• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول) ، تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني » .
                    • الموضوع : سورة آل عمران : من آية 117 ـ آخر السورة .

سورة آل عمران : من آية 117 ـ آخر السورة


(117) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر برد شديد أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية فأهلكته عقوبة لهم شبه ما انفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته برد شديد من سخط الله فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة في الدنيا ولا في الآخرة وما ظلمهم الله أي المنفقين بضياع نفقاتهم ولكن أنفسهم يظلمون لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها .
(118) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة وليجة (1) وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يشبه بالشعار من دونكم من دون المسلمين لا يألونكم خبالا لا يقصرون لكم في الفساد ودوا ما عنتم تمنوا عنتكم وهو شدة الضرر قد بدت البغضاء من أفواههم أي من كلامهم لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم وما تخفي صدورهم أكبر مما بدا قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون .
(119) ها أنتم أولاء الخاطئون في موالاة الكفار تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب بجنس الكتاب كله كتابكم وكتابهم وغيرهما والمعنى أنهم لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضا فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ بأنهم في باطنهم أصلب منكم في حقكم وإذا لقوكم قالوا آمنا نفاقا وتعزيرا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ تأسفا وتحسرا حيث رأوا ائتلافكم واجتماع كلمتكم ولم يجدوا إلى التشفي سبيلا قل موتوا بغيظكم دعا عليهم بدوام الغيظ إلى أن يموتوا إن الله عليم بذات الصدور من خير أو شر فيعلم غيظهم وحنقهم واخفى ما يخفونه وهو اما من جملة القول أو مستأنف .
(120) إن تمسسكم حسنة نعمة من ألفة أو ظفر على الأعداء تسؤهم وإن تصبكم سيئة محنة من فرقة أو اصابة عدو منكم يفرحوا بها بيان لتناهي عداوتهم وإن تصبروا على عداوتهم وتتقوا موالاتهم ومخالطتهم لا يضركم كيدهم شيئا
____________
(1) وليجة الرجل : بطانته ودخلاؤه وخاصته وما يتخذه معتمدا عليه ، والوليجة كل شيء أدخلته في شيء وليس منه والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم ( مجمع ) .

( 374 )

لما وعد الله الصابرين والمتقين بالحفظ وقرئ بكسر الضاد وجزم الراء إن الله بما يعملون محيط .
(121) وإذ غدوت واذكر إذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين تهيئ لهم مقاعد للقتال مواقف وأماكن له والله سميع لأقوالكم عليم بنياتكم .
القمي عن الصادق عليه السلام قال سبب نزول هذه الآية أن قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج رسول الله يبتغي موضعا للقتال .
وفي المجمع عن القمي عنه عليه السلام قال سبب غزوة أحد أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة قد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر ولأنهم قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون قال أبو سفيان يا معشر قريش لا تدعوا نسائكم يبكين على قتلاكم فان الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد اذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس والفي راجل وأخرجوا معهم النساء فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك جمع أصحابه وحثهم على الجهاد فقال عبد الله بن أُبي يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك (1) وعلى السطوح فما أرادنا قوم قط نظروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا على عدو لنا قط إلا كان لهم الظفر علينا فقام سعد بن معاذ وغيره من الأوس فقال يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا ، لا حتى نخرج إليهم ونقاتلهم فمن
____________
(1) السكك : الزقاق .
( 375 )

قتل منا كان شهيدا ومن نجا منا كان مجاهدا في سبيل الله فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأيه وخرج مع نفر من أصحابه يتبوؤن موضع القتال كما قال سبحانه واذ غدوت من أهلك الآية .
وقعد عنه عبد الله بن أُبي وجماعة من الخزرج اتبعوا رأيه ووافت قريش إلى أحد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبّأ أصحابه (1) وكانوا سبعمائة رجل فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب (2) وأشفق أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان فقال صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن جبير وأصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان وان رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا وقال له إذا رأيتمونا قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراءهم ، وعبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه ودفع الراية إلى أمير المؤمنين عليه السلام فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول الله في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجع ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهبون سواد القوم فقالوا لعبد الله بن جبير قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة فقال لهم عبد الله اتقوا الله فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تقدم الينا أن لا نبرح فلم يقبلوا منه واقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا وكانت راية قريش مع طلحة بن ابي طلحة العبدري من بني عبد الدار فقتله علي عليه السلام فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية فأخذها مسافح بن طلحة فقتله حتى قتل تسعة من بني عبدالدار حتى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له صواب فانتهى إليه علي فقطع يده فأخذ الراية باليسرى
____________
(1) عبأ المتاع والأمر كمنع هيأه والجيش جهزه كعبأته تعبئة وتعبيئا فيهما « ق » .
(2) الشعب بالكسر الطريق في الجبل ومسيل الماء في بطن ارض وما انفرج بين الجبلين « ق » .


( 376 )

فضرب يسراه فقطعها فاعتنقها (1) بالجذماوين إلى صدره ثم التفت إلى أبي سفيان فقال هل أعذرت في بني عبد الدار فضربه علي عليه السلام على رأسه فقتله فسقط اللواء فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها وانحط (2) خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وقد فر أصحابه وبقي في نفر قليل فقتلهم على باب الشعب ثم أتى المسلمين من أدبارهم ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها وانهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هزيمة عظيمة وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهزيمة كشف البيضة عن رأسه وقال إليّ أنا رسول الله اليّ أين تفرون عن الله وعن رسوله قال وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر وكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت انما أنت إمرأة فاكتحل بهذا وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد وكانت هند قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أو عليا أو حمزة صلوات الله عليهما لأعطيتك كذا وكذا وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا فقال وحشي أما محمد فلا أقدر عليه وأما علي فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه فكمن لحمزة قال فرأيته يهذ (3) الناس هذا فمر بي فوطى على جرف (4) نهر فسقط فأخذت حربتي فهززتها (5) ورميته فوقعت في خاصرته وخرجت من الثنية (6) فسقط فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده وجئت به إلى هند فقلت هذه كبد حمزة فأخذتها في فمها فلاكتها (7) فجعلها الله في فمها مثل
____________
(1) عانقت المرأة واعتنقتها وهو الضم والالتزام والجذماء مؤنث الأجذم وهو الشيء المقطوع والموصوف هنا اليد يعني ضم العبد الراية إلى صدره بيديه المقطوعتين .
(2) حططت الرجل وغيره حطا من باب قتل : انزلته من علو إلى سفل ومنه فانحط الرجل وهو قائم في صلاته ( مجمع ) .
(3) الهذ : سرعة القطع « م » .
(4) الجرف من كل شيء : طرفه « ق » .
(5) هززت الشيء هزا فاهتز أي حركته فتحرك « م » .
(6) الثنية بالضم : العانة « ق » .
(7) اللوك ادارة الشيء في الفم ، لاكه يلوكه لوكا ولكت الشيء في فمي علكته « م » .


( 377 )

الداعضة وهي عظم رأس الركبة فلفظتها ورمت بها ، قال رسول الله فبعث الله ملكا فحمله ورده إلى موضعه قال فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه وقطعت يده ورجله ولم يبق مع رسول الله إلا أبو دجانة سماك بن خرشة وعلي فكلما حملت طائفة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استقبلهم علي فدفعهم عنه حتى انقطع سيفه فدفع إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيفه ذا الفقار وانحاز (1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ناحية أُحد فوقف وكان القتال من وجه واحد فلم يزل علي يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة قال فقال جبرائيل إن هذا لهي المواساة يا محمد فقال له انه مني وأنا منه ، قال الصادق عليه السلام نظر رسول الله إلى جبرائيل بين السماء والأرض على كرسي من ذهب وهو يقول لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى إلا علي .
وروي أن سبب انهزامهم نداء ابليس فيهم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد قتل وكان النبي ، في زحام الناس وكانوا لا يرونه .
(122) إذ همّت طائفتان منكم .
القمي يعني عبد الله بن أُبي وأصحابه وقومه .
وفي المجمع عنهما عليهما السلام هما بنو سلمة وبنو حارثة حيان من الأنصار وقيل هما بنو سلمة من الخزرج وبنو الحارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر أن تفشلا ان تجبنا وتضعفا والله وليهما ناصرهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون فليعتمدوا عليه في الكفاية .
(123) ولقد نصركم الله ببدر تذكير ببعض ما أفادهم التوكل وبدر ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به وأنتم أذلة .
القمي والعياشي عن الصادق عليه السلام وما كانوا أذلة وفيهم رسول الله
____________
(1) انحاز عنه : عدل « م » .

