيجازيكم على حسب ما قدمتم .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام إنها نزلت في صلة الامام .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال ما من شيء أحب إلى الله من اخراج الدراهم إلى الامام وإن الله ليجعل له الدرهم في الجنة مثل جبل احد ثم قال ان الله يقول في كتابه من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة قال هو والله من صلة الامام خاصة .
وفي المعالي والمجمع عنه عليه السلام لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جاء بالحسنة فله خير منها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم زدني فأنزل الله سبحانه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم زدني فأنزل الله عز وجل من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله ان الكثير من الله لا يحصى وليس له منتهى .
(246) ألم تر إلى الملإِ من بني إسرائيل من بعد موسى ألم ينته علمك يا محمد إلى جماعة الأشراف من بني إسرائيل من بعد وفاة موسى إذ قالوا لنبي لهم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام هو اشموئيل وهو بالعربية اسماعيل ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله أقم لنا أميرا ننهض للقتال معه ندبّر أمره ونصدر فيه عن رأيه .
في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام قال كان الملك في ذلك الزمان هو الذي يسير بالجنود والنبي يقيم له أمره وينبئه بالخبر من عند ربه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقتلوا أن لا تجيبوا ولا تفوا وهذا كأخذ العهد عليهم قالوا وما لنا ألا نقاتل

( 274 )

في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا بالسبي والقهر على نواحينا فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين تهديد لمن تولوا .
(247) وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا من أين يكون له ذلك ويستأهل ونحن أحق بالملك منه وراثة ومكنة ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فضيلة وسعة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع واسع الفضل يوسع على الفقير ويغنيه عليم بمن يليق بالملك لما استبعدوا تملكه لفقره رد عليهم بأن العمدة فيه اصطفاء الله وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح وبأن الشرط فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة الامور السياسية وجسامة البدن ليكون أعظم خطرا في القلوب وأقوى على مقاومة العدو ومكابدة الحروب لا ما ذكرتم وقد زاده الله فيهما قيل وكان الرجل القائم يمد يده فينال رأسه وبأنه تعالى مالك الملك على الاطلاق فله أن يؤتيه من يشاء وبأنه واسع الفضل يغنيه عليم به إذ يصطفيه .
القمي عن الباقر عليه السلام ان بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن امر ربهم وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه ، وروي انه ارميا النبي فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط فأذاهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ أموالهم واستعبد نساءهم ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر ولم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد فمن ذلك قالوا إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فقال لهم نبيهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا وكان كما قال الله تعالى فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم وقال لهم نبيهم ان الله ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف وكان طالوت من ولد ابن يامين اخي يوسف لأمه ولم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة قال لهم نبيهم ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم وكان أعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان أعلمهم الا أنه

( 275 )

كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال .
(247) وقال لهم نبيهم ان الله ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة قال عليه السلام وكان التابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه امه فألقته في اليم وكان في بني إسرائيل يتبركون به فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي وبعث الله طالوت إليهم ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت كما قال الله تعالى ( ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ) قال البقية ذرية الأنبياء .
والعياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قوله تعالى وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال ذرية الأنبياء .
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال ورضراض (1) الألواح فيها العلم والحكمة .
وزاد العياشي العلم جاء من السماء فكتب في الألواح وجعل في التابوت .
والعياشي عن الرضا عليه السلام انه قال كان فيه ألواح موسى التي تكسرت والطست التي يغسل فيها قلوب الأنبياء .
والقمي عنه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان وكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فان تقدم التابوت رجل لا يرجع حتى يقتل أو يغلب ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الامام .
وفي المعاني سئل الكاظم عليه السلام ما كان تابوت موسى وكم كان سعته قال ثلاثة أذرع في ذراعين قيل وما كان فيه قال عصا موسى والسكينة قيل وما السكينة قال روح الله
____________
(1) الرضراض : الفتات من رضرضه إذا كسره وفرقه ورضراض الألواح مكسوراتها وربما يؤل التابوت ؟ بالقلب والسكينة بالعلم والاخلاص واتيانه تصييره العلم والوقار بعد ان لم تكن « منه ره » .

( 276 )

يتكلم كانوا إذا اختلفوا في شيء كلمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام ان السكينة التي كانت فيه ريح هفافة من الجنة له وجه كوجه الانسان .
وعن الباقر عليه السلام ان البقية عصا موسى ورضراض الألواح .
وفي الكافي عنه عليه السلام فجاءت به الملائكة تحمله .
وفي رواية تحمله في صورة البقرة .
وعن الصادق عليه السلام قال إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وجد التابوت على بابهم اوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الامامة . وفي رواية حيث ما دار التابوت في بني إسرائيل دار الملك وأينما دار السلاح فينا دار الملك والعلم .
وفي أخرى سئل الكاظم عليه السلام ما السكينة فقال ريح تخرج من الجنة لها صورة كصورة الانسان ورائحة طيبة وهي التي نزلت على ابراهيم فأقبلت تدور حول اركان البيت وهو يضع الأساطين فقيل له هي التي قال الله تعالى فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون قال وتلك السكينة في التابوت وكان فيه طست يغسل فيه قلوب الأنبياء وكان التابوت يدور في بني اسرائيل مع الأنبياء ثم أقبل علينا فقال ما تابوتكم قلنا السلاح قال صدقتم هو تابوتكم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه وزاد بعد ذكر الآية قال هي من هذا .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام كان التابوت في ايدي اعداء بني إسرائيل من العمالقة غلبوهم عليه لما برح امر بني اسرائيل وحدث فيهم الأحداث ثم انتزعه الله من أيديهم ورده على بني إسرائيل تحمله الملائكة قال وقيل . وفي رواية أن السكينة لها جناحان ورأس كرأس الهرة من الزبرجد والزمرد وروي ذلك في أخبارنا قال والظاهر أن السكينة امنة وطمأنينة جعلها الله سبحانه فيه ليسكن إليه بنو

