• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الثالث) ، تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني » .
                    • الموضوع : سورة إبراهيم .

سورة إبراهيم

سورة إبراهيم

[ 79 ]

سورة إبراهيم عليه السلام هي مكية إلا آيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله) إلى قوله (فبئس القرار) عدد آيها خمس وخمسون آية. بسم الله الرحمن الرحيم (1) الر كتاب أنزلنه إليك لتخرج الناس بدعوتهم إلى ما فيه من الظلمت من الكفر وأنواع الضلال إلى النور إلى الأيمان والهدى بإذن ربهم بتوفيقه وتسهيله إلى صراط العزيز الحميد بدل من قوله إلى النور. (2) الله الذى له ما في السموات وما في الارض وقرئ الله بالرفع وويل للكافرين من عذاب شديد الويل الهلاك نقيض الوال وهو النجاة. (3) الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الاخرة يختارونها عليها ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا يطلبون لسبيل الله اعوجاجا ليقدحوا فيها أولئك في ضلال بعيد ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل. (4) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه إلا بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم ليبين لهم ما امروا به فيفقهوه بيسر وسرعة في الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ومن علي ربي وقال يا محمد قد أرسلت كل رسول إلى امته بلسانها وأرسلتك إلى كل أحمر وأسود من خلقي فيضل الله من يشاء بالخذلان ويهدى من يشاء بالتوفيق وهو العزيز فلا يغالب على مشيته الحكيم الذي لا يفعل ما يفعل إلا لحكمته.

[ 80 ]

(5) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله قيل بوقايعه الواقعة على الامم الماضية وأيام العرب يقال لحروبها. وفي المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام بنعم الله وآلائه. والقمي أيام الله ثلاثة يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة. وفي الخصال عن الباقر عليه السلام أيام الله يوم يقوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة. أقول: لا منافاة بين هذه التفاسير لأن النعمة على المؤمن نقمة على الكافر وكذا الأيام المذكورة نعم لقوم ونقم لاخرين إن في ذلك لايات لكل صبار شكور يصبر على بلائه ويشكر لنعمائه. (6) وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجكم من آل فرعون يسومونكم يكلفونكم سوء العذاب إستعبادكم بالأفعال الشاقة كما مضى في سورة البقرة ويذبحون أبنائكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم إبتلاء منه أو وفي الأنجاء نعمة. (7) وإذ تأذن ربكم واذكروا إذ أعلم أنه لئن شكرتم يا بني اسرائيل ما أنعمت عليكم من الأنجاء وغيره بالأيمان والعمل الصالح لازيدنكم نعمة إلى نعمة ولئن كفرتم إن عذابي لشديد. في الكافي عن الصادق عليه السلام ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد وفي المجمع ما في معناه والقمي والعياشي مثله وزادا وهو قوله تعالى لئن شكرتم لازيدنكم. وفي الكافي عنه عليه السلام من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها على لسانه.

[ 81 ]

وعنه عليه السلام ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال الحمد لله إلا أدى شكرها وفي رواية اخرى وكان الحمد أفضل من تلك النعمة وعنه عليه السلام في تفسير وجوه الكفر الوجه الثالث من الكفر كفر النعم قال لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد. (8) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الارض جميعا من الثقلين فإن الله لغنى عن شكركم حميد مستحق للحمد في ذاته وإن لم يحمده حامد محمود يحمده نفسه وتحمده الملائكة وينطق بنعمته ذرات المخلوقات فما ضررتم بالكفران إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد. (9) ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله لكثرة عددهم جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم القمي أي في أفواه الأنبياء. أقول: يعني منعوهم من التكلم وهو تمثيل وفي تفسير هذه الكلمة وجوه أخر ذكرها المفسرون وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب. (10) قالت لهم رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والارض يدعوكم ليغفر لكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إلى وقت سماه الله وجعله آخر أعماركم قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا لا فضل لكم علينا فلم خصصتم بالنبوة دوننا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين بحجة واضحة أرادوا بذلك ما اقترحوه من الايات تعنتا وعنادا. (11) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشآء من عباده سلموا مشاركتهم في البشرية وجعلوا الموجب لأختصاصهم بالنبوة فضل الله ومنه عليهم بخصايص فيهم ليست في أبناء جنسهم وما كان لنا أن نأتيكم بسلطن إلا بإذن الله أي ليس إلينا الأتيان بما اقترحتموه وإنما هو أمر يتعلق بمشية الله فيخص كل نبي بنوع من الايات وعلى الله فليتوكل المؤمنون فليتوكل بالصبر على معاداتكم

[ 82 ]

عمموا للأشعار بما يوجب التوكل وهو الأيمان وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا. (12) وما لنا ألا نتوكل على الله أي أي عذر لنا في أن لا نتوكل وقد هدينا سبلنا التي بها نعرفه ونعلم أن الأمور كلها بيده ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون. (13) وقال الذين كفروا الرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا حلفوا على أن يكون أحد الأمرين والعود بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط فأوحى إليهم ربهم أي إلى الرسل لنهلكن الظلمين. (14) ولنسكننكم الارض من بعدهم أي أرضهم وديارهم. القمي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره وقرأ هذه الاية. وفي المجمع جاء في الحديث من آذى جاره ورثه الله داره ذلك أي إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين لمن خاف مقامي أي موقفي للحساب وخاف وعيد أي وعيدي بالعذاب. (15) واستفتحوا سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم وبين أعاديهم من الفتاحة بمعنى الحكومة وخاب كل جبار عنيد في التوحيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني من أبى أن يقول لا إله إلا الله. والقمي عن الباقر عليه السلام العنيد المعرض عن الحق. (16) من ورائه جهنم من بين يدي هذا الجبار نار جهنم فإنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الاخرة ويسقى أي يلقى فيها ويسقى من ماء صديد. في المجمع عن الصادق عليه السلام أي ويسقى مما يسيل من الدم والقيح من فروج الزواني في النار. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقرب إليه فيكرهه فإذا ادني منه

[ 83 ]

شوي وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شرب قطع أمعاؤه حتى يخرج من دبره يقول الله عز وجل وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ويقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه والقمي ما يقرب منه. (17) يتجرعه يتكلف جرعه ولا يكاد يسيغه ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان أي أسبابه من الشدائد فيحيط به من جميع الجهات وما هو بميت فيستريح ومن ورائه ومن بين يديه عذاب غليظ أي يستقبل في كل وقت عذابا أشد مما هو عليه. العياشي عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليهم السلام إن أهل النار لما غلى الزقوم والضريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشراب فأتوا بشراب غساق وصديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ حميم تغلي به جهنم منذ خلقت كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا. (18) مثل الذين كفروا بربهم صفتهم التي هي مثل في الغرابة أعمالهم كرماد اشتدت به الريح حملته وأسرعت الذهاب به. في يوم عاصف العصف اشتداد الريح وصف اليوم به للمبالغة كقولهم نهاره صائم شبه مكارمهم من الصدقة وصلة الرحم وعتق الرقاب وإغاثة الملهوف في حبوطها وذهابها هباءا منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة الله والتوجه به إليه برماد طيرته الريح العاصف لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا منها على شئ يعني لا يرون لشئ منها ثوابا ذلك أي ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون هو الضلال البعيد في غاية البعد عن الحق. (19) ألم تر أن الله خلق السموت والارض بالحق بالحكمة والغرض الصحيح ولم يخلقها عبثا باطلا وقرئ خالق السماوات إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد يعدمكم ويخلق مكانكم خلقا آخرين (20) وما ذلك على الله بعزيز بمتعذر أو متعسر.

[ 84 ]

(21) وبرزوا لله جميعا يعني يبرزون يوم القيامة وذكر بلفظ الماضي لتحقق وقوعه فقال الضعفاء ضعفاء الرأي يعني الأتباع للذين استكبروا لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغو وهم في مصباح المتهجد في خطبة الغدير لأمير المؤمنين عليه السلام بعد تلاوته لها أفتدرون الأستكبار ما هو هو ترك الطاعة لمن امروا بطاعته والترفع على من ندبوا إلى متابعته إنا كنا لكم تبعا في تكذيب الرسل والأعراض عن نصايحهم فهل أنتم مغنون عنا دافعون عنا من عذاب الله من شئ قالوا لو هدينا الله للأيمان والنجاة من العذاب. والقمي الهدي هنا الثواب لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص منجى ومهرب من العذاب. (22) وقال الشيطان لما قضى الامر. القمي لما فرغ من أمر الدنيا من أوليائه. والقمي والعياشي عن الباقر عليه السلام كلما في القرآن وقال الشيطان يريد به الثاني إن الله وعدكم وعد الحق وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفي لكم بما وعدكم ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم ولم أوف لكم بما وعدتكم وما كان لى عليكم من سلطان تسلط فاجبركم على الكفر والعصيان إلا أن دعوتكم إلا دعائي إياكم إليهما بتسويلي ووسوستي فاستجبتم لى أسرعتم اجابتي فلا تلوموني بوسوستي فإن من صرح بعداوته لا يلام بأمثال ذلك ولوموا أنفسكم حيث اغتررتم بي واطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم ما أنا بمصرخكم بمغيثكم من العذاب وما أنتم بمصرخي بمغيثي لا ينجي بعضنا بعضا إنى كفرت بما أشركتمون من قبل تبرأت منه واستنكرته كقوله ويوم القيمة يكفرون بشرككم. في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الكفر في هذه الاية البراءة إن الظالمين لهم عذاب أليم من تتمة كلامه أو إستيناف وفي حكاية أمثاله لطف للسامعين

