في قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}

السؤال :

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة الأعراف: ١٨٨]

س: قد فسروا الخير في الآية بالمال والسوء بالفقر.. فهل كان (صلّى الله عليه وآله) يرغب بكثرة المال؟ ولا يرغب بالفقر؟ توجد روايات تقول بانه لو اختار ان تكون رمال الصحراء ذهباً لصارت فرفض وقال: آكل يوماً وأصوم يوماً.. فكيف نفهم الواقع؟



الجواب :

روى بعض المفسرين في سبب النزول أن أهل مكة قالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): إذا كان لك ارتباط بالله، أفلا يطلعك الله على غلاء السلع أو زهادتها في المستقبل، لتهيئ عن هذا الطريق ما فيه النفع والخير وتدفع عنك ما فيه الضرر والسوء، أو يطلعك الله على السنة الممحلة "القحط" أو العام المخصب العشب، فينتقل إلى الأرض الخصيبة؟ فنزلت عندئذ الآية - محل البحث - وكانت جواب سؤالهم.

فجاء الجواب طبقاً لما يراه الناس من أهمية المال عندهم: >{وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} أي: ولو كنت أعلم الغيب لادخرت من السنة المخصبة للسنة المجدبة، ولاشتريت وقت الرخص لأيام الغلاء. [انظر: مجمع البيان، ج4، ص406].

مع أن المال ليس مذموماً بصورته المطلقة! فمن خلال المال يمكن البر والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين، ومن خلاله يمكن إعطاء الحقوق الشرعية، ومن خلاله يمكن الدفاع عن الدين والنفس والعرض، وغير ذلك الكثير من الأمور الدنيوية ذات الصبغة الأخروية (فالدنيا مزرعة الآخرة).

ومنه يتضح أيضاً أن أمور الخير التي يمكن أن يقوم بها الإنسان المؤمن ببذله للأموال في سبيل الله لا تنافي سيرة النبي (صلّى الله عليه وآله) بالعزوف عن الدنيا ولذائذها والتفرّغ لطاعة الله وعبادته، والإقبال على الصيام، بل إنها منها، كون هذا البذل من أمور الآخرة لا الدنيا. مع ما في الصيام من فوائد تربوية أخرى غير العزوف عن الدنيا، مثل رقيّ النفس وكبح جماحها ومواساة الفقراء والمساكين.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=886