• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني ) ، تأليف : الميرزا محمد المشهدي .
                    • الموضوع : من آية (42 ـ 51) .

من آية (42 ـ 51)

الآية: 42 - 51

يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثا(42) ] .

يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض: بيان لحالهم حينئذ، أي يود الذين كفروا بمعصية الرسول في ذلك الوقت أن تسوى بهم الارض كالموتى، أو لم يبعثوا، أو لم يخلقوا، وكانوا هم والارض سواء.

ولا يكتمون الله حديثا: عطف على " يود " أي يومئذ لا يقدرون على كتمان حديث من الله، لان جوارحهم تشهد عليهم.

وقيل: الواو للحال، أي يودون أن تسوى بهم الارض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا ولا يكذبونه بقولهم: " والله ربنا ماكنا مشركين " يشتد عليهم الامر من شهادة جوارحهم فيتمنون أن تسوى بهم الارض.

وفي تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، عن جده، عن أميرالمؤمنين (عليهم السلام) في خطبة يصف فيها هول يوم القيامة ختم على الافواه فلا تكلم، وتكلمت الايدي وشهدت الارجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا(1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: يتمنى الذين غصبوا أميرالمؤمنين (عليه السلام) أن تكون الارض ابتلعتهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه، وأن لا يكتموا ماقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه(2).

وقرأ نافع وابن عامر " تسوى " على أن أصله تستوي فادغمت التاء في السين.

وحمزة والكسائي تسوى على حذف التاء الثانية، يقال: سويته فتسوى(3).

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 242 ح 133.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 139 س 9 في تفسيره لآية 49 من سورة النساء.

(3) وقرئ تسوى بتشديد السين والواو وفتح التاء. وتسوى بتخفيف السين وافتح التاء. فمن قرأ بتشديد السين والواو كان التقدير فيه (تتسوى) فابدلت التاء الثانية سينا لقرب مخرجهما وادغمت السين في السين.

ومن قرئ تسوى بتخفيف السين حذف إحدى التائين (البيان لابن الانباري: ص 254).

[460]

[ يأيها الذين ء‌امنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكرى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أولمستم النسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا(43) ]

يأيها الذين ء‌امنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكرى حتى تعملوا ما تقولون: أي لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من نحو نوم وكسل وغير ذلك، حتى تعلموا وتفهموا ما تقولون في صلاتكم.

قال البيضاوي: روي أن عبدالرحمن بن عوف صنع مأدبة ودعى نفرا من الصحابة حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا حتى ثملوا(1)، وجاء وقت صلاة المغرب، فتقدم أحدهم ليصلي بهم فقرأ " أعبد ما تعبدون " فنزلت. قال: وقيل: أراد بالصلاة مواضعها، وهي المساجد.

وليس المراد منه نهي السكران عن قربان الصلاة، وإنما المراد منه النهي عن الافراط بالشرب.

___________________________________

(1) ثمل الرجل كفرح فهو ثمل، إذا أخذ فيه الشراب (مجمع البحرين: ج 5 ص 332 لغة ثمل) وقد كتب بعض أهل اللغة وبعض أصحاب التفسير من العامة هنا في معنى الكلمة وتفسير الآية بعض الترهات التي يخجل القلم عن كتابته وتنكره العقول السليمة، ويستنكر نشره أرباب المروآت، عصمنا الله وجميع المسلمين عن مثل هذه الزلات وعن اتباع هذه الضلالات - آمين. (*)

[461]

والسكر من السكر، وهو السد(1).

وما قاله: مبني على أن الخمر كان حلالا في أول الاسلام، وقد قدمنا ما يدل على خلافه، بل المراد منه النهي عن قربان الصلاة في حالة سكر النوم والكسل وغيره.

وفي تفسير العياشي: عن الحلبي قال: سألته عن هذه الآية قال: " لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارا " يعني سكر النوم، يقول: بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، وليس كما يصف كثير من الناس يزعمون أن المؤمنين يسكرون من الشراب، والمؤمن لا يشرب مسكرا ولا يسكر(2).

وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه: قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) وذكر حديثا طويلا، وفيه يقول (عليه السلام): لا تقم إلى الصلاة متكا سلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنها من خلال النفاق، وقد نهى الله (عزوجل) المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى، يعني من النوم(3). وفي الكافي مثله(4).

وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي اسامة زيد الشحام قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام) قول الله (عزوجل): " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " قال: سكر النوم(5).

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 221 في تفسيره لآية 43 من سورة النساء.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 ح 137.

