إذا كان يعقوب يعلم أن يوسف سيكون نبياً فلماذا خاف عليه من الذئب؟

السؤال :

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [سورة يوسف، 4-5]
رؤيا يوسف (ع) غير عادية ولذا حذره ابوه ان يقصها على اخوته! وبين له علامات النبوة إذ قال: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة يوسف، 6]
س: إذا كان يعقوب يعلم أن يوسف سيكون نبياً فلماذا خاف عليه من الذئب و{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} [سورة يوسف، 13]؟



الجواب :

أجاب عن ذلك الشيخ المفيد (ره) بقوله: أنّ يعقوب (عليه السلام) تأوّل رؤيا يوسف (عليه السلام) على حكم رؤيا البشر التي يصحّ منها ويبطل، ويكون التأويل لها مشترطاً بالمشيئة، ولم يكن يوسف في تلك الحال نبيّاً يوحى إليه في المنام، فيكون تأويلها على القطع والثبات، فكذلك لم يجزم على ما اقتضته من التأويل، وخاف عليه أكل الذئب عند إخراجه مع إخوته في الوجه الذي التمسوا إخراجه معهم فيه. وليس ذلك بأعجب من رؤيا إبراهيم (عليه السلام) في المنام ، وهو نبي مرسل وخليل الرحمان مصطفى مفضّل، أنّه يذبح ابنه ثم صرفه الله تعالى عن ذبحه وفداه منه بنصّ التنزيل، مع أنّ رؤيا المنام أيضاً على شرط صحّة تأويلها ووقوعه لا محالة ليس بخاصّ لا يحتمل الوجوه، بل هو جار مجرى القول الظاهر المصروف بالدليل عن حقيقته إلى المجاز، وكالعموم الذي يصرف عن ظاهره إلى الخصوص بقرائنه من البرهان. وإذا كان على ما وصفناه، أمكن أن يخاف يعقوب على يوسف (عليه السلام) من العطب قبل البلوغ، وإن كانت رؤياه تقتضي على ظاهر حكمها بلوغه ونيله النبوة وسلامته من الآفات. وهذا بيّن لمن تأمّله . والله الموفّق للصواب.  [تفسير القرآن المجيد، الشيخ المفيد، ص 302 - 303]
وقال في العلامة الطباطبائي (ره) في قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ}: هذا ما ذكر أبوهم جواباً لما سألوه ولم ينف عن نفسه انه لا يأمنهم عليه وانما ذكر ما يأخذه من الحالة النفسانية لو ذهبوا به فقال وقد اكد كلامه : {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} وقد كشف عن المانع انه نفسه التي يحزنها ذهابهم به لا ذهابهم به الموجب لحزنه تلطفاً في الجواب معهم ولئلا يهيج ذلك عنادهم ولجاجهم وهو من لطائف النكت. واعتذر إليهم في ذلك بقوله : {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} وهو عذر موجه فان الصحارى ذوات المراتع التي تأوي إليها المواشي وترتع فيها الأغنام لا تخلو طبعاً من ذئاب أو سباع تقصدها وتكمن فيها للافتراس والاصطياد فمن الجائز ان يقبلوا على بعض شانهم ويغفلوا عنه فيأكله الذئب. [تفسير الميزان، ج 11، ص 98 - 99]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=816