( 378 )

وانما نزل وأنتم ضعفاء .
والعياشي عنه وقرئ عنده أبو بصير الآية فقال مه ليس هكذا أنزلها الله انما أنزلت وأنتم قليل وفي رواية ما أذل الله رسوله قط وانما أنزلت وأنتم قليل .
وفي غير واحد من الأخبار المعصومية أن عدتهم كانت ثلاث مائة وثلاثة عشر فاتقوا الله في الثبات لعلكم تشكرون ما أنعم به عليكم .
(124) إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين وقرئ مشددة الزاي .
(125) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم أي المشركون من فورهم هذا من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة في حال اتيانهم بلا تراخ مسومين معلمين من التسويم بمعنى اظهار سيماء الشيء وقرئ بكسر الواو .
والعياشي عن الباقر عليه السلام كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر .
وعنه عليه السلام أن الملائكة الذين نصروا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر وهم خمسة آلاف .
(126) وما جعله الله وما جعل امدادكم من الملائكة إلا بشرى لكم إلا بشارة لكم بالنصر ولتطمئن قلوبكم به ولتسكن إليه من الخوف وما النصر إلا من عند الله لا من العدة والعدة وفيه تنبيه على أنه لا حاجة إلى مدد وانما أمدهم ووعد لهم بشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث أن نظر العامة إلى الأسباب أكثر وحثاً على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم العزيز الذي لا يغالب في أقضيته الحكيم الذي ينصر ويخذل على مقتضى الحكمة والمصلحة .
(127) ليقطع طرفا من الذين كفروا نصركم لينتقض منهم بقتل بعض وأسر بعض وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم كما

( 379 )

مرت الإشارة إليه ويأتي تمام القصة في سورة الأنفال إن شاء الله أو يكبتهم أو يخزيهم والكبت شدة غيض أو وهن يقع في القلب أو للتنويع فينقلبوا خائبين فينهزموا منقطعي الآمال .
(128) ليس لك من الأمر شيء اعتراض أو يتوب عليهم إن اسلموا أو يعذبهم ان اصروا فإنهم ظالمون قد استحقوا العذاب بظلمهم .
العياشي عن الباقر عليه السلام انه قرأ أن تتوب عليهم أو تعذبهم بالتاء فيهما .
وعنه عليه السلام أنه قرئ عنده ليس لك من الأمر شيء قال بلى والله ان له من الأمر شيئا وشيئا وشيئا وليس حيث ذهبت ولكني أخبرك ان الله تعالى لما أخبر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر ولاية علي ففكر في عداوة قومه له فيما فضله الله به عليهم في جميع خصاله وحسدهم له عليها ضاق عن ذلك فأخبر الله أنه ليس له من هذا الأمر شيء انما الأمر فيه إلى الله أن يصيّر عليّاً عليه السلام وصيه وولي الأمر بعده وهذا عنى الله وكيف لا يكون له من الأمر شيء وقد فوض الله إليه ان جعل ما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام قوله ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا .
وعنه عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصا على أن يكون علي عليه السلام من بعده على الناس وكان عند الله خلاف ما أراد فقال له ليس لك من الأمر شيء يا محمد في علي الأمر اليّ في علي وفي غيره ألم أنزل عليك يا محمد فيما أنزل من كتابي اليك ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الآيات قال ففوض رسول الله الأمر إليه .
أقول : معنى قوله أن يكون علي من بعده على الناس أن يكون خليفة له عليهم في الظاهر أيضا من غير دافع له .
وعنه عليه السلام أنه قرأ ليس لك من الأمر شيء أن يتوب عليهم أو يعذبهم .

( 380 )

وروى العامة أن عتبة بن أبي وقاص شجه صلى الله عليه وآله وسلم يوم احد وكسر رباعيته فجعل يمسح الدم عن وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم فنزلت وأعلمه أن كثيرا منهم سيؤمنون .
(129) ولله ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا فله الأمر كله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم .
في المجمع قيل انما ابهم الله الأمر في التعذيب والمغفرة ليقف المكلف بين الخوف والرجاء ويلتفت إلى هذا قول الصادق عليه السلام لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لأعتدلا .
(130) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة قيل كان الرجل منهم يربي إلى أجل ثم يزيد فيه إلى آخر حتى يستغرق بقليله مال المديون وقرأ مضعفة بتشديد العين واتقوا الله فيما نهيتم عنه لعلكم تفلحون رجاء فلا حكم .
(131) واتقوا النار التي أعدت للكافرين بالتجنب عن مثال أفعالهم .
(132) وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون بطاعتهما لعل وعسى في أمثال ذلك دليل عزة التوصل إليها .
(133) وسارعوا وقرأ سارعوا بلا واو وبادروا إلى مغفرة من ربكم إلى أسباب المغفرة .
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى أداء الفرائض وجنة عرضها السماوات والأرض .
العياشي عن الصادق عليه السلام إذا وضعوهما كذا وبسط يديه احديهما مع الأخرى .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار فقال سبحان الله إذا جاء النهار فأين الليل قال صاحب المجمع هذه معارضة فيها اسقاط المسألة لأن القادر على أن

( 381 )

يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء .
أقول : والسر فيه أن أحدى الدارين لكل انسان انما يكون مكان الاخرى بدلا عنها كما في الليل والنهار أعدت للمتقين .
في الخصال عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه فانكم لن تنالوها الا بالتقوى .
(134) الذين ينفقون في السراء والضراء في حالتي الرخاء والشدة ، يعني ينفقون في أحوالهم كلها ما تيسر لهم من قليل أو كثير والكاظمين الغيظ الممسكين عليه الكافين عن امضائه .
في الكافي عن الصادق عليه السلام من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه امضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا والعافين عن الناس فيه .
عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليكم بالعفو فان العفو لا يزيد العبد إلا عزا فتعافوا يعزكم الله والله يحب المحسنين .
في المجمع روي أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الابريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية ان الله تعالى يقول والكاظمين الغيظ فقال لها كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس قال عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فانت حرة لوجه الله .
(135) والذين إذا فعلوا فاحشة سيئة بالغة في القبح كالزنا أو ظلموا أنفسهم بأن أذنبوا ذنبا أعظم من الزنا ذكروا الله تذكروا وعيده أو حقه العظيم فاستغفروا لذنوبهم بالندم والتوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله استفهام بمعنى النفي معترض بين المعطوفين والمراد به وصفه تعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة والحث على الاستغفار والوعد بقبول التوبة ولم يصروا على ما فعلوا أو لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين .

( 382 )

في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بتوبة فذلك الإصرار .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال والله ما خرج عبد من ذنب إلا باصرار وما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار .
وعنه عليه السلام لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ، وروي عن النبي ما أصر من استغفر وان عاد في اليوم سبعين مرة وهم يعلمون يعني ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به .
(136) اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين المغفرة والجنات .
في المجالس عن الصادق عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية صعد ابليس جبلا فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لما دعوتنا قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت (1) من الشياطين فقال أنا لها بكذا وكذا قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها قال بماذا قال أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة انسيتهم الإستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة .
وعن عبد الرحمن بن غنم الدوسي (2) قال دخل معاذ فقال يا رسول الله ان بالباب شابا طريّ الجسد نقي اللون حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادخل عليّ الشاب يا معاذ فأدخله عليه فسلم فرد ثم قال ما يبكيك يا شاب قال كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا ان أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبدا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل أشركت بالله شيئا قال أعوذ بالله من أن أشرك بربي شيئا قال أقتلت النفس
____________
(1) العفريت : النافذ القوي من خبث ودهاء .
(2) دوس : قبيلة من الأزد قاله الجوهري .


( 383 )

التي حرم الله قال لا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغفر الله لك ذنوبك وان كانت مثل الجبال الرواسي قال الشاب فانها أعظم من الجبال الرواسي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأراضي السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق قال الشاب فانها أعظم من الأرضيين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت ذنوبك مثل السموات ونجومها ومثل العرش والكرسي قال فانها أعظم من ذلك قال فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كهيئة الغضبان ثم قال ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك فخرج الشاب لوجهه وهو يقول سبحان ربي ما من شيء أعظم من ربي ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم قال الشاب لا والله يا رسول الله ثم سكت الشاب فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك قال بلى اخبرك اني كنت أنبش القبور سبع سنين أخرج الأموات وانزع الأكفان فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول أما ترى بطنها وبياضها أما ترى وركيها (1) فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها فإذا أنا بصوت من ورائي يقول يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ونزعتني من حفيرتي وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي لشبابك من النار فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا يا رسول الله فما ترى لي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنح عني يا فاسق اني أخاف أن أحترق بنارك فما أقربك من النار ثم لم يزل صلى الله عليه وآله وسلم يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب فأتى المدينة
____________
(1) الورك بالفتح والكسر : وككتف ما فوق الفخذج الجمع أوراك ، والورك محركة عظمها (ق) .

