• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير القمي ج 1 ، تأليف : علي بن إبراهيم القمي (رحمه الله) .
                    • الموضوع : سورة الانعام .

سورة الانعام

سورة الانعام مكية وهى مأة وخمس وستون آية (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) فانه حدثني ابي عن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) قال نزلت الانعام جملة واحدة ويشيعها سبعون الف ملك لهم زجل (1) بالتسبيح والتهليل والتكبير فمن قرأها سبحوا له الي يوم القيامة، واما

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الزجلة بالضم صوت الناس ويفتح (ق) ـ ج ـ ز (*)

 

===============

(194)

قوله (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده) فانه حدثني

ابي عن النضر بن سويد عن الحلبي عن عبدالله عن مسكان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال الاجل المقضي هو المحتوم الذي قضاه الله وحتمه والمسمى هو الذي فيه البداء (1) يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير، وحدثني ياسر عن الرضا (عليه السلام) قال ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر وان يقر له بالبداء ان يفعل الله ما يشاء وان يكون في تراثه الكندر وقوله (وهو الله في السموات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) قال السر ما اسر في نفسه والجهر ما اظهره والكتمان ما عرض بقلبه ثم نسيه وقوله (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ـ إلى قوله ـ وانشأنا من بعدهم قرنا آخرين ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا إلا سحر مبين) فانه محكم ثم قال حكاية عن قريش (وقالوا لولا انزل عليه ملك) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون) فاخبر عزوجل ان الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا، فاستعفى النبي (صلى الله عليه وآله) من الآيات رأفة ورحمة على امته واعطاه الله الشفاعة ثم قال الله (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا والبسنا عليهم ما يلبسون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن) أي نزل بهم العذاب ثم قال لهم قل لهم يامحمد (سيروا في الارض ثم انظروا) أي انظروا في القرآن واخبار الانبياء فانظروا (كيف كان عاقبة المكذبين) ثم قال قل لهم (لمن ما في السموات والارض) ثم رد عليهم فقال قل لهم (لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة) يعني اوجب الرحمة على نفسه وقوله (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) يعني ما خلق

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع حاشيتنا التفصيلية على البداء ص 38 من هذا الكتاب ج. ز. (*)

 

===============

(195)

بالليل والنهار هو كله لله، ثم احتج عزوجل عليهم فقال قال لهم (أغير الله اتخذ وليا فاطر السموات والارض) اي مخترعها وقوله (وهو يطعم ولا يطعم ـ إلى قوله ـ وهو الفاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) فانه محكم، وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (قل اي شئ اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم) وذلك ان مشركي اهل مكة قالوا يامحمد ما وجد الله رسولا يرسله غيرك، ما نرى احدا يصدقك بالذي تقول، وذلك في اول ما دعاهم وهو

يومئذ بمكة، قالوا ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى وزعموا انه ليس لك ذكر عندهم فتأتينا من يشهد انك رسول الله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " الله شهيد بيني وبينكم الآية " قال انكم لتشهدون ان مع الله آلهة اخرى، يقول الله لحمد فان شهدوا فلا تشهد معهم، قال (لا اشهد قل إنما هو إله واحد وانني برئ مما تشركون) واما قوله (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم الآية) فان عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام هل تعرفون محمدا في كتابكم؟ قال نعم والله نعرفه بالنعت الذي نعت الله لنا إذا رأيناه فيكم كما يعرف احدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان والذي يحلف به ابن سلام لانا بمحمد هذا اشد معرفة مني بابنى،  قال الله (الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون) وقال علي بن ابراهيم ثم قال قل لهم يامحمد " أي شئ اكبر شهادة " يعني أي شئ اصدق قولا ثم قال " قل الله شهيد بيني وبينكم واوحى الي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ " قال من بلغ هو الامام قال محمد ينذر وانا نقول كما انذر به النبي (صلى الله عليه وآله) وقوله (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بآياته انه لا يفلح الظالمون) فانه محكم، وقوله (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم) أي كذبهم (إلا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) والدليل على ان الفتنة ههنا الكذب قوله (انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم

 

===============

(196)

ما كانوا يفترون) أي ضل عنهم كذبهم ثم ذكر قريشا فقال (ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه) يعني غطاء (وفي آذانهم وقرا) اي صمما (1) (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤك يجادلونك) أي يخلصمونك (يقول الذين كفروا ان هذا إلا اساطير الاولين) أي اكاذيب الاولين، وقوله (وهم ينهون عنه وينؤن عنه) قال بنو هاشم كانوا ينصرون رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويمنعون قريشا عنه وينأون عنه اي يباعدون عنه ويساعدونه ولا يؤمنون، وقوله (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) قال نزلت في بني امية ثم قال: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) قال من عداوة امير المؤمنين (عليه السلام) (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) ثم حكى عزوجل قول الدهرية فقال (وقالواان هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) فقال الله (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم) قال قال حكاية عن قول من انكر قيام الساعة فقال: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون) يعني آثامهم وقوله (وما الحيوة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) محكم.

وقوله (قد نعلم انه لبحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) فانها قرئت على ابي عبدالله (عليه السلام) فقال بلى والله لقد كذبوه اشد التكذيب وانما نزل " لا يأتونك " أي لا يأتون بحق يبطلون حقك، حدثنى ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث (البخترى ط) قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) ياحفص ان من صبر صبر قليلا وان من جزع جزع قليلا ثم

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الصم كغنم فقدان حاسة السمع. ج ـ ز (*)

 

===============

(197)

قال عليك بالصبر في جميع امورك فان الله بعث محمدا وامره بالصبر والرفق فقال " واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا " (1) فقال " ادفع بالتي هي احسن السيئة فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " (2) فصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قابلوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره، فانزل الله " ولقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون " (3) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فانزل الله تعالى (قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا) فالزم نفسه الصبر (صلى الله عليه وآله) فقعدوا وذكروا الله تبارك وتعالى بالسوء وكذبوه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد صبرت في نفسي واهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكرهم إلهي فانزل الله " ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون " (4) فصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جميع احواله، ثم بشر في الائمة من عترته ووصفوا بالصبر " وجعلنا منهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " (5) فعند ذلك قال (عليه السلام) الصبر من الايمان كالرأس من البدن فشكر الله له ذلك فانزل الله عليه " وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى اسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون " (6) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية بشرى وانتقام، فاباح الله قتل المشركين حيث وجدوا فقتلهم على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحبائه وعجل الله له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة.

وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله (وان كان كبر عليك

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) المزمل 10.

(2) حم السجدة 34.

(3) الحجر 97.

(4) ق 38.

(5) ألم السجدة 24.

(6) الاعراف 137. (*)

 

===============

(198)

اعراضهم (قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحب اسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يسلم فغلب عليه الشقاء فشق ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانزل الله (وان كان كبر عليك اعراضهم ـ إلى قوله ـ نفقا في الارض) يقول سربا، فقال علي بن ابراهيم في قوله (نفقا في الارض او سلما في السماء) قال ان قدرت ان تحفر الارض وتصعد السماء أي لا تقدر على ذلك،  ثم قال: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) اي جعلهم كلهم مؤمنين وقوله (فلا تكونن من الجاهلين) مخاطبة للنبي والمعنى للناس ثم قال (إنما يستجيب الذين يسمعون) يعني يعقلون ويصدقون (والموتى يبعثهم) الله اي يصدقون بان الموتى يبعثهم الله (وقالوا لولا نزل عليه آية) اي هلا انزل عليه آية، قال (ان الله قادر على ان ينزل آية ولكن اكثرهم لا يعلمون) قال لا يعلمون ان الآية اذا جاءت ولم يؤمنوا بها ليهلكوا وفي رواية ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " ان الله قادر على ان ينزل آية " وسيريكم في آخر الزمان آيات، منها دابة في الارض، والدجال، ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام) وطلوع الشمس من مغربها، وقوله (وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا امم امثالكم) يعني خلق مثلكم، وقال كل شئ مما خلق خلق مثلكم (ما فرطنا في الكتاب من شئ) اي ما تركنا (ثم إلى ربهم يحشرون) وقوله (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات) يعني قد خفي عليهم ما تقوله (من يشاء الله يظله) اي يعذبه (ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم) يعني يبين له ويوفقه حتى يهتدي إلى الطريق.

حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا جعفر بن عبدالله قال حدثنا كثير بن عياش عن ابي الجارود عن ابي جعفر صلوات الله عليه في قوله " الذين كذبوا بآياتنا صم بكم " يقول صم عن الهدى وبكم لا يتكلمون بخير " في الظلمات " يعني

 

===============

(199)

ظلمات الكفر " من يشاء الله يظلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " وهو رد؟ على قدرية هذه الامة، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصابئين والنصارى والمجوس، فيقولون " والله ربنا ماكنا مشركين " يقول الله " انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " (1) قال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ان لكل امة مجوس، ومجوس هذه الامة الذين يقولون لا قدر ويزعمون ان المشية والقدرة اليهم ولهم اخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن علي بن اسباط عن على بن ابي حمزة عن ابي بصير عن ابى عبدالله (عليه السلام) في قوله " والله ربنا ما كنا مشركين " بولاية علي (عليه السلام)، حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن الفضيل عن ابى حمزة قال سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزوجل " الذين كذبوا بآياتنا صم بكم في الظلمات من يشاء الله يضلله ومن يشاء يجعله على صراط مستقيم " فقال ابوجعفر نزلت في الذين كذبوا باوصيائهم، صم بكم، كما قال الله في الظلمات، من كان من ولد ابليس فانه لا يصدق بالاوصياء ولا يؤمن بهم ابدا وهم الذين اضلهم الله،  ومن كان من ولد آدم آمن بالاوصياء فهم على صراط مستقيم، قال وسمعته يقول كذبوا بآياتنا كلها في بطن القرآن ان كذبوا بالاوصياء كلهم، ثم قال قل لهم يامحمد (أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله أو اتتكم الساعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين) ثم رد عليهم فقال: (بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون) قال تدعون الله اذا اصابكم ضر ثم إذا كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون، اى تتركون الاصنام، وقوله عزوجل لنبيه (صلى الله عليه وآله) (ولقد ارسلنا إلى امم من قبلك فاخذناهم بالبأساء والضراء

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الانعام 24. (*)

 

===============

(200)

لعلم يتضرعون) يعني كي يتضرعوا ثم قال (فلولا إذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا وأغناهم عقوبة لفعلهم الردي فلما (فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون) اي آيسون وذلك قول الله تبارك وتعالى في مناجاته لموسى (عليه السلام)، حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال كانت مناجاة الله لموسى (عليه السلام) ياموسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، واذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته، فما فتح الله على احد هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك فلا يتوب فيكون اقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه.

حدثنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالكريم بن عبدالرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن ابي حمزة قال سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شئ) قال اما قوله " فلما نسوا ما ذكروا به " يعني فلما تركوا ولاية علي امير المؤمنين (عليه السلام) وقد امروا به " فتحنا عليهم ابواب كل شئ " يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها واما قوله " حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون " يعني بذلك قيام القائم حتى كانهم لم يكن لهم سلطان قط، فذلك قوله بغتة فنزلت بخبره هذه الآية على محمد (صلى الله عليه وآله) وقوله (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) فانه حدثني ابي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن فضيل بن عياض عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن الورع فقال الذي يتورع عن محارم الله ويجتنب الشبهات واذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه وإذا رأى المنكر ولم ينكره وهو يقدر عليه فقد احب ان يعصى الله اختيارا ومن احب ان يعصي الله فقد بارز الله بالعداوة ومن احب بقاء الظالمين فقد أحب ان يعصي

 

===============

(201)

الله ان الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين قال " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " وقوله (قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون) قال قل لقريش ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من يرد ذلكم عليكم إلا الله) وقوله " ثم هم يصدفون " اي يكذبون، وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم " يقول ان اخذ الله منكم الهدى من آله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون يقول يعترضون، واما قوله (قل أرأيتكم ان اتاكم عذاب الله بغتة او جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) فانها نزلت لما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينه وأصاب اصحابه الجهد والعلل والمرض فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانزل الله عزوجل قل لهم يامحمد أرأيتم ان اتاكم عذاب الله بغتة او جهرة هل يهلك إلا القوم الظلمون، اى انهم لا يصيبهم إلا الجهد والضرر في الدنيا، فاما العذاب الاليم الذي فيه الهلاك فلا يصيب إلا القوم الظالمين.

