معنى: لا تؤاخذني بما نسيت

السؤال :

هل الأنبياء معصومون وإذا کانوا معصومين فما معنى قول النبي موسى (ع): {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}؟هل الأنبياء معصومون وإذا کانوا معصومين فما معنى قول النبي موسى (ع): {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}؟



الجواب :

نُشير هنا الى مسألتين:

الأولى: عدم المنافاة بين العصمة وبين النسيان (عند أهل السنة).

الثاني: بيان المراد من النسيان في قصة موسى(ع).

أمّا المسألة الأولى: فمن الواضح أن أهل السنة يقولون بعصمة النبي (ص) في مجال التبليغ وأمور الدين، ويجوّزون الخطأ والنسيان عليه في الأمور العامة ممّا لا دخل له في الدين أو تبليغ الأحکام. ومن الممکن أن نسلّم لهم ونقول بما قالوا ونقتصر على هذا المقدار من العصمة لأهل البيت (ع) لأن فيه الکفاية في اعتبارهم المرجع بعد الرسول الأکرم (ص)، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المسائل المختلف فيها بيننا وبينهم هي من الأمور الدينية، وقد وردت عن النبي الأکرم وأهل بيته (ع)، وعصمتهم کافية في إثبات حجية ذلک.

من الطبيعي أن هذا الجواب مبنيّ على التسليم بما يقولون وأنه بناء على نظريتهم القائلة بالتفکيک بين العصمة في مجال التبليغ والخطأ والنسيان في الأمور العادية. إلا أن المحققين من علمائنا لا يقبلون هذه النظرية ولا يرون مجالاً للتفکيک في العصمة بين الأمور الدينية والدنيوية، لأنه لو سها النبي واشتبه عليه الامر في الامور الدنيوية فلربما تسرب الشک إلى أذهان الناس، وأنه هل يسهو في ما يحکيه من الامر والنهي الالهي أم لا؟

فبأي دليل انه لا يخطأ في هذا الجانب مع انه يسهو في المجالات الاخرى؟!

وهذا الشعور إذا تغلغل في اذهان الناس سوف يسلب اعتماد الناس على النبي، وبالتالي تنتفي النتيجة المطلوبة من بعثه؛ لأن عامة الناس غير قادرين على التفکيک بين تلک المرحلتين، بل يجعلون السهو في أحدهما دليلاً على أمکان تسرب السهو في المرحلة الاخرى. [جعفر السبحاني، عصمة الأنبياء في القرآن الکريم، ص292-293]

أما المسألة الثانية: بيان المراد من النسيان في قصة موسى (ع)

فبعد ثبوت ضرورة عصمة الأنبياء عقلاً ونقلاً، لابد أن نفتش عن المخرج لما يظهر منه خلاف ذلک من قبيل قول موسى(ع): {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} فنقول:

الوجه الأوّل: إنه أراد لا تؤاخذني بما ترکت، ويجري ذلک مجرى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا...} [ طه، 115] أي: بما ترکت.

وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن کعب، عن رسول الله (ص) قال: وقال موسى {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} يقول بما ترکت من عهدک. [وسيأتي الجواب عنه هذا في الوجه الثالث]

الوجه الثاني: إنه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان، فسماه نسياناً للمشابهة کما قال المؤذن لإخوة يوسف (ع): {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف، 70]؛ أي: إنکم تشبهون السراق. [مرکز المصطفى، تفسير آيات موسى والخضر (ع)، ص44]

الوجه الثالث: قال الشيخ مَغنية (ره): اشترط العبد الصالح على موسى أن لا يسأل، وقبل موسى الشرط، ومع ذلک سأل، ولما ذکّر بالشرط اعتذر، ولکنه سأل بعد الاعتذار، ولما ذکّر ثانية قطع على نفسه عهداً أن يجعل العبد الصالح في حلٍّ من صحبته إن سأل بعدها.

ولکنّه سأل، وهو الحريص على أن يتخذه العبد الصالح صاحباً. وموسى (ع) معذور في کل ما سأل لأن نفسه تصبر على الخير والمعروف، أما ما تراه منکراً فلا، ولن تستطيع عليه صبراً، حتىّ ولو أدى ذلک الى مخالفة الوعد والشرط، وأي وزن للوعود والشروط إذا أدت إلى ترک الأمر بالمعروف، والنهي عن المنکر. [تفسير الکاشف، ج‏5، ص، 150]

وکان لانزعاج موسى (ع)- بالطبع- ما يبرره، إذ کان يرى تجاوزاً عن حدود الشرع في الأحداث التي وقعت على يد صاحبه، بحيث تعرض القسم الأعظم للشريعة إلى الخطر، ففي الحادثة الأولى تعرضت مصونية أموال الناس إلى الخطر وفي الثّانية تعرضت أرواحهم إلى خطر، أمّا في الثّالثة، فکان اعتراضه ينصب على ضرورة التعامل المنطقي مع حقوق الناس، لذلک فقد اعترض ونسي‏ عهده الذي قطعه لصاحبه العالم، ولکن ما إن اطّلع على بواطن الأمور هدأ وکفّ عن الاعتراض‏. [ الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل، ج‏9، ص، 346]

يظهر لنا من هذا الکلام أن موقف موسى (ع) يکشف عن روح عالية لا تتحمل أدنى منکر ولو ظاهراً.

