الإحكام والإتقان في الخلقة

السؤال :

{وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سورة الجاثية: ٤]

تفسير {وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ} كما في الميزان في قوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية، 4]: البث التفريق والإثارة وبثه تعالى للدواب خلقها وتفريقها ونشرها على الأرض كما قال في خلق الإنسان: {ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: ٢٠].

س: لماذا نشرها في الأرض وغير مستورة العورتين؟



الجواب :

أولاً: إن مسألة خلق الموجودات بشكل عام كالكواكب والنباتات والحيوانات ومنها البهائم، خُلق كلّ صنف منها بكيفية خاصة وصفة معيّنة يمتاز بها عن غيره، وعلى نظام الحكمة والتدبير الإلهيَّين.

وثانياً: كلمة عورة كما في اللغة هي ما يُستقبح كشفه ويجب ستره، ولكن تدخّل الشارع في حدود هذا المعنى زيادةً أو نقصاناً. وهناك فرق بين البشر وبين البهائم في هذا الجانب لأن البهائم ليس لها كيان خاص وشخصية كما في الإنسان حتى نقول ـ مثلاً ـ عورتها محترمة أو مما يُعبأ به ويلتفت إليه عادةً، فلا يمكن القول إنها من باب العورة الواجب سترها، وهكذا الاختلاف في سائر الجوانب، فللبشر خلقتهم الخاصة وللبهائم خلقتها الخاصة تفترق بها عنهم، فلا يمكن قياسها على الإنسان بحال. وهذا الاختلاف أيضاً بشكله العام مما يضمن لها أن تنتشر في الأرض {وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ} بتلك الكيفية الخاصة التي أرادها الله تعالى، الكيفية التي تزاول معها حياتها الخاصة من تكاثر وحراثة للأرض ونقل وركوب وغير ذلك خدمة للإنسان ـ مع مراعاة عدم إيذائها ـ قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 6-7]. ثم إن الستر متحقق في كل نوع وصنف من أصناف البهائم ولو جزئياً وحسب التكوين الخاص به.

وبعبارة جامعة: الخلقة لها أسرار وإحكام وإتقان كما هو واضح لكل من عاين الطبيعة {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88] فهو تعالى أعلم بما خلق وما فيه من أسرار ودقائق {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=928