( 384 )

فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ولبس مسحا (1) وغل يديه جميعا إلى عنقه ونادى يا رب هذا عبدك بهلول (2) بين يديك مغلول يا رب أنت الذي تعرفني وزل مني ما تعلم سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا فأسألك باسمك وجلالك وعظم سلطانك أن لا تخيب رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنّطني من رحمتك فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة تبكي له السباع والوحوش فلما تمت له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء وقال اللهم ما فعلت في حاجتي ان كنت استجبت دعائي وغفرت لي خطيئتي فأوح إلى نبيك وان لم تستجب دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة فأنزل الله تعالى على نبيه والذين إذا فعلوا فاحشة يعني الزنا أو ظلموا أنفسهم يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبور وأخذ الأكفان ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم يقول خافوا الله فعجلوا التوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله يقول الله عز وجل أتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب وإلى من يقصد ومن يسأل أن يغفر له ذنبه غيري ، ثم قال تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون يقول لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وهو يتلوها ويتبسم فقال لأصحابه من يدلني على هذا الشاب التائب فقال معاذ يا رسول الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا فمضى رسول الله بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي فليت شعري ماذا تريد بي أفي النار تحرقني أو في جوارك تسكنني اللهم انك قد اكثرت الإحسان إليّ فأنعمت عليّ فليت
____________
(1) المسح بالكسر فالسكون واحد المسوح وهو كساء معروف « م » .
(2) البهلول من بالضم : المجنون .


( 385 )

شعري ماذا يكون آخر أمري إلى الجنة تزفني (1) أم إلى النار تسوقني اللهم ان خطيئتي أعظم من السموات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم فليت شعري تغفر لي خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة فلم يزل يقول : نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه وقال يا بهلول ابشر يا بهلول فانك عتيق الله من النار ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول ثم تلا عليه ما أنزل الله عز وجل فيه وبشره بالجنة .
(137) قد خلت من قبلكم سنن وقائع سنها الله تعالى في الامم المكذبة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين قال عنى بذلك انظروا في القرآن فاعلموا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم وما أخبركم عنه .
(138) هذا أي القرآن بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين خاصة .
(139) ولا تهنوا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم أحد ولا تحزنوا على من قتل منكم تسلية لهم عما أصابهم وأنتم الأعلون وحالكم أنكم أعلى منهم شأنا فانكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة وانهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار وانكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم أو انكم منصورون في العاقبة غالبون إن كنتم مؤمنين ان صح ايمانكم .
(140) إن يمسسكم قرح بالفتح والضم لغتان وقيل بالفتح الجراح وبالضم
____________
(1) قوله تعالى واقبلوا إليه يزفون أي يسرعون فقال جاء الرجل يزف من باب ضرب زفيف النعامة وهو أول عدوها وآخر مشيها « م » .

( 386 )

ألمها وقرأ بهما حيث وقع فقد مس القوم قرح مثله يعني ان أصابوا منكم فقد اصبتم منهم وتلك الأيام أوقات النصر والغلبة نداولها بين الناس نصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى كما قيل فيوما علينا ويوما لنا ويوماً نُساءُ ويوما نُسر وليعلم الله الذين آمنوا نداولها ليكون كيت وكيت ومن المصالح وليتميز الثابتون على الإيمان من الذين على حرف ويعلم الله ذلك حين يشاهده الناس كما يعلمه من قبل ومن بعد ويتخذ منكم شهداء ويكرم أناسا منكم بالشهادة والله لا يحب الظالمين اعتراض فيه تنبيه على أنه لا ينصرهم على الحقيقة وانما يديل لهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين .
(141) وليمحص الله الذين آمنوا ليطهرهم ويصفيهم من الذنوب ان كانت الدولة عليهم ويمحق الكافرين ويهلكهم ان كانت عليهم والمحق نقص الشيء قليلا قليلا .
(142) أم حسبتم بل احسبتم يعني لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولما يجاهد من يجاهد ويصبر من يصبر منكم .
العياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال ان الله هو أعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه وهم ذر وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد كما أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم ولم يرهم موتهم وهم أحياء .
(143) ولقد كنتم تمنون الموت بالشهادة من قبل أن تلقوه من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته فقد رأيتموه وأنتم تنظرون معاينين له حين قتل دونكم من قتل من اخوانكم .
القمي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية أن المؤمنين لما أخبرهم الله تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنة رغبوا في ذلك فقالوا اللهم ارنا قتالا نستشهد فيه فأراهم الله يوم أُحد اياه فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم فذلك قوله ولقد كنتم تمنون الموت الآية .
(144) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فيخلو كما خلوا بالموت

( 387 )

أو القتل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم انكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين لخلوه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل قبله وبقاء دينهم متمسكا به .
العياشي عن الباقر عليه الصلاة والسلام أنه سئل عمن قتل أمات قال لا الموت موت والقتل قتل قيل ما أحد يقتل إلا وقد مات قال قول الله أصدق من قولك وفرق بينهما .
في القرآن قال أفإن مات أو قتل وقال لئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون وليس كما قلت الموت موت والقتل قتل قيل فان الله يقول كل نفس ذائقة الموت قال من قتل لم يذق الموت ثم قال لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت ويأتي حديث آخر في هذا المعنى في أواخر هذه السورة ان شاء الله .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال لما انهزم الناس يوم أحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إليهم بوجهه وهو يقول أنا محمد انا رسول الله لم أقتل ولم امت فالتفت إليه فلان وفلان وقالا الآن يسخر بنا أيضا وقد هزمنا وبقي معه علي عليه السلام وسماك بن خرشة أبو دجانة « ره » فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أبا دجانة انصرف وأنت في حل من بيعتك فأما علي عليه السلام فهو أنا وأنا هو فتحول وجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكى وقال لا والله ورفع رأسه إلى السماء وقال لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك فالى من انصرف يا رسول الله إلى زوجة تموت أو ولد يموت أو دار تخرب أو مال يفنى وأجل قد اقترب فرق له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل يقاتل حتى اثخنته الجراحة وهو في وجه وعلي عليه السلام في وجه فلما اسقط احتمله علي عليه السلام فجاء به الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعه عنده فقال يا رسول الله أوفيت بيعتي قال نعم وقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيرا وكان الناس يحملون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الميمنة فيكشفهم علي فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع فجاء إلى

( 388 )

النبي صلى الله عليه وآله وسلم فطرحه بين يديه وقال هذا سيفي قد تقطع فيومئذ أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذا الفقار ولما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه الى السماء وهو يبكي وقال يا رب وعدتني أن تظهر دينك وان شئت لم يعيك فاقبل علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أسمع دويا شديدا واسمع أقدم حيزوم وما أهم أضرب أحدا الا سقط ميتا قبل أن اضربه فقال هذا جبرئيل وميكائيل واسرافيل في الملائكة ثم جاء جبرئيل عليه السلام فوقف إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد ان هذه لهي المواساة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان عليا مني وأنا منه فقال جبرئيل عليه السلام وأنا منكما ثم انهزم الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم فإن رأيتهم ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فانهم يريدون مكة وان رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص (1) فانهم يريدون المدينة فأتاهم علي عليه السلام فكانوا على القلاص فقال أبو سفيان لعلي عليه السلام ما تريد هوذا نحن ذاهبون إلى مكة فانصرف إلى صاحبك فاتبعهم جبرئيل فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير وكان يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا هوذا عسكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبل فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم فأقبل أهل مكة على ابي سفيان يوبخونه ثم رحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والراية مع علي عليه السلام وهو بين يديه فلما ان أشرف بالراية من العقبة وراء الناس نادى علي عليه السلام أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل فقال صاحب الكلام الذي قال الآن يسخر بنا وقد هزمنا هذا علي والراية بيده حتى هجم (2) عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونساء الأنصار في افنيتهم على أبواب دورهم وخرج الرجال إليه يلوذون به ويتوبون إليه والنساء نساء الأنصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور وجززن (3) النواصي
____________
(1) القوص من الإبل الشابة والناقة الطويلة القوائم خاص بالاناث جمع قلائص وقلص جمع قلاص (ق) .
(2) هجم عليه هجوما انتهى إليه بغتة أو دخل بغير اذن « ق » .
(3) الجز القطع والخرم الشق « ق » .