( 277 )

إسرائيل والبقية جائز ان يكون بقية من العلم أو شيئا من علامات الأنبياء وجائز أن يتضمنها جميعا .
ان في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين اما من تمام كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو خطاب من الله .
(249) فلما فصل طالوت بالجنود انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة وأصله فصل نفسه عنه ولكن لما كثر حذف مفعوله صار كاللازم قال إن الله مبتليكم مختبركم بنهر فمن شرب منه فليس مني فليس من جملتي واشياعي ومن لم يطعمه لم يذقه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده استثناء من قوله فمن شرب منه ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة باليد وقرئ غرفة بالفتح فشربوا منه إلا قليلا منهم الا ثلاث ماءة وثلاثة عشر رجلا منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب كذا في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام .
وروي أن من اقتصر على الغرفة كفته لشربه وأداوته ومن لم يقتصر غلب عطشه واسودت شفته ولم يقدر أن يمضي وهكذا الدنيا لقاصد الآخرة .
فلما جاوزه هو تخطى النهر طالوت والذين آمنوا معه يعني القليل من أصحابه ورأوا كثرة عدد جنود جالوت قالوا قال الذين اغترفوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون الذين كانو يتيقنون أنهم ملاقوا الله وهم الذين لم يغترفوا كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .
(250) ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ (1) علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكفرين .
(251) فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء القمي عن الرضا عليه السلام أوحى الله إلى نبيهم أن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه داود
____________
(1) أفرغ اي اصب علينا صبرا اي وفقنا للصبر على الجهاد .
( 278 )

بن اشي (1) وكان اشي راعيا وكان له عشر بنين أصغرهم داود فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى أشي ان احضر واحضر ولدك فلما حضروا دعا واحدا بعد واحد من ولده فالبسه الدرع درع موسى فمنهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لاشي هل خلفت من ولدك احدا قال نعم أصغرهم تركته في الغنم راعيا فبعث إليه فجاء به فلما دعا أقبل ومعه مقلاع قال فناداه ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فأخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه شجاعا فلما جاء إلى طالوت البسه درع موسى فاستوت عليه ففصل طالوت بالجنود وقال لهم نبيهم يا بني إسرائيل ان الله مبتليكم بنهر في هذه المفازة فمن شرب منه فليس من حزب الله ومن لم يشرب فهو من حزب الله الا من اغترف غرفة بيده فلما وردوا النهر اطلق الله لهم أن يغترف كل واحد منهم غرفة فشربوا منه الا قليلا منهم فالذين شربوا منه كانوا ستين الفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله عز وجل .
وعن الصادق عليه السلام انه قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث (2) ماءة وثلاثة عشر رجلا فلما جاوزوا النهر ونظروا الى جنود جالوت قال الذين شربوا منه لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وقال الذين لم يشربوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فجاء داود فوقف بحذاء جالوت وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التاج وفي جبهته ياقوتة يلمع نورها وجنوده بين يديه فأخذ داود من تلك الاحجار حجرا فرمى به ميمنة جالوت فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا وأخذ حجرا آخر فرمى به ميسرة جالوت فانهزموا ورمى جالوت بحجر فصك الياقوتة في جبهته ووصلت إلى دماغه ووقع على الأرض ميتا وهو قوله تعالى فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة .
وفي رواية العياشي ان داود لما دخل العسكر سمعهم يتعظمون امر جالوت فقال لهم ما تعظمون من أمره فوالله لئن عاينته لأقتلنه فتحدثوا بخبره حتى ادخل على طالوت فقال يا فتى وما عندك من القوة وما جربت من نفسك قال كان الأسد يعدو على
____________
(1) في المجمع ؟ وتفسير البيضاوي ايش بالياء ثم المعجمة ويشبه ان يكون عبريا واسى معربا له « منه » .
(2) هذا مناف لما سبق من الكافي والعياشي من ان هذه العدة من اغترف « منه » .


( 279 )

شاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فأفك لحييه منها فآخذها من فيه قال فقال ادع لي بدرع سابغة ، قال فأتي بدرع فقذفها في عنقه فتملأ منها قال فقال طالوت والله لعسى الله أن يقتله به قال فلما أن اصبحوا ورجعوا إلى طالوت والتقى الناس قال داود أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فجعله في مقذافه فرماه فصكّ به بين عينيه فدمغه فنكّس على دابته وقال الناس قتل داود جالوت وملك الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر واجتمعت بنو اسرائيل على داود وانزل الله عليه الزّبور وعلمه صنعة الحديد ولّينه له .
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض وقرئ دفاع الله قيل اي بنصر المؤمنين على الكفار وقيل أي بدفع الهلاك بالبر عن الفاجر .
وفي المجمع روى الثاني عن أمير المؤمنين عليه السلام .
لفسدت الأرض لعمّ الكفر والهلاك ولكن الله عز وجل ذو فضل على العالمين .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام قال إن الله ليدفع بمن يصلي من شيعتنا عّمن لا يصلي من شيعتنا ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا وان الله ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عّمن لا يزكي ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا وان الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عّمن لا يحج ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول الله عز وجل ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين فوالله ما نزلت الا فيكم ولا عنى بها غيركم .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا عباد ركّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع لصب عليكم العذاب صبا ، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يصلح بصلاح الرجل المسلم وولده وولد ولده واهل دويرته ودويرات حوله لا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم .
(252) تلك آيات الله اشارة إلى ما قص من حديث الألوف وتمليك طالوت واتيان التابوت وانهزام الجبابرة وقتل جالوت على يد صبي نتلوها عليك بالحق بالوجه