[ 85 ]

وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم. (23) وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنت تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام. (24) ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة قولا حقا ودعاءا إلى صلاح كشجرة طيبة يطيب ثمرها كالنخلة. وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن هذه الشجرة الطيبة النخلة أصلها ثابت في الأرض ضارب بعروقه فيها وفرعها في السماء. (25) تؤتي أكلها تعطي ثمرها كل حين كل وقت وقته الله لأثمارها بإذن ربها بإرادة خالقها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون لأن في ضرب الأمثال تذكيرا وتصويرا للمعاني بالمحسوسات لتقريبها من الأفهام. والعياشي عن الصادق عليه السلام هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولمن عاداهم. وفي الكافي عنه عليه السلام إنه سئل عن الشجرة في هذه الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصلها وأمير المؤمنين عليه السلام فرعها والأئمة من ذريتهما أغصانها وعلم الأئمة ثمرتها وشيعتهم المؤمنون ورقها قال والله إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها وأن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها وفي الأكمال والحسن والحسين ثمرها والتسعة من ولد الحسين عليهم السلام أغصانها وفي المعاني وغصن الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرها أولادها وورقها شيعتها. وزاد في الأكمال تؤتي أكلها كل حين مايخرج من علم الأمام إليكم في كل سنة من كل فج عميق. وفي المجمع والقمي والعياشي ما يقرب من هذه الأخبار ويأتي فيه حديث آخر في سورة بني إسرائيل عند قوله تعالى والشجرة الملعونة في القرآن إن شاء الله.

[ 86 ]

ومثل كلمة خبيثة قول باطل ودعاء إلى ضلال أو فساد كشجرة خبيثة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل اجتثت استوصلت واخذت جثته بالكلية من فوق الارض لأن عروقها قريبة منها مالها من قرار استقرار. في المجمع عن الباقر عليه السلام إن هذا مثل بني امية. والقمي عنه عليه السلام كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السماء وبنو امية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم. (27) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت الذي ثبت بالحجة والبرهان عندهم وتمكن في قلوبهم وإطمأنت إليه أنفسهم في الحيوة الدنيا ولا يزالون إذا افتتنوا في دينهم وفي الاخرة فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم ويضل الله الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالجحود والأقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن. في التوحيد عن الصادق عليه السلام يعني يضلهم يوم القيامة عن دار كرامته كما يأتي في سورة الكهف عند قوله تعالى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ويفعل الله ما يشاء من تثبيت المؤمنين وخذلان الظالمين. في الفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إن الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضله عما هو عليه فيأبى الله عز وجل له ذلك وذلك قول الله عز وجل يثبت الله الذين آمنوا الاية. وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث سؤال القبر فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول الله ربي وديني الأسلام ونبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيقولان ثبتك الله فيما يحب ويرضى وهو قول الله يثبت الله الذين آمنوا الاية. وعن الصادق عليه السلام في سؤال القبر وإن كان كافرا إلى أن قال ويسلط

[ 87 ]

الله عليه في قبره الحيات تنهشه نهشا والشيطان يغمه غما قال ويسمع عذابه من خلق الله إلا الجن والأنس وإنه ليسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم وهو قول الله عز وجل يثبت الله إلى قوله ويفعل الله ما يشاء. والعياشي والقمي ما يقرب من الحديثين. (28) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار دار الهلاك بحملهم على الكفر. (29) جهنم يصلونها وبئس القرار وبئس المقر جهنم. في الكافي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال ما يقولون في ذلك قيل يقولون هما الأفجران من قريش بنو امية وبنوا المغيرة فقال هي والله قريش قاطبة إن الله تعالى خاطب به نبيه فقال إني فضلت قريشا على العرب وأتممت عليهم نعمتي وبعثت إليهم رسولي فبدلوا نعمتي كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. وعن الصادق عليه السلام عنى بها قريشا قاطبة الذين عادوا رسول الله ونصبوا له الحرب وجحدوا وصيه. وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إنهم كفار قريش كذبوا نبيهم ونصبوا له الحرب والعداوة. قال وسأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الاية فقال هما الأفجران من قريش وبنو أمية وبنو المغيرة فأما بنو امية فمتعوا إلى حين وأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر. والقمي عن الصادق عليه السلام نزلت في الأفجرين من قريش بني المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم وأما بنو امية فمتعوا إلى حين ثم قال ونحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز. وفي الكافي والقمي عن أمير المؤمنين عليه السلام ما بال أقوام غيروا سنة

[ 88 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعدلوا عن وصيه ولا يتخوفون أن ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الاية ثم قال نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة. والعياشي عنه عليه السلام آخر الحديث وشطرا مما سبق. (30) وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله الذي هو التوحيد وقرئ بفتح الياء وليس الأضلال ولا الضلال غرضهم في إتخاذ الأنداد لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض قل تمتعوا إيذان بأنهم كأنهم مأمورون بالتمتع لانغماسهم فيه وأنهم لا يعرفون غيره فإن مصيركم إلى النار. (31) قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلوة أي أقيموا الصلوة يقيموا أو ليقيموا وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية العياشي مضمرا من الحقوق التي هي غير الزكوة المفروضة من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره ويفدي به نفسه ولا خلال ولا مخالة فيشفع لك خليل. والقمي أي لا صداقة. (32) الله الذى خلق السموت والارض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس وغيرهما وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره إلى حيث توجهتم وسخر لكم الانهار جعلها معدة لأنتفاعكم وتصرفكم وعلمكم كيفية إتخاذها. (33) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين في مرضاته يد أبان في مسيرهما لا يفتران في منافع الخلق وإصلاح ما يصلحان من الأرض والنبات والأبدان وسخر لكم الليل والنهار يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم. (34) وآتيكم من كل ما سألتموه. في المجمع عنهما عليهما السلام إنهما قرءا من كل ما سألتموه بالتنوين

[ 89 ]

والعياشي عن الباقر عليه السلام الثوب والشئ الذي لم تسأله إياه أعطاك ولعل المراد بما سألتموه ما كان حقيقا بأن يسأل سئل أو لم يسأل وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها لا تعدوها ولا تطيقوا حصر أنواعها فضلا عن إفرادها. في الكافي عن السجاد عليه السلام إنه إذا قرأ هذه الاية يقول سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم إنه لا يدرك فشكر تعالى معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا كما علم علم العالمين إنهم لا يدركونه فجعله إيمانا علما منه أنه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته وكيف يبلغ مدى عبادته من لأمدى له ولا كيف تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا إن الانسان لظلوم للنعمة لا يشكرها كفار يكفرها. (35) وإذ قال إبرهيم رب اجعل هذا البلد بلد مكة آمنا ذا أمن لمن فيها قد سبق بيانه في سورة البقرة واجنبني وبنى أن نعبد الاصنام. العياشي عن الصادق عليه السلام أنه أتاه رجل فسأله عن شئ فلم يجبه فقال له الرجل فإن كنت إبن أبيك فإنك من أبناء عبدة الأصنام فقال له كذبت إن الله أمر ابراهيم عليه السلام أن ينزل اسماعيل بمكة ففعل فقال إبراهيم عليه السلام رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنى أن نعبد الاصنام فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنما ولكن العرب عبدة الأصنام وقالت بنو اسماعيل هؤلاء شفعاؤنا وكفرت ولم تعبد الأصنام. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قد حظر على من مسه الكفر تقلد مافوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لإبراهيم عليه السلام لا ينال عهدي الظلمين أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله إن لشرك لظلم عظيم فلما علم إبراهيم إن عهد الله بالأمامة لا ينال عبدة الأصنام قال واجنبني وبنى أن نعبد الاصنام وفي الأمالي عن النبي صلى الله عليه وآله ما يقرب منه وقال في آخره فانتهت الدعوة إلي وإلى أخي

[ 90 ]

علي لم يسجد أحد منا لصنم قط فاتخذني الله نبيا وعليا وصيا. (36) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس صرن سببا لاضلالهم كقوله وغرتهم الحيوة الدنيا فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم. العياشي عن الصادق عليه السلام من اتقى الله منكم وأصلح فهو منا أهل البيت قيل منكم أهل البيت قال منا أهل البيت قال فيها إبراهيم فمن تبعني فإنه مني. وعن الباقر عليه السلام ومن أحبنا فهو منا أهل البيت قيل منكم قال منا والله أما سمعت قول إبراهيم فمن تبعني فإنه منى. وعن الصادق عليه السلام ومن عصاني فإنك غفور رحيم قال تقدر إن تغفر له وترحمه. (37) ربنا إنى أسكنت من ذريتي بعض ولدي وهو إسماعيل ومن ولد منه. العياشي عن الباقر عليه السلام نحن هم ونحن بقية تلك الذرية والعياشي والقمي عنه عليه السلام نحن والله بقية تلك العترة. وزاد في المجمع وكانت دعوة إبراهيم عليه السلام لنا خاصة بواد غير ذي زرع يعني وادي مكة (1) عند بيتك المحرم الذي حرمت التعرض له والتهاون به ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس بعضهم. العياشي عن الباقر عليه السلام أما إنه لم يعن الناس كلهم أنتم أولئك ونظراؤكم إنما مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود أو مثل الشعرة السوداء