وقوله (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ـ ثم قال قل لهم يامحمد ـ لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم انى ملك ان اتبع إلا ما يوحى الي) قال ما املك لكم خزائن الله ولا أعلم الغيب واما قوله (انها من عندالله ـ ثم قال ـ هل يستوي الاعمى والبصير) اي من يعلم ومن لا يعلم (أفلا تتفكرون) ثم قال (وانذر به) يعني بالقران (الذين يخافون) اي يرجون (ان يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون).

 

===============

(202)

واما قوله (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) فانه كان سبب نزولها انه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمون اصحاب الصفة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) امرهم ان يكونوا في الصفة يأوون اليها، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتعاهدهم بنفسه وربما حمل اليهم ما يأكلون،  وكانوا يختلفون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقربهم ويقعد معهم ويؤنسهم وكان اذا جاء الاغنياء والمترفون من اصحابه انكروا عليه ذلك ويقولون له اطردهم عنك فجاء يوما رجل من الانصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده رجل من اصحاب الصفة قد لزق برسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يحدثه، فقعد الانصاري بالبعد منهما، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) تقدم فلم يفعل، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلك خفت ان يلزق فقره بك فقال الانصاري اطرد هؤلاء عنك، فانزل الله " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.. الخ) ثم قال: (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) اي اختبرنا الاغنياء بالغناء لننظر كيف مواساتهم للفقراء وكيف يخرجون ما فرض الله عليهم في اموالهم، فاختبرنا الفقراء لننظر كيف صبرهم على الفقر وعما في ايدي الاغنياء (وليقولوا) اي الفقراء (أهؤلاء) الاغنياء (من الله عليهم من بيننا أليس الله باعلم بالشاكرين) ثم فرض الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) ان يسلم على التوابين والذين عملوا السيئات ثم تابوا فقال (واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة) يعني اوجب الرحمة لمن تاب والدليل على ذلك قوله (انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده واصلح فانه غفور رحيم) وقوله (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) يعني مذهبهم وطريقتهم تستبين إذا وصفناهم، ثم قال (قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم قد ضللت إذا وما

 

===============

(203)

انا من المهتدين، قل انى على بينة من ربي وكذبتم به) (1) اي بالبينة التي انا عليها (ما عندى ما تستعجلون به) يعني الآيات التي سألوها (ان الحكم إلا الله يقص الحق وهو خير الفاصلين) اي يفصل بين الحق والباطل ثم قال (قل لهم لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم) يعني اذا جاءت الآية هلكتم وانقضى ما بيني وبينكم وقوله (وعنده مفاتح الغيب) يعني عالم الغيب (لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) قال الورقة السقط،  والحبة الولد، وظلمات الارض الارحام، والرطب ما يبقى ويحيى، واليابس ما تغيض الارحام، وكل ذلك في كتاب مبين وقوله (وهو الذي يتوفيكم بالليل) يعني بالنوم (ويعلم ما جرحتم بالنهار) يعني ما عملتم بالنهار وقوله (ثم يبعثكم فيه) يعنى ما عملتم من الخير والشر وفي رواية ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله (ليقضى اجل مسمى) قال هو الموت (ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) واما قوله (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) يعني الملائكة الذين يحفظونكم ويحفظون اعمالكم (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) وهم الملائكة (وهم لا يفرطون) اي لا يقصرون (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو اسرع الحاسبين) وقوله (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية إلى قوله (ثم انتم تشركون) فانه محكم وقوله (قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض) فقوله " يبعث عليكم عذابا

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) مرجع به في الآية القرآن والمراد من البينة ايضا القرآن، وتذكير الضمير بتأويل القرآن. ج. ز (*)

 

===============

(204)

من فوقكم " قال السلطان الجائر (او من تحت ارجلكم) قال السفلة ومن لا خير فيه (او يلبسكم شيعا) قال العصبية (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال سوء الجوار، وفي رواية ابي الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله " وهو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم " هو الدخان والصيحة " او من تحت ارجلكم " وهو الخسف " او يلبسكم شيعا " وهو اختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض " ويذيق بعضكم بأس بعض " وهو ان يقتل بعضكم بعضا: وكل هذا في اهل القبلة كذا يقول الله (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون وكذب به قومك) وهم قريش وقوله (لكل نبأ مستقر) يقول لكل نبأ حقيقة (وسوف تعلمون) وايضا قال (انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) يعني كي يفقهوا وقوله (وكذب به قومك وهو الحق) يعني القرآن كذبت به قريش (قل لست عليكم بوكيل لكل نبأ مستقر) اي لكل خبر وقت وسوف تعلمون.

وقوله (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) يعني الذين يكذبون بالقرآن ويستهزؤن، ثم قال فان انساك الشيطان في ذلك الوقت عما امرتك به (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) اخبرنا احمد بن ادريس عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن ايوب عن سيف بن عميرة عن عبدالاعلى بن اعين قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه امام أو يغتاب فيه مسلم ان الله يقول في كتابه " فاذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا.. الخ " وقوله (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) أي ليس يؤخذ المتقون بحساب الذين لا يتقون (ولكن ذكرى) اي اذكر (لعلهم يتقون) كي يتقوا ثم قال (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحيوة الدنيا) يعني الملاهي

 

===============

(205)

(وذكر به ان تبسل نفس) أي تسلم (ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها) يعني يوم القيامة لا يقبل منها فداء ولا صرف (اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا) اى اسلموا باعمالهم (1) (لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون) وقوله احتجاجا على عبدة الاوثان (قل ـ لهم ـ أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد إذ هدانا الله) وقوله (كالذى استهوته الشياطين) اى خدعتهم في الارض فهو (حيران).

وقوله (له اصحاب يدعونه إلى الهدى إئتنا) يعنيي ارجع الينا وهو كناية عن ابليس فرد الله عليهم فقال قل لهم يامحمد (ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين) وقوله (واقيموا الصلوة واتقوه وهو الذى اليه تحشرون وهو الذى خلق السموات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير) فانه محكم.