(3) علل الشرائع: ج 2 ص 47 باب 74 علة الاقبال على الصلاة وعلة النهي عن التكفير وعلة النهي عن القيام إلى الصلاة على غير سكون ووقار، قطعة من ح 1.

(4) الكافي: ج 3 ص 299، كتاب الصلاة، باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث قطعة من ح 1.

(5) الكافي: ج 3 ص 371 كتاب الصلاة، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها والحدث فيها من النوم وغيره ح 15. (*)

[462]

وفي من لا يحضره الفقيه: وروى زكريا النقاض، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عزوجل): " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " قال: منه سكر النوم(1).

وفي كتاب الخصال: فيما علم أميرالمؤمنين (عليه السلام) أصحابه: السكر أربع سكرات: سكر الشراب، وسكر المال، وسكر النوم، وسكر الملك(2).

وأما ما رواه في مجمع البيان عن موسى بن جعفر (عليه السلام): أن المراد به سكر الشراب(3).

فمحمول على التقية، لانه موافق لمذهب العامة كما نقلنا عنهم.

وقد روى فيه عن أبي جعفر (عليه السلام): أن المراد به سكر النوم خاصة(4).

وقرئ " سكارى " بالفتح، وسكرى على أنه جمع كهلكى، أو مفرد بمعنى وأنتم قوم سكرى، وسكرى كحبلى على أنها صفة الجماعة.

ولا جنبا: قيل: عطف على قوله: " وأنتم سكارى " إذ الجملة في موضع النصب على الحال.

والجنب: الذي أصابته الجناية، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، لانه يجري مجرى المصدر.

إلا عابرى سبيل: قيل: متعلق بقوله: " ولا جنبا " استثناء من أعم الاحوال، أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الاحوال إلا في حال السفر، وذلك إذا لم يجد الماء وتيمم.

ويدل عليه تعقيبه بذكر التيمم، أو صفة لقوله: " جنبا " أي جنبا غير عابري سبيل.

وفيه دلالة على أن التيمم لا يرفع الحدث(5).

___________________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 303 باب 66 وقت صلاة الليل ح 12.

(2) الخصال: ص 636 حديث الاربعمائة س 9.

(3 و 4) مجمع البيان: ج 3 ص 51 و 52 في نقله المعنى لآية 43 من سورة النساء.

(5) من قوله: (وقرئ سكارى بالفتح) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 221، لاحظ تفسيره لآية 43 من سورة النساء. (*)

[463]

وقيل: المراد بالصلاة، مواضع الصلاة، وبعابري سبيل، المجتازون فيها.

وقيل: في الآية الكريمة قد استخدم سبحانه بلفظ الصلاة لمعنيين.

أحد هما: إقامة الصلاة، بقرينة قوله: " حتى تعلموا ما تقولون ".

والآخر: موضع الصلاة بقرينة قوله (جل شأنه): " ولا جنبا إلا عابري سبيل "(1).

وفيه: أن الاستخدام، إما بذكر لفظ وإرادة معنى، وبضميره معنى آخر.

أو بإرجاع ضميرين إلى شئ، والارادة من كل من ضميريه غير ما اريد بالآخر، لا ثالث له، وفي الآية ليس كذلك.

والاوجه أن يقال: بحذف " تقربوها " بعد كلمة " لا " معطوفا على الجملة السابقة، والحمل على الاستخدام حتى لا تلزم مخالفة قاعدة الاستخدام، ويطابق الاخبار الاولة الدالة على أن المراد بالصلاة معناها والاخبار الدالة على أن المراد هنا، المساجد.

ففي كتاب علل الشرائع: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن الله تعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ". والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(2).

وفي تفسير علي بن ابراهيم: سئل الصادق (عليه السلام) عن الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ فقال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين فإن الله تعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " ويضعان فيه الشئ

___________________________________

(1) نقله في الصافي: ج 1 ص 420، لا حظ تفسيره لآية 43 من سورة النساء.

(2) علل الشرائع: ج 1 ص 272 باب 210 العلة التي من أجلها يجوز للحائض والجنب أن يجوزا في المسجد ولا يضعا فيه شيئا، ح 1. (*)

[464]

ولا يأخذان منه، فقلت: فما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟ فقال: فأنهما يقدران على وضع الشئ من غير دخول، ولا يقدران على أخذ مافيه حتى يدخلا(1).

وقد روي في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال: لان الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه(2).

