• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني ) ، تأليف : الميرزا محمد المشهدي .
                    • الموضوع : من آية (79 - 89) .

من آية (79 - 89)

الآية: 79 - 89

[ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن كونوا ربنين بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون(79) ]

وغرضه، خذله الله، أنه ليس في هذا رد لمذهب الاشاعرة.

وفيه: أنه لو كان فعل العبد فعل الله، لزم الكذب في قوله " وما هو من عندالله " لانه على هذا التقدير كل مفترياتهم من عندالله ومن فعله، واختصاصهم بكونهم كاسبين له ومباشرين لا تصافه لا يمنع صدق كونه من عندالله عليه، وإن صحح إضافته إليهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: فان منهم لفريقا يلون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عندالله وما هو من عند الله " قال: كان اليهود يقرؤن شئ ليس في التوراة ويقولون هو في التوراة فكذبهم(1).

ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون: تسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه.

عن ابن عباس: هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الاشرف، وغيروا التوراة، وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم(2).

ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله: رد لعبدة عيسى.

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 106.

(2) رواه في الكشاف: ج 1 ص 377 في تفسيره لقوله تعالى: " ويقولون هو من عندالله ". (*)

[136]

وفي مجمع البيان: قيل: إن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال: معاذ الله أن يعبد غير الله، وأن نأمر بغير عبادة الله، فما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فنزلت(1).

وفي البيضاوي: وقيل: قال رجل: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا بعضا، أفلا نسجد لك؟ قال: لا ينبغي أن يسجد لاحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لاهله(2).

ولكن كونوا ربنين: أي ولكن يقول ذلك.

والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الالف والنون، كاللحياتي والرقباني، وهو الشديد المتمسك بدين الله وطاعته.

بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون: بسبب كونكم معلمين الكتاب، دارسين له، فإن فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للا عتقاد والعمل.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبوعمرو يعقوب " تعلمون " بالتخفيف، أي بسبب كونكم عالمين.

وقرأ " تدرسون " من التدريس، وتدرسون من أدرس بمعنى درس، كأكرم وكرم.

ويجوز أن تكون القراء‌ة المشهورة أيضا بهذا المعنى على تقدير وبما تدرسونه على الناس.

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 2 ص 466 في نقله شأن نزول " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب " الآية.

وفي تفسير الدر المنثور: ج 2 ص 250 أخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال أبورافع القرظي حين اجتمعت الاخبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ودعا هم إلى الاسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أو ذاك تريده منا يا محمد؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): معاذ الله. أن نعبد غير الله، أو نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولابذلك أمرني، فأنزل الله في ذلك من قولهما. الآية.

(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 168 في تفسيره لقوله تعالى: " كونوا عبادا لي ". (*)

[137]

[ ولا يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون(80) ]

وفي كتاب عيون الاخبار في باب ماجاء عن الرضا (عليه السلام) في وجه دلائل الائمة (عليهم السلام) والرد على الغلاة والمفوضة (لعنهم الله) في حديث طويل.

وفيه فقال المأمون: يا أبا الحسن: بلغني أن قوما يغلون فيكم ويجاوزون عليكم الحد؟ فقال الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي: عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين ابن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا، قال الله تعالى: " ما كان لبشر " إلى آخر الآية، فقال علي (عليه السلام): يهلك في اثنان - ولا ذنب لي - محب مفرط ومبغض مفرط، وانا أبرأ إلى الله تعالى ممن يغلوا فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراء‌ة عيسى بن مريم من النصارى(1).

ولا يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبين أربابا: قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب بفتح الراء، عطفا على " يقول " (لا) إما مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله: " ماكان لبشر " أي ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه، ويأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا، وغير مزيدة على معنى أنه ليس له أن يأمر بعبادته، ولا يأمر باتخاذ أكفائه أربابا، بل ينهى عنه.

والباقون بالرفع على الاستئناف، ويحتمل الحال بتقدير وهو يأمركم، أولايأمركم.

وقرأ أبوعمرو على أصله لرواية الدودي باختلاس الضم.