ثم حكى عزوجل قول ابراهيم (عليه السلام) (واذ قال ابراهيم لابيه آزر أتتخذ اصناما آلهة انى اريك وقومك في ضلال مبين) فانه محكم واما قوله (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقتين) فانه حدثني ابى عن اسماعيل بن ضرار (مرار ط) عن يونس بن عبدالرحمان عن هشام عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال كشط له عن الارض ومن عليها وعن السماء ومن فيها والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه، وفعل ذلك برسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام)، وحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي ايوب الخزاز عن ابى بصير عن

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اسلموا مبني للمفعول، ومعنى ابسل نفسه للهلاك: اسلم نفسه للهلاك ج. ز (*)

 

===============

(206)

ابي عبدالله (عليه السلام) قال لما رأى ابراهيم ملكوت السموات والارض التفت فرأى رجلا يزني فدعا عليه فمات، ثم رأى آخر فدعا عليه فمات ثم رأى ثالثة فدعا عليهم فماتوا، فاوحى الله ياابراهيم ان دعوتك مستجابة فلا تدع على عبادي فاني لو شئت لم اخلقهم، انى خلقت خلقي على ثلاثة اصناف، صنف يعبدنى ولا يشركون بي شيئا فاثيبه، وصنف يعبدون غيري فليس يفوتني، وصنف يعبدون غيري فاخرج من صلبه من يعبدني، واما قوله (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى فلما افل) اي غاب (قال لا احب الآفلين) فانه حدثني ابى عن صفوان عن ابن مسكان قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) ان آزر (1) ابا ابراهيم كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له انى ارى في حساب النجوم ان هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ويدعو إلى دين آخر، فقال نمرود في أي بلاد يكون؟ قال في هذه البلاد، وكان منزل نمرود بكونى ربا (كوثي ريا خ ل)

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى انه قد اختلف العلماء في والد ابراهيم عليه السلام، قال الرازي في تفسير قوله " واذ قال ابراهيم لابيه آزر " وظاهر هذه الآية يدل على ان اسم والد ابراهيم عليه السلام هو آزر. وقال الزجاج لا خلاف بين النسابين ان اسمه " تارخ " وعلى هذا فآزر كان عمه واطلاق لفظ الاب على العم في لغة العرب والقرآن شائع ومنه الحديث المعروف " عم الرجل صنو ابيه " وقال الله تعالى حاكيا عن اولاد يعقوب (ع) انهم قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق) ومن المعلوم ان اسماعيل كان عما ليعقوب، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم نزل ننتقل من اصلاب الطاهرين إلى ارحام الطاهرات، وقال الله تعالى إنما المشركون نجس، فلا يكون احد اجداد النبي ولو بعيدا نجسا وهذا هو معقد اجماع الطائفة المحقة فتحمل الروايات المخالفة له علي التقية. ج. ز (*)

 

===============

(207)

فقال له نمرود قد خرج إلى الدنيا؟ قال آزر لا، قال فينبغي ان يفرق بين الرجال والنساء، ففرق بين الرجال والنساء، وحملت ام ابراهيم (عليه السلام) ولم تبين حملها، فلما حان ولادتها قالت ياآزر انى قد اعتللت واريد ان اعتزل عنك، وكان في ذلك الزمان المرأة اذا اعتلت عتزلت عن زوجها، فخرجت واعتزلت عن زوجها واعتزلت في غار، ووضعت بابراهيم (عليه السلام) فهيئته وقمطته، ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة، فاجرى الله لابراهيم (عليه السلام) لبنا من ابهامه، وكانت امه تأتيه ووكل نمرود بكل امرأة حامل فكان يذبح كل ولد ذكر، فهربت ام ابراهيم بابراهيم من الذبح، وكان يشب ابراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر، حتى اتى له في الغار ثلاثة عشر سنة فلما كان بعد ذلك زارته امه، فلما ارادت ان تفارقه تشبث بها، فقال يا امي اخرجيني، فقالت له يابني ان الملك ان علم انك ولدت في هذا الزمان قتلك، فلما خرجت امه وخرج من الغار وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء، فقال هذا ربي فلما افلت قال لو كان هذا ربي ما تحرك ولا برح ثم قال لا احب الآفلين الآفل الغائب، فلما نظر إلى المشرق رأى وقد طلع القمر، قال هذا ربي هذا اكبر واحسن فلما تحرك وزال قال: (لان لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين) فلما اصبح وطلعت الشمس ورأى ضوءها وقد اضاءت الدنيا لطلوعها قال هذا ربي هذا اكبر واحسن فلما تحركت وزالت كشف الله له عن السموات حتى رأي العرش ومن عليه واراه الله ملكوت السموات والارض فعند ذلك قال (ياقوم اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين) فجاء إلى امه وادخلته دارها وجعلته بين اولادها.

وسئل ابوعبدالله (عليه السلام) عن قول ابراهيم هذا ربي اشرك في قوله هذا ربي؟ فقال لا من قال هذا اليوم فهو مشرك، ولم يكن من ابراهيم شرك وانما

 

===============

(208)

كان في طلب ربه وهو من غيره شرك، فلما دخلت ام ابراهيم بابراهيم دارها نظر اليه آزر فقال من هذا الذي قد بقى في سلطان الملك والملك يقتل اولاد الناس فقالت هذا ابنك ولدته في وقت كذا وكذا حين اعتزلت عنك، فقال ويحك ان علم الملك بهذا زالت منزلتنا عنده وكان آزر صاحب أمر نمرود ووزيره وكان يتخذ الاصنام له وللناس ويدفعها إلى ولده ويبيعونها، فقالت ام ابراهيم لآزر لاعليك ان لم يشعر الملك به، بقى لنا ولدنا وان شعر به كفيتك الاحتجاج عنه وكان آزر كلما نظر إلى ابراهيم احبه حبا شديدا وكان يدفع اليه الاصنام ليبيعها كما يبيع اخوته، فكان بعلق في اعناقها الخيوط ويجرها على الارض ويقول من يشتري ما (لا ط) يضره ولا ينفعه ويغرقها في الماء والحماة، ويقول لها كلي واشربي وتكلمي، فذكر اخوته ذلك لابيه فنهاه فلم ينته فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج، وحاجه قومه فقال ابراهيم (اتحاجوني في الله وقد هدان) اي؟ بين؟ لي (ولا اخاف ما تشركون به إلا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما افلا تتذكرون) ثم قال لهم (وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون) اي انا احق بالامن حيث ا عبدالله او انتم الذين تعبدون الاصنام.

