لماذا نقرأ القرآن ونقدّسه، ونحمله معنا أين ما اتجهنا؟ ولكنّنا نجد أنفسنا في كثير من الأحيان بعيدين كلّ البعد عن أوامره وإضاءاته وكنوزه وأسراره؟

السؤال :

لماذا نقرأ القرآن ونقدّسه، ونحمله معنا أين ما اتجهنا؟ ولكنّنا نجد أنفسنا في كثير من الأحيان بعيدين كلّ البعد عن أوامره وإضاءاته وكنوزه وأسراره؟
بعد هذا الاعتراف يكون من حقّنا أن نتساءل عن سبب هذه الهوّة بين الادّعاء والواقع، بين النظرية والتطبيق، بين المفترض أن يكون وما هو الحاصل بالفعل؟
ولِمَ هذا التباين الفاحش في علاقتنا بالقرآن بحيث أصبحت علاقة ظاهرية خالية من العمل بمضمانيه السامية؟
أترانا قد افترضنا الشكّ والريبَ في الكتاب الذي لا ريبَ فيه؟
وهذه التساؤلات تنتظر منّا جميعاً ـ نحن الذين نمتلك زمام أمورنا ـ وقفةً جادةً صادقةً جريئةً صريحةً واقعيةً؛ لأنّ مكاشفة الذات تتطلب منّا شجاعة كبيرة نجرّد فيها أنفسنا عن أردية الزيف لنقفَ عُراةً كما نحن، لا نتقمّص جلباباً أكبر من واقعنا نكون بارتدائه عاجزين عن ستر الحقيقة مهما كان واسعاً أو ثميناً.



الجواب :

في معرض الإجابة عن أسباب هذه الحالة المرضية، نقول: إنّ مجرّد الادّعاء ورفع الشعار ليس دليلاً على الانتماء لخطٍّ فكريٍّ معيّن، فإنّ ذلك عبارة عن مرحلة لسانية ـ إن ساغ التعبير ـ لا تشكّل إلّا خطوة في عالم الثبوت تنتظر من صاحبها أن يجسّدها في عالم الإثبات كذلك. والتجسيد لا يكون إلّا بتطبيق مفردات ما نصّ عليه القرآن الكريم من أحكام وسلوكيات في القول والعمل، وأنّ مخالفة ذلك تعني ـ بلا أدنى شكّ ـ التناقض الذي يجعل صاحبه من الذين يقولون ما لا يفعلون، ويكون أحد مصاديق المقت الذي تُشير له الآية الكريمة: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ
 تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف، 3].
إنّ الخطر يكمن في النظر إلى المعتقدات كونها موروثاً لا مفرّ من السير على طبقه والمحافظة على إطاره، دون قناعة حقيقة، أو تحمّل أيّة مسؤولية تجاهه، أو أن يكون لنا دور في الدفاع عن هذا الاعتقاد أو رفده بكلّ ما يفعّله ويطوِّره ويكيّفه لينسجم مع تطوّرات الحياة. نعم، إنّ من واجبنا أن نرسم للقرآن صورةً تواكب كلّ جيل، مستمدّةً من حيوية القرآن ومرونة الإسلام، تلك الصورة تجعل منه قادراً في نظر الجيل المعاصر على تلبية كافّة ما يتعلّق بالأمور الحياتية من الأخلاقية والسياسية والعلمية وغيرها، وذلك من خلال إعداد برامج قرآنية تطرح محتويات
 الكتاب الكريم بالشكل الذي يجسّد قدرته على الحركة والإبداع والبناء، وقدرته على صناعة الشخصية الرسالية التي لا تتنازل عن مقرّرات هذا الكتاب؛ بل تجسّدها سلوكاً واقعياً حتى لو كلّفها ذلك التنازل عن الأغراض والمصالح الشخصية.

المجيب: الشيخ عبد الجليل أحمد المكراني.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=770