___________________________________

(1) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 200 باب 46 ماجاء عن الرضا في وجه دلائل الائمة والرد على الغلاة والمفوضة (لعنهم الله) قطعة من ح 1. (*)

[138]

[ وإذا أخذ الله ميثق النبين لمآء اتيتكم من كتب وحكمة ثم جآء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ء‌أقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشهدين(81) ]

وفي تفسير علي بن إبراهيم قال: كان قوم يعبدون الملائكة، وقوم من النصارى زعموا: أن عيسى رب، واليهود قالوا: عزير ابن الله، فقال الله: " ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبين أربابا "(1).

أيأمركم بالكفر: أي البشر لمستنبئ، وقيل: الله.

بعد إذ أنتم مسلمون: قال البيضاوى: دليل على أن الخطاب للمسلمين، وهم المستأذنون لان يسجدواله(2).

وفيه أنه لا دلالة فيه لجواز الخطاب بأنتم مسلمون لليهود والنصارى، بمعنى أنكم كنتم مسلمين قبل ادعاء الربوبية لهذه الاشياء وإذا أخذ الله ميثق النبين: قيل: إنه على ظاهرة، وإذا كان هذا حكم الانبياء كان اتلامم به أولى.

وفي مجمع البيان: وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أن الله تعالى أخذ الميثاق على الانبياء قبل نبينا (صلى الله عليه وآله) أن يخبروا اممهم بمبعثه ونعته، ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه(3).

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 106 في تفسيره لقوله تعالى: " ولا يأمركم أن تتخذوا ".

(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 169 قاله في تفسيره لقوله تعالى " بعد إذا أنتم مسلمون ".

(3) مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان معنى قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبين ". (*)

[139]

وقيل معناه: إنه تعالى أخذ الميثاق من النبيين واممهم واستغنى بذكر هم عن ذكر الامم(1).

وقيل: إضافة الميثاق إلى النبيين إضافة إلى الفاعل، والمعنى: وإذ أخذ الله الميثاق الذي واثقه الانبياء على اممهم(2).

وقيل: المراد أولاد النبيين على حذف المضاف، وهم بنو إسرائيل، وسما هم نبيين تهكما، لانهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد لانا أهل الكتاب، والنبييون كانوا منا(3).

وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): أنه طرح عنها لفظ الامم(4).

وقال الصادق (عليه السلام): تقديره: وإذا أخذ الله ميثاق امم النبيين بتصديق نبيها، والعمل بما جاء به وإنهم خالفوهم فيما بعد(5).

لما ء‌اتيتكم من كتاب وحكمة: اللام موطئة للقسم، لان أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف.

و (ما) يحتمل الشرطية والخبرية.

وقرأ حمزة " لما " بالكسر على أن مامصدرية، أي لاجل أيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجئ رسول مصدق له أخذ الله الميثاق.

وقرئ لما بمعنى حين أتيتكم، أو لمن أجل ما أتيتكم، على أن أصله (لمن ما) بالادغام فحذفت إحدى الميمات الثلاث استثقالا.

وقرأ نافع " آتيناكم " بالنون بصيغة المتكلم مع الغير، فإن كان أخذ الميثاق على النبيين، فإيتاء الكتاب والحكمة إليهم أنفسهم، وإن كان على الامم، فايتاؤهما إلى أنبيائهم، وهو الايتاء إليهم.

ثم جآء كم رسول مصدق لما معكم: وهو محمد (صلى الله عليه وآله)

___________________________________

(1) و(2) و(3) أورد الاقوال الثلاثة في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 169 في تفسيره لقوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبين " الآية.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 180 ح 73 والحديث طويل.

(5) مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان معنى قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " وتمامه " وما وقوا به وتركوا كثيرا من شريعته وحرفوا كثيرا منها ". (*)

[140]

المصدق لما من الكتب السابقة، لكونه موصوفا بصفات ذكرت فيها لخاتم النبيين.

لتؤمنن به ولتنصرنه: جواب القسم، وساد مساد الشرط على تقدير، وأحدهما على تقدير اخرى، أي أخذ الميثاق على النبيين، أو على اممهم، أو عليهم وعلى اممهم، لتؤمنن بذلك الرسول ولتنصرنه، ونصرته (عليه السلام) من الانبياء السابقة أن يخبروا اممهم بأن يؤمنوا به وبأوصيائه.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن سنان قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): أول من سبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الانبياء له بالامان وعلى ما ينصر أمير المؤمنين فقال: (وإذ أخذ ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لتؤمنن به ولتنصرن " يعنى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) تخبروا اممكم بخبره وخبر وليه من الائمة (عليهم السلام)(1).