ويمكن دفع المنافاة بين الخبرين بأن المراد أن الوضع والاخذ إذا كان كل منهما مستلزما للدخول واللبث ودعت الضرورة إلى أخذ ما وضعته سابقا جاز الاخذ دون الوضع، وإذا لم يكن الوضع مستلزما للدخول واللبث وكان الاخذ غير مستلزم لهما، جاز الوضع دونه. حتى تغتسلوا: غاية النهي عن القربان حال الجنابة.

وإن كنتم مرضى: مرضا يخاف معه من استعمال الماء، فإن الواجد له فاقده معه، أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه.

وهذا التقييد وكذا التقييد الآتي مفهوم من قوله: " فلم تجدوا " لانه متعلق بالجمل الاربع.

وفي مجمع البيان: " وإن كنتم مرضى " قيل: نزلت في رجل من الانصار كان مريضا ولم يستطع أن يقوم فيتوضأ، فالمرض الذي يجوز فيه التيمم، مرض الجراح والكسر والقروح إذا خاف أصحابها من مس الماء، عن ابن عباس وابن مسعود والسدي والضحاك ومجاهد وقتادة، وقيل: هو المرض الذي لا يستطيع معه تناول الماء، ولا يكون هناك من يناوله، عن الحسن وابن زيد، وكان الحسن لا يرخص للجريح، التيمم.

والمروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام) جواز التيمم في جميع ذلك(3).

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 139 في تفسيره لآية 43 من سورة النساء.

(2) الكافي: ج 3 ص 106 كتاب الحيض، باب الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئا ح 1.

(3) مجمع البيان: ج 3 ص 52 في نقل المعنى لآية 43 من سورة النساء. (*)

[465]

أو على سفر: لا تجدونه فيه.

أوجآء أحد منكم من الغآئط: فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين، ولم يجد ماء.

وأصل الغائط، المطمئن من الارض.

أو لمستم النسآء: قيل: أي ما مسستم بشرتهن ببشرتكم.

وقرأ حمزة والكسائى هنا وفي المائدة " لمستم ".

واستعماله كناية عن الجماع أقل من الملامسة، والمراد هنا جامعتم.

ففي الكافي: علي بن إبراهيم [ عن أبيه ](1)، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزوجل): " أو لامستم النساء " قال: هوالجماع، ولكن الله ستيريحب الستر فلم يسم كما تسمون(2).

وفي تفسير العياشى: عن منصور بن حازم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اللمس هوالجماع(3).

عن أبي مريم قال قلت: لابي جعفر: ما تقول الرجل يتوضأ ثم يدعو بجاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد فإن من عندنا يزعمون أنها الملامسة؟ فقال: لا والله ما بذلك بأس، وربما فعلته، وما يعني بهذا أي " لامستم النساء " إلا المواقعة دون الفرج(4).

عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سأله قيس بن رمانة قال: أتوضأ ثم أدعوا الجارية فتمسك بيدي فأقوم واصلي، أعلي وضوء؟ فقال: لا، قال: لا والله ما بذلك بأس، وربما فعلته، وما يعني بهذا أي " لا مستم النساء " إلا المواقعة دون الفرج(4).

عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سأله قيس بن رمانة قال: أتوضأ ثم أدعوا الجارية فتمسك بيدي فأقوم واصلي، أعلي وضوء؟ فقال: لا، قال: فإنهم يزعمون أنه اللمس، قال: لا، والله ما اللمس إلا الوقوع، يعني الجماع، ثم قال: قد كان أبوجعفر (عليه السلام) بعد ما كبر يتوضأ، ثم يدعوا الجارية فتأخذ

___________________________________

(1) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة - أ - والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(2) الكافي: ج 5، ص 55، كتاب النكاح، باب نوادر، ج 5.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 243 ح 140.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 243 ح 139. (*)

[466]

بيده فيقوم ويصلي(1).

فلم تجدوا مآء: بأن تفقدوه، أو لم تتمكنوا من استعماله كما سبق.

والعبارة: فلم يوجد ماء، والعدول لارادة هذا المعنى: فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم: فتعمدوا ترابا طاهرا.

وفي تفسير العياشي: عن أبي أيوب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء، كن توضأ من غدير من ماء، أليس الله يقول: " فتيمموا صعيدا طيبا " قال: قلت: فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟ قال: فقال: قد مضت صلاته، قال: قلت له: فيصلي بالتيمم صلاة اخرى؟ قال: إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم(2).

وفي كتاب معاني الاخبار: وقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: الصعيد الموضع المرتفع، والطيب الموضع الذي ينحدر منه الماء(3).

