• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني ) ، تأليف : الميرزا محمد المشهدي .
                    • الموضوع : من آية (146 - 156) .

من آية (146 - 156)

الآية: 146 - 156

[ إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما(146) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وء‌امنتم وكان الله شاكرا عليما(147) * لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما(148) إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا(149) ]

إلا الذين تابوا: عن النفاق.

وأصلحوا: ما أفسدوا من إصرارهم وأحوالهم في حال النفاق.

واعتصموا بالله: وثقوا به وتمسكوا بدينه.

وأخلصوا دينهم لله: لا يريدون بطاعتهم إلا وجهه.

فأولئك مع المؤمنين: ومن عدادهم في الدارين.

وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما: فيساهمونهم فيه.

ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وء‌امنتم: يتشفى به غيظا، أو يدفع به ضررا أو يستجلب به نفعا، سبحانه هو الغني المتعالي عن النفع والضرر.

وإنما يعاقب المصر على كفره، لان إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض، فإذا زال بالايمان والشكر، ونقى نفسه عنه، تخلص من تبعته.

وإنما قدم الشكر، لان الناظر يدرك النعمة أولا، فيشكر شكرا مبهما، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به. وكان الله شاكرا: مثيبا يقبل القليل ويعطي الجزيل. عليما: بحق شكركم وإيمانكم.

[667]

لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم: إلا جهر عن ظلم، بالدعاء على الظالم أو التظلم منه.

في مجمع البيان: المروي عن أبي جعفر (عليه السلام): لا يحب الله الشتم في الانتصار إلا من ظلم، فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين(1).

وروى عن أبي عبدالله (عليه السلام): إنه الضيف ينزل الرجل فلا يحسن ضيافته، فلا جناح عليه أن يذكره بسوء ما فعله(2).

وفي تفسير العياشي عنه (عليه السلام) في هذه الآية: من أضاف قوما فأساء ضيافتهم، فهي ممن ظلم، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه(3).

وعنه (عليه السلام): الجهر بالسوء من القول، أن يذكر الرجل بما فيه(4).

وفي تفسير علي بن إبراهيم بعد ما يقرب مما ذكر في المجمع أولا: وفي حديث آخر في تفسير هذا إن جاء‌ك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذبه فقد ظلمك(5).

وقرئ " إلا من ظلم " على النباء للفاعل، فيكون الاستثناء منقطعا، أي ولكن الظالم يفعل ما لا يحبه الله.

وكان الله سميعا: لما يجهر به من سوء القول.

عليما: بصدق الصادق وكذب الكاذب، فيجازي كلا بعمله.

إن تبدوا خيرا: طاعة وبرا.

أو تخفوه: تفعلوه سرا.

أو تعفوا عن سوء: لكم المؤاخذة عليه، وهو المقصود. وذكر إبداء الخير

___________________________________

(1 و 2) مجمع البيان: ج 3 ص 131 في نقل المعنى لآية 148 من سورة النساء.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 283 ح 296.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 283 ح 297.

(5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 157 س 8 في تفسيره لآية 148 من سورة النساء. (*)

[668]

[ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا(150) ]

وإخفائه تشبيب له ولذلك رتب عليه قوله: فإن الله كان عفوا قديرا: أي يكثر العفو عن العصاة، مع كمال قدرته على الانتقام فأنتم لعدم كمال قدرتكم أولى بذلك، وهو حث المظلوم على العفو بعد ما رخص له في الانتصار حملا على مكارم الاخلاق.

وفي تقديم العفو على القدير إشارة لطيفة إلى أن العافي من كمال عفوه، أن لا يشعر بقدرته حين العفو، ليتم إحسانه بالنسبة إلى المعفو عنه، ولا يصير كا لمن بعد الصدقة.

إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله: بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله.

ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض: نؤمن ببعض الانبياء ونكفر ببعض، كما فعلته الهيود صدقوا بموسى ومن تقدمه من الانبياء، وكذبوا عيسى ومحمدا (صلوات الله عليهما)، وكما فعلت النصارى صدقوا عيسى ومن تقدمه، وكذبوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم)، هكذا قيل(1).

والاولى أن يفسر التفريق بالايمان بالله والايمان بالرسل، أو ببعضهم، ويجعل قوله: " ويقولون " بيانا للتفريق، ليناسبه قوله: ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا: طريقا وسطا بين الايمان والكفر،

___________________________________

(1) اورده السيوطي في تفسيره الدر المنثور: ج 2 ص 725 نقلا عن قتادة، لا حظ تفسيره لآية 150 من سورة النساء. (*)

[669]

[ أولئك هم الكفرون حقا وأعتدنا للكفرين عذابا مهينا(151) والذين ء‌امنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما(152) ] .