1 - انما اضافت البيت إليه سبحانه لانه مالكه لا يملكه احد سواه وما عداه من البيوت قد ملكه غيره من العباد ويسأل فيقال كيف سماه بيتا والمرتد عند بيتك الذي مضى في سابق علمك كونه والثاني ان البيت قد كان قبل ذلك وانما خربه طسم وجديس وقيل انه رفعه الله الى السماء أيام الطوفان وانما سماه المحرم لانه لا يستطيع احد الوصول إليه الا بالاحرام وقيل لانه حرم فيه ما احل غي غيره من البيوت من الجماع والملابسة لشئ من الاقذار والدماء وقيل معناه العظيم الحرمة مجمع البيان (*)

[ 91 ]

في الثور الأبيض ينبغي للناس ان يحجوا هذا البيت ويعظموه لتعظيم الله إياه وإن يلقونا حيث كنا نحن الأدلاء على الله تهوى إليهم تسرع إليهم شوقا وودادا وقرئ بفتح الواو ونسبها في الجوامع إلى أهل البيت عليهم السلام من هوى كرضى إذا أحب وتعديته بالى لتضمين معنى النزوع. في الكافي عن الباقر عليه السلام ولم يعن البيت فيقول إليه فنحن والله دعوة إبراهيم عليه السلام. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام والأفئدة من الناس تهوي إلينا وذلك دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم. وفي البصاير عن الصادق عليه السلام في حديث وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون تلك النعمة فأجاب الله دعوته فجعله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ. والقمي عن الصادق عليه السلام يعني من ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس ليأتوا إليهم ويعودوا. وفي الغوالي عنه عليه السلام هو ثمرات القلوب. وعن الباقر عليه السلام إن الثمرات تحمل إليهم من الافاق وقد استجاب الله له حتى لا توجد في بلاد الشرق والغرب ثمرة إلا توجد فيها حتى حكي أنه يوجد فيها في يوم واحد فواكه ربيعية وصيفية وخريفية وشتائية. وفي العلل عن الرضا عليه السلام حديث آخر سبق في سورة البقرة عند قوله وارزق أهله من الثمرات. القمي عن الصادق عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل إغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد وكانت تؤذي إبراهيم عليه السلام في هاجر وتغمه فشكا إبراهيم عليه السلام

[ 92 ]

ذلك إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعت بها وإن أقمتها كسرتها ثم أمره أن يخرج اسماعيل وامه عنها فقال يا رب إلى أي مكان قال إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض وهي مكة فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق فحمل هاجر واسماعيل وابراهيم عليهم السلام وكان إبراهيم عليه السلام لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال يا جبرئيل إلى ها هنا إلى هاهنا فيقول جبرئيل لا إمض امض حتى وافي مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان إبراهيم عليه السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر فالقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلوا تحته فلما سرحهم (1) إبراهيم ووضعهم وأراد الأنصراف عنهم إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم لم تدعنا (2) في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع فقال إبراهيم عليه السلام الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كدا (3) وهو جبل بذي طوى (4) التفت إليهم إبراهيم عليه السلام فقال عليه السلام ربنا إنى أسكنت من ذريتي الاية ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت هل في الوادي من أنيس فغاب إسماعيل عليه السلام عنها فصعدت على الصفاء ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله فعدت حتى جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا


1 - سرحت فلانا الى موضع كذا إذا ارسلته صحاح 2 - ودع الشئ ودعا إذا تركه م‍ 3 - كدا بالمد والفتح والثنية بالعليا بمكة مما يلي المقابر وككذا بالضم والقصر الثنية السفلى مما يلي باب العمرة واما كدي بالضم وتشديد الياء فهو موضع بأسفل مكة وقد تكرر ذكر الاوليين في الحديث 4 - ذو طوى بالضم موضع بمكة ص وذو طوى مثلثة الطاء وينون عين قرب مكة ق (*)

[ 93 ]

فزمته (1) بما جعلته حوله فلذلك سميت زمزم وكان جرهم (2) نازلة بذي المجاز (3) وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطيرو الوحش على الماء فنظرت جرهم على تعكف الطير في ذلك المكان واتبعوها حتى نظروا إلى إمرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي قالت أنا ام ولد إبراهيم خليل الرحمن وهذا إبنه أمره الله أن ينزلنا ها هنا فقالوا لها فتأذنين أن نكون بالقرب منكم فلما زارهم إبراهيم عليه السلام يوم الثالث قالت هاجر يا خليل الرحمان إن ها هنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا أفتأذن لهم في ذلك فقال إبراهيم عليه السلام نعم فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فأنست هاجر وإسماعيل بهم فلما رآهم إبراهيم عليه السلام في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا الحديث وقد مضى تمامه في سورة البقرة. والعياشي عن الكاظم عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام لما أسكن إسماعيل عليه السلام وهاجر مكة وودعهما لينصرف عنهما بكيا فقال لهما إبراهيم عليه السلام ما يبكيكما فقد خلفتكما في أحب الأرض إلى الله وفي حرم الله فقالت له هاجر يا إبراهيم ما كنت أرى نبيا مثلك يفعل ما فعلت قال وما فعلت قالت إنك خلفت إمرأة ضعيفة وغلاما ضعيفا لا حيلة لهما بلا أنيس من بشر ولا ماء يظهر ولا زرع قد بلغ ولا ضرع يحلب قال فرق إبراهيم ودمعت عيناه عندما سمع منها فأقبل حتى إنتهى إلى باب بيت الله الحرام فأخذ بعضادتي الكعبة ثم قال اللهم إنى أسكنت من ذريتي الاية قال فأوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام أن أصعد أبا قبيس فناد في الناس يا معشرا الخلايق إن الله يأمركم بحج هذا البيت الذي بمكة محرما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله فمد الله لإبراهيم عليه السلام في صوته حتى أسمع به أهل المشرق والمغرب وما بينهما من جميع ما قدر الله وقضى في أصلاب الرجال من النطف وجميع ما قدر الله وقضى في أرحام النساء إلى يوم


1 - زمه فانزم شده ق 2 - جرهم كقنفذ حي من اليمين تزوج فيه اسمعيل عليه السلام ق 3 - وذو المجاز سوق كانت لهم على فرسخ من عرفات ق (*)

[ 94 ]

القيامة فهناك وجب الحج على جميع الخلايق والتلبية من الحاج في أيام الحج هي إجابة لنداء إبراهيم عليه السلام يومئذ بالحج. وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة فقال هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية إنما امروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم ثم قرأ هذه الاية فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم. وزاد العياشي فقال آل محمد آل محمد صلوات الله عليهم ثم قال إلينا إلينا. (38) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن تعلم سرنا كما تعلم علانيتنا والمعنى إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منا بأنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وإفتقارا إلى رحمتك وإستعجالا لنيل ما عندك. في الكافي عن الصادق عليه السلام إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ولكنه يحب أن يبث إليه الحوائج فإذا دعوتم فسموا حاجتكم وما يخفي (1) على الله من شئ في الارض ولا في السماء لأنه العالم بعلم ذاتي يستوي نسبته إلى كل معلوم ومن للأستغراق. (39) الحمد لله الذى وهب لى على الكبرأي وهب لي وأنا كبير السن آيس عن الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيه من الاية إسمعيل وإسحق قيل إنه ولد له اسماعيل لتسع وتسعين واسحاق لمأة واثنتي عشر سنة إن ربى لسميع الدعاء أي لمجيبه من قولك سمع الملك كلامي إذا إعتد به وفيه إشعار بأنه دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه حين ما وقع اليأس منه. (40) رب اجعلني مقيم الصلوة معدا لها مواظبا عليها ومن ذريتي وبعض ذريتي ربنا وتقبل دعاء عبادتي


1 - انما هو اخبار منه سبحانه بذلك وابتداء كلام من جهته لا على سبيل الحكاية عن ابراهيم بل هو اعتراض عن الجبائي قال ثم عاد الى حكاية كلام ابراهيم عليه السلام فقال الحمد لله آه م‍ ن (*)

[ 95 ]