وقيل: الصعيد وجه الارض ترابا كان أو غيره، فيجوز التيمم على الحجر الصلد.

ويدفعه من القرآن قوله في المائدة: " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه "(4) أي من بعضه.

وجعل " من " لابتداء الغاية تعسف، إذ لا يفهم في مثله إلا التبعيض.

ومن الحديث قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (جعلت لي الارض مسجدا وترابها طهورا)(5) فلو كان مطلق الارض طهورا لكان ذكر التراب مخلا، وكانت العبارة أن يقول: (جعلت لي الارض مسجدا وطهورا)(6) كما في الرواية الاخرى. والآية دلت على أن المسح ببعض الرأس واليدين، لمكان الباء، لا لافادة الباء

___________________________________

(1 و 2) تفسير العياشي: ج 1 ص 243 و 244 ح 142 و 143.

(3) بالرغم من الفحص الشديد لم نعثر عليه في معاني الاخبار ولكن رواه في الصافي: ج 1 ص 420 عند تفسيره لآية 43 من سورة النساء عن معاني الاخبار.

(4) المائدة: 6.

(5) عوالي الآلئ: ج 2 ص 13 ح 26 وص 208 ح 130.

(6) عوالي اللآلئ: ج 2 ص 14 ح 27. (*)

[467]

[ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يشترون الضللة ويريدون أن تضلوا السبيل(44) والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا(45) ] .

التبعيض حتى يرد أن سيبويه صرح بخلافه، بل لمكانه وكونه حيث لم يحتج إليه لتعدية الفعل بنفسه إلى المفعول. إن الله كان عفوا غفورا: فلذلك يسر الامر عليكم ورخص لكم.

ألم تر إلى الذين أو توا: من رؤية البصر، أي ألم تنظر إليهم. أو القلب، وعدي بإلى لتضمين معنى الانتهاء.

نصيبا من الكتب: قيل: حظا يسيرا من التوراة، لان المراد أحبار اليهود.

يشترون الضللة: بالهدى يختارونها على الهدى، أو يستبدلونها بعد تمكنهم منه، أو حصوله لهم.

قيل: بإنكار نبوة (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وقيل: يأخذون الرشى ويحرفون التوراة(2).

ويريدون أن تضلوا: أيها المؤمنون.

السبيل: سبيل الحق.

وفي تفسير علي بن إبراهيم في هذه الآية: ويشترون الضلالة، يعني ضلوا في أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه) " ويريدون أن تضلوا السبيل " يعني أخرجوا الناس من ولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام)، وهو الصراط المستقيم(3). والله أعلم: منكم.

___________________________________

(1 و 2) نقلهما البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) ج 1 ص 222 عند تفسير لآية 44 من سوره النساء.

(3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 39 في تفسيره لآية 44 من سورة النساء. (*)

[468]

[ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ورعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا(46) ]

بأعدائكم: وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم، فاحذروهم.

وكفى بالله وليا: يلي أمركم.

وكفى بالله نصيرا: يعينكم، فثقوا عليه، واكتفوا به عن غيره.

والباء تزاد في فاعل " كفى " ليؤكد الاتصال الاسنادي بالا تصال الاضافي.

من الذين هادوا: بيان للذين اوتوا نصيبا.

أو لاعدائكم، أو صلة ل‍ (نصير) أي ينصركم من الذين هادوا ويحفظكم منهم على الاحتمال الاول، وخبر مبتدأ محذوف بناء عليه، أو على ما في تفسير علي بن إبراهيم وصفة ذلك المبتدأ.

يحرفون الكلم عن مواضعه: أي من الذين هادوا قوم " يحرفون الكلم " أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها، بإزالته عنها وإثبات غيره فيها، كما حرفوا في وصف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (أسمر ربعة) عن موضعه في التوراة ووضعوا مكانه (ادم طوال)(1) أوا يؤولونه على ما يشتهون، فيميلونه عما أنزل الله فيه. ويقولون سمعنا: قولك. وعصينا: أمرك.

___________________________________

(1) في هامش النسخة ما لفظه (الاسمر من يشبه لونه لون الحنطة والادم من اشتدت سمرته، والربعة من ليس بطويل ولا قصير منه). (*)

[469]

واسمع غير مسمع: أي مدعو عليك، بلا سمعت، بصمم أو موت.

أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه. أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه.

أو اسمع كلاما غير مسمع إياك، لان إذنك تنبو عنه فيكون مفعولا به، أو اسمع غير مسمع مكروها من قولهم: اسمعه فلان إذا سبه. وإنما قالوه نفاقا.