( 280 )

المطابق الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه في كتبهم كذلك وإنك لمن المرسلين حيث تخبر بها من غير تعرّف واستماع .
(253) تلك الرسل إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة فضلنا بعضهم على بعض بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره منهم من كلم الله من غير سفير كموسى عليه السلام ليلة الحيرة في الطور ومحمد صلى الله عليه وآله ليلة المعراج حين كان قاب قوسين أو أدنى وبينهما بون بعيد ورفع بعضهم درجات بأن فضله على غيره من وجوه متعددة وبمراتب متباعدة فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث أوتي ما لم يؤت أحد من المعجزات المرتقية إلى الألف وأكثر وبعث إلى الجن والإنس وخص بالمعجزة القائمة إلى يوم القيامة .
وفي العيون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا اكرم عليه مني ، قال علي صلوات الله عليه فقلت يا رسول الله أفأنت أفضل أم جبرائيل فقال إن الله تعالى فضل انبيائه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي والأئمة من بعدك وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا .
وآتينا عيسى بن مريم البينات كإحياء الموتى وابراء الأكمه والأبرص وأيدناه بروح القدس جبرائيل كما مر في تفسير الامام عليه السلام ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد الرسل من بعد ما جاءتهم البينات المعجزات الواضحات لاختلافهم في الدين وتفضيل بعضهم بعضا ولكن اختلفوا فمنهم من آمن بالتزام دين الأنبياء ومنهم من كفر لإعراضه عنه ولو شاء الله ما اقتتلوا كرره للتأكيد ولكن الله يفعل ما يريد من الخذلان والعصمة عدلا وفضلا .
في الكافي عن الباقر عليه السلام وفي هذا ما يستدل به على أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر .
والعياشي سئل عن أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل كبر القوم وكبرنا وهلل القوم وهللنا وصلى القوم وصلينا فعلام نقاتلهم فتلا هذه الاية ثم قال نحن

( 281 )

الذين من بعدهم وقال فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا .
وفي رواية قال فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله عز وجل وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالكتاب وبالحق فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا وشاء الله قتالهم بمشيته وإرادته .
(254) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة وقرئ بالفتح فيها اجمع أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون على تدارك ما فرطتم والخلاص من عذابه إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقونه وتفتدون به من العذاب ولا خلة حتى يعينكم عليه اخلاّؤكم أو يسامحونكم به لأن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين ولكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ولا شفاعة الا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا حتى تتكلموا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم ويحتمل أن يكون المراد به يوم الموت كما مر في قوله عز وجل واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا وهو اظهر والكافرون هم الظالمون حيث بلغ ظلمهم بأنفسهم الغاية وبلغ حرمانهم هذه الامور النهاية وهذا كما يقال فلان هو الفقيه في البلد يراد تقدمه على غيره .
(255) الله لا إله إلا هو هو المستحق للعبادة لا غير الحي العليم القدير القيوم الدائم القائم القيام بتدبير الخلق وحفظه من قام به إذا حفظه لا تأخده سنة نعاس وهو الفتور الذي يتقدم النوم ولا نوم بالطريق الأولى وهو تأكيد للنوم المنفي ضمنا والجملة نفي للتشبيه وتأكيد لكونه حيا قيوما .
العياشي عن الصادق عليه السلام انه رأى جالسا متوركا برجله على فخذه فقيل له هذه جلسة مكروهة فقال لا إن اليهود قالت ان الرب لما فرغ من خلق السموات والأرض جلس على الكرسي هذه الجلسة ليستريح فأنزل الله : الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض يملكهما ويملك تدبيرهما تأكيد لقيوميّته واحتجاج على تفرده بالألوهية والمراد بما فيهما ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما .

في الكافي والقمي عن الرضا عليه السلام انه قرأ له ما في السموت وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي الآية .
من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه بيان لكبرياء شأنه وانه لا احد يساويه أو يدانيه يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلا من أن يعيقه عنادا أو مناصبة يعلم ما بين أيديهم ما كان وما خلفهم وما لم يكن بعد كذا ، روى القمي عن الرضا عليه السلام ولا يحيطون بشيء من علمه من معلوماته إلا بما شاء .
القمي أي الا بما يوحي إليهم .
أقول : الاحاطة بالشيء علما ان يعلم كما هو على الحقيقة ومجموع الجملتين يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته .
وسع كرسيه السماوات والأرض علمه كذا في التوحيد .
وعن الصادق في الكافي والعياشي عنه عليه السلام انه سئل السماوات والأرض وسعن الكرسي ام الكرسي وسع السماوات والأرض فقال إن كل شيء في الكرسي .
والقمي أن عليا صلوات الله عليه سئل عن هذه الآية فقال عليه السلام السماوات والأرض وما بينهما من مخلوق في جوف الكرسي وله اربعة املاك يحملونه بإذن الله الحديث .
أقول : وقد يراد بالكرسي الجسم الذي تحت العرش الذي دونه السماوات والأرض لاحتوائه على العالم الجسماني كأنه مستقره والعرش فوقه كأنه سقفه .
وفي الحديث النبوي ما السماوات السبع والأرضون السبع مع الكرسي الا كلحقة ملقاة في فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة رواه العياشي عن الصادق عليه السلام وقد يراد به وعاء العرش .
وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام انه سئل عن العرش والكرسي ما هما