وفي مجمع البيان: وقد روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قال: لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ العهد بذلك على قومه(2) من جملة نصرته (عليه السلام) أن ينصر أميرالمؤمنين (عليه السلام) في الرجعة.

وفي تفسير العياشي: عن حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " فكيف يؤمن موسى بعيسى وينصره ولم يدركه وكيف يؤمن عيسى بمحمد (صلى الله عليه وآله) وينصره ولم يدركه فقال يا حبيب إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف اخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال وهذا وهم فأقرأها " وإذا أخذ الله ميثاق النبيين

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 246 و 247.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 468. (*)

[141]

لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " هكذا أنزلها يا حبيب فوالله ما وفت امة من الامم التي كانت قبل موسى بما أخذ الله عليها من الميثاق لكل نبي بعثه الله بعد نبيها(1) كلاما طويلافي تكذيب الامم انبيائها تركناه خوف الاطالة.

عن بكير قال: قال ابو جعفر (عليه السلام): إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالاقرار بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة وعرض الله على محمد (صلى الله عليه وآله الطيبين) وهم أظلة قال: وخلقهم من الطين التي خلق منها آدم قال: وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، وعرض عليهم وعرفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) [ و ] وعليا (عليه السلام) ونحن نعرفهم في لحن القول(2).

عن زرارة قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): أرأيت حين أخذ الله الميثاق على الذر في صلب آدم فعرضهم على نفسه كانت معاينة منهم له؟ قال: نعم يا زرارة وهم ذر بين يديه، وأخذ عليهم بذلك الميثاق بالربوبية [ له ]، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، ثم كفل لهم بالارزاق وأنساهم وديعته وأيدت في قلوبهم معرفته فلا بد من أن يخرج إلى الدنيا كل من أخذ عليه الميثاق فمن جحد ما أخذ عليه الميثاق لمحمد (صلى الله عليه وآله) لم ينفعه إقراره لربه بالميثاق ومن لم يجحد ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله) نفعه الميثاق لربه(3).

عن فيض بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: وتلا هذه الآية " وإذ أخذ الله الآية " قال: لتؤمنن برسول الله ولتنصرن أمير المؤمنين، قلت: ولتنصرن أمير المؤمنين؟ قال: نعم من آدم فلهم جرا، ولا يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا رد إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين(4).

عن سلام بن المستنير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لقد تسموا باسم

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 180 قطعة من ح 73.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 180 - 181 ح 74.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 75.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 76. (*)

[142]

ماسمى الله به أحدا إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وما جاء تأويله، قلت: جعلت فدالك متى يجئ تأويله؟ قال: إذا جمع الله أمامه النبيين والمؤمنين حتى ينصروه وهو قول الله تعالى " وإذ أخذ الله " الآية ويومئذ يدفع راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللواء إلى على بن أبي طالب فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين، يكون الخلائق كلهم تحت لوائه ويكون هو أميرهم(1).

وفي شرح الآيات الباهرة: روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله أخذ الميثاق على الانبياء أن يخبروا امتهم بمبعث رسول الله وهو محمد (صلى الله عليه وآله) ونعته وصفته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه ويقولوا هو مصدق لما معكم من كتاب وحكمة وإنما الله أخذ ميثاق الانبياء ليؤمنن به ويصدقوا بكتابه وحكمته كما صدق بكتابهم وحكمتهم وقوله: " ولتنصرنه " يعني ولتنصروا وصية(2).

وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي (رحمه الله) في كتابه(3) بإسناده عن فرج بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول وقد تلا هذه الآية: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به " يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ولتنصرنه " يعني وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يبعث الله ولا رسولا إلا وأخذ عليه الميثاق لمحمد بالنبوة ولعلي بالامامة(4).

وذكر صاحب كتاب الواحدة(5) قال: وروى أبومحمد الحسن بن عبدالله

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 77.

(2) لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدته في تأويل الطاهرة: ص 120 و 121.

(3) يظهر من كتاب أعيان الشيعة أن له تفسيرا، لا حظ كتاب أعيان الشيعة الطبعة الحديثة: ج 4 ص 629 ولا حظ أيضا كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 4 ص 271 تحت رقم 1257.

