ما معنى العرش ومن هم حملتُه؟

السؤال :

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة غافر: 7-8].

ما هو معنى العرش ومن هم حملته؟ وإن كانوا مخلوقين ملائكة أو من أي جنس آخر فما هي الحكمة دعائهم ولماذا يستغفرون للمؤمنين؟ وهل المؤمنون بحاجة لاستغفارهم؟



الجواب :

طبقاً للآيات الكريمة والروايات الشريفة، نستنتج بشكل واضح أنّ كلمة (العرش) تطلق على معان مختلفة بالرغم من أنّها تشترك في أساس واحد.

فأحد معاني العرش هو مقام (الحكومة والمالكية وخلق عالم الوجود) إذ تلاحظ أنّ الاستخدام الشائع للعرش يدلل ـ من خلال الكناية ـ على سيطرة الحاكم على اُمور دولته، فنقول مثلاً: «فلان شلّ عرشه» والتعبير كناية عن انهيار قدرته وحكومته.

والمعنى الآخر من معاني العرش هو، «مجموع عالم الوجود» لأنّ كلّ الوجود هو دليل على العظمة.

وأحياناً يستخدم العرش بمعنى «العالم الأعلى» والكرسي بمعنى «العالم الأدنى».

ويستخدم العرش أحياناً بمعنى (عالم ما وراء الطبيعة) والكرسي بمعنى (مجموع عالم المادة) بما في ذلك الأرض والسماء، كما جاء في آية الكرسي: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة، 255].

ولأنّ علم الخالق لا ينفصل عن ذاته المنزّهة، لذا فإنّ كلمة (عرش) تطلق أحياناً على «علم الله».

وإذا أطلق وصف (عرش الرحمن) على القلوب الطاهرة لعباد الله المؤمنين، فذلك يعود إلى أنّ هذا المكان هو محل معرفة الذات الإلهيّة المنزّهة، وهو بحدّ ذاته أحد أدلة عظمته وقدرته جلّ وعلا.

من كلّ ذلك يتّضح أنّ كافة معاني العرش ـ التي وردت آنفاً ـ توضّح عظمة الخالق جلّ وعلا. [انظر: الأمثل، ج 12، ص 30]

وجاء في تفسير الميزان في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} أي: الملائكة الذين يحملون العرش الذي منه تظهر الأوامر وتصدر الأحكام الإلهية التي بها يدبر العالم، والذين حول العرش من الملائكة وهم المقربون منهم‏ [...] وإنما ذكروا الرحمة وشفعوها بالعلم لأنه برحمته ينعم على كل محتاج فالرحمة مبدأ إفاضة كل نعمة، وبعلمه يعلم حاجة كل محتاج مستعد للرحمة< [انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج‏17، ص 308-309]

وأما الحكمة من دعائهم ولماذا يستغفرون للمؤمنين؟ وهل المؤمنون بحاجة لاستغفارهم؟ فنقول:

لا شك في أن الدعاء ـ للنفس  أو للغير ـ له الأثر الكبير على حياة المؤمن الدنيوية والأخروية، بل وفي تعيين مصيره، ففي الروايات الشريفة أن الدعاء يردّ القضاء، وأن الدعاء سلاح المؤمن... [انظر: الكافي، ج2، ص468 وما بعدها]. قال تعالى في الحث على الدعاء والمواظبة عليه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر : 60]، {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان : 77]

نعم، هذا لا ينافي علم الله تعالى بمن يستحق المغفرة من عباده ومن لا يستحقها، لأن الذي لا يستحق مغفرة الله تعالى هو خارج عن هذه الدائرة سواءً دُعي له أم لا، كما هو في حال المنافقين، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون : 5-6]. يقول العلامة الطباطبائي في دعاء حملة العرش: >وإنما ذكروا الرحمة وشفعوها بالعلم لأنه برحمته ينعم على كل محتاج فالرحمة مبدأ إفاضة كل نعمة، وبعلمه يعلم حاجة كل محتاج مستعد للرحمة< [تفسير الميزان، ج17، ص309]

وأما من يستحق المغفرة (ومن هو مستعد لها) فيمكن أن يحصل عليها بالدعاء لله عز وجل من خلال نفسه  أو غيره من المؤمنين، فيكون هذا الدعاء أحد الوسائط التي جعلها الله تعالى لكي يدخل عباده في دائرة المغفرة الإلهية، حيث جرت عادته ـ سبحانه ـ على أن يجري الأمور بأسبابها.

فالآية >بشرى للمؤمنين الحقيقيين والصابرين، بأنكم لستم وحدكم، فلا تشعروا بالغربة أبداً، فحملة العرش الإلهي والمقربون منه، وكبار الملائكة معكم يؤيدونكم، إنهم في دعاء دائم لكم، ويطلبون لكم من الله النصر في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة ... < [تفسير الأمثل، ج15، ص198].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=916