ورعنا: انظرنا نكلمك، أو نفهم كلامك.

ليا بألسنتهم: فتلا بها(1) وصرفا للكلام إلى ما يشبه السب، حيث وضعوا " راعنا " المشابه لما يتسابون به في موضع " انظرنا " و " غير مسمع " موضع " لا سمعت مكروها "، أو فتلا وضما ما يظهرون من الدعاء، والتوقير إلى ما يضمرون من السب والتحقير نفاقا.

وطعنا في الدين: استهزاء به وسخرية.

ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا: ولو ثبت قولهم هذا مكان ما قالوا.

لكان خيرا لهم وأقوم: أعدل وأسد.

ويجب حذف الفعل بعد " لو " في مثل ذلك، لدلالة " ان " عليه ووقوعه موقعه.

ولكن لعنهم الله بكفرهم: ولكن أبعدهم الله من الهدى بسبب كفرهم.

فلا يؤمنون إلا قليلا: أي إيمانا قليلا لا يعبأ به، وهو الايمان ببعض الكتاب والرسل، أو إيمانا ضعيفا لا إخلاص فيه.

ويجوز أن يراد بالقلة العدم، كقوله: قليل التشكي للمهم يصيبه(2).

___________________________________

(1) فتله عن وجهه فانفتل، أي صرفه فانصرف، وانفتل عن الصلاة انصرف عنها (مجمع البحرين: ج 5 ص 439 لغة فتل).

(2) وبعده: كثير الهوى شتى النوى والمسالك. لتأبط شرا، أو لابي كبير الهذلي: والمعنى أنه عديم التشكي، ليظهر المدح، أي لا يشتكي لاجل المهم حال كونه يصيبه، كثير هوى النفس، والشت كالشتات في الاصل مصدر، ويستعملان بمعنى المتفرق المنتشر، أي نواه ومسالكه شتى، أي كثيرة مختلفة. والنوى اسم جمع نواة، وهي نية المسافر (الكشاف: ج 1 ص 518). (*)

[470]

[ يأيها الذين أوتوا الكتب ء‌امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنزدها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحب السبت وكان أمر الله مفعولا(47) ]

أو إلا قليلا منهم قد آمنوا أو يؤمنون.

يأيها الذين أوتوا الكتب ء‌امنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها: الطمس المحو، يقال: طمسته طمسا، محوته، والشئ، استأصلت أثره.

قيل: أي من قبل أن نمحو تخطيط صورها ونجعلها على هيئة أدبارها، يعني الاقفاء(1)، أو ننكسها إلى ورائها في الدنيا أو في الآخرة(2). وقيل: الطمس يطلق لمطلق التغيير والقلب.

والمعنى: من قبل أن نغير وجوها فنسلب وجاهتها وإقبالها ونكسوها الصغار والادبار، أو نردها إلى حيث جاء‌ت منه، وهي أذرعات الشام، يعني أجلاء بني النضير، ويقرب منه قول من قال: إن المراد بالوجوه الرؤساء.

وفي مجمع البيان: في رواية أبي الجارود، عن الباقر (عليه السلام): أن المعنى نطمسها عن الهدى فنردها على أدبارها في ضلالتها بحيث لا يفلح أبدا(3).

___________________________________

(1) أي نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم فنجعلها على هيئة أدبارها، وهي الاقفاء مطموسة مثلها (الكشاف: ج 1 ص 518).

(2) من قوله: (من رؤية البصر) إلى هنا، باستثناء مانقله من تفسير علي بن إبراهيم، مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 222، فلا حظ تفسيره لآيات 44 و 45 و 46 و 47) من سورة النساء.

(3) مجمع البيان: ج 3 ص 55 في نقل المعنى لآية 47 من سورة النساء. (*)

[471]

وفي تفسير العياشي: عن جابر الجعفي قال: قال لي أبوجعفر (عليه السلام) في حديث طويل -: يا جابر، أول الارض المغرب تخرب أهل الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات، راية الاصهب، وراية الابقع، وراية السفياني.

فيلقى السفياني الابقع، فيقتله ومن معه، وراية الاصهب، ثم لا يكون لهم هم إلا الاقبال نحو العراق، ومن جيش بقرقيسا(1) فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين، ويبعث السفياني جيشا إلى الكوفة، وعدتهم سبعون ألف، فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل حثيثا ومعهم نفر من أصحاب القائم (عليه السلام) يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، و يبعث السفياني بعثا إلى المدينة فيفر المهدي (عليه السلام) منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج من المدينة فيبعث جيش على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفا يترقب، على سنة موسى بن عمران، قال: وينزل جيش أمير السفياني، البيداء، فينادي مناد من السماء يا بيداء بيدي بالقوم، فيخسف أمير البيداء فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر يحول الله وجوههم في أقفيتهم، وهم من كلب، وفيهم أنزلت هذه الآية: " يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا على عبدنا " يعني القائم (عليه السلام) " من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها "(2).