(4) البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 294 ح 4.

(5) لا حظ ترجمته في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 25 ص 7 تحت رقم 35 ونقل عن ابن النديم أن الكتاب في الاخبار والمناقب والمثالب، وهو في ثمانية أجزاء، وكانت نسخة من كتاب الواحدة موجودة عند ابن طاووس، نقل عنه في تصانيفه مثل اليقين والظاهر أنه كانت نسخة منه عندالفيض الكاشاني فإنه ينقل عنه أيضا كما سيأتي، والله أعلم. (*)

[143]

الاطروش الكوفي قال: حدثنا أبوعبدالله جعفر بن محمد البجلي قال: حدثني أحمد ابن محمد بن خالد البرقي قال: حدثني عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه): إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمد (صلى الله عليه وآله) وخلقني وذريتي، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلماته، فبنا احتجب على خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء حيث لاشمس ولا قمر ولا ليل ولانهار، ولا عين تطرف، نعبده ونقدسه ونسبحه، وذلك قبل أن يخلق خلقه، وأخذ ميثاق الانبياء بالايمان والنصرة لنا، وذلك قوله عزوجل " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله) ولتنصرن وصيه، وسينصرونه جميعا، وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله) بنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمدا (صلى الله عليه وآله) وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصرونني ويكون لي مابين مشرقها إلى مغربها، وليبعثهم الله من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وكل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الاموات والاحياء والثقلين جميعا، فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء بلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك، يا داعي الله قد أظلوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الاولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله (عزوجل) " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني

___________________________________

[144]

لا يشروكون بي شيئا "(1) أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحد في عبادتي ليس عندهم تقية، وإن لي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وأنا قرن من حديد، الحديث(2).

قال ء‌أقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى: أي عهدي، سمي به، لانه يوصر، أي يشد. وقري بالضم.

وهو إما لغة كعبر وعبر، أوجمع إصار، وهو ما يشد به.

قالوا أقررنا قال فاشهدوا: أي فليشهد بعضكم لبعض.

وقيل: الخطاب للملائكة.

وأنا معكم من الشهدين: وأنا أيضا على إقراركم وتشاهدكم شاهد، وهو تخدير عظيم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فلهم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو قوله " لتؤمنن به " يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ولتنصرنه " يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قال لهم في الذر(3) " أء‌قررتم وأخذتم على ذلكم إصبري " أي عهدي " قالوا أقررنا " قال الله للملائكة " اشهدوا وأنا معكم من الشاهدين "(4).

وعن الصادق (عليه السلام): ثم قال لهم في الذر: " أء‌قررتم وأخذتم على ذلكم إصبري " أي عهدي، قال الله للملائكة " فاشهدوا "(5).

___________________________________

(1) النور: 55.

(2) كتاب الصافي للفيض الكاشاني: ج 1 ص 325 في تفسير قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " الآية.

(3) في النسخة - أ - (الدنيا) والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(4) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 106 في تفسيره لقوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق " الآية.

(5) هذه الجملة تتمة للحديث السابق بإسقاط قوله (وعن الصادق عليه السلام) لا حظ تفسير علي ابن إبراهيم. (*)

[145]

[ فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفسقون(82) أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموت والارض طوعا وكرها وإليه يرجعون(83) ]

وفي مجمع البيان: عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: اء‌قررتم وأخذتم العهد بذلك على اممكم؟ قالوا: أي قال الانبياء واممهم: أقررنا بما أمر تنا بالاقرار به، قال الله: فاشهدوا بذلك على اممكم وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعلى اممكم(1).

فمن تولى بعد ذلك: بعد الميثاق والتوكيد بالاقرار والشهادة.

فأولئك هم الفسقون: المتمردون من الكفرة.

أفغير دين الله يبغون: عطف على الجملة المتقدمة، والهمزة متوسطة بينهما، للانكار، أو محذوف، تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون.

وتقديم المفعول، لانه المقصود بالانكار.

والفعل بلفظ الغيبة عند أبي عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب.

وبالتاء عند الباقين على تقدير: وقل لهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم ثم قال (عزوجل) " أفغير دين الله يبغون " قال: أفغير هذا الدين قلت لكم أن تقروا بمحمد ووصيه (صلى الله عليه وآله)(2).

وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها: أي طائعين بالنظر واتباع الحجة، وكارهين بالسيف ومعاينة مايلجأ إلى الاسلام، كشق الجبل، وإدراك الغرق، والاشراف على الموت، أو مختارين كالملائكة والمؤمنين ومسخرين

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان المعنى لقوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق " الآية مع تقديم وتأخير لبعض الكلمات، فلا حظ.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 107. (*)

[146]

كالكفرة فإنهم لا يقدرون أن يمتنعوا عما قضى عليهم.

وفي مجمع البيان: " طوعا وكرها " فيه أقوال: إلى قوله: وخامسها أن معناه اكره أقوام على الاسلام، وجاء أقوام طائعين وهو المروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: " كرها " أي فرقا من السيف(1).

وإليه يرجعون: وقري بالياء على أن الضمير ل‍ (من).

وفي تفسير العياشي: عن عماربن الاحوص، عن أبي عبدالله (عليهم السلام): أن الله (تبارك وتعالى) خلق في مبدأ الخلق بحرين، أحدهما عذب فرات والآخر ملح اجاج، ثم خلق تربة آدم من البحر العذب الفرات، ثم أجراه على البحر الاجاج فجعله حمأمسنونا، وهو خلق آدم، ثم قبض قبضة من كتف آدم الايمن فذرأها في صلب آدم فقال: هؤلاء في الجنة ولا ابالي، إلى قوله: فاحتج يومئذ أصحاب الشمال وهم ذر على خالقهم، فقالوا: يا ربنا بم أوجبت لنا النار وأنت الحكم العدل من قبل أن تحتج علينا وتبلونا بالرسل وتعلم طاعتنا لك ومعصيتنا؟ فقال الله (تبارك وتعالى) لمالك خازن النار: مر النار تشهق، ثم يخرج عنقا منها، فخرجت لهم، ثم قال الله لهم: " ادخلوها طائعين، فقالوا: لا ندخلها طائعين، قال: ادخلوها طائعين، أو لا عذبنكم بها كارهين، قالوا: إنما هربنا إليك منها وحاججناك فيهاحيث أوجبتها علينا وصيرتنا من أصحاب الشمال، فكيف ندخلها طائعين، ولكن ابدأ أصحاب اليمين في دخولها كي يكون قد عدلت فينا وفيهم ".

قال أبوعبدالله (عليه السلام): فأمر أصحاب اليمين وهم ذربين يديه بقوله تعالى: " ادخلواهذه النار طائعين " قال: فطفقوا يتبادرون في دخولها فولجوا فيها جميعا، فصيرها الله عليهم بردا وسلاما ثم أخرجهم منها، ثم إن الله (تبارك وتعالى) نادى في أصحاب اليمين أصحاب الشمال: ألست بربكم؟ قال أصحاب اليمين: بلى ياربنا نحن بريتك وخلقك مقرنين طائعين، وقال أصحاب الشمال: بلى يا ربنا نحن بريتك وخلقك كارهين، وذلك قول الله تعالى " وله أسلم من في السماوات والارض طوعاوكرها

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 2 ص 470 في بيان المعنى لقوله تعالى: " طوعا وكرها ".على احدى القراء‌ات والمشهور قراء‌تها بالياء ( يرجعون).

[147]

وإليه ترجعون * " قال: توحيد هم لله(1).

عن عباية الاسدي أنه سمع أميرالمؤمنين (عليه السلام) يقول: " وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون " أكا ذلك بعد قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: كلا والذي نفسي بيده حتى تدخل المرأة بمن عذب آمنة، لا تخاف حية ولا عقربا فما سوى ذلك(2).

عن صالح بن ميثم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله: " وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها " قال: ذلك حين يقول علي (عليه السلام): أنا أولى الناس بهذه الآية " وأقسموا بالله جهد ايمانهم لا يبعث الله من يموت، بلى وعدا عليه حقا " إلى قوله " كاذبين "(3)(4).

عن رفاعة بن موسى قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: " وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها " قال: إذا قام القائم (عليه السلام) لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله(5).

عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله " وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون " قال: انزلت في القائم (عليه السلام) إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفارفي شرق الارض وغربها، فعرض عليهم الاسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله، قلت له: جعلت فداك أن الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: إن الله تعالى إذا أراد أمرا قلل الكثير وكثر القليل(6).