واما قوله (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي صدقوا ولم ينكثوا ولم يدخلوا في المعاصي فيبطل ايمانهم ثم قال (اولئك لهم الامن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم) يعني ما قد احتج ابراهيم على ابيه وعليهم.

وقوله (ووهبنا له اسحق ويعقوب) يعني لابراهيم (كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمن وايوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين واسمعيل

 

===============

(209)

واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم) أي اختبرناهم (وهديناهم إلى صراط مستقيم) فأنه محكم وحدثني ابي عن ظريف بن ناصح عن عبدالصمد بن بشير عن ابى الجارود عن ابى جعفر (عليه السلام) قال قال لي ابوجعفر (عليه السلام) يا ابا الجارود ما يقولون في الحسن والحسين؟ قلت ينكرون علينا انهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قلت يقول الله عزوجل في عيسى بن مريم " ومن ذريته داود وسليمن إلى قوله وكذلك نجزي المحسنين " فجعل عيسى بن مريم من ذرية ابراهيم، قال فبأي شئ قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب، قال فبأي شئ احتججتم عليهم؟ قال قلت احتججنا عليهم بقول الله " قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم " قال فاي شئ قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون في كلام العرب ابناء رجل والاخر يقول ابناؤنا قال فقال ابوجعفر (عليه السلام) والله يا ابا الجارود لاعطينك من كتاب الله انهما من صلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يردها إلا كافر، قال قلت جعلت فداك واين؟ قال من حيث قال الله " حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم الآية " إلى ان ينتهي إلى قوله " وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم " فسلهم ياابا الجارود هل حل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاح حليلتيهما؟

فان قالوا نعم فكذبوا والله وفجروا وان قالوا لا فهما والله ابناؤه لصلبه وما حرمتا عليه إلا للصلب.

ثم قال عزوجل (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا) يعني الانبياء الذين قد تقدم ذكرهم (لحبط عنهم ما كانوا يعملون) ثم قال (اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء) يعني اصحابه وقريش ومن انكروا بيعة امير المؤمنين (عليه السلام) (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها

 

===============

(210)

بكافرين) يعني شيعة امير المؤمنين (عليه السلام) ثم قال تأدبيا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) يامحمد ثم قال قل لقومك (لا اسئلكم عليه اجرا) يعني على النبوة والقرآن اجرا (ان هو إلا ذكرى للعالمين) وقوله (وما قدروا الله حق قدره) قال لم يبلغوا من عظمة الله ان يصفوه بصفاته (إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شئ) وهم قريش واليهود فرد الله عليهم واحتج وقال قل لهم يامحمد (من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها) يعني تقرؤن ببعضها (وتخفون كثيرا) يعني من اخبار رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وعلمتم ما لم تعلموا انتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) يعني فيما خاضوا فيه من التكذيب ثم قال (وهذا كتاب) يعني القرآن (انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه يعني التوراة والانجيل والزبور (ولتنذر ام القرى ومن حولها) يعني مكة وإنما سميت ام القرى لانها اول بقعة خلقت (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به) اي بالنبي والقرآن (وهم على صلاتهم يحافظون).

قوله (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه شئ ومن قال سانزل مثل ما انزل الله) فانها نزلت في عبدالله بن سعد بن ابي سرح وكان اخا عثمان من الرضاعة، حدثني ابي عن صفوان عن ابن مسكان عن ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال ان عبدالله بن سعد بن ابي سرح اخا عثمان بن عفان من الرضاعة قدم المدينة واسلم وكان له خط حسن وكان إذا نزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الوحى وكان إذا قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) سميع بصير يكتب سميع عليم وإذا قال والله بما تعملون خبير يكتب بصير، ويفرق بين التاء والياء وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول هو واحد، فارتد كافرا ورجع إلى مكة وقال لقريش والله ما يدري محمد ما يقول انا اقول مثل ما يقول فلاينكن علي ذلك فانا انزل مثل ما انزل الله فانزل الله على

 

===============

(211)

نبيه (صلى الله عليه وآله) في ذلك " ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا.. الخ " فلما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقتله، فجاء به عثمان قد اخذ بيده ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد فقال يارسول الله اعف عنه فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم اعاد فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم اعاد فقال هو لك، فلما مر قال رسول الله لاصحابه ألم اقل من رآه فليقتله، فقال رجل كانت عيني اليك يا رسول الله ان تشير الي فاقتله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الانبياء لا يقتلون بالاشارة، فكان من الطلقاء ثم حكى عزوجل ما يلقى اعداء آل محمد عليه وآله السلام عند الموت فقال: (ولو ترى إذ الظالمون ـ آل محمد حقهم ـ في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون) قال العطش (بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) قال ما انزل الله في آل محمد تجحدون به ثم قال (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء) والشركاء أئمتهم (لقد تقطع بينكم) يعني المودة (وضل عنكم) اي بطل (ما كنتم تزعمون) حدثني ابي عن ابيه عن بعض اصحابنا عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال نزلت هذه الآية في معاوية وبني امية وشركائهم وائمتهم وقوله (ان الله فالق الحب والنوى) قال الحب ما احبه والنوى ما ناء عن الحق وقال ايضا الحب ان يفلق العلم من الائمة والنوى ما بعد عنه (يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي) قال المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن (ذلكم الله فانى تؤفكون) اي تكذبون وقوله (فالق الاصباح وجعل الليل سكنا) فقوله فالق الاصباح يعني مجئ النهار والضوء بعد الظلمة وقوله (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) قال النجوم آل محمد (عليهم السلام) وقوله (وهو الذي انشأكم من نفس واحدة) قال من آدم

 

===============

(212)