(41) ربنا اغفر لى ولوالدي (1). العياشي عن أحدهما عليهما السلام قال آدم وحواء وقرئ ولولدي ونسبها في الجوامع إلى أهل البيت عليهم السلام. والقمي إنما نزلت ولولدي إسماعيل وإسحق. والعياشي عن أحدهما عليهما السلام إنه كان يقرء ربنا اغفر لي ولولدي يعني اسماعيل وإسحاق. وعن الباقر عليه السلام إنه سئل عنها فقال هذه الكلمة صحفها الكتاب إنما كان استغفاره لأبيه عن موعدة وعدها إياه وإنما قال ربنا اغفر لى ولولدي يعني إسماعيل وإسحق وللمؤمنين يوم يقوم الحساب يوم القيامة. (42) ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظلمون وعيد للظالم وتسلية للمظلوم إنما يؤخرهم يؤخر عذابهم ليوم تشخص فيه الابصار. القمي قال تبقى أعينهم مفتوحة من هول جهنم لا يقدرون أن يطرفوا. (43) مهطعين مسرعين إلى الداعي أومقبلين بأبصارهم لا يطرفون هيبة وخوفا والأهطاع الأقبال على الشئ مقنعي رؤسهم رافعيها (2) لا يرتد إليهم طرفهم بل بقيت عيونهم شاخصة لا تطرف وأفئدتهم هواء قيل خلاء أي خالية عن العقول لفرط الحيرة والدهشة لا قوة لها ولاجرأة ولا فهم. والقمي قال قلوبهم يتصدع من الخفقان


1 - واستدل اصحابنا بهذا على ما ذهبوا إليه من أن أبوي ابراهيم عليه السلام لم يكونا كافرين لانه انما يسأل المغفرة لهما يوم القيامة فلو كانا كافرين لما سأل ذلك لانه قال فلما تبين له انه عدو الله تبرأ منه فصح ان اباه الذي كان كافرا انما هو جده لامه أو عمه على الخلاف فيه ومن قال انما دعا لابيه لانه كان وعده ان يسلم فلما مات على الكفر تبرأ منه على ما روي عن الحسن فقوله فاسد لان ابراهيم انما دعا بهذا الدعاء بعد الكبر وبعد ان وهب له اسمعيل واسحق وقد تبين له في هذا الوقت عداوة ابيه الكافر لله فلا يجوز ان يقصده بدعائه مجمع البيان 2 - أي رافعي رؤوسهم الى السماء حتى لا يرى الرجل مكان قدمه من شدة رفع الرأس وذلك من هول يوم القيامة م‍ ن (*)

[ 96 ]

(44) وأنذر الناس يا محمد يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أمهلنا إلى أمد من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك وإتباع رسلك أو لم تكونوا أقسمتم من قبل على إرادة القول ما لكم من زوال القمي لاتهلكون. (45) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي وتبين لكم كيف فعلنا بهم بما تشاهدون في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم وضربنا لكم الامثال فلم تعتبروا. (46) وقد مكروا مكرهم المستفرغ فيه جهدهم لأبطال الحق وتقرير الباطل وعند الله مكرهم ومكتوب عنده مكرهم فهو مجازيهم عليه أو عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وابطالا له وإن كان مكرهم في العظم والشدة لتزول منه الجبال عن أماكنها. القمي قال مكر بني فلان وقرئ لتزول بفتح اللام والرفع. (47) فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله مثل قوله إنا لننصر رسلنا كتب الله لاغلبن أنا ورسلي إن الله عزيز غالب ذو انتقام لأوليائه من أعدائه. (48) يوم تبدل الارض غير الارض والسموات يعني والسموات غير السموات من طريق العامة عن علي عليه السلام أرضا من فضة وسماوات من ذهب. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب قيل إن الناس لفي شغل يومئذ عن الأكل والشرب فقال لهم في النار لا يشتغلون عن أكل الضريع وشرب الحميم وهم في العذاب فكيف يشتغلون عنه في الحساب وفي رواية اخرى إن الله خلق ابن آدم أجوف لا بد له من الطعام والشراب أهم أشد شغلا يومئذ أم من في النار فقد استغاثوا والله يقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب. والقمي والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منهما وعن السجاد عليه السلام

[ 97 ]

تبدل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة. وفي المجمع من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم (1) العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة في مثل مواضعهم من الاولى ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان في ظهرها كان على ظهرها. وعنه عليه السلام يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء (2) كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد. وعنه عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية وقيل له فأين الخلق عند ذلك فقال أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه. وفي الأحتجاج عنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هذه الاية وقيل له فأين الناس يومئذ فقال في الظلمة دون المحشر وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم المتحابون في الله عز وجل يوم القيامة على أرض زبر جدة خضراء في ظل عرشه عن يمينه وكلتا يديه يمين. وفي الخصال والعياشي عن الباقر عليه السلام لقد خلق الله في الأرض منذ خلقها سبعة عوالم ليس هم من ولد آدم خلقهم من أديم الأرض فأسكنوها واحدا بعد واحد مع عالمه ثم خلق الله آدم أبا هذا البشر وخلق ذريته منه ولا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها لعلكم ترون أنه إذا كان يوم القيامة وصير الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة وصير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار


1 - عكاظ كغراب سوق بصحراء بين نخلة والطائف كانت تقوم هلال ذي القعدة وتستمر عشرين يوما تجتمع قبايل العرب فيتعاكظون اي يتفاخرون ويتناشدون ومنهم الاديم العكاظي ق. 2 - العفرة بياض ليس بالناصع ولكن كلون عفر الارض وهو وجهها ومنه الحديث يحشر الناس يوم القيامة على ارض بيضاء عفراء نهاية. (*)

[ 98 ]

إن الله تبارك وتعالى لا يعبد في بلاده ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه بلى وليخلقن خلقا من غير فحول ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه ويخلق لهم أرضا تحملهم وسماء تظلهم أليس الله يقول يوم تبدل الارض غير الارض والسموات وقال الله أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد وبرزوا (1) لله الوحد القهار لمحاسبته ومجازاته. (49) وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الاصفاد. القمي قال مقيدين بعضهم إلى بعض قيل ولعله بحسب مشاركتهم في العقائد والأخلاق والأعمال. (50) سرابيلهم قمصانهم من قطران وهو ما يطلى به الأبل الجربى فيحرق الجرب والجلد وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة وقرئ من قطران والقطر النحاس والصفر المذاب والاني المتناهي حره وتغشى وجوههم النار خص الوجوه لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه ولذلك قال تطلع على الافئدة ولأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت لأجله كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوة بالجهالات. القمي عن الباقر عليه السلام سرابيلهم من قطران قال هو الصفر الحار الذائب يقول الله إنتهى حره وتغشى وجوههم النار سربلوا ذلك الصفر فتغشى وجوههم النار. وعن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جبرئيل عليه السلام لو أن سربالا من سرابيل أهل النار علق بين السماء والأرض لمات أهل الأرض من ريحه ووهجه. وفي نهج البلاغة وألبسهم سرابيل القطران ومقطعات النيران في عذاب قد


1 - أي يظهرون من أرض قبورهم للمحاسبة لا يسرهم شئ وجعل ذلك برزوا لله لان حسابهم معه وان كانت الاشياء كلها بارزة له لا يسرها عنه شئ م‍ ن. (*)

[ 99 ]

اشتد حره وباب قد اطبق على أهله. (51) ليجزى الله كل نفس أي يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب لأنه لا يشغله حساب عن حساب وقد سبق بيانه في سورة البقرة. (52) هذا بلاغ للناس كفاية لهم في الموعظة لينصحوا ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد بالنظر والتدبر فيه وليذكر أولوا الالباب أولو العقول والنهى. والقمي هذا بلاغ للناس يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم. في ثواب الأعمال والعياشي عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة إبراهيم عليه السلام والحجر في ركعتين جميعا في كل جمعة لم يصبه فقر أبداولا جنون ولا بلوى إن شاء الله.

[ 100 ]

سورة الحجر

مكية وقيل إلا قوله ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم وقوله كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين وهي تسع وتسعون آية. بسم اله الرحمن الرحيم (1) الر تلك آيات الكتب وقرآن مبين. (2) ربما وقرئ بالتخفيف يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين قالوا يا ليتنا كنا مسلمين. العياشي عن الباقر عليه السلام. والقمي عن الصادق عليه السلام إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله لا يدخل الجنة إلا مسلم فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. وفي المجمع ما في معناه. وفيه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا إجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين ألم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار قالوا كانت لنا ذنوب فاخذنا بها فسمع الله عز اسمه ما قالوا فأمر من كان في النار من أهل الأسلام فأخرجوا منها فحينئذ يقول الكفار يا ليتنا كنا مسلمين وقد سبق حديث آخر في هذه الاية في سورة البقرة عند قوله سبحانه لا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون.