وفي كتاب التوحيد: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن إبراهيم

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 182 ح 78.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 182 ح 78.

(3) النحل: 38 - 39.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 183 ح 80.

(5) تفسير العياشي: ج 1 ص 183 ح 81.

(6) تفسير العياشي: ج 1 ص 183 ح 82. (*)

[148]

ابن هاشم ويعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته وهو يقول في قوله (عزوجل): " وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها " قال: هو توحيد هم لله عزوجل(1).

وفي اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن عبدالله بن جعفر، عن السياري، عن محمد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الاصبغ بن نباتة، عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قام إليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين إن دابتي استصعبت علي وأنا منها على وجل، فقال: اقرأفي اذنها اليمنى " وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون " فقرأها فذلت له دابته.

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).

وفي الكافي: أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: أيما دابة استصعبت على صاحبها من لجام ونفار، فليقرأ في اذنها أو عليها(3) " أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون "(4).

وفي أمالي شيخ الطائفة (قدس سره): بإسناده إلى الصادق (عليه السلام) أنه قال له الاشجع السلمي: إني كثير الاسفار وأحصل في المواضع المفزعة، فعلمني ماآمن به على نفسي؟ فقال: اذا خفت أمرا فاترك بيمينك على ام رأسك، وأقرأ برفيع صوتك " أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وأليه ترجعون " قال أشجع: فحصلت في واد تعبث فيه الجن، فسمعت قائلا يقول: خذوه، فقرأتها، فقال قائل: كيف نأخذه وقد احتجب بآية طيبة(5).

وفي من لا يحضره الفقيه: في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه

___________________________________

(1) التوحيد: ص 46 باب التوحيد ونفي التشبيه، ح 7.

(2) الكافي ج 2 ص 624 كتاب فضل القرآن، باب فضل القرآن، قطعة من ح 21.

(3) (أو عليها) أي قريبا منها إن لم يقدر على إدناء الفم منها (آت) في هامش الكافي.

(4) الكافي: ج 6 ص 539 كتاب الدواجن، باب نوادر في الدواب، ح 14.

(5) كتاب الامالي للطوسي: ج 1 ص 288 س 8. (*)

[149]

[ قل‌ء‌امنا بالله ومآ أنزل علينا وما أنزل على إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون(84) ومن يبتغ غير الاسلم دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخسرين(85) ]

السلام): يا علي من استصعب عليه دابته فليقرأ في أذنها الايمن " وله أسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون "(1).

قل‌ء‌امنا بالله ومآ أنزل علينا وما أنزل على إبرهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم: أمر للرسول (صلى الله عليه وآله) بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالايمان والقرآن كما هو منزل عليه، منزل عليهم بتوسط تبليغه إليهم.

وأيضا: المنسوب إلى واحد من الجمع، قد ينسب إليهم.

أو بأن يتكلم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له.

والنزول كما يعدي ب‍ (إلى) لانه ينتهي إلى الرسل، يعدي ب‍ (على) لانه من فوق.

وإنما قدم المنزل عليه على المنزل على سائر الرسل لانه المعرف له والمعيار له عليه.

لا نفرق بين أحد منهم: بالتصديق والتكذيب.

ونحن له مسلمون: منقادون، أو مخلصون في عبادته.

ومن يبتغ غير الاسلم دينا: أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله.

___________________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 268، باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، البسطر الاخير. (*)

[150]

[ كيف يهدى الله قوما كفروا بعدا إيمنهم وشهدوا أن الرسول حق وجآء‌هم البينت والله لا يهدى القوم الظلمين(86) ]

وفي نهج البلاغة: أرسله بحجة كافية وموعظة شافية ودعوة متلافية أظهر به الشرائع المجهولة وقمع به البدع المدخولة، وبين الاحكام المفصولة فمن يبتغ غير الاسلام دينا متحقق شقوته وتنفصل عروته، وتعظم كبوته، ويكون مآبه إلى الحزن الطويل والعذاب الوبيل(1).

فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخسرين: الواقعين في الخسران.

والمعنى: أن المعرض عن الاسلام والطالب لغيره، فاقد للنفع واقع للخسران بإبطال الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها.

