[473]
سُورَة قُرَيش
مَكيَّة
وَعَدَدُ آيَآتِهَا أربَع آياتْ
[475]
«سورة قُريش»
محتوى السّورة
هذه السّورة في الحقيقة مكملة لسورة الفيل، وآياتها تدل على ذلك.
تتضمّن هذه السّورة بيان نعمة اللّه على قريش ولطفه لهم ومحبّته له، كي يحرك فيهم دافع الشكر ويحثهم على عبادة ربّ هذا البيت العظيم الذي يستمدون منه كلّ مفاخرهم وشرفهم.
وكما إنّ سورة «والضحى» وسورة «ألم نشرح» تعتبران سورة واحدة ـ كما ذكرنا ـ كذلك سورة «الفيل» وسورة «قريش» هما سورة واحدة، وارتباط موضوعهما يدل على ذلك أيضاً.
ولذلك وجب قراءتهما معاً في الصلاة لمن يرى وجوب قراءة سورة كاملة بعد الحمد.
لمزيد من التوضيح تراجع كتب الفقه في أبواب الصلاة.(1)
فضيلة السّورة:
ورد في فضيلة هذه السّورة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من قرأها اُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها»(2).
_______________________________________
1 ـ أورد الحر العاملي، في كتابه وسائل الشيعة، ج4، ص743، باب 10 من أبواب قراءة الصلاة، روايات عدّة في هذا المضمار.
2 ـ مجمع البيان، ج10، ص543.
[476]
هذه الفضيلة دون شك لمن عبد ربّ البيت حقّ عبادته، وصان حرمة البيت كما يجب، وتشربت نفسه برسالة هذا المركز التوحيدي.
* * *
[477]
الآيات
لاِِيلَـفِ قُرَيْش(1) إِلَـفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ(2)فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ(3) الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِّن جُوع وَءَامَنَهُم مِّنْ خَوْ ف(4)
التّفسير
ربّ هذا البيت يجب أن يعبد:
في سورة «الفيل» جاء ذكر إبادة أصحاب الفيل الذين جاؤوا لهدم الكعبة وهذه السّورة التي تعتبر امتداداً للسورة السابقة تقول: نحن جعلنا أصحاب الفيل كعصف مأكول: (لإيلاف قريش)(1)، أي لكي تأتلف قريش في هذه الأرض المقدسة وتتهيأ بذلك مقدمات ظهور نبيّ الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم).
«إيلاف» مصدر آلف، و«آلفه» أي جعله يألف، أي جعله يجتمع اجتماعاً مقروناً بالإنسجام والأنس والإلتيام. وقال بعضهم: «الإيلاف» من المؤالفة، وهي
_______________________________________
1 ـ «اللام» في «لإيلاف» بمعنى العلة، وجار ومجرور متعلق بـ «جعل» في السّورة السابقة في آية (فجعلهم كعصف مأكول)أو أحد الأفعال التي كانت في السّورة، بينما يرى البعض أن الجار والمجرور يتعلقان بجملة «فليعبدوا» القادمة، لكن هذا الإحتمال لا يتفق مع مضمون الآيات، والمعنى الأوّل أحسن.
[478]
العهد و الميثاق، و لا تناسب بين هذا المعنى و بين الكلمة و هي مصدر باب الأفعال، و بين محتوى السّورة.
على كلّ حال، المقصود إيجاد الألفة بين قريش و هذه الأرض المقدسة و هي مكّة و البيت العتيق، لأنهم و كلّ أهل مكّة اختاروا السكن في هذه الأرض لمكانتها و أمنها. كثير من أهل الحجاز كانوا يحجّون البيت كلّ سنة، و يقترن حجّهم بنشاط أدبي و اقتصادي في هذا البلد الأمين.
كلّ ذلك كان يحدث في ظل الجو الآمن. و لو أنّ هذا الأمن قد انعدم أو أنّ الكعبة قد انهدمت بفعل هجوم أبرهة و أمثاله لما كان لأحد ألفة بهذه الأرض.
كلمة «قريش» في الأصل نوع من الأحياء البحرية الضخمة التي تبتلع كلّ ما يصادفها، كما يقول المفسّرون و اللغويون، و عن ابن عباس في معنى قريش قال:
«لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه، يقال لها القريش، لا تمرّ بشيء من الغث و السمين إلّا أكلته»! و استشهد لذلك بأبيات ممّا قالته العرب.
من هنا فإنّ انتخاب هذا الاسم لهذه القبيلة يعود إلى اقتدار هذه القبيلة و قوتها، و إلى استغلال هذه القوّة في الانقضاض على الآخرين.
و قيل إنّ قريش من القرش، و هو الاكتساب، لأنّ قريشا كانت مشغولة دوما بالتجارة و الكسب.