( 389 )

وخرقن الجيوب وخرمن البطون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأينه قال لهن خيرا وامرهن أن يتسترن ويدخلن منازلهن وقال ان الله وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلها وأنزل الله على محمد ( وما محمد الا رسول قد خلت ) الآية ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا بارتداده بل يضر نفسه وسيجزي الله الشاكرين كأمير المؤمنين عليه السلام ومن يحذو حذوه .
في الاحتجاج في خطبة الغدير : معاشر الناس انذركم إني رسول الله اليكم قد خلت من قبلي الرسل افان مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ، الا وان عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعدي ولدي من صلبه .
وفي الكافي في خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين عليه السلام حتى إذا دعا الله نبيه ورفعه اليه لم يك ذلك بعده الا كلمحة من خفقه أو وميض (1) من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب وانتكصوا على الأدبار وطلبوا بالأوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا الديار وغيروا آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورغبوا عن أحكامه وبعدوا من أنواره واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة اولى بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن اختاره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لمقامه وان مهاجر آل ابي قحافة خير من مهاجري الأنصار .
والعياشي عن الباقر عليه الصلاة والسلام قال كان الناس أهل ردة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة قيل ومن الثلاثة قال المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسي رحمهم الله ثم عرف أناس بعد يسير فقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وابوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرها فبايع وذلك قول الله وما محمد الآية .
وعن الصادق عليه السلام أتدرون مات النبي أو قتل ان الله يقول أفإن مات أو
____________
(1) ومض البرق يمض ومضا وميضا لمع خفيفا « ق » .

( 390 )

قتل انقلبتم على أعقابكم ثم قال انهما سقتاه قبل الموت يعني الامرأتين .
(145) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله إلا بمشيته أو باذنه لملك الموت في قبض روحها لا تستأخر ساعة بالاحجام عن القتال ولا تستقدم بالإقدام عليه وفيه تحريض وتشجيع على القتال كتابا كتب الموت كتابا مؤجلا موقتا لا يتأخر ولا يتقدم ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها تعريض بمن شغلته الغنائم يوم أحد ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها من ثوابها وسنجزي الشاكرين الذين شكروا نعمة الله فلم يشغلهم شيء عن الجهاد .
في المجمع عن الباقر عليه السلام أنه أصاب عليا عليه السلام يوم أُحد ستون جراحة ، وإن النبي صلى الله عليه وآله أمر أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا أنا لا نعالج منه مكانا إلا أنفتق مكان وقد خفنا عليه ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون يعودونه وهو قرحة (1) واحدة فجعل يمسحه بيده ويقول ان رجلا لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر فكان القرح الذي يمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلتئم فقال علي عليه السلام الحمد لله إذ لم أفر ولم أول الدبر فشكر الله له ذلك في موضعين من القرآن وهو قوله وسيجزي الله الشاكرين وسنجزي الشاكرين .
(146) وكأين من نبي وكم من نبي وقرئ كائن ككا عن قاتل معه حارب وقرئ قتل بضم القاف ربيون كثير قيل : أي علماء فقهاء صبر وقيل المجموع .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام الربيون عشرة آلاف .
والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه قرأ وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير قال ألوف وألوف ثم قال أي والله يقتلون فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله فما فتروا ولم ينكسر جدهم من قتل من قتل منهم وما ضعفوا في الدين وعن العدو وما استكانوا ما خضعوا للعدو وهو تعريض بما أصابهم عند الارجاف (2) بقتله صلى الله عليه وآله وسلم .
____________
(1) أي لا يبقى شيء من جسمه الا بلغه جراحة .
(2) ارجفت الارض : زلزلت ، والقوم تهيأوا للقتال .

 

 



في المجمع عن الباقر عليه السلام بين الله سبحانه أنه لو كان قتله صلى الله عليه وآله وسلم كما أرجف بذلك يوم أحد لما أوجب ذلك أن يضعفوا ويهنوا كما لم يهن من كان مع الانبياء بقتلهم والله يحب الصابرين فينصرهم في العاقبة ويعظم قدرهم .
(147) وما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين أضافوا الذنوب والاسلام إلى أنفسهم هضما لها وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالهم واستغفروا عنها ثم طلبوا التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو ليكون على خضوع وطهارة فيكون أقرب إلى الاجابة .
(148) فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة فأتاهم الله بسبب الاستغفار واللجأ إلى الله النصر والغنيمة وحسن الذكر في الدنيا والجنة والنعيم في الآخرة وخص ثواب الآخرة بالحسن اشعارا بفضله وأنه لمعتد به عند الله والله يحب المحسنين في أقوالهم وأفعالهم .
(149) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين .
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة ارجعوا إلى اخوانكم وارجعوا إلى دينهم .
(150) بل الله مولاكم ناصركم وقرئ بالنصب بمعنى بل أطيعوا الله وهو خير الناصرين فاستغنوا به عن ولاية غيره ونصره .
(151) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب وقرئ بضمتين قيل وهو ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر بما أشركوا بالله بسبب اشراكهم به ما لم ينزل به سلطانا أي آلهة ليس على اشراكها حجة

( 392 )

نازلة من الله عليهم والمراد نفي الحجة ونزولها جميعا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين أي مثواهم وضع الظاهر موضع الضمير للتغليظ والتعليل .
(152) ولقد صدقكم الله وعده اياكم بالنصر بشرط التقوى والصبر وكان كذلك حتى خالف الرماة فان المشركين لما اقبلوا جعل الرماة يرشقونهم (1) والباقون يضربونهم بالسيف حتى انهزموا والمسلمون على آثارهم إذ تحسونهم بإذنه أي تقتلونهم باذن الله بمعنى القتل على الاستيصال وأصله الاحساس من أحسه إذا أبطل حسه حتى إذا فشلتم جبنتم وضعف رأيكم بالميل إلى الغنيمة وتنازعتم في الأمر يعني اختلاف الرماة حين انهزام المشركين فقال بعضهم فما موقفنا هيهنا وقال آخرون لا نخالف أمر الرسول فثبت مكانه أميرهم في نفر يسير ونفر الباقون للنهب وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون من الظفر والغنيمة وانهزام العدو وجواب إذا محذوف وهو امتحنكم منكم من يريد الدنيا وهم التاركون المركز لحيازة الغنيمة .
القمي يعني أصحاب عبد الله بن جبير الذين تركوا مراكزهم ومروا للغنيمة ومنكم من يريد الآخرة وهم الثابتون محافظة على أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
القمي يعني عبد الله بن جبير وأصحابه الذين بقوا حتى قتلوا ثم صرفكم عنهم كفكم عنهم حين غلبوكم ليبتليكم على المصائب ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها ولقد عفا عنكم تفضلا ولما علم من ندمكم على المخالفة والله ذو فضل على المؤمنين يتفضل عليهم بالعفو وغيره في الأحوال كلها سواء اديل (2) لهم أو عليهم إذ الابتلاء أيضا رحمة .
(153) إذ تصعدون متعلق بصرفكم والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض ولا تلوون على أحد لا يقف أحد لأحد ولا ينتظره والرسول يدعوكم كان يقول إلي عباد
____________
(1) الرشق بالفتح فالسكون الرمي ورشقه يرشقه من باب قتل رشقا إذا رماه بالسهام والرشق بالكسر عدد الرمي الذي يتفقان عليه « مجمع » .
(2) دالت الأيام : أي دارت والله يداولها بين الناس أي يديرها وتداولته الأيدي : أخذته هذه مرة وهذه مرة إلى أن قال يقال أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم « مجمع » .


( 393 )

الله إلي عباد الله ارجعوا أنا رسول الله الى أين تفرون عن الله وعن رسوله وفي رواية من يكر فله الجنة في أخراكم في ساقتكم وجماعتكم الأخرى فأثابكم غما بغم فجازاكم الله عن فتلكم وعصيانكم غما متصلا بغم .
القمي عن الباقر عليه السلام فأما الغم الأول فالهزيمة والقتل والغم الآخر فاشراف خالد بن الوليد عليهم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ولا على ما أصابكم من قتل اخوانكم والله خبير بما تعملون .
(154) ثم أنزل عليكم من بعد الغم يعني الهزيمة أمنة نعاسا أمنا حتى أخذكم النعاس يغشى طائفة منكم وقرئ بالتاء وهم المؤمنون حقا روي أنهم غشيهم النعاس في المصاف حتى كان السيف يسقط عن يد أحدهم ثم يسقط فيأخذه وطائفة هم المنافقون قد أهمتهم أنفسهم أوقعتهم أنفسهم في الهموم إذ ما بهم الا هم أنفسهم وطلب خلاصها يظنون بالله غير الحق يظنون أن أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم مضمحل وأنه لا ينصر ظن الجاهلية ظن أهل الملة الجاهلية أي الكفار يقولون هل لنا من الأمر من شيء من النصر والظفر نصيب قط كما وعدنا أو في تدبير أنفسنا وتصريفها اختيار يقولون ذلك على سبيل الإنكار قل إن الأمر كله لله الغلبة الحقيقية لله تعالى وأوليائه فان حزب الله هم الغالبون أو النصر والشهادة والقضاء كله لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقرئ كله بالرفع يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يظهرون انهم مسترشدون طالبون للنصر ويبطنون الإنكار والتكذيب يقولون في أنفسهم وإذا خلا بعضهم إلى بعض لو كان لنا من الأمر شيء لو كان النصر لنا أو الإختيار الينا ما قتلنا هيهنا لم نبرح من المدينة بل أقمنا فيها كما كان رأي ابن أُبي وغيره فما غلبنا وما قتل من قتل منا في هذه المعركة قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل لخرج الذين قدر الله عليهم القتل وكتب في اللوح المحفوظ إلى مضاجعهم إلى مصارعهم ولم ينفع الإقامة بالمدينة ولم ينج من القتل أحد لأن ما قدر الله من الأمور ودبرها في سابق قضائه لا دافع له إذ لا معقب لقضائه ولا مانع لحكمه وليبتلي الله ما في صدوركم وليمتحن الله ما في صدوركم ويضهر سرائرها من الإخلاص والنفاق فعل ما فعل وليمحص ما في قلوبكم وليكشفه ويميزه والله عليم بذات الصدور عليم