(فمستقر ومستودع) قال المستقر الايمان الذي يثبت في قلب الرجل إلى ان يموت والمستودع هو المسلوب منه الايمان وقوله (وهو الذي انزل من السماء ماءا فاخرجنا به نبات كل شئ فاخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا) يعني بعضه على بعض (ومن النخل من طلعها قنوان دانية) وهو العنقود (وجنات من اعناب) يعني البساتين وقوله (انظروا إلى ثمره اذا اثمر وينعه) اي بلوغه (ان في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون وجعلوا لله شركاء الجن) قال وكانوا يعبدون الجن (وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) اي موهوا وحرفوا فقال الله عزوجل ردا عليهم (بديع السموات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم) وقوله (لا تدركه الابصار) اي لا تحيط به (وهو يدرك الابصار) اي يحيط بها وخلق كل شئ (وهو اللطيف الخبير) وقوله (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها) يعني على النفس وذلك لاكتسابها المعاصي وهو رد على المجبرة الذين يزعمون انه ليس لهم فعل ولا اكتساب وقوله (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون) قال كانت قريش تقول لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ان الذي تخبرنا به من الاخبار تتعلمه من علماء اليهود وتدرسه وقوله (اتبع ما اوحي اليك من ربك لا إله إلا هو واعرض عن المشركين) منسوخ بقوله " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وقوله (ولو شاء الله ما اشركوا) فهو الذي يحتج به المجبرة انا بمشيئة الله نفعل كل الافعال وليس لنا فيها صنع، فانما معنى ذلك انه لو شاء الله ان يجعل الناس كلهم معصومين حتى كان لا يعصيه احد لفعل ذلك ولكن امرهم ونهاهم وامتحنهم واعطاهم ما ازال علتهم وهي الحجة عليهم من الله يعني الاستطاعة ليستحقوا الثواب والعقاب وليصدقوا ما قال الله من التفضل والمغفرة والرحمة والعفو والصفح وقوله (ولا تسبوا الذين

 

===============

(213)

يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) فانه حدثني ابى عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبدالله (عليه السلام) قال انه سئل عن قول النبي (صلى الله عليه وآله) ان الشرك اخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء، فقال كان المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون الله وكان المشركون يسبون ما يعبد المؤمنون فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتم لكيلا يسب الكفار إله المؤمنين فيكونوا المؤمنون قد اشركوا بالله من حيث لا يعلمون فقال: " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " وقوله (كذلك زينا لكل امة عملهم) يعني بعد اختبارهم ودخولهم فيه فنسبه الله إلى نفسه والدليل علي ان ذلك لفعلهم المتقدم قوله (ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون).

ثم حكى قولهم وهم قريش فقال (واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) فقال الله عزوجل (قل انما الآيات عند الله وما يشعركم انها إذا جاءت لا يؤمنون) يعني قريشا وقوله (ونقلب افئدتهم وابصارهم) وفي رواية ابى الجارود عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " ونقلب افئدتهم وابصارهم " يقول ننكس قلوبهم فيكون اسفل قلوبهم اعلاها ونعمي ابصارهم فلا يبصرون بالهدى،  وقال علي بن ابي طالب (عليه السلام) ان اول ما يغلبون (يقلبون خ ل) عليه من الجهاد الجهاد بايديكم ثم الجهاد بالسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر منكرا نكس قلبه فجعل اسفله اعلاه فلا يقبل خيرا ابدا (كما لم يؤمنوا به اول مرة) يعني في الذر والميثاق (ونذرهم في طغيانهم يعمهون) اي يضلون ثم عرف الله نبيه (صلى الله عليه وآله) ما في ضمائرهم وانهم منافقون (ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة الجزء (8) وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا) اي عيانا (ما كانوا ليؤمنوا إلا ان يشاء الله) وهذا ايضا ما يحتجون به المجبرة ومعنى قوله إلا ان يشاء الله إلا ان يجبرهم على الايمان.

 

===============

(214)

وقوله (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) يعني ما بعث الله نبيا إلا وفي امته شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض اي يقول بعضهم لبعض لا تؤمنوا بزخرف القول غرورا (1) فهذا وحي كذب، وحدثني ابي عن الحسين بن سعيد عن بعض رجاله عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال ما بعث الله نبيا إلا وفي امته شيطانان يؤذيانه ويضلان الناس بعده فاما صاحبا نوح فقنطيفوص (فغنطيغوص خ ل) وخرام، واما صاحبا ابراهيم فمكثل (مكيل خ ل) ورزام، واما صاحبا موسى فالسامري ومر عقيبا (مر عتيبا خ ل) واما صاحبا عيسى فبولس (يرليس يرليش خ ل) ومريتون (مريبون خ ل) واما صاحبا محمد (صلى الله عليه وآله) فحبتر (جبتر خ ل) وزريق (زلام خ ل) وقوله (ولتصغى اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة) تصغي اليه اي يستمع لقوله المنافقون ويرضونه بالسنتهم ولا يؤمنون بقلوبهم (وليقترفوا) اي ينتظروا (ما هم مقترفون) ثم قال قل لهم يامحمد (افغير الله أبتغى حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا) يعني يفصل بين الحق والباطل وقوله (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) فحدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن مسكان عن ابي

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يخفى ان كلام الشياطين وايحاء بعضهم إلى بعض هو زخرف القول لانه مفعول " يوحي " لا أن الشياطين جعلوا كلام النبي مزخرفا كما هو الظاهر من عبارة المصنف واظن انه لاجل تصحيف في العبارة وكذا العبارة الآتية في شرح قوله تعالى " لتصغي اليه افئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة " لانه لا معنى لاستماع المنافقين لقول الشياطين ثم ارضائهم بمجرد اللسان دون الجنان والحال ان المنافقين شأنهم ان يؤمنوا بوحي الشياطين قلبا لا لسانا فهو بالعكس. ج. ز (*)

 

===============

(215)

عبدالله (عليه السلام) قال اذا خلق الله الامام في بطن امه يكتب على عضده الايمن (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) وحدثني ابي عن حميد بن شعيب عن الحسن بن راشد قال قال ابوعبدالله (عليه السلام) ان الله اذا احب ان يخلق الامام اخذ شربة من تحت العرش من ماء المزن اعطاها ملكا فسقاها اباه فمن ذلك يخلق الامام، فاذا ولد بعث الله ذلك الملك إلى الامام ان يكتب بين عينيه " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم " فاذا مضى ذلك الامام الذي قبله رفع له منارا يبصر به اعمال العباد، فلذلك يحتج به على خلقه.