[ 101 ]

(3) ذرهم دعهم يأكلوا ويتمتعوا بدنياهم ويلههم الامل ويشغلهم توقعهم لطول الأعمال واستقامة الأحوال من الأستعداد للمعاد فسوف يعلمون سوء صنيعهم إذا عاينوا الجزاء وهذا إيذان بأنهم لا ينفعهم الوعظ ولا ينجع فيهم النصح ومبالغة في الأنذار وإلزام للحجة وتحذير عن إيثار التنعم وتطويل الأمل. في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنما أخاف عليكم اثنتين إتباع الهوى وطول الأمل أما إتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الاخرة. وعنه عليه السلام ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل وكان يقول لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لأبغض العمل في طلب الدنيا. وعن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استحقت ولاية الله والسعادة جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظهر وإذا استحقت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر. (4) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ. (5) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون عنه. (6) وقالوا يأيها الذى نزل عليه الذكر نادوه على سبيل التهكم والأستهزاء كما دل عليه ما بعده إنك لمجنون لتقول قول المجانين حين تدعي إن الله نزل عليك الذكر أي القرآن. (7) لو ما تأتينا هلا تأتينا بالملائكة ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا إن كنت من الصدقين في دعواك. (8) ما تنزل الملئكة أي تتنزل وقرئ بضم التاء وبالنون ونصب الملائكة إلا بالحق بالحكمة والمصلحة وما كانوا إذا منظرين ممهلين يعني لا يمهلهم ساعة.

[ 102 ]

القمي قال لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا. (9) إنا نحن نزلنا الذكر رد لأنكارهم وإستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وإنا له لحافظون من التحريف والزيادة والنقصان. (10) ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الاولين في فرقهم وطوائفهم والشيعة الفرقة إذا اتفقوا في مذهب وطريقة من شاعه إذا تبعه. (11) وما يأتيهم من رسول حكاية حال ماضية إلا كانوا به يستهزؤن كما يفعل هؤلاء وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. (12) كذلك نسلكه قيل ندخل الذكر وننظمه في قلوب المجرمين يعني نلقيه في قلوبهم مكذبا به غير مقبول وقيل الضمير للأستهزاء. (13) لا يؤمنون به بالذكر وقد خلت سنة الاولين أي سنة الله فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم أو بأن أهلكهم حين كذبوا رسلهم فيكون وعيدا لأهل مكة. (14) ولو فتحنا عليهم على هؤلاء المقترحين بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يصعدون إليها طول نهارهم. (15) لقالوا إنما سكرت أبصرنا سدت من الأبصار بالسحر وخيل إلينا على غير حقيقة وقرئ سكرت بالتخفيف بل نحن قوم مسحورون قد سحرنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك. (16) ولقد جعلنا في السماء بروجا في المجمع عن الصادق عليه السلام هي اثنا عشر برجا. والقمي عن الباقر عليه السلام البروج الكواكب والبروج التي للربيع والصيف الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وبروج الخريف والشتاء الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي إثنا عشر برجا.

[ 103 ]

والقمي هي منازل الشمس والقمر أقول: معنى البروج القصور العالية سميت الكواكب بها لأنها للسيارات كالمنازل لسكانها وإشتقاقه من التبرج لظهوره. في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن للشمس ثلاث مائة وستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزاير (1) العرب تنزل كل يوم فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثم ترد إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها. أقول: وذلك لأن سير الشمس إنما يكون في كل برج من البروج الاثني عشر ثلاثين يوما تقريبا فبهذا الأعتبار ينقسم كل منها إلى ثلاثين برجا فتصير ثلاثمائة وستين وزينها للنظرين في المجمع عن الصادق عليه السلام بالكواكب النيرة. (17) وحفظنها من كل شيطان رجيم فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس أهلها ويتصرف في أمرها ويطلع على أحوالها. (18) إلا من استرق السمع اختلسه سرا فأتبعه ولحقه شهاب مبين ظاهر للمتبصرين والشهاب شعلة نار ساطعة وقد يطلق للكواكب والسنان لما فيهما من البريق. في المجالس عن الصادق عليه السلام كان إبليس يخترق السموات السبع فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سموات وكان يخترق أربع سماوات فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه وقال عمرو بن امية وكان من أرجز أهل الجاهلية انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أزمان


1 - جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات وما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا ومن جدة الى ريف العراق عرضا م‍ ن. (*)

[ 104 ]

الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شئ وإن كانت تثبت ورمي بغيرها فهو أمر حدث. الحديث. والقمي قال لم تزل الشياطين تصعد إلى السماء وتتجسس حتى ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر مقالة عمرو بن أمية ونسبها إلى وليد بن المغيرة ثم قال وكان بمكة يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تتحرك وتسير في السماء خرج إلى نادي (1) قريش فقال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود فقالوا لا فقال أخطأتم والتورية قد ولد في هذه الليلة آخر الأنبياء وأفضلهم وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجمت الشياطين وحجبوا من السماء فرجع كل واحد إلى منزله فسأل أهله فقالوا قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب بن عبد مناف الحديث. (19) والارض مددناها بسطناها وألقينا فيها راوسى جبالا ثوابت وأنبتنا فيها من كل شئ موزون مقدر. القمي قال لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا موزونا. وعن الباقر عليه السلام في هذه الاية إن الله تبارك وتعالى أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه ذلك لا تباع إلا وزنا. (20) وجعلنا لكم فيها معايش تعيشون من المطاعم والملابس ومن (2) لستم له برازقين وجعلنا لكم من لستم له برازقين من العيال والخدم والمماليك والحيوانات وسائر ما تحسبون أنكم ترزقونه حسبانا كاذبا فإن الله يرزقكم وإياهم. (21) وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم قيل الخزائن


1 - والنادي والندوة والمنتدى مجلس القوم نهارا والمجلس ما داموا مجتمعين فيه وما يندوهم النادي ما يسعهم ق. 2 - واتى بلفظة من دون لفظة ما لانه غلب العقلاء على غيرهم م‍ ن. (*)

[ 105 ]

عبارة عن القدرة على إيجاده. القمي قال الخزانة الماء الذي ينزل من السماء فينبت لكل ضرب من الحيوان ما قدر الله له من الغذاء. أقول: الأول كلام من خلا عن التحصيل والثاني تمثيل للتقريب من أفهام الجمهور وتفسير في الظاهر وأما في الباطن والتأويل فالخزائن عبارة عما كتبه القلم الأعلى أولا على الوجه الكلي في لوح القضاء المحفوظ عن التبديل الذي منه يجري ثانيا على الوجه الجزئي في لوح القدر الذي فيه المحو والأثبات مدرجا على التنزيل فإلى الأول اشير بقوله وإن من شئ إلا عندنا خزآئنه وبقوله وعنده ام الكتب وإلى الثاني بقوله وما ننزله إلا بقدر معلوم ومنه ينزل ويظهر في عالم الشهادة. وعن السجاد عليه السلام إن في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البر والبحر قال وهذا تأويل قوله وإن من شئ الاية أراد عليه السلام به ما ذكرناه وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من كتابنا المسمى بعلم اليقين فإنه كاف في بيانه. (22) وأرسلنا الريح لواقح (1). القمي قال التي تلقح الأشجار. والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبوا الريح فإنها بشر وإنها نذر وإنها لواقح فاسألوا الله من خيرها وتعوذوا به من شرها فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين نفي عنهم ما أثبته لنفسه في قوله وإن من شئ إلا عندنا خزائنه أي نحن الخازنون للماء القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها ولا تقدرون على ذلك. (23) وإنا لنحن نحى ونميت ونحن الوارثون.


1 - يعني ملاقح جمع ملقحة اي تلقح الشجر والسحاب كأنها تهيجه ويقال لواقح جمع لاقح اي حوامل لانها تحمل السحاب م‍. (*)

[ 106 ]

القمي أي نرث الأرض ومن عليها. (24) ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. العياشي عن الباقر عليه السلام المؤمنون من هذه الامة. (25) وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم. (26) ولقد خلقنا الانسان من صلصال. القمي قال هو الماء المتصلصل بالطين من حمإ مسنون قال حمأ متغير وفي حديث خلق آدم فاغترف جل جلاله غرفة من الماء فصلصلها فجمدت الحديث وقد مضى في سورة البقرة والصلصال يقال للطين اليابس الذي يصلصل أي يصوت إذا نقر وهو غير مطبوخ فإذا طبخ فهو فخار والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون يقال للمصور وللمصبوب المفرغ وللمنتن كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غير فصير إنسانا. وفي نهج البلاغة ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت ولاطها بالبلة حتى لزبت فجعل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول أجمدها حتى إستمسكت وأصلدها حتى صلصلت لوقت معدود وأجل معلوم ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف فيها وجوارح يختدمها وأدوات يقلبها ومعرفة يفرق بها بين الأذواق والمشام والألوان والأجناس معجونا بطينة الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة والأضداد المتعادية والأخلاط المتباينة من الحر والبرد والبلة والجمود والمساءة والسرور الحديث. (27) والجان يعني أبا الجان. القمي قال أبو إبليس خلقنه من قبل من قبل خلق الأنسان من نار السموم من نار الشديد الحر النافذ في المسام. في الخصال عن الصادق عليه السلام الاباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا والجان ولد

[ 107 ]