( 283 )

فقال العرش في وجه هو جملة الخلق والكرسي وعاؤه وفي وجه آخر العرش هو العلم الذي اطلع الله عليه الأنبياء ورسله وحججه والكرسي هو العلم الذي لم يطلع عليه احد من انبيائه ورسله وحججه .
أقول : وكان جملة الخلق عبارة عن مجموع العالم الجسماني ووعاؤه عن عالمي الملكوت والجبروت لاستقراره عليهما وقيامه بهما وربما يقال أن كون الكرسي في العرش لا ينافي كون العرش في الكرسي لأن احد الكونين بنحو والآخر بنحو آخر لأن أحدهما كون عقلي إجمالي والآخر كون نفساني تفصيلي وقد يجعل الكرسي كناية عن الملك لأنه مستقر الملك وقد يقال انه تصوير لعظمته تعالى وتخييل بتمثيل حسي ولا كرسي ولا قعود ولا قاعد كقوله سبحانه والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه وهذا مسلك الظاهريين وما قلناه اولا مسلك الراسخين في العلم .
ولايَؤُودُهٌ ولا يثقله حفظهما حفظه إياهما وهو العلي عن الأنداد والأشباه ولا يدركه وهم العظيم المستحقر بالاضافة إليه كل ما سواه ولا يحيط به فهم .
في الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان أعظم آية في القرآن آية الكرسي .
وفي المجمع والجوامع عن أمير المؤمنين عليه السلام سمعت نبيكم على اعواد المنبر وهو يقول من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا الموت ولا يواظب عليها الا صديق أو عابد ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله .
(256) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي القمي أي لا يكره أحد على دينه الا بعد أن تبين الرشد من الغي وقيل يعني ان الاكراه في الحقيقة الزام الغير فعلا لا يرى فيه خيرا فيحمله عليه ولكن قد تبين الرشد من الغي تميز الايمان من الكفر بالآيات الواضحة ودلت الدلائل على أن الايمان رشد يوصل إلى السعادة الأبدية والكفر غي يؤدي إلى الشقاوة السرمدية والعاقل متى تبين له ذلك بادرت نفسه إلى

( 284 )

الايمان طلبا للفوز بالسعادة والنجاة ولم يحتج إلى الاكراه والالحاح وقيل اخبار في معنى النهي أي لا تكرهوا في الدين وهو اما عام منسوخ بقوله جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم واما خاص بأهل الكتاب إذا أدوا الجزية .
أقول : ان اريد بالدين التشيع كما يستفاد من حديث ابن ابي يعفور الآتي واول تمام الآية بولايتهم عليهم السلام فهو اخبار في معنى النهي من غير حاجة إلى القول بالنسخ والتخصيص فمن يكفر بالطاغوت الشيطان كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام .
أقول : ويعم كل ما عبد من دون الله من صنم أو صاد عن سبيل الله كما يستفاد من أخبار اخر فالطاغوت فعلوت من الطغيان .
القمي هم الذين غصبوا آل محمد حقهم عليهم السلام .
ويؤمن بالله بالتوحيد وتصديق الرسل فقد استمسك بالعروة الوثقى طلب الامساك من نفسه بالحبل الوثيق وهي مستعارة للمتمسك المحق من النظر الصحيح والدين القويم .
في الكافي عن الصادق عليه السلام هي الايمان بالله وحده لا شريك له .
وعن الباقر عليه السلام هي مودتنا أهل البيت .
لا انفصام لها لا انقطاع لها .
في المعاني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليستمسك بولاية اخي ووصيي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فانه لا يهلك من احبه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه .
والله سميع بالأقوال عليم بالنيات .
(257) الله ولي الذين آمنوا متولي أمورهم يخرجهم بهدايته وتوفيقه من الظلمات ظلمات الجهل والذنوب إلى النور نور الهدى والمغفرة .

( 285 )

في الخصال عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم السلام قال المؤمن يتقلب في خمسة من النور مدخله نور ومخرجه نور وعلمه نور وكلامه نور ومنظره يوم القيامة إلى النور .
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت (1) في الكافي عن الباقر عليه السلام أولياؤهم الطواغيت . القمي وهم الظالمون آل محمد عليهم السلام أولياؤهم الطاغوت وهم الذين تبعوا من غصبهم يخرجونهم من النور إلى الظلمات قيل من نور الفطرة إلى فساد الاستعداد .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام النور آل محمد عليهم السلام والظلمات عدوهم وعن ابن ابي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني اخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا لهم امانة وصدق ووفاء وأقوام يتولونكم ليست لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق قال فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالسا فأقبل علي كالغضبان ثم قال لا دين لمن دان الله بولاية امام جائر وليس من الله ولا عتب على من دان الله بولاية امام عادل من الله قلت لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء قال نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثم قال الا تسمع لقول الله عز وجل الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل امام عادل من الله عز وجل وقال والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات إنما عنى بهذا انهم كانوا على نور الاسلام فلما ان تولوا كل امام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم من نور الاسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار . وزاد العياشي بعد قوله إلى الظلمات قال قلت أليس الله عنى بهذا الكفار حين قال والذين كفروا قال فقال وأي نور للكافر وهو كافر فأخرج منه إلى الظلمات انما عنى بهذا إلى آخر الحديث أولئك أصحب النار هم فيها خالدون العياشي عن الصادق عليه السلام في آخر الحديث السابق برواية أخرى فأعداء علي أمير المؤمنين عليه السلام هم الخالدون في النار
____________
(1) اصله طغيوت قدم لامه على ععينه خلاف القياس « منه » .