وروى عمرو بن شمر، عن جابر قال: قال أبوجعفر (عليه السلام): نزلت

___________________________________

(1) بالفتح ثم السكون وقاف اخرى وياء ساكنة وسين مكسورة وياء اخرى وألف ممدودة، ويقال: بياء واحدة، قال حمزة الاصبهاني قرقيسيا معرب كركيسيا وهو مأخوذ من كركيس، وهو اسم لارسال الخيل المسمى بالعربية الحلبة، وكثيرا ما يجئ في الشعر مقصورا، وقال سعد بن أبي وقاص وقد أنفذ جيشا وهو بالمدائن في سنة 16 إلى هيت وقرقيسيا ورئيسهم عمرو بن مالك الزهري فنزلوا على حكمه، قيل: سميت به قرقيسيا، ابن طهمورث الملك إلخ (معجم البلدان للحموي: ج 4 ص 328).

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 244 ح 147 وما رواه المفسر (قدس سره) عن العياشي رواه في البحار الطبعة الحديثة: ج 52 ص 237 ح 105 عن العياشي وعن غيبة النعماني. (*)

[472]

هذه الآية على محمد هكذا: " يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت - في علي -(1) مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم - إلى مفعولا ".

وأما قوله: " مصدقا لما معكم " يعني مصدقا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم: عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن منخل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الآية هكذا: " يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا - في علي (عليه السلام) - نورا مبينا "(3)(4).

أو نلعنهم كما لعنا أصحب السبت: أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب

___________________________________

(1) هذه من الزيادة التفسيرية. أي نزلت الآية في شأنه. لا ان الزيادة كانت من النص.

راجع تعليقنا السابق من سورة آل عمران الآية قم 32.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 245 ح 148.

(3) الكافي: ج 1 ص 417 كتاب الحجة باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 27.

(4) ليس في المصحف هكذا، بل صدر الآية في أوائل سورة النساء هكذا " يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها إلى أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا " وآخرها في أواخر تلك السورة هكذا " يا أيها الناس قد جاء كم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا " وكأنه سقط من الخبر شئ، وكان (عليه السلام) ذكر اسمه في الموضعين، فسقط آخر الآية الاولى واتصلت بآخر الآية الثانية، لتشابه الآيتين، وكثيرا ما يقع ذلك.

و يحتمل أن يكون في مصحفهم (عليهم السلام) إحدى الآيتين هكذا، وعلى الاول ظاهرة التنزيل ويحتمل التأويل أيضا كما عرفت مرارا.

ولا يتوهم أن قوله في الآية الاولى: " مصدقا لما معكم " ينافي ذلك على الاحتمال الاول، لان معاداة أهل الكتاب لاميرالمؤمنين (عليه السلام) كانت أشد منها لغيره، لانه (عليه السلام) قتل كثيرا منهم بيده، فيحتمل أن يكون الخطاب إليهم، وقوله: " مصدقا لما معكم " لانه كان اسمه (عليه السلام) كاسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثبتا عندهم في كتبهم كما دلت عليه الاخبار الكثيرة. وكذا قوله: " اوتوا الكتاب " وإن احتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن (مرآة العقول: ج 5 ص 29 ح 27). (*)

[473]

[ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشآء ومن يشرك بالله فقد اتفرى إثما عظيما(48) ]

السبت. أو نلعنهم على لسانك كما لعناهم على لسان داود. والضمير لاصحاب الوجوه.

أو للذين على طريقة الالتفات، أو للوجوه إن اريد بها الوجهاء.

قيل: وعطفه على الطمس بالمعنى الاول، يدل على أن المراد به ليس مسخ الصورة في الدنيا(1).

وفيه: أنه مسخ خاص، فيصح أن يكون مقابلا لمسخ أصحاب السبت.

ومن حمل الوعيد على تغير الصورة في الدنيا، قال: إنه بعد مترقب.

أو كان وقوعه مشروطا بعدم إيمانهم، وقد آمن منهم طائفة.

وكان أمر الله: بإيقاع شئ، أو وعيده، أو ما حكم به وقضاه.