مؤمنا وكافرا وابليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنما يبيض ويفرخ وولده ذكور وليس فيهم اناث. والقمي قال الجن من ولد الجان منهم مؤمنون وكافرون يهود ونصارى وتختلف أديانهم والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم مؤمنون إلا واحد إسمه هام بن هيم بن لا قيس ابن إبليس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرآه جسيما عظيما وامرء مهولا فقال له من أنت قال أنا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس كنت يوم قتل قابيل هابيل غلام إبن أعوام أنهى عن الأعتصام وآمر بإفساد الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بئس لعمري الشاب المؤمل والكهل المؤمر فقال دع عنك هذا يا محمد فقد جرت توبتي على يد نوح ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ولقد كنت مع إبراهيم عليه السلام حيث القي في النار فجعلها الله بردا وسلاما ولقد كنت مع موسى حين غرق الله فرعون ونجى بني إسرائيل ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ولقد قرأت الكتب فكلها يبشرني بك والأنبياء يقرؤونك السلام ويقولون أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم فعلمني مما أنزل الله عليك شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام علمه فقال هام يا محمد إنا لا نطيع إلا نبيا أو وصي نبي فمن هذا قال هذا أخي ووصيي ووزيري ووارثي علي بن أبي طالب عليه السلام قال نعم نجد اسمه في الكتب إليا فعلمه أمير المؤمنين عليه السلام فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام. (28) وإذ قال ربك واذكر وقت قوله للملئكة إنى خلق بشرا من صلصال من حمإ مسنون. (29) فإذا سويته عدلت خلقته ونفخت فيه من روحي حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فيحيى فقعوا له ساجدين. في العلل والقمي والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام وكان ذلك من الله

[ 108 ]

تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم الحديث وقد سبق مع صدره وذيله في سورة البقرة عند قوله تعالى إنى جاعل في الارض خليفة. وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى ونفخت فيه من روحي فقال روح إختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه وفضله على جميع الأرواح فنفخ منه في آدم. وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال إن الله خلق خلقا وخلق روحا ثم أمر ملكا فنفخ فيه فليست بالتي نقصت من الله شيئا هي من قدرته. وفيه وفي الكافي عن الباقر عليه السلام إنه سئل كيف هذا النفخ فقال إن الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق إسمه من الريح وإنما اخرجت على لفظة الروح لأن الروح مجانس الريح وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفي بيتا من البيوت فقال بيتي وقال رسول من الرسل خليلي وأشباه ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر. أقول: لما كان الروح يتعلق أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب ويفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعليقه بالبدن نفخا فهو تمثيل لما به تحصل الحياة وذلك لأن الروح ليس من عالم الحس والشهادة وإنما هو من عالم الملكوت والغيب والبدن بمنزلة قشر وغلاف وقالب له وإنما حيوته به وهو الخلق الاخر المشار إليه بقوله سبحانه ثم أنشأناه خلقا آخر أي خلقا لا يشبه هذا الخلق. العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن الروح فقال هي من قدرته من الملكوت ومما يدل على ذلك ما سبق من الأخبار في سورة آل عمران عند قوله سبحانه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء. وفي البصائر عن الصادق عليه السلام مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا اخرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم يعبأ به وقال إن الأرواح لا تمازج البدن ولا

[ 109 ]

تداخله إنما هي كالكلل للبدن محيطة به. وفي الأحتجاج عنه عليه السلام الروح لا توصف بثقل ولا خفة وهي جسم رقيق البس قالبا كثيفا فهي بمنزلة الريح في الزق فإذا نفخت فيه إمتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها ولا ينقصه خروجها وكذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن قيل أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق قال بل هو باق إلى يوم ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس ثم اعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها وذلك أربعمائة سنة نسيت فيها الخلق وذلك بين النفختين. وقال عليه السلام أيضا إن الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيئ في ضيق وظلمة والبدن يصير ترابا الحديث. وروى إنه قال وبها يؤمر البدن وينهى ويثاب ويعاقب وقد تفارقه ويلبسها الله سبحانه غيره كما تقتضيه حكمته قوله عليه السلام وقد تفارقه ويلبسها الله غيره صريح في أنها مفارقة عن البدن مستقلة وأن ليس المراد بها الروح البخاري وأما اطلاق الجسم عليها فلأن نشأة الملكوت أيضا جسمانية من حيث الصورة وإن كانت روحانية من جهة المعنى غير مدركة بهذه الحواس وأما قوله فهي بمنزلة الريح في الزق فهي تمثيل لما به يحصل الحيوة وبيان لمعنى نفخها في البدن كما مرت الأشارة إليه آنفا. وليعلم أن الأرواح متعددة في بدن الأنسان ويزيد عددها بزيادة صاجها في الفضل والشرف كما إستفاض به الأخبار عن الأئمة الأطهار ففي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه جاء رجل إليه فقال يا أمير المؤمنين إن اناسا زعموا أن العبد لا يزني وهو مؤمن ولا يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الربا وهو مؤمن ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن فقد ثقل علي هذا وحرج منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي ويدعو دعائي ويناكحني واناكحه ويوارثني واوارثه وقد خرج من الأيمان من أجل ذنب يسير أصابه فقال أمير المؤمنين عليه السلام صدقت (1) سمعت


1 - بيان صدقت على البناء للمفعول أي صدقوك فيما زعموا وليس بالذي يخرج من دين الله ان قيل قد ثبت ان = (*)

[ 110 ]

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول والدليل عليه كتاب الله خلق الله عز وجل الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث (1) منازل وذلك قول الله عز وجل في الكتاب أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون فأما ما ذكره من أمر (2) السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح روح القدس وروح الأيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين وبها علموا الأشياء وبروح الأيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم وبروح الشهوة أصابوا الذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شواب [ شباب ] النساء وبروح البدن دبوا ودرجوا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم قال قال الله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ثم قال في جماعتهم وأيدهم بروح منه يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم جعل الله فيهم أربعة أرواح روح الأيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى يأتي عليه حالات فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات فقال أما اوليهن فهو كما قال الله عز وجل ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا فهذا ينتقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من دين الله لأن الفاعل به رده إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلوة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار ولا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الأيمان وليس يضره شيئا ومنهم من ينتقص


= الانسان انما يبعث على ما مات عليه فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا قلت لما كان مانعه عن الالتفات إلى معارفه أمرا عارضا فلما رال ذلك بالموت برزت له معارفه التي كانت كامنة في ذاته بخلاف من لم تحصل له المعرفة اصلا فانه ليس في ذاته شئ ليبرز له (وافي). 1 - ثلاث منارل عبارة عن ثلاث مراتب مذكورة للارواح الثلاثة وحاصل الجواب ان مرتكب الكبيرة بدون الاصرار ليس داخلا في اصحاب المشأمة فان المذكور في مرتبتهم انهم يصرون على الحنث العظيم فهم داخلون في اصحاب الميمنة. 2 - امر بفتح الميم وتشديد المهملة أي أقوى وأعقل مأخوذة من المرة بالكسر وهي القوة وشدة العقل. (*)

[ 111 ]

منه روح القوة ولا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها ولم يقم ويبقى روح البدن فيه فهو يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لأن الله عز وجل هو الفاعل به وقد يأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فتشجعه روح القوة ويزين له روح الشهوة ويقوده روح البدن حتى يوقعه في الخطيئة فإذا لامسها نقص من الأيمان وتفصى منه فليس يعود فيه حتى يتوب فإذا تاب تاب الله عليه وإن عاد أدخله الله نار جهنم فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله عز وجل الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يعرفون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والولاية في التوراة والأنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك إنك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الأيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح البدن ثم أضافهم إلى الأنعام فقال إن هم كالانعام لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن فقال السائل أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين. وروي عن كميل بن زياد أنه قال سألت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عليا فقلت يا أمير المؤمنين اريد أن تعرفني نفسي قال يا كميل وأي الأنفس تريد أن اعرفك قلت يا مولاي هل هي إلا نفس واحدة قال يا كميل إنما هي أربعة النامية النباتية والحسية الحيوانية والناطقة القدسية والكلية الألهية ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوى ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد والحسية الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي أشبه الأشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة والكلية الألهية لها خمس

[ 112 ]

قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه هي التي مبدؤها من الله وإليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية والعقل وسط الكل. (30) فسجد الملائكة كلهم أجمعون. (31) إلا إبليس أبى أن يكون مع السجدين. (32) قال يا إبليس مالك أن لا تكون مع السجدين. (33) قال لم أكن لاسجد لا يصح مني وينافي حالي وأنا ملك روحاني أن أسجد لبشر جسماني كثيف خلقته من صلصال من حمإ مسنون وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها غرته الحمية وغلبت عليه الشقوة وتعزز بخلقة النار واستوهن خلق الصلصال وقد سبق جوابه في سورة الأعراف مع كلمات اخر. (34) قال فاخرج منها من المنزلة التي أنت عليها في السماء وزمرة الملائكة فإنك رجيم مطرود من الخير والكرامة وقد سبق في معنى الرجيم حديث في الأستعاذة. (35) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين فإنه منتهى أمد اللعن. (36) قال رب فانظرني فأمهلني إلى يوم يبعثون أراد أن يجد فسحة في الأغواء ونجاة من الموت وقد سبق في سببه حديث في سورة الأعراف. (37) قال فإنك من المنظرين. (38) إلى يوم الوقت المعلوم. في العلل عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى والثانية. والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عنه فقال اتحسب أنه يوم يبعث فيه الناس إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم.