( 286 )

وان كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد والعبادة ، القمي هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين .
(258) ألم تر (1) إلى الذي حاج إبراهيم في ربه تعجبت من محاجة نمرود وحماقته أن آتاه الله الملك لأن أتاه قيل أي أبطره ايتاؤه الملك وحمله على المحاجة أو وضع المحاجة موضع الشكر على إيتائه الملك .
في الخصال عن البرقي مرفوعا قال ملك الأرض كلها اربعة مؤمنان وكافران اما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين واما الكافران فنمرود وبخت نصر .
إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت في المجمع عن الصادق عليه السلام انه كان بعد القائه في النار قال أنا احيي وأميت بالعفو عن القتل والقتل وعنه عليه السلام ان ابراهيم قال له احيي من قتلته ان كنت صادقا قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب اعرض ابراهيم عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه نحو هذا التمويه رفعا للمشاغبة وهو في الحقيقة عدول عن مثال خفي إلى مثال جلي من مقدوراته التي يعجز عن الاتيان بها غيره لا عن حجة إلى اخرى فَبُهِتَ الَّذي كفر فصار مبهوتا وعلى قراءة المعلوم فغلبه ، القمي أي انقطع وذلك أنه علم ان الشمس اقدم منه والله لا يهدي بمحجة المحاجة وسبيل النجاة وطريق الجنة القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالامتناع عن قبول الهداية .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام خالف ابراهيم قومه وعاب آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمهم .
____________
(1) اعلم ان كلا من لفظي ألم تر وأرأيت يستعمل لقصد التعجب الا أن الأولى تعلق بالمتعجب منه فيقال ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثانية بمثل المتعجب منه فيقال أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى أنه في الغرابة بحيث لا يرى له مثل أو انظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع وعلى هذا لا يستقيم عطف كالذي مر على الذي حاج واحتج إلى التأويل فقيل تقديره أو رأيت مثل الذي حذف لدلالة ألم تر عليه وتخصيصه بحرف التشبيه لأن المنكر للاحياء كثير والجاهل بكيفية أكثر من أن تحصى بخلاف مدعي الربوبية وقيل الكاف مزيدة وتقدير الكلام ألم تر إلى الذي حاج أو الذي مر وقيل انه عطف محمول على المعنى كأنه قيل ألم ترى كالذي حاج أو كالذي مر « منه » .

( 287 )

(259) أو كالذي مر على قرية هو أرميا النبي وقيل عزير النبي ويأتي الأخبار في ذلك وهي خاوية على عروشها ساقطة حيطانها على سقوفها قال أنى يحيي كيف يحيي أو متى يحيي هذه الله بعد موتها اعترافا بالعجز عن معرفة طريق الاحياء واستعظاما لقدرة المحيي أراد أن يعاين أحياء الموتى ليزداد بصيرة فأماته الله ماءة عام ثم بعثه احياه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت ماءة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه لم يتغير بمرور السنين وقرئ بحذف الهاء في الوصل وانظر إلى حمارك كيف تفرقت عظامه ونخرت وتفتتت ولنجعلك آية للناس أي وفعلنا ذلك لنجعلك آية وانظر إلى العظام يعني عظامك كيف ننشزها كيف نرفع بعضها على بعض للتركيب وقرئ ننشرها بالراء من انشر الله الموتى إذا احياهم وننشرها بالفتح والراء من نشر بمعنى انشر ثم نكسوها لحما من هاهنا وهاهنا كما يأتي فلما تبين له ما تبين قال أعلم أن الله على كل شيء قدير وقرئ اعلم على الأمر .
القمي عن الصادق عليه السلام قال لما عملت بنو اسرائيل بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم أراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فأوحى الله إلى ارميا يا ارميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كريم الشجر فاخلف فأنبت خروبا (1) فاخبر ارميا اخبار بني اسرائيل فقالوا له راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل فصام ارميا سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا اما البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو اسرائيل الذين اسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا فبي حلفت لامتحنهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا ولأسلطن عليهم شر عبادي ولادة شرهم طعاما فليسلطنّ عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب بيوتهم التي يعيرون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل ماءة سنة فاخبر ارميا احبار بني اسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء فصام ارميا ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شيء ثم صام سبعا فلم يوح إليه شيء ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا لتكفن عن هذا أو لأردن وجهك إلى قفاك قال ثم
____________
(1) يقال خروب كتنور شجرة برية ذات شوك « منه » .