مفعولا: نافذا، أو كائنا. فيقع لا محالة ما اوعدتم به إن لم تؤمنوا.

إن الله لا يغفر أن يشرك به: لانه حكم بخلود عذابه وأوجب على نفسه تعذيبه، لانه لا ينمحي عنه أثره، فلا يستعد للعفو إلا أن يتوب ويرجع إلى التوحيد، فإن باب التوبة مفتوح أبدا.

في عيون الاخبار: عن الرضا (عليه السلام)، وبإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله يحاسب كل خلق إلا من أشرك بالله، فإنه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار(2).

___________________________________

(1) قاله البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): ج 1 ص 223 عند تفسيره لآية 47 من سورة النساء.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 34 باب 31 فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار المجموعة ح 66. (*)

[474]

ويغفر مادون ذلك: أي مادون الشرك صغيرا كان أو كبيرا.

في اصول الكافي: عن يونس، عن ابن بكير، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: " إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء " الكبائر فما سواها، قال: قلت: دخلت الكبائر في الاستثناء؟ قال: نعم(1). لمن يشآء: تفضلا عليه واحسانا.

والمراد ب‍ " من يشاء " الشيعة خاصة، يغفر لهم ما سوى الشرك، فمن كان شيعة وخرج من الدنيا مشركا لا يغفر له، كما لا يغفر لسائر المشركين، وإن لم يكن مشركا يغفر له وإن كان عليه ذنوب أهل الارض غير الشرك. والدليل على أن المراد ب‍ " من يشاء " الشيعة.

ما رواه العياشي في تفسيره: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أما قوله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به " يعني أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي.

وأما قوله: " ويغفر مادون ذلك " يعني لمن يشاء يعني لمن والى عليا (عليه السلام)(2).

وما رواه في من لا يحضره الفقيه: بإسناده إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: ولقد سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لو أن المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الارض لكان الموت كفارة لتلك الذنوب، ثم قال (عليه السلام): من قال: لا إله إلا الله بإخلاص فهو برئ من الشرك، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ثم تلا هذه الآية: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " من شيعتك ومحبيك يا علي، قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا لشيعتي؟ قال: اي وربي إنه لشيعتك، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(3).

___________________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 284 كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 18.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 245 ح 149.

(3) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 295 باب 176 النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، قطعة من ح 72 س 8. (*)

[475]

والدليل على أنه يغفر ذنوب الشيعة وإن لم يتب، ولو كان عليه مثل ذنوب أهل الارض، ما سبق.

وما رواه في كتاب التوحيد: بإسناده إلى أبي ذر (رحمه الله) قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمشي وحده وليس معه إنسان، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال لي: من هذا؟ فقلت: أبوذر جعلني الله فداك، قال: يا أباذر تعال، قال: فمشيت معه ساعة، قال: إن المكثرين هم الاقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا، فنفح منه بيمينه وشماله وبين يديه وورائه وعمل فيه خيرا، قال: فمشيت معه ساعة فقال لي: اجلس ههنا، وأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس حتى أرجع إليك، قال: فانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته وهو مقبل، وهو يقول: وإن زنى وإن سرق قال: فلما جاء لم أصبر حتى قلت: يا نبي الله جعلني الله فداك، من تكلمه في جانب الحرة، فإني ما سمعت أحدا يرد عليك شيئا؟ قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة فقال: بشر امتك أن من مات لا يشرك بالله (عزوجل) شيئا دخل الجنة، قال فقلت: يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم، قلت: وإن زنى وسرق؟ قال: نعم قلت: وإن زنى وسرق قال: نعم وإن شرب الخمر(1).

وفي تفسير العياشي: عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قوله: " ان الله لا يغفر ان يشرك به " أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي وأما قوله: " ويغفر مادون ذلك لمن يشاء " يعني لمن والى عليا(2).

___________________________________

(1) التوحيد. ص 25 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين ح 24 ورواه بعين السند والمتن في ص 409 باب 63 ح 9. وقال الصدوق - طيب الله رمسه - بعد نقل الحديث ما هذا لفظه (قال مصنف هذا الكتاب: يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة).

أقول: ونقل الحديث أئمة الحديث من العامة مع اختلاف يسير في ألفاظه، لا حظ صحيح البخاري: ج 8 ص 116 ومسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 152 وصحيح مسلم: ج 2 ص 688، كتاب الزكاة باب 9 الترغيب في الصدقة، ح 33.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 245 ح 149. (*)

[476]

[ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشآء‌ولا يظلمون فتيلا(49) ]

وفي تفسير علي بن إبراهيم: فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: دخلت الكبائر في الاستثنارء؟ قال: نعم(1).