( 394 )

بخفياتها قبل اظهارها وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه غني عن الإبتلاء وانما فعل ذلك لتمرين المؤمنين واظهار حال المنافقين .
(155) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انهزموا يوم أحد والجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين إنما استزلهم الشيطان حملهم على الزلة ببعض ما كسبوا من معصيتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بترك المركز والحرص على الغنيمة وغير ذلك فمنعوا التأييد وقوة القلب .
العياشي عن الصادق عليه السلام قال هم أصحاب العقبة ولقد عفا الله عنهم لتوبتهم واعتذارهم ان الله غفور للذنوب حليم لا يعاجل بعقوبة المذنب كي يتوب .
(156) يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا يعني المنافقين وقالوا لإخونهم لأجلهم وفيهم إذا ضربوا في الأرض إذا سافروا فيها فماتوا أو كانوا غزى أي غازين فقتلوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم اللام للعاقبة مثلها في ليكون لهم عدوا وحزنا والله يحيي ويميت رد لقولهم أي هو المحيي والمميت لا الاقامة والسفر فانه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد والله بما تعملون بصير تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم وعلى قراءة الياء وعيد للذين كفروا .
(157) ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم في سبيله وقرئ بكسر الميم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون وقرئ بالتاء أقيم جواب القسم مقام الجزاء والمعنى ان السفر والغزاة ليسا مما يجلبان الموت أو يقدمان الأجل وان وقع ذلك في سبيل الله فما تنالون من المغفرة والرحمة بالموت خير مما تجمعون من الدنيا وما فيها ومنافعها لو لم تموتوا أو لم تقتلوا .
(158) ولئن متم أو قتلتم على أي وجه اتفق لإلى الله تحشرون في جميع الأحوال .
وفي المعاني والعياشي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية أن سبيل الله علي

( 395 )

وذريته من قتل في ولايته قتل في سبيل الله ومن مات في ولايته مات في سبيل الله وقد سبق حديث في الفرق بين الموت والقتل عند تفسير قوله أفإن مات أو قتل انقلبتم من هذه السورة .
(159) فبما رحمة من الله لنت لهم ما مزيدة للتأكيد بلغ لينه لهم إلى أن اغتم لهم بعد أن خالفوه ولو كنت فظا سيء الخلق جافيا غليظ القلب قاسية لانفضوا من حولك لتفرقوا عنك ولم يسكنوا اليك فاعف عنهم فيما يختص بك واستغفر لهم فيما لله وشاورهم في الأمر في أمر الحرب وغيره مما يصح أن يشاور فيه استظهارا برأيهم وتطييبا لنفوسهم وتمهيدا لسنة المشاورة للأمة .
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أوثق من المشاورة .
وفي نهج البلاغة من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها ، وفيه الإستشارة عين الهداية وقد خاطر (1) من استغنى برأيه .
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام وشاورهم في أمرك الذين يخشون الله .
والعياشي كتب الجواد إلى علي بن مهزيار ان سل فلانا أن يشير (2) عليّ ويتخير لنفسه فهو يعلم ما يجوز في بلده وكيف يعامل السلاطين فان المشاورة مباركة قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في محكم كتابه وتلا هذه الآية قال وشاورهم في الأمر يعني الاستخارة فإذا عزمت فإذا وطنت نفسك على شيء بعد الشورى فتوكل على الله في امضاء أمرك على ما هو اصلح لك فانه لا يعلمه سواه ، وروت العامة عن الصادق عليه السلام فإذا عزمت بضم التاء اي فإذا عزمت لك ووفقتك وأرشدتك إن الله يحب المتوكلين فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح .
(160) إن ينصركم الله كما نصركم يوم بدر فلا غالب لكم فلا أحد يغلبكم
____________
(1) من المخاطرة وهي ارتكاب ما فيه خطر « م » .
(2) لعل المراد من قوله « ع » يشير عليّ : أي سله يظهر لي ما عنده من مصلحتي في أمر كذا ويتخير لنفسه أي يتخير لي تخيرا كتخيره لنفسه كما هو شأن الأخ المحب المحبوب الذي يخشى الله تعالى .


( 396 )

وإن يخذلكم كما خذلكم يوم أحد فمن ذا الذي ينصركم من بعده لا ناصر لكم من بعد الله إذا جاوزتموه ومن بعد خذلانه وعلى الله فليتوكل المؤمنون فليخصوه بالتوكل لما آمنوا به وعلموا أن لا ناصر سواه .
(161) وما كان لنبي أن يغل وما صح لنبي أن يخون في الغنائم فان النبوة تنافي الخيانة والغلول أخذ الشيء من المغنم في خفية ، وقرئ بضم الياء وفتح الغين أي ينسب إلى الخيانة .
القمي نزلت في حرب بدر وكان سبب نزولها أنه كان في الغنيمة التي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء ففقدت فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لنا لا نرى القطيفة ما أظن إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وخذها أخذها فأنزل الله في ذلك هذه الآية فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان فلانا غل قطيفة فاحفرها هنالك فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحفر ذلك الموضع فأخرج القطيفة .
في المجالس عن الصادق عليه السلام ان رضاء الناس لا يملك والسنتهم لا تضبط ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتى أظهره الله على القطيفة وبرأ نبيه من الخيانة وانزل في كتابه وما كان لنبي أن يغل الآية ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة يحمله على عنقه .
والقمي عن الباقر عليه السلام ومن غل شيئا رآه يوم القيامة في النار ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار ثم توفى كل نفس ما كسبت تعطى جزاء ما كسبت وافيا عمم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود وهم لا يظلمون لا ينقص ثواب مطيعهم ولا يزاد في عقاب عاصيهم .
(162) أفمن اتبع رضوان الله بالطاعة كمن باء رجع بسخط من الله بالمعصية ومأواه جهنم وبئس المصير .
(163) هم درجات عند الله قيل ذو درجات أو شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت .

( 397 )

في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام الذين اتبعوا رضوان الله هم الأئمة وهم والله درجات عند الله للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم ايانا يضاعف الله لهم أعمالهم ويرفع الله لهم الدرجات العلى .
وزاد العياشي الذين باؤوا بسخط من الله هم الذين جحدوا حق علي وحق الأئمة منا أهل البيت صلوات الله عليهم فباؤوا لذلك بسخط من الله .
وعن الرضا عليه الصلاة والسلام الدرجة مابين السماء والأرض والله بصير بما يعملون فيجازيهم على حسبها .
(164) لقد مَنَّ الله على المؤمنين أنعم الله عليهم إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم عربيا مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة يتلوا عليهم آياته أي القرآن بعد ما كانوا جهالا لم يسمعوا الوحي ويزكيهم يطهرهم من سوء العقائد والأخلاق والأعمال ويعلمهم الكتاب والحكمة القرآن والسنة وإن كانوا وانه كانوا من قبل من قبل بعثه لفي ضلال مبين ظاهرا .
(165) أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها الهمزة للتقريع والتقرير .
العياشي عن الصادق عليه السلام كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة وأربعين رجلا قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين فلما كان يوم أحد اصيب من المسلمين سبعون رجلا فاغتموا لذلك فنزلت قلتم أنى هذا من أين هذا أصابنا وقد وعدنا الله النصر قل هو من عند أنفسكم باختياركم الفداء يوم بدر وكذا عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه رواه في المجمع .
القمي وكان الحكم في الأسارى يوم بدر القتل فقامت الأنصار فقالوا يا رسول الله هبهم لنا ولا تقتلهم حتى نفاديهم فنزل جبرائيل فقال ان الله قد أباح لهم الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منه فداء فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الشرط فقالوا قد رضينا به نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ويقتل منا في عام قابل بعدد من نأخذ