( 288 )

أوحى الله إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه فقال ارميا رب أعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا قال ائت إلى موضع كذا وكذا فانزل الى غلام اشدهم زمانا وأخبثهم ولادة وأضعفهم جسما وأشرهم غذاء فهو ذاك فأتى ارميا ذلك البلد فإذا هو بغلام في خان زمن ملقى على مزبلة وسط الخان وإذا له ام تربى بالكسر وتفتت الكسرة في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكل فقال ارميا ان كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا فدنا منه فقال له ما اسمك فقال بخت نصر فعرف انه هو فعالجه حتى برئ ثم قال له تعرفني قال لا انت رجل صالح قال انا ارميا نبي بني إسرائيل أخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم ما تفعل قال فتاه الغلام في نفسه في ذلك الوقت ثم قال ارميا اكتب لي كتابا بأمان منك فكتب له كتابا وكان يخرج في الليل إلى الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه فدعا إلى حرب بني إسرائيل وكان مسكنهم في بيت المقدس وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس وقد اجتمع إليه بشر كثير فلما بلغ ارميا اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتب له بخت نصر فلم يصل إليه ارميا من كثرة جنوده وأصحابه فصير الأمان على خشبة ورفعها فقال من انت فقال انا ارميا النبي الذي بشرتك بأنك ستسلط على بني إسرائيل وهذا أمانك لي قال اما انت فقد أمنتك واما أهل بيتك فاني ارمي من هاهنا إلى بيت المقدس فان وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا امان لهم عندي وإن لم تصل فهم آمنون ونزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس فقال لا أمان لهم عندي فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة وإذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب خرج وهو يغلي فقال ما هذا قالوا هذا نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي وكلما القينا عليه التراب خرج يغلي فقال بخت نصر لأقتلن بني إسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله ايها الملك لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني الملك بهن حين سكر ايها الملك اقتل يحيى فامر أن يؤتى برأسه فاتي برأس يحيى في الطست وكان

( 289 )

الرأس يكلمه ويقول يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا ثم غلى الدم في الطست حتى فاض إلى الأرض فخرج يغلي ولا يسكن وكان بين قتل يحيى وخروج بخت نصر ماءة سنة ولم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلي حتى أفنى من بقي منهم ثم قال أبقي احد في هذا البلد قالوا عجوز في موضع كذا وكذا فبعث إليها فضرب عنقها على ذلك الدم فسكن وكان آخر من بقي ثم أتى بابل فبنى بها مدينة واقام وحفر بئرا فألقى فيها دانيال والقى معه اللبوة تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها ولبث بذلك زمانا فأوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام قال واين هو يا رب فقال في بئر بابل في موضع كذا وكذا قال فأتاه فاطلع في البئر فقال يا دانيال قال لبيك صوت غريب قال ان ربك يقرؤك السلام قد بعث اليك بالطعام والشراب فدلاّه إليه قال فقال دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمد لله الذي يجزي بالاحسان احسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة والحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين ينقطع الحبل منا الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا قال فأرى بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت فقالوا ما ندري ولكن قص علينا ما رأيته في المنام فقال وانا أجري عليكم الأرزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام فأمر بهم فقتلوا قال فقال له بعض من كان عنده إن كان عند احد شيء فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام فقال رأيت كأن رأسك من كذا ورجليك من كذا وصدرك من كذا قال هكذا رأيت فما ذاك قال قد ذهب ملكك وانت مقتول إلى ثلاثة ايام يقتلك رجل من ولد فارس قال فقال له ان عليّ لسبع مدائن على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب الا صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له ان الأمر كما قلت لك قال فبث الخيل وقال لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان

( 290 )

وكان دانيال جالسا عنده وقال لا تفارقني هذه الثلاثة الأيام فان مضت قتلتك فلما كان في اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم فخرج فتلقاه غلام كان اتخذه ابنا له من اهل فارس وهو لا يعلم انه من اهل فارس فدفع إليه سيفه وقال له يا غلام لا تلقى احدا من الخلق الا قتلته وان لقيتني انا فاقتلني فاخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله فخرج أرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشيء من عصير فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال انى يحيي الله هؤلاء وقد أكلتهم السباع فأماته الله مكانه وهو قول الله تعالى : ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماءة عام ثم بعثه ) اي احياه فلما رحم الله بني اسرائيل واهلك بخت نصر رد بني اسرائيل إلى الدنيا وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها وبقي ارميا ميتا ماءة سنة ثم أحياه الله فأول ما احيى الله منه عينيه في مثل غرقي البيض فنظر فأوحى الله إليه كم لبثت قال لبثت يوما ثم نظر إلى الشمس قد ارتفعت فقال أو بعض يوم فقال الله تعالى : ( بل لبثت ماءة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) أي لم يتغير (وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما ) فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا وهاهنا ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال اعلم ان الله على كل شيء قدير .
والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب من صدر هذا الحديث وذيله من قصة ارميا ولم يذكر دم يحيى ولا جب دانيال بل أجمل قصة بخت نصر قال فسلط الله عليهم بخت نصر فصنع بهم ما قد بلغك ثم بعث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إنك قد نبئت عن ربك وحدثتهم بما اصنع بهم فان شئت فأقم عندي فيمن شئت وإن شئت فاخرج فقال لا بل اخرج فتزود عصيرا وتينا وخرج فلما ان غاب مد البصر التفت إليها فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماءة عام اماته غدوة وبعثه عشية قبل أن تغيب الشمس وكان أول شيء خلق منه عيناه في مثل غرقي البيض ثم قيل له كم لبثت قال لبثت يوما فلما ان نظر إلى الشمس لم تغب قال أو بعض يوم قال بل لبثت ماءة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه

( 291 )

وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما قال فجعل ينظر إلى عظامه كيف يصل بعضها إلى بعض ويرى العروق كيف تجري فلما استوى قائما قال اعلم ان الله على كل شيء قدير .
وفي الاحتجاج عنه عليه السلام قال وامات الله ارميا النبي عليه السلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر فقال انى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماءة عام ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل قال فلما استوى قاعدا قال اعلم ان الله على كل شيء قدير .
وفي الاكمال عنه عليه السلام قال وتصديق ذلك من كتاب الله ان الآيات هم الحجج قول الله عز وجل وجعلنا ابن مريم وامه آية يعني حجة ، وقوله عز وجل لأرميا حين احياه الله من بعد أن اماته وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس يعني حجة .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قد ذكر فيه بخت نصر وقتله من قتل من اليهود على دم يحيى بن زكريا في سبعة واربعين سنة من ملكه قال فبعث الله تعالى العزير نبيا إلى أهل القرى التي أمات الله عز وجل أهلها ثم بعثهم له وكانوا من قرى شتى فهربوا فرقا من الموت فقتلوا في جوار عزير وكانوا مؤمنين وكان يختلف إليهم ويسمع كلامهم وإيمانهم واحبهم على ذلك وآخاهم عليه فغاب عنهم يوما واحدا ثم أتاهم فوجدهم صرعى موتى فحزن عليهم وقال انى يحيي هذه الله بعد موتها تعجيبا منه حيث أصابهم وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد فأماته الله عز وجل عند ذلك ماءة عام فلبث فيهم ماءة سنة ثم بعثهم وكانوا ماءة ألف مقاتل ثم قتلهم الله أجمعين لم يفلت منهم أحد على يدي بخت نصر .
وعنه عليه السلام في حديث ذكر فيه تسلط بخت نصر على بني إسرائيل وقتله إياهم وسبيه ذراريهم واصطفائه من السبي دانيال وعزيراً وهما صغيران وكان دانيال أسيرا في يده تسعين سنة ثم ذكر القاءه اياه في الجب ثم اخراجه منها بعد حين على نحو آخر غير ما في رواية القمي ثم قال وفوض النظر إليه في أمور ممالكه والقضاء بين الناس ولم يلبث الا قليلا حتى مات وافضى الأمر بعده إلى عزير فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه

( 292 )

معالم دينهم فغيب الله عنهم شخصه ماءة عام ثم بعثه .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام ان عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة فأماته الله ماءة سنة ثم بعثه فرجع إلى أهله ابن خمسين وله ابن له ماءة سنة فكان ابنه اكبر منه فذلك من آيات الله .
والعياشي ان ابن الكوّا قال لعلي عليه السلام يا امير المؤمنين ما ولد اكبر من ابيه من أهل الدنيا قال نعم أولئك ولد عزير حيث مر على قرية خربة وقد جاء من ضيعة له تحته حمار ومعه سلة فيها تين وكوز فيه عصير فمر على قرية خربة فقال انى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماءة عام فتوالد ولده وتناسلوا ثم بعثه الله إليه فأحياه في الموقع الذي أماته فيه فأولئك ولده أكبر من أبيهم .
وروي أنه اتى قومه على حماره وقال انا عزير فكذبوه فقرأ التوراة من الحفظ ولم يحفظها أحد قبله فعرفوه بذلك فقالوا هو ابن الله وقيل لما رجع إلى منزله كان شابا واولاده شيوخا فإذا حدثهم بحديث قالوا حديث ماءة سنة .
أقول : ويمكن التوفيق بين هذه الأخبار بالقول بوقوع هذه القضية مرتين مرة لأرميا في تعجبه في احياء قتلى بخت نصر واخرى لعزير في تعجبه في إحياء من مات من أصحابه في يوم واحد الا انه عبرت لأرميا بالموت ولعزير تارة بالغيبة واخرى بالموت وإنما التنافي بين رواية القمي في قصة دانيال ورواية الاكمال فيها وبين روايتي الاكمال حيث قيل في احداهما ان قتل بخت نصر كان على دم يحيى بن زكريا موافقا للقمي والعياشي وقال في الاخرى ان ولادة يحيى كانت بعد تلك القضايا بسنين والعلم عند الله (1).
(260) وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى إنما سأل ذلك ليصير علمه عيانا قال أولم تؤمن بأني قادر على الاحياء باعادة التركيب والحياة قال له ذلك وقد علم انه اعرق الناس في الايمان وأثبتهم ليجيب بما أجاب فيعلم السامعون غرضه قال بلى ولكن
____________
(1) ومما يؤيده ما في التفسير ما رواه في الاكمال ايضا في موضع آخر عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل بعد أن ذكر أن الله استودع علمه وحكمته بعد عيسى شمعون بن حمون الصفا وبعده يحيى بن زكريا وبعده ولد شمعون وبعده في ذرية يعقوب بن شمعون قال وعند ذلك ملك بخت نصر ماءة سنة وسبعا وثمانين سنة وقتل من اليهود سبعين الف مقاتل على دم يحيى بن زكريا وخرب بيت المقدس وتفرقت اليهود في البلدان « منه » .

