ما هي الشروط اللازمة في تحقّق الإعجاز بالمعنى الاصطلاحي؟

السؤال :

ما هي الشروط اللازمة في تحقّق الإعجاز بالمعنى الاصطلاحي؟



الجواب :

يعتبر في تحقّق الإعجاز الاصطلاحي الاُمور التالية:
1- أن يكون الإتيان بذلك الأمر المعجز مقروناً بالدعوى، بحيث كانت الدعوى باعثةً على الإتيان به ليكون دليلاً على صدقها، وحجّةً على ثبوتها.
2- أن تكون الدعوى عبارة عن منصب من المناصب الإلهيّة، كالنبوّة; لأنّه حيث لا يمكن تصديقها من طريق السماع عن الإله، لاستحالة ذلك، فلابدّ من المعجزة الدالّة على صدق المدّعي، وثبوت المنصب الإلهي، كما يأتي بيان ذلك في وجه دلالة المعجزة على صدق الآتي بها. وأمّا لو لم تكن الدعوى منصباً إلهيّاً، بل كانت أمراً آخر كالتخصّص في علم مخصوص مثلاً، فالدليل الذي يأتي به مدّعيه لإثبات صدقه لا يسمّى معجزة; لعدم توقّف إثباته على الإتيان بأمر خارق للعادة، بل يمكن التوسّل بدليل آخر كالامتحان ونحوه.
3- أن تكون الدعوى في نفسها ممّا يجري فيه احتمال الصدق والكذب، وإلاّ فلا تصل النوبة إلى المعجزة، بل لا يتحقّق الإعجاز بوجه; ضرورة أنّه مع العلم بصدق الدعوى لا حاجة إلى إثباتها، ومع العلم بكذبها لا معنى لدلالتها على صدق مدّعيها، وإن كان البشر عاجزاً عن الإتيان بمثلها فرضاً. وهذا لا فرق فيه بين أن يكون الكذب معلوماً من طريق العقل، أو من سبيل النقل، فإذا ادّعى أحد أنّه هو الله الخالق الواجب الوجود، وأتى بما يعجز عنه البشر فرضاً، فذلك لا يسمّى معجزةً; لأنّ الدعوى في نفسها باطلة بحكم العقل ; للبراهين القطعيّة العقليّة الدالّة على استحالة ذلك.
كما أنّه إذا ادّعى أحد النبوّة بعد خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله) وأتى ـ فرضاً ـ بما يخرق نواميس الطبيعة والقوانين الجارية، فذلك لا يسمّى معجزة بالإضافة إلى المسلم الذي لا يرتاب في صحّة اعتقاده ونبوّة نبيّه (صلى الله عليه وآله); لأنّه كما ثبتت نبوّته كذلك ثبتت خاتميّته بالأدلّة القاطعة النقليّة، فالمعتبر في تحقّق المعجزة اصطلاحاً كون الدعوى محتملةً لكلّ من الصدق والكذب.
4- كون ذلك الأمر خارقاً للعادة الطبيعيّة، وخارجاً عن حدود القدرة البشريّة، وفيه إشارة إلى أنّ المعجزة لا يمكن أن تكون خارقةً للقواعد العقليّة، وهو كذلك; ضرورة أنّ القواعد العقليّة غير قابلة للانخرام. فالقواعد العقليّة خصوصاً قاعدة امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما، التي ترجع إليها سائر القواعد، وتبتني عليها جميع العلوم والمعارف، بعيدة عن عالم الانخراق والانخرام بمراحل لا يمكن طيّها أصلاً.
5- أن يكون الإتيان بذلك الأمر مقروناً بالتحدّي الراجع إلى دعوة الناس إلى الإتيان بمثله إن استطاعوا، ليعلم بذلك:
أوّلاً: غرض المدّعي الآتي بالمعجزة، وأنّ الغاية المقصودة من الإتيان بها تعجيز الناس، وإثبات عجزهم من طريق لا يمكنهم التخلّص عنه ولا الإشكال عليه.
وثانياً: أنّ عدم الإتيان بمثله لم يكن لأجل عدم تحدّيهم للإتيان، وعدم ورودهم في هذا الوادي، وإلاّ فكان من الممكن الإتيان بمثله; ضرورة أنّ التحدّي الراجع إلى تعجيز الناس الذي يترتّب عليه أحكام وآثار عظيمة من لزوم الإطاعة للمدّعي، وتصديق ما يدّعيه، ويأتي به من القوانين والحدود، والتسليم في مقابلها يوجب ـ بحسب الطبع البشري والجبلّة الإنسانيّة ـ تحريكهم إلى الإتيان بمثله لئلاّ يسجّل عجزهم ويثبت تصوّرهم.
وعليه: فالعجز عقيب التحدّي لا ينطبق عليه عنوان غير نفس هذا العنوان، ولا يقبل محملاً غير ذلك، ولا يمكن أن يتلبّس بلباس آخر، ولا تعقل موازاته بالأغراض الفاسدة، والعناد والتعصّب القبيح.
6- أن يكون سالماً عن المعارضة بالمثل; ضرورة أنّه مع الابتلاء بالمعارضة بالمثل، لا وجه لدلالته على صدق المدّعى ولزوم التصديق؛ إمّا لأجل عدم كون معجزته خارقةً للعادة الطبيعيّة، وإمّا لأجل كون المعارض قد أقدره الله ـ تبارك وتعالى ـ على ذلك لإبطال دعوى المدّعي، فلا يبقى حينئذٍ وجه لدلالة معجزه على صدقه أصلاً; إذ لا يتصوّر غير هذين الفرضين فرض ثالث أصلاً، كما لا يخفى.
7- أن يطابق الأمر الخارق للعادة مقتضى إرادة المدّعي للنبوّة والسفارة وغرضه; بمعنى تطابق قوله مع عمله. فإذا تخالفا، لا يتحقّق الإعجاز بحسب الاصطلاح، كما حكي أنّ مسيلمة الكذّاب تفل في بئر قليلة الماء ليكثر ماؤها، فغار جميع ما فيها من الماء، وأنّه أمرَّ يده على رؤوس صبيان بني حنيفة وحنّكهم، فأصاب القرع كلّ صبيّ مسح رأسه، ولثغ كلّ صبيّ حنّكه [تاريخ الاُمم والملوك للطبري: 3 / 285، الكامل لابن الأثير: 2 / 216]. وإن شئت فسمِّ هذه المعجزة الدالّة على الكذب; لأنّه أجرى الله تعالى هذا الأمر بيده لإبطال دعواه، وإثبات كذبه، وهداية الناس إلى ذلك. [عن: مدخل التفسير، آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (قدّس سرّه)، ص13-19، بتصرّف]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=854