( 398 )

منه الفداء وندخل الجنة فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم فلما كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعون فقالوا يا رسول الله ما هذا الذي أصابنا وقد كنت تعدنا النصر فأنزل الله أو لما أصابتكم الآية هو من عند أنفسكم أي بما اشترطتم يوم بدر ويأتي تمام قصة بدر في سورة الانفال إن شاء الله تعالى إن الله على كل شيء قدير فيقدر على النصر ومنعه وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم .
(166) وما أصابكم يوم التقى الجمعان يعني يوم أحد فبإذن الله فهو كائن بقضائه تخلية (1) الكفار وليعلم المؤمنين .
(167) وليعلم الذين نافقوا وليتميز الفريقان بظهور ايمان هؤلاء وكفر هؤلاء وقيل لهم أي للمنافقين تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا عن الأنفس والأموال أو بتكثير السواد قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم قالوه دغلا (2) واستهزاء لزعمهم أن ما يفعلونه ليس بقتال بل القاء بالأنفس إلى التهلكة هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان كما يظهر من كلامهم هذا يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم يظهرون خلاف ما يضمرون والله أعلم بما يكتمون من النفاق وما يخلو به بعضهم إلى بعض فانه يعلمه مفصلا بعلم واجب وانتم انما تعلمونه مجملا بامارات .
في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام في كلام ومن ضعف يقينه تعلق بالأسباب رخص (3) لنفسه بذلك واتبع العادات وأقاويل الناس بغير حقيقته والسعي في أمور الدنيا وجمعها وامساكها يقر باللسان أنه لا مانع ولا معطي إلا الله وأن العبد لا يصيب إلا ما رزق وقسم به والجهد لا يزيد في الرزق وينكر ذلك بفعله وقلبه قال الله تعالى يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون .
(168) الذين قالوا وصف آخر لهم لإخوانهم لأجلهم وفيهم يريد من قتل منهم يوم أحد وقعدوا حال كونهم قاعدين عن القتال لو أطاعونا في القعود ما قتلوا كما لم
____________
(1) تخلية الكفار تركهم وعدم هلاكهم .
(2) الدغل بالتحريك : الفساد مثل الدخل يقال قد ادغل في الأمر إذا أدخل فيه ما يخالفه ويفسده .
(3) الرخصة : هي كغرفة وقد تضم الخاء للاتباع التسهيل في الأمر ودفع التشديد فيه يقال رخص لنا الشارع في كذا ترخيصأ وأرخص ارخاصا إذا يسره وسهله « مجمع » .


( 399 )

واثما مبينا ثم ان بشيرا كفر ولحق بمكة وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعذروه ولولا فضل الله عليك ورحمته ( الآية ) ونزل في بشير وهو بمكة ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام في قوله تعالى اذ يبيتون ما لا يرضى من القول يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة الجراح .
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وقد بين الله قصص المغيرين بقوله إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود (1) باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه .
(169) لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أمر جميل أو إصلاح بين الناس تأليف بينهم بالمودة .
في الكافي والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام يعني بالمعروف القرض .
والقمي عنه عليه السلام ان (2) الله فرض التمحل (3) في القرآن فسئل وما التمحل قال أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحل له وهو قوله تعالى لا خير في كثير من نجواهم .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام ان الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم .
____________
(1) الأود العوج واود الشيء بالكسر يأود اودا أي أعوج وتأود تعوج (م) .
(2) قوله (ع) ان الله فرض : أقول قد نقل في مجمع البيان هذه الرواية بلفظ التحمل في مكان التمحل في المواضع الثلاثة منها ولا يخفى أنه أنسب .
(3) التمحل الإحتيال والمراد هنا أن تصرف وجهك عن وجه أخيك لما بينك وبينه من الكدرة وضيق خلقك عنه ، ثم تذكرت أمر الله ووصيته فصرفت وجهك إليه ببشر وفرح وبهجة وتحية ابتغاء لمرضاته تعالى وقد يكون سبب الإعراض غير هذا كهم وغم وألم وشغل أهم أو مصلحة دينية أو دنيوية .


( 400 )

طيور خضر حول العرش فقال لا المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حواصل (1) طير ولكن في أبدان كأبدانهم وقد مضى في حديث آخر في هذا المعنى في سورة البقرة عند قوله تعالى : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات .
(170) يستبشرون بنعمة من الله وهي أمنهم ثوابا لأعمالهم وفضل وهي الزيادة عليه كقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وتنكيرهما للتعظيم وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين من جملة المستبشر به بكسر وقرئ الهمزة على الاستيناف .
(171) الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم .
القمي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل المدينة من وقعة أحد نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تخرج في أثرالقوم ولا يخرج معك إلا من به جراحة فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديا ينادي يا معشر المهاجرين والأنصار من كانت به جراحة فليخرج ومن لم يكن به جراحة فليقم فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمراء (2) الأسد وقريش قد نزلت الروحاء (3) قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد نرجع ونغير (4) على المدينة قد قتلنا سراتهم (5) وكبشهم يعنون حمزة فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر فقال تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جد الطلب فقال أبو سفيان هذا النكد والبغي فقد ظفرنا بالقوم وبغينا والله ما أفلح قوم قط بغوا فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي فقال أبو سفيان أين تريد قال
____________
(1) الحوصلة بالتخفيف والتشديد واحدة حواصل الطير وهي ما يجتمع فيها الحب وغيره من المأكول وهو للطير كالمعدة للانسان « مجمع » .
(2) حمراء الأسد : موضع على ثمانية أميال من المدينة « ق » .
(3) الروحاء : موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة « ق » .
(4) من الاغارة بمعنى الغارة « منه » .
(5) السراة أعلى كل شيء والكبش سيد القوم « منه » .


( 401 )

المدينة لامتار لأهلي طعاما قال هل لك أن تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتعلمهم أن حلفاءنا وموالينا قد وافونا أتونا من الأحابيش (1) حتى يرجعوا عنا ولك عندي عشرة قلايص املأها تمرا وزبيبا قال نعم فوافى من غد ذلك اليوم حمراء الأسد فقال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أين تريدون قالوا قريشا قال ارجعوا ان قريشا قد اجتمعت إليهم حلفاؤهم ومن كان تخلف عنهم وما أظن إلا وأوائل خيلهم يطلعون عليكم الساعة فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ما نبالي فنزل جبرئيل على رسول فقال ارجع يا محمد فان الله قد ارعب قريشا ومروا لا يلوون على شيء فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وأنزل الله الذين استجابوا لله والرسول الآيات .
(172) الذين قال لهم الناس يعني نعيم بن مسعود الأشجعي كذا في المجمع عنهما عليهم السلام إن الناس قد جمعوا لكم يعني أبا سفيان أصحابه فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل .
في المجمع عن الباقر عليه السلام أنها نزلت في غزوة بدر الصغرى وذلك أن أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف يا محمد موعدنا بيننا وبينك موسم بدر الصغرى القابل إن شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بيننا وبينك فلما كان عام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة (2) من ناحية مر (3) الظهران ثم القى الله عليه الرعب فبدا له في الرجوع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان اني واعدت محمدا أن نلتقي موسم بدر الصغرى وان هذه عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي أن لا اخرج إليها وأكره أن يخرج محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا أخرج أنا
____________
(1) وحبشي بالضم جبل بأسفل مكة يقال منه سمي أحابيش قريش وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده فحالفوا قريشا وتحالفوا بالله إنا ليد على غيرنا ما سجى ليل ووضح نهار وما أرسى حبشي مكانه فسموا أحابيش قريش باسم الجبل « صحاح » .
(2) المجنة : الأرض الكثيرة الجن وموضع قرب مكة وقد تكسر ميمها « ق » .
(3) بطن مر ويقال له مر الظهران موضع على مرحلة من مكة « قاموس » .


