• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / المكتبة .
              • الكتاب : دروس منهجية في علوم القرآن ( الجزء الثاني) ، تأليف : السيد رياض الحكيم .
                    • الموضوع : الدرس الرابع والخمسون .

الدرس الرابع والخمسون

"الدرس الرابع والخمسون"

 

أهم عوامل اختلاف القراءات

نستطيع أن نعتبر أهم العوامل التي أدّت الى اختلاف القراءات ما يلي:

1 ـ عدم دقّة بعض الصحابة ومن أخذ عنهم في حفظ الآيات، ولذلك نجد أنّ بعض القراءات تختلف في الكلمات زيادةً ونقيصة، أو تتباين كلماتها، ولعلّ من ذلك ما روي عن يزيد النخعي قال: انّي لفي المسجد زمن الوليد بن عقبة... واختلفا في آية من سورة البقرة قرأ هذا "وأتمّوا الحج والعمرة للبيت" وقرأ هذا: (وأتمّوا الحج والعمرة لله) (24).

2 ـ بداءة الخط الذي كتبت به المصاحف.

حيث لم يكن الخط متطوّراً آنذاك، ولم تكن له قواعد دقيقة، ويمكن أن نسجّل ـ في هذا المضمار ـ الملاحظات التالية ـ في الخط ـ التي قد تكون منشأ لاختلاف القراءات:

أ: عدم التنقيط، ولعلَّ منشأ ذلك قراءة الكسائي (إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبّتوا) (25). وقرأ الباقون (فتبيّنوا). ومنه قراءة ابن عامر وحفص (ويكفّر عنكم) (26). وقرأ الباقون (نكفّر عنكم).

ب: تجريد الحروف عن الحركات ونحوها من العلامات، فقد قرأ نافع قوله تعالى: (ولا تَسألْ عن أصحاب الجحيم) (27) بصيغة النهي، بينما قرأها الباقون بصيغة المضارع المجهول.

ج: إسقاط الألفات: فقد قرأ أبو جعفر والبصريّون (وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة) (28)، وقرأ الباقون (واعدنا).

3 ـ اختلاف لغات العرب ولهجاتهم.

مثل (نستعين) قال الفرّاء: "هي مفتوحة في لغة قيس وأسد، وغيرهم يقولونها بكسر النون"(29).

4 ـ تحكيم الرأي والاجتهاد.

ويبدو أنّ هذا من العوامل المهمّة لاختلاف القراءات، روى أبو جعفر الطبري والحاكم النيسابوري ـ وصحّحه ـ عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها) (30) هي من خطأ الكاتب، وإنّما هي (حتى تستأذنوا وتسلّموا) (31). وقد تقدّمت مجموعة أخرى من النصوص. هذه هي أهم العوامل التي أدّت الى اختلاف القراءات وربّما تكون هناك عوامل أخرى، تعرّضت لها المصادر المطوّلة.

وبعد أن عرفنا اختلاف القراءات وأهم عوامل هذا الاختلاف فلابدّ من تحديد ضوابط القراءة الصحيحة المعتبرة، وعدم الاعتماد على غيرها من القراءات غير الثابتة. وهذا ما سوف نشير إليه إن شاء الله تعالى.

أمّا ما هي الضابطة المعتمدة في اختيار القراءة الصحيحة فنقول: أشرنا آنفاً الى أنّ كثيراً من علماء الجمهور اعتمدوا القراءات السبع المعروفة، وبعضهم اعتمد القراءات العشر ـ التي سنشير الى أصحابها ـ وقد أشرنا وسنوضح عدم الخصوصية لهذه القراءات بالنسبة لغيرها.

أمّا أتباع أهل البيت(عليهم السلام) فيعتمدون كل قراءة كانت مألوفة في عصور الأئمة(عليهم السلام) في الصلاة وغيرها، كما نصّ على ذلك السيد الحكيم ((قدس سره) ) (32)، وغيره من الفقهاء.

لأنّ عدم ردع الأئمة من آل البيت(عليهم السلام) عن أية قراءة مألوفة في عصورهم دليل على اعتبارها كلها عندهم(عليهم السلام)، بل تضمّنت بعض النصوص الحث على القراءة المألوفة بين الناس.

وعلى كل حال، لاشك في اعتبار النسخة المتداولة من القرآن الكريم التي هي قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي ـ برواية حفص ـ التي أخذها عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعدد آخر من الصحابة، وقد حكى الذهبي عن حفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن قال "لم أخالف علياً في شيء من قراءته، وكنت أجمع حروف علي، فألقى بها زيداً في المواسم بالمدينة فما اختلفنا إلاّ في التابوت كان زيد يقرأ بالهاء وعلي بالتاء"(33).

وروي أنّ زيد لمّا قرأ (التابوه) قال علي(عليه السلام) اكتبه (التابوت) فكتبه كذلك(34).

 

ــــــــــــــــــ

(24) تلخيص التمهيد: 1 / 159.

(25) يراجع سورة الحجرات: 6.

(26) يراجع سورة البقرة: 271.

(27) يراجع سورة البقرة: 119.

(28) يراجع سورة البقرة: 51.

(29) كتاب سيبويه: 2 / 257.

(30) سورة النور: 27.

(31) جامع البيان: 18 / 87.

(32) المستمسك: 6 / 245.

(33) سير أعلام النبلاء: 2/426.

(34) تدوين القرآن: 345.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/books/index.php?id=432
  • تاريخ إضافة الموضوع : 0000 / 00 / 00
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19