الوجه الرابع: التفکيک بين مهمّة موسى والخضر (ع).

قد روى صاحب البحار عن: عَنْ يونُسَ قَالَ: اخْتَلَفَ يونُسُ وهِشَامُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالِمِ الَّذِي أَتَاهُ مُوسَى (ع) أَيهُمَا کَانَ أَعْلَمَ وهَلْ يجُوزُ أَنْ يکُونَ عَلَى مُوسَى حُجَّةٌ فِي وَقْتِهِ وهُوَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ؟ فَقَالَ قَاسِمٌ الصَّيقَلُ: فَکَتَبُوا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) يسْأَلُونَهُ عَنْ ذَلِکَ فَکَتَبَ فِي الْجَوَابِ: أَتَى مُوسَى الْعَالِمَ فَأَصَابَهُ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ إِمَّا جَالِساً وإِمَّا مُتَّکِئاً فَسَلَّمَ عَلَيهِ مُوسَى فَأَنْکَرَ السَّلَامَ إِذْ کَانَ بِأَرْضٍ لَيسَ بِهَا سَلَامٌ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. قَالَ: أَنْتَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ الَّذِي کَلَّمَهُ اللَّهُ تَکْلِيماً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا حَاجَتُکَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.

قَالَ: إِنِّي وُکِّلْتُ بِأَمْرٍ لَا تُطِيقُهُ ووُکِّلْتَ بِأَمْرِ لَا أُطِيقُه‏...." [بحار الأنوار، ج13، ص 279]

وهذه الرواية صريحة في کون الأمر الذي حمله موسى (ع) يختلف عن المهمة التي أوکل بها الخضر(ع)، ولقد فصل الکلام في هذا المجال صاحب تفسير الأمثل حيث قال:

إنّ مجموعة من أولياء الله وعباده مکلّفون في هذا العالم بالبواطن، بينما المجموعة الأخرى مکلّفون بالظواهر. والمکلّفون بالبواطن لهم ضوابط وأصول وبرامج خاصّة بهم، مثلما للمکلّفين بالظواهر ضوابطهم وأصولهم الخاصّة بهم أيضاً.

صحيح أنّ الخط العام لهذين البرنامجين يوصل الإنسان إلى الکمال وصحيح أنّ البرنامجين متناسقين من حيث القواعد الکلية، إلّا أنّهما يفترقان في التفاصيل والجزئيات. [وقد ذکر مجموعة من الامثلة في هذا المجال يمکنکم مراجعتها]

بالطبع لا يستطيع أحد أن يعمل کما يحلو له ضمن هذين الخطين، بل يجب أن يحصل على إجازة المالک القادر الحکيم الخالق جلّ وعلا، لذا رأينا الخضر (العالم الکبير) يوضح هذه الحقيقة بصراحة قائلاً، {مَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} بل إنّي خطوت الخطوات وفقاً للبرنامج الإلهي والضوابط التي کانت موضوعة لي.

وهکذا سيزول التعارض والتضاد وتنتفي الأسئلة والمشکلات المثارة حول مواقف الخضر في الحوادث الثلاث.

وسبب عدم تحمّل موسى (ع) لأعمال الخضر يعود إلى مهمّة موسى التي کانت تختلف عن مهمّة الخضر في العالم، لذا فقد کان موسى (ع) يبادر إلى الاعتراض على مواقف الخضر المخالفة لضوابط الشريعة بينما کان الخضر مستمراً في طريق ببرود، لأنّ وظيفة کل من هذين المبعوثين الإلهيين تختلف عن وظيفة الآخر ودوره المرسوم له إلهياً، لذلک لم يستطيعا العيش سوية، لذا قال الخضر لموسى (ع): {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}. [الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل، ج‏9، ص، 346]

وخلاصة ما قاله الخضر: إنّ هذه الأعمال ليست من جنس أعمال الناس، بل هي من أعمال الله، وإنما کنت واسطة فيها، فهي نماذج لفعل ربکم فى هذه الحياة. [تفسير المراغي، ج‏16، ص، 11]

 

- المصدر: موقع http://www.islamquest.net

بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=787