( 402 )

فيزيدهم ذلك جرأة فالحق بالمدينة فثبطهم (1) ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو فأتى نعيم المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان فقال بئس الرأي رأيكم أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلا شريد (2) فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم فوالله لا يفلت (3) منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي فأما الجبان فانه رجع وأما الشجاع فانه تأهب للقتال وقال حسبنا الله ونعم الوكيل فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه حتى وافى بدر الصغرى وهو ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى مكة فسماهم أهل مكة جيش السويق ويقولون انما خرجتم تشربون السويق ولم يلق رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه أحدا من المشركين ببدر ووافوا السوق وكانت لهم تجارات فباعوا وأصابت الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين .
(173) فانقلبوا فرجعوا من بدر بنعمة من الله عافية وثبات على الإيمان وزيادة فيه وفضل وربح في التجارة لم يمسسهم سوء من جراحة وكيد عدو واتبعوا رضوان الله بجرأتهم وخروجهم والله ذو فضل عظيم قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين واظهار الجرأة على العدو وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم واصابة النفع مع ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة منه وفضل وفيه تحسير وتخطئة للتخلف حيث حرم نفسه ما فازوا به .
(174) إنما ذلكم الشيطان يعني به المثبط وهو نعيم يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج مع الرسول فلا تخافوهم وخافون في مخالفة أمري إن كنتم مؤمنين فإن الإيمان يقتضي ايثار خوف الله على خوف الناس .
____________
(1) ثبطة : عوقة « ق » .
(2) الشريد : الطريد « ص » .
(3) التفلت والافلات التخلص يقال افلت الطائر وغيره افلاتا تخلص وفلت الطائر فلتا من باب ضرب لغة « مجمع » .


( 403 )

(175) ولا يحزنك وقرئ بضم الياء وكسر الزاي الذين يسارعون في الكفر خوف أن يضروك ويعينوا عليك وهم المنافقون من المتخلفين إنهم لن يضروا الله شيئا لن يضروا أولياء الله بمسار عتهم في الكفر وانما يضرون بها أنفسهم يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة نصيبا من الثواب فيها وفيه دلالة على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر وان كفرهم بلغ الغاية حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يكون لهم حظ من رحمته ولهم عذاب عظيم مع الحرمان والثواب .
(176) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم تأكيد وتعميم .
(177) ولا يحسبن الذين كفروا وقرئ بالتاء أنما نملي لهم خير لأنفسهم الاملاء الامهال واطالة العمر أو تخليتهم وشأنهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما اللام للعاقبة أي ليكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم ولهم عذاب مهين .
العياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن الكافر الموت خير له أم الحياة فقال الموت خير للمؤمن والكافر لأن الله يقول وما عند الله خير للابرار ويقول ولا يحسبن الذين كفروا ان ما نملي لهم خير لأنفسهم الآية .
(178) ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم حتى يميز الخبيث من الطيب حتى يميز المنافق من المخلص بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن بها إلا الخلص المخلصون وقرئ يميز من التمييز وما كان الله ليطلعكم على الغيب ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من اخلاص ونفاق ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات فآمنوا بالله ورسله مخلصين وإن تؤمنوا حق الإيمان وتتقوا النفاق فلكم أجر عظيم لا يقادر قدره .
(179) ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم وقرئ بالتاء بل هو أي البخل شر لهم لاستجلاب العقاب عليهم سيطوقون ما بخلوا به يوم

( 404 )


القيامة سيلزمون وباله الزام الطوق .
في الكافي عن الباقر والصادق عليهما السلام ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش (1) من لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله تعالى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة يعني ما بخلوا به من الزكاة .
وعن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنح زكاة ماله إلا قلده الله تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضيين إلى يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض وله ما فيهما مما يتوارث فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيل الله والله بما تعملون من المنع والإعطاء خبير فيجازيهم وقرئ بالياء على الإلتفات وهو أبلغ في الوعيد .
(180) لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء قاله اليهود لما سمعوا من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا كذا قيل .
والقمي قال والله ما رأوا الله فيعلموا أنه فقير ولكنهم رأوا أولياء الله فقراء فقالوا لو كان غنيا لأغنى أولياءه ففخروا على الله بالغنى .
وفي المناقب عن الباقر عليه السلام هم الذين يزعمون أن الإمام يحتاج إلى ما يحملونه إليه . سنكتب ما قالوا في صحائف الكتبة ونحفظه في علمنا لا نهمله لأنه كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله واستهزاء به وقتلهم الأنبياء بغير حق .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا أمرهم وافشوا عليهم فقتلوا وقرئ سيكتب بالياء وضمها وقتلهم بالرفع ونقول وقرئ بالياء ذوقوا عذاب الحريق وننتقم منهم بهذا القول .
(181) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد بل إنما يعذب بمقتضى العدل ان عذب ولم يتفضل .
____________
(1) نهشته الحية من بابي ضرب ونفع لسعته وعضته « مجمع »


(182) الذين قالوا إن الله عهد إلينا أمرنا في التوراة وأوصانا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار حتى تأتينا بهذه المعجزة الخاصة التي كانت لأنبياء بني إسرائيل وهو أن يقرب بقربان وهو ما يتقرب به إلى الله من ذبيحة أو غيرها فيقوم النبي عليه السلام فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرق قربان من قبل منه وهذا من مفترياتهم وأباطيلهم لأن هذه انما توجب الإيمان لكونها معجزة فهي وسائر المعجزات سواء في ذلك قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين تكذيب والزام بأن رسلا جاؤوهم قبله كزكريا ويحيى بمعجزات اخرموجبة للتصديق وبما اقترحوه فقتلوهم فلو كان الموجب للتصديق هو الإتيان به وكان امتناعهم عن الإيمان لأجله فمالهم لا يؤمنون بمن جاء به في معجزات اخر واجتروا على قتله .
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال كان بين القائلين والقاتلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل لرضاهم بما فعلوا ومثله العياشي في عدة روايات .
(183) فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات المعجزات والزبر الحكم والمواعظ الزواجر والكتاب المنير المشتمل على الشرائع والأحكام وقرئ وبالزبر .
(184) كل نفس ذائقة الموت وعد ووعيد للمصدق والمكذب .
العياشي عن الباقر عليه السلام من قتل لم يذق الموت ثم قال لا بد من أن يرجع حتى يذوق الموت .
وعنه عليه السلام من قتل ينشر حتى يموت ومن مات ينشر حتى يقتل وقد مضى الحديث الأول بتمامه عند تفسير قوله تعالى افان مات أو قتل من هذه السورة .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه قال يموت أهل الأرض حتى لا يبقى أحد ثم يموت أهل السماء حتى لا يبقى أحد إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل قال فيجيء ملك الموت حتى يقوم بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي

( 406 )


وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال له قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا رب رسولاك واميناك فيقول إني قد قضيت على كل نفس فيها الروح الموت ثم يجيء ملك الموت حتى يقف بين يدي الله عز وجل فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت وحملة العرش فيقول قل لحملة العرش فليموتوا ثم قال يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقال له من بقي وهو أعلم فيقول يا رب لم يبق إلا ملك الموت فيقال له مت يا ملك الموت فيموت ثم يأخذ الأرض بيمينه ويقول أين الذين كانوا يدعون معي شريكا أين الذين كانوا يجعلون معي الها آخر وإنما توفون أجوركم تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا يوم القيامة يوم قيامكم عن القبور وقد يكون قبلها بعض الأجور كما يدل عليه أخبار ثواب القبر وعذابه فمن زحزح عن النار بوعد عنها وأدخل الجنة فقد فاز ظفر بالنجاة ونيل المراد .
في المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاكيا عن الله عز وجل في حديث فبعزتي حلفت وبجلالي أقسمت أنه لا يتولى علياً عبد من عبادي إلا زحزحته عن النار وأدخلته الجنة ولا يبغضه أحد من عبادي إلا أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير .
وفي الكافي عن الصادق خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم ومن خالص الإيمان البر بالاخوان والسعي في حوائجهم وان البار بالاخوان ليحببه الرحمن وفي ذلك مرغمة الشيطان وتزحزح عن النيران ودخول الجنان وما الحياة الدنيا أي زخارفها وفضولها إلا متاع الغرور مصدر أو جمع غار .
(185) ولتبلون أي والله لتختبرن في أموالكم بتكليف الإنفاق وما يصيبه من الآفات وأنفسكم بالجهاد والقتل والأسر والجراح وما يرد عليها من المخاوف والأمراض والمتاعب .
في العلل عن الرضا عليه السلام في أموالكم باخراج الزكاة وفي أنفسكم بالتوطين على الصبر ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا

( 407 )