ثم قال عزوجل لنبيه (عليه السلام) (وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله) يعني يحيروك عن الامام فانهم مختلفون فيه (ان يتبعون إلا الظن وان هم إلا يخرصون) اي يقولون بلا علم بالتخمين والتقريب (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) قال من الذبائح ثم قال (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم) يعني بين لكم (إلا ما اضطررتم اليه وان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين) وقوله (وذروا ظاهر الاثم وباطنه ان الذين يكفرون؟ الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون) قال الظاهر من الاثم المعاصي والباطن الشرك والشك في القلب وقوله " بما كانوا يقترفون " اي يعلمون وقوله (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) قال من ذبائح اليهود والنصارى وما يذبح على غير الاسلام ثم قال (وانه لفسق وان الشياطين ليوحون إلى اوليائهم) يعني وحي كذب وفسوق وفجور إلى اوليائهم من الانس ومن يطيعهم (ليجادلوكم) اي ليخاصموكم (وان اطعتموهم انكم لمشركون) وقوله (او من كان ميتا فاحييناه) قال جاهلا عن الحق والولاية فهديناه اليها (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) قال النور الولاية (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها يعني في ولاية غير

 

===============

(216)

الائمة (عليهم السلام) (كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون) وقوله (وكذلك جعلنا في كل قرية اكابر مجرميها) يعني رؤساء (ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بانفسهم وما يشعرون) اي يمكرون بأنفسهم لان الله يعذبهم عليه (فاذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما اوتي رسل الله) قال قالت الاكابر لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما اوتى الرسل من الوحي والتنزيل فقال الله تبارك وتعالى (الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) اي يعصون الله في السر وقوله (فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) فالحرج (1) الذي لا مدخل له فيه والضيق ما يكون له المدخل الضيق (كانما يصعد في السماء) قال يكون مثل شجرة حولها اشجار كثيرة فلا تقدر ان تلقي اغصانها يمنة ويسرة فتمر في السماء وتسمى حرجة، فضرب بها مثلا ثم قال (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) وقوله (هذا صراط ربك مستقيما) يعني الطريق الواضح (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) وقوله (لهم دار السلام عند ربهم) يعني في الجنة والسلام الامان والعافية والسرور ثم قال (وهو وليهم اليوم بما كانوا يعملون) يعني الله عزوجل وليهم أي اولى بهم وقوله (ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض) قال كل من والى قوما فهو منهم وان لم يكن من جنسهم (ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا) يعني القيامة وقوله (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) قال نولي كل من تولى اولياءهم فيكونون معهم يوم القيامة،  ثم ذكر عزوجل احتجاجا على الجن والانس يوم القيامة فقال: (يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحيوة الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين)

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) الحرج بالتحريك جمع الحرجة مجتمع الشجر. ق (*)

 

===============

(217)

وقوله (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم واهلها غافلون) يعني لا يظلم احدا حتى يبين لهم ما يرسل اليهم فاذا لم يؤمنوا هلكوا (ولكل درجات مما عملوا يعني لهم درجات على قدر اعمالهم (وما ربك بغافل عما يعملون) ثم قال (وربك الغني ذو الرحمة ان يشاء يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما انشأكم من ذرية قوم آخرين) وقوله (ان ما توعدون لآت) يعني من القيامة والثواب والعقاب (وما انتم بمعجزين) وقوله (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) فان العرب اذا زرعوا زرعا قالوا هذا لله وهذا لآلهتنا وكانوا اذا سقوها فحرف (1) الماء من الذي لله في الذي للاصنام لم يسدوه وقالوا الله اغنى، واذا حرف من الذي للاصنام في الذي لله سدوه وقالوا الله اغني، واذا وقع شئ من الذي لله في الذي للاصنام لم يردوه وقالوا الله اغنى،  واذا وقع شئ من الذي للاصنام في الذي لله ردوه وقالوا الله اغنى، فانزل الله في ذلك على نبيه (صلى الله عليه وآله) وحكى فعلهم، وقولهم فقال " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا.. الخ " وقوله: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم) قال يعني اسلافهم زينوا لهم قتل اولادهم (ليردوهم وليلبسوا؟؟ عليهم دينهم) يعني يغيروهم (ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون) وقوله (وقالوا هذه انعام وحرث حجر) قال الحجر المحرم (لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) قال كانوا يحرمونها على قوم (وانعام حرمت ظهورها) يعني البحيرة والسائبة والوصية والحام (وانعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) اي مال. (*)

 

===============

(218)

على ازواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركاء) فكانوا يحرمون الجنين الذي يخرجوه من بطون الانعام يحرمونه على النساء فاذا كان ميتا يأكلوه الرجل والنساء، فحكى الله قولهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (وقالوا ما في بطون هذه الانعام) ـ إلى قوله ـ (سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم) ثم قال (قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم) اي بغير فهم (وحرموا ما رزقهم الله) وهم قوم يقتلون اولادهم من البنات للغيرة وقوم كانوا يقتلون اولادهم من الجوع، وهذا معطوف على قوله " وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم " فقال الله " ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقكم وإياهم " وقوله (وهو الذي انشأ جنات معروشات وغير معروشات) قال البساتين وقوله (والنخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا اثمر) وقوله (وآتوا حقه يوم حصاده) قال يوم حصاد وكذا نزلت، قال فرض الله يوم الحصاد من كل قطعة ارض قبضة للمساكين وكذا في جزاز (جذاذ خ ل) النخل وفي الثمرة وكذا عند البذر (1) اخبرنا احمد بن ادريس قال حدثنا احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ابان بن عثمان عن شعيب العقرقوفي قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن قوله " وآتوا حقه يوم حصاده " قال الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص، قال سألت هل يستقيم اعطاؤه اذا ادخله بيته؟ قال لا هو اسخى لنفسه قبل ان يدخله بيته، وعنه عن احمد البرقي عن سعد بن سعد عن الرضا (عليه السلام) قال قلت فان لم يحضر المساكين وهو يحصد كيف يصنع؟ قال ليس عليه شئ وقوله (ومن الانعام حمولة وفرشا) يعني الثياب من الفرش) كلوا مما

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي الكافي عن معاوية بن الحجاج قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول في الزرع حقان حق يؤخذ به، وحق تعطيه، قلت فما الذي اؤخذ به وما الذى اعطيه؟ قال اما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر، واما الذي تعطيه = (*)

