كم هي مساحة حجية العقل؟

السؤال : كم هي مساحة حجية العقل؟

الجواب :

 إن العقل البرهاني السليم من المغالطة، و المصون من مضارّ التخيّل، هو بمنزلة رسول الله الباطني الذي يعدّ من منابع المعرفة الدينية المستقلة، و مصادر الفتاوى الشرعية، مثيل النص النقلي، بحيث أن اعتباره أصيل و حجيته ذاتية. و إن مثل هذا العقل يقوم عبر أصوله و علومه المتعارفة و براهينه الخالصة بتأسيس البنيان المرصوص للعقائد الأصيلة، كأصل وجود مبدأ الوجود، و الوحدة و باقي الصفات العليا و الأسماء الحسنى للمبدأ، و ضرورة الوحي و الرسالة، و ضرورة المعاد، و سائر المسائل الكلامية المتقنة و هو راسخ القدم في هذا التأسيس و التثبيت. و على هذا الأساس، فإن للعقل البرهاني باعتباره حجة إلهية حضور مؤثر في جميع مراحل الاستنباط من القرآن و السنة؛ سواء كان الاستنباط من خصوص آية واحدة، أو مجموع القرآن، و كذا الاستنباط من حديث واحد، أو مجموع الأحاديث، و أيضاً الاستنباط من مجموع القرآن و السنة لعرض رسالة الدين النهائية. توضيح ذلك، هو أن المعارف المستفادة من المتون النقلية (أعم من القرآن و الحديث) على ثلاثة أنماط، و للعقل في كل واحد من هذه الأقسام تحكيم خاص: أ: المعارف التي لا يتأتى للعقل معرفتها، و لذا لا حكم له فيها نفياً أو إثباتاً، بل هو ساكت حيالها. فهو في هذا القسم ليس إلا مستمعاً واعياً لنداء النص النقلي، و هو يعترف أن وظيفته في قبال مثل هذه المعارف الاستماع و الإنصات و القبول لنداء الدين. ت: المعارف التي يتسنى للعقل معرفتها و يحكم فيها بـ «التصويب و التأييد». فيكون البرهان العقلي في هذه الصورة متحدثاً و حاملاً لرسالة دين الله جنباً إلى جنب النص النقلي. ج: المعارف التي يستطيع العقل أن يعرفها، و لكن يحكم فيها بـ «التخطئة و التكذيب»؛ أي أن يكون البرهان العقلي مخالفاً لظواهر الكتاب و السنة. فتكون رسالة العقل المبرهن في هذه الصورة مقدمة على ظواهر النص النقلي؛ لأن العقل بمثابة الدليل اللبّي المتصل بالكلام الإلهي أو المنفصل عنه، و استنباط رسالة الدين من النص النقلي من دون ملاحظة القرائن المتصلة أو المنفصلة له أمر مرفوض. جدير بالذكر، أن العقل الذي هو مصدر للدين، و حجيته ثابتة في علم أصول الفقه، لابد أن يكون أصيلاً و غير محرّف كالنص النقلي. و لذا لا يمكن الوصول إلى المطلوب من خلال المبادئ الموهومة و المتخيلة، و إن زُعم أنها عقل محض. و من هنا لابد في تقديم العقل على النقل، و حمل المنقول على خلاف الظاهر من مراعاة نهاية الدقة و الاحتياط و التحزّم إلى جانب التروّي و التخوف من الحرمان من رسالة الوحي الإلهي و تحمّل تبعاتها السيئة. ملاحظة: بما أن تعارض العقل القطعي و النقل اليقيني غير ممکن، فمن المسلّم إذا حصل ذلك فإنه نابع من النظرة الابتدائية، و ينحسر عبر التدقيق؛ كما أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان عقليان قطعيان، أو دليلان نقليان يقينيان مع البعض الآخر.

 ____________________

التسنيم (التسنيم)، ج 1، ص 162.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=593