ولا واسطة، إذ الحق لا يختلف، فإن الايمان بالله إنما يتم بالايمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلا وإجمالا، فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكل في الضلال، كما قال: أولئك هم الكفرون: أي الكاملون في الكفر، لا عبرة بإيمانهم هذا.

حقا: مصدر مؤكد لغيره، أو صفة لمصدر الكافرين، يعني هم الذين كفروا كفرا حقا، أي يقينا محققا.

وأعتدنا ناللكفرين عذابا مهينا: يهينهم ويذلهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: هم الذين أقروا برسول الله وأنكروا أميرالمؤمنين (عليهما السلام)(1)، ومعناه: أن ذلك كفر ببعض الرسل، أي بما جاء به من ولاية أميرالمؤمنين (عليه السلام)، وكذلك الذين أقروا برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأميرالمؤمنين وأنكروا ما قرراه من الشرع الظاهر وآمنوا بأمر آخر سموه باطنا، وسموا الايمان به إيمانا حقيقيا.

والذين ء‌امنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم: وآمنوا بجميعهم وجميع ما جاؤوا به.

وإنما دخل " بين " على " أحد " وهو يقتضي متعددا، لعمومه، من حيث أنه وقع في سياق النفي.

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 157 س 12 في تفسيره لآية 151 من سورة النساء. (*)

[670]

[ يسئلك أهل الكتب أن تنزل عليهم كتبا من السمآء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ماجآء‌تهم البينت فعفونا عن ذلك وء‌اتينا موسى سلطنا مبينا(153) ]

أولئك سوف يوتيهم أجورهم: الموعودة لهم.

سمي الثواب أجرا، للدلالة على استحقاقهم لها. والتصدية ب‍ " سوف " للدلالة على أنه كائن لا محالة، وإن تأخر. وقرأ حفص عن عاصم، وقالون عن يعقوب، بالياء على تلوين الخطاب(1).

وكان الله غفورا: لم يزل يغفر ما فرط منهم من المعاصي.

رحيما: يتفضل عليهم بتضعيف الحسنات.

يسئلك أهل الكتب أن تنزل عليهم كتبا من المسآء: في مجمع البيان: روي أن كعب بن الاشرف وجماعة من اليهود قالوا: إن كنت صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى(2).

وقيل: كتابا محررا بخط سماوي على ألواح كما كانت التوراة، أو كتابا نعاينه حين ينزل، أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله(3).

فقد سألوا موسى أكبر من ذلك: جواب شرط مقدر، إي إن استكبرت ما

___________________________________

(1) قوله: (على تلوين الخطاب) أي على الالتفات من التكلم إلى الغيبة (من حاشية الكازروني على البيضاوي).

(2) مجمع البيان: ج 3 ص 133 في شأن نزول آية 153 من سورة النساء.

(3) نقله البيضاوي: ج 1 ص 253 في تفسيره لآية 153 من سورة النساء وفي مجمع البيان أيضا. (*)

[671]

[ ورفعنا فوقهم الطور بميثقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثقا غليظا(154) ]

سألوه منك، فقد سألوا موسى أكبر منه.

وهذا السؤال وإن كان من آبائهم، اسند إليهم، لانهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهديهم.

والمعنى: إن عرفهم راسخ في ذلك وإن ما اقتر حوه عليك، ليس بأول جهالاتهم وخيالاتهم.

فقالوا أرنا الله جهرة: عيانا، أي أرنا نره جهرة، أو مجاهرين ومعاينين.

فأخذتهم الصعقة: نار جاء‌ت من السماء فأهلكتهم.

بظلمهم: بسبب ظلمهم وتعنتهم وسؤالهم بما يستحيل على الله تعالى.

ثم اتخذوا العجل من بعد ما جآء تهم البينت: هذه الجناية الثانية التي اقترفها أيضا أوائلهم.

و " البينات " المعجزة، ولا يجوز حملها على التوراة، إذ لم يأتهم بعد.

فعفونا عن ذلك: لسعة رحمتنا. وء‌اتينا موسى سلطنا مبينا: حجة بينة تبين صدقه.

ورفعنا فوقهم الطور: الجبل. بميثاقهم: ليقبلوه.

وقلنا لهم: على لسان موسى، والجبل مطل عليهم.

ادخلوا الباب: أي باب حطة.

سجدوا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت: قيل: على لسان داود.

ويحتمل أن يراد على لسان موسى حين ظلل الجبل عليهم، فإنه شرع السبت، ولكن كان

[672]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=1704
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29