( 293 )

ليطمئن قلبي أي بلى آمنت ولكن سألت لأزيدن بصيرة وسكون قلبي بمضامة العيان إلى الوحي والبيان ، في المحاسن والعياشي سئل الرضا عليه السلام كان في قلبه شك قال لا كان على يقين ولكنه اراد من الله الزيادة في يقينه قال فخذ أربعة من الطير فصرهن فاملهن وقرئ بكسر الصاد واضممهن إليك لتتأملها وتعرف شأنها لئلا تلتبس عليك بعد الاحياء ثم اجعل على كل جبل منهن جزء قطعهن واخلطهن وفرق الأجزاء على الجبال وقرئ جزءا مثقلا مهموزا ومشددا ثم ادعهن قل لهن تعالين باذن الله يأتينك سعيا ساعيات مسرعات واعلم أن الله عزيز لا يعجز عما يريده حكيم ذو حكمة بالغة في كل ما يفعله ويدبره .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام لما رأى ابراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض التفت فرأى جيفة على ساحل البحر نصفها في الماء ونصفها في البر تجيء سباع البحر فتأكل ما في الماء ثم ترجع فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا وتجيء سباع البر فتأكل منها فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضاً فعند ذلك تعجب إبراهيم مما رأى وقال رب ارني كيف تحيي الموتى قال كيف تخرج ما تناسل التي أكل بعضها بعضاً قال ( أو لم تؤمن ) قال بلى ولكن ليطمئن قلبي يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهم جزء فقطعهن واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا فخلط ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا فلما دعاهن أجبنه وكان الجبال عشرة .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام ان الله تعالى اوحى إلى إبراهيم انى متخذ من عبادي خليلا ان سألني احياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم انه ذلك الخليل فقال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلّة قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم فأخذ ابراهيم نسرا وبطا وطاووسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عن

( 294 )

مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال ابراهيم بل الله يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير .
والعياشي عن الصادق عليه السلام في حديث وان ابراهيم دعا بمهراس فدق فيه الطير جميعا وحبس الرؤوس عنده ثم انه دعا بالذي امر به فجعل ينظر إلى الريش كيف يخرج وإلى العروق عرقا عرقا حتى خرج جناحه مستويا فأهوى نحو ابراهيم فمال إبراهيم ببعض الرؤوس فاستقبله به فلم يكن الرأس الذي استقبله لذلك البدن حتى انتقل إليه غيره فكان موافقا للرأس فتمت العدة وتمت الأبدان .
وفي الخصال والعياشي عنه عليه السلام انه أخذ الهدهد والصرد والطاووس والغراب فذبحهن وعزل رؤوسهن ثم نخر أبدانهن في المنخار بريشهن ولحومهن وعظامهن حتى اختلطت ثم جزاهن عشرة أجزاء على عشرة جبال ثم وضع عنده حبا وماء ثم جعل مناقرهن بين أصابعه ثم قال ايتين سعيا باذن الله فتطاير بعضهن إلى بعض اللحوم والريش والعظام حتى استوت الأبدان كما كانت وجاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها رأسه والمنقار فخلى ابراهيم عن مناقيرهن فوقعن وشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب ثم قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال ابراهيم عليه السلام بل الله يحيي ويميت فهذا تفسيره في الظاهر قال وتفسيره في الباطن خذ أربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهن علمك ثم ابعثهن في أطراف الأرضين حججا على الناس وإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتونك سعيا باذن الله تعالى .
وفي العلل والمجمع عنه عليه السلام وكانت الطيور الديك والحمامة والطاووس والغراب .
والعياشي عنه عليه السلام مثله .
وفي رواية ابدال الغراب بالهدهد وفي أخرى بالوزة والحمامة بالنعامة . وفي هذه القصة اشارة إلى أن إحياء النفس بالحياة الأبدية إنما يتأتى باماتة القوى البدنية الباعثة على حب الشهوات والزخارف والحرص وطول الأمل وخسة النفس والمسارعة إلى الهوى الموصوف بها الطيور المزبورة ومزج بعضها ببعض حتى تنكسر سورتها فيطاوعن

( 295 )

مسرعات متى دعين بداعية العقل والشرع وإنما خص الطير لأنه أقرب إلى الانسان واجمع لخواص الحيوان .
(261) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل باذر حبة أنبتت سبع سنابل بانشعاب ساقه سبع شعب في كل منها سنبلة في كل سنبلة ماءة حبة والله يضاعف لمن يشاء بفضله على حسب حال المنفق من اخلاصه وتعبه وحال المصرف وغير ذلك .
القمي عن الصادق عليه السلام لمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله .
وفي ثواب الأعمال والعياشي عنه عليه السلام إذا أحسن العبد المؤمن عمله ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبعماءة ضعف وذلك قول الله تعالى والله يضاعف لمن يشاء وزاد في رواية أخرى للعياشي في آخرها فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله قيل وما الاحسان قال إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك وإذا صمت فتوق ما فيه فساد صومك وإذا حججت فتوق كل ما يحرم عليك في حجتك وعمرتك قال وكل عمل تعمله فليكن نقيا من الدنس والله واسع لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة عليم بنية المنفق وقدر إنفاقه .
(262) الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون المن أن يعتد باحسانه على من أحسن إليه والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه وثم للتفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدة أخبار ان الله كره عدة خصال وعَد منها المن بعد الصدقة .
وفي المجمع والقمي عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أسدى إلى مؤمن معروفا ثم أذاه بالكلام أو منّ عليه فقد ابطل الله صدقته .
(263) قول معروف جميل ومغفرة وتجاوز عن السائل الحاجة أو نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل خير من صدقة يتبعها أذى والله غني لا حاجة له إلى المنفق يمن ويؤذي حليم عن المعاجلة بالعقوبة .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1086
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29