 

===============

(219)

رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين) وقوله (ثمانية ازواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آ الذكرين حرم أم الانثيين اما اشتملت عليه ارحام الانثيين نئوني بعلم ان كنتم صادقين، ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل آ الذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت عليه ارحام الانثيين) فهذه التي احلها الله في كتابه في قوله " وانزل لكم من الانعام ثمانية ازواج " (1) ثم فسرها في هذه الآية فقال: من الضأن اثنيين ومن المعز اثنين ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين، فقال: (صلى الله عليه وآله) " من الضأن اثنين " عنى الاهلي والجبلى " ومن المعز اثنين " عنى الاهلي والوحشي الجبلي " ومن البقر اثنين " يعني الاهلي والوحشي الجبلي " ومن الابل اثنين " يعني البخاتي (2) والعراب فهذه احلها الله، وقد احتج قوم بهذه الآية (قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه إلا ان يكون ميتة او دما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس او فسقا اهل لغير الله به) فتأولوا هذه الآية انه ليس شئ محرما إلا هذا، واحلوا كل شئ من البهائم، القردة والكلاب والسباع والذئاب والاسد والبغال والحمير والدواب، وزعموا ان ذلك كله حلال لقوله " قل لا اجد فيما اوحي إلى محرما على طاعم يطعمه " وغلطوا في هذا غلطا بينا وإنما هذه الآية رد على ما احلت العرب وحرمت، لان العرب كانت تحلل على نفسها اشياء وتحرم اشياء فحكى الله ذلك لنبيه (صلى الله عليه وآله) ما قالوا، فقال: وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة

ـــــــــــــــــــــــــ

= فقول الله عزوجل " وآتوا حقه يوم حصاده يعني " من حصدك الشئ بعد الشئ ولا اعلمه إلا قال الضغث تعطيه الضغث حتى تفرغ، فيظهر من هذه الرواية وغيرها ان المراد من الآية في المقام الزكاة المستحبة دون الواجبة منها. ج. ز.

(1) الزمر 6.

(2) البخت بالضم الابل الخراسانية والجمع بخاتى ق ـ (*)

 

===============

(220)

لذكورنا ومحرم على ازواجنا فكان اذا سقط الجنين حيا اكله الرجال وحرم على النساء، واذا كان ميتا اكله الرجال والنساء، وقد مضى ذكره وهو قوله " وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا.. الخ. " وقوله (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " يعني اليهود، حرم الله عليهم لحوم الطير، وحرم عليهم الشحوم وكانوا يحبونها إلا ما كان على ظهور الغنم او في جانبه خارجا من البطن وهو قوله (وحرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما او الحوايا) اي الجنبين (او ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون) ومعنى قوله جزيناهم ببغيهم انه كان ملوك بني اسرائيل يمنعون فقراءهم من اكل لحم الطير والشحوم فحرم الله ذلك عليهم ببغيهم على فقراءهم، ثم قال الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) (فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ـ ثم قال ـ سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) قل يامحمد لهم (هل عندكم من علم فنخرجوه لنا ان تتبعون إلا الظن وان انتم إلا تخرصون) ثم قال قل لهم (فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم اجمعين) قال لو شاء لجعلكم كلكم على امر واحد ولكن جعلكم على اختلاف، ثم قال قل يامحمد لهم (هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا) وهو معطوف على قوله " وقالوا ما في بطون هذه الانعام " ثم قال (فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع اهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله) قل لهم (تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا) قال الوالدين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين صلوات الله عليه.

وقوله (ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم

 

===============

(221)

وصاكم به لعلكم تعقلون) فانه محكم وقوله (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتى هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف تفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) فهذا كله محكم وقوله (وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه) قال الصراط المستقيم الامام فاتبعوه (ولا تتبعوا السبل) يعني غير الامام (فتفرق بكم عن سبيله) يعنى لا تفرقوا ولا تختلفوا في الامام ان تختلفوا في الامام تضلوا عن سبيله، اخبرنا حسن بن علي عن ابيه عن الحسين بن سعيد عن محمد ابن سنان عن ابي خالد القماط عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه السلام) في قوله " وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " قال نحن السبيل فمن ابى فهذه السبل فقد كفر، ثم قال (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) يعني كي تتقوا، وقوله (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي احسن) يعنى تم له الكتاب لما احسن (وتفصيلا لكل شئ وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) هو محكم وقوله (وهذا كتاب انزلناه) يعنى القرآن (مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) يعنى كى ترحموا، قوله (ان تقولوا إنما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين) يعنى اليهود والنصارى وان كنا لم ندرس كتبهم (او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم) يعنى قريشا، قالوا لو انزل علينا الكتاب لكنا اهدى واطوع منهم (فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) يعني القرآن (فمن اظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها) يعني دفع عنها (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا) أي يدفعون ويمنعون عن آياتنا (سوء العذاب بما كانوا يصدفون) ثم قال (هل ينظرون إلا ان تأتيهم الملائكة او يأتي ربك او يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك) فانه حدثني ابى عن صفوان عن ابن مسكان عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه السلام) في قوله

 

(222)

(يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا) قال نزلت " او اكتسبت في ايمانها خيرا " (قل انتظروا انا معكم منتظرون) قال اذا طلعت الشمس من مغربها فكل من آمن في ذلك اليوم لا ينفعه ايمانه، وقوله (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ انما امر هم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) قال فارقوا امير المؤمنين (عليه السلام) وصاروا أحزابا، حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن معلي بن خنيس عن ابي عبدالله (عليه السلام) في قوله " ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " قال فارقوا القوم والله دينهم، وقوله (من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون) فهذه ناسخة لقوله " من جاء بالحسنة فله خير منها " وقوله (قل انني هداني ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين) والحنيفية هي العشرة التي جاء بها ابراهيم (عليه السلام) (قل ان صلوتى ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين) ثم قال قل لهم يامحمد (اغير الله ابغي ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى) اي لا تحمل آثمة اثم اخرى ثم (إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) وقوله (وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) قال في القدر والمال (ليبلوكم) اي يختبركم (فيما آتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم).


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=165
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28