[ 113 ]

والقمي عنه عليه السلام قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصخرة التي في بيت المقدس. أقول: يعني عند الرجعة. (39) قال رب بما أغويتني بسبب إغوائك إياي وهو تكليفه إياه بما وقع في الغي لازينن لهم المعاصي في الارض ولاغوينهم أجمعين. (40) إلا عبادك منهم المخلصين الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من الشوائب فلا يعمل فيهم كيدي وقرئ بكسر اللام أي الذين أخلصوا نفوسهم لك. (41) قال هذا صراط علي أي هذا طريق حق علي أن اراعيه مستقيم لا إنحراف عنه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي المخلصين وقرئ علي على وزن فعيل بالرفع. ونسبها في المجمع إلى الصادق عليه السلام ويفسر بعلو الشرف. وفي الكافي عنه عليه السلام هذا صراط علي مستقيم وهذا يحتمل الأضافة أيضا. والعياشي عن السجاد عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام. (42) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (1) بيان لما أجمله العياشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم أنه سئل عن تفسيره فقال قال الله إنك لا تملك أن تدخلهم جنة ولا نارا. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والله ما أراد بهذا إلا الأئمة وشيعتهم. والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه. (43) وإن جهنم لموعدهم أجمعين لموعد الغاوين المتبعين (2)


1 - لانه إذا قبل منه صار له عليه سلطان بعدوله عن الهدى الى ما يدعوه إليه من اتباع الهوى وقيل ان الاستثناء منقطع والمراد لكن من اتبعك من الغاوين جعل لك على نفسه سلطانا. 2 - أي موعد إبليس ومن تبعه. (*)

[ 114 ]

القمي عن الباقر عليه السلام وقوفهم على الصراط. (44) لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم. القمي قال يدخل في كل باب أهل ملة. وفي الخصال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام إن للنار سبعة أبواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون وباب يدخل منه المشركون والكفار ومن لم يؤمن بالله طرفة عين وباب يدخل منه بنو امية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد وهو باب لظى وهو باب سعير وهو باب الهاوية يهوي بهم سبعين خريفا فكلما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا ثم هوى بهم هكذا سبعين خريفا فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلدين وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وأنه لأعظم الأبواب وأشدها حرا ثم قال والباب الذي يدخل منه بنو امية هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار فيه حطما لا يسمع لهم واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون. وعن أمير المؤمنين عليه السلام سبعة أبواب النار مطابقات. وفي المجمع عنه عليه السلام إن جهنم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض ووضع إحدى يديه على الاخرى فقال هكذا وإن الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض فأسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية وقال وفي رواية أسفلها الهاوية وأعلاها جهنم. والقمي سبع درجات ثم ذكر تفصيلها مبسوطا بنحو آخر ولم يذكر أصحابها. (45) إن المتقين في جنات وعيون. (46) ادخلوها بسلم آمنين على إرادة القول. (47) ونزعنا ما في صدورهم من غل.

[ 115 ]

القمي العداوة إخوانا على سرر متقبلين. في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنتم والله الذين قال الله ونزعنا ما في صدورهم الاية وفي رواية والله ما اراد بهذا غيركم. (48) لا يمسهم فيها نصب تعب وعناء وما هم منها بمخرجين فإن تمام النعمة بالخلود. (49) نبئ عبادي أنى أنا الغفور الرحيم. (50) وأن عذابي هو العذاب الاليم فارجوا رحمتي وخافوا عذابي. (51) ونبئهم عن ضيف إبرهيم. (52) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما نسلم عليك سلاما قال إنا منكم وجلون خائفون وذلك لأنهم امتنعوا عن الأكل كما سبق في سورة هود. (53) قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم. العياشي عن الباقر عليه السلام الغلام العليم هو إسماعيل من هاجر. وعن الصادق عليه السلام فمكث إبراهيم عليه السلام بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله بإسمعيل مرة بعد اخرى بعد ثلاث سنين. (54) قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه فبم تبشرون فإنه مما لا يتصور وقوعه عادة. (55) قالوا بشرناك بالحق بما يكون لا محالة يقينا فلا تكن من القانطين من الايسين من ذلك فإنه تعالى قادر عليه فإنه كما يفعل بالأسباب الجلية يفعل بالأسباب الخفية. (56) قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون أي المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله وكمال قدرته وقرئ يقنط بكسر النون. (57) قال فما خطبكم بعد البشارة أيها المرسلون.

[ 116 ]

(58) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين يعني قوم لوط إنهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين كذا في العلل والعياشي عن الباقر عليه السلام. وفي العلل عنه عليه السلام قال ولم يزل لوط وإبراهيم عليهما السلام يتوقعان نزول العذاب على قوم لوط وكانت لإبراهيم عليه السلام ولوط منزلة من الله عز وجل شريفة وأن الله عز وجل كان إذا أراد عذاب قوم لوط أدركته مودة إبراهيم عليه السلام وخلته ومحبة لوط فيراقبهم فيؤخر عذابهم قال فلما اشتد أسف الله على قوم لوط وقدر عذابهم وقضى أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلي به مصابه بهلاك قوم لوط فبعث الله رسلا إلى إبراهيم عليه السلام يبشرونه باسمعيل فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سراقا فلما رأته الرسل فزعا مذعورا قالوا سلاما قال سلام إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا رسل ربك نبشرك بغلام عليم قال والغلام العليم هو اسمعيل من هاجر فقال إبراهيم عليه السلام للرسل أبشرتموني على أن مسنى الكبر الايات. والعياشي عنه عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى لما قضى عذاب قوم لوط وقدره أحب أن يعوض إبراهيم عليه السلام من عذاب قوم لوط بغلام عليم يسلي به مصابه بهلاك قوم لوط الحديث كما ذكر. (59) إلا آل لوط إنا لمنجوهم وقرئ بالتخفيف أجمعين. (60) إلا امرأته قدرناها وقرئ بالتخفيف إنها لمن الغابرين الباقين مع الكفرة لتهلك معهم. العياشي عن الصادق عليه السلام يا ويح القدرية إنما يقرؤون هذه الاية إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ويحهم من قدرها إلا الله تبارك وتعالى. (61) فلما جاء آل لوط المرسلون. (62) قال إنكم قوم منكرون تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشر.

[ 117 ]

(63) قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون من عذاب الله. (64) وأتيناك بالحق لتنذر قومك بالعذاب وإنا لصادقون. (65) فأسر سر ليلا بأهلك يالوط بقطع من اليل إذا مضى نصف الليل واتبع أدبارهم وكن على أثرهم لتكون عينا عليهم فلا يتخلف أحد منهم ولا يلتفت منكم أحد إلى ما ورآه وامضوا حيث تؤمرون حيث أمرتم بالذهاب إليه. (66) وقضينا إليه إلى لوط ذلك الامر منهم يفسره ما بعده أن دابر هؤلاء آخرهم مقطوع يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد مصبحين داخلين في الصبح. (67) وجاء أهل المدينة مدينة سدوم يستبشرون بأضياف لوط طمعا فيهم. (68) قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون بفضيحة ضيفي فإن من أسى إلى ضيفه فقد أسى إليه. (69) واتقوا الله في ركوب الفاحشة ولا تخزون ولا تذلوني من الخزي بمعنى الهوان أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء. (70) قالوا أو لم ننهك عن العالمين قد سبق عن الباقر عليه السلام إن المراد به النهي عن ضيافة الناس وإنزالهم. (71) قال هؤلاء بناتى إن كنتم فاعلين قد سبق تفسيره. (72) لعمرك. القمي أي وحياتك يا محمد قال فهذه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأنبياء إنهم لفي سكرتهم يعمهون لفي غوايتهم التي أزالت عقولهم يتحيرون فكيف يسمعون النصح. (73) فأخذتهم الصيحة صيحة جبرئيل مشرقين داخلين في وقت شروق الشمس.

