• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير شبر ، تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر .
                    • الموضوع : سورة الفاتحة .

سورة الفاتحة

تفسير القرآن الكريم

للعلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

[38 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي انزل القرآن الكريم والفرقان الحكيم على النبي الحليم الذي هوعلى خلق عظيم وجعله الدليل على خير سبيل وكتابا فيه تفصيل وتحصيل, ظاهره انيق وباطنه عميق لا تحصى عجائبه ولا تبلىغرائبه والصلاة على من أرسل حجة للعالمين وكان نبيا وآدم بين الماء والطين وآله بحار العلوم والحقائق وكنوز المعارف والدقائق الذين أوتوا علم الكتاب تأويلا وتفسيراً واذهب عنهم الرجس اهل البيت وطهرهم تطهيراً (وبعد) فيقول المذنب الجاني ولأسير الفاني أفقر الخلق إلى ربه الغني عبد الله (شبر) بن محمد رضا الحسيني رضى الله عنهما وأرضاهما وجعل الجنة مأواهما ومثواهما : هذه كلمات شريفة وتحقيقات منيفة وبيانات شافية وإشارات وافية تتعلق ببعض مشكلات الآيات القرآنية وغرائب الفقرات الفرقانية ونتحرى غالباً ماورد عن خزان أسرار الوحي والتنزيل ومعادن جواهر العلم والتأويل الذين نزل في بيوتهم جبرائيل

بأوجز إشارة والطف عبارة وفيما يتعلق بالالفاظ والأغراض والنكات البيانية تفسير وجيز فإنه ألطف التفاسير بيانا وأحسنها تبيانا مع وجازة اللفظ وكثرة المعنى والله المستعان وعليه التكلان.

سورة الفاتحة

مكية وقيل نزلت ثانيا بالمدينة وتسمى فاتحة الكتاب لأنها مفتتحة وأم الكتاب لاشتمالها على جمل معانيه والحمد لله لذكره فيها والسبع المثاني لأنها سبع آيات اتفاقا لكنهم بين عاد للبسملة دون (أنعمت عليهم) وعاكس، وتثنى في الفريضة أو الإنزال.

(بسم الله الرحمن الرحيم)

آية من الفاتحة ومن كل سورة بإجماعنا ونصوصنا والباء للاستعانة أو المصاحبة والاسم من السمو أو من السمة ولم يقل بالله لأن التبرك باسمه وليعم كل أسمائه (والله) أصله إله حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف وهو علم شخصي للذات المقدس الجامع لكل كمال و(الرحمن الرحيم) صفتان مشبهتان من رحم بالكسر ووصف تعالى بهما باعتبار غايتهما والرحمن أبلغ لاقتضاء زيادة المباني زيادة المعاني أما باعتبار الكم لكثرة أفراد المرحومين وقلتها وعليه حمل يا رحمان الدنيا لشمول المؤمن والكافر ورحيم الآخرة للاختصاص بالمؤمن أو باعتبار الكيف وعليه حمل يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما لجسامة نعم الآخرة كلها بخلاف نعم الدنيا، وإنما قدم الرحمن ومقتضى الترقي العكس لصيرورته بالاختصاص كالواسطة بين العلم والوصف فناسب توسيطه بينهما أو لأن الملحوظة في مقام التعظيم جلائل النعم وغيرها كالتتمة فقدم وأردف بالرحيم للتعميم تنبيها على أن جلائلها ودقائقها منه تعالى وخص البسملة بهذه الأسماء إعلاما بأن الحقيق بأن يستعان به في مجامع الأمور وهو المعبود الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها المولى للنعم كلها.

(الحمد لله) على ما أنعم علينا (رب العالمين) مالك الجماعات من كل مخلوق وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم ومدبر أمورهم وحافظهم والعالم كالطبائع ما يعلم به الصانع من الجواهر والأعراض وإنما جمع والتعريف الاستغراقي يفيد الشمول للدلالة على أن للعالم أجناس مختلفة الحقائق كعالم الأرواح وعالم الأفلاك وعالم العناصر ونحوها وربوبيته تعالى شاملة لها وجمع بالواو والنون لما فيه من معنى

[39 ]

الوصفية من الدلالة على العلم فغلب العقلاء واختص بهم.

(الرحمن الرحيم) كرر تأكيدا واهتماما وبيانا لعلة تخصيص الحمد به تعالى.

(مالك) (يوم الدين) أي الجزاء أو الحساب وقرأ ملك كما عن أهل البيت (عليهم السلام) وسوغ وصف المعرفة به قصد معنى المضي تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع أو قصد الاستمرار الثبوتي أي ملك الأمر كله في ذلك اليوم أو له الملك بكسر الميم فيه فإضافته حقيقية وكذا إضافة ملك إذ لا مفعول للصفة المشبهة وتخصيص اليوم بالإضافة مع أنه مالك وملك جميع الأشياء في كل الأوقات لتعظيم اليوم.

(إياك نعبد وإياك نستعين) قدم المعمول للحصر ولتقدمه تعالى في الوجود وللإشعار بأن العابد والمستعين ينبغي أن يكون نظرهما بالذات إلى الحق وكرر الضمير للتنصيص على تخصيص كل منهما به تعالى ولبسط الكلام مع المحبوب ولعل تقديم العبادة لتوافق الفواضل ولأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة ولمناسبة تقديم مطلوبه تعالى من العباد على مطلوبهم ولأن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه كان كالمعتد بما يصدر منه فعقبه بأنها أيضا لا تتم إلا بمعونة الله تعالى والضمير المستكن في الفعلين للقارىء وأثره على المفرد والمقام مقام تحقير لدخول الحفظة أو حاضري الجماعة أو كل موجود أو كل عضو من أعضائه (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) وإيذانا بحقارة نفسه عن عرض العبادة وطلب المعونة منفردا بدون الانضمام إلى جماعة تشاركه كما يصنع في عرض الهدايا ورفع الحوائج إلى الملوك واحترازا عن الكذب لو انفرد في ادعائه وحسن الالتفات هنا أن إظهار مزايا المحمود يحسن عند غيره بخلاف العبادة ونحوها فإنه ينبغي كتمانها عن غير المعبود فناسب الخطاب ولأنه أقرب إلى الإخلاص والإشارة إلى قوله (عليه السلام) اعبد الله كأنك تراه والله تعالى لغاية ظهوره كأنه حاضر مشاهد.

(اهدنا الصراط المستقيم) أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به قبل حتى نطيعك بعد والهداية والرشاد والتثبت والصراط، الجادة والمستقيم المستوي أي طريق الحق وهو ملة الإسلام.

(صراط الذين أنعمت عليهم) بالتوفيق لدينك وطاعتك من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (غير المغضوب عليهم) من اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه الله وغضب عليه (ولا الضالين) النصارى الذين قال الله فيهم (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا) وصح وقوع غير صفة للمعرفة إجراء للموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معين معهود أو يجعل غير معرفة لأنه أضيف إلى ما له ضد وحد وإنما دخلت لا في (ولا الضالين) لما في غيره من معنى النفي وإنما صرح بإسناد النعمة إليه تعالى على طريق الخطاب دون الغضب والضلال تأدبا وإشارة إلى تأسيس مباني الرحمة وأن الغضب كأنه صادر عن غيره تعالى ولحسن التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد كما في قوله (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) دون لأعذبنكم إشارة إلى أن العذاب والانتقام ونحوها عبارة عن أعمالهم تكون وبالا عليهم.

[40 ]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1472
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28