أذى كثيرا من هجاء الرسول والطعن في الدين واغراء الكفرة على المسلمين وغير ذلك أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا أنفسهم على الصبر والإحتمال ويستعدوا للقائها حتى لا يرهقهم نزولها بغتة وإن تصبروا على ذلك وتتقوا مخالفة أمر الله فإن ذلك يعني الصبر والتقوى من عزم الامور مما يجب ثبات الرأي عليه نحو امضائه .
(186) وإذ أخذ الله اذكر وقت أخذه ميثاق الذين أوتوا الكتاب .
القمي عن الباقر عليه السلام يعني في محمد صلى الله عليه وآله وسلم لتبيننه للناس ولا تكتمونه قال إذا خرج وقرئ بالياء فيهما فنبذوه أي الميثاق وراء ظهورهم فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه والنبذ وراء الظهر مثل في ترك الإعتداد وعدم الإلتفات ويقابله جعله نصب عينيه واشتروا به اخذوا بدله ثمنا قليلا من حطام الدنيا واعراضها فبئس ما يشترون .
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا .
وفي الاحتجاج عنه عليه السلام في حديث يذكر فيه أن أعداء رسول الله الملحدين في آيات الله (1) تأويل لهذه الآية وقد سبق ذكره في المقدمة السادسة .
(187) لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا يعجبون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق أو من الطاعات والحسنات وقرئ بالياء ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من الوفاء بالميثاق واظهار الحق والإخبار بالصدق أو كل خير فلا تحسبنهم تأكيد وقرئ بالياء وضم الباء بمفازة بمناجاة .
____________
(1) ولقد احضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولم يسقط حرف الف ولا لام فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وان ذلك ان ظهر نقض ما عقدوه قالوا لا حاجة فيه نحن مستغنون عنه بما عندنا ولذلك قال نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ثم دفعهم الإضطرار بورود المسائل عليهم عما لايعلمون إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم فصرخ مناديهم من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله والفه على اختيارهم وتركوا منه ما قد رأوا أنه لهم وهو عليهم ورأوا ما ظهر تناكره وتنافره وانكشف لأهل الاستعباد عوارهم وافتراؤهم .

( 408 )


والقمي عن الباقر عليه السلام ببعيد من العذاب ولهم عذاب أليم بكفرهم وتدليسهم .
(188) ولله ملك السموات والأرض فهو يملك أمرهم والله على كل شيء قدير فيقدر على عقابهم .
(189) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب لدلائل واضحة على التوحيد وكمال علمه سبحانه وحكمته ونفاذ قدرته ومشيته لذوي العقول الخالصة عن شوائب الحس والوهم .
(190) الذين يذكرون الله في جميع الأحوال وعلى جميع الهيئات قياما وقعودا وعلى جنوبهم .
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله من أكثر ذكر الله تعالى أحبه الله .
وفيه والعياشي عن الباقر عليه السلام في قوله الذين يذكرون الله قياما ، قال الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي جالسا وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا .
وفي الأمالي والعياشي عنه عليه السلام لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائما أو جالسا أو مضطجعا ان الله تعالى يقول الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ويعتبرون بهما .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أفضل العبادات ادمان التفكر في الله وفي قدرته .
وعنه قال كان أمير المؤمنين يقول نبه في التفكر قلبك وجاف عن الليل جنبك واتق الله ربك .

( 409 )


وعن الرضا عليه السلام ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم انما العبادة التفكر في أمر الله .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفكر ساعة خير من قيام ليلة ، وفي رواية من عبادة سنة ، وفي أخرى ستين سنة وانما اختلفت لاختلاف مراتب التفكر ودرجات المتفكرين وأنواع المتفكر فيه ربنا ما خلقت هذا الخلق باطلا عبثا ضائعا من غير حكمة يعني يقولون ذلك سبحانك تنزيها لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض فقنا عذاب النار للاخلال بالنظر فيه والقيام بما يقتضيه .
(191) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم صار سببا لإدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلاص منها .
العياشي عن الباقر عليه السلام مالهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم .
(192) ربنا إننا سمعنا مناديا هو الرسول وقيل القرآن ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا كبائرنا فانها ذات تبعات وأذناب وكفر عنا سيئاتنا صغائرنا فانها مستقبحة ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر وتوفنا مع الأبرار مخصوصين بصحبتهم معدودين في زمرتهم .
(193) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك أي على ألسنتهم وانما سألوا ما وعدوا مع أنه لا يخلف الله وعده تعبدا واستكانة ومخافة أن يكونوا مقصرين في الإمتثال ولا تخزنا يوم القيامة بأن تعصمنا عما يقتضي الخزي إنك لا تخلف المِعَادَ باثابة المؤمن واجابة الداعي وتكرير ربنا للمبالغة في الإبتهال والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها ، روي من حزنه أمر فقال خمس مرات ربنا انجاه الله مما يخاف .
في المجمع عن النبي لما أنزلت هذه الآية قال ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل ما فيها .
(194) فاستجاب لهم ربهم إلى طلبهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من

( 410 )


ذكر أو أنثى بعضكم من بعض لأن الذكر من الأنثى والانثى من الذكر أو لأنهما من أصل واحد أو لفرط الإتصال والإتحاد ولاتفاقهم في الدين والطاعة وهو اعتراض روي أن أم سلمة قالت يارسول الله ما بال الرجال يذكرون (1) في الهجرة دون النساء فأنزل الله فالذين هاجروا الأوطان والعشائر للدين وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي بسبب إيمانهم بالله ومن أجله وقاتلوا الكفار وقتلوا في الجهاد وقرئ بتقديم وقتلوا وبتشديد تائها لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب .
في الأمالي أن أمير المؤمنين عليه السلام لما هاجر من مكة إلى المدينة ليلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قارع (2) الفرسان من قريش ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله وفاطمة بنت الزبير فسار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان (3) فلزم بها يوما وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم ام أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يصلي ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه فجعل وهن يصنعون كذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدموا المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الذين يذكرون الله قياما وقعودا الآيات . قوله من ذكر وانثى الذكر علي والانثى الفواطم بعضكم من بعض يعني علي من فاطمة أو قال الفواطم وهن من علي .
والقمي فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم يعني أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان وأبا ذر حين أخرج وعمار الذين اوذوا في سبيل الله .
أقول : وتشمل الآيات كل من اتصف بهذه الصفات .
____________
(1) حاصل سؤالها أنه أي فرق بين الرجال والنساء في ثبوت الهجرة لهم دونهن وحاصل الجواب بالآية أن للهجرة لوازم واحكام لا يليق بالنساء ويمكن أن يكون المراد ثبوتها لهن أيضا إما اختصاصا بالفواطم أو عاما لغيرهن أيضا بشرط المساواة لهن في الكيفية والسبب
(2) قارعته أي ضاربته وجادلته فقرعته أي غلبته بالمجادلة وقارعته أقرعه بفتحتين غلبته « مجمع » .
(3) ضجنان كسكران جبل قرب مكة « ق » .


( 411 )


(195) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد تبسّطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم وسعتهم في عيشهم وحظهم الخطاب لكل أحد أو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد أمته . روي أن بعض المسلمين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون ان أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع فنزلت .
(196) متاع قليل ذلك التقلب متاع قصير مدته يسير في جنب ما أعد الله تعالى للمؤمنين .
وفي الحديث النبوي : ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم اصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ما مهدوا لأنفسهم .
(197) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نُزُلاً من عند الله النزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة وما عند الله لكثرته ودوامه خير للأبرار مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله وامتزاجه بالآلام .
(198) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا كما فعله المحترفون من أحبارهم أولئك لهم أجرهم عند ربهم ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوه في آية أخرى إن الله سريع الحساب لعلمه بالأعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء فيسرع في الجزاء ويوصل الأجر الموعود سريعا .
(199) يا أيها الذين آمنوا اصبروا على الفرائض وصابروا على المصائب ورابطوا على الأئمة .
كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام والقمي عنه عليه السلام اصبروا على المصائب وصابروا على الفرائض ورابطوا عن الأئمة .
والعياشي عنه اصبروا على المعاصي وصابروا على الفرائض ، وفي رواية اصبروا على دينكم وصابروا عدوكم ممن يخالفكم ورابطوا امامكم .

( 412 )


وعن الباقر عليه السلام وصابروا على التقية .
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام اصبروا على المصائب وصابروهم على الفتنة ورابطوا على من تقتدون به واتقوا الله لعلكم تفلحون .
العياشي عن الصادق عليه السلام يعني فيما أمركم به وافترض عليكم .
والقمي عن السجاد عليه السلام نزلت الآية (1) في العباس وفينا ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه رابطوا الصلوات قال أي انتظروها واحدة بعد واحدة لأن المرابطة لم تكن حينئذ .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر البقرة .
____________
(1) ويحتمل أن يكون المراد من قوله (ع) نزلت الآية اه يعني أنهم مأمورون برباطنا وصلتنا وقد تركوا ولم يأتمروا وسيكون ذلك في زمان ظهور القائم (ع) فيرابطنا من بقي من نسلهم فينصرون قائمنا فيكون من نسلنا المرابط بالفتح أعني القائم عجل الله فرجه ومن نسله المرابط بالكسر ويحتمل على هذا الوجه أيضا الكسر فيهما والفتح كذلك فتأمل .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1089
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16