قال البيضاوي: واستدل به على أن الايمان هوالاسلام، إذ لو كان غيره لم يقبل.

والجواب: أنه ينفي قبول كل دين يغايره، لا قبول كل ما يغيره، ولعل الدين أيضأ للاعمال(2).

وفيه: أن من قال: بأن الايمان غير الاسلام، يقول بأنه دين غيره، والاستدلال إنما هو عليه والمقصود أن الاسلام والايمان واحد، يسمى إسلاما وإن كان قبل رسوخه ودخوله في القلب، ولا يسمى إيمانا إلا بعد دخوله ورسوخه فيه، والآية تدل على اتحاد هما والفرق يعلم من موضع آخر.

كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمنهم وشهدوا أن الرسول حق

___________________________________

(1) نهج البلاغة: ص 230 الخطبة 161 ط صبحي الصالح.

(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 170 في تفسيره لقوله تعالى: " ومن يبتغ غير الاسلام دينا " الآية. (*)

[151]

وجآء‌هم البينت: استبعاد لان يهديهم الله، فإن الجائر عن الحق بعد ما وضع له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد.

وقيل: نفي وإنكار له، وذلك يقتضي أن لا يقبل توبة المرتد.

وهذا حق في حق الرجل المولود على الاسلام، دون المولود على الكفر والمرأة.

ويمكن أن يقال: المتبادر من (بعد إيمانهم)، كونهم مؤمنين بحسب الفطرة، ومن (جاء‌هم البينات) الرجال، وكذا سياق الآية، ولفظ " قوما "، والضمائر الراجعة إليه قرينة التخصيص بالرجال، وحينئذ يكون استثناء " إلا الذين تابوا " منطقا.

ويجوز أن يكون " قوما كفروا " على عمومه لقسمي الرجال، فيكون الاستثناء متصلا.

و " شهدوا " عطف على مافي " ايمانهم " من معنى الفعل، أي آمنوا وشهدوا، أو حال بإضمار " قد " من فاعل كفروا.

قال البيضاوي: وهو على الوجهين دليل على أن الاقرار باللسان خارج عن حقيقة الايمان(1).

وفيه: أنه يحتمل أن يكون في العطف، أو جعله قيدا، لكونه أهم أجزاء الايمان وأنفع في ترتب الآثار عليه.

والله لا يهدى القوم الظلمين: الذين وضعوا الكفر موضع الايمان بعد إذ جاء‌هم البينات ووضع المظهر موضع المضمر، للاشعار بالعلية.

وقيل: الذين ظلموا أنفسهم بالاخلال بالنظر، ووضع الكفر موضع الايمان، فكيف من جاء‌ه الحق وعرفه ثم أعرض عنه.

* * *

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 170 في تفسيره لقوله تعالى: " كيف يهدي الله قوما " الآية. (*)

[152]

[ أولئك جزآؤهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين(87) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون(88) إلا الذين تابوا من بعد ذالك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم(89) ]

أولئك جزآؤهم أن عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين: وفيه تصريح بوجوب لعن من كفر بعد الايمان والعلم بحقيقة الرسول ومجئ البينات، لانه تعالى قال: " جزائهم " هو لعن الله والملائكة والناس وإذا كان جزاء‌هم ذلك وأخبرالله بأن جزاء‌هم من الملائكة والناس ذلك، لم يجز للملائكة والناس ترك ما جعله الله جزاء‌شي، بل يجب عليهم الاتيان به.

فهذا وإن لم يكن في صورة الامر، لكن يفيد بمادته الوجوب.

خلدين فيها: أي في اللعنة.

لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك: أي بعد الارتداد.

وأصلحوا: ما أفسدوا، أو دخلوا في الصلاح.

فإن الله غفور: يقبل توبته.

رحيم: يتفضل عليه.

وفي مجمع البيان: قيل: نزلت الآيات في رجل من الانصار يقال له: الحارث ابن سويد بن الصامت.

وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا وهرب ارتد عن الاسلام ولحق بمكة، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل لي من توبة؟ فسألوا فنزلت إلى قوله " إلا الذين تابوا " فحملها رجل من قومه إليه، فقال: إني لاعلم أنك لصدوق، ورسول الله (صلى الله عليه وآله)

[153]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1677
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19