عن أبي العباس قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أدنى ما يكون به الانسان مشركا؟ قال: من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض(2).

وفي مجمع البيان: وقف الله سبحانه المؤمنين الموحدين بهذه الآية بين الخوف والرجاء وبين العدل والفضل، وذلك صفة المؤمنين، ولذلك قال الصادق (عليه السلام): لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا(3).

وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى ثوير، عن أبيه، أن عليا (عليه السلام) قال: ما في القرآن آية أحب إلي من قوله (عزوجل): " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء "(4).

ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما: ارتكب ما استحقر دونه الآثام.

وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب.

والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل، وكذلك الاختلاق.

ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم: في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): أنها نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا: " نحن أبناء الله وأحبائه "(5) وقالوا: " لن يدخل الجنة إلا من كان

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 عند تفسيره لآية 48 من سورة النساء.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 ح 150.

(3) مجمع البيان: ج 3 ص 57 في نقله المعنى لآية 48 من سورة النساء.

(4) التوحيد: ص 409 باب 63 الامر والنهي والوعد والوعيد ح 8.

(5) المائدة: 18. (*)

[477]

[ انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا(50) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت والطغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين ء‌امنوا سبيلا(51) ]

هودا أو نصارى "(1)(2).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: هم الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق وذي النورين(3).

والجمع أنها نزلت في الاولين، وجرت في الآخرين، وكذلك تجري فيمن يسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة، وفيمن يسمون أنفسهم بأهل الرياضة والتوحيد ويجعلون أنفسهم ممتازة عن أهل القشر والتقليد.

بل الله يزكى من يشآء: لانه العالم بما ينطوي عليه الانسان من حسن و قبح فلا غرض في التركية، وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين. وأصل التزكية نفي ما يستقبح فعلا وقولا.

ولا يظلمون: بالذم والعقاب على تزكيتهم أنفسهم بغير حق.

فتيلا: أدنى ظلم وأصغره. وهو الخيط الذي في شق النواة. يضرب به المثل في الحقارة.

انظر كيف يفترون على الله الكذب: في زعمهم أنهم أبناء الله وأزكياء عنده، أو خلفاء‌ه أو أولياء‌ه.

___________________________________

(1) البقرة: 111.

(2) مجمع البيان: ج 3 ص 58 في سبب نزول آية 49 من سورة النساء.

(3) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 في تفسيره لآية 49 من سورة النسا. (*)

[478]

وفي تفسير علي بن إبراهيم: هم هؤلاء الثلاثة(1).

وكفا به: بزعمهم هذا، أو بالافتراء.

إثما مبينا: لا يخفى كونه مأثما من بين أثامهم.

ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتب يؤمنون بالجبت والطغوت: قيل: نزلت في يهود كانوا يقولون: إن عبادة الاصنام أرضى عندالله مما يدعو إليه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

وقيل: في حيي بن أخطب، وكعب بن الاشرف وجمع من اليهود خرجوا يحالفون قريشا على محاربة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا، فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم، ففعلو(3).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: نزلت في اليهود حين سألهم مشركو العرب: أديننا أفضل أم دين محمد؟ قالوا: بل دينكم أفضل(4).

وروي أيضا أنها نزلت في الذين غصبوا آل محمد حقهم وحسدوا منزلتهم(5).

وروى العياشي: عن الباقر (عليه السلام): إن الجبت والطاغوت فلان وفلان(6).

والجبت في الاصل اسم صنم، فاستعمل في كل ما عبد من دون الله.

وقيل: أصله الجبس(7) وهو الذي لا خير فيه، فقلبت سينه تاء.

والطاغوت

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 في تفسيره لآية 50 من سورة النساء، ولفظه (هم الذين غاصبوا آل محمد حقهم).

(2 و 3) قاله البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل): ج 1 ص 224 عند تفسيره لآية 51 من سورة النساء.

(4 و 5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 140 في تفسيره لآية 51 من سورة النساء.

(6) تفسير العياشي: ج 1 ص 246 قطعة من ح 153.

(7) الجبس: الجبان الفدم، وقيل: الضعيف اللئيم، وقيل: الثقيل الذي لا يجيب إلى خير.

والجبس: الردئ الدنئ الجبان، ويقال: ولد زنية. والجبس هو الجامد من كل شئ، الثقيل الروح (*)

[479]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1694
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28