و قيل: إنّ معنى «القرش» التفتيش و المراجعة، و سمّيت قريش بذلك لتفقدها أحوال الحجاج و المسارعة لمساعدتهم.
و «القرش» في اللغة ورد بمعنى الاجتماع أيضا، و إذا كان هذا المعنى مقصودا في التسمية فذلك يعود إلى ما كانت تتصف به هذه القبيلة من اجتماع و انسجام.
على أي حال اسم قريش لم يقترن بسمعة طيبة. فهم و إن كانوا عشيرة الرسول- إلّا أنّهم ناصبوا الإسلام أشدّ العداء، و لم يألوا جهدا في وضع العراقيل أمام الدعوة و الوقوف بوجهها و تعذيب الدعاة، و بعد انتصار الإسلام عليهم،
[479]
عمدوا إلى التآمر الخفي على المسلمين، ثمّ بعد وفاة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خلقوا أحداثا مؤلمة لا ينساها لهم تاريخ الإسلام أبدا. و نعلم أنّ بني امية و بني العباس الذين أقاموا حكومة الجبابرة و الطواغيت كانوا من قريش.
القرائن التاريخية تشير إلى أنّ هذه القبيلة كانت في الجاهلية أيضا تستثمر النّاس و تستغلهم. و لذلك وجدت في الإسلام خطرا على مصالحها لدعوته إلى تحرير الإنسان، و شنت عليه حربا لا هوادة فيها، إلى أن اندحرت أمام قدرة الإسلام.
إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ)1.(
مكّة تقع في واد غير ذي زرع، و الرعي فيها قليل، لذلك كانت عائدات أهل مكّة غالبا من قوافل التجارة، في فصل الشتاء يتجهون إلى أرض اليمن في الجنوب حيث الهواء معتدل، و في فصل الصيف إلى أرض الشام في الشمال حيث الجوّ لطيف. و الشام و اليمن كانا من مراكز التجارة آنئذ، و مكّة و المدينة حلقتا اتصال بينهما.
هذه هي رحلة الشتاء ... و رحلة الصيف.
و المقصود ب «إيلافهم» في الآية أعلاه قد يكون جعلهم يألفون الأرض المقدّسة خلال رحلاتهم و ينشدّون إليها لما فيها من آمن، كي لا تغريهم أرض اليمن و الشام، فيسكنون فيها و يهجرون مكّة.
و قد يكون المقصود إيجاد الألفة بينهم و بين سائر القبائل طوال مدّة الرحلتين، لأنّ النّاس بدأوا ينظرون إلى قوافل قريش باحترام و يعيرونها أهمية
_______________________________________
1- «إيلافهم» بدل من في الآية السابقة، و (هم) مفعول أوّل، و (رحلة الشتاء) مفعول ثان، و قيل أنّه ظرف، و قيل منصوب بنزع الخافض، أي إيلافهم من رحلة الشتاء و الصيف (يبدو أن المعنى الثّاني و الثّالث أنسب).
«رحلة» في الأصل من «رحل»- على زنة شهر- بمعنى الغطاء الذي يغطي به ظهر الدابة لركوبها، ثمّ أطلقت على الإبل أو السفر بواسطته أو بوسائط اخرى.
[480]
خاصّة بعد قصّة اندحار جيش أبرهة.
قريش لم تكن طبعا مستحقة لكل هذا اللطف الإلهي لما كانت تقترفه من آثام، لكن اللّه لطف بهم لما كان مقدّرا للإسلام و النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يظهرا من هذه القبيلة و تلك الأرض المقدّسة.
الآية الاخيرة تقول: إنّ هذه النعم الإلهية التي أغدقت على قريش ببركة الكعبة يجب أن تدفعهم إلى عبادة ربّ البيت لا الأوثان.
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ.
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ... الذي جعل تجارتهم رائجة مريحة و مربحة، و دفع عنهم الخوف و الضرر، كلّ ذلك باندحار جيش أبرهة.
و بفضل دعاء إبراهيم الخليل عليه السّلام مؤسس الكعبة. لكنّهم لم يقدّروا هذه النعمة، فبدلوا البيت المقدس ببيت للأوثان، و ذاقوا في النهاية و بال أمرهم.
اللّهمّ! هب لنا توفيق العبادة و الطاعة و شكر النعم و حراسة هذا البيت العظيم.
ربّنا! زد في عظمة هذا المركز الإسلامي الكبير و اجعله حلقة اتصال بين المسلمين.
إلهنا! اقطع دابر الأعداء الظالمين القتلة المتلاعبين بمقدرات هذا المركز الإسلامي الكبير.
آمين يا ربّ العالمين نهاية سورة قريش
|