[ 118 ]

(74 فجعلنا عاليها عالي قريتهم سافلها وصارت منقلبة بهم وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل من طين متحجر. (75) إن في ذلك لايات للمتوسمين للمتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشئ بسمته. (76) وإنها قيل وإن آثارها لبسبيل مقيم ثابت يسلكه الناس ولم يندرس بعدوهم يبصرون تلك الاثار وهو تنبيه لقريش كقوله وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وفي المجمع قد صح عن النبي عليه السلام أنه قال إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وقال إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ثم قرأ هذه الاية. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى إن في ذلك لايات للمتوسمين كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتوسم وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون. وفيه والعياشي عنه عليه السلام في هذه الاية قال هم الأئمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله في هذه الاية. وعن الصادق أنه سئل عن هذه الاية فقال نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم. وزاد القمي والسبيل طريق الجنة وعنه عليه السلام وإنها لبسبيل مقيم قال لا يخرج منا أبدا. وفي البصائر عن الباقر عليه السلام ليس مخلوق إلا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر وذلك محجوب عنكم وليس مجوبا عن الأئمة عليهم السلام من آل محمد صلوات الله عليهم ثم ليس يدخل عليهم أحد إلا عرفوه مؤمن أو كافر ثم تلا هذه الاية. وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام إذا قام القائم عليه السلام لم يقم بين

[ 119 ]

يديه أحد من خلق الرحمان إلا عرفه صالح هو أم طالح وفيه آيات للمتوسمين وهو السبيل المقيم، والعياشي عنه عليه السلام في الأمام عليه السلام آية للمتوسمين وهو السبيل المقيم ينظر بنور الله وينطق عن الله لا يعزب عنه شئ مما أراد. (77) إن في ذلك لاية للمؤمنين. (78) وإن كان وإنه كان أصحب الايكة يعني الغيضة وهي الشجرة المتكاثفة لظالمين هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعث الله إليهم فكذبوه فاهلكوا بالظلة. (79) فانتقمنا منهم بالأهلاك وإنهما يعني سدوم والأيكة لبإمام مبين لبطريق واضح يؤم ويتبع ويهتدي. (80) ولقد كذب أصحب الحجر المرسلين يعني ثمود كذبوا صالحا والحجر واديهم وهو ما بين المدينة والشام وكانوا يسكنونها. (81) وآتيناهم آياتنا كالناقة وسقيها وشربها ودرها فكانوا عنها معرضين. (82) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين من الأنهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها أو من العذاب لفرط غفلتهم. (83) فأخذتهم الصيحة مصبحين. (84) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من بناء البيوت الوثيقة وإستكثار الأموال والعدد. (85) وما خلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق فلا يلائم استمرار الفساد ودوام الشر فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض وإن الساعة لاتية فينتقم الله لك فيها ممن يكذبك فاصفح الصفح الجميل. في العيون عن الرضا عليه السلام يعني العفو من غير عتاب. (86) إن ربك هو الخلق الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم العليم

[ 120 ]

بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل إليه ليحكم بينكم. (87) ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم المثاني من التثنية أو الثناء. في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم فافرد الأمتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم. والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها بسم الله الرحمن الرحيم إنما سميت المثاني لأنها تثني في الركعتين وعن أحدهما عليهما السلام إنه سئل عنها فقال فاتحة الكتاب يثنى فيها لقول. وكذا في المجالس عن السجاد عليه السلام. وفي المجمع عن علي والباقر والصادق عليهم السلام. والقمي إنها الفاتحة وفي الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعطيت السور الطوال مكان التوراة واعطيت المئين مكان الأنجيل واعطيت المثاني مكان الزبور. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل زاد الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم السبع الطوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم. وفي التوحيد والعياشي والقمي عن الباقر عليه السلام نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا قال الصدوق (طاب ثراه) قوله نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا وأخبر امته إنا لا نفرق حتى نرد حوضه.

[ 121 ]

أقول: لعلهم عليهم السلام إنما عدوا سبعا باعتبار أسمائهم فإنها سبعة وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثناء وأن يجعل من التثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن وأن يجعل كناية عن عددهم الأربعة عشر بأن يجعل نفسه واحدا منهم بالتغاير الأعتباري بين المعطي والمعطى له. (88) لا تمدن عينيك لا تطمح ببصرك طموح راغب إلى ما متعنا به أزواجا منهم أصنافا من الكفار فإنه مستحقر في جنب ما اوتيته ولا تحزن عليهم إن لم يؤمنوا فيتقوى بهم الأسلام وأهله واخفض جناحك للمؤمنين وتواضع لمن معك من المؤمنين وارفق بهم وطب نفسا عن إيمان الأغنياء والأقوياء. في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اوتي القرآن فظن إن أحدا من الناس اوتي أفضل مما اوتي فقد عظم ما حقر الله وحقر ما عظم الله. والقمي عنه عليه السلام لما نزلت هذه الاية لا تمدن عينيك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يتعز (2) بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن رمي ببصره ما في يدي غيره كثر همه ولم يشف غيظه ومن لم يعلم أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا ومن شكا مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه ومن دخل النار من هذه الامة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا ومن أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه وفي المجمع كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا. (89) وقل إنى أنا النذير المبين انذركم ببيان وبرهان إن عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا وابين لكم ما تحتاجون إليه وما أرسلت به إليكم.


1 - العزاء ممدودا الصبر يقال عزى يعزى من باب تعب صبر على ما نابه واراد بالتعزي بعزاء الله التصبر والتسلي عند المصيبة وشعاره ان يقول انا لله وانا إليه راجعون ومعنى بعزاء الله بتعزية الله اياه فاقام الاسم مقام المصدر م‍. (*)

[ 122 ]

(90) كما أنزلنا على المقتسمين. (91) الذين جعلوا القرآن عضين قيل أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على اليهود والنصارى الذين جعلوا القرآن أجزاء وأعضاء وقالوا العنادهم بعضه حق موافق للتوراة والأنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وقيل مثل العذاب الذي أنزلنا عليهم. والقمي قال قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما أنزله الله والعياشي عنهما عليهما السلام إنهما سئلا عن هذه الاية فقالا هم قريش وعن أحدهما عليهما السلام في الذين أبرزوا القرآن عضين قالوا هم قريش. (92) فوربك لنسألنهم أجمعين. (93) عما كانوا يعملون فيجازيهم عليه. (94) فاصدع بما تؤمر فاجهر به وأظهره. العياشي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال نسختها فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين فلا تلتفت إلى ما يقولون. (95) إنا كفيناك المستهزئين بقمعهم وإهلاكهم. (96) الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون عاقبة أمرهم في الدارين. في الأكمال عن الصادق عليه السلام إكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره وعلي عليه السلام معه وخديجة ثم أمره الله أن يصدع بما امر فظهر فأظهر أمره قال وفي خبر آخر ثلاث سنين. والعياشي عنه عليه السلام قال إكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة سنين ليس يظهر وعلي عليه السلام معه وخديجة ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهر فجعل يعرض نفسه على قبايل العرب فإذا أتاهم قالوا كذاب إمض عنا.

[ 123 ]

والقمي نزلت بمكة بعد أن نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاث سنين وذكر الحديث بأبسط مما في الأكمال قال وكان المستهزؤون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث والحرث بن طلاطلة الخزاعي. والعياشي عن الباقر عليه السلام قال كان المستهزؤون خمسة من قريش وذكر هؤلاء ثم قال فلما قال الله إنا كفيناك المستهزئين علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه قد أخزاهم فأماتهم الله بشر ميتة. وفي الأحتجاج عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام في حديث فأما المستهزؤن فقال الله إنا كفيناك المستهزئين فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد فأما الوليد بن المغيرة فمر بنبل الرجل من خزاعة قد راشه (1) ووضعه في الطريق فأصابه شظية (2) منه فقطع أكحله (3) حتى أدماه فمات وهو يقول قتلني رب محمد وأما العاص بن وائل السهمي فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول قتلني رب محمد وأما الأسود ابن عبد يغوث فإنه خرج يستقبل إبنه زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة فقال لغلامه إمنع هذا عني فقال ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك فقتله وهو يقول قتلني رب محمد وأما الأسود بن المطلب فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليه أن يعمى بصره وأن يثكله ولده فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع فأتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي وبقي حتى أثكله الله ولده وأما الحرث بن الطلاطلة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال أنا الحرث فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول قتلني رب محمد.


1 - راش السهم يريشه الزق عليه الريش كريشه ق. 2 - والشظية القوس وعظم الساق وكل فلقة من شئ. قاموس. 3 - والاكحل عرق في وسط الذراع يكثر فصده. نهاية. أو عرق الحياة ق. (*)

[ 124 ]

قال وروي أن الأسود بن عبد يغوث أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى إنشقت بطنه فمات وهو يقول قتلني رب محمد كل ذلك في ساعة واحدة وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم فأتاه جبرئيل عليه السلام عن الله من ساعته فقال يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين يعني أظهر أمرك لأهل مكة وادعهم إلى الأيمان قال يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني قال له إنا كفيناك المستهزئين قال يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال قد كفيتهم فأظهر أمره عند ذلك. والقمي بعد ما ذكر المستهزئين وكيفية كفايتهم قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام على الحجر فقال يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله آمركم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكوا به العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنة فاستهزؤوا منه وقالوا جن محمد بن عبد الله ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب. (97) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون من تكذيبك والطعن فيك وفي القرآن. في الكافي عن الصادق عليه السلام يعني فيما يذكره في فضل وصيه. (98) فسبح بحمد ربك وكن من السجدين فافزع إلى الله فيما نابك بالتسبيح والتحميد والصلاة يكفك الهم ويكشف عنك الغم. في الكافي عن الصادق عليه السلام عليك بالصبر في جميع امورك فإن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بالصبر والرفق فصبر حتى نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره فأنزل الله عز وجل ولقد نعلم أنك يضيق صدرك الاية.

[ 125 ]

وفي المجمع كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلوة. (99) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ودم على عبادة ربك حتى يأتيك الموت يعني ما دمت حيا وفضل قراءة هذه السورة سبق في آخر سورة إبراهيم عليه السلام.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1103
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29